اميمة عبدالله
06-08-2010, 09:00 PM
أوراق قديمة
عندما ياتى المساء نقول لها ياجدتى احكى لنا
حادثة تبر
من حكايات جدتي
اميمة عبد الله
حلّ الغروب بعد يوم عرق بدأ الصيف مبكراًومبشراً بلهب مقبل ، كانت حاجة علوية تحلب العنزات استعداداً لشاى المغرب قبل عودة زوجها إنها امرأة موفورة النشاط رغم تجاوزها الخمسين ، تسكن فى زيل القرية مع امها الحاجة نبويه تلك المرأة المدينة المشيده عبر الزمان دهاليزها ممتده ، بكل ركن حادثة زمن وفى كل كنعطف حوار بعضه تامرت عليه رمال النسيان التى لا ترحم والأخر تشتعل به الذاكرة وينضجه ضوء القمر ، اوشكت على المائة لكنها ما زالت تحتفظ بلسان كأنه السيف ، تعرفنا من اصواتنا ولا تحفظ اسمائنا 0
قريتنا ليست بالقرية الكبيرة فقد كانت تضم عشرين بيتا جميعها من الطين ، بها مدرسة ابتدائية ومركز صحى ، كنا نرتدى (العراقى ) ولا شىء سواه 0 السمر لا يحلو إلا مع الجدة نبويه تحكى لنا الحكايات ونحن كأن على رؤسنا الطير ذاكرتها تفيض بقصص الجن لإيمانها الشديد بهم وايضا خوفها منهم لذا كانت صلاتها على النبى لا تنقطع 0
بعد أن حلبت الحاجه علويه اللبن ودخلت به حتى بدأت الظلال فى الإنحسار مؤذنة بميعاد شرب الشاى ثم النوم لكن نحن الاطفال نصيبنا من السعادة كان وافرا تلك الليلة لقد ارسلت لنا الجدة محمود ابن الحاجة تدعونا لتحكى لنا حكاية استكملتها الذاكرة بعد معاناة 0 عندما ذهبنا اليها كان العرق يبلل ثوبها من الجهد الذى بذلته فى استحضار قصتهارغم برودة اطرافها ، تغطى رأسها وجسدها بثوب ابيض نادرا ما يفارقها ، شعرها المجعد بدأ واضحا من ثقوب الثوب قالت
- هذه القصة حقيقية وقعت منذ عهد بعيد سمعتها من جدتى 0
جلسنا حولها كنا نحيط بها كاسراب الحمام (بعراريقنا ) الوسخة 0 نستمع اليها فى خشوع ، جلسنا على مسافة قريبة منها نكاد نكون ملاصقين للعنقريب الذى تجلس عليه فى نصف دائرة مما شجعنى للتسكع فى ملامحها وحفظها عن ظهر قلب بدأت تحكى
هذه القصة حدثت فى قرية بعيدة تدعى رأس الفيل فى اقصى الشمال حيث لا بشر يسكنون ولا يجاورون فى قبيلة رعاة رحل نسيت اسمها ، الصحراء تمتد امامهم تتحداهم وتغريهم بها ، اختاروا مكانا هناك لاستقرار الرحيل لوجود بئر هرمة بها بعض النبض آثروا إصلاحها على أن يحفروا دون أن يعلموا أن هذه البئر مملوكة لمن سخرهم سيدنا سليمان ولم يكتشفوا موته إلا بعد زمن 0 غافلت الحكمة عقلائهم لم يفطنوا إلى إن يهوى إستيطان المهجور وبقايا الرماد ، بنوا بيوتا من الطين وجاوروهم 0 الجن لم يزعجهم لأنهم لم يتطاولوا عليه ، قرابة العام مرت دون احداث تذكر سوى إنجاب زوجة احد اغنياء الرعاة ببكرها كانت بنتا اطلقوا عليها اسم رحيل ، كانوا سعداء بها ومنذ صغرها وضحت وضاءة بشرتها ، حلاوة عينيها ، ملاحة فمها واعتدال قوامها ، وعندما بلغت الخامسة عشر بأن التفليج فى اسنانها 0
كل تلك المدة لم يخن الجن عهده لأنهم لم يتجأروا الخيانة لكن وقع المحظور وتطاولت رحيل فى يوم مطر اعقبه غيم غطى على الشمس سويعات ، كانت تنصت لثغاء الجديان وضجيج الابل ، أغواءها الماعز غافلها تبعته وبلغت المحظور عبثت بالرماد الذى يتاخم شريط الحشائش الجنوبى والذى يطوق القبيلة من تلك الناحية وحتى الجنوب الشرقى وجدت قطعة ذهب براقة حيث بقاياهم وبعض عظام الأولين ،وجدتها داخل جمجمة بيضاء ناصعة أخذتها دون اذن وهربت ، لحق بها صعلوكاً منهم ، كان يراقبها منذ زمن أعجبه شعرها وشوخ أنفها وأناملها الطويلة ، أخذتها إلى بيتها ، دفنتها فى احد الأركان ، منعت تلاحق الأحداث حينها من موت لجارتهم ومرض امها من إخبار احد 0
مرت السنين ورحيل تتفتح كزهرة برية ، نسيت حادثة القطعة البراقة لكن صعلوكهم لم ينس ، اصبحت رحيل حديث الشباب كل يتمناها بعد أن اصبح جمالها واضحاً للعيان 0 تقدم محمود لخطبته ، أعطوها له ، زفت فى يوم ليس كالايام 0
ارتفعت الشمس قليلا عن خط الأفق إستاذن محمود زوجته ونام ، ساعات إنقضت وهو نائم 0
- ماذا حدث لمحمود أيعقل أن ينام كل هذا الوقت
هكذا تمتمت لنفسها عند سماعها صوت امها وام محمود ، احضروا لهم طعام الصباح ، أخبرتهم أن محمود لم يستيقظ بعد ، ذهبت امه لتوقظه بعد دقائق قليلة سمعوا صراخها ، خرجت تترنح وعيناها تفيض دمعاً وهلعا ، مرت امامهما بخطوات مسرعة ، متعثرة وصارخة
- مات محمود 00 !
لحقت والدة رحيل بها ، انتشر الخبر مع الريح وعم الحزن ، مات محمود
إنكفات الشمس او هكذا راها والد محمود ابنه مات ، كان الحدث أكبر منه 0
ذهبت رحيل الى منزل والدها بعد أن كتم الخجل ما تبقى من همس كان ينسج حولها 0
جسم على قلبه هم بحجم الجبال ، تنازعه الأرق ماذا فعلت ابنته لمحمود ، سوال يطرق ذهنه بقوة رغم مرور ثلاثة سنوات الا أن القصة وكأنها حدثت بالأمس القريب ، القبيلة لن تغفل ابدا عن الحادثة 0 فى يوم جمعة طرق بابه غريب اخبره أنه من الشرق وأنه تاجر جمال وبأنه رأى عند البئر فتاة ما ذادها ادبها الا جمالا وهو هنا الأن لأنه يريد الزواج منها ، أخبره والد رحيل بقصة محمود ، لكن الغريب ابتسم
- ذلك قضاء الله ولا ذنب لرحيل فيه
- نعم لا مرد لقضائه
- لكل شىء حكمة سبحانه
- ساحملها الى اهلى صباحا
- اذا غدا ترحل الى الشرق
- انشاء الله لذا ارجو أن يكون الفرح مساء
ذفت له فى حضور الأقارب فقط 0 لكنها لم تسافر الى الشرق ولم يسافر الغريب الى اهله 0 كست الغيوم القرية صباحا واحتوى العم يزيد سواد قاتم وهو فى طريقه الى خيمة الغريب بعد أن ابلغوه خبر وفاته 0 الفضيحة هزمته وازابت كل وقار عنده ، ابنته هدته ، احس بالعجز والفراغ يملاء قلبه ، شكى الى الله همه ، سيطر عليه توتر جعل أطرافه ترتعش 0 اصبحت الهمهة صراحة ومن تمهل بالأمس بكر اليوم ، إتكأت القصة على باب كل بيت
- مات الغريب
ضجت الأرض بالموال وتعالت الهمهمات ، الهمس علا بوقاحة ، امتنع العم يزيد عن الخروج كان يزرع ( حوش ) منزله بخطوات مجنونة ، يرهق جسده لا يستقر على حال إلى أن يتفصد العرق من الجبين ويبلغ حد الأعياء بعدها يهمد علىظل شجرة خلف منزله 0
حملت الطيور الخبر قطعت به الصحراء على جناح الريح وصل القرى البعيدة سمع بها شيخ عبد الجواد ، قريته فى جنوب دارفور ، استهوته القصة لأن اللعب مع الجن كان يعجبه يرى فى تتبع الغيب مهنته ، استعد للسفر أخذ ما يلزم وشد السرج صباحا ، رحل سراٌ 0 وصل الشمال وبدأ بالسوال عن قرية رحيل ، كان رجلا مهيبا له لحية كثيفة بيضاء وحاجبان غزيران نحيف ، قسمات وجهه تدل على الحكمة ، بعد ايام انزل السرج فى قرية رحيل قصد بيتها ، حدث والدها ، طلب منه أن يرسل فى طلب امام الجامع ليعقد عليها وياخذها دون ضجة وهكذا قضى الأمر 0
انتبذ بها مكان خلاء ، لم يمسها ولم يتناول الطعام لأن مصارعة اهل الخفاء لا تقبل الهوادة ، تلى القران طيلة اليل واطرف النهار 0 فى الليلة الثانية وهو قائما يصلى رأى امامه شبحا ينزل من السقف عاريا لا يستره شىء ، واصل صلاته جلس الشبح قرب رحيل ، هكذا حدث فى الليلة الثالثة بعدها قرر الشيخ السفر ، ترك رحيل تبكى حظها ، أخذ عصاه وابريقه وبعض التمر ونضى فى سبيله يطلب النجاة لرحيل ، كانت تراقبه إلى أن إبتلعته الصحراء لسعتها موجة حر ، تراقصت حولها السنة السراب وهى تحاول جاهدة روية شبح زوجها وهو يمضى شمالا دون أن يلتفت ، يمشى محاولا إنتزاع نعله من الرمال الرامضه ، الشمس تلهب راسه ، عرفه يقضى عدم ستره إنها تعاليم الجن 0 طوال الطريق يسبح ويقرأ تعاويذا تخصهم 0 سار لثلاثة ايام غذاءه البلح والماء فى اليوم الرابع جلس امام بناء خرب تحفه حجارة ضخمة هى بقايا حائط قديم اتخذه ملاذا 0 ركز بصره على صخرة ضخمة اثناء قراءة التعاويذ التى اخذت الليل كله ، بعدها سمع الشيخ عويلا عقبته قهقهات عالية ، أغمض الشيخ عينيه وما كاد يفعل حتى وجد نفسه فى مدينة عظيمة لها سور عال واُناس عراة وأخرين يرتدون خرقة داكنة ، شوارعها تضج بالحركة ، عرف الشيخ أنه يوم المحكمة العامة ، إتخذ طريقه دون أن يلتفت ، كان خائفا لكنه استمسك باسم الله وعزم ، اتجه الى مكان عالى خمن أنه مكان الجمع ، عندما وصل وجد مجموعات تقف بعيدة عن بعضها وتختلف فى سحنتها وملامحها عرف أنهم جماعات من قبائل مختلفة جاءوا ليوم المحكمة المشهود بعضهم يعلق بصره بالارض وعندما تلتقى صدفة بنظراتهم يصدك خجل يسكنهما كخجل العذارى ، سال عنهم همسا عرف أنهم مسلمين ، شق الجمع إلى أن وصل المنصة ، كانت ضخمة عليها قاضى رقيق الصوت ساله بأدب
- ما مسالتك ؟
- أشكو احدا
- ما فعل
- يضاجع زوجتى ويمنعنى عنها
- اتعرفه
- إن رايته اعرفه
أمر القاضى بجمع صعاليك المدينة ثم اصتفهم امامه ساله
- أيهم ؟
كان شيخ عبد الجواد ينظر إليهم راجيا من الله أن يكون بينهم ، له ما اراد ، اشار إلى احدهم
- هذا هو
صرف القاضى الباقين وابقاءه
- يا سيدى القاضى هو الذى تزوجها بعدى ، أنا تزوجتها مذ كان عمرها خمسة عشر عاما ، لقد اخذت مهرها من ثروتى
- ماذا كانت
تعجب الشيخ من القاضى فهو يكتفى بجملة من كلمتين فقط
- قطعة ذهب ورثتها من امى
- اذا اعدناها
- لا أقبلها احب زوجتى
امر القاضى بجلده بالسياط ، تهاوت عليه دون رحمة
- اريد قطعتى وساتركها
امر القاضى الشيخ باعادة قطعة الذهب ورجاه أن لايخونوا العهد لأن البئر ملكهم ثم طلب منه أن يغمض عينيه وعندما فتحهما كان امام خيمته ، وجد رحيل ترتعش والحمى تتنازعها ، سالها اين خباءت قطعة الذهب ، ساعدها على التذكر بتلاوة القران على راسها ، قالت فى مكان فى حوش منزلهم ، ذهب ، عندما وصل بدأ يحفر ، العرف يلزمه أن لا يحادث احدا ، ظل يحفر إلى أن اوشكت الشمس على المغيب ، وجدها بعد عناء جلس قابضا عليها ثم قال كما امره القاضى
- اعدنا الامانة فاوفوا العهد
وهكذا رجعت قطعة الذهب اليهم وشفيت رحيل من الحمى واخذها شيخ عبد الجواد معه
عندما انتهت القصة كنت مشدودا لدرجة أننى لم اع أن الجده نبويه كانت تضحك لإتساع عيني وبريقهما ودون أن احس قبلت جبينها وجريت
عندما ياتى المساء نقول لها ياجدتى احكى لنا
حادثة تبر
من حكايات جدتي
اميمة عبد الله
حلّ الغروب بعد يوم عرق بدأ الصيف مبكراًومبشراً بلهب مقبل ، كانت حاجة علوية تحلب العنزات استعداداً لشاى المغرب قبل عودة زوجها إنها امرأة موفورة النشاط رغم تجاوزها الخمسين ، تسكن فى زيل القرية مع امها الحاجة نبويه تلك المرأة المدينة المشيده عبر الزمان دهاليزها ممتده ، بكل ركن حادثة زمن وفى كل كنعطف حوار بعضه تامرت عليه رمال النسيان التى لا ترحم والأخر تشتعل به الذاكرة وينضجه ضوء القمر ، اوشكت على المائة لكنها ما زالت تحتفظ بلسان كأنه السيف ، تعرفنا من اصواتنا ولا تحفظ اسمائنا 0
قريتنا ليست بالقرية الكبيرة فقد كانت تضم عشرين بيتا جميعها من الطين ، بها مدرسة ابتدائية ومركز صحى ، كنا نرتدى (العراقى ) ولا شىء سواه 0 السمر لا يحلو إلا مع الجدة نبويه تحكى لنا الحكايات ونحن كأن على رؤسنا الطير ذاكرتها تفيض بقصص الجن لإيمانها الشديد بهم وايضا خوفها منهم لذا كانت صلاتها على النبى لا تنقطع 0
بعد أن حلبت الحاجه علويه اللبن ودخلت به حتى بدأت الظلال فى الإنحسار مؤذنة بميعاد شرب الشاى ثم النوم لكن نحن الاطفال نصيبنا من السعادة كان وافرا تلك الليلة لقد ارسلت لنا الجدة محمود ابن الحاجة تدعونا لتحكى لنا حكاية استكملتها الذاكرة بعد معاناة 0 عندما ذهبنا اليها كان العرق يبلل ثوبها من الجهد الذى بذلته فى استحضار قصتهارغم برودة اطرافها ، تغطى رأسها وجسدها بثوب ابيض نادرا ما يفارقها ، شعرها المجعد بدأ واضحا من ثقوب الثوب قالت
- هذه القصة حقيقية وقعت منذ عهد بعيد سمعتها من جدتى 0
جلسنا حولها كنا نحيط بها كاسراب الحمام (بعراريقنا ) الوسخة 0 نستمع اليها فى خشوع ، جلسنا على مسافة قريبة منها نكاد نكون ملاصقين للعنقريب الذى تجلس عليه فى نصف دائرة مما شجعنى للتسكع فى ملامحها وحفظها عن ظهر قلب بدأت تحكى
هذه القصة حدثت فى قرية بعيدة تدعى رأس الفيل فى اقصى الشمال حيث لا بشر يسكنون ولا يجاورون فى قبيلة رعاة رحل نسيت اسمها ، الصحراء تمتد امامهم تتحداهم وتغريهم بها ، اختاروا مكانا هناك لاستقرار الرحيل لوجود بئر هرمة بها بعض النبض آثروا إصلاحها على أن يحفروا دون أن يعلموا أن هذه البئر مملوكة لمن سخرهم سيدنا سليمان ولم يكتشفوا موته إلا بعد زمن 0 غافلت الحكمة عقلائهم لم يفطنوا إلى إن يهوى إستيطان المهجور وبقايا الرماد ، بنوا بيوتا من الطين وجاوروهم 0 الجن لم يزعجهم لأنهم لم يتطاولوا عليه ، قرابة العام مرت دون احداث تذكر سوى إنجاب زوجة احد اغنياء الرعاة ببكرها كانت بنتا اطلقوا عليها اسم رحيل ، كانوا سعداء بها ومنذ صغرها وضحت وضاءة بشرتها ، حلاوة عينيها ، ملاحة فمها واعتدال قوامها ، وعندما بلغت الخامسة عشر بأن التفليج فى اسنانها 0
كل تلك المدة لم يخن الجن عهده لأنهم لم يتجأروا الخيانة لكن وقع المحظور وتطاولت رحيل فى يوم مطر اعقبه غيم غطى على الشمس سويعات ، كانت تنصت لثغاء الجديان وضجيج الابل ، أغواءها الماعز غافلها تبعته وبلغت المحظور عبثت بالرماد الذى يتاخم شريط الحشائش الجنوبى والذى يطوق القبيلة من تلك الناحية وحتى الجنوب الشرقى وجدت قطعة ذهب براقة حيث بقاياهم وبعض عظام الأولين ،وجدتها داخل جمجمة بيضاء ناصعة أخذتها دون اذن وهربت ، لحق بها صعلوكاً منهم ، كان يراقبها منذ زمن أعجبه شعرها وشوخ أنفها وأناملها الطويلة ، أخذتها إلى بيتها ، دفنتها فى احد الأركان ، منعت تلاحق الأحداث حينها من موت لجارتهم ومرض امها من إخبار احد 0
مرت السنين ورحيل تتفتح كزهرة برية ، نسيت حادثة القطعة البراقة لكن صعلوكهم لم ينس ، اصبحت رحيل حديث الشباب كل يتمناها بعد أن اصبح جمالها واضحاً للعيان 0 تقدم محمود لخطبته ، أعطوها له ، زفت فى يوم ليس كالايام 0
ارتفعت الشمس قليلا عن خط الأفق إستاذن محمود زوجته ونام ، ساعات إنقضت وهو نائم 0
- ماذا حدث لمحمود أيعقل أن ينام كل هذا الوقت
هكذا تمتمت لنفسها عند سماعها صوت امها وام محمود ، احضروا لهم طعام الصباح ، أخبرتهم أن محمود لم يستيقظ بعد ، ذهبت امه لتوقظه بعد دقائق قليلة سمعوا صراخها ، خرجت تترنح وعيناها تفيض دمعاً وهلعا ، مرت امامهما بخطوات مسرعة ، متعثرة وصارخة
- مات محمود 00 !
لحقت والدة رحيل بها ، انتشر الخبر مع الريح وعم الحزن ، مات محمود
إنكفات الشمس او هكذا راها والد محمود ابنه مات ، كان الحدث أكبر منه 0
ذهبت رحيل الى منزل والدها بعد أن كتم الخجل ما تبقى من همس كان ينسج حولها 0
جسم على قلبه هم بحجم الجبال ، تنازعه الأرق ماذا فعلت ابنته لمحمود ، سوال يطرق ذهنه بقوة رغم مرور ثلاثة سنوات الا أن القصة وكأنها حدثت بالأمس القريب ، القبيلة لن تغفل ابدا عن الحادثة 0 فى يوم جمعة طرق بابه غريب اخبره أنه من الشرق وأنه تاجر جمال وبأنه رأى عند البئر فتاة ما ذادها ادبها الا جمالا وهو هنا الأن لأنه يريد الزواج منها ، أخبره والد رحيل بقصة محمود ، لكن الغريب ابتسم
- ذلك قضاء الله ولا ذنب لرحيل فيه
- نعم لا مرد لقضائه
- لكل شىء حكمة سبحانه
- ساحملها الى اهلى صباحا
- اذا غدا ترحل الى الشرق
- انشاء الله لذا ارجو أن يكون الفرح مساء
ذفت له فى حضور الأقارب فقط 0 لكنها لم تسافر الى الشرق ولم يسافر الغريب الى اهله 0 كست الغيوم القرية صباحا واحتوى العم يزيد سواد قاتم وهو فى طريقه الى خيمة الغريب بعد أن ابلغوه خبر وفاته 0 الفضيحة هزمته وازابت كل وقار عنده ، ابنته هدته ، احس بالعجز والفراغ يملاء قلبه ، شكى الى الله همه ، سيطر عليه توتر جعل أطرافه ترتعش 0 اصبحت الهمهة صراحة ومن تمهل بالأمس بكر اليوم ، إتكأت القصة على باب كل بيت
- مات الغريب
ضجت الأرض بالموال وتعالت الهمهمات ، الهمس علا بوقاحة ، امتنع العم يزيد عن الخروج كان يزرع ( حوش ) منزله بخطوات مجنونة ، يرهق جسده لا يستقر على حال إلى أن يتفصد العرق من الجبين ويبلغ حد الأعياء بعدها يهمد علىظل شجرة خلف منزله 0
حملت الطيور الخبر قطعت به الصحراء على جناح الريح وصل القرى البعيدة سمع بها شيخ عبد الجواد ، قريته فى جنوب دارفور ، استهوته القصة لأن اللعب مع الجن كان يعجبه يرى فى تتبع الغيب مهنته ، استعد للسفر أخذ ما يلزم وشد السرج صباحا ، رحل سراٌ 0 وصل الشمال وبدأ بالسوال عن قرية رحيل ، كان رجلا مهيبا له لحية كثيفة بيضاء وحاجبان غزيران نحيف ، قسمات وجهه تدل على الحكمة ، بعد ايام انزل السرج فى قرية رحيل قصد بيتها ، حدث والدها ، طلب منه أن يرسل فى طلب امام الجامع ليعقد عليها وياخذها دون ضجة وهكذا قضى الأمر 0
انتبذ بها مكان خلاء ، لم يمسها ولم يتناول الطعام لأن مصارعة اهل الخفاء لا تقبل الهوادة ، تلى القران طيلة اليل واطرف النهار 0 فى الليلة الثانية وهو قائما يصلى رأى امامه شبحا ينزل من السقف عاريا لا يستره شىء ، واصل صلاته جلس الشبح قرب رحيل ، هكذا حدث فى الليلة الثالثة بعدها قرر الشيخ السفر ، ترك رحيل تبكى حظها ، أخذ عصاه وابريقه وبعض التمر ونضى فى سبيله يطلب النجاة لرحيل ، كانت تراقبه إلى أن إبتلعته الصحراء لسعتها موجة حر ، تراقصت حولها السنة السراب وهى تحاول جاهدة روية شبح زوجها وهو يمضى شمالا دون أن يلتفت ، يمشى محاولا إنتزاع نعله من الرمال الرامضه ، الشمس تلهب راسه ، عرفه يقضى عدم ستره إنها تعاليم الجن 0 طوال الطريق يسبح ويقرأ تعاويذا تخصهم 0 سار لثلاثة ايام غذاءه البلح والماء فى اليوم الرابع جلس امام بناء خرب تحفه حجارة ضخمة هى بقايا حائط قديم اتخذه ملاذا 0 ركز بصره على صخرة ضخمة اثناء قراءة التعاويذ التى اخذت الليل كله ، بعدها سمع الشيخ عويلا عقبته قهقهات عالية ، أغمض الشيخ عينيه وما كاد يفعل حتى وجد نفسه فى مدينة عظيمة لها سور عال واُناس عراة وأخرين يرتدون خرقة داكنة ، شوارعها تضج بالحركة ، عرف الشيخ أنه يوم المحكمة العامة ، إتخذ طريقه دون أن يلتفت ، كان خائفا لكنه استمسك باسم الله وعزم ، اتجه الى مكان عالى خمن أنه مكان الجمع ، عندما وصل وجد مجموعات تقف بعيدة عن بعضها وتختلف فى سحنتها وملامحها عرف أنهم جماعات من قبائل مختلفة جاءوا ليوم المحكمة المشهود بعضهم يعلق بصره بالارض وعندما تلتقى صدفة بنظراتهم يصدك خجل يسكنهما كخجل العذارى ، سال عنهم همسا عرف أنهم مسلمين ، شق الجمع إلى أن وصل المنصة ، كانت ضخمة عليها قاضى رقيق الصوت ساله بأدب
- ما مسالتك ؟
- أشكو احدا
- ما فعل
- يضاجع زوجتى ويمنعنى عنها
- اتعرفه
- إن رايته اعرفه
أمر القاضى بجمع صعاليك المدينة ثم اصتفهم امامه ساله
- أيهم ؟
كان شيخ عبد الجواد ينظر إليهم راجيا من الله أن يكون بينهم ، له ما اراد ، اشار إلى احدهم
- هذا هو
صرف القاضى الباقين وابقاءه
- يا سيدى القاضى هو الذى تزوجها بعدى ، أنا تزوجتها مذ كان عمرها خمسة عشر عاما ، لقد اخذت مهرها من ثروتى
- ماذا كانت
تعجب الشيخ من القاضى فهو يكتفى بجملة من كلمتين فقط
- قطعة ذهب ورثتها من امى
- اذا اعدناها
- لا أقبلها احب زوجتى
امر القاضى بجلده بالسياط ، تهاوت عليه دون رحمة
- اريد قطعتى وساتركها
امر القاضى الشيخ باعادة قطعة الذهب ورجاه أن لايخونوا العهد لأن البئر ملكهم ثم طلب منه أن يغمض عينيه وعندما فتحهما كان امام خيمته ، وجد رحيل ترتعش والحمى تتنازعها ، سالها اين خباءت قطعة الذهب ، ساعدها على التذكر بتلاوة القران على راسها ، قالت فى مكان فى حوش منزلهم ، ذهب ، عندما وصل بدأ يحفر ، العرف يلزمه أن لا يحادث احدا ، ظل يحفر إلى أن اوشكت الشمس على المغيب ، وجدها بعد عناء جلس قابضا عليها ثم قال كما امره القاضى
- اعدنا الامانة فاوفوا العهد
وهكذا رجعت قطعة الذهب اليهم وشفيت رحيل من الحمى واخذها شيخ عبد الجواد معه
عندما انتهت القصة كنت مشدودا لدرجة أننى لم اع أن الجده نبويه كانت تضحك لإتساع عيني وبريقهما ودون أن احس قبلت جبينها وجريت