تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مربوط بذكرها



عبد الله راتب نفاخ
30-07-2010, 06:22 PM
مربوط بذكرها



حتى متى أنا مربوط بذكركم
أهذي وقلبك مربوط بنسياني
لهفي عليها ولهفي من تذكرها
يدنو تذكرها مني و تنآني


(بشار بن برد)
أحبهاقديماًَ ، إذ كان يراها في غدوها و رواحها ، فتاة مشتعلة الأنوثة ، رقيقة النظرات ، فاتنة الملامح عذبتها ، تحتضن كتبها بحنو فيتمنى ناظرها لو كان ورقة في أحدها ، وفوق كل هذا تمشي على استحياء وفي استحيائها تغنج و دلال.


تعلق قلبه بها وهو يراها كل يوم كذلك ، فعزم على تكليمها و وضع لذلك خطة رسم خيوطها أياماً ، وتفتق ذهنه آخر الأمر عن انتحال شخصية خيالية يدعي أنه يحمل رسالة لها منها .


وكانت الفتاة على ما يظهر أكثر براءة مما حسبت ، فلم تجد غضاضة في الرد على مخاطبته لها ، والاستماع لكلامه وتلقي الرسالة المزعومة ، ثم انسحبا وكلاهما باسم غير ممتعض .


و يوماً بعد يوم تكررت لقاءاتهما ، وكان أحدهما يقف في انتظار الآخر حتى مقدمه ، ولا يضيره في ذلك أكان الجو حاراً أم بارداً ، أو أطالت مدة الانتظار أم قصرت ، إذ كان الحب قد بلغ منهما – على ما ظهر – مبلغاً تتضاءل به هذه المنغصات حتى تغدو تافهة لا معنى لها .


وفجأة ....ومن دون سبب .... ،جاء إلي فقال : قد أنهيت ما كان بيني وبينها ...!!


أذهلني حينئذ كلامه ، فما كان بينهما إلا ما يخيل للإنسان أنه جنة من ورد و ريحان ، تمر بها نسائم الصبا و أصورة المسك ، فما كان أعجب أن يحيلها تلة ليها ينعب الغراب ، وتقوم مدفنة البين والفراق .ولم يكن ممن يسوغون أفعالهم بأسباب يبتدعونها من خارج الواقع ، فلقد صرح دون مواربة أنه لا يريد أكثر مما صنع ، وكفاه أنه كلمها ، وأشبع رغبته من الحديث مع الحسناء الرقيقة ، وقضى إربه من رؤية شفتيها تنطقان عن مثل عقد الجمان و هما تنفتحان لتقولا له بصوت يحاكي ناياً مسحورا : أحبك ، ولم يستجب لها على أنها بكت ..... و تألمت .... ورجته ....... و استعطفته ألا يتركها وحيدة في أرض خربة بلقع ، تسفيها الرياح من جنوب و شمأل ، وهي تنادي حبها الذي استسلمت له ، فلما حسبت أنه صار لها مضى مسرعاً كطير يلحق إخوانه المهاجرين في أوائل الشتاء .


و بعد أشهر قليلة بدأ الندم يظهر عليه ، لكن دون أن يصرح به ، وكنت ألمحه يتأمل بها و هي سائرة في طريقها تأملاً ملؤه حزن و أسى ،فيما كانت هي قد تجاوزت ما حل بها ، وباتت عليها علائم قوة لم تكن من قبل ، فأخذت خطواتها تتسارع ، و جسمها يزداد رشاقة ، وغابت مسحة البراءة التي كانت تكسو وجهها لتؤول مسحة من جد و صرامة .


بعد لواذ خمسة أعوام على الحكاية ، كنت عائداً يوماً إلى بيتي فوجدت مقابلي في الحافلة فتاة على غاية من الأناقة و الجمال كادت تذهب بلبي ، ولما طلبت النزول وجدت نفسي أتبعها مسلوب الإرادة كأنما تقودني قوداً وهي صاعدة في طريق الشارع الذي شهد القصة القديمة ،فيما أنا مأخوذ بفتنتها التي لم أر مثلها، وبشعرها الأسود المنسدل وراء شعرها كليل شاعري ،فجعلني أنسى أين أنا بل من أنا .


ولما دخلت البناء صحوت إلى نفسي و استعدت ذاكرتي ، فإذا البناء بناء تلك الفتاة ، و إذا لها هيئة تشبهها .... بل ...... بل هي نفسها .


مضيت مسرعاً إليه ، وقصصت عليه ما رأيت ، فلم يزد على أن ابتسم ابتسامة مشبعة بالمرارة ، ثم قال :إنني ما زلت إلى اليوم أقصد شارعها صباحاً ، وأقف لأتأملها عند ذهابها إلى جامعتها ، وقلبي يتطاير شعاعاً لهفة عليها ، فيما هي لا تأبه لي ولا تلتفت ، فقد نسيتني و ما عاد يمكن أن تفكر بي وبمن هو مثلي ....قد ضيعتها يا صديقي ...ومن ضيع فرصة مثلها ما له إلا أن يعيش في ذكراها ، لأن الدهر عادة لا يجود بمثلها إلا مرة واحدة في العمر ولا يكررها ... فلات ساعة مندم .


أنت رأيتها ليوم يا صديقي ، أما أنا فأجد نفسي موزعاً بين عذابين ، فلا أملك ألا أراها ، وحين أراها أجد من الحسرة ما يجعلني أشيب في غلواء الشباب ، فاعرف مصيبة من يستهتر بالحب و يلعب بمشاعر غيره يوماً ، كيف يجد نفسه متمرغاً على تراب أعتابه من بعد ....دون أن يلقى المجيب .

شيماء عبد الله
30-07-2010, 07:24 PM
الله الله
لهذه الرائعة الندية الساحرة الفاتنة من كلام عذب وبوح وشجن وبعد وقرب وجذب ومواقف من أجمل ماسردت

أمتعتني وانا أتفسح بهذه الروضة الطروب من شجيرات حرفك المكتنزة الثمار

فيما سبق قيل فرصة العمر لا تأتي إلا مرة واحدة فإن ضاعت تداعت معها أجمل أيام العمر

فلا تعوض .. ولا نتدارك ما راح فهو في مهب الريح

دوما تتحفنا بروائع قلمك الماسي

أسعدني ان أكون أول من يحط الراحلة في هذا النص البديع

كن بخير

حسين المهنا
30-07-2010, 07:38 PM
فاعرف مصيبة من يستهتر بالحب و يلعب بمشاعر غيره يوماً ، كيف يجد نفسه متمرغاً على تراب أعتابه من بعد ....دون أن يلقى المجيب .

رائع نصـك .. يحكـي واقع نلمسـه ونعيشـه ..
كثيـر من يستهـتر بمشـاعر الآخريـن من اجل قضاء حاجة في نفسـه ...
دمـت للصـدق والنثـر الذهبـي ..

زهراء المقدسية
01-08-2010, 04:50 PM
ما أكثر نماذج بطل قصتك يا أستاذ عبد الله
لكن ما يميز بينهم
أن بطلنا وعى ذنبه بعد أن ذاق مرارة تلاعبه بمشاعر الطرف الآخر
آخرون ماتت لديهم المشاعر
وأصبحوا دمى تحركها بطاريات وقتية
يغيرونها عند كل ضحية

تقديري لصاحب حرف
أراه يرتقي سلم الإبداع وبجدارة

عبد الله راتب نفاخ
01-08-2010, 09:11 PM
الله الله
لهذه الرائعة الندية الساحرة الفاتنة من كلام عذب وبوح وشجن وبعد وقرب وجذب ومواقف من أجمل ماسردت

أمتعتني وانا أتفسح بهذه الروضة الطروب من شجيرات حرفك المكتنزة الثمار

فيما سبق قيل فرصة العمر لا تأتي إلا مرة واحدة فإن ضاعت تداعت معها أجمل أيام العمر

فلا تعوض .. ولا نتدارك ما راح فهو في مهب الريح

دوما تتحفنا بروائع قلمك الماسي

أسعدني ان أكون أول من يحط الراحلة في هذا النص البديع

كن بخير

أستاذتي العزيزة شيماء .....
دوماً تشرفين كلماتي بمرورك و تعليقك الحسن .....
لكن ما أقول اليوم في ثنائك الراقي الذي رفع ما كتبت إلى علو ما كنت أحسبه يصله ؟؟؟؟
دوماً تقرئين برهافة و حساسية عاليتين .....
و هذا ما يجعلك ترين النص بعينين غير عيون الناس ....
دمت مبدعة في قراءتك و نظرتك و نقدك ....
و ألف سلام لك
:0014: :0014: :0014:

عبد الله راتب نفاخ
02-08-2010, 01:33 PM
فاعرف مصيبة من يستهتر بالحب و يلعب بمشاعر غيره يوماً ، كيف يجد نفسه متمرغاً على تراب أعتابه من بعد ....دون أن يلقى المجيب .

رائع نصـك .. يحكـي واقع نلمسـه ونعيشـه ..
كثيـر من يستهـتر بمشـاعر الآخريـن من اجل قضاء حاجة في نفسـه ...
دمـت للصـدق والنثـر الذهبـي ..


بارك الله بك أيها الكريم .........
أسعدني مرورك و تعليقك ....
و ما ذاك إلا لسموك و أدبك

آمال المصري
02-08-2010, 10:10 PM
للأسف هو لم يحبها قديما بل تفنن في الوصول إلى قلبها ليرضي رغبة في الحديث إليها ونسيَ ولم يعلم أن النار الذي أعدها ستطاله
ربما هي تبرأ وتنسى , أما هو فكمن حفر حفرة لغيره ووقع فيها
وهذا عدل الجزاء
سيدي الفاضل ...
كثيرا أقرأ نصوصك وأتردد وأخرج دون توقيع يليق بحرفك الخلوق الثر
دمت أديبا مبدعا تجيد العزف بالحروف
وكل عام وأنت للرحمن أقرب
تقديري الكبير

عبد الله راتب نفاخ
03-08-2010, 08:34 AM
ما أكثر نماذج بطل قصتك يا أستاذ عبد الله
لكن ما يميز بينهم
أن بطلنا وعى ذنبه بعد أن ذاق مرارة تلاعبه بمشاعر الطرف الآخر
آخرون ماتت لديهم المشاعر
وأصبحوا دمى تحركها بطاريات وقتية
يغيرونها عند كل ضحية

تقديري لصاحب حرف
أراه يرتقي سلم الإبداع وبجدارة

صدقت يا أختي زهراء ....
فما أقل من يعون خطأ أفعالهم تلك
تقديري البالغ لك و لقراءتك و إبداعك .....
سلمك الله

عبد الله راتب نفاخ
03-08-2010, 08:12 PM
للأسف هو لم يحبها قديما بل تفنن في الوصول إلى قلبها ليرضي رغبة في الحديث إليها ونسيَ ولم يعلم أن النار الذي أعدها ستطاله
ربما هي تبرأ وتنسى , أما هو فكمن حفر حفرة لغيره ووقع فيها
وهذا عدل الجزاء
سيدي الفاضل ...
كثيرا أقرأ نصوصك وأتردد وأخرج دون توقيع يليق بحرفك الخلوق الثر
دمت أديبا مبدعا تجيد العزف بالحروف
وكل عام وأنت للرحمن أقرب
تقديري الكبير


صدقت أستاذتي العزيزة .... عدل الجزاء
سلمك الله لهذا الإطراء الرائع المخجل ......
دمت مبدعة و أديبة راقية ....
ألف شكر لك

زاهية
03-08-2010, 10:12 PM
أفكار جميلة مفيدة تسير بها في الطريق الصحيح.



أتمنى لك مستقبلا باهرا في الآداب الذي تملك أدواتها،



وغنى قاموسك اللغوي الناطق بمخزونك الكبير.



لي همسة من تلميذة أستاذنا الكبير والدكم الجليل



الذي علمنا حبَّ اللغة واحترامها، فنهلنا من معين علومه



أطهر وأنقى وأصدق المعارف.



أرجو منك أستاذ عبدالله الاهتمام بعلامات الترقيم التي



تكمل جمال وبهاء وقيمة النص الأدبي، فقد نبهنا من قبل إلى ذلك



من سبقنا من رواد الواحة الكرام.:0014:



أختك



زاهية بنت البحر

ربيحة الرفاعي
04-08-2010, 12:20 AM
يا إلهي
ما اروع الحرف الذي ينهمر تمكنا واحترافا، في سبكية ولا ابهى، وبناء محكم متين، وتسلسل ذكي لا تتفلت الاحداث خلاله
وفكرة فوق هذا باهرة ....

أحب هذه النكهة التي تميز حرفك بنيّ
دمت متالقا

عبد الله راتب نفاخ
05-08-2010, 05:37 AM
أفكار جميلة مفيدة تسير بها في الطريق الصحيح.



أتمنى لك مستقبلا باهرا في الآداب الذي تملك أدواتها،



وغنى قاموسك اللغوي الناطق بمخزونك الكبير.



لي همسة من تلميذة أستاذنا الكبير والدكم الجليل



الذي علمنا حبَّ اللغة واحترامها، فنهلنا من معين علومه



أطهر وأنقى وأصدق المعارف.



أرجو منك أستاذ عبدالله الاهتمام بعلامات الترقيم التي



تكمل جمال وبهاء وقيمة النص الأدبي، فقد نبهنا من قبل إلى ذلك



من سبقنا من رواد الواحة الكرام.:0014:



أختك



زاهية بنت البحر

ألف شكر لكم أستاذتي لمروركم بنصي .....و ذلك شرف كبير لي
و رأيكم زادني شرفاً و خجلاً ...
و أعدكم بإذن الله بالعمل على نصيحتكم بشأن علامات الترقيم التي لها أكبر الأثر على المظهر و المعنى كليهما...
دوماً نصائحكم لا بد أن يكون فيها الخير كله ....
سلمكم الله و بارك بكم
و دمتم بألف خير

محمد ذيب سليمان
05-08-2010, 02:05 PM
وماذا عساني أقول بعد النهاية الجميلة
التي أنهيت بها مقالتك أو قصتك
تأتينا دائما بما يضع نقطة على حرف
ليجعل له معنى
دمت مبدعا

عبد الله راتب نفاخ
17-08-2010, 10:36 PM
يا إلهي
ما اروع الحرف الذي ينهمر تمكنا واحترافا، في سبكية ولا ابهى، وبناء محكم متين، وتسلسل ذكي لا تتفلت الاحداث خلاله
وفكرة فوق هذا باهرة ....

أحب هذه النكهة التي تميز حرفك بنيّ
دمت متالقا

بارك الله بكم أستاذتي ...
و الروعة إنما هي في قراءتكم و رؤيتكم ...
أخجلتني كلماتكم حتى ذبت في ثيابي :004:
سلمكم الله و حياكم

نداء غريب صبري
18-08-2010, 09:52 AM
لماذا يستهترون بمشاعر المرأة؟
لماذا يبذلون كل شيء لايقاعها في حبائلهم
ثم يهربون؟
كثيرون يشبهونه وليتهم كلهم ينالون نفس العقاب
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ...
لك مني أجمل تحية .