حسين العفنان
20-08-2010, 01:34 PM
(1)
الجدار
بقلم : منى العمد
(1)
لم يمل أبو غازي الحديث عن هذا الجدار اللعين ، قال لأم غازي وقد اجتمعت الأسرة لتناول الشاي ، إذا مر الجدار من الناحية الشرقية فسيكون لزاماً علينا أن نبحث عن مدارس للأولاد ، قالت وإذا مر من الناحية الغربية فسينبغي علينا أن نمشي مسافات شاسعة حتى نصل إلى المركز الصحي ، ونحن نحتاجه باستمرار من أجل هذا الصغير ، لا أدري من أين جاءه هذا الربو ، قال غازي وجدتي المسكينة كيف سنوصلها إلى المركز وهي لا تستطيع المشي على قدميها منذ أعوام .
(2)
كانوا يعيدون هذا الحديث كل يوم في انتظار هذا الجدار ، حتى أصبح شغلهم الشاغل ، من أين سيمر الجدار ؟ وهل سيكونون مع الشرق أم مع الغرب ؟
تنظر إلى بعض المرتفعات أمامها وتنظر إلى الأعشاب التي جاء بها الربيع معه وعلى رؤوسها أزهار ملونة , ترى هل سيحجب الجدار عنهم منظر الربيع يمين دارهم أم شماله .
(3)
تحلقت الأسرة حول مائدة العشاء وأخذوا يتناولون طعامهم ولم يغب حديث الجدار عنهم أيضاً ، لم تطل تساؤلاتهم هذه المرة ، صوت طرق شديد على الأبواب يخالطه صوت نداءات بمكبرات الصوت ، قام الجميع بينما دخل بعض الجنود المنزل وهم يقولون أمامكم خمس دقائق للخروج من المنزل بعدها سوف نبدأ بهدمه ، سائق الجرافة ينتظر الإشارة ، قالت المرأة في فزع : ولماذا تهدمون منزلنا ؟ ماذا فعلنا ؟ لم نشارك في أي عمليات ضدكم ؟ وضع الجندي قدمه في منتصف المنزل وهو يقول في صلف :
من هنا سيمر الجدار!!
حسين العفنان
20-08-2010, 01:36 PM
(2)
قراءة في ( الجدار )
بقلم الناقد الأستاذ : محمود توفيق حسين
القصة قائمة على حبكة جيدة ، وتوزيع جيد للأدوار بين السرد والحوار ، وقد وضعت في أوسط القصة وصفًا ربيعيًّا مختصرا صار كرمانة الميزان بين الحوار والسرد ، وقد أفلحت حينما جعلت المتكلمين عن الجدار هم ثلاثة : الأب والأم والابن ، فهناك فرق بين حوار أعضاؤه ثلاثة وحوار أعضاؤه اثنان ، فالحوار الثلاثي يعطي انطباعًا بالثراء والاتشغال والتعدد والحيوية والتلقائية ، وهو خير بين حوار الحد الأدني ( الحد الأدنى للحوار يكون بين اثنين ) الذي قد يعطي انطباعًا في قصة قصيرة جدا بالتقنية الأدبية التي تمهِّد للحظة التنوير .
لذا فالقصة على قصرها وبساطتها تنم عن نضج الأدوات الأدبية ، وقدرة الكاتبة على النظر لأعمالها بعين ناقدة قبل نشرها
فتحية للأديبة منى محمد العمد
دامت مبدعة
حسين العفنان
20-08-2010, 01:37 PM
(3)
المحادثة الأولى
بقلم : منى العمد
لم تجد عيناها إلى النوم سبيلا هذه الليلة , ربما أكثرت من شرب القهوة عصر اليوم , غادرت علياء سريرها وجلست إلى جهاز الحاسوب , أجرت اتصالا بإنترنت وأخذت كعادتها تتصفح بعض الدوريات المحببة إليها , وأثناء ذلك تفقدت بريدها , فإذا مربع حوار يبرز فجأة أمامها , شخص ما , اسم لا تعرفه , يبلغها أنه أضافها إلى جهات اتصاله وينتظر إذنها , ترددت , من هذا الطارق بابها المخترق كل حجبها , هي لم تعتد على محادثة الغرباء ,
ولكن شيء ما يدفعها , ربما كان الفضول , تنظر من جديد إلى الشاشة أمامها , ماذا لو .... ؟ تصورت أنه واقف هناك ينتظرها , وأخذت الأصوات تناديها من داخلها , فتقدم ثم تحجم , فهي ( وقور و ريعان الصبا يستفزها ) , وجدت نفسها أخيرا تضغط ( موافق ) , وما كادت تفعل حتى فاجأها المربع الصغير برسالة : مساء الخير سمر .
ترددت ثانية , وأخذت تتساءل ترى من يكون ؟ أو ربما من تكون ؟ من يدري ؟ ولكن من يعرف أنها تسمي نفسها سمر ؟ أعاد التحية مرة أخرى مساء الخير سمر , ردت : من المتحدث ؟
ــ ألا تردين التحية ؟ أنا ماجد .
ــ وكيف عرفت بريدي هل أنت تعرفني ؟
ــ أخشى ألا تصدقيني إن أنا أخبرتك ,
ــ جرب , ربما تقنعني ,
ــ أنا لا أعرفك , هل تصدقين إن قلت لك أنني اخترعت بريدك وحاولت فنجحت ؟
ــ غريب ,
ــ أرأيت ؟ قلت لك بأنك لن تصدقي , هل أقسم لك ؟
ــ تقسم أو لا تقسم , هذا لايشكل فرقا كبيرا .
ــ هل لي أن أسألك عن اسمك ؟
ــ ألم تنادني به منذ برهة ؟!
ــ أهو اسمك فعلا ؟
ــ ربما , وربما اخترعته أنا كما اخترعته أنت .
ــ سأناديك به على أي حال . وسوف أبدأ حديثي بتكرار تحيتي , مساء الخير .
ــ مساء أم صباح ؟ تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل !
ــ أحيانا يتساوى عندي المساء والصباح .
ــ أتشاؤم أم فلسفة ؟
ــ ألا ترين أن النور والظلام كلاهما ينبعثان من نفس الإنسان , وتتحكم بهما إرادة الإنسان ؟
ــ خاطرة تستحق التفكير . لكن من لطف الله بنا أن جعل النور والظلام يتعاقبان علينا , وكما قيل بأضدادها تعرف الأشياء .
ــ هذا يعني أنك ترين في الليل فرصة فقط لاستشعار نعمة النهار ؟
ــ هذا قليل من كثير ,
ــ هل تأذنين أن أتجول في فكرك فأسألك ماذا يعني لك الليل والظلام ؟
ــ أجد في الليل هروبا من ضجيج النهار , وفرصة ألتقي فيها مع نفسي وخواطري وأفكاري وحواراتي .
ــ هلا أفصحت ؟
ــ كاد الليل أن ينقضي , وأود حقيقة أن أخلو بنفسي , قبل أن يتنفس الصبح .
ــ إذا فقد أدرك شهرزاد الصباح .
ــ قد أوشك .
ــ هل من وعد بتكرار الحوار ؟
ــ لاأعد بشيء . قد لا أعود .
ــ وإن رجوتك أن تفعلي ؟ أشعر أن بيننا توافقا في الرؤى , عديني بمواصلة الحوار غدا .
ــ غدا ؟ ترى ماذا يخفي غد ؟ من يدري ؟؟
تعبت أمها وهي تحاول إيقاظها ضحى ذلك اليوم , كانت مرهقة طوال النهار , ومحادثتها ليلة أمس تارة تشيع في نفسها البهجة , وأخرى تثير فيها التوجس والريبة , ترى من هذا الغريب الذي حاورها ؟ وماذا وراءه ؟ ترى كيف هو شكله ؟ ولكن ماذا لو كان شخصا يعرفها , ربما كانت إحدى صديقاتها تمازحها , ربما كل شيء ممكن , كم من قصة سمعت !
مكثت أياما كلما اقتربت من الجهاز ترددت وتراجعت , تفكر , لا بد أنه يحاول أن يجدها , بل لابد أنه كتب لها فيضا من الرسائل , تصوره عواطفها يجلس أمام جهازه حزينا يفتقدها ويفتقد حديثها , تتخذ لنفسها أعذارا شتى , وتقترب من الجهاز , ثم يصوره عقلها يهزأ بها وبحديثها , فترجع , إنها مغامرة غير محسوبة النتائج , وهي أعقل من أن تورط نفسها , وهكذا بقيت عدة أيام في تردد حتى كان يوم جاءتها فيه أمها والبشاشة مرتسمة على وجهها , تخبرها أن أحد أصدقاء والدها سيأتي مساء اليوم مع أسرته لطلب يدها لولده , تضاربت مشاعرها , هذا يوم حلمت به كثيرا , ولكن ماجد ؟ ومن ماجد ؟ وما أدراني إن كان ماجد شابا أم شيخا , بل ما أدراني إن كان رجلا أو امرأة , ثم شغلها أمر الخاطب الجديد فأراحها من التفكير بالحوار وصاحبه .
في غضون أيام قليلة تم عقد قرانها على أيمن . وكان أول عمل تقوم به بعد عقد قرانها هو التخلص من ذكرى محادثة تلك الليلة ومسحها من الجهاز لعل الأيام القادمة تمسح آثارها من فكرها وقلبها . مسحتها دون تردد , تفقدت بريدها , وتعجبت لم يرسل ماجد لها أية رسالة , قالت في نفسها هذا أفضل , هي لم تكن لترد عليه بعد أن أصبحت زوجة لأيمن , لكنها مع ذلك لم يعجبها أنه لم يرسل لها شيئا . لا بأس هذا سيساعدها على النسيان سريعا , ومنعا لأية محاولة جديدة من قبل ماجد قامت بإلغاء بريدها تماما . تمنت فعلا لو أنها لم تدخل في حوار معه لكان ذلك أسلم لقلبها .
وسط مشاركة الأهل والأحبة زفت علياء إلى زوجها , وكانت سعادتها عظيمة , فقد رأت فيه مثالا للرجل العاقل الودود , ونما الحب بسرعة بين العروسين وظلل أسرتهما الصغيرة جو من الألفة والمودة .
ذات ليلة , دخلت علياء على زوجها في غرفة مكتبه وهو يجلس أمام جهاز الحاسوب , قالت مداعبة : ماذا يفعل زوجي الحبيب ؟ تلعثم قليلا ثم قال : أفتح بريدا جديدا مشتركا لنا فما رأيك ؟ قالت وقد هربت خواطرها إلى تلك الليلة مجددا , بريد مشترك ؟ إنها فكرة رائعة , قال أيمن وهو يحاول إبعادها بلباقة : هل تتكرمين بإعداد القهوة لنا يا عزيزتي ؟ قالت : حبا وكرامة .
أخذ أيمن يحمد الله تعالى كثيرا على أن عروسه لم تلمح الشاشة أمامه , ماذا سيقول لها لو رأت الحوار على الشاشة ؟ هل كانت ستصدق أن سمر هي فتاة لا يعرف عنها شيئا , وأنه حاورها مرة واحدة فقط في ليلة مسه فيها الأرق , وأن ذلك كان قبل عزم أهله على خطبتها له بيوم واحد , وأنه ما فتح جهازه الليلة إلا ليمسح تلك المحادثة ويتخلص من ذكراها ؟!!
حسين العفنان
20-08-2010, 01:38 PM
(4)
إقرار
بقلم : منى العمد
عجزت عن إقناعها بأني لم أكن مخطئاً ، حاولت كثيراً بكل طريقة ممكنة بالجدال ، بالحوار , لكني أمام إصرارها
ـ وأنا ما زلت على يقيني ـ أقررت أخيرا بخطئي ,
فأخذت تعتذر .
حسين العفنان
20-08-2010, 01:39 PM
(5)
ساعة يدها
بقلم : منى العمد
جلست حياة في غرفة المدرسات تبث صديقتها لينة بعض همومها ؛ فقد حل موعد دفع أجرة بيتها , وتكاثرت طلبات الأولاد عليها حتى لتكاد تضطر إلى بيع شيء من حليها لتغطي النفقات الكثيرة التي يطالبون بها , وغير بعيد كانت زميلتهما نوار تتأفف من شكواها وقد نما إليها بعض حديثهما , لمحت حياة نظرة ارتياب بعيني نوار أعقبتها زفرة ضيق فسألتها : أهناك شيء ؟ ردت الأخرى وهي تشيح بوجهها عنهما : الصمت حكمة .
قامت حياة لبعض شأنها , فإذا هي بطفلة منزوية في ناحية تراقب زميلاتها وهن يلعبن ويتناولن فطورهن , أرادت أن تسألها , لكن مريولها القديم الذي تقطع قليلا من جهة المرفق يروي الحكاية ببلاغة قد تعجز عنها الكلمات , فكرت بسرعة وأخرجت ما بحقيبتها وناولته للصغيرة قائلة : هذان الريالان لفطورك , وهذه المائة تعطينها لوالدتك لتشتري لك بها مريولا جديدا , تهلل وجه الطفلة وامتلأ بشرا وغنت عيناها قصائد شكر ملأت قلب حياة بهجة وسرورا , شدت الطفلة يدها على في جيبها وهي لا تزال قابضة عليها كما لو كانت كنزا , وأسرعت إلى مقصف المدرسة , وسرعان ما عادت وهي تحمل بيدها فطيرة وكوبا من العصير وتنظر إلى زميلاتها بزهو , دمعت عينا حياة وهي ترى ابتسامة الصغيرة .
عادت إلى مكتبها وقد سري عنها بعض ما تجد , قالت لينة : تبدو عليك السعادة , هل وقعت على كنز ؟ قالت باسمة : وكأن قد !! قالت لينة هل وجدت من يدفع عنك أقساطك ؟
ردت حياة في هدوء : وجدت أكثر من ذلك .
قالت لينة : هيا أبلغيني ما الحكاية ؟
قالت حياة : دعك من هذا , إنه أمر بيني وبين ربي .
قالت لينة في ثقة : أعرفك لقد أنفقت البقية الباقية من راتبك , أليس كذلك ؟
حانت من حياة التفاتة إلى زميلتها نوار , ما زالت على وجهها ذات النظرة , بل إنها لتكاد تميز من الغيظ وهي تسمع حديث زميلتيها , قالت حياة : مابك نوار ؟ نظراتك تكاد تتكلم ! قالت نوار : أسمعك تشتكين قلة ذات اليد منذ الصباح وفي يدك ساعة لا يقل ثمنها عن خمسين ألفا , شهقت حياة وقالت مستنكرة : أأنا أشتري ساعة يد بخمسين ألفا ؟! ما كنت فاعلة ذلك حتى لو أصبحت من أصحاب الملايين , ردت نوار في ثقة : هذه الساعة أعرفها جيدا فلدي مثلها , وأضافت في استعلاء : لكني أقدر قيمتها ولا ألبسها إلا في المناسبات الخاصة , ولست ألبسها مثلك للمدرسة , جذبت القصة انتباه الزميلات , فتحلقن حول نوار وحياة كل تدلي بدلوها , قالت نوار قاطعة اللغط في المسألة : غدا آتيكن بساعتي وأترك لكن الحكم .
في صباح اليوم التالي جاءت نوار بساعتها وأخرجتها من علبتها الأنيقة ووضعتها على المكتب ووضعت حياة ساعتها : قالت نوار في تحد : أي فرق تجدنه بين الساعتين ؟ ساد الصمت برهة , ثم همست بعض الزميلات . التطابق واضح لا ينكره أحد , وأخذن ينظرن إلى حياة التي قالت بعد تفكير قصير : فساعتي إذاً تقليد لساعتك , ثم وجهت الكلام للجميع قائلة : أؤكد لكنّ أني اشتريت ساعتي بخمسة وعشرين ريالا لا غير , اشتريتها من امرأة كانت تبيع بعض الساعات ومكملات الزينة على طرف الشارع قريبا من المسجد الحرام . قد والله اشتريتها بخمسة وعشرين ريالا فقط , وكنت فقدت ساعتي في الحرم أثناء تأدية العمرة وكنت على عجلة من أمري ,
في طريق عودتها إلى المنزل مرت حياة على وكالة الساعة التي بيدها وتقدمت تعرض ساعة يدها لصاحب المحل في تردد وجِل تطلب منه تقييمها , نظر الرجل باهتمام إلى الساعة وقال : أدفع لك بها سبعة وأربعين ألفا ولا أزيد !
تناولت حياة ساعتها بهدوء وعادت إلى السيارة , احتضنت طفلها شدت عليه دثاره وقبلت جبينه الدافئ وأخذت تتأمل ساعة يدها .
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir