مشاهدة النسخة كاملة : خدعة...
خالد بناني
03-08-2010, 04:54 PM
خدعة
كان اليوم يوم افتتاح معرضه الأول هنا بمسقط رأسه، هو الذي أمضى عمرا من العمر مشتتا على العواصم، ولهذا لم يكن غريبا – وقد تطرقت إلى أعماله الكثير من المجلات المتخصصة – أن يحضر العديد من التشكيليين من مختلف التيارات: تكعيبيون وسورياليون وواقعيون وتجريديون وانطباعيون.. وقد تحلقوا حول اللوحات المعلقة على الجدران الباردة زمرا ومثنى يتبادلون بشأنها الأفكار والرؤى، أما هو فقد انزوى وحيدا مبتعدا عن الجمع حتى يتمكن من مراقبتهم عن كثب من وراء دخان غليونه ذي المبسم الفضي. من وقت لآخر كان يومئ برأسه أو يشير بيده تحية لهذا أو تلك دون أن تفارقه ابتسامة لم يستطع فك شيفرتها أحد.
اقتربت منه صحفية باحثة في صمت خبراته المتراكمة عن سَبْق ما:
ما الذي بإمكان حضرتك أن تقوله لنا عن مجمل أعمالك؟
نظر إليها في صمت وابتسامته تزداد اتساعا قبل ان يرد في هدوء:
لا شيء.
لا شيء؟!
تدلت عيناها دهشة.. ضحك لمنظرها.. انسحبت في خفوت.. عاد للاستمتاع بتعليقاتهم التي تنافسوا في ابتكارها حتى تكون بمستوى الحدث. فجأة قرر اختبارهم بخدعته القديمة تلك:
أيها السادة.. رجاء.
صفق بيديه فإذ بهم يقفون أمامه على شكل قوس ومَن بالوراء يتطاولون حتى يتمكنوا من رؤيته. ضم كفيه في توتر.. تنهد.. استجمع أنفاسه ثم قال:
أنا حقا في غاية الأسف. لم أنتبه إلى أن إحدى اللوحات قد عُلقت بشكل مقلوب.
عادت الوجوه الورائية للاختباء.. شحبت الوجوه الأمامية.. ساد الصمت وقد بلغت القلوب الحناجر وغابت الأحداق في المحاجر.. انتابه ذات الفرح الطفولي لمرآهم. قرر أخيرا أن يرأف بهم قائلا:
لكن لا عليكم، لقد تم تدارك الأمر. شكرا لكم، وبقية فرجة ممتعة. شكرا.
آمال المصري
03-08-2010, 10:38 PM
تماما كالفكرة في رأس الكاتب لايفك شفرتها قارئ كما هي لديه
وربما ترمي لعدة تأويلات لايراها كاتبها
لكن هنا أعتقد ادعى المتخصصون العلم بما ليس لهم به علم
سرد رائع وقصة توافرت فيها كل العناصر
واستخدام لكل أدوات القاص الماهر
وخاتمة شيقة جعلتني أبتسم
سيدي الفاضل
قرأتك هنا اليوم وإن شاء الله سأنتظر قلمك دوما
وكل عام وأنت للرحمن أقرب
تقديري الكبير
خالد بناني
07-08-2010, 03:05 PM
أختي الفاضلة رنيم مصطفى
شرف للنص و لي مرورك البهي كأحلى إشراقة ضوء
رمضان كريم و الله أكرم
و كل عيد ، وكل أيامك عيد إن شاء الله
ربيحة الرفاعي
26-02-2013, 09:30 PM
مهارة ملفتة في رسم المشهد تفضح زيف أدعياء الفن جمهورا و"ومبدعين" بأسلوب ساخر وماتع
سرد جميل وذكاء في التصوير بلغة مميزة
أبدعت لا فض الله فاك
تحاياي
محمد الشرادي
28-02-2013, 04:49 PM
خدعة
كان اليوم يوم افتتاح معرضه الأول هنا بمسقط رأسه، هو الذي أمضى عمرا من العمر مشتتا على العواصم، ولهذا لم يكن غريبا – وقد تطرقت إلى أعماله الكثير من المجلات المتخصصة – أن يحضر العديد من التشكيليين من مختلف التيارات: تكعيبيون وسورياليون وواقعيون وتجريديون وانطباعيون.. وقد تحلقوا حول اللوحات المعلقة على الجدران الباردة زمرا ومثنى يتبادلون بشأنها الأفكار والرؤى، أما هو فقد انزوى وحيدا مبتعدا عن الجمع حتى يتمكن من مراقبتهم عن كثب من وراء دخان غليونه ذي المبسم الفضي. من وقت لآخر كان يومئ برأسه أو يشير بيده تحية لهذا أو تلك دون أن تفارقه ابتسامة لم يستطع فك شيفرتها أحد.
اقتربت منه صحفية باحثة في صمت خبراته المتراكمة عن سَبْق ما:
ما الذي بإمكان حضرتك أن تقوله لنا عن مجمل أعمالك؟
نظر إليها في صمت وابتسامته تزداد اتساعا قبل ان يرد في هدوء:
لا شيء.
لا شيء؟!
تدلت عيناها دهشة.. ضحك لمنظرها.. انسحبت في خفوت.. عاد للاستمتاع بتعليقاتهم التي تنافسوا في ابتكارها حتى تكون بمستوى الحدث. فجأة قرر اختبارهم بخدعته القديمة تلك:
أيها السادة.. رجاء.
صفق بيديه فإذ بهم يقفون أمامه على شكل قوس ومَن بالوراء يتطاولون حتى يتمكنوا من رؤيته. ضم كفيه في توتر.. تنهد.. استجمع أنفاسه ثم قال:
أنا حقا في غاية الأسف. لم أنتبه إلى أن إحدى اللوحات قد عُلقت بشكل مقلوب.
عادت الوجوه الورائية للاختباء.. شحبت الوجوه الأمامية.. ساد الصمت وقد بلغت القلوب الحناجر وغابت الأحداق في المحاجر.. انتابه ذات الفرح الطفولي لمرآهم. قرر أخيرا أن يرأف بهم قائلا:
لكن لا عليكم، لقد تم تدارك الأمر. شكرا لكم، وبقية فرجة ممتعة. شكرا.
أخ بناني
تأويل الإبداع عموما يشكل تحديا حقيقيا للمتلقى، حتى و لو كان هذا المتلقى مسلحا بنظريات النقد، و بالمعرفة يبقى في كثير من الأحيان تأويله مجرد رجم بالغيب، 1 نظرا لأن مسالك التاويل متعددة بل أكثر اتساعا مما يعتقده النقاد 2 نظرا لصعوبة تقفي ما كان يجول في خاطر المبدع حين كان يعد تحفته الإبداعية 3 يمكن تطبيق النظرايات النقدية على الإبداع لكنها لا تكون دائما قادرة على سبر أغوار المادة الإبداعية و الوقوف على كنهها. 3 هناك بعض الأشخاص يعاونون من تضخم في عاهاتهم النقدية فيغالون في التنقيب في ثانيا النص و يحملونه الكثير مما لا يطيق. و يضجرونك بتحاليلهم العجيبة. و قد قال كونكورد ( لا شيئ يسمع الحماقات الأكثر في العالم...مثل لوحة في متحف) كما قال آخر( النفاد يعطونك شروحا مدهشة لأعمال فنية قمت بها أنت بكل بساطة.دون أية تساؤلات فلسفية،فيضحكونك إذا كنت فنانا صادقا و بسيطا لا تهمك الرموز و النظريات المعقدة للفن، و قد يملأونك غرورا و جنونا.
نص مائز أخي
تحيايت
بهجت عبدالغني
28-02-2013, 05:37 PM
إنها لحظة المفارقة بين الزيف والحقيقة .. الفاصلة بين لحظة الانسياق الأعمى ولحظة الوعي ..
وإن كانت الأخيرة توحي أول ما توحي بشيء من الغرابة وحتى السخرية ربما ، في عالم بات يهتم بالقشور والديكور أكثر من اهتمامه باللب والجوهر ..
جميل ما قرأت هنا ..
دمت بخير وعافية
وتحياتي الخالصة ..
كاملة بدارنه
01-03-2013, 09:32 AM
أنا حقا في غاية الأسف. لم أنتبه إلى أن إحدى اللوحات قد عُلقت بشكل مقلوب.
جملة غيّرت في اتجاه مسار الأحداث ...
قصّة جميلة وهذا ما يحدث في تفسير خربشات لا يفقه النّاظر إليها شيئا ،فتحظى بكتب من التّحليلات
بوركت
تقديري وتحيّتي
آمال المصري
18-03-2013, 05:05 PM
باقتدار رسمت لنا مشهدا يتكرر كثيرا يخال أحدنا أن بعض هؤلاء المبدعين فئة لها ذائقتها المائزة ونظراتها الثاقبة
وافتضاح جهالتهم بالشيء بدعابة من صاحب المعرض
راقت لي جميلتك بلغتها الأنيقة وفكرتها
بوركت شاعرنا واليراع
تحاياي
نداء غريب صبري
19-04-2013, 01:08 AM
على محك المواجهة مع الواقع
ينكشف الزيف الذي يعيشونه جميعا
تتعرى ثقافتهم المزورة
قصة جميلة وسرد ممتع
شكرا لك اخي
بوركت
ناديه محمد الجابي
26-03-2014, 09:36 PM
هي خدعة لطيفة تكشف زيف المتحزلقين ومدعي العلم والفن
أحي فيك هذا الألق الأدبي وهذه الرؤية العميقة الناقدة بسخرية وتهكم
دام بهاء حرفك ـ وفي انتظار جديدك .
خلود محمد جمعة
30-03-2014, 06:41 AM
خدعة ناجحة عرت سطحيتهم
وربما لما آل اليه الفن كما الحداثة لا أحد يفهم شيء و الديكور الاجتماعي يمنعهم من البوح
عمق زاد من جمال السرد والفكرة
دمت بخير
مودتي وتقديري
مصطفى حمزة
30-03-2014, 11:43 AM
خدعة
كان اليوم يوم افتتاح معرضه الأول هنا بمسقط رأسه، هو الذي أمضى عمرا من العمر مشتتا على العواصم، ولهذا لم يكن غريبا – وقد تطرقت إلى أعماله الكثير من المجلات المتخصصة – أن يحضر العديد من التشكيليين من مختلف التيارات: تكعيبيون وسورياليون وواقعيون وتجريديون وانطباعيون.. وقد تحلقوا حول اللوحات المعلقة على الجدران الباردة زمرا ومثنى يتبادلون بشأنها الأفكار والرؤى، أما هو فقد انزوى وحيدا مبتعدا عن الجمع حتى يتمكن من مراقبتهم عن كثب من وراء دخان غليونه ذي المبسم الفضي. من وقت لآخر كان يومئ برأسه أو يشير بيده تحية لهذا أو تلك دون أن تفارقه ابتسامة لم يستطع فك شيفرتها أحد.
اقتربت منه صحفية باحثة في صمت خبراته المتراكمة عن سَبْق ما:
ما الذي بإمكان حضرتك أن تقوله لنا عن مجمل أعمالك؟
نظر إليها في صمت وابتسامته تزداد اتساعا قبل ان يرد في هدوء:
لا شيء.
لا شيء؟!
تدلت عيناها دهشة.. ضحك لمنظرها.. انسحبت في خفوت.. عاد للاستمتاع بتعليقاتهم التي تنافسوا في ابتكارها حتى تكون بمستوى الحدث. فجأة قرر اختبارهم بخدعته القديمة تلك:
أيها السادة.. رجاء.
صفق بيديه فإذ بهم يقفون أمامه على شكل قوس ومَن بالوراء يتطاولون حتى يتمكنوا من رؤيته. ضم كفيه في توتر.. تنهد.. استجمع أنفاسه ثم قال:
أنا حقا في غاية الأسف. لم أنتبه إلى أن إحدى اللوحات قد عُلقت بشكل مقلوب.
عادت الوجوه الورائية للاختباء.. شحبت الوجوه الأمامية.. ساد الصمت وقد بلغت القلوب الحناجر وغابت الأحداق في المحاجر.. انتابه ذات الفرح الطفولي لمرآهم. قرر أخيرا أن يرأف بهم قائلا:
لكن لا عليكم، لقد تم تدارك الأمر. شكرا لكم، وبقية فرجة ممتعة. شكرا.
الأكرم ، أديبنا المميز خالد
أسعد الله أوقاتك
وأنت أيضاً خدعت من علّق قبلي !!!
قال الفنان للجمهور أولاً : ( لم أنتبه إلى أن إحدى اللوحات قد عُلقت بشكل مقلوب )
ثم قال لهم : ( لكن لا عليكم، لقد تم تدارك الأمر ) ..
إذن فهم عندما كانوا يُشاهدون اللوحات لم تكن هناك لوحة معلقة بالمقلوب ، لأن الفنان
كان قد تدارك الأمر وعدلها
وإذن فأين خداعه لهم ؟!!
أجمل ما في النص عنوانه !
تحياتي
د. سمير العمري
25-10-2015, 12:40 AM
نص ذكي لانتقاد النقاد والمتذوقين المزيفين للفنون الإنسانية والذين يكونون غالبا جهلاء مدعين أو مستعرضين متباهين أو انتفاعيين وصوليين.
أحسن جدا خالد وراق لي النص كثيرا فلا فض فوك!
تقديري
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir