المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صرخة مراهق



محمد معمري
11-10-2010, 01:21 PM
صرخة مراهق


تغيرات جسمية بدأت تؤثر على سلوكه.. قوى داخلية تشعره أنه قد أصبحت لديه القدرة على القيام بأعمال في استقلالية ذاتية ولو بمقاومة سلطة الأسرة من أجل بناء شخصيته التي حتما سوف يعتمد عليها مستقبلا.. لكن الانفعال والخوف يربكانه كلما حاول الاعتماد على نفسه.. فسولت له نفسه ذات يوم أن يخرج إلى الصيد وحده عسى أن يسعفه الحظ فيصطاد طريدة ليبرهن لوالديه وأسرته عن قدرته وبراعته.. لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.
بينما هو يسير في الغاب، بين روعة الطبيعة الخلابة في جبال يخترقها نهر كبير بين الثلج والعشب، تحت سماء مكدرة الزرقة بالسحب المكدسة، في يوم من أيام الربيع أين يكون ميلاد حياة جديدة في الطبيعة؛ بعيدا شيئا ما عن الأسرة.. وحين خاب مسعاه! فظل أن يرتع قليلا.. لكنه فجأة سمع ضرضرة! فالتفت نحو موجة الصوت وإذا بلمح بصره يستوي بلمح بصر نمر – أنثى- ! واقف يترصد فريسته، أدرك في الحين مذاق لحمها ومقدار غنائها من الجوع، وانطلق كسهم الريح وراءه.. في ذلك الحين هو الآخر كان واقفا يستيقن مما رأت عيناه.. فأيقن أن أجله قد طرق باب نفسه! إلا أنه فضل الفرار على الاستسلام.
يجري والخوف قد لبسه لبسا، ارتفع خفقان قلبه، تصبب عرقه، ازدادت سرعته.. أراد أن يطمئن فاختفى وراء صخرة صغيرة فرأى اللحاق يتواصل، فساير العدو.. ثم التفت وراءه فوجد اللحاق بدأ يقترب منه.. إلى أن رمق جذع شجرة جسرا يقطع النهر بين ضفتين فسلكه؛ إلا أن الجذع لا يصل إلى الضفة الأخرى! وحين استدار وانطلقت خطواته القليلة نحو العودة رأى النمر فوق الجذع يتقدم نحوه ببطء شديد.. فوجد نفسه بين أمرين أحلاهما مر! النمر أمامه، والنهر أسفله، والمسافة بعيدة لا يستطيع أن يرتمي منها.. ارتبك بين الخوف والرجاء، تارة يتقدم نحوه، وتارة يتراجع إلى الوراء؛ ولكن كان للوراء نهاية.. كان المسكين يظن أن تلك الشجرة ستنقذه من الهلاك! لكن لعبة القدر تسير بمشيئة الله كيف يشاء.
بينما هو في ورطة شديدة، ليس هناك مفر، أمامه نمر يريد افتراسه، ومن ورائه نهاية الجذع في وسط النهر، والضفة الأخرى بعيدة، ومن تحته مسافة طويلة، والنهر كبير مياهه جارفة، وفوقه سماء تموج سحبا... وإذا بجزء من الشجرة ينكسر به فيهوي إلى النهر؛ ومن حظه أنه سقط في الماء قرب ذلك الجزء من الجذع؛ فقاوم تيار النهر حتى امتطى الجذع الصغير.
ظن أنه قد نجا من الهلاك، لكن فرحته لم تدم طويلا؛ بينما كان جريان النهر يقوده نحو الضفة، أدرك النمر ميناء الجذع فوجده ينتظره عن كتب.. فأبى أن يستسلم مرة أخرى وقذف بنفسه في النهر وبدأ يصارع تيار النهر حتى وصل إلى الضفة؛ لكن النمر غضب هذه المرة غضبا شديدا فقال له: تبا لك!..
وما أن تأكد من أن قدماه قد لمست الأرض حتى وجد النمر مرة أخرى أمامه.. فلم يبق في وسعه إلا أن صرخ بكل ما يملك من قوة:
- أمّاه! أمّاه! أمّاه!
صرخة هزت عرش قلب أمه، فصرخت هي الأخرى صرخة جعلت الأمواج الصوتية ترسم الطريق نحو ابنها.. وبسرعة فائقة كانت حاضرة، وكانت الأصوات خلف الأشجار مدوية بقوة فرأى النمر أسرة الدببة حاضرة بقوة.. فتخلى وفر بجلده.. حينها كانت قهقعة المراهق قد ارتفعت عاليا ممزوجة بالعويل.. وكانت أمه تنادي عليه، لكن لم يفق مما حل به! إلا بعد حين؛ التفت إلى الخلف، فرأى أمه! فلم تصدق عيناه ما يرى! فانطلق بسرعة وهو يجأش نحوها، وبدأت تلاطفه بلسانها بعطف وحنان.



بقلم: محمد معمري



مفاجأة
http://www.youtube.com/v/r3HH8MGqf2w?fs=1&hl=fr_FR

عبدالله بن بريك
13-10-2010, 04:17 AM
قصة موفقة في غموض شخصياتها التي لم تتبين الا من خلال لفظة لسانها..

تحيتي.

أحمد عيسى
13-10-2010, 08:44 AM
قصة جميلة سيدي ، والقص بلسان الحيوانات فن جديد قديم ، منذ كليلة ودمنة ..
خدعنا العنوان ولا شك لكن مجريات القصة كانت واضحة دون لبس

مودتي لك وتمنياتي بالتوفيق دائماً

محمد ذيب سليمان
13-10-2010, 10:34 PM
كنت موفقا جدا وعنوان القصة هو من جعلها بهذا الجمال
ولولاه لذهبنا الى النهاية مباشرة
أمكا وقد جعلته هكذا فقد جعلنا مع القصة حتى آخر رشفة
شكرا لهذا الجمال

آمال المصري
14-10-2010, 07:29 PM
نقلت لنا صورة من صور محاولة الاعتماد على النفس
والتمرد وخوض غمار المغامرات
وكانت الحكمة من وراء النص واضحة وهادفة
وجاءت اللغة رصينة باذخة
والخاتمة موفقة جميلة
سيدي الفاضل ....
دمت بألقك المعهود
ولك جل التقدير

ربيحة الرفاعي
16-08-2014, 12:36 AM
أستمتع فعلا بقراءة النصوص التي يستدرج فيها الكاتب قرّاءه الى مساحة تحقق له المباغتة في القفلة
مهما فرضت طبيعة الفكرة من انكشاف قفلتها

قصة موفقة

دمت مبدعا

ناديه محمد الجابي
16-08-2014, 06:55 PM
قصة مبدعة ـ ميزتها اللغة والفكرة التي نجحت فيطرقها لنكتشف
شخصية البطل في النهاية.
مضمون هادف، وسرد مشوق رائع شكلا ومضمونا
أبدعت وأكثر.