المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القتل الرحيم و الرحمة القاتلة - ق ق ج - نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
16-07-2010, 07:06 PM
القتل الرحيم و الرحمة القاتلة
ق ق ج
نزار ب. الزين*


-1-
كانت ولادته عسرة ، و عندما تمت ولادته كان قد أصيب بالإختناق الولادي ، و أصبح نصيبه من الدنيا الإعاقة الدائمة .
الجسد ينمو ...و المخ متوقف عن النمو ..
و لكن جسد سامر ظل ينمو و ينمو ، إلا أنه لا يستطيع خدمة نفسه ، هو طريح الفراش ليل نهار ، بحاجة لمن يطعمه ، و لمن يغير له حفاظته .. لا يتحرك منه إلا فمه ، فإذا جاع يموء كقطة ، و إذا قدمت له الرضاعة يلتهم ما فيها بثوانٍ ...
كبرت الأسرة و أصبح لسامر شقيقتان حلوتان صحيحتا الجسم و العقل ... و لكن سامر لا زال ينمو بلا عقل ، مسببا الكآبة المستمرة لوالديه...
بلغ الآن السابعة من عمره ، ازداد وزنه ، و ازداد مع وزنه عبؤه ...
انتسبت شقيقتاه إلى الروضة ، و لكن سامر لا زال منتسبا إلى فراشه ، لم يحرز اي تقدم رغم جميع المحاولات و التكاليف الباهظة بإشراف طبيب متخصص ..
و خلال موجة اكتئاب ، و في لحظة يأس ، قررت أم سامر امرا .....


*****


بعد حوالي أسبوعين ، أستدعي طبيبه على عجل ، فقد كان سامر في النزع الأخير ....
قال الطبيب : " لقد تأخرتم ؟ تأخرتم كثيرا .. فقد فارق سامر الحياة ربما قبل دقائق من وصولي !"
ثم ...
أضاف مستغربا : " يبدو و كأنه مات جوعا ! "
ثم ....
و بعد تردد و بعد أن تناول أجره مضاعفا ، كتب شهادة الوفاة ،
ثم ......
ختمها بعبارة : "موت طبيعي" .


*****


-2-
كان فواز قرة عيني والديه ، فقد أقبل إلى الدنيا بعد أربع بنات ،
كان محل عناية والديه و شقيقاته ،
كان بالغ النشاط ..بالغ الذكاء .. بالغ اللطف ،
في المدرسة كان من المتفوقين ،
هو الآن في الصف الثاني الإعدادي و لا زال مستمرا بتفوقه و محل إعجاب أساتذته و حب زملائه ..
عاد ذات يوم إلى بيته و قد اشتعل رأسه بالحمى ..
"أشتبه بالتهاب السحايا ، يجب نقله إلى المستشفى في الحال .." قال الطبيب لوالديه .
صاعقة نزلت على رأسيهما ..
كارثة حلت بشقيقاته ...
زلزال هز البيت ..
و في المستشفى ، عندما تمكنوا من تخفيض حرارته بعد أيام عصيبة ، كانت معظم خلايا مخه قد تلفت ..
"نجا من الموت و لكنه لم ينجُ من الإعاقة..." ، قال لهما الطبيب متأسفا ..


*****


ثم ...
تزوجت شقياقته الواحدة إثر الأخرى
ثم ....
التفتت كل منهن إلى شؤون أسرتها ..
و لكن جسد فواز ظل مشلولا ، طريح الفراش ليل نهار ، بحاجة لمن يطعمه ، و لمن يغير له حفاظته .. لا يتحرك منه إلا فمه ، فإذا جاع يموء كقطة ، و إذا قدم له الطعام ازدرده بصعوبة.
ثم ...
تتالت الأيام ... و تقدم الوالدان بالعمر .. و لكنهما ظلا حريصين على خدمة فواز ,, بلا كلل أو ملل أو لحظة تذمر ..
ثم ....
توفيت أم فواز ...
و لكن أبا فواز ظل قائما على خدمة ابنه بلا كلل أو ملل أو لحظة تذمر ..
و حتى اليوم ... و قد تجاوز أبو فواز الثمانين حولا ....لا زال قائما على خدمة ابنه ..
تتناوب بناته على مساعدته من حين لآخر .
=============
* نزار بهاء الدين الزين (http://www.freearabi.com/NizarZainBibliography.htm)
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع :www.FreeArabi.com (http://www.freearabi.com/)

آمال المصري
16-07-2010, 09:35 PM
نموزجان متناقضان تماما كوجهين لعملة واحدة
أحدهما قتل الرحمة السلبي أو تيسير الموت المنفعل , وكان قاتلا أن جاء من جانب الأم وهي مثال الرحمة أن تصل بفلذة كبدها لمرحلة من القنوت واليأس ,
والأخرى على النقيض تماما
كنت مع الواقعتين على أرض الحدث أتنقل بينهما وعلى كم الأسى والأسف إلا أنني استمتعت بها لما تحتويه على صور حية من الواقع الذي واجهت ورأيت رأي العين بعضها
ومازلت أقف أمام نصوصك سيدي الفاضل مبهورة
أرشحها لشهر تموز
دمت بتلك الروعة والألق
تقديري الكبير

شيماء عبد الله
17-07-2010, 03:40 PM
قمة التناقض في المشاعر

البداية قسوة متناهية بزوال الرحمة لبعد نظر ذميم

والثانية منتهى الرحمة والحنان والإيثار والتضحية والعطاء.

أستاذيّ الفاضل / نزار

إختيارك رائع يجسد الوقائع التي تحيطنا في الحياة

يعجبني فكرك الوضاء وذوقك الراقي الملم

سلمت وسلم المداد

كن بخير

ربيحة الرفاعي
17-07-2010, 04:58 PM
مفارقة مؤلمة وتناقض مطلق وتوجهين متضاربين تماما جسدهما العنوان قبل النص

وددت لو كان الموت في الأولى بطريقة مختلفة
فقد جاء أبشع من أن نطلق عليه مسمى القتل الرحيم ... كان قتلا مريعا لا رحمة فيه لأمرين،
اولهما صاحب القرار ... فلم أسمع في كل ما سمعت من روايات اتخذ فيها قرار الموت الرحيم -عند اقوام حرموا الاسلام- بأم اتخذت بنفسها هذا القرار
وثانيهما الطريقة الفظيع التي تمت بها عملية القتل ... حتى ألد اعدائنا، لا نقتله جوعا

نزار ب. الزين ....
مؤلمة كانت الحروف ودامعة
ومرة كانت النهاية في الحالتين

دمت متألق

محمد ذيب سليمان
18-07-2010, 03:05 PM
صورتين متناقضتين في نهايتيهما
سرديتان وقعتا في النفس
والألم يعتصر قلوبنا
والنيا بما فيها احتوت نوذجين من الناس
ولنا أن نواجه الدنيا ونختا .. قياساً
شكرا لك

نزار ب. الزين
20-07-2010, 02:12 AM
نموزجان متناقضان تماما كوجهين لعملة واحدة



أحدهما قتل الرحمة السلبي أو تيسير الموت المنفعل , وكان قاتلا أن جاء من جانب الأم وهي مثال الرحمة أن تصل بفلذة كبدها لمرحلة من القنوت واليأس ,
والأخرى على النقيض تماما
كنت مع الواقعتين على أرض الحدث أتنقل بينهما وعلى كم الأسى والأسف إلا أنني استمتعت بها لما تحتويه على صور حية من الواقع الذي واجهت ورأيت رأي العين بعضها
ومازلت أقف أمام نصوصك سيدي الفاضل مبهورة
أرشحها لشهر تموز
دمت بتلك الروعة والألق
تقديري الكبير


*****

أختي الكريمة رنيم
تشبيهك في محله ، هما وجهان لعملة واحدة هي الإعاقة الدائمة التي لا أمل في شفائها
هذه الحالة تسبب الألم الدائم لأفراد الأسرة
و تحتاج إلى مؤسسات حكومية أو خيرية
لمعاونة الأسرة في رعايتها ..
و لكنها – للأسف - شبه معدومة في بلادنا !....
***
شكرا لاهتمامك و مشاركتك القيِّمة و إشادتك بالنص
و دمت بخير و سعادة
نزار

نزار ب. الزين
20-07-2010, 02:20 AM
قمة التناقض في المشاعر
البداية قسوة متناهية بزوال الرحمة لقصر نظر ذميم
الثانية منتهى الرحمة والحنان والإيثار والتضحية والعطاء.
ستاذيّ الفاضل / نزار
إختيارك رائع يجسد الوقائع التي تحيطنا في الحياة
يعجبني فكرك الوضاء وذوقك الراقي الملم
سلمت وسلم المداد
كن بخير

*****

أختي الفاضلة شيماء
مشاركتك أضاءت نصي و أدفأتني
أما ثناؤك فهو إكليل غار توَّج رأسي
فلك الشكر و الود ، بلا حد
نزار

نزار ب. الزين
20-07-2010, 02:33 AM
صورتين متناقضتين في نهايتيهما
سرديتان وقعتا في النفس
والألم يعتصر قلوبنا
والنيا بما فيها احتوت نوذجين من الناس
ولنا أن نواجه الدنيا ونختا .. قياساً
شكرا لك

*****
أخي الفاضل محمد ذيب
الإعاقة مؤلمة و الخلاص منها قرار شاق
و هنا يختلف الناس في التعامل معها
فكما تفضلت فقد كانا سلوكين متناقضين
شكرا لمشاركتك القيّمة
و دمت بخير و عافية
نزار

نزار ب. الزين
20-07-2010, 02:46 AM
مفارقة مؤلمة وتناقض مطلق وتوجهين متضاربين تماما جسدهما العنوان قبل النص
وددت لو كان الموت في الأولى بطريقة مختلفة
فقد جاء أبشع من أن نطلق عليه مسمى القتل الرحيم ... كان قتلا مريعا لا رحمة فيه لأمرين،
اولهما صاحب القرار ... فلم أسمع في كل ما سمعت من روايات اتخذ فيها قرار الموت الرحيم -عند اقوام حرموا الاسلام- بأم اتخذت بنفسها هذا القرار
وثانيهما الطريقة الفظيع التي تمت بها عملية القتل ... حتى ألد اعدائنا، لا نقتله جوعا
زار ب. الزين ....
مؤلمة كانت الحروف ودامعة
ومرة كانت النهاية في الحالتين
دمت متألق

****

أختي الفاضلة ربيحة
عندما سئلت السيدة في الأقصوصة الأولى
، أجابت دامعة العين :
"لدي أطفال آخرون سليمو الجسد و العقل و بحاجة لاهتمامي ، بينما سامر كان يستهلك معظم وقتي
على حساب إخوته ."
الإعاقة في البلاد المتقدمة مسؤولية المؤسسات الحكومية
أو الخيرية ، و لا يترك الوالدان للمعاناة وحدهما
أما نحن ؟!؟!؟! فوا أسفاه ؟!؟!؟!
***
أختي الكريمة
شكرا لمشاركتك القيِّمة في نقاش النص
التي رفعت من قيمته و أثرته
عميق مودتي لك و اعتزازي بك
نزار

كريمة سعيد
20-07-2010, 11:05 AM
المبدع الراقي نزار ب. الزين
قصتان بالرغم من اختلاف موضوعهما إلا أنهما تجسدان واقعا مؤلما واحدا
ولفتة رائعة إلى هذه الفئة ومعاناة الأسر في عالمنا العربي على الخصوص بسبب هذا الإشكال...
لقد ذكّرتني القصتان بقصة حقيقية بطلها كان مثل بطل القصة الثانية ونهايته كانت مثل نهاية بطل القصة الأولى ولكن ليس على يدي والدته بل على يديّ أبيه و زوجته إذ تركاه بمرآب الفيلا التي يقطنانها ومنعا عنه كل شيء ليموت من الإهمال....
أشكرك أستاذي على هذه الالتقاطة الإنسانية النبيلة الهادفة
تقديري الكبير

نزار ب. الزين
21-07-2010, 11:24 PM
نزار ب. الزين
المبدع الراقي نزار ب. الزين
قصتان بالرغم من اختلاف موضوعهما إلا أنهما تجسدان واقعا مؤلما واحدا
ولفتة رائعة إلى هذه الفئة ومعاناة الأسر في عالمنا العربي على الخصوص بسبب هذا الإشكال...
لقد ذكّرتني القصتان بقصة حقيقية بطلها كان مثل بطل القصة الثانية ونهايته كانت مثل نهاية بطل القصة الأولى ولكن ليس على يدي والدته بل على يديّ أبيه و زوجته إذ تركاه بمرآب الفيلا التي يقطنانها ومنعا عنه كل شيء ليموت من الإهمال....
أشكرك أستاذي على هذه الالتقاطة الإنسانية النبيلة الهادفة
تقديري الكبير

*****

أختي الفاضلة كريمة
كلاهما تجويع و كلاهما تتضمنان القسوة
و لكن إعاقة أحد أفراد الأسرة قاسية أيضا
و لا يستطيع احتمالها أي إنسان
***
أختي الكريمة
مشاركتك رفعت من قيمة النص
و ثناؤك الرقيق وسام زينه
فلك الشكر و الود بلا حد
نزار