الضبابية
13-04-2004, 09:33 PM
بايعت عيدك. واستثنيت أعيادي
مستشرفاً غد ابنائي واحفادي
وكان نذري دمي قربانة سنحت
على مذابح آبائي وأجدادي
وقلت لاسمك “كن رؤيا” فصار رؤى
لطارف المجد. موصولاً بأتلاد
وانت ما أنت. عباسية ملكت
شمس الشموس بتاج الله والضاد
ووزعت نورها في كل غاشية
من الظلام بمشكاة الدم الهادي
وشع قرطاسها روحاً ومعرفة
على العوالم. من خاف الى باد
هنا المنابر. من عرب ومن عجم
هنا المنائر. هدي الرائح الغادي
اصابع الناس أقلام. وأحرفهم
بوح اللغات بحلم الصابئ الصادي
من المشارق أسفار مذهبة
الى المغارب. مرصاداً لمرصاد
ودجلة عسل تغري لذائذه
سمن الفرات بنحل بين أوراد
وللنخيل عيون التمر. شاخصة
لسومر. بابل. آشور. أكاد
ليعرب جامح شدت نوازعه
بوابة الشرق. أمداء لآماد
فللخيول صهيل عبر “أورمية”
وللسيوف صليل خلف “أرواد”
والأطلسي يعيد الوصف للهادي
مصاحف ورماح للمدى نشرت
ايمانها النور في أسداف إلحاد
وشرعت علماً واستنهضت أمماً
وأشهرت قلماً في وجه جلاد
وللقصائد كوفي يتيه بها
وكم تتيه اذا قالوا: من الشادي؟
وشهرزاد. صلاة الليل حكمتها
لخدها طالما حنت مخدتها
وشهريار لإبراق وإرعاد
وأنت. كاهنة الإلهام. شاهدة
على بدائع أمثال وأضداد
كنوز كفيك أمجاد مخلدة
زكاتها ردف أمجاد بأمجاد
أعلى الرشيد صروح العلم وانكفأت
على المبعثر من علم وإرشاد
وملء نهريك حبر الروح سال دماً
وسال حبراً دمي في بحر أحقاد
وكنت ما كنت. من حر لطاغية
عبر العصور. وعُبداناً لأسياد
تداولتك صروف الدهر عاصفة
ورنحتك كفوف الشر خاطفة
وطوحتك. من الجزار. للفادي
ومن أساور عز غردت ذهباً
الى شفوف حرير زغردت طرباً
الى مذلة أغلال وأصفاد
وللمغول زحوف لا لجام لها
وللتتار سيوف دون أغماد
وللعلوج من الأجلاف زعنفة
تبدل الحال إفساداً بإفساد
وأنت عارية في السجن دامية
وأنت كابية في القيد باكية
والقهقهات لأوباش وأوغاد
ما أنجدت يمناً قيس. ولا ذرفت
ثمود دمعة محزون على عاد
والأهل أهلك. لم تنبس لهم شفة
بغير صمت لدى أجراس حساد
لم ازدهرت وبيد الشرق قاحلة
وكيف صار حريراً ثوب لباد؟
وما نهوضك والأجفان مغمضة
على الرمال؟ وماذا صوتك الحادي؟
وما طموحك والآمال خائبة
وما صعودك والعراب في الوادي؟
يا حرة لوث الطاغوت زهوتها
ومهرة دنس الكاوبوي صهوتها
ما العيش في موت فرسان ورواد؟
لك الأجانب. أسياداً. متى رغبوا
وكم يجانب من أهل وأولاد
تفرقوا شيعاً وافرنقعوا زمراً
وأسرفوا عبثاً. في شح ارفاد
ولا تجمعهم في الويل جامعة
نادي عليهم اذن. يا أختهم نادي!
وصاحب الجاه في مستنقع نتن
يتيه بالجاه فيما يسخر النادي
عليه من حلل الاشباه ضافية
ودأبه الرقص مشدوداً بأوتاد
وحين يخطب فالأقوال في واد
وحين يفعل. فالأفعال في واد
حصان طروادة صالون منزله
وكعب آخيل في جيش وقواد
وصاحب الجاه رخو حين تصفعه
كف الغريب. وفينا. كابن شداد!
وأي جاه نجا من جاه عصمته
وحوله حشد أزلام وأكداد
جز الرقاب فلم يشبع هوايته
جر النواصي وتعليق بأعواد
واستصغر الخلق معتداً بسطوته:
لم يخلق الله امثالي وأندادي!
***
بغداد. بغداد. حبي قاتلي. فمتى
يتيح حبك تكفيني وإلحادي
في الكاظمية لي شمس أغازلها
وفي الرصافة شباك لإنشادي
وشاغلي رصد أنقاضي مبعثرة
في راحلين عن الدنيا وأوفاد
غرست في تربة الأحزان لي أملاً
وما سوى الحزن. اصداري وايرادي
يقتر الدهر في حظي وفي هبتي
وحظه من هباتي جود أجواد
وللفرات أب. قبلي قضى وجعاً
في منفيين. بلا صحب وعواد
بريد غربته في غربتيه بكى
رسائل البين من بعد لأبعاد
بدّلته جسداً صلصال طاغية
ومن يبدل أرواحاً بأجساد؟
وأنت من سلف أودى به خلف
وكم شقيت وكم حاولت اسعادي
وأنت لي. أنت لي. آتيك مبتهلاً
دربي تراب فلم أطمع بسجاد
وأنت زادي على بخل الحياة وفي
عسف المجاعة. يا بوركت من زاد
وخبز روحي في كفيك مختمر
وماء عيني من بستانك النادي
وأنت ملهمتي من قبل ملهمتي
لتمر عينيك ترتيلي وتردادي
ومن شناشيلك اصطاد الشجا كلماً
صاحت لآلئه: بوركت صيادي!
وصحت من وجع في القدس يشعله
أني استغثت فغض السمع نجادي
الحي من جرحي. ومعتصمي
لا يستجيب. وغض الطرف أشهادي
وكم عددت ملاييناً لها نسبي
فلم تقلني حساباتي وأعدادي
وكم أرقت على نوم يحاصرني
خلف الحصار. وكم أرقت جلادي
ويعلم الله. لم أغمض على مضض
عين الكفاح. ولا أخلفت ميعادي
قصدت وجهك. مسكوناً بمحنته
وخاب قصدي. وما خيبت قصادي
مني التقرب للمحبوب محتسباً
شرور صدي وافرادي وابعادي
ويذبل الحب مأسوراً. وندرته
طلقاً. تدوم الى آباد آباد
وأين قلبك من كف تهدهده
ودونه مبضع في كف فصادِ
تقوده طغمة للباطشين به
وكان قلبك حراً غير منقاد
شبعت أسراً وإذلالاً وتضحية
ولافتدائك قلبي غارث صاد
ومن نعيم الهدى علماً وعافية
الى جحيم الردى في قبضة العادي
بغداد. بغداد. ناري ألف لاهبة
وبين جنبي قلب الف وجاد
أأستعيد بما أسلفت خارطتي
وهل أجدد باسم الله ميلادي؟
وأنت ما أنت. عباسية سبيت
بغداد أنت.. ولكن أين بغدادي؟!
وأنت بغداد.. لكن.. أين بغدادي؟
سميح القاسم
الرامة 3/8/2003
مستشرفاً غد ابنائي واحفادي
وكان نذري دمي قربانة سنحت
على مذابح آبائي وأجدادي
وقلت لاسمك “كن رؤيا” فصار رؤى
لطارف المجد. موصولاً بأتلاد
وانت ما أنت. عباسية ملكت
شمس الشموس بتاج الله والضاد
ووزعت نورها في كل غاشية
من الظلام بمشكاة الدم الهادي
وشع قرطاسها روحاً ومعرفة
على العوالم. من خاف الى باد
هنا المنابر. من عرب ومن عجم
هنا المنائر. هدي الرائح الغادي
اصابع الناس أقلام. وأحرفهم
بوح اللغات بحلم الصابئ الصادي
من المشارق أسفار مذهبة
الى المغارب. مرصاداً لمرصاد
ودجلة عسل تغري لذائذه
سمن الفرات بنحل بين أوراد
وللنخيل عيون التمر. شاخصة
لسومر. بابل. آشور. أكاد
ليعرب جامح شدت نوازعه
بوابة الشرق. أمداء لآماد
فللخيول صهيل عبر “أورمية”
وللسيوف صليل خلف “أرواد”
والأطلسي يعيد الوصف للهادي
مصاحف ورماح للمدى نشرت
ايمانها النور في أسداف إلحاد
وشرعت علماً واستنهضت أمماً
وأشهرت قلماً في وجه جلاد
وللقصائد كوفي يتيه بها
وكم تتيه اذا قالوا: من الشادي؟
وشهرزاد. صلاة الليل حكمتها
لخدها طالما حنت مخدتها
وشهريار لإبراق وإرعاد
وأنت. كاهنة الإلهام. شاهدة
على بدائع أمثال وأضداد
كنوز كفيك أمجاد مخلدة
زكاتها ردف أمجاد بأمجاد
أعلى الرشيد صروح العلم وانكفأت
على المبعثر من علم وإرشاد
وملء نهريك حبر الروح سال دماً
وسال حبراً دمي في بحر أحقاد
وكنت ما كنت. من حر لطاغية
عبر العصور. وعُبداناً لأسياد
تداولتك صروف الدهر عاصفة
ورنحتك كفوف الشر خاطفة
وطوحتك. من الجزار. للفادي
ومن أساور عز غردت ذهباً
الى شفوف حرير زغردت طرباً
الى مذلة أغلال وأصفاد
وللمغول زحوف لا لجام لها
وللتتار سيوف دون أغماد
وللعلوج من الأجلاف زعنفة
تبدل الحال إفساداً بإفساد
وأنت عارية في السجن دامية
وأنت كابية في القيد باكية
والقهقهات لأوباش وأوغاد
ما أنجدت يمناً قيس. ولا ذرفت
ثمود دمعة محزون على عاد
والأهل أهلك. لم تنبس لهم شفة
بغير صمت لدى أجراس حساد
لم ازدهرت وبيد الشرق قاحلة
وكيف صار حريراً ثوب لباد؟
وما نهوضك والأجفان مغمضة
على الرمال؟ وماذا صوتك الحادي؟
وما طموحك والآمال خائبة
وما صعودك والعراب في الوادي؟
يا حرة لوث الطاغوت زهوتها
ومهرة دنس الكاوبوي صهوتها
ما العيش في موت فرسان ورواد؟
لك الأجانب. أسياداً. متى رغبوا
وكم يجانب من أهل وأولاد
تفرقوا شيعاً وافرنقعوا زمراً
وأسرفوا عبثاً. في شح ارفاد
ولا تجمعهم في الويل جامعة
نادي عليهم اذن. يا أختهم نادي!
وصاحب الجاه في مستنقع نتن
يتيه بالجاه فيما يسخر النادي
عليه من حلل الاشباه ضافية
ودأبه الرقص مشدوداً بأوتاد
وحين يخطب فالأقوال في واد
وحين يفعل. فالأفعال في واد
حصان طروادة صالون منزله
وكعب آخيل في جيش وقواد
وصاحب الجاه رخو حين تصفعه
كف الغريب. وفينا. كابن شداد!
وأي جاه نجا من جاه عصمته
وحوله حشد أزلام وأكداد
جز الرقاب فلم يشبع هوايته
جر النواصي وتعليق بأعواد
واستصغر الخلق معتداً بسطوته:
لم يخلق الله امثالي وأندادي!
***
بغداد. بغداد. حبي قاتلي. فمتى
يتيح حبك تكفيني وإلحادي
في الكاظمية لي شمس أغازلها
وفي الرصافة شباك لإنشادي
وشاغلي رصد أنقاضي مبعثرة
في راحلين عن الدنيا وأوفاد
غرست في تربة الأحزان لي أملاً
وما سوى الحزن. اصداري وايرادي
يقتر الدهر في حظي وفي هبتي
وحظه من هباتي جود أجواد
وللفرات أب. قبلي قضى وجعاً
في منفيين. بلا صحب وعواد
بريد غربته في غربتيه بكى
رسائل البين من بعد لأبعاد
بدّلته جسداً صلصال طاغية
ومن يبدل أرواحاً بأجساد؟
وأنت من سلف أودى به خلف
وكم شقيت وكم حاولت اسعادي
وأنت لي. أنت لي. آتيك مبتهلاً
دربي تراب فلم أطمع بسجاد
وأنت زادي على بخل الحياة وفي
عسف المجاعة. يا بوركت من زاد
وخبز روحي في كفيك مختمر
وماء عيني من بستانك النادي
وأنت ملهمتي من قبل ملهمتي
لتمر عينيك ترتيلي وتردادي
ومن شناشيلك اصطاد الشجا كلماً
صاحت لآلئه: بوركت صيادي!
وصحت من وجع في القدس يشعله
أني استغثت فغض السمع نجادي
الحي من جرحي. ومعتصمي
لا يستجيب. وغض الطرف أشهادي
وكم عددت ملاييناً لها نسبي
فلم تقلني حساباتي وأعدادي
وكم أرقت على نوم يحاصرني
خلف الحصار. وكم أرقت جلادي
ويعلم الله. لم أغمض على مضض
عين الكفاح. ولا أخلفت ميعادي
قصدت وجهك. مسكوناً بمحنته
وخاب قصدي. وما خيبت قصادي
مني التقرب للمحبوب محتسباً
شرور صدي وافرادي وابعادي
ويذبل الحب مأسوراً. وندرته
طلقاً. تدوم الى آباد آباد
وأين قلبك من كف تهدهده
ودونه مبضع في كف فصادِ
تقوده طغمة للباطشين به
وكان قلبك حراً غير منقاد
شبعت أسراً وإذلالاً وتضحية
ولافتدائك قلبي غارث صاد
ومن نعيم الهدى علماً وعافية
الى جحيم الردى في قبضة العادي
بغداد. بغداد. ناري ألف لاهبة
وبين جنبي قلب الف وجاد
أأستعيد بما أسلفت خارطتي
وهل أجدد باسم الله ميلادي؟
وأنت ما أنت. عباسية سبيت
بغداد أنت.. ولكن أين بغدادي؟!
وأنت بغداد.. لكن.. أين بغدادي؟
سميح القاسم
الرامة 3/8/2003