المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زبالة



محمد نديم
02-10-2010, 11:09 AM
زبالة

هل صرت مجرد صدى لأحاسيسي العابرة ؟
صباحا، تمنيت قتل البواب ، لأنه رمقني بنظرة لا ود فيها لمجرد أن نبهته إلى أن المصعد لا يجب أن تنقل فيه القمامة.
رماني نظرته الساخرة ، معاملا الأكياس المتعفنة باحترام زائد إذ خرج بها قبلي.تشاغلت عنه بمشاهدة صور لمرشحين سياسيين علقوا أنفسهم هنا ،صور شوهت بأياد خفية ، فبدت وجوههم على حقيقتها..
ترشحوا بوعود أن يجملوا وجه الرغيف ، والمواصلات ، والبطالة ،وتفوقوا بعد الانتخابات في سرقة أموال الناس.رمقني موظف البنك بلا اهتمام ،مادا إلي يده قائلا ( بطاقتك) ، سلمته إياها وحين هممت بفتح فمي ، أشاح عني بوجهه ،ناقلا المعلومات بإهمال شديد إذ راح يبادل زميله النكات الخارجة.
بعد ساعة تسلمت المبلغ ، سألت الصراف عن ورقات بقيمة أقل ( فكة يعني) أخرسني برده المقتضبب ، مفيش غير كدة .
حارس الأمن شرطي ، فلاح ، بدا بملابسه العسكرية
أضحوكة ، سترة كأنها نصف جلباب مهترئ وبنطال متسخ متعرق بدا كجراب ، كان سلاحه نصف الصديء بين يديه يحتضنه في خوف وحرص شديدين.
بادرني بصوت كالفحيح قائلا : ( كل سنة وأنت طيب )، ناولته ورقة مالية بخمس راتبه أخذها دون اكتراث ، وطفق يؤدي وظيفته التافهة في تنظيم الواقفين..
وقفت على الرصيف اطمئن إلى وضع حافظتي في جيبي ، انشغلت منكبا على أوراق في يدي ، اصطدمت بحمار يقف أمام البنك ، محملا بخضروات نصف ذابلة.
علياللحاق بالسوق ، اليوم أول أيام الشهر الفضيل ، أشعر ببعض غثيان ، سهرت أمام قناةجدل سياسي وأشلاء وقصف متبادل حتى الصباح ، والغريب أن آخر بيان صدر من جبهاتالكفاح ضد الإرهاب كان ( كل شيء هاديء هناك(
ضاق نهر الشارع بين كومتين منالزبالة ، وبائعي البضائع التافهة وعربات تجر باليد، ، عليها كل شيء ذابل ومرتفعالسعر ، لا تنتقي ، شيل البضاعة على بعضها ، اعترض رجل مسن، ناوله البائع الصفيق بمثقال كيلو جرام في وجهة ، ظننت أن الشيخ ينهنه كطفل يتيم. انشغل المتبضعون بإتمام صفقاتهم.
لم انتق حبات الفاكهة ، وقبلت كيسا مملؤا سلفا سلمني إياه البائع معنظرة ذات مغزى ، تجاهلت نظرته الشائكة.
ذباب يحوم حول نظارتي المعتمة بسبب غبارالسوق وصيحات البائعين ، ورطوبة الهواء ، فركت كفي ، أنتجا سوادا لا بأس به ، الشمس مستعرة فوق الرؤوس ، كومة من الدهن المترهل بدت البائعة القميئة ، انهالت بالسب على شابة حامل، لاذت بشيء من الراحة قليلا تحت مظلة البائعة.
رمت السمينة جردل من الماءالقذر لمنع تطفل المارة حول المكان.
حملت أكياسي بين أصابع يدي ، جيب قميصىامتلأ بأوراق نقود رطبة متسخة ، غاب لون حذائي تحت طبقة رقيقة من الوحل ، وقع في روعي أنه صار أجمل.
نهيق الحمير يملأ السوق ، ورائحة الروث تعبيءالمكان.
تعثرت في بائعي البضائع التافهة ، اتعميتوا ، الله يخرب بيوتكم،اتضح لي أنني قد كسرت نظارة من ماركة مزيفة يبيعها هذا الذي صاح ، أعطاني باقي المبلغ قطعة من الحلوى المنقضي زمانها ، وشيعني بشيء من السباب الرفيق.شعرت برغبة فيالتقيوء.
قبيل الظهر وأصابعي تكاد تنقطع من وطأة الأكياس ، ضغطت على زرالمصعد،صاح حارس العقار ( مش قلنا لكم عطلان ) .قلت ماذا ؟ ولمن؟ لقد أتيت لتوي ( تحشرج صوتي بها ، تركني وراح(

حين وصلت إلى مكمني في الطابق السادس ، كانت الأكياس التي حملتها أسوا حالا من تلك التي كان ينقلها البواب هذاالصباح.

زهراء المقدسية
05-10-2010, 10:00 PM
لا حول ولا قوة إلا بالله
صدقا لا أدري ما أقول في ظل هذا الوصف
لواقع أقل ما يقال عنه أنه زبالة

والله المستعان أستاذ نديم
هون عليك

سامي عبد الكريم
05-10-2010, 10:15 PM
وصف صادق ودقيق لحالة وصلناها
ولكني أفضل القصص التي تبعث على الأمل

بوركت أخي

نهرمحمدالعبدالمحسن
05-10-2010, 10:45 PM
كل التحية لمن يغارون على حال الأمة ولا يفارق هذا السؤال عقولهم!

علينا دائما أن نتساءل لماذا نعاني من التخلف والتأخر


و أظن أن السبب الرئيسي هو أننا قد ابتعدنا عن ديننا "

الإسلام" وفصلنا الدين عن الحياة العملية فصار لدينا أهداف زائفة نسعى وراءها دون أن نصل.

وننسى اونتنا سا اننا بالا سلا م واخلا قه فتحنا العالم

وعندما ابتعدنا عنه اصبحنا عالم ثالث

او كما يقال دول نا يمه

تحيه وتقدير

آمال المصري
06-10-2010, 11:25 AM
كنت غارقة معك أستاذي في خضم الحياة هنا بكل ماتضج به من حراك بلقطاتها المتتالية
كنت أتجول معك بداية من الخروج من المنزل حتى العودة إليه مرة أخرى
وماواجهتك من أحداث وسلوكيات سلبية تبدو مستفزة
حتى جاءت الخاتمة التي ألزمتني الصمت كثيرا
وجدته واقعنا كمحكومين بكل أسف ...
أحييك على عينك الناقدة الثاقبة التي نقلت إلينا تلك الصورة الحية من حياتنا اليومية
سيدي الفاضل ...
دمت مبدعا هادف الكلمة
جل تقديري

ربيحة الرفاعي
22-09-2014, 12:27 AM
قصة موفقة في موضوعها وطرحها
وإشارات يقظة لعلامات فارقة في ملامح الصورة

هكذا يكون الأدب هادفا

دمت مبدعا

عدي بلال
22-09-2014, 11:22 AM
نص محكم البناء، وسرد موفق بحبكة مترابطة، استطاع القاص وصف البيئة المكانية بمهارة وبراعة.
الخاتمة بدأت من نقطة الانطلاق، من أكياس القمامة والمصعد، وإليها .
واختيار العنوان – رغم بشاعته – كان موفقاً .
دمت قاصاً ..
لهم الله أخي ولنا .

نداء غريب صبري
12-10-2014, 05:28 PM
احسنت وصف الحال الذي وصلنا إليه
قصتكجميلة وأسلوبك مشوقك اخي

شكرا لك

بوركت

ناديه محمد الجابي
24-11-2018, 05:12 PM
قص محترف وكاتب متمكن وصف الواقع بطريقة فكاهية وبعين أديب
استخدم الأسلوب الساخر في النقد لإلقاء الضوء على ما في المجتمع
من مثالب وأخطاء.
بوركت وسلمت وقلمك البارع الهادف.
:003::005::003:

عبدالله يوسف
24-11-2018, 11:52 PM
نقلت لنا صورة كأنا نشاهدها, بأسلوب أدبي رائع
أعجبني جدا ما قرأت هنا
تحياتي وتقديري أستاذنا

ناديه محمد الجابي
05-03-2022, 05:01 PM
بسرد موفق وحبكة مترابطة قدمت نصا أدبيا موفقا
أدهشتني بقوة التصوير والوصف المبالغ فيه وكأنه رسم كاريكاتيري
انتقادي لحال المجتمع
وقد برعت عينك الثاقبة في تأمل كل ما حولها لتجدها أصناف من الزبالة
فعبرت بأسلوب تلك السخرية المريرة الناقدة نقد لاذع لتلك الحقائق القاسية
فتدينه وتهجوه بالسخرية منه.
فشكرا لك على حرف مبدع هادف.
:v1::nj::0014: