مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في المنهج الفكري المقاوم / تقدمة / تابع الحلقات
رمضان عمر
17-05-2004, 09:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على رسوله الأمين ،وبعد
لعل الكتابة عن حبيب قريب العهد ،قائد فذ ،قاد حركة إسلامية فتيه في ظروف قاسيه عصيه ،ثم رحل سريعا قبل موعد الحصاد الموعود ،والعيون ترمقه من مكان قصي ،تنشد فيه العودة ،ولكن لا رجوع ؛لأمر تجد فيه النفوس مرارة ،وتختلط حياله اللواعج بالمزاعج ، و تكون الغاية المرجوة من الكتابة بالغة الصعوبة ،والبحث عن حلول عملية خارج نطاق الإبداع الكتابي ،هو المطلوب أصلا ؛ لسد الثغرات واستكمال المسيرات ،وتواصل الحلقات إلى أن يفتح الله بين عباده بالذي هو خير .
ولعل الحديث عن تاريخ حركة ودعت في أقل من عام سيلا من القادة العظماء ،سياسيين وعسكريين وعلى رأسهم الجمالان ومحمود أبو هنود وصلاح دروزة والشيخ يوسف السركجي ،تستدعي من النفوس رباطة جأش وقوة خلابة في الفهم والتصور ،فالحدث جلل لا محالة، والرزء عظيم ،إلا أن الحكم من ذلك لا تقل شأوا ولا يجوز أن ينظر إليها بعين الغفلة واللامبالاة.ثم إن نظرة سريعة لطبيعة التطورات تدعوك للتروي قليلا والتريث في إصدار الأحكام وتقييم الأوضاع ؛فلعل القادم أجدر بالانتباه والتسجيل أو أدعى إلى الاحتياط والترقب .
وعلى الرغم من أن التأريخ _ في عرف المؤرخين_ عملية إبداعية صرفه تحتكم إلى قواعد التأليف السليمة ، إلا أن طبيعة المؤرخ لهم في خضم العمل الجهاديّ المتنامي قد يفرض نوعا من الإلزام الفكري والتطوير المنهجي في الكتابة والتأليف.
ولربما كان لبعض ما كنت أرقبه من قراءات سياسية ومواد إعلامية متنوعة حول انتفاضة الأقصى المباركة ،وما كان يعج من أراء وتصريحات في الصحف والمجلات ، أو ما كانت تعرضه برامج التلفزة من مخالط ومزاعم تذهب بالحقائق وتنتصر للباطل وتبرر ظلمه وتشوه الإسلام وتعيب أهله ، وترسم صورة مشوهة للمقاومة ؛ فالبطولة في نظرهم _عنف والجهاد فوضوية والولاء تطرف والاستشهاد انتحار. أما التنازل والتباكي والانزلاق والتشاكي ،وأن تعترف للغاصب بعدالة غطرسته وقوة منطقه فذاك هو عزم الصمود وعبقرية الانسجام.
أي زمان هذا الزمان؟! وأي منطق هذا المنطق!! .((ما لهم كيف يحكمون أم لهم كتاب فيه يدرسون )) .
نعم ،أذهلني هذا الحشد الإعلامي المشبوه الذي لا يرعوي لحظة واحدة إلى الحقيقة ولا يقبل المساجلة المنطقية ؛لأنه، ولأن كان عربي الصوت والصورة، إلا أنه صهيوني التأثير والتأثر فهو ماض إلى سبيله لا محالة ، يشوه الصورة الإسلامية المشرقة؛ ليصد عن دين الله ومنهج الحق .
وعلى زاوية ثانية من مسرح النص الإعلامي المشوه للحقائق ترتسم صورة سوداوية مظلمة ،اكثر خطورة واعمق خبثا ؛ تلك هي صورة السياسي المثقف ،بل أن شئت السياسي الرسمي المنسجم انسجاما كليا مع المفهوم العالمي للسياسة والنضال .
وقد تبدو المناورات السياسية المصطنعة هي النمط البطولي الوحيد الذي يجوز للشعوب أن تصفق له وتعتد به وتكافح من أجله ،وهي الوسيلة الوحيدة في الكفاح التي تنصب لها الأسواق وتضرب لها القباب وتغني لها القيان .
وسرعان ما يمتلئ المسرح الإعلامي بعبارات التبجيل والتكريم لكل الحركات العلمانية أو النخب الوطنية صاحبة الاتجاهات المعتدلة والرؤى الرافضة لأسلمة الصراع وعسكرته ،والأنماط السياسية التي تنسجم مع هذا التوجه وتصفق له .
ومن هنا ،كان لا بد من دراسة علمية معمقة جادة، ترأب هذا الصدع الإعلامي وتعيد الأمور إلى نصابها وتؤرخ للفكر المقاوم وتسجل للشرفاء والعظماء مآثر فضلهم وتنير للسائرين منابر دربهم وترد للجبناء والمارقين مخازي كيدهم .
وقد جعلت هذه الدراسة في ثلاثة فصول :
الفصل الأول_ الحركة الإسلامية بين منهجية الفكر المقاوم وواقعية التطبيق
الفصل الثاني – سيرة قادة
الفصل الثالث – المستقبل للفكر المقاوم .
وأني إذ اقدم هذا العمل لأرجو من الله أن ينفع به ويجعله في ميزان حسناتي والله من وراء القصد وهو ارحم الراحمين.
رمضان عمر
عبد الوهاب القطب
17-05-2004, 11:11 PM
بارك الله فيك وحقظك وسدد خطاك
ايها الاخ الحبيب وساكون باذن الله من المتابعين
تحياتي وشكري وامتناني
المخلص
عبدالوهاب القطب
رمضان عمر
18-05-2004, 07:42 PM
الفصل الأول :
الحركة الإسلامية بين منهجية الفكر المقاوم وواقعية التطبيق
توطئة
كثيرا ما يحدث أن تجد مثقفا عربيا ذا صبغة وطنية ونكهة قحطانية خالصة ، وبقية من معالم إسلامية قي السلوك والعبادات، تبادره الحديث عن إسلامية قضية فلسطين ، فيقابلك برفض واستهجان ، بل ويناكفك الجدل زاعما أن لديه من الأدلة ما يدحض مزاعمك ويبدد شكوكك؛ إذ لا يتعدى الأمر في عرفه أن يكون الصراع في فلسطين مجرد صراع إقليمي في منطقة محدودة ، و زمن محدود وأطراف نزاع معروفين .وقبل أن تغادر ساحة الجدل ملتاعا متحسرا يطلب منك أن تصغي إلى نصحه فتدع الإسلام بقداسته في محرابه المخصص له ،وأن تطلق هذه الرجعية في التفكير ،وتزن الموازين بموازينها وتدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله .
لكن إصرارا من الداعية المسلم ، ووعيا معمقا لحقائق التنزيل ومسارب التأويل لا تسمح للأمور أن تبقى على بداهاتها فسرعان ما يفجؤك النص القرآني بحقائق قطعية الدلالة تبين قصر البصر والبصيرة لهذا المحاور المسكين .
ولعل نظرة واعية لكتاب الله عز وجل تنال تلك النصوص القرآنية التي تناولت قصة البشرية من نحو ، وطبيعة العلاقات الإنسانية من نحو أخر ، تثبت و دونما أدنى شك ؛أن الخطاب القرآني بشموليته قد استطاع أن يستوعب كافة النواحي السياسية المتعلقة بقانون البقاء والفناء والعدل والجور والسيادة والحاكمية والسعادة والشقاء والهدى والضلالة والنصر والهزيمة والخلافة والتمكين والمجتمع والحضارة والنواميس التي تحكم البشر على اختلاف ألسنتهم وألو انهم.
ومن هنا فقد أثار هذا السمت العجيب للنص القرآني الفريد مكامن الاستغراب في 3الرعيل الأول من الصحابة حينما سألوا المصطفى_ صلى الله عليه وسلم _عن سر كثرة الآيات القرآنية المتعلقة ببني إسرائيل .
ولعلنا بحاجة أيها القارئ الكريم إلى جولة سريعة في ظلال الآيات المتعلقة بهذا الأمر كي تشهد عن كثب أهمية ما أذكره لك.ولن نذهب بعيدا في البحث ؛ فلنبدأ الحديث من سورة البقرة ،.
هذه السورة الكريمة التي تناولت الجانب التشريعي المتعلق بأحكام القصاص والوصية والصيام والجهاد والعمرة وتحريم الخمر والميسر وتحريم نكاح المشركات وأحكام الطلاق والرضاع والعدة والحيض والربى والدين والرهان إلى جانب العقيدة والعبادات تناولت كذلك وبشكل موسع قصة بني إسرائيل ،وقصة البشرية التي رسمت أيضا في هذه السورة بصورة واضحة جلية ؛وذلك من خلال قوله :0
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة .قالوا :أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ،ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟قال : إني أعلم ما لا تعلمون )
إلا أن ما نريد الوقوف عليه هنا هو الجانب المتعلق بيني إسرائيل؛وإن كان هذا الجانب لا ينفصل عن الجانب السابق لعلة يبينها تتابع الآيات وترابطها ؛ فالبشرية تبدأ عندما يستفحل الصراع بين فردين آدم من جهة وإبليس من جهة ثانية، أما أتباع هذا وذاك فهم يشكلون حلبة الصراع الأبدية ؛ ويكون آدم ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين من الأمة المسلمة الموحدة هم حملة لواء الرحمن في هذه الحرب السرمدية ،أما اليهود وأشياعهم من أهل الغي والضلال فهم ورثة الشيطان وأتباعه ، وهذا هو التفسير الأقرب إلى سر تعانق الفواصل القرآنية في هذه السورة على هذا النحو وتداخل القصص والانتقال من قصة آدم إلي قصة بني إسرائيل من خلال أزلية الصراع بين الحق والباطل ؛فقد تناول الحديث عنهم ما يزيد على ثلث السورة بدءا من قوله :
(( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون)) مرورا بالآيات التي تنبه المؤمنين إلى خبثهم ومكرهم(1 ) وما تنطوي عليه نفوسهم الشريرة من لؤم وغدر وخيانة ونقض للعهود والمواعيد وما جاء من تاريخهم المشين من كفر بنعم الله عز وجل وقتلهم الأنبياء بغير حق وزعمهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه .
وتأتي قصة بني إسرائيل من خلال سورة البقرة طويلة ومتنوعة ،إذ تبدأ بتذكيرهم بنعمة الله عليهم والعهد الذي الزمهم به ، ثم تنتقل إلى الحديث عن قصة العذاب والبلاء مع آل فرعون التي نجاهم الله سبحانه منها لعلهم يشكرون بيد انهم عصوا وعتو واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير فعبدوا العجل واكثروا من المعاصي؛ فكان العقاب أليم والعاقبة وخيمة، قال تعالى :
(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون )
وينتقل الخطاب القرآني إلى قضية أساسية في الفكر اليهودي المتدحرج الذي يمثل ذروة الإفساد الأخلاقي على الأرض 0التي استخلف فيها هذا الإنسان ؛تلك هي قصة البقرة التي سمية السورة باسمها, وخلاصة هذه القصة أن رجلا من بني إسرائيل قتل قريبا له ليرث مكانه ووضعه في دارة قوم ليأخذ ديته وهذه قمة الإفساد وعندما أعلمهم نبيهم بطريقة الاستدلال على القاتل ناكفوه الجدل والتعجيز وهذه القسوة في القلب والجفوة في التفكير والبعد عن الإيمان اليقيني كان لا بد لها من شاهد حسي يدلهم على قدرة الواحد في البعث والإحياء وعلى بشاعة أخلاقهم وسوء تصوراتهم ؛ فكانت هذه الحادثة.
ولعل المتأمل في القصة يتوقع ارتداعا من هؤلاء القوم واستجابة لأدلة الحق القاطعة وإذعانا لنداء الرحمن الواضح ، بيد أن العكس هو الذي حصل؛ فيعد ثبوت الأدلة وقطعانها قست القلوب واستبدت النفوس فهي كالحجارة أو أشد قسوة
ولعل ما يريد الحق سبحانه وتعالى أن يوصله للأمة المحمدية :أن هؤلاء القوم القاسية قلوبهم لا ينفع معهم منطق الإقناع وطريق المحاورة ؛لأن غيهم فاق كل غي ،وإفسادهم فاق كل إفساد ؛ومن هنا كانت الجماعة الإسلامية الناشئة في المدينة تتسلح بأسلحة فكرية وقائية في معركة طويلة أزلية مع شرذمة جرثومية شيطانية ؛ ومن هنا فلا غرابه أن يستكمل الخطاب القرآني هذا التشريح التفصيلي لمعالم هذه الفئة وتاريخها وتصوراتها؛ فتارة يعرض لتاريخها المشين مع الأنبياء والرسل وطورا يبرز حلقة الصراع الواقعي الدائر في ضواحي المدينة المنورة وثالثة يسبح في الآفاق البعيدة مصورا بشاعة هذا المنهج اللاأخلاقي والأمة العدائية التي تمثل الجانب القاتم في ظلمة الباطل وتبعية الطاغوت .
رمضان عمر
19-05-2004, 01:08 PM
وإذا كانت سورة البقرة قد تناولت الحديث عن الزمرة الأولى من أهل الكتاب وهم اليهود فأن سورة آل عمران قد تناولت الحديث عن الزمرة الثانية وهم النصارى .ولعلنا نستطيع أن نلمح بعض السمات المشتركة بين الزمرتين وكأنهما يشكلان ،معا، كتلة سياسية واحدة تمثل الباطل :بشقيه الغي والضلال .
ولو أننا انتقلنا إلى سورة ثالثة من سور القرآن ، وهي سورة الإسراء، لوجدنا أن المعركة التاريخية والفاصلة بين الحق والباطل قد صورت تصويرا مفصلا في ثنايا هذه السورة.
؛وخلاصة القول في آيات سورة الإسراء : أنها شكلت ما يمكن تسميته نبوءة تاريخية لطبيعة الصراع الممتد بين الفئتين : المفسدة في الأرض والمستخلفة فيها ،فتقضي بالفساد لإحداهما وتبشر بالنصر والتمكين للثانية .هذا من نحو ، أما من النحو الأخر فهي تشير إلى المنهج السوي في التحرير، وتحدد معالمه وتبين أوصافه .
أما حقيقة هذه النبوءة فقد فصلت القول فيها الآيات التالية ( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) )
ونكاد نزعم أن المؤشرات الواقعية التي يتمثل فيها هذا الكيان الغاصب في هذه المرحلة ،من علو كبير وإفساد أكبر تطابق الحكم القرآني السابق، بل ونستطيع القول أيضا أن الجمل القرآنية السابقة تشكل العناصر الحقيقية لبناء هذه الدولة الغاصبة، وهي دولة _بحسب التوصيف القرآني _ظالمة مستبدة ومفسدة .
وهنا تجدر الإشارة إلى حقيقة تاريخية وفكرية ثابتة ،ذلك أن هذه الأرض المقدسة التي باركها الله سبحانه وتعالى ونسب فعل المباركة إلى نفسه ؛فقال: (الذي باركنا حوله) إنما تشكل معيارا حقيقيا لقياس درجة الصلاح والفساد قي أمة الإسلام ؛ فما كان لأبناء القردة والخنازير أن يتجبروا فيها ويستعبدوا أهلها إلا عندما تراجع الوعي في نفوس المسلمين، وأصبحت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم ،يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم-( إذا تبايعتم بالعينة ولحقتم أذناب البقر ) وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ) ،أخرجه الطبراني في الكبير ،وحكم عليه الألباني بالصحة في صحيح الجامح ،
إذن فأبناء الشام في أرض الشام بمثابة القلب ب النسبة للأمة إذا صلحوا صلح الجسد كله وإذا فسدوا فسد الجسد كله
ونكاد نزعم بأن عناصر بناء الدولة العبرية المفسدة قد وصفت في بدايات سورة الإسراء وحددت تحديدا يدعونا إلى الاعتقاد بأن الدولة الحالية هي المقصودة في النص القرآني السابق حيث يقول جل شأنه ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا ) وهي عناصر واضحة بينة في بناء هذا الكيان الغاصب الآن .
أما الجانب الثاني فقد تنوول بطريقتين :إحداهما مباشرة ،وذلك من خلال قوله جل وعلا :( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ) أو بطريقة غير مباشرة حينما يعرض لإصلاح بعض الآفات الاجتماعية التي تؤدي إلى إفساد المجتمع وكسر شوكته وتمكين أهل الغي والضلال من احتلاله :كالزنا والقتل وأكل مال اليتيم بغير حق والحكم بغير ما أنزل الله
ولعلنا نلاحظ من خلال نص الآية السابقة (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) أن اسم التفضيل يشير إلى مفاضلة يحسمها النص القرآني ؛ إذ بتحول اسم التفضيل إلى صفة لازمة لا بديل عنها ؛ فالطرق كثيرة والوسائل متعددة ، بيد أن واحدة من تلك الطرق ستكون قويمة وصالحة لحسم الصراع بين والحق والباطل .وهذا يدلل على أن هذه القضية لن تحسم أو تحل إلا من خلال منهج القرآن، وهذا ما سيتضح في الفصول اللاحقة إن شاء الله .
رمضان عمر
20-05-2004, 07:37 AM
ـأما السورة الرابعة والأخيرة التي سنقف عليها في هذا السياق ، فهي سورة الحشر.
وهذه السورة يمكن أن تقرأ في سياق التجارب العملية لحقيقة الصراع بين الإسلام واليهودية ، وطبيعة المنهج المستخدم في إنهاء الوجود اليهودي من المدينة المنورة ،فالمحور الرئيسي الذي تدور حوله الآيات هو (غزوة بني النضير) الذين نقضوا العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم فأجلاهم عن المدينة المنورة
فالآية الكريمة الثانية :
(هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ، فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار )
هذه الآية جليلة الشأن ، عظيمة القدر واضحة المعالم كثيرة الدلائل ؛فالإخراج بإذنه والقدرة المطلقة قدرته ، وهذا جانب عقدي هام سنفصل القول فيه في موقع لاحق إن شاء الله ، أما عبارة (لأول الحشر ) فهي تذكرنا ب( أولى الإفساد تين ) كما جاء في سورة الإسراء ؛ وأن أول الحشر سيكون له ثان أو أكثر .
وقد ذكر الدكتور صلاح الخالدي أن الحشر الأول قد تمثل في خمس خطوات مرحلية :الأولى، حشر بني قينقاع وإجلاؤهم عن المدينة في السنة الثانية للهجرة .
الثانية ، حشر بني النضير وإجلائهم في السنة الثالثة للهجرة .
الثالثة ،حشر بني قريضة في السنة الخامسة بعد غزوة الأحزاب ، حيث قتل أولادهم وسبى نساءهم .
الرابعة،حشر يهود خيبر في السنة السادسة بعد صلح الحديبية حيث دمر سلطانهم وكيانهم وجعلهم عبيد ومزارعين.
الخامسة، فكان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث أخرجهم من الجزيرة العربية كلها .
وهذا التشتيت سيعود ثانية ليلتئم في شكل سياسي يمهد للمرحلة الأخيرة من الإفساد التي جاءت سورة الإسراء لتحدد بعض معالمها حيث قال جل شأنه :
( وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) ولعلنا بحاجة أن نربط ربطا سريعا بين دلالة الآية السابقة ومعالم التشكيل السياسي القائم على الأرض ؛فالهجرة القسرية على الشعب الإسرائيلي من أجل إعادة تشكيل هذه الدولة الغاصبة من خلال لملمة الشتات والتداعي لفكرة الوطن الموعود ،هو أحد أهم مكونات هذه العودة وكما قلنا : بأن معالم الإفسادة الثانية – في نبوءة سورة الإسراء _قد تمثلت في الدولة الحالية ’ فإن نفس الأسباب تدعونا للاعتقاد بأن: موعد الحشر الثاني قد حان وأن النصر قريب .
أما الدلالة الثانية التي تعرض لها الآيات فهي مجموعة التصورات المتزاحمة على أرضية الصراع ؛ وهي كما يعرضها القرآن ثلاثة آراء :
أولا، تصور بشري واقعي محكوم لسنن واقعية ، وقد تمثل في قوله تعالى (ما ظننتم أن يخرجوا ) فالمسلمون الذين عايشوا اليهود في المدينة ورأوا حصونهم المنيعة تصوروا أن الأمر يحتاج إلى كثير عناء وكثير جهد لإخراج هذه الطغمة الفاسدة من هذه الحصون المنيعة ، وما أشبه اليوم بالبارحة فالواقعية السياسية التي تنظر إلى حجم الطاقة الإعدادية التي يتمتع بها هذا الكيان الغاصب تدعو للريبة والشك لتحقيق النصر السريع .
أما التصور الثاني فهو تصور طاغوتي قديم حديث ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ) فاليهود كغيرهم من الطواغيت ما كان لهم أن يعتقدوا بإمكانية الهزيمة مع وجود هذه الحصون المنيعة وكذلك تصور فرعون عندما نظر إلى جنده وقوته بأن مسألة قتل موسى مسألة وقت فقال ( دعوني أقتل موسى ).
وكذلك يتصور اليهود وأشياعهم من الدول الغربية الحاقدة على الإسلام أن قواتهم وطائراتهم وأساطيلهم ستحسم المعركة في غضون أيام ولا يتسرب إلى أذهانهم بأن المستضعفين في الأرض قادرون على زعزعة النظام العالمي الجديد القائم على الظلم والجبروت .
أما التصور الثالث والأخير فهو التصور الرباني الخالص وهو التصور الوحيد التي تحسم فيه الخيارات وتذل له النفوس وتطمئن له القلوب وهو تصور غريب فريد لا يخضع لتصورات البشر وضعفهم أو أهواء الناس وغيهم بل يعتمد على قوة الله المطلقة وسننه الثابتة ( فآتاهم الله من حيث لا يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) فالإتيان من حيث لا يحتسب أهل الغدر والخيانة . والسلاح غريب فريد ؛ فهو وإن كان معنوي الهيئة فأن نتائجه بالغة الأثر وكأن الصورة الفنية في التعبير القرآني (وقذف في قلوبهم الرعب )قد تحولت إلى حقائق واقعية ؛ فالصواريخ المقذوفة لا تسقط على الحصون والمستوطنات بل تقع في القلوب فتتآكل الدولة ، وتتحول الحصون إلى بيوت واهية كبيت العنكبوت لا تحتاج إلى كثير من جهد في إخرابها ؛وهذا هو السر العجيب في استخدام الفعل (يخربون )المخفف دون الفعل المشدد يخربون ؛لأنه وبعد انهزام القلوب لا قيمة للحصون والقلاع والعدة والعتاد ؛لذا فأن إغلاق هذه الآية الكريمة بقوله فاعتبروا يا أولي الأبصار له دلالته الواضحة التي تحتاجها الأمة في عصر اختلال موازين القوة وتحصن الغاصب وتمترسه خلف مادية مطلقة .ولن يحصل هذا الاعتبار ما لم نؤمن إيمانا مطلقا بفاعلية هذا المنهج وأن لا نلتفت إلى التصورات الأخرى التي ثبت بالدلالات القاطعة نضابة فاعليتها وقلة حيلتها وبعدها عن الحقيقة .
ولعلنا معنيون ،ونحن نتحدث عن منهج الحركة الإسلامية في التحرير أن نتعرض إلى مواصفات هذا المنهج القويم الذي يستحق هذه الإشارة القرآنية ويفوز بسق الهداية ويقترب من الشاطئ الأخير في معركة الفصل بين الحق والباطل .
رمضان عمر
21-05-2004, 10:15 AM
خصائص المنهج الإسلامي المقاوم
عقيدة ثابتة
أكاد أسارع إلى الادعاء بأن قضية فلسطين لم تعش حالة من البؤس والضياع كتلك التي عاشتها خلال القرن المنصرم ؛ فقد منيت هذه القصية بعدة نكسات ونكبات ، شاب لها الصبي قبل شبابه وأذهلت المرضعات عن مراضعهن ، وأصبح الحليم فيها حيرانا والناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.
وأخذت مراكز الأبحاث ومنابر السياسة والإعلام والأنظمة الرسمية والمنظمات الشعبية والحركات السياسية تبحث عن الأسباب وتشخص الداء وتتحدث عن الدواء ، والقضية تئن أنين المستغيث الذي لا ناصر له .
وإذا ما سألنا عن سر تلك الانتكاسات والهزائم، فإن إجابة واحدة تكشف لنا سر ذلك كله وتخرجنا من بحر الوهم وعالم الغم . إنها العقيدة التي تخلت عنها الجيوش والأنظمة ، فهانت على أعدائها وأصابها الوهن وتداعت عليا الأكلة من كل جانب.
ونستذكر هنا مقولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يتسلم مفاتيح بيت المقدس : ( نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ،فأن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله )
كلمات خالدة ، نطق بها هذا العملاق وحفظها لنا التاريخ ؛ لتبقى نبراسا ونورا يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام
ويؤكد هذا المعنى ويدل عليه قول الله سبحانه وتعالى (إن الدين عند الله الإسلام,ما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بينهم ومن يكفر بآيات الله فأن الله سريع الحساب . فأن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أتوا الكتاب والأمين ءأسلمتم فأن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ).
وحديثنا عن الدين في هذا السياق ، يقودنا إلى الاستخلاص التالي : أننا عندما نتحدث عن الدين والعقيدة في سياق الصراع بين اليهودية والإسلام لا نعني ذلك أن الحرب القائمة حرب دينية بين التوراة والقرآن كما يتوهم البعض ، حاشا لله ،فهذا أبعد ما يكون عن فهمنا ؛لأن الدين كل لا يتجزأ ولأنه كله من عند الله كما بينت الآيات السابقة ،فإبراهيم وموسى وعيسى ويعقوب وكل الأنبياء جاءوا بالحنفية والإسلام يقول الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي )و يقول أيضا (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) .
ويحدثنا القرآن عن منهج إبراهيم عليه السلام في الدعوة ، وحثه لأبنائه على اتباع الإسلام والموت عليه وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ) ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن أمتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا إنك أنت التواب الرحيم) (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب : يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ).
وقد وقع أصحاب الاتجاه العلماني في وهم كبير ومغالطة عظيمة حينما ضربوا صفحا عن التوجيهات القرآنية وآثروا النزوع إلى المنهج الغربي في الدراسة والتحليل ظنا منهم بأن هذا المنهج (بنظرته العلمية ومنهجه الموضوعي سيعيد لهم حقهم المسلوب ويضمن لهم أمانة الطريق وواقعية الاستدلال، وهم لا يدرون أنهم بانتهاجهم هذا النهج قد وقعوا في أسر التصورات التلمودية والتبريرات الكنسية المزورة ؛ لأن الكتاب الغربيين حينما أرادوا أن يؤرخوا للماضي رجعوا إلى مصدر واحد فجعلوه حجة لهم ،هذا المصدر هو الكتاب المقدس أو ما يعرف بالكتاب القديم0
لذا ، فإذا كان الدرس التاريخي الغربي قد اعتمد على نص ديني طاله كثير من الزيف والتحريف؛ فأن موضوعية البحث تقتضي الرجوع إلى حقائق التنزيل لكي لا نقع تحت وهم أساطير الدعاية الإسرائيلية .
نحن بحاجة إلى عقيدة راسخة قوية سليمة ، ومنهج قرآني فريد للوقوف أمام هذا الطغيان الفكري الغربي المشوه للحقائق ، خصوصا بعد نجاح الصهيونية الخبيثة الحديثة في إحداث اختراقات عميقة في الفكر الأوروبي المسيحي ، ويبدو ذلك من خلال هذا الانسجام العجيب بين المسيحية الغربية والصهيونية الخبيثة ، ويبدو هذا واضحا كذلك من خلال توسع المعجم الدلالي المسيحي ، وكثرة المصطلحات الوافدة عليه من التفسيرات التلمودية للتاريخ والحياة وتراجع التعصب المسيحي لصالح الأمة اليهودية. فشعب الله المختار وشعب الرب الجديد والكهنوت الملوكي ومدينة الرب المقدسة مصطلحات رافدة على قواميس الفكر الأوروبي من إبداعات التضليل الصهيوني، بل إن جزءا كبيرا من تبريرات السلسة الأوروبيين للحملات الاستعمارية الموجهة صوب منطقة الشرق الوسط تعتمد على تلك القراءات الخاطئة لهذا الفكر الديني المشوه ، وإليك بعض تلك الأدلة المعينة على فهم ذلك: ففي عام 1965 يصدر الفاتيكان اعترافا مفاده (مع أن سلطات يهودية قد ساقت مع أنصارها المسيح إلى الموت مع العلم أن جميع اليهود الذين كانوا أحياء في عصر المسيح مدانون |إلا أننا لا نستطيع أن نحمل اليهود هذا العصر وزرهم .ولا يجب أن ننظر إلى اليهود على أنهم منبوذون من الرب ) ثم يتقدم الفكر المسيحي المهادن والمتواطئ إلى حد الاعتراف من قبل الفتكان بأن اليهود مبرؤون من دم المسيح عليه السلام ،لكي تبدو هذه المصالحة التاريخية العقائدية بين اليهودية والمسيحية شكل من أشكال التطور الاستعماري الذي شكل في نهايات القرن الماضي ما عاد يعرف الحرب العالمية ضد الإرهاب أو الوقوف جنبا إلى جنب ضد دعاة اللاسامية ، ويعنون بذلك المسلمين على وجه التحديد. وشبيه بهذا الاستدلال ما ورد على لسان ريغن إذ قال له الصحفي :لماذا تقف أمريكا من العرب هذا الموقف؟ ولماذا تؤيد إسرائيل هذا التأييد المطلق فأجاب إجابة سريعة ومختصرة :لا تنسى بأننا صليبيون .) ولعل هذا ما كرره بش الصغير في خطابه الشهير بعيد أحداث نيويورك وواشنطن حينما أشار إلى الحرب المقدسة والعادلة والصليبية ضد الأصولية والمتطرفة )وليس بعيدا عن هذا التصور يمكن لنا أن نفهم الدور السياسي الأوروبي المتواطئ مع السياسة الإسرائيلية منذ بلفور حتى مدريد واسلو وما بعدهما ، بل أزعم أن الفكر الكنسي الحديث قد انتقل نقلة نوعية في التواطؤ مع اليهودية من خلال نظرته إلى الكنيسة الشرقية وقد اتضح ذلك من خلال نظرته إلى حصار كنيسة المهد وهدم ثاني أقدس كنيسة في العالم ، وهي كنيسة بربرة في بلدة عابود بالضفة الغربية.
نعيمه الهاشمي
21-05-2004, 05:06 PM
السلام عليكم ورحمة الله
الشاعر الكريم رمضان عمر موضوع يستحق التثبيت ولى عوده ان شاء الله
وفقك الله وجزاك الله خيرا
تحياتى وتقديري
يثبت
رمضان عمر
22-05-2004, 12:48 PM
إذن نحن بحاجة إلى هذه العقيدة الراسخة لنرد على كافة الادعاءات والأباطيل الزائفة؛ فلإن كان هذا التاريخ قد بدأ مع إبراهيم عليه السلام الذي نزل ضيفا على اليبوسيين أصحاب الأرض الأصليين مهاجرا بأمر من الله إلى الأرض المقدسة فإن النص القرآني يرد على تلك المزاعم الإسرائيلية ، وتصبح عبارات الشعب المختار والأرض الموعودة مخلفات زائغة كتلك الملاحم الأسطورية القديمة التي لا يعترف بها الدرس التاريخي.فإبراهيم كما يحدثنا القرآن لم يذهب إلى فلسطين مستعمرا أو موعودا بل ذهب لاجئا طريدا وقد أحسن أهل فلسطين استقباله وضيافته، قال تعالى: ( ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فبه للعالمين ) فالبركة ليست خاصة بقوم كما يدعي المبطلون والأرض في ظلال النص القرآني سواء أكانت الألف واللام فيها للعهد أم للجنس مرهونة بفكرة الاستخلاف الرباني وفي هذا يقول الق سبحانه : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ويقول أيضا ( وعد الله الذين أمنوا ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ) ولكن بشرط ارتضاه لعباده ( يعبدونني ولا يشركون بي شيئا )
وبناءا على هذه القاعدة فشل العبرانيون أتباع موسى عليه السلام في تحقيق نصر على الوثنيين المستعمرين للأرض المقدسة وما كان ذلك إلا لعدم استجابتهم لشروط هذه القاعدة ومخالفتهم لأمر نبيهم ( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين،قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعلمون)،ولكن سرعان ما يتحول هذا النصر إلى هزيمة مؤلمة بعد عبادة العجل ونكرانهم منهج الحق(إن الذين اتخذوا العجل سينا لهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين)
أما نهايتهم السياسية فتتمثل في قوله تعالى(فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين،وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسو مهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم، وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك لعلهم يرجعون. )
وما حل قديما بعصاة بني إسرائيل حل حديثا بعصاة هذه الأمة حينما تراجعت أمام عدوها وفشلت في تحقيق أي إنجاز يذكر على الصعيد القتالي خلال قرن مضى من الزمن ، فلم تستطع الاشتراكية الناصرية أو البعثية العلوية أن تأتي بالحلم العربي المنشود بل كانت عبئا ثقيلا على حركة التحرير الجهادية من خلال مسح ذاكرة الشعوب وإجلائها عن مدرسة الجهاد المحمدية
ففي 23|2|48 يبعث القائد إسماعيل تقرير مفصلا عن اللجنة العسكرية بدمشق قائلا :أن قوات المتطوعين لا يمكن أن يحققوا نصرا في هذا الصراع الذي يحتاج إلى قوات نظامية متمرسة ،وتبدأ المعركة من طرف واحد فتبدأ إسرائيل بمجازرها المتتالية من مجزرة إلى مجزرة فتقترف مجزرة صفد في 19|1|1948 ثم دير ياسين في 9|4|48 ويبدأ الشعب الفلسطيني بالعويل والصراخ فيأتي الجواب من اللجنة العسكرية بأن القوات النظامية لن تدخل المعركة قبل 15|5|48 لينتهي الفصل الأول من مسرحية انهزام الفكر القومي مع الغرب المنسجم مع نبوءة الحديث النبوي الشريف ، (لتتبعن سنن من قبلكم اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه معهم) وهكذا تبدو هذه الصورة الأولية في مسلسل التخاذل والتهاون الذي جلبه لنا الفكر العلماني المتحرر رضيع الصهيونية والإمبريالية .
ثم تبدأ فصول مرحلة جديدة يغيب فيها أبناء الحركة الإسلامية في السجون ويتهموا بالخيانة والرجعية ويرتفع خيار ا الثورية الاشتراكية والقومية العربية لاسترداد الأراضي المغتصبة عام 48، ولا تنتهي هذه المرحلة إلا بحدوث الفاجعة الأليمة عام 67 ليعلن النظام العربي رسميا عن فشل المناهج الكفاحية في حل الصراع الدائم بين العرب وأعدائهم ،لتبدأ المرحلة الثالثة من مراحل هذا الصراع التي يشرع فيها العرب بالبحث عن حلول سلمية كخيارات استراتيجية ووحيدة لإنهاء هذا الصراع وتترجم هذه الجهود من خلال قمم ومبادرات ومعاهدات ولقاءات ، تبدأ في (الرباط) عام 1974 وتترجم في (كام ديفد) الأولى بين مصر وإسرائيل عام1978 وتبرز كمبادرة عربية للجانب الفلسطيني يقدمها فهد في أواسط الثمانينات وتترجم كمؤتمر دولي في أوائل التسعينات من خلال مؤتمر مدريد وتتوج بمعاهدة سلام سرية في أوسلو لتدخل القضية من خلاله إلى نفق مظلم وتراكمات مكلفة .
إذا نحن بحاجة إلى عقيدة قويمة وراسخة لرأب هذا الصدع الممتد ومحو هذه الظلمة المشينة ولتحقيق منهج الله في النصر والتمكين ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) (ومن يتوكل على الله فهو حسبه )
نحن بحاجة إلى عقيدة راسخة كتلك التي تمتعت بها الحركة الإسلامية الأولى في مجابهة الباطل وأهله ،فثبتت في مكة وانتصرت في بدر وفرحت بالفتح المبين في مكة فحققت من سنة الله في عباده المجاهدين ( وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة )
ونحن بحاجة إلى هذه العقيدة في عصر عظمت فيه الفجوة بيننا وبين عدونا، وتضاءلت فرص النصر من خلال القوة المالية والعدة القتالية .
نحن بحاجة إلى هذه العقيدة بعد أن قلب لنا الجميع ظهر المجن ورمتنا العرب والعجم عن قوس وحدة وباتت الشرعية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة مسميات مفرغة من محتوياتها ولا تخدم إلا الغاصب المحتل .
رمضان عمر
23-05-2004, 08:17 AM
الفهم العميق
هذا هو الأساس الثاني بعد العقيدة الراسخة ، وهو أساس ضروري وفعال لكل حركة مجاهدة: ولأنها فلسطين ولأن الصراع فيها طويل ومعقد يبدو الفهم أكثر أهمية في إدارة فصول المعركة،
وقد حذرنا الرسول _ صلى الله عليه وسلم_من عواقب الغي والضلال فقال : (المسلم كيس فطن ) وقال أيضا : ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) وأوصانا بالكتاب والسنة كأساس للهدى والرشاد فقال : ( لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي)
والفهم الذي نقصده هنا هو فهم شامل للظروف المحيطة ، كالسياسة والاجتماع وظروف المقاومة والإعداد ؛ فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. والحرب خدعة أما الغوغائية والغثائية فهما علامات بارزة للهزيمة ففي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أبو الدرداء ( توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل :من قلة نحن يومئذ ؟ فقال :بل أنتم يومئذ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) إذا لا بد من العودة إلى نقطة البداية في التربية السليمة في الجسم المقاوم ،ولا يجوز أن تبقى الأمة رهينة الخيارات المهزومة وأسيرة التصورات الجبانة الهزيلة . لا يجوز أن تفجأنا طائرات الأباتشي وف 16 الأمريكية فنضع رؤوسنا في الرمل منتظرين حبيبات الدقيق الأبيض لتأتينا على شكل معونات غربية .ولا يجوز أيضا أن يدخل المفاوض الفلسطيني يحصد الأخر واليابس من بقايا الوجود الفلسطيني ويدخل الشعب في دهاليز مظلمة وأنفاق سرمدية من فشل إلى فشل ثم يبقى هذا المفاوض بشعبية نسبية بين أوساط المثقفين أو أنصاف المثقفين ،لا يجوز للأمة أن تبقى سادرة لاهية عن أنظمة أثبتت وبجدارة قدرات عجيبة بالتواطؤ والخيانة لتنتظر هذه الشعوب موعد الذبح المشهود الذي يعد له عدو لا يرعوي عن فعل أقبح الجرائم ولا يألو في مؤمن إلا ولا ذمة .
لقد قال لنا أصحاب التسوية إن معركتنا السلمية الشجاعة هي أقصر الطرق وأسلمها في إعادة الحقوق وبناء الدولة والإنسان فكانت البداية مرحلية فكانت (غزة وأريحا أولا ) ودخلت جموع الفاتحين غزة وانتظر الناس السمن والعسل وتشكلت أول كتلة سياسية فلسطينية لترسم المراحل المتبقية من مسرحية السمن والعسل ولم ينتظر الشعب طويلا وما هي إلا بضع سنوات حتى بدأت جحافل الجيش الصهيوني تتقهقر أمام قوات الفتح الفلسطيني لتأخذ المرحلة الانتقالية مجراها بالتنفيذ وفق اتفاقيات أسلو ويصبح ديدا هذا الوسط السياسي المفرط في التفاؤل بشارات وتطمينات للشعب الفلسطيني :أن اصبر أيها الشعب فأن النصر قاب قوسين أو أدنى ،وأن المرحلة النهائية قادمة لا محالة ليرفع طفل فلسطيني أو زهرة فلسطينية علم فلسطين على مآذن القدس على أجراس كنيسة القيامة .
أما قضية اللاجئين فهي قضية لا تقل قداسة في نظر المفاوض الفلسطيني عن قضية القدس ، هكذا يدعون ، بل يؤكدون على حق العودة والتعويض أساس ثابت لحل هذه القضية ، هذا هو الخطاب السياسي المعلن ، أما الواقع السياسي المتدحرج على الأرض فإنه ينبئ بما لا تحمد عواقبه، وترسم جغرافية الدولة الفلسطينية في خيال المفاوض الفلسطيني كمدينة فاضلة ستولد قريبا على شكل متموج قابل للتعدد والانزلاق، أي خيال سياسي أراده لنا أصحاب التسوية ؟وإلى متى تبقى هذه الأمة تلهث خلف هذا السراب وتستجدي الفتات على موائد اللئام ، ومتى تصحو هذه الأمة من كبوتها وتستلهم مواطن رشدها وترتب صفوفها لعلها تصل إلى الشاطئ الأمن .وعندما يهب الشعب الأعزل هبته تقوم الدنيا ولا تقعد فتارة يتهمونه بالفوضوية وطورا بالإرهاب وثالثة بالضياع، ويقف العالم بقضه وقضيضه في وجه هذه الصحوة ، وتتعالى الأصوات المثبطة لتئد الثورة في مهدها وتجفف منابعها قبل أن يقوى بها العود ، فيجهض إضراب عام 36 من خلال هدنة تمطن اليهود من جمع السلاح وتفق الثورة الفلسطينية جذوة الانتقام والمجابهة ويتكرر الأمر في الخمسينات إذ يكافأ المتطوعون من أبناء الحركة الإسلامية بزجهم في السجون وإعدام قياداتهم واتهام الجماعة بالخيانة زورا وبهتانا.
وعندما ينجح الفلسطينيون أواسط الستينات في تشكيل حركة تحرير وطني يتم وأد هذه الحركة تدريجيا من خلال جملة من الخطوات الخبيثة ، تبدأ من خلال تفريغ الحركة من أي إطار فكري ثم سلخ القضية عن بعدها الديني بعد تبني الحركة الإطار العلماني وإقصاء الإسلاميين ومحاولة منعهم من الانخراط في سلك المقاومة إلى اعتبار أنهم رجعيون وأذيال للاستعمار. ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى سلخ القضية عن بعدها العربي وذلك عندما تصبح منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني كما جاء في مقررات قمة الرباط عام 1974
ثم تدخل هذه الحركة في جولة تصفيات عنيفة يستنزف فيها الجانب العسكري ،فبعد إقصاءها عن الأراضي الأردنية القريبة من فلسطين المغتصبة والتي تتمتع بحدود واسعة تمكن الجانب الفلسطيني من إحداث حلة مقاومة قادرة على الصمود والفاعلية وإذا كانت الساحة الأردنية هي ساحة إجلاء وطرد للمقاومة الفلسطينية فإن الساحة اللبنانية كانت الزاوية الضيقة التي صفيت فيها هذه المقاومة ونزفت حتى الرمق الأخير ،والعجيب انك ترى من خلال هذا التتابع الزمني استهدافا مباشرا وسريعا لكل الطاقات العسكرية وتنامي ملحوظ للنخب السياسية المنسجمة مع الخيارات العربية الرسمية وهذه الحبكة في مسلسل استنزاف هذه المقاومة بشقيه : نفخ الإطار السياسي الرسمي وتعظيم شأنه ومحاصرة الخيار المقاوم وتجفيف منابعه ت جلية في الحقب الثلاث الأخيرة ؛ففي السبعينات تجبر المقاومة الفلسطينية على دخول حرب أهلية في لبنان في حين يدخل النظام السياسي الرسمي في اتفاقيات علنية مع الجانب الإسرائيلية من خلال كام ديفد الأولى بين مصر وإسرائيل ،وتلاحق القيادة الطريدة في تونس وتضرب القوة سبعة عشر ويصفى القائد العظيم أبو جهاد وتجهض انتفاضة المساجد الأولى في نفق أسلو المظلم ،وتدان المقاومة إدانة رسمية فلسطينية وعربية ودولية في شرم الشيخ عام 96 ويتوج هذا الاستهداف للمقاومة بحملة إعلامية ودولية لسلب الشعوب حقها في المقاومة من خلال حصر القضية الفلسطينية كقضية أمنية يتبادل فيها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي المعلومات عن المقاوم الإرهابي أو الإرهاب الإسلام ويبدأ العالم بالبحث عن إطار دولي وشامل لإدانة أعمال المقاومة واعتبارها خروج عن القانون وتتولى أمريكيا بنفسها هذه الحملة ضد ما عاد يعرف بالحرب ضد الإرهاب ، وينقسم العالم وفقا لهذه الرؤية إلى قسمين : قسم هو خير مطلق اليهود وأعوانهم ولا قيمة للانتماء العرقي لهذه المعركة أما القسم الثاني فهم المقاومون الإسلاميون أينما وجدوا في فلسطين أو لبنان أو كشمير أو الفلبين أو الشيشان.
رمضان عمر
23-05-2004, 08:21 AM
الفهم العميق
هذا هو الأساس الثاني بعد العقيدة الراسخة ، وهو أساس ضروري وفعال لكل حركة مجاهدة: ولأنها فلسطين ولأن الصراع فيها طويل ومعقد يبدو الفهم أكثر أهمية في إدارة فصول المعركة،
وقد حذرنا الرسول _ صلى الله عليه وسلم_من عواقب الغي والضلال فقال : (المسلم كيس فطن ) وقال أيضا : ( لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) وأوصانا بالكتاب والسنة كأساس للهدى والرشاد فقال : ( لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي)
والفهم الذي نقصده هنا هو فهم شامل للظروف المحيطة ، كالسياسة والاجتماع وظروف المقاومة والإعداد ؛ فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. والحرب خدعة أما الغوغائية والغثائية فهما علامات بارزة للهزيمة ففي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه أبو الدرداء ( توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل :من قلة نحن يومئذ ؟ فقال :بل أنتم يومئذ كثيرون ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قيل وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) إذا لا بد من العودة إلى نقطة البداية في التربية السليمة في الجسم المقاوم ،ولا يجوز أن تبقى الأمة رهينة الخيارات المهزومة وأسيرة التصورات الجبانة الهزيلة . لا يجوز أن تفجأنا طائرات الأباتشي وف 16 الأمريكية فنضع رؤوسنا في الرمل منتظرين حبيبات الدقيق الأبيض لتأتينا على شكل معونات غربية .ولا يجوز أيضا أن يدخل المفاوض الفلسطيني يحصد الأخر واليابس من بقايا الوجود الفلسطيني ويدخل الشعب في دهاليز مظلمة وأنفاق سرمدية من فشل إلى فشل ثم يبقى هذا المفاوض بشعبية نسبية بين أوساط المثقفين أو أنصاف المثقفين ،لا يجوز للأمة أن تبقى سادرة لاهية عن أنظمة أثبتت وبجدارة قدرات عجيبة بالتواطؤ والخيانة لتنتظر هذه الشعوب موعد الذبح المشهود الذي يعد له عدو لا يرعوي عن فعل أقبح الجرائم ولا يألو في مؤمن إلا ولا ذمة .
لقد قال لنا أصحاب التسوية إن معركتنا السلمية الشجاعة هي أقصر الطرق وأسلمها في إعادة الحقوق وبناء الدولة والإنسان فكانت البداية مرحلية فكانت (غزة وأريحا أولا ) ودخلت جموع الفاتحين غزة وانتظر الناس السمن والعسل وتشكلت أول كتلة سياسية فلسطينية لترسم المراحل المتبقية من مسرحية السمن والعسل ولم ينتظر الشعب طويلا وما هي إلا بضع سنوات حتى بدأت جحافل الجيش الصهيوني تتقهقر أمام قوات الفتح الفلسطيني لتأخذ المرحلة الانتقالية مجراها بالتنفيذ وفق اتفاقيات أسلو ويصبح ديدا هذا الوسط السياسي المفرط في التفاؤل بشارات وتطمينات للشعب الفلسطيني :أن اصبر أيها الشعب فأن النصر قاب قوسين أو أدنى ،وأن المرحلة النهائية قادمة لا محالة ليرفع طفل فلسطيني أو زهرة فلسطينية علم فلسطين على مآذن القدس على أجراس كنيسة القيامة .
أما قضية اللاجئين فهي قضية لا تقل قداسة في نظر المفاوض الفلسطيني عن قضية القدس ، هكذا يدعون ، بل يؤكدون على حق العودة والتعويض أساس ثابت لحل هذه القضية ، هذا هو الخطاب السياسي المعلن ، أما الواقع السياسي المتدحرج على الأرض فإنه ينبئ بما لا تحمد عواقبه، وترسم جغرافية الدولة الفلسطينية في خيال المفاوض الفلسطيني كمدينة فاضلة ستولد قريبا على شكل متموج قابل للتعدد والانزلاق، أي خيال سياسي أراده لنا أصحاب التسوية ؟وإلى متى تبقى هذه الأمة تلهث خلف هذا السراب وتستجدي الفتات على موائد اللئام ، ومتى تصحو هذه الأمة من كبوتها وتستلهم مواطن رشدها وترتب صفوفها لعلها تصل إلى الشاطئ الأمن .وعندما يهب الشعب الأعزل هبته تقوم الدنيا ولا تقعد فتارة يتهمونه بالفوضوية وطورا بالإرهاب وثالثة بالضياع، ويقف العالم بقضه وقضيضه في وجه هذه الصحوة ، وتتعالى الأصوات المثبطة لتئد الثورة في مهدها وتجفف منابعها قبل أن يقوى بها العود ، فيجهض إضراب عام 36 من خلال هدنة تمطن اليهود من جمع السلاح وتفق الثورة الفلسطينية جذوة الانتقام والمجابهة ويتكرر الأمر في الخمسينات إذ يكافأ المتطوعون من أبناء الحركة الإسلامية بزجهم في السجون وإعدام قياداتهم واتهام الجماعة بالخيانة زورا وبهتانا.
وعندما ينجح الفلسطينيون أواسط الستينات في تشكيل حركة تحرير وطني يتم وأد هذه الحركة تدريجيا من خلال جملة من الخطوات الخبيثة ، تبدأ من خلال تفريغ الحركة من أي إطار فكري ثم سلخ القضية عن بعدها الديني بعد تبني الحركة الإطار العلماني وإقصاء الإسلاميين ومحاولة منعهم من الانخراط في سلك المقاومة إلى اعتبار أنهم رجعيون وأذيال للاستعمار. ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى سلخ القضية عن بعدها العربي وذلك عندما تصبح منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني كما جاء في مقررات قمة الرباط عام 1974
ثم تدخل هذه الحركة في جولة تصفيات عنيفة يستنزف فيها الجانب العسكري ،فبعد إقصاءها عن الأراضي الأردنية القريبة من فلسطين المغتصبة والتي تتمتع بحدود واسعة تمكن الجانب الفلسطيني من إحداث حلة مقاومة قادرة على الصمود والفاعلية وإذا كانت الساحة الأردنية هي ساحة إجلاء وطرد للمقاومة الفلسطينية فإن الساحة اللبنانية كانت الزاوية الضيقة التي صفيت فيها هذه المقاومة ونزفت حتى الرمق الأخير ،والعجيب انك ترى من خلال هذا التتابع الزمني استهدافا مباشرا وسريعا لكل الطاقات العسكرية وتنامي ملحوظ للنخب السياسية المنسجمة مع الخيارات العربية الرسمية وهذه الحبكة في مسلسل استنزاف هذه المقاومة بشقيه : نفخ الإطار السياسي الرسمي وتعظيم شأنه ومحاصرة الخيار المقاوم وتجفيف منابعه ت جلية في الحقب الثلاث الأخيرة ؛ففي السبعينات تجبر المقاومة الفلسطينية على دخول حرب أهلية في لبنان في حين يدخل النظام السياسي الرسمي في اتفاقيات علنية مع الجانب الإسرائيلية من خلال كام ديفد الأولى بين مصر وإسرائيل ،وتلاحق القيادة الطريدة في تونس وتضرب القوة سبعة عشر ويصفى القائد العظيم أبو جهاد وتجهض انتفاضة المساجد الأولى في نفق أسلو المظلم ،وتدان المقاومة إدانة رسمية فلسطينية وعربية ودولية في شرم الشيخ عام 96 ويتوج هذا الاستهداف للمقاومة بحملة إعلامية ودولية لسلب الشعوب حقها في المقاومة من خلال حصر القضية الفلسطينية كقضية أمنية يتبادل فيها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي المعلومات عن المقاوم الإرهابي أو الإرهاب الإسلام ويبدأ العالم بالبحث عن إطار دولي وشامل لإدانة أعمال المقاومة واعتبارها خروج عن القانون وتتولى أمريكيا بنفسها هذه الحملة ضد ما عاد يعرف بالحرب ضد الإرهاب ، وينقسم العالم وفقا لهذه الرؤية إلى قسمين : قسم هو خير مطلق اليهود وأعوانهم ولا قيمة للانتماء العرقي لهذه المعركة أما القسم الثاني فهم المقاومون الإسلاميون أينما وجدوا في فلسطين أو لبنان أو كشمير أو الفلبين أو الشيشان.
رمضان عمر
24-05-2004, 07:25 PM
وعلى الرغم من أن المقاومة الفلسطينية قد التقطت أنفاسها ثانية واكتست ثوبا جديدا من خلال حركات المقاومة الإسلامية : حماس والجهاد الإسلامي إلا أن حجم المؤامرة كبير ولا يستهان به ؛ فنحن لا نستطيع أن ندعي بأن عقد التسعينات كان عقد إجماع شعبي ، بل لعل قطاعات ليست بالمتواضعة كانت لا تزال مخدوعة بالحل السلمي وواقعية النضال المعتدل، وأكاد أزعم بأن العمليات العسكرية الضخمة التي كانت تقوم بها حركتا حماس والجهاد الإسلامي كانت تشكل حالة من الجدل الشعبي والرفض من قبل التوجهات اللاإسلامية. صحيح أن الفعل المقاوم قد تحول مع انتفاضة الأقصى إلى حالة شعبية وخيار مجمع عليه فصائليا ، إلا أن نوعا من الاهتزازات الصوتية تحاول بين الفينة والأخرى أن تحدث بعض الاختراقات في هذا الإجماع وتساعد وسائل الإعلام المتنفذة والأطر الرسمية على ذلك من خلال طرح بعض التساؤلات والتشكيك في بعض الأنماط الجهادية وتجيير نتائج العمل الجهادي المقاوم لصالح القرار السياسي الرسمي .
ومن تلك المحاولات المشبوهة ، ما تقوم به وسائل الإعلام من إضفاء صفة الشرعية على مصطلحات العدو وتسويقها في الأسواق الشعبية دون جمارك ؛ فالحرب ضد الإرهاب وإنهاء حالة العنف بين الجانبين ووقف إطلاق النار وانسحاب الطرفين إلى ما قبل الثامن والعشرين من أيلول كل ذلك تعج به وسائل العلام دون مناقشة أو تصحيح.
من ناحية ثانية تطلق فقاعات التشكيك عبر وسائل الإعلام والمحافل الرسمية حول جدول انتفاضة وإمكانية صمودها وما إذا كانت حققت النتائج المرجوة وأن الشعب قد مل وتعب وخارت قواه فلا بد من مراجعة للذات وتصحيح للمسارات تحت مبررات الواقعية المرحلية واختلال موازين القوة .
ويبدو لي أن اخطر ما يثار في هذه الحملة المسمومة هو محاولة سلب المقاومة من مقدراتها وطاقاتها الفاعلة؛ ولعل ذلك يبدو واضحا من خلال النظر إلى العمليات الاستشهادية التي باتت تؤرق العدو وتقض مضجعه على أنها حالة من العدمية والإرهاب وأنها على حد زعمهم ضد مصالح الشعب الفلسطيني ،وأنها يجب أن تدان هذه العمليات إدانة جماعية سياسية من قبل القوى والفصائل والأنظمة وأن تجرم شرعية من خلال فتاوى دينية تلبي رغبة شارون وبوش من علماء السلاطين في المستويات الدينية العالية كالأزهر ومجمع البحوث الإسلامية .
وحتى لا نغيب عن احتياجات العصر وضرورات الوعي والفهم لا بد من مناقشة ذلك كله ووضعه في إطاره الفكري السليم .
فالخيار السلميى،حتى وأن كنا نعتقد بأنه مجرد وهم في ذاكرة المفاوض الفلسطيني ليزيد من خلاله رصيد في البنوك الدولية ، ولا يمثل على مستوى الواقعي سوى سراب حرقته آلة القمع الصهيوني ومحت آثاره من خلال الاجتياحات المتكررة والاعتداءات المتنوعة ،ومع ذلك ، فهب أن هذا الخيار ما زال خيار استراتيجي ووحيد وهل تبنيه يعني إسقاط ورقة المقاومة ،الورقة الوحيدة الضاغطة في معركة اللاتكافؤ التفاوضي ،هذا مع إيماننا المسبق أن أكذوبة السلام مرفوضة شرعا وعقلا وسياسية ،وقد أصدرت رابطة علماء فلسطين فتوى بهذا الشأن خونت فيه من يعقد صلحا مع اليهود ويفرط في المسجد الأقصى أو أي ذرة من تراب فلسطين وصدرت فتاو إسلامية عالمية لنخب من العلماء المشهورين وعلى رأسهم الشيخ العلامة يوسف القرضاوي وقد فرق جمهور العلماء بين ما عرف قديما لصلح الحديبية ،وهو هدنة مشروطة بزمن وتفريعات يجيزها الشرع ،إما إقامة سلام دائم مع عدو غاصب ومكافئتهم بإعطائه صك اعتراف وطني ومسؤول بأن له حقا في أكثر من ثمانين بالمائة من أرض فلسطين ،ثم موالاته والذوبان في مشروعه وتحول الكيان السياسي إلى أداة أمنية بيد الغاصب المستبد .
وفي هذا يقول سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل )1
،( يا أيها الذين أمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يأسوا من الآخرة كما يأس الكفار من أصحاب القبور )، وقوله أيضا في سياق من قتل وهجر واغتصب ودمر :(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يحرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ،إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون .)
إذن كيف يجوز لن أم نهادن القاتل ونسالمه بعد هذا النهي، يقول الله سبحانه وتعالى : ( يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم)، إنها الخيانة التي وسم الله بها وجوه أصحاب هذا الاتجاه . وكيف لمؤمن أن يسالم القتلة المردة أصحاب منطق الغدر المتكرر ( كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ) العمل ينقض ما وقعه الليكود والليكود ينسف ما أقره العمل لتعود حركة المفاوضات العبثية إلى جولة سيزيفية جديدة يحمل فيها المفاوض صخرة العم ثانية من أسفل الوادي ليصل إلى انتكاسة جديدة على طريق التخبط التفاوضي .
رمضان عمر
26-05-2004, 07:48 AM
وإذا كانت هذه العملية السلمية قد رفضت شرعا كما بينت النصوص القرآنية سابقا فأن هذه العملية مرفوضة عقلا وسياسة أيضا ؛ ذلك أن الأرض مقابل السلام المشوب أصلا بضبابية وقحة ومفارقات عجيبة ومغالطات جمة ،هو مفهوم مرفوض ولا يجوز أن يكون معيارا للحل المنتظر ؛لأن الأرض الفلسطينية أرض مغتصبة من بحرها وحتى النهر والأخر على طاولة المفاوضات مستعمر غاصب ،وقد ثبت بالأدلة الشرعية والتاريخية أنه لا يملك حقا في هذه الأرض حتى يمتلك حرية المحاورة عليها ،وراعي هذه العملية هو الآخر لا يتمتع بالصلاحيات التي تمكنه من إنصاف طرف لصالح طرف فاليهود الذين دخلوا فلسطين باسم إبراهيم ( مع إيماننا بأن إبراهيم ما كان نصرانيا ولا يهوديا ) لم يدخلوها وهي خلو من أهلها بل إن اليبوسين أصحاب تلك الأرض في ذلك الزمان هم الذين مكنوا إبراهيم عليه السلام دخولها والإقامة فيها حتى إن إبراهيم لما أراد أن يدفن زوجه سارة لم يجد مكانا لذلك حتى ابتاع قطعة أرض من يبوسي ثم لو صدقنا جدلا بأن إبراهيم قد تملك هذه الأرض فيجب أن تقسم هذه الأرض بين أبنائه بالتساوي لا أن تنحصر بين إسحاق ويعقوب دون سائر الورثة ، هذا مع الإشارة إلى القرآنية التي تنفي ا فتراضيتها وتنسف احتماليتها قال تعالى ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)فالله سبحانه وتعالى عدل كريم لا يحابي أحد ولا ينتصر للظالم .
ثم أن المدة التي قضاها اليهود في فلسطين لا تتجاوز الأربعمائة سنة وهي مدة قصيرة جدا إذا ما قيست بتاريخ هذه الأرض هذا من نحو أما من نحو أخر فأن خروجهم منها كان خروجا مذلا مهينا لم يخلف حضارة مشرفة وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة فشل محاولاتهم في العثور على آثار دينية أو تاريخية أما العرب الفلسطينيون فقد لازموا هذه الديار عبر حقب التاريخ الممتدة وهم باقون فيها بقاء التين والزيتون ؛إذا كيف يجوز أن يملك من ليس له حق في التمليك من ليس له حق في الملك ممن له الملك الكامل ثم يكون ثمن هذا التنازل بأن تقدم للغاصب وثيقة أمنن وسلم ليهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . أما الشبه الثانية التي يثيرها المبطلون من أصحاب الاتجاه المتخاذل في محاولة منهم لإخماد جذوة المقاومة والرجوع إلى حالة الاستجداء لتبقى لهم مناصبهم وتزيد في البنوك أرصدتهم ،هذه الشبهة تتمثل في جملة من التساؤلات حول جدوى الانتفاضة ، وهل تستطيع المقاومة أن تحدث اختراقات نوعية وتغيرات جذرية.ولعلهم يسارعون إلى الادعاء مسبقا بأن الشعب قد مل وخارت قواه ولم يعد قادرا على المواصلة ؛ لذا لا بد من وقفة مع الذات وإعادة جدولة النضال الفلسطيني بما يتناسب مع التغيرات الدولية .
وللرد على ذلك كله نقول :إن المقاومة ليست خيارا فلسطينيا اختاره الشعب من متعدد ، وما كانت في يوم من الأيام قرارا يتخذ بناءا على ميتا فيزكيا الخيال الجنوح المتسرع ، بل هي قدر كل محتل ووسيلة كل حر و أداة كل مظلوم وغاية كل طموح للخروج من آفة الظلم وذل الاستعباد وهي دليل على البقاء وهي دليل على البقاء كما عبر عن شيخ المقاومين (الشيخ أحمد ياسين ) عندما قال أنا أقاوم فأنا موجود .
إن أحدا لا يستطيع أن يزعم أن طريق المقاومة مفروشة بالورود والرياحين وأن المحتل الغاصب سيربت على أكتاف المجاهدين ويسلمهم أوسمة البطولة والنصر بعد كل عملية يحققون فيها نقلة نوعية في العمل البطولي المقاوم .
و تكاليف الجهاد صعبة عصية شديدة على النفس ولكنها مفروضة بأمر الله جل وعلا (كتب عليك القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )ونعلم أيضا بأن الأشلاء والدماء والجماجم والبيوت المهدمة تكاليف باهضة الثمن لكنها ضريبة العز والتحرر .
وللحرية الحمراء باب لكل يد مدرجة تدق
وهي علامة على الصحة والإيمان واستحقاق النصر ودخول الجنة يقول سبحانه : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ويقول أيضا : ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )
ثم،من ذا الذي يزعم بأن مقاومات الشعوب تدخل معيار الربح والخسارة ،من قال أن أفغانستان التي تكبدت أكثر من مليونين شهيد قد طبقت هذا المعيار على حركتها الجهادية ومن قال أن الجزائريين قد استسلم للمستعمر الفرنسي بعد النصف الأول من الشهداء ، ومن قال أن الشيشان وفيتنام حالات استثنائية في تاريخ الشعوب ،ثم أليست هذه الحالة المشرقة التي سطرها حزب الله في الجنوب اللبناني مع هذا العدو الغاصب حرية بالأخذ والاعتبار.
رمضان عمر
29-05-2004, 12:48 AM
وهذا القدر الذي نتحدث عنه ، هو قدر واقعي فرضته الظروف الحالية وقدر تاريخي فرضته النبوءات الشرعية المتعددة ؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من اختار منكم ساحلا من سواحل الشام أو بيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة ) ويقول الحق سبحانه : (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا )
فالحرب سجال ، يوم لك ويوم عليك (وتلك الأيام نداولها بين الناس )
ثم من قال بأن الخسائر والمصائب هي حظ فلسطيني خالص . إن قراءة سليمة وواعية للحدث تثبت أن الأخر قد تكبد من الخسائر ما فاق توقعاته واحتمالاته ، فقد ضربت نظريته الأمنية وأصابته المقاومة في المقتل ، وكبدته خسائر جسدية واقتصادية ومعنوية باهظة ، وألقت الكرة في ملعبه وحولته من باحث عن التوسع إلى مدافع مرتبك ، نعم لقد تحولت المدن الرئيسة : تل أبيب والقدس ونتانيا ويافا وحيفا إضافة إلى المستوطنات والحواجز الأمنية إلى ساحات حرب دامية ، يتراقص قيها الموت ليل نهار. نعم ( إن تكون تألمون فأنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون )
لم يعد في ذاكرة هذا المحتل الغاصب مشروع شرق أوسطي جديد ، كما نظر له بيرس في بداية التسعينات من خلال اتفاقيات أسلو الهزيلة ، بل عاد بيرس وبيلين وساس وعوفوديا وشارون كلهم يفكرون في منطق الفصل الأحادي الجانب والعزل الأمني وكلها أفكار تتعارض مع الفكر التوسعي .
أما الشبهة الأخيرة التي سنتعرض إليها في هذا البحث المتعلقة بأدوات الفعل المقاوم فالقول فيها واضح وبسيط .
فإذا كان القتل و الاعتداء في ظروف المسالمة والاعتدال مذموما عقلا ومرفوضا شرعا ، فقد يصبح غاية شرعية وحتمية عقلية في حالات خاصة كالحروب ودفع المفاسد ، وبهذا جاء القرآن حينما امتدح الاعتداء في سياق الرد على الجرائم ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وطالب الأمة بالأنفة والشهامة وعدم الخنوع أمام غطرسة الظالم وجبروته ( والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ) وطالب الأمة بأن تأخذ بثأرها وتنتقم من عدوها إذا أمعن فيها الطعان وأفحش السلب والنهب ( فاقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ) بل أقر ناموسا ثابتا تتحرك فيه الجماعات المسلمة في سياساتها الداخلي والخارجية ( يا أبها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) ، لا بد أن تتحقق هذه المعادلة فأن قتل العدو لنا مدنيين قتلنا له مدنين وأن اغتال لنا قادة اغتلنا له قادة فالسن بالسن والعين بالعين والجروح قصا ص .
وهنا تدخل قضية المدنيين التي يتندرون بها ويتذرعون ، نعم كان الرسول يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه ، انسجاما مع قوله تعالى : (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)، وقد فصل العلماء القول في هذه المسألة ، وبينوا دلالة التعبير القرأني ( ولا تعتدوا) الذي احتمل عدة وجوه ، ذكر منها ابن العربي _ في كتابه أحكام القرآن _ ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الآية منسوخة بقوله : (وقاتلوا المشركين كافة ) و ( فاقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم )
الثاني : لا تعتدوا : أي لا تقاتلوا على غير الدين.
الثالث : لا تقاتلوا إلا من قاتل ، وهم الرجال البالغون ، أما النساء والأطفال والشيوخ والرهبان فلا يقتلون ؛ لذلك أمر آبو بكر الصديق _ رضي الله عنه – يزيد بن أبي سفيان حين أرسله إلى الشام ألا يتعرض لهؤلاء، وإذا كانت هذه الحادثة تمثل أخلاقية الإسلام في الجهد فإن تفسيرات العلماء وتفصيلاتهم تدل على حصانة الوعي الإسلامي في أدب السياسة الجهادية ؛ قال سحنون : والنساء إن قاتلن قتلن في حالة المقاتلة وبعدها لعموم اللفظ في قوله : (وقاتلوا الذين يقاتلونكم )
وللمرأة أثار عظيمة في القتال : منها الإمداد بالأموال والتحريض على القتال ، وزاد العلماء: وقد يخرجن ناشرات شعورهن نادبات مثيرات ، كل ذلك مبيح لقتلهن ، وكذا القول في الصبي والشيخ والراهب إن أعانوا على المسلمين .
ولعل ( قضية المدنين ) في الصراع مع العدو الغاصب تختلف عن الوجه الذي ناقشناه سابقا من خلال النصوص الشرعية والأدلة الفقهية نم زاويتين : أولا أن الكيان الغاصب أعلن عن نفسه بأنه دولة جيش فالتجنيد إجباري ينال الصبي والصبية والشيخ والمرأة ويتضح ذلك من خلال الأعداد الضخمة بما يعرف بجنود الاحتياط الذين يتم استدعائهم بين الفينة والفينة ، ثانيا : أن النصوص السابقة جلها يتعلق في مسألة الفتوحات الإسلامية وهذا له أحكامه الخاصة دون أحكام الدفع عندما تحتل الأراضي وتنتهك الأعراض وتسلب الأموال ،روى أنس بن مالك أن جارية وجد رأسها قد رض بين تحجرين فسألوها من صنع هذا بك ، آفلان ، آفلان حتى ذكروا يهوديا فأومأت برأسها ، فأخذ اليهودي فأمر به الرسول أن يرض رأسه بالحجارة ،وفي رواية فقتله رسول الله بين تحجرين (القرطبي |ج 2|ص359)
أما العمليات الاسشهادية التي تمثل أرقى ما توصلت إلية يد الإبداع المقاوم أجل ما عرفته هذه القضية منذ عشرات السنين ، هذا السلاح الفتاك الذي بات يقض مضاجع العدو ويزلزل كيانه ، هذا السلاح العبقري الذي حقق للأمة توازنا لطالما فقدته الأمة إنه توازن الرعب الذي راهنت علية المقاومة ثم كسبت هذا الرهان هذا السلاح الفتاك الذي نظر إليه العالم نظرة وجل وتخوف ،فقام ولم يقعد ونادى بأعلى صوته أن أوقفوا هذا المارد العنيد ، فكان تنت ومشل وشرم الشيخ وبيرنس وغيرهم وغيرهم (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين )
إن العمليات الاستشهادية ليست دخيلة على الفقه الإسلامي المعاصر وليست بدعة لفصيل في زمن حائر ، إنها قضية أصيلة أصالة هذا الدين وليس للمترددين والمتخاذلين أي سند شرعي في تشويه هذه الصورة المشرقة ، روي عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبن عمران قال : (غزونا القسطنطينية وعلى جماعة عبد الرحمن بن الوليد ،والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ،فحمل رجل على العدو فقال أبو أيوب الأنصاري سبحان الله !أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه ، قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله عز وجل (وأنفقوا ف سبل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) والإلقاء باليد إلى التهلكة : أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد ) فلم يزل أبو أيوب مجاهدا حتى قتل في القسطنطينية ، وقبره هناك ، روى هذا الحدبث حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك والترمذي (القرطبي /2 / 361)
وقال العلماء : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش ، إذا كان فيه قوة ، وكان لله فيه نية خالصة. وذلك بين في قوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) ، وقد رأى العلماء أن ذلك جائز لعدة أوجه : منها
1+ طلب الشهادة
2_ وجود النكاية
3_تجرئة المسلمين على الأعداء
4_إضعاف نفوسهم ؛ ليروا أن هذا صنع واحد، فما ظنك بالجميع
د. محمد صنديد
29-05-2004, 01:51 AM
أخي رمضان:
موضوع دسم و فيه جهد واضح. فأحببت أن أنقل لك الآن شكري على مجهودك البائن.
ولنا عودة للتعقيب و النقاش بعد استكمال قرائته.
دمت بخير.
رمضان عمر
29-05-2004, 08:08 PM
هذه هي السمة الثالثة لملامح المنهج الجهادي المقاوم ،وهي سمة بارزة فاعلة ’ ، طرقها القرآن في صفحاته وتحدث عنها الرسول _صلى الله عليه وسلم _في قبساته وجلاها العظماء في سيرهم وتضحياتهم ،إنها منهج السراة المهتدين وسبيل الدعاة المخلصين وأقصر الطرق لتخليص العباد وتحريرهم من الطغاة المعتدين .
يقول الحق سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )
إنها طريق الجهاد والمرابطة أعظم به من منهج وأكرم بها من طريقة دونها خرط القتاد ومن أجلها ترحل المطايا وتضرب أكباد الإبل ، وبها تعز الأمم وبغيرها تذل وتهان وتباد .
قال صلى الله غليه وسلم: (لرباط يوم في سبيل الله ، من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة ألف سنة ، صيامها وقيامها ، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا _ أراه قال _ من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها ، فإن رده الله تعالى إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف ، وتكتب له الحسنات ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة.)
وروى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدينار ، وعبد الدرهم وعبد الخميصة ؛ إن أعطى رضي ، وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ، طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه،مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحرلسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ن إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع)
هذا هو منهج العظماء من أمة محمد وديدن الطامحين وسبيل العارفين ، هذا هو خيار المنحازين إلى قول الحق سبحنه : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن بالله واليوم الأخر وجاهد في سيسل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين)
وقد لخص هذا الخيار وحسم القول فيه الإمام المجاهد عبد الله بن المبارك في درته النفيسة التي بعث بها للإمام التقي العابد الفضيل بن عياض
يا عابد الحرمين لو أبصرــتا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنــا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطـل فخيولنا يوم الصبيحـة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبـيرنا وهج السنابك والغبار الأطيب
هذا هو المنهج الذي من خلاله تتحقق التقوى وتخلص النفوس لبارئها وتتجلى حقيقة التقرب إلى الله عز وجل بالنفس والمال والولد وتتحقق العبودية الخالصة لله سبحانه؛ لأن الحياة لله والموت لله ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )
إنه المعيار الحقيقي لأهلية المؤمن في إيمانه واستحقاقه لما أعده الله له في الجنة ، قال تعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )
وإذا ما تعانقت المصابرة والمجاهدة في هذه الآية تعانقا يرسم صورة جلية لملامح الشخصية الناجية من عذاب الله قي اليوم الأخر فأن تعانقا أخر في آية كريمة أخرى يرسم ملامح الشخصية في نسق قريب من هذا التعانق قال تعالى في أواخر سورة آل عمران :( يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون )
وقد تجلت هذه السمة من خلال جملة من الأحاديث الصحيحة . نذكر منها حديثا سنجعله شاهدا على ما نعتقد ونرى؛ لما للحديث من علاقة مباشرة بالمعركة التي تدور رحاها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ؛ومنها حديث أبي هريرة قال : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق ، وما حوله ، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله ، لا يضرهم من خذلهم ، ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة 9) قال الهيثمي : رجاله ثقات
والظاهر، أن منطق الاستعلاء والأنفة والتمايز_ من خلال هذا المنهج الرباني_ هو السمت البين في طبيعة هذه الطائفة ،أما الغربة النموذجبة التي ارتقت في أعلى صورها من خلال هذا التوحد والانفراد فإنها تمثل ركنا أساسيا مكونا لهذه الجماعة ،وهي غربة أصولية طيبة ،بل هي نفحة من نفحات الحديث النبوي الشريف ومبشراته ؛فطوبى لها من غربة وأنعم بها من فئة قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الدين غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء )
إذا نحن نضن بهذه الخصوصية ونرضى بأن نكون القليل في زمن كثر خبثه وزاد غيه ( ثلة من الأولين ،وقليل من الآخرين )
نعم ، سنحتكم إلى هذا الحديث الشريف ونحن نتطلع إلى دور سياسي رائد في هذه البقعة المقدسة ،ونتيه على الآخرين عندما نشعر بأننا اقتربنا من منهج الصالحين الذي ارتضاه لنا سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد المجاهدين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
ولعل أزمة الواقعين والثورين الذين خاضوا تجارب محدودة في العمل المقاوم تكمن في فقدان هذه السمة وتجاوزها ؛ إذ أن الشخصية الواقعية عندهم قد بنيت بناء هشا قابلا للتبدد والانهيار، من خلال خضوعها المطلق لعمليات المد والجزر والضغط النفسي
رمضان عمر
02-06-2004, 10:41 PM
وخلاصة ما أريد قوله في هذا الجانب :أن نوعا من التربية النفسية على الثبات والمصابره كان لازما لصياغة شخصية فلسطينية مقاتلة قادرة على مواصلة النفس الكفاحي بما يتلائم مع طول المعركة المصيرية . هذا مع الأخذ بالاعتبار أن الجانب الآخر قد أعد عدته وملأ كنانتة لكي يقذف بسهام الضغط النفسي على الخصم المقابل ؛لأنه يدرك أن الهزيمة في هذه المعركة للطرف الذي يصرخ أولا وهذا ما أوضحه رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إسحاق رابين في طريقة تعامله مع الإنتفاضة الأولى حينما قال : علينا أن نبقي الفلسطينيين داخل الزنازين حتى لا يشعروا بأن لهم حاجة في ما بعد الغرف ،وعندها سينحصر الحلم الفلسطيني في التحرر من الزنزانة لا نم السجن .
إن أصحاب الرؤى السياسية الواقعية هم الذين انصاعوا لنظرية الأمن الإسرائلية فارتفعت أصواتهم في معركة الشد البطيء لينزلقوا في أودية سحيقة . وقد أغرى هذا التهاون والتنازل عدوهم بهم فأعاد حصارهم كرات ومرات عله يحصل على تنازلات ،وقد حصل .
لقد انهزمت الواقعية السياسية والواقعية الثورية لأنها لم تأخذا بقانون المصابرة ولم تتسلح بأسباب العزيمة .
لقد ظن أصحاب هذا المنهج الهزيل أن هذا التنازل سيهون عليهم المصيبة ويقلل فيهم الخسائر ويسهل عليهم الطريق ؛وما علم هؤلاء أن الأسد إذا ما روض ليحاكي الحمير فأن المحاكاة ستكون بداية الطريق للتدجين وقد يصل الأمر إلى حد أن يدع آكل اللحم ويستبدل مكانه الحشائش والحبوب ، نعم إننا ندرك أن العدو لا يحسن المسامحة مع الضعفاء ،.
إن مشروع التنازل العربي تحت غطاء الواقعية السياسية لم يزد هذه القضية إلا بؤسا وقد تمثل ذلك في :
تشجيع المحتل الغاصب على التمادي في غطرسته
- اعتراف للغاصب بملكيته للأرض
- تحول أصحاب هذا الاتجاه من محاورين ومطالبين بالحق المسلوب إلى مبررين ومدافعين عن وجود هذا المحتل ومتفانين في خدمة .
وقديما قال الشاعر :
ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح لميت إلام
وقال آخر :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
أما أصحاب النهج القويم ، الذين يستجيبون لله وللرسول، فهؤلاء لا تزيدهم سطوة الظالم إلا عزما ، قال تعالى ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم أجر عظيم*)ولا تثير في نفوسهم اشاعات التهديد والتهويل إلا ثقة واطمئنانا ، ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا :حسبنا الله ونعم الوكيل)
هؤلاء هم الذين يخرجون من بعد القرح أصلب عودا وأقوى شكيمة وأكثر إصرارا على المواصلة لأنهم تربوا في مدرسة محمد وتذاكروا سيرته فعرفوا الحق حقا فاتخذوه سبيلا ، نعم عندما ضربت الحركة الإسلامية ضربات متتالية وموجعة ظن الناس أن المعركة قد انتهت وقاسوا فصيلا على فصيل وبدت خيوط المؤامرة محكمة في آذان المهزومين ولسان حالهم يقول لقد انتهت الحركة الإسلامية ، وإذا بالمارد المطعون يتململ ململما جراحه عازما على المضاء فكان عماد عقل وعياش وقوافل المجاهدين وبدأت رقعة المد الإسلامي المقاوم تتمدد وتتسع مع كل ضربة غاشمة غبية
وهذا ما سنفصل القول فيه في فصول لاحقة ،بيد أننا نريد أن نقرر هنا حقيقة ثابتة ذلك أن هذا المنهج الجديد القديم منهج ثابت وفاعل وموروث توارثه الخلف الصالحون عن السلف الصالحين .
عندما رجع جيش المسلمين من معركة أحد ظن المرجفون في المدينة أن ما أصاب المسلمين من لأواء وقرح قد يشكل فرصة سانحة للقضاء على هذه الجماعة الناشئة ، وكان \ابو سفيان قد أعد عدة محكمة للحاق بفلول المسلمين ليستأصل شأفتهم ، فما كان من رسول الله إلا أن تنبه إلى هذه الحبكة الأليمة ، وعرف أن المعركة لم تنته بعد، بل لعلها ستبدأ في هذه اللحظة. لذا جد الرسول في طلب العدو وواعدهم حمراء الأسد وخرج مع أصحابه رغم الجراح والألم وأرى عدوه صلابة وشكيمة مما جعل أبا سفيان يلملم جنده ويعود أدراجه إلى مكة؛ لتتحول الهزيمة إلى نصر .
رمضان عمر
03-06-2004, 08:41 PM
الوحدة والشمولية
لا يستطيع أحد أن يزعم أن قضية فلسطين قد تحسم ضمن خيارات حزبية ضيقة، وأن فصيلا من الفصائل قد يضع حدا لهذا الاحتلال إذا ما تبنى إستراتيجية واضحة في المقاومة ،
ولا يستطيع أحد أن ينكر ،أن حجم المؤامرة العالمية وطبيعة الصراع في منطقتنا لا تسمح بالتفرد والارتجال .
ولا يجوز لأي كائن كان أن يزعم بأنه صاحب الوصاية في أمر هذه القضية ، وأن من حقه أن يتخذ قرارات فردية مدعيا أنه ممثل للشعب ومن حقه أن ينوب عنه في قضاياه المصيرية .
إننا نؤمن أن حلبة الصراع التاريخي الممتد على الأرض المقدسة الطاهرة بين اليهودية والإسلام قد نسجت معالمها بخيوط متنوعة الأشكال والألوان وأن الكتل السياسية المتناطحة على صخرة الإسراء و المعراج لا يجوز أن تختزل في كتلتين متقابلتين يمثل إحداها الجانب المتطرف في الكيان الصهيوني ويتمثل الطرف الآخر في سلطة مصطنعة تنوب عن الشعب في أحلامه وآلامه ،إن مقولة الممثل الشرعي والوحيد في سياق التعاقبات التاريخية المفعمة بالأحداث والمؤامرات الدولية المليئة بالمخاطر والأهوال عبارة تثير السخرية والاستهجان.
فنحن نؤمن بأن قضية فلسطين هي قضية الماضي والحاضر والمستقبل ،إنها قضية الأمة ، إنها القضية الوحيدة التي قسمت العالم إلى قسمين ولا مجال للحيادية في هذا التقسيم .
ولعلنا نؤمن أيضا بأن القدم الإسرائيلية العفنة لن تطأ تراب القدس الطاهر قبل أن تمر في سلسلة طويلة من الانتهاكات والافسادات لأن هذه الأفعى الصهيونية التي وصلت برأسها إلى قلب مدينة القدس ،ما زال ذيلها يعبث في أصقاع مترامية من المعمورة ليحيل الإنسانية إلى ركام من اللا أخلاقية والانعدام .
وإذا كانت فكرة الوطن القومي وأرض الميعاد في أذهان الرومانسيين اليهود قديما قد وجدت لها مساحات واسعة في الذهنية الغربية ؛فان تحقيقها قد استغرق عدة قرون لينصهر فيها الفكر العالمي والواقع السياسي انصهارا ينسجم مع التطلعات الصهيونية ، ولا بأس بأن تمر عملية المسح الطويلة من بوابات متعددة تشمل الاجتماع والاقتصاد والسياسة و الأديان .
وقد تحدثنا في الفصل السابق عن أثر الصهيونية في تذويب الفكر المسيحي وتميعيه وتحريفه ليتحول إلى فكر مساند للرؤية الإسرائيلية ،
أما عن السياسة والاجتماع والاقتصاد فقد استطاعت الصهيونية العالمية أن تخترق العالم وتقوض أركانه من خلال إنجازات فكرية وعملية وجمعيات سرية وعلنية نالت المرافق السابقة كلها
ففي الاجتماع والخلاق كانت نظريات فرويد ودوركايم تحطم النسيج الاجتماعي وتبدد البناء الأخلاقي
وفي الاقتصاد كانت الرأسمالية الغربية توجه الغريزة البشرية إلى أحط أدوارها الهمجية من خلال تبنيها العقل الحيواني في احتياجات الإنسان المادية أما على الزاوية الشرقية فكان ماركس بنظريته الاشتراكية ومادية التاريخية ينسف حقوق الأفراد ويصادر طاقاتهم .
وعلى المستوى السياسي نجحت المنظمات السرية اليهودية في إحداث تغيرات في التصورات والوقائع ؛فتحدث ثورة في فرنسا عام 1789بدعم وتخطيط صهيوني وتغري نابليون عام 1799 بأن يبادر في حملاته الاستعمارية في الشرق الأوسط لتحقيق حلمهم المنتظر في فلسطين،ن وتسعى جاهدة في تحطيم الخلافة الإسلامية العثمانية من خلال عدة محاولات تبدأ مباشرة بعد مؤتمر بازل في سويسرا بقيادة هرتسل الذي أعلن آنذاك عن قيام دولة إسرائيل وتمر جموع الغزاة إلى الدولة العثمانية عبر بوابة سلانيك وتنشأ حركتا الاتحاد والترقي وتركيا الفتاة اليهوديتين ويغزل الخليفة وتسقط الحلافة وتتعلمن الدولة وتصبح الطريق ممهدة أمام الأطماع الصهيونية،
وتقوم الثورة البلشفية التي يشعل أوارها اليهود ليشنق القياصرة وتتبدد الكهنوتية لصالح الفكر اليهودي.
ولا عجب أن يصبح اليهود الابن المدلل لكل قوة عظمى تنتصر بعد حرب عالمية ؛ ليحصل اليهود على وعد من بريطانيا بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى ثم تحصل على اعتراف بهذا الوطن من الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية.
د. سمير العمري
04-06-2004, 02:21 AM
أخي الحبيب رمضان:
نتابعك وباهتمام بالغ.
جهد كبير وفكر رشيد وعمل مفيد تشكر عليه جداً.
لقد نشرنا المقدمة في مجلة الواحة لهذا الشهر واعدين القراء بنشر هذا الذي كتبت على حلقات متتابعة في الأعداد القادمة من مجلة الواحة الثقافية.
https://www.rabitat-alwaha.net/majalla07/afak02.htm
تحياتي وتقديري لمفكر مميز وشاعر جهبذ
:os:
رمضان عمر
11-06-2004, 08:27 PM
إذن ، فنحن نؤمن أن المعركة أوسع من أن يتحمل أعباءها فصيل من الفصائل أو شعب من الشعوب؛ وهذا يستدعي أن تدع الأمة خلافاتها وتتجاوز النفوس الأثرة والأنانية وتستجمع الطاقات في بوتقة واحدة ، انسجاما مع قوله تعالى:
((واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ،واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ، وكنتم على شفى حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ))
بيد أن هذه الوحدة ستبقى سلبية وعديمة الجدوى ما لم تحقق غايات التحرر الوطني وتنسجم كليا مع التوصيات الربانية ، ومن هنا فلا قيمة لأي وحدة تبنى على أسس التنازل والخيانة ، لا قيمة لأي وحدة تقوم على خيارات أوسلو أو مبادرات مدريد ، أما القيادة السياسية الموسعة فهي أيضا مرفوضة ما لم تتحر من تبعات أوسلوا وتبنى على خيارات جديدة ضمن دائرة العمل المقاوم:
أما راية هذه الوحدة فلا يجوز أن يكون رهن الاستفتاء والمناقشة ؛ لأن قضية الولاء والبراء قضية حسم قيها القول والخطاب
وإذا ما رفضنا الوحدة على أساس تفاوضي لأسباب تقدح في وطنية المشروع التفاوضي ،فإننا نرفض الوحدة على أساس علماني،لأن هذا الأساس سيحطم جوهر القضية وينزلق بها عن أقدس أركانها ويهبط بالجماعة المؤمنة إلى مستنقع العبودية لغير الله ،وأن لها ذلك وهي مطالبة شرعا بالتزام منهج الحق والابتعاد عن الهوى والضلال ،قال تعالى :( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ،ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرك واتبع هواه وكان أمره فرطا)
نعم، سنرفض حتما تلك الدعوات اليسارية التي تنظر لوحدة ممسوخة ،سقفها الشرعية الدولية والأمم المتحدة وقرارات التقسيم ،ومبدأ الديموقراطية كتيار موحد للحياة السياسية والاجتماعية ،وعائه العلمانية وسبيله العصرية والواقعية .
بيد أن هذا الرفض لمبدأ الالتقاء على أسس علمانية ،لا يمنع من وجود تفاهمات مشتركة في الساحة بما تخدم المصلحة العامة دون أن يكون هذا التفاهم ملزما لحالات انصهار مرفوضة شرعا.
ومن هنا تظل الدعوة الخالدة في إنشاء تجمع إسلامي عالمي يصهر الجهود المترامية في بوتقة واحدة هي القضية الأساسية التي يجب أن تشغل العاملين على الساحة السياسية ، ولا يجوز أن تضرب صفحا عن هذا التوجه ؛ لأننا نعتقد أن مفهوم الجماعة قد وضع في مكانة عالية من الفروض
الإسلامية ولنا قوله عليه السلام ( من فارق الجماعة قيد شبر خلع ربقة الإسلام من عنقه))
ولنا أيضا في الحديث الذي رواه الشيخان وأبو داود عن حذيفة قال:(كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ،فقلت يا رسول الله:إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ،فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم ،قلت :وهل بعد ذلك الشر من خير ؟قال نعم وفيه دخن، قلت :وما دخنه يا رسول الله ؟ قال:قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ، فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم ،من أجابهم قذفوه فيها ،فقلت يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك )
ومن هنا ،يجب أن نكون واضحين في حوارنا مع الآخر ،فلا مساومة مع العقيدة و لا جدال مع الحق ،ولا تبديل لأمر الله .
بل يتجاوز فصل الخطاب عندنا أن نقول بكل ثقة : لا قيمة لأي تجمع على هذه البسيطة مهما جل وعظم في عيون صانعيه ما لم ينسجم انسجاما كليا مع مطلب الشرع .
ومن هنا فقد حصر مفهوم الجهاد في الإسلام في الدفاع عن الدين والعقيدة ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )
ومفهوم الجماعة في الفكر الإسلامي يتجاوز فلسفة التجمع الكمي والعددي والقلة والكثرة وهذا هو التفسير الصريح الذي ارتأاه بن مسعود حين ما قال الجماعة هي وان كنت وحدك وهو نفس التصور الذي عرضة القران لصورة إبراهيم علية السلام في مواجهة الكفر والطغيان : (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين )*
أما التصورات التي يبتدعها العقل البشري ، فإنها تبقى مرفوضة جملة وتفصيلا ما لم يصادق عليها الشرع ، قال تعالى :
( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) *
رمضان عمر
24-08-2004, 12:20 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
معركة الأمعاء الخاوية/ رمضان عمر
تحية لأسرانا البواسل
لا يفصلنا عن سنا الشموخ العبقري سوى عالم ملائكي غريب من المد الأسطوري في معركة الموت الشريف ... ولا يثقل- منا- الكواهل سوى بون شاسع يبعدنا عن مسارح العزم والسؤدد؛ فنرى أنفسنا نكرع القذى في دعة العيش، وعمالقة التحدي يشمخون فوق الجراح ... ويصهرون القيد بعزم الإرادة المتجدد .
هناك في الغيهب اليوسفي حيث يقبع الموت بجلاله الرهيب ولعبته العتية المؤلمة خلف ستار الظلم المتراكم... خلف ديجور السحق والتعذيب تشرئب أعناق مؤمنة صائمة .. تتحدى بصومها الكفاحي المتواصل كل سياسات الإذلال والتغييب وتقف على عتبة الانكسار والهزيمة صارخة في كل مذاقات العيش الذليل :
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
وكيف يقاس فضل الحنظل المسعف في لحظات الردى في سد حاجة المفجوع لو أدركه الهلاك مع اختيار فصل من فصول لعبة الموت البطيء ، وأي موت وفي أي مكان!! .
كلا وألف كلا لا يستوي المسير في صحراء النقب القاحلة مع بضع لقيمات يقمن أودك ، وقليل من القطرات يشفين ظمأك ثم تخلد لنوم قد يأتيك أو لا يأتيك فتتامل في سماء صافية تكون لك لحافا وأرض قاحلة تكون لك مهادا وبين ان تشق لك طريقا عتية في دهاليز سحيقة تسرج عتمة الليل-فيها- من دمك ولحمك وتدفع في غير دعة ضريبة العز لا ضريبة الملل في خندق جهادي متقدم أسوة بنبيك يوسف وإمامك أبي حنيفة وقائدك العز بن عبد السلام .
شتان شتان، بين صحراء النقب وسجن النقب ، شتان شتان بين من عقد نية الصيام في الصباح الباكر فأعد السحور وأيقظ اهله فأكل مما لذ وطاب ثم قضى يوما ينتظر فيه مساءا يأتيه بفطور لا كأي عشاء يتلوه سمر وحلوى وشراب وطرب وبين معركة الأمعاء الخاوية معركة الموت حيث يشتد الصراع والصداع ويطير النوم مع رابع يوم وتأتي التساؤلات والتداعيات والعجز والكسل وخمول الهمة .
الإضراب المفتوح صراع عنيف بين الإرادة وفتنة الطعام والشراب ، وأرضه صحاري الأمعاء القاحلة فوق جدباء النقب وعزل نفحة وعفن هدريم ؛ حيث لا نبات ولا ظل ولا معين على البلوى غير الله . الإضراب المفتوح جبهة اسطورية متقدمة مع الحقد الصهيوني الدفين، والتأمر العالمي اللعين.
الإضراب الذي نتحدث عنه لا يمكن وصفه بمقامرة عبثية تلفعها وشاحات سنمائية اسطورية تدبلج في هوليوت لتفبرك مثالية لبطل اسطوري شكلي في روايات دكنز أو ترجل ايلنت أو قصة الين بمبرد ونظرية الشهيرة في العيش وسط البحار .
الإضراب المفتوح يعني فتح معركة شرسة عدتها الموت مع اعداء لا يرقبون في اسير إلا ولا ذمة و لا خلقا ولا أعراقا ولا قوانين انسانية، ولكنه إعلان لنمط جديد من يو توبيا ) التسامي على الجراح والقفز عن الهموم الذاتية ونوع من التطوير الإبداعي لطبيعة الخطاب السياسي حينما تنعدم السبل التقليدية وتوصد الطرق الرسمية أمام هؤلاء العظام من أن ينالوا حقهم الطبيعي في الحرية والعيش الكريم فتصبح المعادلة غير التي ارادتها دولة النكران والقيد؛ لأن الحرة في عرف كل مناضل تموت ولا تأكل بثدييها
ومن هنا الإضراب من خلال هذه الطبعة الثورية التمردية نوع من الإبداع السياسي في ربط الداخل بالخارج مهما ضاقت حلقات القيد وعلت أسوار التعتيم ليصل هذا الصوت المخنوق المعزول في زنازين القهر في عزل الرملة والنقب ومجدو وعزفر وحواره ونفحة وما أدراك ما سجن نفحة ، سجن نفحة هذا الذي افتتح في قلب الصحراء وبهندسة إجرامية خبيثة ، وعندما افتتح خضع إلى عملية تجريبية تنبؤك عن حقيقة وضعه وفضائع سره ؛ حيث قام خبراء الإجرام بوضع مجموعة من المواشي في احدى زنازينه لمعرفة مدى قدرتها على التكيف مع مناخه الصحراوي القاسي حيث الطقس المتقلب من الحار جدا إلى البارد جدا، ويحتاج الأسير في فصل الشتاء أن يلبس كل ما لديه من لباس ويغرس نفسه تحت كومة كبيرة من البطانيات قد تتوفر له وقد لا تتوفر ليبدأ بعدها بمقارعة البرد الشديد والرجف الأشد واسطكاك الأسنان وقرص الأطراف وأن له بعدها أن ينام .
معركة الأمعاء الخاوية تذكير للأمة حتى تقوم بدورها العاجل والمسئول تجاه شريحة واسعة من خيرة شباب الأمة؛ فالمتواجدون في سجون الاحتلال ينيف عددهم عن سبعة ألاف وهذا العدد قابل للزيادة والنقصان ؛ لأن عملية الاعتقال اليومية مستمرة حيث تجاوز عدد الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال منذ 28 من أيلول 2000 أربعين ألفا
معركة الأمعاء الخاوية تذكير للأمة بحقيقة ما يجري في سجون الاحتلال وتحت سوط الجلادين في أقبية التحقيق حيث الشبح المتواصل والهز العنيف والمنع من النوم ومن قضاء الحاجة والصعق بالكهرباء والتعرية من الملابس والضرب والركل والشتم .
معركة الأمعاء الخاوية تذكرنا بقادة لنا أعزاء وبأسماء طال غيابها ( علاء الدين البازيان 24 عام في زنزانة مظلمة ) و( سعيد العتبة اعتقل عام 1978) و ( نائل البرغوثي اعتقل 78 ) و( ماهر يونس أعتقل 83 ) و( سمير القنطار اعتقل 79) و ( محمد أبو طير أمضى 23 عاما في المعتقل ولا يزال معتقلا ) ومحمد أمين الرازم اعتقل عام 81 ) و ( وحسن سلمة اعتقل عام 82 ) و ( عثمان علي مصلح اعتقل عام 82 ) و ( كريم يونس اعتقل عام 83 ) وأكرم منصور اعتقل عام 79 ) و ( ومحمد محمود ابراهيم 80) و ( وفؤاد الرازم اعتقل عام 80 ) وكلهم حكم عليهم بالمؤبد ولا يزالون في غياهب السجون.
معركة الأمعاء الخاوية تذكرنا بالأطفال المعتقلين والنساء المعتقلات بالعائلات المعتقلة كعائلة الشيخ سعيد بلال الذي يعاني من مرض السرطان اللعين وأولاده الخمسة يقضون فترة السجن المؤبد في عزل الرملة وشطة ونفحة وهيدوريم حتى عبادة الضرير لم تغفر له هذه الإعاقة البصرية.
فألف مرحى إلى صناع مجد العزيمة .. أساتذة التمرد الإبداعي في وجه سياسات الإجحاف ولا سقى الله أوردة لا ترق لأكباد نازفة وأمعاء خاوية نبحث عن لذة العيش الهنيء لأمة ديست كرامتها ومرغت عزتها فباتت تستجدي من عدوها هواء تتنفسه وأديما تطؤه ، ألف مرحا لكم يا صناع الحرية وأعانكم الله وخفف بلاءكم وجعل صبركم على الجوع والألم في ميزان حسناتكم وفك قيدكم بإذنه فهو على كل شيء قدير
الشاعر الفلسطيني رمضان عمر
رمضان عمر
24-09-2004, 08:11 PM
الشهيد القائد جمال منصور
حياته وفكره
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين، ولا عدوان إلا على الظالمين وبعد، .حينما نمتشق ألسنة اليراع , لنصور معالم الإبداع في تاريخ شخصية إسلامية فذة عبقرية تحدونا رغبة جامحة في إخراج معالم التصوير الكتابي – القاصر غالبا – إلى ساحة قريبة من الواقع الدقيق للشخصية المنوطة بالعمل الكتابي، وتجرفنا بعض العوائق العاطفية الموغلة في الانفعالية السطحية – إلى عالم مثالي في التأليف لفرط حبنا لأولئك الأشاوس الذين كانوا- لنا- نبراسا نستضيء به في عتمة الليل البهيم .فتضطرب بعض الموازين التي ينادي بها النقاد ، دون أن نغالي في المدح أو نشط في المبالغة بل نسيس التجربة الكتابية خدمة لهذا الدين وإيمانا- منا- بضرورة الشحذ وتتبع مواطن الخير الكثيرة عند أبناء هذه الدعوة .
وعندما تكون الكتابة التاريخية عن حبيب قريب وقائد فذ؛ قاد حركة إسلامية فتية في ظروف قاسية عتية، ثم رحل سريعا قبل موسم الحصاد الموعود ، والعيون ترمقه من مكان قصي ذارفة وراءه دموعا حارة سخية ، تنشد فيه العودة !!.. ولا تحتمل منه الفراق!!.. ولكنه القضاء الغيبي ؛ فلا رجوع ولا التقاء.
أقول عندما تكون الكتابة وفق هذا ا لظرف العنيد المعقد، وعلى ضوء هذه القاعدة السهيمة ، والمنطق العجيب المضطرب ، عندها فقط تصبح عملية الإبداع الكتابية غاية في الصعوبة ؛ لتتشكل فلسفة إبداعية من نوع جديد تبحث عن حلول عملية خارج نطاق الإبداع الكتابي؛ لتسد شيئا من الثغرات، وتستكمل مشوار المد الإسلامي المتواصل في حلقات المقاومة والتربية والبناء والتطوير .
وعلى الرغم من أن التاريخ –في عرف المؤرخين- عملية إبداعية صرفة تحتكم إلى قواعد التأليف السليمة الصحيحة ؛ انطلاقا من طبيعة العمل الكتابي ونوعه - فالسيرة الغيرية تحتكم إلى جملة الحوادث والأخبار المتعلقة بعالم الشخصية ونفسيتها وظروف عيشها وتطورها منذ الولادة حتى الوفاة ،وهي تلزم الكاتب – في كثير من الأحيان – أن ينسج على منوال المؤرخين، ويستلهم منطق القصاصين وسبل كتاباتهم، إلا أن طبيعة المؤرخ لهم في خضم العمل الجهادي المتنامي قد يفرض نوعا من الإلزام الفكري والتطوير المنهجي في الكتابة والتأليف.
ومن هنا، فقد جاءت هذه الدراسة بذائقتها الخاصة، ومنهجها المتميز في تناول الشخصية ؛ من حيث التنوع الأسلوبي بين المقالة التحليلية والسرد القصصي من نحو والاعتماد على الاستقراء الإخباري والشواهد الخارجية من النحو الآخر ، وقد حرصت على هذا التنويع لعلي أحقق غايتين : أولاهما الإبداع القصصي، أما الثانية فهي تكمن في التتبع والاستغراق والشمولية لكل الإضاءات المحيطة التي يمكن أن تساعد في إعطاء صورة أكثر شمولية وأكثر دقة فيما له علاقة بهذه الشخصية المتنوعة .
وقد قسمت الدراسة إلى أربعة فصول دراسية :
1- فصل لسيرته الذاتية
2- فصل خاص بالشهادة وظروف الاغتيال
3- فصل لمنهجه الفكري والسياسي
4- ثم جاء الفصل الرابع لأجمع فيه بعض الملحقات ذات العلاقة بشخصية القائد من مثل :المقالات التي قيلت فيه ، أو الرسائل الذي بعثها لزوجته، أو قصائد الرثاء التي قيلت فيه بعد استشهاده
رمضان عمر/ نابلس/2004
توقيع رمضان عمر :مع تحيات الشاعر الفلسطيني / رمضان عمر
المولد والنشأة
---------------------------------------------
من بين الزقاقات المتلاحقة في لعبة الأخذ والرد مع نكبات الزمان.. بزغ فجر جديد ، ,اطل عنوان كبير؛ ليقرع باب الذاكرة التاريخية طالبا الإذن بالولوج .. لم يعبأ بعتمة الليل.. ولم يهاجر مع الذاكرة المنسية حيث الأصل والمنشأ .. بل رضي بالقدر .. وغاب مع ذاكرة المنسيين –ردحا من الزمن -كما غابت معها ذكريات الملايين في زحمة التكوين الإجرامي لقضية اللاجئين .
وكادت غلالة التاريخ أن تتخلص من أعباء التسجيل اليومي للذكريات المنوطة بصاحبنا الأبي… صاحب الاسم البهي… الشهيد العبقري .. القائد العظيم جمال منصور؛ ؛ تلك الذكريات التي طلبناها بعد أربعين سنة- و فد قدر لها بعد زمن أن تكون محط أنظار الباحثين.- فلم نجد منها إلا الفتات اليسير .. فكثير مما أردناه غاب مع ذاكرة النسيان -التي عصفت بالكثير من الذكريات الساخنة- واندثر تحت سنابك التأريخ المزيف ؛ التاريخ الذي غيب عن صفحاته مآثر العظماء ، وسطر بمداده الأسود كل سخافات التزييف والتملق ، وجال وصال في كل مربع عفن؛ ليكتب عن طاغية مستبد ، أو مراهق ساقط ، أو مومسة بلهاء سقطت ضحية لشراك المفسدين في الأرض ، فظنت نفسها كليوبترا الفن العريق .
هذا هو جمال منصور الذي غفل عنه التأريخ الحديث ؛ فلم يحفل بكمال عقله وسلامة فهمه وصدق انتماءاته وسر تميزه وعلو منزلته .
هذا هو جمال العابد المجاهد القائد الهمام المفكر العبقري الذي اقض مضاجع بني صهيون وهز عروشهم .
هذا هو جمال ؛ ذكي العقل , ثابت الجنان ،سريع البديهة ، حاضر النكتة ، قوي الجسم ، حسن التخلص في المواقف المحرجة ، عميق الفكر ، يأسر القلوب بكلامه الساحر ، ويحسن التلطف والتصرف مع المخالف الغبي الفاجر،، لا يستفزه شيء ، ولا يغضب إلا لله وفي الله، ؛ فيصفح في حق نفسه ، ولا يتنازل في أمر الله قيد أنملة .
هذا هو جمال منصور الذي أحبه كل من عرفه ، رجل المواقف الصعبة ، أبو بكر إذا بكى وعمر بن الخطاب إذا غضب، السياسي المحنك والفقيه الحاذق ، والداعية المؤثر ؛ تجاوزته كتابات المؤرخين في عصر التهليل والتكبير لبني الأحمر والأصفر وذوات العيون الزرق من صويحبات الفن الهابط .. هذا هو جمال منصور القيادي البارز في اعرق الحركات الإسلامية ؛ حركة المقاومة الإسلامية حماس ،التي صنعت تاريخها بالعرق والدماء
ولعل ندرة المعلومات وشحتها هي أول ما يصادفك وأنت تبحث عن تاريخ مترابط لهذه الشخصية أو تلك ، مما يزيد الطين بلة ، ويعمق معالم المفارقات التصويرية العجيبة في زمن انقلاب الصور وبحول القيم . في زمن الزويبضات تلج النجوم إلى كناسها وتستنسر البغاث في الأرض ويستنوق الجمال ويصيح الحمار : أنا سيد الغابة …
في زمن الرويبضات لا تعلو الثريا ولا يشار لها بالبنان ، ويصبح الثرى سماء علية ، يقول فيها كل ابن أنثى :هذا أنا .
في زمن الرويبضات يؤمن الخائن ويخون الأمين ويسود الجاهل ويقاد الحكيم إلى حتفه المجهول .. ويقود القافلة أشباه الرجال .
في هذا الزمن الكسيح المعاند ندلف إلى عالم الحقائق الغائبة ، نغوص في الأعماق نستخرج الدر المكنون … نمتشق بعض الفضاءات الزاهية من عتمة المجهول لنضيء بعض معالم التاريخ التي زويت عن المسارات السليمة .. وأريد لها أن تعمى عنها العيون ، وتسهى عنها القلوب والعقول.
في زمن الانهيارات المزلزلة في الفكر والثقافة والفن والأدب ، نبحث عن الاصيل الرقراق لندمغ به وهما ران على القلوب وعتمة حجبت العيون .. وفوضى محمومة جعلت الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد .
في هذا الزمن المعقد الغريب ندلف إليك يا جمال من بوابتك التاريخية الشامخة لنسير معك حيث أردت ،نرضى بالقليل من التفاصيل عن عالمك الواسع ؛ فقليلك أيها العملاق نما عطاءه وزاد أثره نسير معك منذ الولادة حتى الشهادة ، نتقلب بين صفحات التألق في عبقريتك، وصفحات التحرق في محنتك .
……………………
رمضان عمر
24-09-2004, 08:18 PM
هناك في مخيم بلاطة مخيم الثورة والثوار .. مخيم الصمود الأسطوري .. بوابة المد المقاوم كانت بذرة التكوين الأولى تضرب بجذورها في عمق القضية الفلسطينية ؛ مشكلة في حياء وخفر لبنة من لبنات المستقبل الكفاحي العنيد.
كانت ذاكرة والده المفعمة بالحنين الدافئ الأصيل تتراقص بين دوحتين : دوحة البيت الفلسطيني (السعيد) ، الذي أخذ يبنيه تحت تراكمات المد المأساوي العنيد.. منذ أن أطل ديجور الاستعمار الأول كالعاصفة الهوجاء التي تسحق الآمال ، وتسرق زهو التحليق في سماء المتعة ، وبين ذاكرة الحنين الدفيء في قرية سلمة ؛ موطن الآباء والأجداد، في قضاء يافا ، وأنى له أن ينفلت عن ذلك الماضي القريب ؟ فذاكرة النزوح الأولى عام 1948 لم يمض عليها إلا اثنتا عشرة سنة .
كانت ذاكرة والد الشهيد ترتد إلى الماضي القريب . باحثة عن الأمل المسروق في بيارات يافا ؛ وسواحل حيفا؛ فتذكره زوجته بالحمل القادم الجديد . فينتبه إلى نفسه المأخودة بذكريات الأمس القريب ، ليبدأ في نقل بوصلة التركيز إلى أعباء المستقبل الذي ينطره على قارعة الزمان.
ولطالما باحت والدة الشهيد- رحمة الله -لزوجها عن تلك المشاعر الغريبة ، والأحلام العجيبة التي رافقت الحمل في شهوره التسع ؛ كانت تشعر دائما أن حملها هذا مختلف تماما عن كل حمل مضى ؛ فهو حمل خفيف لطيف .. لا يثقل الكواهل ، ولا يضاعف الأوجاع ، ولطالما صرحت الأم ببعض أحلامها التي ضنت بها ، ورأت بها بشارات؛ فقد شاهدت في إحدى مناماتها أن الحائط قد انشق وخرج منه شيخ جليل في لباس أبيض ، ثم يتقدم هذا الشيخ بوقار ويربت على ظهرها ،ويقول لها ثلاث مرات :أنت حامل بولد ، أنت حامل بولد ، أنت حامل بولد ،ولم تطل أيام الحمل- رغم لوعة الانتظار - إذ أن الأرض كانت على موعد لاستقبال هذه الهدية النوعية بتاريخ 25\2\1960م وتصافحت الزغاريد المستبشرة بهذا القادم الجديد مع ذلك الحلم الصادق.
صدقت أيها الشيخ وصدقت نبوءتك .إنه ولد وأي ولد!!! ولد رأت -فيه - الأم قبل مولده تميزا قرت له عينها وبشت له مشاعرها ، ورضيت به نفسها الزكية ، إنه الحدس الغيبي الذي لا يخيب ولا تفسره قوانين الطبيعة ، إنه الرضا -كما تقول العجائز -لا غير ؛ إذ خف بها الحمل ، وصدقت عندها الرؤيا ، بل ولمحت تحت ذقنه الصغير حين الولادة بعض الشعيرات القصيرة التي تشبه اللحية في أول منابتها .
أحبت الأم طفلها ، ورق له قلبها، وضنت به دون غيره ، وأخفت حنانها عن عيون الحاسدين ، وأخذت ترعاه باسم الله ، وتحوطه بالمعوذتين وتدعو الله له بالحفظ والصون . وسرعان ما بدأت الأم تلمح في طفولته معالم الفطنة والذكاء ؛ فزاد حبها له ، وزاد مع الحب الخوف عليه ؛ يقول شقيق الشهيد: حدثتني والدتي – رحمها الله- قالت : كنت استيقظ على جمال في بعض الليالي ؛ فأجده واقفا يصلي –وهو نائم- فأسمي عليه ، وأعيده إلى النوم " .
كان الجميع يشعرون بتميزه : تميز بين إخوانه، وتميز عن باقي أفراد العائلة ، كانت طفولته هادئة كمر النسيم العليل ، ورغباته متواضعة كالعالم الملائكي الجليل ، فلا يطلب إلا لحاجة ، ولا يثور الا في النادر القليل .. كان مؤدبا وخلوقا منذ صغره ؛ غير مؤذ في لعبه ، وإذا ما تشاكس الغلمان وتشاكوا رأيته بعيدا عن معمعان التشاكي، واقفا في الحياد مصلحا أحيانا وأحيانا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كان -كما تقول أمه – مرضيا عندها محبوبا عند إخوانه وأخواته ،أما أهم خصائصه المميزة كما شهد له بذلك ذووه فهو عقله الذي كان يكبره سنا .
تلك هي الصورة التشكيلية الأولى التي أبدعتها ملامح الطفولة الأولى لهذا الفتى الناشئ ، لوحة فنية متميزة سرقت الأنظار وأمالت لها القلوب ، نبتة تشبه الكثير من النباتات من اسمها وشكلها العام بيد أنها تأسرك بمذاقاتها الخاصة ورحيقها العذب ، وتأخذك بدقة التصوير فيها فما أجمل ابداع الخالق حين تتجلى قدرته!!خلق الإنسان في احسن تقويم ، ثم هداه النجدين ،وزينه بالعقل والحكمة والدين ؛ ومن أتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
لم تكن الظروف المحيطة بهذه الشخصية- وسط ذلك المحيط المتلاطم الممزوج بالغث والسمين، بالقسوة والمعاناة بالفقر بالتاريخ المذبوح ، بالأسقف الزنكية والتلوثات البيئية –قد أعدت إعدادا ذهبيا لاحتضان أو تشكيل شخصية ثقافية تصنع على عين الكفاءات ،وترعى في المدارس والمعاهد الخاصة ، مع أهل العلية من ذوي السلطان والشأن ، بل سارت به كما سارت بغيره إلى مغارات النسيان ؛ فليس هذا الزمن كما أسلفنا زمن الصالحين ، ولا المكان مكان العدل .. إنه زمن الفراعنة الجدد .. يستضعف فيه المؤمنون وبتأله المجرمون ، ولا حق لضعيف أمام أنياب الوحوش.
كان جمال طفلا كباقي أطفال المخيم ؛ هاجر أهله كما هاجر الآخرون …لم يكونوا ثروة ، ولم يبنوا لأنفسهم عرشا من فضة ولا تاجا من الذهب . كان يأكل كما يأكل أترابه ؛ بعض الفتات والبصل والعدس والفول، وأحيانا لا يجدون ما يأكلون؛ رغم ما كان لهم من البيارات والكروم في قرية سلمة …وكان يجوب أزقة المخيم زقة .. زقة حافيا ، صقلته قساوة العيش ؛ فكان صلبا منذ صباه وعلمته الحياة الخشنة أن رفاهية التدليل لا تصنع رجولة ، ولا تبني مستقبلا ؛ فكان ممن يصدق فيهم قول الشاعر
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله لم تبلغ المجد حتى تلعق الصبر
… ..........
في غرفتين متواضعتين من غرف وكالة غوث اللاجئين .. وبين أحضان عائلة كريمة أصيلة ، ميسورة الحال ، أسرة متدينة من جهة الأب وجهة الأم ؛محافظة على القيم والعادات الكريمة الأصيلة ؛ ويكفيك أن تعرف أن جده لأبيه –الشيخ محمد المنصور-كان مؤذنا وإماما لأحد مساجد بلدته –سلمة الباسلة- وكان صاخب علم وتقوى ، وكانت لديه مكتبة طيبة ،حوت الكثير من الكتب الإسلامية القيمة ، ولك أن تعرف أن خاله الشيخ رشيد كان يحفظ القران رغم فقد بصره … بين أحضان هذه العائلة نما جمال منصور وترعرع ..
ولإحدى الغرفتين -التي كنت تهبط إليها ثلاث درجات كاملة حتى تصل إلى قعرها - تاريخ عظيم .. وأثر من مآثر هذا الرجل العظيم ؛ هذه الغرفة التي كانت تصغر أخنها في الحجم، كانت كما يقول شقيقه -: دارا للحكمة بكل معنى الكلمة ؛ ففيها خلوته ، للذكر والمذاكرة، وفيها ترتب اللقاءات مع إخوانه ، شباب الدعوة ؛ فيها مكتبته الدائرية التي تزين جدرانها الأربع.. وفيها سريره المتواضع البسيط ، ، تقابله أريكة تتسع لأربعة أشخاص ، وبينهما طاولة أكل عليها الدهر وشرب ، مربعة الشكل ( 60*60سم) عليها يدرس ويأكل ويطالع. هذه الغرفة تتحول مع نضوج الفتى وولوجه عالم الدعوة إلى مركز للعمل الإسلامي على مستوى المحافظة كلها. وتصبح مع مرور الزمن واحدة من المراكز الإسلامية في فلسطين المحتلة لتخرج من بين جدرانها الأربعة أجيالا متعاقبة من أبناء الحماس الميامين، وعلى رأسهم المجاهد القائد جمال منصور
هذه الصورة النمطية البسيطة في هيكلها العفوي ، تنبؤك عن الواقع البدائي الذي شكل طفولة هذا الفتى اليافع.. وتكرهك على استحضار الجانب العاطفي المفعم بالمرارة والتوجع .. لتعلم من حيث أردت أو لم ترد كيف هي مصانع الأبطال ، ولكم نحن واهمون حين نزعم أننا بحاجة إلى كليات عسكرية ، وأكاديميات تربوية -تتمتع بكل مستلزمات التكنلوجيا العصرية - لنصنع شخصية قيادية واحدة تقول فيسمع لها ، وتأمر فتطاع، وتتسم بالحنكة والحكمة والصلابة وقوة الإرادة وجميل التخطيط ودقيق الفهم .
نحن هنا في عالم آخر ؛ عالم لا تعرفه التكنلوجيا الغربية ولا تحن إليه – رغم انه فاقها أميالا وأميالا – عالم من القيادات التي ستتعرف على طريقة بنائها عندما تسير معنا سطرا سطرا . وننقلك عبر صفحات هذا الكتاب إلى عالم السؤدد الحقيقي ، عالم العمالقة … عالم يصنع على عين الله ويحي في كنفه ورعايته . عالم قوامه رضى الأمهات، وصدق النيات، ومنهج التربية السليم الذي يمارسه الأبوان في صناعة الأبناء بعيدا عن التدجين والتزييف .
………………
………..
……
لم تستهو أزقة المخيم وكثرة تفريعاته ومداخله العالم الفضولي في شخصية هذا الفتى الناشئ، ولم تدخله صلافة العيش في مستنقع الجهل واللأخلاقية، التي كانت تستقطب أكثر المغادرين من الغرف الضيقة باحثين عن ساعات طوال في أزقة المخيم ؛ يقضون فيها طرفا من النهار ، أو طرفا من الليل في العمل العبثي السخيف، بعيدا عن أعين الأهل.
لقد رسم الفتى لخطواته خطوطا مستقيمة، أخذ على نفسه ألا يتجاوزها ؛ من البيت إلي المسجد ، ومن المسجد إلى البيت…؛ المسجد : هو البوصلة التي يهتدي من خلالها إلى طريقه السوي ، ويفلت من مساريب المخيم، ومنعطفاته القاتلة ، ودهاليزه المخيفة ،، التصاق مبكر في المسجد في زمن عز فيه آمُّوا المساجد من الأطفال والشباب.
كانت المساجد آنذاك حكرا على الشيوخ دون غيرهم ، لكن الفتى طرق باب الخير- برعاية الله- وساقته قدماه –بعون الحفيظ العليم – فقرت بلابله بظل هذا البناء الذي لا سلطان لبشر عليه ؛ وهناك كان يجد –الفتى –كل أسباب الراحة والطمأنينة ، فتنقله طمأنينية الرضى إلى عالم التفكر ؛ نعم لقد أقمت الصلاة وذكرت الله !! إذا ، ماذا بعد؟ ولم يغب الجواب عن طموحات الفتى ، إنها القراءة ، إذن، .. إنه الكتاب ؛ الكتاب :الذي ينقلك إلى عالم التميز ، ويرفعك إلى حيث اشتهيت وأردت .. ويفتح أمامك عالم المعرفة وآفاق الحكمة ، ويفجر كل طاقة مخزونة في الذاكرة الإبداعية.
ومن هنا ، بدأ ،يهتم باقتناء الكتب وقراءتها ، ورغم ضيق ذات اليد ، وقلة الموارد المالية ؛ إلا أنه كان يحرص أن يوفر من مصروفه اليسير المعد – أصلا –لأساسيات أخرى ما يشتري به بعض الكتيبات والقصص النافعة في مجال البطولات والمغامرات ،أو قصص الصحابة والتابعين . ومع مرور الزمن تكونت - لديه- مكتبة ضخمة، بناها بقروشه المتواضعة، وبإرادته العملاقة.
ومن الطرائف التي نستحضرها هنا في هذا السياق ما حدث به هو عن نفسه حيث قال : رأيت وأنا صغير حلما عجيبا ؛ رأيت مكتبة ضخمة تسقط علي لتقتلني وقد تحدثت بذلك لأحد العارفين فقال له : يا بني ، يبدو أن علمك سيقتلك .
يقول شقيقه:"كان حريصا أشد الحرص على أن يكون له زاده الدائم في الثقافة الإسلامية الشاملة في شتى الميادين، وقد قال لي يوما : أنه قرأ كتاب إحياء علوم الدين وهو في الصف الثالث إعدادي ولم تكن دراسته تلهه عن ذلك أبدا . وقد جمع مكتبة شامله عبر سنين عمره حتى وهو طالب في المدرسة من مصروفه ، كان يحرم نفسه ويشتري الكتب الإسلامية والأشرطة ، بينما لم يسمح بدخول التلفزيون حتى انتهى من دراسته الجامعية .
كانت له نظرته الخاصة والثاقبة في نوعية الكتب وطبيعتها، يقول شقيقه :حملت يوما ورقة وقد كتب عليها عبارة لابن المقفع يقول فيها : اقرءوا أفضل ما تجدون ، واكتبوا أفضل ما تقرئون ، واحفظوا أفضل ما تكتبون ؛ فعرضتها عليه ، فقال : كان عليه أن يقول: واعملوا بأفضل ما تحفظون !!
كان الفتى مجدا في مدرسته ، متفوقا في دروسه .. أحبه المعلمون ، وشهد –له- بالفضل زملاؤه في مدرسة وكالة الغوث للاجئين (الابتدائية والإعدادية) .
كانت الصفة القيادية ملازمة له منذ ذلك التاريخ البعيد؛ وقد ذكر بعضهم انه كان يلمح –فيه –معالم الشخصية القيادية منذ صغره ..كان يحرص أن يكون في مواقع الإشراف والقيادة في كل قضية تحتاج لذلك .
ومن طرائف القصص التي تشهد له بذلك : انه كان كثيرا ما يلعب مع زملائه لعبة ( شد وشيل) وهي لعبة يقوم أحد المشرفين بطرح أسئلة على فريقين متنافسين، ومن خسر كان عليه أن يحمل الفريق الثاني إلى جهة مقصودة إعلانا بخسارته ، وهنا كان الشهيد يلعب دور المشرف دائما .
وكثيرا ما كنت تجده في تلك المواقع التي تحتاج إلى قيادي متميز؛ في الأندية، والنشاطات الكشفية والمسابقات الثقافية . وكان دائما يقول عن طفولته : هناك فريقان من الأطفال فريق يقول :أنا مع من ؟ وفريق آخر يقول : من معي؟ وقد كنت -دائما- من الفريق الثاني.
………..
توفي والده –رحمه الله- وهو في السادسة عشرة من عمره . وفي هذه الفترة كانت شخصيته قد بدأت تتبلور بصورة عجيبة، وتشق طريقها إلى عالم مثالي آخر ؛ وتختار نسقها النهائي في لعبة الاختيار في مفترقات سن المراهقة .. لم يكن أحد من إخوته الذين يسبقونه سنا صاحب وجهة فكرية دينية ، ولكنها الفطرة النبيلة التي اقتادته بلطف إلى عالم ملائكي كريم، في دوحة الإخوان المسلمين.
بدأ العمل الإسلامي –لحركة الإخوان المسلمين في نابلس – عام 1973م بدرس للشيخ حامد البيتاوي في المسجد الحنبلي ولم تكن فكرة العمل قد تبلورت في المدارس أو المعاهد بعد ، وفي عام 1976م وجدت أول نواة لطلبة المدارس في المدينة وبالتحديد في مدرسة قدري طوقان من خلال مجموعة من الطلاب الذين كانوا يداومون على درس الشيخ حامد البيتاوي ولم يكن عددهم قد تعدى الثلاثة ؛ من خلال هؤلاء الطلبة الذين كانوا يسبقون الشهيد جمال منصور بصف أو صفين تم التعرف على حركة الإخوان المسلمين وتم تنظيمه كذلك في صفوف الجماعة .
هناك في مدرسة قدري طوقان الثانوية – حيث انتقل من مدرسة وكالة الفوث الإعدادية ليكمل المشوار التعلمي في هذه المدرسة العريقة- بدأ عالم الانطلاقة الجديد في واحة الاخوان المسلمين يرسم معالم الشخصية القيادية ويبرمج خطوات التطور السريع على طريقة العمالقة العظام ،الذين لا يسيرون مع الركب البطيء .. بل ينطلق بهم الركب في قفزات نوعية تنقل عالم الدعوة إلى المقام الذي كان يتمناه أصحاب الدعوة ، وما أشبه هذا المشهد التاريخي الحديث بمشهد إسلام العمالقة العظام الذين كان لهم الدور الأبرز في نقل مراحل الدعوة الإسلامية الناشئة في مكة ودفعها إلى الأمام ؛ كما في قصتي إسلام عمر بن الخطاب وحمزة بن عبد المطلب– رضي الله عنهما – أو كما هو الحال في دخول الداعية المفكر الأديب سيد قطب رحمه الله دعوة الإخوان بعد اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا ، كان دخول الشاب اليافع جمال منصور إلى الحركة الإسلامية الناشئة مكسبا عظيما وانطلاقة جديدة ؛ مهدت لتاريخ جديد لهذه الحركة .
وقد حدَّث عنه أستاذه الأول في مدرسة الإخوان المسلمين الشيخ حامد البيتاوي –الذي بقي نقيبا له لمدة ثلاث سنوات كاملة منذ التحاقه بالدعوة الاخوانية – يقول :"كان جمال قارئا .. تربى في هذه الجماعة العظيمة ، وكان سباقا في واجبات الآسرة الأسبوعية ؛ من حفظ وتفسير واهتمامات توحي أنه اكبر من سنه .. وكنت آنذاك أتوقع له مستقبلا "
وهناك بدأ يتعرف على سيد قطب وحسن البنا ، أكثر من قراءة سيد وتعلق به ، وكان دائما يقول : من لم يقرأ لسيد فقد فاته معظم الخير،وقرأ للقرضاوي- أيضا- وأحبه وكان يعجب كثيرا بشخصية عبدالله عزام المجاهدة التي لمع بريقها بين شباب الإخوان في الأردن ؛ قبل أن ينتقل للجهاد في أفغانستان ويكون ظاهرة المجاهدين العرب العالمية. وأحب الترابي وأعجب بمنهجه العملي في التفكير.
وكان لهذا التميز الدعوي المبكر أثره في بناء شخصيته القيادية ؛ فقد اصبح جمال منصور بعد وقت
قصير واحدا ممن يقوم عليهم العمل الإسلامي في المدينة ؛ يقول الشيخ حامد البيتاوي : تم وضع الشيخ جمال منصور في لجنة المساجد وكنت التقيه أسبوعيا مع مجموعة من الاخوة وقد استمر ذلك لسنوات".
عمر رمضان
24-07-2006, 10:33 PM
انتظرونا في حلقات اخرى
الصباح الخالدي
24-07-2006, 10:41 PM
اتابع بإهتمام
عمر رمضان
25-07-2006, 03:23 PM
لم يفاجئنا النظام العربي الرسمي- بهذا الانهزام التاريخي الجديد ... الذي أعلن عنه قبيل بدء المعركة التاريخية الحاسمة مع المحتل الغاصب على حدود (كيان العدو الغاصب شمالا مع حزب الله وجنوبا مع حركات المقاومة الفلسطينية)... وله أن يخترع لنكبته الجديدة اسما حضاريا يليق بها ؛ ليضيف ذلك إلى قاموس انكساراته ومخازيه العديدة .
أما نحن فلن نجزع ولن نرتعد .. ولن نصدر صيحات الاستغاثة والندب كما تعودنا ؛ لان نضجنا السياسي بعد عقد من المد والجزر ، واستقامتنا الدينية على المنهج السوي الذي اختارته الشعوب في انحيازها إلى خيار المقاومة دون التطبيع ؛ لا يسمحان –أبدا- بتوقع غير الذي حدث ، فنحن نصنف النظام العربي في قراءتنا السياسية على انه – دون شك- أداة متقدمة من أدوات الاحتلال، وغطاء حقيقي لمشروعه العدائي ، ونعلم تمام العلم أن هذه الأنظمة ما كان لها أن تبقى في ظل الاستعمار الأمريكي الجديد إلا وقد حسم أمر الولاء فيها لسيد الأمر والنهي كما تسميه وتصنفه ؛ فهي عدوة لشعبها أولا وأخرا .، مقدمة مصالح أمريكا على مصالحها الفردية والقومية ... ؛ لان إستراتيجية التمثيل القيادي في عرفها التاريخي ، - منذ ما سمي زورا وبهتانا عيد الاستقلال الأول لها- مبنية على أنموذج العمالة المعمول بها دوليا في ولاءات النظم لأسيادها .
ولا يجوز لنا، أيضا، إن نتعامل – هنا - بسذاجة حالمة ؛ فنتباكى على ماسينا وويلاتنا إزاء تهاون هذه الأنظمة وتواطئها مع المحتل ... فنتمنى على هؤلاء لحظة رشد يفيقون فيها ويعودون ؛ فتلك قراءة سقيمة لطبيعة المعركة ؛ فالتصنيفالسياسي الواقعي لحقيقة المعركة هو ما تصنفه أمريكا في قراءتها الواعية للحدث بل في قراءة إسرائيل ذاتها حين استطاعت أن تحيد جزءا كبيرا من شعوب المنطقة لتنفرد بما تشاء ، إذن فاللوم كل اللوم على شعوب الأمة التي تمكن للطواغيت ، وتسلمها زمام أمورها وتعطي لها الولاء بعد الولاء .
فلم تعد هناك مجالات للتورية السياسية ؛ فالحرب مكشوفة مفتوحة ... قسمت الناس حيالها إلى فسطاطين لا مجال للحيادية معهما. والتمحور في الاستقطاب يجرى حول طبيعة المشروع المستقطب .. فإما أن تكون مع المشروع المقاوم ، وهو مشروع عالمي ، حتى وان أرادت الإدارة الإعلامية الأمريكية تشويهه .. فتطلق عليه أوصافا متعددة من مثل الارهابين ، أو القوى الإجرامية ... أو الأصولية الخ ؛ أو أن تفرق بين ما يجري في أفغانستان والعراق- مثلا- و ما يجري في فلسطين ولبنان ، فتزعم أنها حروبا لا حربا واحدة ، ثم تقول إن العدو التي نواجهه في العراق يشبه إلى حد كبير العدو الذي تواجهه( إسرائيل ) في فلسطين.
، ولذا فالحق قائم لكليهما كي يقضوا على هذا( السرطان) كما يحلو لهم تسميته ؛ فالحقيقة المثالية للتصنيف الوطني الواعي ترفض هذا التفريق المموه ، بل وتفرض على أصحاب المنهج المقاوم نوعا من المراجعة والتدقيق ، ورص الصفوف في بوتقة واحدة بعيدا عن الطائفية التي جرت في العراق وأفغانستان ، ويراد لها أن تدب في لبنان وفلسطين. كي لا نقع في فخ المحتل الذي يريد لنا ان تتفرق عن قوس الحق ، ونصبح لقمة سائغة لمشروعه الخبيث .
إما المشروع الأخر فهو كل لا ينفصل -أيضا - وهو مشروع (صهيو - أمريكي ) حمل مسميات عديدة ،و لكن بغايات وآفاق محددة ، وحماته أو دعاته يشكلون مربعا تقف على زواياه حاضناته الأربع المتمثلة بكل من : إسرائيل ، و أمريكا ، والنظام العربي الرسمي- المنصهر- أصلا- في المشروع الصهيوني- ، والمجتمع الدولي المثقل بمعادلة المصالح المتبادلة وحمى الاقتصاد والعولمة .
ووفق هذا السيناريو بدأت الهجمة الشرسة الغاشمة لا لاسترداد الجنود الأسرى كما يروجون بل بتوزيع الأدوار وفق إستراتيجية واضحة من قبل أصحاب مشروع ( الشرق الأوسط الجديد) الذي تديره أمريكا وإسرائيل وتهيئ له أنظمة عربية وإسلامية معروفة بتواطئها مع المشروع الأمريكي وتقنن له الأمم المتحدة بقراراتها المنحازة لصالح هذا المشروع ؛ فمنذ الطلقة الأولى بدأ السيناريو يأخذ مجراه على الأرض : وحشية صهيونية مدعومة بإعلام أمريكي ضاغط وتصريحات قادة أنظمة عربية لجلد الضحية وإجبارها على الانهيار ثم مجتمع دولي يكمل الحلقة من خلال مجموعة الثماني بقرارات مجحفة تشرع قتل المدنيين وتناقض القرارات الدولية التي تضمن حق أسر جنود أو قتلهم في حالات الاحتلال كما ورد في اتفاقيات جنيف الخاصة بالحرب والسلم .
أما موضوع المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية فعلى هذه المقاومة أن تكون قد أعدت عدتها الكافية للتصدي لهذا المشروع الخطير دون الاتكاء على حالة من اليقظة أو الانتظار لنوع من التعاطف الدولي ؛ لأن طبيعة المعركة كما قلنا لا تحتمل الالتفافات المبنية على أحلام أو توقعات؛ فالولاء فيها محسوم والمشاريع فيها واضحة .
واعتماد المقاومة على ذاتها لا يشير في حال من الأحوال إلى نوع من الانتحار السياسي ، أو المغامرات غير المحسوبة ؛ لان طبيعة الفعل المقاوم في هذه الحالة لا تعتمد أصلا على قوة الضغط العسكري لأن الفوارق فيها محسومة لصالح الجانب (الصهيو-أمريكي )، بل لا بد لها أن تعتمد على ثلاثة أسس ، تعتبر المحافظة عليها انتصارا وانجازا هاما للمقاومة
1- الثبات على المبدأ المعلن وعدم التنازل عنه تحت أي ظرف ضاغط مهما كلف الأمر؛ ويمكن إن تكون المبادئ هنا عدم الإفراج عن الأسرى إلا بالتفاوض غير المباشر ، القائم على التبادل التام لكافة الأسرى العرب في سجون الاحتلال دون الدخول في عمليات سياسية واسعة يقايض عليها المجتمع الدولي من مثل تجريد المقاومة من سلاحها آو الاعتراف بالشرعيات المفروضة وفق القرارات الجائرة .
2- اعتماد سياسة النفس الطويل في المواجه وجر العدو إلى حرب استنزاف طويلة المدى ، فالمقاومة حق . والحق يسترد من خلال حركة تغيرية شاملة لا مجال للاعتراف بالهزيمة من خلالها فالقضية لا تندرج تحت سياق مناطق متنازع عليها بل أراض محتلة ، والأجيال القادمة كفيلة باستردادها.
خلق حالة من التعاطف الشعبي تشكل حاضنة قوية للفعل المقاوم ، ولعل هذه الأسس متوفرة في شكل جلي لكافة حركات المقاومة المتواجدة في خطوط النار مع العدو( الصهيو أمريكي) في كل من فلسطين ، لبنان ، العراق ، أفغانستان ، الشيشان .والعدو يدرك هذه المعادلة ويحاول جر الشعوب الحاضنة في التخلي عن جسد المقاومة بالضغط عليها وترهيبها حينا أو بجرها إلى نوع من الحرب الأهلية أو الفصائلية ، ونحن نؤكد أن المقاومة التي تنجح في سحب البساط من تحت أرجل (الصهيو- أمريكي)، ستصمد وتنتصر بأذن الله.
رمضان عمر
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir