المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في صباح العيد



عبد الله راتب نفاخ
14-09-2010, 06:06 AM
في صباح العيد



( أعرف أنهم ماتوا ، لكنني
لم أشعر إلا أنهم غابوا، و
الحبيب الغائب لا يتغير في
القلب مهما تراخت الأيام )
مصطفى صادق الرافعي
و جاء عيد جديد
و لا عيد يكون كأخيه الذي سبقه ، بل يأتينا و قد تبدلت في قلوبنا و حيواتنا أشياء كثيرة ، ذهبت أشياء و ولدت أشياء ، لكن مهما تغير فينا أو تغيرنا ، فإننا نبقى نمخر عباب هذا البحر الزاخر الذي كتب علينا أن نعبر لججه على غير هدى ......... هذا البحر الذي نسميه العمر .
يبدأ صباح العيد باكراً ، بتكبيرات معطرة بالحماسة تصدح بها المآذن ، و أنا مذ كنت صغيراً لم يجذبني في الدنيا شيء مثل صوتين ، صوت الأذكار التي ترفع من المآذن قبيل أذان الفجر ، فتغرقني في جو من الجلالة و تجليات الروح ، و أسبح بها في عوالم ملائكية راكباً زورق لحظات الليل الأخيرة ، و ما زلت إلى اليوم أسأل : أكنت بها أرتد إلى العالم الذي أتيت منه ،و كانت ما تزال بي بقية من ذكراه لأني حديث العهد به يومها .
و صوت تكبيرات العيد من مآذن حينا ، التي كانت ترافق أشعة شمس الصباح المخترقة نوافذ منزلنا القديم ، المذكرة بأن هذا اليوم ليس كأي يوم ، فهو يوم عيد .
أما اليوم ، فأجدني لا أرى لصلاة العيد معنى إلا إن أديتها في مسجد الحنابلة ذي الألف سنة ، أقدم بناء عرفته الصالحية ، و أجمل مساجدها على الإطلاق .
و بعد الفراغ من الصلاة أصعد مع الصاعدين في الطريق الجبلي الموصل إلى مقابر الصالحية القديمة ، التي لم يشتهر شيء في الصالحية شهرتها ، و لست أدري إلى اليوم لمَ كان أبناء هذه المنطقة يكثرون من بنائها ، أترى لصلة بينهم و بين الموت ؟؟ ... أم لهاجس به كان يحلق في رؤوسهم دوماً فيجذبهم إليه ؟؟
و مقبرة عائلتي أقربمن غيرها من المقابر و أقل ارتفاعاً ، و لذلك هي الأكثر ازدحاماً بمن سلكوا جسر العبور بين الدنيا و الآخرة ، فلا شك أن حاملي الميت مهما كانوا يحبونه فهم يستحبون التخلص من عبء حمله و الصعود به في طرقات قاسيون الشاقة بدفنه في أقرب المقابر إليهم .
و هناك في المقبرة أخلو إلى نفسي ، و إلى ذكرياتي مع سكانها ، أولئك الذين كنا نزورهم في بيوتهم ، فبتنا نزورهم هنا ، لكن ...... دون أن نراهم .
المقبرة هذه التي أطل منها على دمشق كلها ، فيمتزج الماضي بالحاضر في صورة واحدة أمام عينيَّ ، و رائحة الموت بمنظر الحياة ، و ذكرى الأحباب الراحلين بأزمات الواقع الخانق ، و الأحياء الذين بتنا نفقد بينهم الحب .
هناك ... في قبر واحد ... أبي و عميو جدي ، عالم لغوي و قاض كبير و مالك أراض ... !! ثلاثة لم يجمع بينهم إلا أنهم أقرباء ، و في قبر بجانبه جدتي و جدة والدي و عم آخر لي
رحمك الله يا أبا العلاء ، يا من تجاوزت بإنسانيتك حدودزمنك إلى كل زمان و كل أرض :

رب لحد قد صار لحداً مراراً

ضاحك من تزاحم الأضداد
رحمهم الله .... عاشوا حياتهم في ظروف غير ظروفنا ، و أوساط غير أوساطنا ، ثم رحلوا عنا إلى المجهول الكبير ، فما عدنا نعرف من أمرهم شيئاً ، سوى أنهم كانوا في هذه الدنيا ، عاشوا بها أياماً ، ثم غابوا تحت هذا التراب .
و هناك ..... أحس بصلة تربطني بعالم من في تلك القبور ، و أرى أرواح أحبابي الذين غابوا تتجلى لي قي فضاء واسع و هم يلوحون لي في سلام ، بل كثيراً ما شعرت بقشعريرة غريبة تسري فيَّ ، كأن روحاً من أرواحهم ردت عليَّ سلامي ، أو لمستني .
آه منك أيها الموت ..... ألا تستطيع أن تخلي سنة من حصيلة جديدة ، من رفاق جدد تقتادهم إلى ما وراء الشفق الأزرق ، إلى العالم الذي لا نعرف عنه أكثر مما نقرأ في الكتب المقدسة ، تحرمنا منهم ، و تجعلنا نضيف إلى قائمة القبور التي نزورها قبوراً جديدة .
أفلا يحق لقلوبنا أن تعيش الفرح ، أن تتلمسه ، و هل كتب علينا أن نظل نتجرع كأس المرارة تجرعاً ، و أن نبقى ندور في دوامة آلامنا و أحزاننا إلى ما لا نهاية .
غادرنا بين العيدين أحباب جدد ، هوت أعمارهم كأوراق الخريف ، و تبددت أيامهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف .
فلئن كان عمرنا نهباً بين وداع و فراق ، و تذكر و تحسر ، و ذكرى و دمعة ، فمتى تسكن أرواحنا ؟؟ و متى نحس بطمأنينة السلام ؟؟ و متى نغمض أعيننا دون خوف من الآتي ، و متى يجيء عيد نثق أنه سيعود على كل من نحب و هم بيننا ؟؟

ألم بالقبر أغليه و ألثمه

و حولي الساخران الغيب و الأبد

أحبتي كلما غامت طيوفهم

هتفت لا تبعدوا عني و قد بعدوا


بدوي الجبل

آمال المصري
14-09-2010, 08:56 AM
وستظل الأعياد تطل علينا كل عام تصدح بتكبيراتها المآذن
ورغم رحيل الأحباب ومن غابوا عنا
إلا أنهم تركوا لنا مايجعل عيدنا بذكراهم
أستاذي الفاضل ... كل عيد والخير لكم أكيد
جعل الله أيامكم كما الأعياد بهجة وسرور
ودمتم للإبداع عنواناً

محمود فرحان حمادي
14-09-2010, 02:45 PM
اقتباس كامل النص


جولة مع خواطر النفس المتعبة الولهى
تحمل الكثير من العبر من خلال ذكريات ظلت في ذاكرة الحرف
معبر هذا النص بمشاهده الماتعة وشجنه االمتد إلى مسافات كبيرة من ذاكرة الأيام
مبارك عيدك وكل عام وأنت بخير
تحياتي

ربيحة الرفاعي
14-09-2010, 03:02 PM
أية لغة سامية هذه التي حملت خلجات الروح بانفعالات تواصلها مع الواقع بحركته وضجيجه وانشغالها بالخيال المحلق بين متاهات الفقد بحسرته والحلم بتماوجة بين الأمل والتوق وهواجس الحياة والموت

لك لغة أطيل الوقوف عندها بين تأمل واعجاب

دمت مبدعا

عبدالصمد حسن زيبار
14-09-2010, 07:20 PM
مشهد يقرن بين العيد و الموت في طريق العودة إلى ما بعد العيد ...
إنه المسلك نحو المجهول ما بين فرح و ترح ..... و تستمر الأيام تترى.
و نحن السالكون دروبا مفضية إلى الردى ,و هي ذاتها حالمة بنشوة العيد و واجمة من القادم على ممرات الغياب.

عبد الله راتب نفاخ
15-09-2010, 10:31 AM
وستظل الأعياد تطل علينا كل عام تصدح بتكبيراتها المآذن
ورغم رحيل الأحباب ومن غابوا عنا
إلا أنهم تركوا لنا مايجعل عيدنا بذكراهم
أستاذي الفاضل ... كل عيد والخير لكم أكيد
جعل الله أيامكم كما الأعياد بهجة وسرور
ودمتم للإبداع عنواناً




الآنسة الرائعة رنيم
يشرفني دوماً مرورك و قراءتك الرقيقة
بارك الله بعمرك و أعيادك
كل التحيات لك

محمد ذيب سليمان
15-09-2010, 10:45 AM
ودائما تنقلنا الى ما لم نفكر ..
وما زالت وسوف تبقى ما بقيت حياة على هذه الأرض
مآذن تصدح بالتكبير والتهليل وبإقية هذه القبور شاغرة أفواهها
تلتقم أحبتنا ومن بعدهم نحن وسوف يأتي الأبناء كما أتينا لتذكروا ويقولون ما نقول الآن
أما الثابت البقي هو التكبير الى يوم الدين
الله أكبر .. أكبر لا إله إلا الله
شكرا لك

عبد الله راتب نفاخ
16-09-2010, 04:09 AM
جولة مع خواطر النفس المتعبة الولهى
تحمل الكثير من العبر من خلال ذكريات ظلت في ذاكرة الحرف
معبر هذا النص بمشاهده الماتعة وشجنه االمتد إلى مسافات كبيرة من ذاكرة الأيام
مبارك عيدك وكل عام وأنت بخير
تحياتي


ما أجمل مروركم أستاذي الكريم ....
و ما أسعدني بتعليقكم
حياكم الله و بارك بكم

فاطمه عبد القادر
16-09-2010, 10:35 AM
السلام عليكم
ليت الإنسان يعيش بالعقل فقط
لكان يفرح من كل قلبه وقت الفرح
ويحزن وقت الحزن فقط,, ولا يخلط الإثنين معا,, فلا يعود هناك أي ملامح لأي منهما
ولكن ,,,
الحمد لله على كل الأحوال
هذا شرع الله بالبشر
ولا اعتراض
كانت مقطوعة صباح العيد جميلة ومؤثرة
شكرا لك أخي عبد الله
ماسة

عبد الله راتب نفاخ
16-09-2010, 08:39 PM
أية لغة سامية هذه التي حملت خلجات الروح بانفعالات تواصلها مع الواقع بحركته وضجيجه وانشغالها بالخيال المحلق بين متاهات الفقد بحسرته والحلم بتماوجة بين الأمل والتوق وهواجس الحياة والموت

لك لغة أطيل الوقوف عندها بين تأمل واعجاب

دمت مبدعا




بارك الله بك أستاذتي ...
لم تصرين دوماً على إخجالي على هذا النحو ؟!!!!! :004:
أنتم الكبار دوماً نستقي من خلقكم و فضلكم و صدقكم ..
لكم التحايا و السلام
دمتم بألف خير

عبد الله راتب نفاخ
16-11-2010, 08:11 AM
مشهد يقرن بين العيد و الموت في طريق العودة إلى ما بعد العيد ...
إنه المسلك نحو المجهول ما بين فرح و ترح ..... و تستمر الأيام تترى.
و نحن السالكون دروبا مفضية إلى الردى ,و هي ذاتها حالمة بنشوة العيد و واجمة من القادم على ممرات الغياب.

الأخ الكريم عبد الصمد ....
سلمك الله و حياك و بارك بك ..............
زينت نصي بكلمات أضفت عليه عمقاً أكبر ...
لك التحايا و الشكر
دمت بخير

نداء غريب صبري
16-11-2010, 11:24 AM
العيد بحيويته ونشاطه وزهو الحياة فيه
والموت باستكانته وسكونه ولونه القاتم الحزين

كيف جمعتهما في هذا النص الرائع

مبدع أخي

جزاك الله خيرا

ايمان فرحان السباع
16-11-2010, 11:39 AM
لا أدري هل أضحك من فرحتي بالعيد!!أم أبكي حزنا على من فقدت قبل العيد؟
أبجدية العيد والموت..
شكرا على النص الجميل
كل عام وانتم بخير

زينب وليد
17-11-2010, 06:25 PM
العيد فرحة .. هكذا كانوا يخبروننا عندما كنا أطفال ..

لكننا الآن كبرنا وكبر معنا آلم الحياة و ذهبت فرحة العيد عندما خالطها الآلم و دموع الحزن على الراحلين

اللهم إجمعنا بهم ...

عبدالله المحمدي
17-11-2010, 09:47 PM
أتى صوتك من خاصرة العيد ..
ومن وجدك .. تعلمت الحروف .. أن تكون حروف .


كُل الأماني لك بالفرح ..


تحياتي

عبد الله راتب نفاخ
20-11-2010, 01:05 PM
ودائما تنقلنا الى ما لم نفكر ..
وما زالت وسوف تبقى ما بقيت حياة على هذه الأرض
مآذن تصدح بالتكبير والتهليل وبإقية هذه القبور شاغرة أفواهها
تلتقم أحبتنا ومن بعدهم نحن وسوف يأتي الأبناء كما أتينا لتذكروا ويقولون ما نقول الآن
أما الثابت البقي هو التكبير الى يوم الدين
الله أكبر .. أكبر لا إله إلا الله
شكرا لك

أستاذي الكبير ........
يا من تشرفني دوماً بمرور أعطر من المسك
لا أعرف ما أقول امام فيض كرمك و سيب عطائك ...
بارك ربي بكم

عبد الله راتب نفاخ
20-11-2010, 01:08 PM
السلام عليكم
ليت الإنسان يعيش بالعقل فقط
لكان يفرح من كل قلبه وقت الفرح
ويحزن وقت الحزن فقط,, ولا يخلط الإثنين معا,, فلا يعود هناك أي ملامح لأي منهما
ولكن ,,,
الحمد لله على كل الأحوال
هذا شرع الله بالبشر
ولا اعتراض
كانت مقطوعة صباح العيد جميلة ومؤثرة
شكرا لك أخي عبد الله
ماسة

أستاذتي الكريمة ........
لك شكري و تقديري و امتناني لمرورك الطيب
سلمك الله أيتها الغالية
دمت بخير

عبد الله راتب نفاخ
05-11-2011, 04:10 PM
العيد بحيويته ونشاطه وزهو الحياة فيه
والموت باستكانته وسكونه ولونه القاتم الحزين

كيف جمعتهما في هذا النص الرائع

مبدع أخي

جزاك الله خيرا


بوركتم أستاذتنا الغالية
الإبداع عنوانه أنتم
سلمتم و دمتم
لكم كل التحايا

عبد الله راتب نفاخ
05-11-2011, 04:12 PM
لا أدري هل أضحك من فرحتي بالعيد!!أم أبكي حزنا على من فقدت قبل العيد؟
أبجدية العيد والموت..
شكرا على النص الجميل
كل عام وانتم بخير


حقاً .. يحار الإنسان بينهما
أستاذتي الكريمة
شكراً لمروركم الغالي
دمتم بكل الخير