تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حديث النفس



صبيحة شبر
03-12-2010, 05:35 PM
حديث النفس






بقيت قابعة على كرسيها المعتاد ، أجلستها ابنتها قبل قليل وغادرت ، هل تظل جالسة حتى تعود الابنة ؟ أم تحاول ان تعتمد على نفسها ، وان تنهض من جلوسها الذي طال ، تحاول أن تتوكأ على شيء قريب منها ، تسقط وقد أعياها التعب وأنهكها أنها وحيدة ، لا احد معها يعينها وتستند عليه ليقيها عثرات السقوط ، سقطت قبل فترة وأصيبت قدمها ، وجبّرها لها الطبيب ، وظلت تنتظر معونات أفراد أسرتها ، لا تطلب منهم صراحة، تخشى ان تثقل عليهم ، وألا تكون عاجزة في نظرهم عن القيام بأبسط الأمور ، كانت نحلة عاملة في المنزل والعمل ، هرمت نفسها قبل الأوان ، واستبد بها الإعياء ، من يعيد إليها القوة الراحلة دون وداع ، ومن يمكن ان يريحها من عناء السؤال الذليل ، هل السقوط وحده جعلها في منتهى العجز ؟ ام مواقف اللامبالاة التي يواجهها بها من أحبت ؟ حاولت مرة أخرى ان تقف على قدميها ، وان تذهب إلى مرآتها ،التي اعتادت منها الصدق في المواقف الحرجة ، أحقا ما يقولون ان الذبول أدركها سريعا ؟ وان نفسها التواقة الى الربيع أدركها خريف العمر ؟ تسير ببطء شديد ، خطوات وتكون المرآة أمامها ، تتنفس بعمق وتتنشق نسمات الهواء العليل



نظرت الى المرآة متمعنة بوجهها ، وتنهدت بحسرة :







-أهذا وجه امرأة شابة ؟



يتعبها حالها ، إرهاق متواصل يرتسم بوضوح على وجهها ,، و علامات الشيخوخة والهرم تهزأ من محاولاتها للعيش بسرور ، قد تكون الأقل تمتعا بصفات الجمال بين صديقاتها ، أحبت رجلا طيبا، كل النساء يتقن الى نيل الحظوة لديه ، وأتعبها انه سهل المنال ، يمكن لكل من أعياها العثور على مطلبها من الرجال ان تدعوه إليها فيستجيب ، حاربت كل العالم كي تقترن بمن أحبته أكثر من نفسها وفضلته على الجميع ..



- مضى شبابك يا امرأة وولى عهد الوصال



عبارته الأثيرة على نفسه يرددها دائما حتى أصابتها العدوى ، هل هي حقا كما يقول ؟ وهل نال منها الإرهاق قبل الأوان ؟ أين ذهب جمالها ؟ وجهها الصافي المعبر ماذا حل به ؟ وصوتها الجميل الحنون ،هل تعرض للتغيير أيضا ؟ وهل يتغير الصوت بهذه السرعة ؟



تطيل النظر الى صديقتها المرآة ، علها تجد الجواب ا لصحيح ،عن الأسئلة العديدة التي تجول في ذهنها ، وان تعثر لديها على الدواء الشافي لكل أحزان النفس وأسقام الفؤاد ، تنظر مليا ، ترتسم ابتسامة هازئة على مرآتها حافظة سرها



- حتى أنت يا مرآة؟؟



كانت ساحرة الجمال، أنيقة، رائعة الهندام، صوتها يثير الحنان ، وعيونها كحيلة ، طويلة الرموش ، فكيف تعرض جمالها ذاك إلى الضياع ؟



حاربت الجميع لتقترن بالحبيب ، وما ان ضمهما العش الكئيب حتى غدا يذكرها في صباحها ومسائها :



مضى شبابك يا امرأة وولى عهد الوصال..



أخاديد الزمن محفورة بوضوح ، وتعب السنين تجد نفسها عاجزة عن إخفائه ، ومراهم حفظ الشباب لم تقدم لها شيئا ، خسرت نقودها بلا جدوى ، ابتسامتها التي كانت مشرقة صارت بائسة ، لا تنبع من القلب ، عيونها انطفأ بريقها ،وصوتها أضحى خشنا، ووجهها المعبر عن الفرح، صار يتحدث عن المعاناة التي لا تنقطع والحزن المقيم ، أين حبورها ؟ وأين ذهب نشاطها المثير للإعجاب ، وكيف رحل عنها الشباب ، وهجرها مرح السعادة والهناء ، أعوام قليلة عاشتها بنكد، كانت قادرة على إحداث انقلاب كبير، في مظهرها وعقلها وتراجع نفسيتها وتقهقر عواطفها..



تحاول أن ترسم ابتسامة على ثغرها اليابس ، تأتي الابتسامة حزينة تخلو من المعنى ، تكرر المحاولة ، تخيب مرة أخرى ، تقهقه محاولة ان تجلب موجات الفرح ، تنظر الى المرآة بإصرار ، تقترب منها ، تمد إليها يدها مصافحة ، تبتعد عنها ، تحاول مرات أخر ،تستجيب المرآة ، تنطلق ضحكة صادقة من القلب ، تدمع عيناها ، تأتي ابتسامتها جميلة آسرة :



- عاد جمالك إليك



تتطلع إليها المرآة بتفهم ، تبحث عن أخاديد الشيخوخة ، لا تجد لها أثرا ، تحاول ان ترى علامات الإرهاق ، فتدرك إنها هربت منها أخيرا ، تتساءل اية لعنة انصبت عليها وقتلت في نفسها السرور ، بعض الوقت ؟و أية كلمة قادرة على بذر الهزيمة في نفوسنا ؟ هل تستطيع الأعاصير أن تقلع الأشجار الثابتة في الأرض ، وها تتمكن الرياح الهوجاء ان تزيل مدن الفرح والشباب ؟















صبيحة شبر

آمال المصري
04-12-2010, 09:33 AM
حتى وإن ذهبت بُلتها , وسحلت مريرتها , أو حتى أدرمت
فالكلمة اللينة الطيبة من الجانب الآخر تكفي أن تعيد للنفس شبابها
وللروح الأمل
أستاذتي المكرمة / صييحة ...
نص زاخر صيغ بأسلوب قصصي غني امتاز بدقة الوصف ,
ونقل الصورة مكثفة بأبعادها المختلفة
أحييك بشدة وأحني لك القلم لهذا التمكن السردي
تقديري الكبير


ها تتمكن - هل تتمكن

صبيحة شبر
04-12-2010, 11:00 AM
حتى وإن ذهبت بُلتها , وسحلت مريرتها , أو حتى أدرمت
فالكلمة اللينة الطيبة من الجانب الآخر تكفي أن تعيد للنفس شبابها
وللروح الأمل
أستاذتي المكرمة / صييحة ...
نص زاخر صيغ بأسلوب قصصي غني امتاز بدقة الوصف ,





ونقل الصورة مكثفة بأبعادها المختلفة
أحييك بشدة وأحني لك القلم لهذا التمكن السردي
تقديري الكبير


ها تتمكن - هل تتمكن


الأخت العزيزة رنيم مصطفى
جزيل الشكر على ردك الجميل
أسعدتني كلماتك الحسان

ربيحة الرفاعي
27-10-2013, 07:21 AM
يعجبني أسلوبك بجمالية قوله وكثافة توصيفه وعمق مشهديته

قصة جميل بحمولة ثقيلة

دمت بخير

تحاياي

كاملة بدارنه
28-10-2013, 02:38 PM
تساؤلات وأحاديث بأسلوب جليّ كشف عن مضمون الذّات بسرد جاذب
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
26-01-2014, 04:26 PM
قصة جميلة وأسلوب مميز
وسرد مشوق جذبني برغم طول النص

شكرا لك أختي

بوركت

خلود محمد جمعة
28-01-2014, 02:49 PM
قد يقتل الحزن الروح اذا تسلل اليها ممسكا بيد القدر
لكن النفس التي تأبى ان ترتدي اليأس لا بد ان تنتصر على ألم الوقت
تلك الابتسامة هي من رسمتها منتصرة على كل سنين الكبت والتقبل السلبي للظروف
لا يحد السن من إقبالنا على الحياة
ولا بد من حديث للنفس فدائماً هناك غداً
راقتني القصة بسردها وفكرتها
دمت بخير
مودتي وتقديري

سامية الحربي
29-01-2014, 05:06 PM
وقفة سردية حوارية مع الذات تغوص في نفس كل إمرأة يخذلها من عقدت حياتها في ظله المائل فأهدر شبابها. سلم اليراع. تحية وتقدير.

ناديه محمد الجابي
11-04-2014, 08:42 PM
الكلمة الطيبة صدقة ـ والكلمات التي ننطقها أو نسمعها تستقر في العقل الباطن
وتتحول إلى أفعال ـ وتؤثر في المشاعر والقرارات.
وخاصة إذا كانت من أعز الأشخاص إلى القلب.
نص باذخ شكلا ومضمونا ـ وحدبث مع النفس استطاعت فيه النفس أن تنتصر
على اليأس وأن تسترد ابتسامتها .. فإن الأعاصير لا تستطيع أن تقتلع الأشجار
الثابتة في الأرض.
قصة معبرة مؤثرة
سلمت يداك.