مشاهدة النسخة كاملة : في جزيرة مجهولة منك .. !
إسماعيل القبلاني
08-12-2010, 04:20 PM
في جزيرةٍ مجهولةٍ منك .. تراودك أحلام البقاء .. وصرخات الحنين .. حيث تهودج في رأسك أفكار الرحيل .. ؟
اللاشيء .. نوبةٌ تصطدم دائماً بها .. والغريب في ذلك أن العاطفة تشتد .. فتلغي عاصفة الأفكار .. حينها يكون اللاشيء إجابة الطبيعة الخلابة على هذه الجزيرة .
فما أجمل الفكرة حين تكون مجهولة .. وما أعظم الطبيعة حين تكون مساحة شاسعة تمتد على مسافاتها تحية المعنى .. تبشر بمولد الرفض القادم على أنفاسك المتناقضة .. فتصبح التحية للقاء .. للقاء ما جمعته مخيلتك في تسعة أشياء ..
*.. حواسك الخمس .. وحاسة المكان السكون .. وصراخ الحبر .. وقدوم النص .. وأوراقك الخلابة ..*
فيكون مولد النص .. إما غريباً أو شريداً .. ويا لها الأفكار حين تراودك فإما أن تعانقها أو تتركك لعناق غيرها .
***
فهل ستعانق منفاك أم سيتركك لغيره .. ومن يستطيع نقض الروح في مرحلة رغبة .. نشوة .. شهوة .. والنار لا تتوقف في أعماق قلبك .. وأنت تحاول جاهداً .. أن تشعل النار على شاطئ المجهول .. والمجهول لا يوجد فيه عود ثقاب .. لحظتها .. لحظتك في إشعال النار .. هي الاختراع !
وإن كنت ستستخدم عود ثقاب حملته معك في رحلتك إلى المجهول فأنت محتال .. منتحل .. مختل عقلياً .. لا ترقى للبقاء .. حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة ..
*.. لحظة الكتابة الخاصة بك هي إشعال النار على الطريقة البدائية ..*
فهل ستقوى على العيش متحجراً تكتشف جزيرتك المجهولة .. تشق طريق الوصول إلى أرقى مراحل لها تأملات المد والجزر على شاطئ الواقع
المهم أن لا تبتعد .. وتقدم .. ولتبقى دائماً في طريقك الخاص .
***
ويعاودك اليقين في جزيرةٍ حملتك إليها أمواج الوقت .. الفراغ .. فإن لم تكن بها رائداً .. لا تحسب نفسك رائداً قد يكون هناك غيرك .. في مكانٍ ما من نفس الجزيرة .. إن مر بها قبلك أخشى أن تمر بها وتصبح مقلداً..
وربما لصاً .. ولكن إن كان يلهمك فلا بأس حتى تشق طريقك .. تلميذاً ..
إياك أن تتوه في مخيلتك فلن يأتي إلا الشخص الخاطئ لإنقاذك .. بعاصفة كنت تحلم بها .. ومهما تهت ستوقظك أمطار الضمير داخلك .. حينها لن يكون للحيرة مكان .. إن كانت رؤيتك أوسع .. ستكون لك رغبة أخرى بالعودة
إلى هناك ..
*.. العاصفة لحظة الكتابة .. انفصام شخصية ..*
فمنذ ألاف العابرين إلى الحرف .. العواصف إبداع تكتنزه الذات الفردية .. أما تكلفك في الرغبة فهي صاعقة توجهها لنفسك .
***
لحظة أخرى بعد منتصف الليل وتبدأ العواصف .. إصابة .. خوف .. تشرد .. توحد .. لحظة ينقطع فيها كل شيء تعود لتراجع من البداية .. ثم تبدأ في فقدان ذاكرتك .. بتصنع النسيان .. وحده التشويش الملقى على عاتق الإجابة .. سؤاله التفرد في الضجيج .. فمن سيهتم لأمرك إن لم تتقن الإجابة .. لسؤال النص المراود لمخيلتك !
*.. السؤال هو مغادرة الواقع عندما ينتابك خلل وتحتاج لإصلاحه خارج إطار المنطق .. والإجابة هي العودة إلى الواقع وقد فلسفت المنطق برؤيتك الخاصة ..*
فهل نعتب على جمال الروح وهي تحلق بنا بعيداً ؟
ما بين دفتي الأيام وأشرعة الفكر على أمواج الأحداث المتلاطمة في بحر المخيلة .. حينها تكون لحظة الكتابة لذيذة جداً لدرجة الإبحار .. الإتقان .. الترسخ .. أو تسبب أعراض جانبية .. أعلاها .. السقوط .. ؟
وما أجمل الإبحار حين يكون القبطان .. مجهولاً .. !
***
إسماعيل القبلاني
08-12-2010, 04:27 PM
ذات ليلة باردة جداً ..
نادية بوغرارة
10-12-2010, 11:33 AM
حديث النفس ليس له حدود ، يفلسف الأشياء و الأحوال و الأفكار ،و يفلسف الحلول ،
لكنه حديث ماتع ، تنكشف له الحجب فإما يضوء أو يضيء .
سعدت بالمثول بين يدي هذه القطعة النثرية .
لمى ناصر
10-12-2010, 01:34 PM
أحلام تكشف لها أسارير الروح
بمحادثة العقل والروح فتنجب قلما
نابضا بالحياة ومفعما بوروده.
شكرا لنبضك.
إسماعيل القبلاني
10-12-2010, 07:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع لا أقول عنه إلا أنه يحتاج إلى الدخول إليه من خلال أسلوب اقتصادي شهير(التقسيط)؛لأن عملك
هذا جميل ورائع للغاية ، وقد اتخذ عنوانًا خلابًا ذا تعددات في الرؤية ، بحيث أنه يفتح أبواب الاحتمالات على
كل تصور ممكن ،ولكن عندما يكون المبدع بصدد الحديث عن لحظة (الإضاءة-التنوير) ففي هذه الحالة يكون
من اللازم الإشارة إلى أن هذه اللحظة هي واحدة من أصعب لحظات التاريخ الإنساني الفردي
وذلك للتعقدات التي تكتنف عملية الكتابة .
العمل الذي كتبته جميل للغاية وسأرد عليه بإذن الله في أكثر من مشاركة ،لكن أنحي الجانب النقدي الآن
جانبًا قليلاً لنبقى في حضرة الأعمال التي تماست مع هذه النقطة .
إليك الآن جزءًا من كتاب (عن بناء القصيدة العربية الحديثة) للراحل د.علي عشري زايد رحمه الله ،فيه
جزء شائق للغاية ومقطع من قصيدة (الناي والريح في صومعة كمبريدج):
"وقد صور واحد من أنبغ شعرائنا العرب المعاصرين وهو الدكتور خليل الحاوي بطريقته الشعرية المتفردة تلك المعاناة الباهظة التي يعانيها الشاعر في سبيل اقتناص العبارة الشعرية الحقيقية ، وكيف يصارع الأهوال ،ويجتاز الخاطر من أجل تلك العبارة المتمنعة المدللة ، بكل ما تملكه من قدر ة خارقة على تغيير الوجود ،وإعادة صياغته.
يقول الدكتور حاوي في مقطع "الريح" من قصيدته الطويلة "الناي والريح في صومعة كيمبريدج"(3):
ولعل تخصب مرة أخرى ،وتعصف في مدى شفتي العبارة
دربي إلى البدوية السمراء ،واحات العجين البكر، والفجوات ...
أودية الهجير
وزوابع الرمل المرير عصي .. وليس يروضها غير الذي يتقمص الجمل الصبور
وبقلبه طفل يكور جنة .. غير الذي يقتات من ثمر عجيب
نصف من الجنات يسقط في السلال
يأتي بلاتعب حلال
نصف من العرق الصبيب
الشوك ينبت في شقوق أظافري ،الشوك في شفتي يمـَّرج باللهيب
في وجهها عبق الغريزة حين تصمت عن سؤال
(4)
نهضت تلم غرور نهديها وتنفض عن جدائلها حكايات الرمال
تحدو ، تدور كما أشير بإصبعي
ولربما اصطادت بروقًا في دهاليزي تمر وما أعي
وبدون أن أملي الحروف وأدعي
تحدو، تدور،،تزوغ زوبعة طروب
وأرى الرياح تسيح ،تنبع من يديها منبع الريح المعطرت الجنوب
ومنابع الريح الطريقة والغضوب
للريح موسمها الغضوب
***
وحدي مع البدوية السمراء ،كنت مع العبارة
في الرمل كنت أخوض عتمته وناره
شرب المرارات الثقال بلا مرارة
فالشاعر في هذا المقطع الرائع من مقاطع القصيدة يجسد ذلك العناء المبدع الذي يتحمله الشاعر العظيم في سبيل اقتناص العبارة الشعرية ،هذه المتمنعة المدللة التي :"تعصي وليس يروضها غير الذي يتقمص الجمل الصبور".. ولكن الصبر والعناء وحدهما غير كافيين،بل لابد أن تسبقهما تلك الخبرة الشعرية الشفيفة النقية التي تماثل في نقائها وشفافيتها سريرة الأطفال لابد ان يكون الشعر "بقلبه طفل يكور جنة" وإذن فإن الشاعر العظيم الذي يستطيع أن يروض تلك العبارة الشموس هو ذلك "الذي يقتات من ثمر عجيب .نصف من الجنات يسقط في السلال ،يأتي بلا تعب حلال ،نصف من العرق الصبيب"،وليس هذا النصف الذي يسقط من الجنات في السلال حلالاً بدون تعب سوى تلك الومضة ــــــــــالمتوهجة التي ينعم بها الله على وجدان الشاعر ،فيستطيع على ضوئها أن يرى الوجود رؤية جديدة ،ثم القدرة على الهيام بتلك الومضة والإخلاص في معاناتها واحتضانها حتى تؤتي ثمارها الشهية.
أما النصف الثاني "العرق الصبيب" فهو ذلك الجهد المبذول في معاناة الرؤية الشعرية وتجسيدها ،ولقد تفنن الشاعر أيما تفنن في تصوير هذا الجهد ..فهو يخوض إلى العبارة الشعرية "واحات العجين البكر"بكل ما توحي به من القدرة على التشكيل البكر والصياغة المتفردة و "أودية الهجير " و"زوابع الرمل المرير" و"الشوك ينبت في شقوق أظافره" و"الشوك في شفتيه يمرج
باللهيب".. وهو"في الرمل ..يخوض عتمته وناره " و"يشرب المرارات الثقال دون أن يشعر بالمرارة".. فأية دروب مضنية تلك التي يجتازها إلى العبارة الشاعرة؟!
لقد تفنن الشاعر في تصوير تلك العبارة المتمنعة الشموس بمقدار ما تفنن في تصوير مدى المعاناة المبذولة في سبيل الظهر بها ؛فهو يجسد هذه العبارة في صورة "بدوية سمراء " بكل ما تحمله هذه الصورة من بكارة الفطرة وحيويتها وتفجرها الهادر ، وهي شموس نافرة عصية لا يتسطيع ترويضها غير الصبور الشديد الصبر، وهي في العنفوان"ثم تلم غرور نهديها وتنفض عن جدائلها حكايات الرمال " وهي أخيرًا تملك قدرات خارقة ،فإذا ما سيطر عليها الشاعر استطاع أن يغير بها الوجود ، فيجعلها "تحدو .. تدور كما يشيبر بإصبعه" ويجعل "الريح تنبع من يديها "..إلخ.
***
هذا هو ما أورده الدكتور علي زايد عشري نقلاً عن خليل حاوي الشاعر اللبناني الراحل ،و أضيف عليهما بعض
ما أنعم الله عليّ به من رؤية في هذا المضمار .
وإذا كان الشاعر يتكلم عن حالة التوقد لكتابة عمل شعري ، فلا يختلف الأمر عنه في أي فن آخر ،فالحالة واحدة
ولكن المدخلات وخصائصها فقط هي التي تتغير ، بغض النظر عن نوع العلم أو الفن .
إنها لحظة استثنائية ،ولأنها كذلك فلابد من التعليق عنها -أيضًا- بمشاركات استثنائية أجمع فيها بعض ما قيل
عن هذه اللحظة شعرًا ،نثرًا إضافة إلى شرح موجز لمكتنفات هذه الحالة ومعترياتها من مد وجزر وأخيرًا ..
أعلق على هذا العمل ، فاعذرني للإطالة والثرثرة ،لكن هذا هو الإبداع دائمًا .. وفقك الله .
إسماعيل القبلاني
10-12-2010, 07:36 PM
مقدمة لا باس من قراءتها
حياة الإنسان سلسلة متصلة من التجارب والمواقف ، هذه المواقف تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل طريقة التفكير وأسلوب التعامل مع الحياة ، ولما كان الاختلاف والتمايز هو طبيعة هذا الكائن البشري العظيم المسمى بالإنسان ، فإن طريقة تعامل الأفراد مع هذه الخبرات الحياتية والمواقف الإنسانية تختلف باختلاف الثقافة والنشأة والسن والبيئة وغيرها من عوامل تكوين الشخصية الإنسانية .
وكثيرًا ما تدور نقاشات المتخصصين حول هذه الطاقة العقلية الجبارة التي يستخدمها الإنسان في التغلب على المشاكل التي تواجهه ويستهدي على ضوئها المسماة بالذكاء ، فيرى البعض أن الذكاء هو القدرة على التعلم والتحصيل ، كما يرى البعض الآخر أن الذكاء هو القدرة على الفهم والابتكار والتوجيه الهادف للسلوك والنقد الذاتي .كما يرى البعض الآخر أن الذكاء هو القدرة على التكيف العقلي للمشاكل والمواقف الجديدة أي قدرة الفرد على تغيير سلوكه حيت تتطلب الظروف الخارجية ..وبغض النظر عن هذه التعريفات ونتائجها ،
فإن الذي يعنينا فيها هو أن عملية التفكير عملية معقدة للغاية وذلك بسبب تنوع وتشعب المهارات المقيسة من خلال اختبارات الذكاء
، ومعرفتنا بهذه الجوانب المتشعبة ليست من نافلة القول بل إنها من صميم عمل الناقد الأدبي والمشتغل بفنون الأدب عمومًا للوقوف على الكثير من جوانب القوة والضعف في العمل الأدبي الذي يقوم به .
لكن ما علاقة هذه المهارات بالعمل الأدبي والحكم على مدى نجاحه في الوصول إلى مايراد منه من توصيل المشاعر والأفكار إلى القارئ؟ هذا ما تحاول الأسطر المرهقة الباهتة القادمة الإجابة عنه بإذن الله .
عملية التفكير عملية معقدة للغاية ، وهذا التعقيد ليس أدل عليه من هذه التصنيفات العلمية لأنواعهاالتي تتجاوز المئة قدرة من القدرات العقلية ومن أبرز المهارات والقدرات الخاصة بالذكاء وفقًا للقدرات العقلية التالية المرتبطة بعملية الإبداع :
القدرة اللغوية : وهي تقيس قدرة الفرد على توظيف الكلمات وفقًا للموقف أو استخدام عبارات مختلفة لتأدية غرض معين .
القدرة المكانية : تعتمد على التصور البصري للأشكال في المكان
فعنصر المكان ضروري في تكوين العمل الأدبي أن يُتَناول بشكل جيد من جانب المبدع .فعلى سبيل المثال نقول إن الجبل مرتفع وعليه نار متقدة يسترشد بها المسافر ، لكن لو حولنا فهم المكان إلى مادة متوهجة في عمق الأحاسيس وجعلنا منه أداة لتحريك الشعور الإنساني بقول :تتمايل أحرف اسمك شعلة فوق الجبال ، فإننا نكون قد غيرنا المكان الجبلي بمعانيه المخيفة والعنيفة كالصلابة والتردي والإيلام ...إلخ إلى مكان محبوب لأن اسم المحبوبة فوقه وكذلك تتحول دلالة النار المباشرة الدالة على الألم والإحراق إلى دلالة (ضوئية) جميلة .
السرعة الإدراكية : تتمثل في سرعة إدراك المتشابهات بين الأشكال وسرعة تصنيف الكلمات. فالمبدع هو الذي يحسن عقد الصلة بين الأشكال ودلالتها النفسية ، فعلى سبيل المثال ، رغم عنف موقف الحرب إلا أننا نجد عنترة بن شداد يدرك شكل السيف بشكل مختلف يعيد فلسفة الموقف الحربي بقوله :
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
بينما الفرد العادي هو الذي يراها حربًا شعواء لا خير فيها وكلها موت ودمار .
القدرة الاستنباطية :
تتمثل في استخلاص النتيجة المترتبة على مجموعة من المقدمات كما يحدث في حالة القياس المنطقي.
ومثال ذلك في العمل الأدبي أن يقول أحد المحبين" أحب الأرض المظلمة لأنه لن يكون فيها إلا نورك" فالمقدمة هي كراهية الظلام والمقدمة الثانية وجود ضوء والنتيجة تمني هذا الإظلام لأنه طريقه أو (جسره ) نحو النور المنبعث من المحبوبة.
ما علاقة ذلك بالإبداع الأدبي ؟ نعم العلاقة وثيقة للغاية ، فالمبدع هو شخص يقوم بمجادلة الحياة ومركباتها المختلفة ويحاول من خلال ذلك صياغة عمله الأدبي المعبر عن رؤيته لما يعاين ويعايش . فمثلاً :يحسن المبدع استخدام القدرات اللغوية من خلال استخدام المترادفات وسائر الخواص اللغوية وتوظيفها في موقعها المناسب
. فالغيث مثلاً هو ماء السماء الذي ينزل بالخير بينما المطر هو الذي ينزل بالشر والريح تأتي بالعواصف والأعاصير بينما الرياح تأتي بالنسيم والهواء العليل.
هنا يتضح الفرق بين المبدع والفرد العادي ، فالمبدع لديه هذه القدرة اللفظية والتي يوظفها وفقًا للموقف والعرف اللغوي.
أنصت إلى هذه الحروف أخي القارئ الحبيب ( ولست مجبرًا ): في حياتنا البشرية نمر بالعديد من المكتسبات المرئي منها والمسموع والملموس ، بقدر ما يحسن الواحد منا التعامل مع هذه الأشياء بقدر ما يكون قد أضاف إلى رصيده الإنساني والمعرفي نقاطًا إضافية تسمى ذكاء ، فكلنا يلمس الكرة –مثلاً –لكن لسنا جميعًا نحسن السيطرة عليها وتسديدها أو (اللمسات السحرية) المؤدية إلى الهدف ، كما أننا جميعًا نسمع أصوات الحيوانات والطيور وأسماءها ولكننا لسنا جميعًا على نفس الدرجة في توصيفها من خلال حديثنا وتعاملنا وتجادلنا مع هذه الأشياء .
والإبداع هو تحويل هذه المكتسبات في شكل مكتوب غير تقليدي يعتمد على تفكيك العلاقة الطبيعية بين الدال والمدلول أي الأشياء ومعانيها .
والإبداع هو عملية إعادة صياغة هذه العلاقة بين المنطق والخيال في أطر منظمة تأخذ من كل جانب بطرف المنطق والخيال حتى لا يصبح العمل الأدبي فنًا من فنون الخلط والتهويس .
إذًن : المبدع هو ذلك الفرد الذي يحسن توظيف هذه المكتسبات في أطر مكتوبة ، وهذا هو الإبداع فعلاً وهو ما نبحث عن كنهه.
لكي تكون الصورة أوضح : فالعمل الأدبي تتداخل فيه الجوانب المختلفة التصويري واللغوي والفكري والمعرفي والواقعي والفانتازي ، ولعل اختراع السينيما يعد واحدًا من الأساليب والوسائل التي تقرب الصورة إلى المتلقي ، حتى تبدو خبيئة ما في الشاعر ماثلة أمام القارئ . الإبداع هو الصورة الثابتة أو المتحركة ، والصوت والموسيقى ، والإضاءة والحركة، الإبداع خاصة الشعر
والخاطرة يجمع المبدع فيها هذه الجوانب ، بل و قد يضيف عليها الرسم والنحت ، والكاريكاتير والصورة الفوتوغرافية أو التشكيلية من خلال الأحرف التي تمثل نتاج كل هذا التراكم الثقافي والمعرفي على نحو ما سنرى من أعمال بإذن الله .
أيها القارئ العزيز قل لي :ماذا تشاهد وأنت تركب السيارة مسرعة ؟ تشاهد كل شيء يجري القمر يجري ويقفز بسرعة فوق الأشجار والمباني تتوالى كأنها سحاب والطفل الذي يعبر الطريق كأنه خط أو شعاع مرق أمام عينيك وقد تتخيل أنه اصطدم بالأشجار . الأضواء كأنها تلعب مع بعضها لعبة التخفي ، كأن هناك إطلاقًا حيًا للنار بين الضياء هذا العمود يضيء ثم تمر على طريق مظلم فينطفئ النور ثم تدخل إلى واحد منير فتضيء الدينا ثم ...إلخ . في مثل هذه الحالة من الضروري أن تكون قادرًا على سرد هذه التداخلات بشكل جيد ونقلها إلى المتلقي بشكل صحيح حتى لا تتهم بالتقوقع على ذاتك والسيريالية . خذ على سبيل المثال هذه العبارة :"تعانقني وأنت وتمسح الدمع عني" أو "تعانقني و أنت تمسح على شعري" ربما تعد جملة عادية لكنك إذا حللتها وجدت أنها لا تستقيم منطقيًا ، فكيف يعانقها بينما يقوم في نفس الوقت بمسح شعرها أو دموعها؟ إن العناق لا يكون إلا باليدين ملتفتين حول الظهر أو الخاطرة ولا يمكن أن يقوم الفرد في وقت واحد بالشيئين معًا .أليس كذلك؟! مثل هذه الأخطاء تنتج عن عدم القدرة على نقل المواقف بتدرجاتها الزمنية والموقفية فتأتي الصورة غير مكتملة ، من هنا تأتي أهمية معرفة العوامل التي تعد العنصر الأبرز في الحكم على العمل الأدبي حتى يتكامل لدينا الوعي بالمهمة من جانبيها الإبداعي مع الجانب المنطقي ، وبقدر ما نملك القدرة على السيطرة على اللاشعور بقدر ما نكون قد انتقلنا خطوة على طريق الوعي بالذات والآخر ، والإبداع هو نتاج هذا التزاوج ، ولا يكون إلا كذلك ..
إسماعيل القبلاني
10-12-2010, 07:38 PM
قبل أن أختم كلامي عن هذه الجزئية المتعلقة بالذكاء والجوانب الداخلة في تكوين العمل الأدبي يكون من الضروري الوقوف ولو سريعًا على علاقة الذكاء ومن ثم الأعمال الأدبية –باعتبارها نتاجًا له ودليلاً عليه-بوظائف النصفين الكرويين الأيسر والأيمن من المخ .
تتلخص وظائف النصف الأيسر من المخ في الاستجابة للتعليمات اللفظية ،والثبات والنظام في التجريب والتعلم والتفكير،والتعرف على وتذكر الأسماء ،كبت العواطف ، والشعور ، والاعتماد على الكلمات لفهم المعاني ، والتفكير المنطقي ،الجدية والنظام، والتخطيط لحل المشكلات ، والتعامل مع مشكلة واحدة في الوقت الواحد ،والنقد والتحليل والقراءة والسمع ،المنطقية في حل المشكلات ،استخدام اللغة في التفكير ،فهم الحقائق الواضحة .وتشير المقالات دائمًا إلى أن الوظيفة الأساسية لنصف المخ الأيسر تكمن في الاحتفاظ بتمثيل منطقي لحقائق الواقع والاتصال مع العالم الخارجي.
أما وظائف النصف الأيمن من المخ فهي التعرف على وتذكر الوجوه، الاستجابة للتعليمات المتحركة والمصورة ، وعدم الثبات في الترجيب والتعلم والتفكير ،تفسير لغة الأحلام بسهولة ،إنتاج أفكار ساخرة ،حل المشكلات بطريقة غير تقليدية،المبادأة والتفكير المجرد ،وحب التغيير ، التعامل مع عدة مشكلات في نفس الوقت ،الابتكار لحل المشكلات ،استخدام الخيال في التذكر ،إعطاء معلومات كثيرة عن طريق الخيال والحركة .
من هنا إخواني الأعزاء ودون سؤال عن أي الطرفين أكثر تناسبًا مع العمل الأدبي نكون قد عرفنا قيمة هذه المعلومة
لأن كل ما يننتج من أعمال أدبية إبداعية هو نتاج هذا التداخل في القدرات والخبرات المعيشة ، ولأن الفرق بين الأعمال الأدبية التي هي إبداع بحق والأعمال التي هي –في أحسن الأوصاف- عمليات صب في قوالب شكلية أو إيقاعية يتضح من خلال هذا القدر الكبير من الاستخدام غير النمطي والتقليدي للمخ (النصف الأيمن)
والفوارق بين المبدعين وغيرهم تتمثل في كمية الاستخدام وكيفيته لوظائف المخ الأيمن مقارنة الأيسر على حد سواء .
لكن من جملة ما ينبغي الإشارة إليه هو أن كثيرًا من المدعين الإبداع يتعمدون وربما لا يتعمدون إحداث تركيبات غير منطقية لا تدعو إذ دعت إلا إلى السخرية تحت مسمى كسر الحاجز المنطقي والواقعي ليعيش العالم في أو القراء في حالة من التخبط بسبب هذه اللاانضباطية في استخدام وتوجيه النصف الأيمن من المخ .
وتؤكد الدراسات الفسيولوجية أن عدد خلايا القشرة المخية لدى ضعاف العقول أقل في أقسامها وتشعبها من تلك الخلايا لدى العاديين .وقد حاول أحد الباحثين في هذا المجال في إطار الوصلات العصبية التي تصل بين خلايا المخ تفسير مفهوم الذكاء وهو يرى أن العبقري لديه حوالي مليون وصلة والعادي ربع مليون أما الضعيف فحوالي فيملك –عافانا الله وإياكم- خمسًا وسبعين ألف وصلة فقط .
ما علاقة ذلك بالإبداع والعمل الأدبي ؟
علاقة ذلك هو أن المبدع من خلال هذا الذكاء وهذا التشعب في القدرات العقلية والوصلات العصبية يستطيع إيجاد الرؤى الفنية والفلسفية الجديدة وغير المسبوقة ، وأنه بقدر ما يتمرس الواحد منا على عملية القراءة والاطلاع واستخدام الملكات العقلية من خلال عملية التحليل والنقد الواعيين للعمل الأدبي بقدر ما يرفع من علامات نبوغه وتربعه على عرش العبقرية على الأقل في جانبها الأدبي
مع التسليم بأن مع العبقرية الشديدة قد يأتي الفرد بأخطاء ساذجة مضحكة نتيجة لطبيعة التحديات التي اعتاد مقابلتها في عملية التفكير والتي معها تفوته الحقائق المنطقية البسيطة . وأنت عزيزي المبدع من المؤكد أننا حين نقرأ ما تجود به علينا قريحتك نستطيع معرفة المنطقة التي تقع فيها استخداماتك للنصف الأيمن من المخ وجوانب قوتك وضعفك .
أهمية هذا الكلام وعلاقتها بالإبداع جلية ، فكثيرًا ما يتميز المبدعون بقدرة لا نهائية على توليد الصور الحالمة والصور المغايرة للمنطق والصور الكاريكاتورية والصور التي تبدو في الظاهر سيريالية ولكنها جوهريًا مرتبطة بالموقف الشعوري بشدة شرط أن يولي القارئ العمل بعض التركيز والإمعان في النظر ليستخرج الكنوز الدفينة في هذا المجهول الجميل . لهذا ، وبناء على ما ذكرت في المشاركة السابقة فإنني أحب وضع هذه المقدمات أمام عينيك أيها القارئ من أجل الإبحار في أعماق المبدع العزيز إسماعيل القبلاني ، ولقضاء وقت ماتع (وليس ممتعًا) في هذه الجزيرة التي لابد أنها جزيرة استثنائية ببساطة لأنها تحمل اسم الشاطئ المجهول وكثيرًا ما يكون المجهول أروع من الظاهر ، لطالما أننا ارتضينا بالمغامرة مبدأ ، فلننتش ِ بصحاد الكنز .. ولي عودة لاحقة بإذن الله .
نادية بوغرارة
10-12-2010, 08:28 PM
جميل ما قرأت من إضافات لهذا الموضوع .
لا شك أحتاج لعودةٍ بعين المتفحص ..
تحية لقلمك .
ربيحة الرفاعي
10-12-2010, 09:24 PM
تهت في هذه القراءة النقدية الملحقة بالنص والمتشعبة الى حد أفقدني انطباعي عنه خصوصا وانها خرجت عنه لتغوص فيسواه عطفا عليه
ومع ذلك فإن نصك يستحق قراءة نقدية متأنية وقد عهدنا هذا التميز في حرفك
دمت مبدعا
عبدالرقيب البكاري
11-12-2010, 10:36 AM
نص متميز عميق
(الشاطئ المجهول) سحرك حلال
شريفة العلوي
11-12-2010, 12:59 PM
الجزر المجهولة تكون مرفأ النجاة للقوارب الضائعة
وهنا في هذا النص الذي يشمر ساعديه للتوغل في الفكر الدفاق والغوص في بحار الأدب الخلاق لم تنفلت به فراغات السطور عن التمسك بمبدأ الحرص على اعطائنا هنا نصا أدبيا ناضجا نتناوله على مائدة الدهشة كغذاءٍ غير قابل للاستهلاك
وفقك الله الى المزيد من اغتراف الضوء على معايير مختلفة وهو رهن مدادك على الامتداد ..تقديري.
إسماعيل القبلاني
11-12-2010, 01:01 PM
ولنبدأ على بركة الله ..
العمل الأدبي هو صفقة بين أطراف عدة ، الكاتب ،المتلقي ،الموضوع ، وربما يكون التاريخ أو الزمن عنصرًا آخر ،والقائم بالإبداع عندما يكتب عمله ، فإن عليه أن يدرك أن طبيعة مفردات العمل لابد أن تتوافق مع طبيعة الموقف ،فعند الحديث عن حالة الحب الهادئ الهامس ،كالذي أمتعنا به مصطفى الطيار تكون المصطلحات هادئة شفيفة حتى في الجانب الرمزي منها ، وحين تكون ناقمة فلابد أن تكون عنيفة التعبيرات والدلالات كما كان في رقصات على دموع الخيانة ، وعندما تكون الحالة نفسها لا منطقية ،فإن الحديث عنها يقتضي وبشكل كبير التعبير عن هذه الحالة الجنونية بنفس المصطلحات ولكن بجنون رشيد !
هذا الجنون أقصد به تكسير العلاقات القائمة بين المنطق والمدلول ، ولكنه ليس كسرًا مرضيًا اعتباطيًا كما يشوع في قصائد أدونيس ومحمد عفيفي مطر رحمه الله ، وإنما هو اجتماع الفكرة والنبوءة ،الفكرة من حيث هي رؤية واضحة يحاول المبدع تبنيها والبرهنة عليها والنبوءة من حيث هي مغامرة لا يعلم نتائجها إلا عالم الغيب والشهادة .
ومن هنا فإن هذا العمل ينطوي على مغامرة تبدت من العنوان نفسه وهو جزيرة مجهولة منك .
مفهوم يسميه اللغويون(وللأسف لست متخصصًا في مجال علم اللغة )سحر الكلمة وهو التأثير الذهني الذي تحدثه الكلمة في نفس المتلقي ، فعندما نقول -مثلاً-باريس يتخيل الفرد كل مكونات الأناقة والعطور والملابس ..إلخ وعندما نقول مثلاً بغداد-قبل الاحتلال-تتجلى في المخيلة صور قصور (ألف ليلة وليلة) وأسواق على طراز معين من الأصالة والتناسق والروعة ...إلخ
وهكذا.. الجزيرة كما في المصطلحات الجغرافية منطقة من اليابسة محاطة بالمياه من جميع الجهات، وهذا يعني أن الجزيرة كيان استثنائي لأنها تنتمي إلى البر بينما البحر يحيط بها ،ولأنها محاكة بالمياه فقد تكون محاطة بما فيها من نِعَم كما تكون محاصَرة بما فيها من أمواج هادرة وكائنات غامضة ..
هكذا تكون الصورة الأولية للجزيرة باعتبارها مادة استثنائية مدخلاً للنص باعتبارها مادة غير محسومة في دلالتها البهيجة أو الخطيرة ويكون هنا الخيط الأول للنص المسمى بانفتاح الدلالات واتساعها لتكون كذلك لحظة الكتابة هي كالجزيرة والحياة كالبحار ...
أما الخيط الثاني فهو المتمثل في الغموض والمجهول ، الغموض في العرف اللغوي والسيكولوجي يتسم بحالة من الخطر أو الترقب الوجِل ، وفي رأيي أن هذا غير دقيق بما يكفي ، فالغموض هو عدم وضوح وعدم الوضوح يقتضي إمكانية أن يكون الشيء غير الواضح جميلاً أومخيفًا . لكن عندما يقترن لفظ الغموض بالجزيرة ، فلابد أن تتجه بوصلة الذهن الإنساني للكثير من التصورات الأبعد من مجرد القلق والترقب الحذر ؛إذ أن الأماكن الغامضة في كثير من الأحيان تكون هي (أغطية) الكنوز والنفائس ، مما يستدعي المغامرة وإرهاق النفس من أجل هذا المكنون الذي عندما ينجلي تتضح روعة هذا الغموض (المجهول) .
هذا المجهول سبب تجاهله هو انعدام الصلة بين الناس إلا في محيط المرئيات الخارجية ، ومن هنا يكتسب النص روعة في الاستخدام للمدلول لعادي للفظة وتحويلها إلى مدلول ذي أثر نفسي - على الأقل - مشوق لدى القارئ .
وليست الجزيرة المجهولة إلا لحظة الإيماض والإضاءة التي قلما تأتي إلى الإنسان وذلك لأن المواصلة التي أدت إلى الوصول إلى هذه الجزيرة هي أسرع من الطائرات التي تطير بسرعة الضوء .
والتعبير جزيرة مجهولة منك جاء كتركيب يحمل دلالة أكثر غموضًا بسبب النكرة وغياب أل التعريف عن النص ليصبح كل ما في الجزيرة مجهولاً ، حتى يكون المخاطب الذي هو القارئ والمبدع معًا آخر صورة في المشهد ،وكأن هذه الجزيرة المجهولة قد خرجت منك أيها القارئ فصرت لا تملكها وصارت في المقدمة بينما اختفيت أنت نفسك ، هل ترى يمكن القول بأن ذلك لأن الفكرة-الجزيرة هي التي يراها القراء ولكنهم لا يرون القارئ ؟ أقصد هل لأن اهتمام القراء ينصب ّ على الفكرة لا صاحبها ،هل بسبب ذلك أتت كلمة منك في نهاية العنوان ؟ أم أن ذلك تخليدًا للمبدع الذي يكون اسمه كاسم المخرج للفيلم آخر ما يظهر في الشاشة ؟
في الواقع لا أستطيع أن أؤكد بأن هناك ما تعمده المبدع من خلال هذا التركيب ، وقد تسعفني أو لا تسعفني القراءات من أجل التدليل على ذلك ، إلا أن الواقع الذي لابد من التسليم به هو أن الـ(خلطة) بكل مكوناتها هي التي أوصلتني إلى هذا التصور ،بمعنى آخر : لو أننا قلنا منك ، أو فيك جزيرة مجهولة ،هل كان الموقف في فهم النص سيتغير ؟ من المؤكد نعم وإن كان هذا سيعطي المجهول قيمة أكثر تشويقًا لأنها في نهاية العبارة تتوازى مع المجهولات التي تكون في أبعد النقاط .
إذًا ، فلنحاول الاقتناع -ولو بالرشوة المتأتية من هذا الاستنتاج- بأنها مقصودة ، وربما هي صيد وقع في شبكة الصياد ولما يبصره!
ها هنا يكون من الجيد أخذ راحة للمعاودة مرة أخرى من أجل الوصول إلى هذه الجزيرة والفوز ولو برملة من رمالها الذهبية التي تبرق حتى في الليل الداجي !
أتركك في أمان الله ولي عودة لاحقة بإذنه تعالى .
إسماعيل القبلاني
11-12-2010, 01:04 PM
في جزيرةٍ مجهولةٍ منك .. تراودك أحلام البقاء .. وصرخات الحنين .. حيث تهودج في رأسك أفكار الرحيل .. ؟
اللاشيء .. نوبةٌ تصطدم دائماً بها .. والغريب في ذلك أن العاطفة تشتد .. فتلغي عاصفة الأفكار .. حينها يكون اللاشيء إجابة الطبيعة الخلابة على هذه الجزيرة .
السمة الملحوظة في هذه الجزئية سيطرة فكرة ما وهي التسارع في نبض الأحداث ، فالأحرف تكاد لا تكتمل بسبب سرعة توالي الأفكار على الذهن ومحاولة المبدع أن يمسكها واحدة تلو الأخرى لذلك تبقى النقاط (..) معبرة عن هذا التسارع بالشكل الذي تشعر فيه بالمتحدث يعدو عدوًا لاهثًا خلف أفكاره ولا يتم كلماته ، ولكل عبارة أمامك تقديرها ولكنها حذفت وتقديرها يستنتجه المتابع ،فعلى سبيل المثال يمكن القول في جزيرة منك نائية عن الوجود ، تراودك أحلام البقاء التي تتسربل الوجود ..وصرخات الحنين المكتومة ...
وهذا الأسلوب في الكتابة جيد ويشعر القارئ أن المبدع من خلاله يسرع في عمليات الولوج إلى البوابات المتراصة أمامه فقد دخل الجزرية بالفعل ووجد فيها أحلام البقاء ثم صرخات الأنين ثم هودجة الأفكار في الرأس ..
هنا كان تعبيرا أحلام البقاء وصرخات الأنين مع فعل المرادوة عبّرا بشكل كبير عن حالة الصراع التي تكتنف الإنسان في مثل هذه اللحظة أيمضي أم يحجم ؟ ويكون الرحيل هو القاسم المشترك الذي يعصف بكل من صرخات الحنين وأحلام البقاء ،أحلام البقاء في حالة الاسترخاء وعدم إرهاق الذهن بالكتابة وصرخات الحنين تلك الكلمة التي أشعر بها تعبر عني في كثير من الأحيان عندما يتعالى المبدع أو يحاول أن يترك الفكرة وينعم بهدوء زائف لا يتحقق .وأفكار الرحيل تأتي تعبيرًا عن هذه الحالة التي يبدأ الحسم فيها لصالح صرخات الأنين ، ليصبح البقاء حلمًا آفلاً .
اللاشيء .. نوبةٌ تصطدم دائماً بها .. والغريب في ذلك أن العاطفة تشتد .. فتلغي عاصفة الأفكار .. حينها يكون اللاشيء إجابة الطبيعة الخلابة على هذه الجزيرة .
بعد الدخول إلى الجزيرة يبدو أن مبدعنا العزيز قد آلى على نفسه أن يدخل إلى أعماق الجزيرة وليس إلى مستوى الظاهر عندما يكون اللاشيء هو النوبة التي تصصدم بها ، وفعلاً عندما يفكر المرء في كتابة فكرة ما أو خاطرة أو عمل ما فكثيرًا ما يجد نفسه في حالة تهيؤ واستعداد ثم إذا راح يكتب وبدأ القلم يطاوع العقل ، وجد اللاشيء صخرة مؤلمة ،ويظل الإعجاب الذي يكتنف الفرد بفكرته مسيطرًا عليه حتى ينسى الأفكار ، فقط هو يجد طلاسم أفكار وأشباح صور ليكون اللاشيء جابة طبيعية على هذه الجزيرة ، إنها لحظة تومض ولعلها تعبر عن الميلاد الأول للفكرة ، حتى يلتقطها القلم ثم يُعمِل فيها الإنسان ما يُعمِله من تغييرات حتى يجد المادة خامًا قابلة للتشكيل في الإطار النهائي المكتوب .
ثمة كلمة أعجبتني لكني أراها خارج نطاق البيئة التشبيهية ، وهي كلمة تهودج ،فالهودج يكون فوق الجمل والجمل لا يعيش إلا في الصحراء ، ولكن أعجبني في هذه الكلمة تعبيرها الشديد عن استحكام الحالة حتى تكون الهودجَ الذي لا يُرى من داخله ، كذلك الفكرة تأتي فلا يكاد يرى الإنسان ما حوله ولا يكاد يرى-حتى نفسه- من تواصل أعمال هذه العاصفة .
فما أجمل الفكرة حين تكون مجهولة .. وما أعظم الطبيعة حين تكون مساحة شاسعة تمتد على مسافاتها تحية المعنى .. تبشر بمولد الرفض القادم على أنفاسك المتناقضة .. فتصبح التحية للقاء .. للقاء ما جمعته مخيلتك في تسعة أشياء ..
*.. حواسك الخمس .. وحاسة المكان السكون .. وصراخ الحبر .. وقدوم النص .. وأوراقك الخلابة ..*
فيكون مولد النص .. إما غريباً أو شريداً .. ويا لها الأفكار حين تراودك فإما أن تعانقها أو تتركك لعناق غيرها .
***
هنا يُحسب للمبدع -بطبيعة الحال- أن يفصح عن جانب من جوانب العمل وهو يدخل إلى بوابة المباشرة حتى لا يرتطم بالإغراق المفضي إلى الغموض التام ، فها هو المبدع يعطيك العمل جاهزًا بيني يديك ولكنه سيغير في محتوياته حتى تكون على علم بما يقصد وإلى أين يسير ، ها هو المبدع قد أظهر الموضوع (ما أجمل أن تكون الفكرة مجهولة) والحديث بطبيعة الحال عن الفكرة وما تعمله في النفس من تغيرات تشعر معها أن دولة تقوم وأخرى تزول !
جميل للغاية هذا الوصف" فما أجمل الفكرة ...لعناق غيرها " وإن كان من الممكن أن يؤخذ على الأسطر هذه أنها لم تستكمل وصف الحالة التي بدأ الحديث عنها في البداية بمعنى أنه انتقل من حالة تكون الفكرة إلى انبلاجها مرة واحدة واستقطع مشهدًا في المنتصف وهو الفكرة لما تكون مجهولة قبل وصولها إلى الشكل النهائي الواضح لها . لكن في رأيي أن المبدع له أن يختار من تراتب الأحداث ما يعبر عن الجزء الذي يختاره .تحية المعنى هو الوجه الآخر لمجهولية الفكرة ، هذا المعنى الذي تكون النفس فيه هذه الطبيعة أو الجزيرة المتسعة ليظل المعنى فيها واقفًا في مكانه حتى تأتي إليه الفكرة لترفعه فوق رأسها . كان تعبير تحية المعنى رائعًا بكل المقاييس ،وبالأسلوب التقليدي يمكن القول بأن المعنى يظل كامنًا واقفًا في مكانه وهذه الأفكار تدور حتى تصل إليه وكأنه تحوم من حوله وتلقي إليه بالتحايا رجاء أن يستجيب لها .
إننا بإزاء حالة جميلة تتغير فيها المعالم كلية ، ليكون المعنى ذلك (الملك) الذي ينتظر تحية الوفود له ، وهذه الوفود هي الأفكار ،تحاول الوصول إليه ، من الطبيعي -لأنه- ملك أن تمتد هذه الأفكار باتساع هذه المساحة الشاسعة من أجل الوصول إليه .
ومرة أخرى تبرز فكرة الصرخات صرخات الحنين تلك التي عبر المبدع عنها بأنها تبشر بالرفض القادم ، والحنين هو في أول الأمر تمرد على البقاء ثم هو في النهاية هذا الشكل النهائي للحالة وهو الرفض القادم ، رفض للبقاء في حالة استرخاء وكسل لذيذين وله الحق في هذا الرفض لأنه -ببساطة-لقاء تُساعي الأطرف أو الأضلاع ، وجميل أن يشاغب المبدع الواقع ويجادله ويصنع له عوالم من ذاته تتمثل في حاسة السكون ذلك السكون الذي هو في واقع الأمر الأرضية التي يُبنى عليها اللقاء فهو سكون ظاهري ولكنه توتر حركي في أعلى مستويات غليانه داخل الذهن . وصراخ الحبر وقدوم النص ، إن هذه الحاسة هي التي مهدت لهذه اللبنة الأولى والتي يبني عليها المبدع بعد ذلك زوارقه لتصيد النفائس ، وإن كنت أرى أن دخول كلمة الأفكار للمرة الثانية في هذا المقطع قد أدت به إلى مباشرة زائدة كان أولى بالمبدع أن يتركها للقارئ وقد دلت القرائن عليها بشكل واضح .
ولي عودة لاحقة بإذن الله
إسماعيل القبلاني
12-12-2010, 01:08 PM
حديث النفس ليس له حدود ، يفلسف الأشياء و الأحوال و الأفكار ،و يفلسف الحلول ،
لكنه حديث ماتع ، تنكشف له الحجب فإما يضوء أو يضيء .
سعدت بالمثول بين يدي هذه القطعة النثرية .
لي شرف هذا السعد استاذتي
محبتي
إسماعيل القبلاني
12-12-2010, 01:10 PM
أحلام تكشف لها أسارير الروح
بمحادثة العقل والروح فتنجب قلما
نابضا بالحياة ومفعما بوروده.
شكرا لنبضك.
الأخت الفاضلة
لمى ناصر
شكراً لهذا المرور
محبتي
إسماعيل القبلاني
12-12-2010, 01:17 PM
جميل ما قرأت من إضافات لهذا الموضوع .
لا شك أحتاج لعودةٍ بعين المتفحص ..
تحية لقلمك .
استاذتي مجدداً
أظن أنه يجب أن أعرف بأخي المشرقي الإسلامي أو بالأحرى ما أعرف عنه
إنه ناقد مميز أسمه أحمد على حسب معرفتي الإلكترونية به
هو ناقد مصري
يقوم بنقد مواضيع تنشر عبر الإنترنت وبعضها مثل هذا الموضوع يأخذها بعين المتفحص ..
انا حقاً أتمنى أن أشكره في الواقع
فقد نقد لي موضوع قبل هذا
في مكان آخر
ولي شرف هذه الصحبة عبر المتصفحات .. إبتسامة ..
وهذا ما يجعل تقدمه من النصوص أفضل في نقده .. من معرفة أصحابها
محبتي
إسماعيل القبلاني
14-12-2010, 05:43 PM
تهت في هذه القراءة النقدية الملحقة بالنص والمتشعبة الى حد أفقدني انطباعي عنه خصوصا وانها خرجت عنه لتغوص فيسواه عطفا عليه
ومع ذلك فإن نصك يستحق قراءة نقدية متأنية وقد عهدنا هذا التميز في حرفك
دمت مبدعا
لي شرف هذه الشهادة استاذتي
أي وربي فاجئني جداً .. بأن كل هذا التأني بالنقد لموضوعي
وشكراً لمرورك
محبتي
إسماعيل القبلاني
14-12-2010, 05:49 PM
نص متميز عميق
(الشاطئ المجهول) سحرك حلال
الحبيب
عبدالرقيب
شكراً لمرورك
إسماعيل القبلاني
14-12-2010, 05:51 PM
الجزر المجهولة تكون مرفأ النجاة للقوارب الضائعة
وهنا في هذا النص الذي يشمر ساعديه للتوغل في الفكر الدفاق والغوص في بحار الأدب الخلاق لم تنفلت به فراغات السطور عن التمسك بمبدأ الحرص على اعطائنا هنا نصا أدبيا ناضجا نتناوله على مائدة الدهشة كغذاءٍ غير قابل للاستهلاك
وفقك الله الى المزيد من اغتراف الضوء على معايير مختلفة وهو رهن مدادك على الامتداد ..تقديري.
الأخت الفاضلة
شريفة العلوي
شكراً
لمرورك
دمتِ بألق
محبتي
أماني عواد
14-12-2010, 09:43 PM
لاستاذ اسماعيل القبلاني
في جزيرة مجهولة منك تتحوصل ذاتك المبدعة في انتظار شمس تضئ حروفها
فانت اذ تدعو للتجرد حين مواجهة الكتابة فكأنما تدعو لخلق الحرف وليدا جديدا ببصمة فريدة
نص رائع تكسو سماء ابداعة المبدأ والنزاهة
سلمت يداك
محمد ذيب سليمان
16-12-2010, 03:22 PM
لا زلت أقول بأنك صاحب قلم
ثري
فلا تهمله
د. سمير العمري
20-12-2010, 08:04 PM
لعلني كنت قلت لك من قبل بأنك صاحب موهبة مميزة تحتاج الرعاية والعناية لتصل إلى مدارج السموق والألق!
وأنت في هذا النص تؤكد على ما قلت وتزيد عليه فكل نص جديد لك شعرا أو نثرا يعد بالمزيد ويبشر بالمستقبل الأدبي الرغيد.
ولكني لو نظرنا للنص هنا من حيث المضمون لوجدناه ارتكز على فكرة محددة ثم حام حولها وهام في لا زمان ولا مكان وانتهج التناقض بل صرح به صهوة لبلوغ الهدف المنشود ، والحقيقة أنني ممن يخالف هذا النهج جملة وتفصيلا ذلك أنني أرى أن البيان يحمل صفته واسمه معنى واصطلاحا ، وأي كتابة لا تحمل بينا لفكرة ما ووضوحا في توصيل مضمون ما وتعتمد التهاويم في رسم الصور المتناقضة والتلاعب بالحروف واللانغراق في الغموض والإسقاكات الرمزية المبهمة هو من باب الهذر الذي لا يعيش ولا يستمر.
وربما شدني تشبيهك للكاتب بأنه كمن يشعل نارا بطرق بدائية وفيه بعض إصابة للحقيقة ولكن تذكر مثلا أن التجربة تصقل القدرة وتجعل من هذا الذي يرهقه إشعال نار صغيرة واحدة قادرا متى مارس وتعلم وطور من قدراته أن يشعل النار تلك بسهولة أكبر ودقة أشمل ووقت أقصر.
وأما لو نظرنا للنص من حيث التركيب البنائي والأسلوب الأدبي ففيه الكثير من معالم الجمال إلآ أنه عابه عدم استعمال علامات الترقيم والكتابة باسلوب الفقرة وهو مما يزين النص ويحقق المعنى ويوضح البيان. وعليه فإني أرى أن النص متى كتب بأسلوب الفقرة وتمام الجمل واستعمال علامات الترقيم فسيكون أجمل وأبهى ومتى تخلص من التهاويم واعتمد التصريح مع كنايات المعاني واستعارات الصور وبديع اللفظ فهو مما يحقق شروط النص الحي الذي لا يموت.
أشد على يديك وأراهن عليك.
دمت بخير ورضا!
وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.
تحياتي
إسماعيل القبلاني
23-12-2010, 07:20 PM
لاستاذ اسماعيل القبلاني
في جزيرة مجهولة منك تتحوصل ذاتك المبدعة في انتظار شمس تضئ حروفها
فانت اذ تدعو للتجرد حين مواجهة الكتابة فكأنما تدعو لخلق الحرف وليدا جديدا ببصمة فريدة
نص رائع تكسو سماء ابداعة المبدأ والنزاهة
سلمت يداك
الأخت الفاضلة أماني
شكراً لحضورك الدائم
إبقي بألق
محبتي
إسماعيل القبلاني
23-12-2010, 07:21 PM
لا زلت أقول بأنك صاحب قلم
ثري
فلا تهمله
خليفة الله في قلبي هنا
أشكر حضورك
محبتي
إسماعيل القبلاني
25-12-2010, 08:14 PM
لعلني كنت قلت لك من قبل بأنك صاحب موهبة مميزة تحتاج الرعاية والعناية لتصل إلى مدارج السموق والألق!
وأنت في هذا النص تؤكد على ما قلت وتزيد عليه فكل نص جديد لك شعرا أو نثرا يعد بالمزيد ويبشر بالمستقبل الأدبي الرغيد.
ولكني لو نظرنا للنص هنا من حيث المضمون لوجدناه ارتكز على فكرة محددة ثم حام حولها وهام في لا زمان ولا مكان وانتهج التناقض بل صرح به صهوة لبلوغ الهدف المنشود ، والحقيقة أنني ممن يخالف هذا النهج جملة وتفصيلا ذلك أنني أرى أن البيان يحمل صفته واسمه معنى واصطلاحا ، وأي كتابة لا تحمل بينا لفكرة ما ووضوحا في توصيل مضمون ما وتعتمد التهاويم في رسم الصور المتناقضة والتلاعب بالحروف واللانغراق في الغموض والإسقاكات الرمزية المبهمة هو من باب الهذر الذي لا يعيش ولا يستمر.
وربما شدني تشبيهك للكاتب بأنه كمن يشعل نارا بطرق بدائية وفيه بعض إصابة للحقيقة ولكن تذكر مثلا أن التجربة تصقل القدرة وتجعل من هذا الذي يرهقه إشعال نار صغيرة واحدة قادرا متى مارس وتعلم وطور من قدراته أن يشعل النار تلك بسهولة أكبر ودقة أشمل ووقت أقصر.
وأما لو نظرنا للنص من حيث التركيب البنائي والأسلوب الأدبي ففيه الكثير من معالم الجمال إلآ أنه عابه عدم استعمال علامات الترقيم والكتابة باسلوب الفقرة وهو مما يزين النص ويحقق المعنى ويوضح البيان. وعليه فإني أرى أن النص متى كتب بأسلوب الفقرة وتمام الجمل واستعمال علامات الترقيم فسيكون أجمل وأبهى ومتى تخلص من التهاويم واعتمد التصريح مع كنايات المعاني واستعارات الصور وبديع اللفظ فهو مما يحقق شروط النص الحي الذي لا يموت.
أشد على يديك وأراهن عليك.
دمت بخير ورضا!
وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.
تحياتي
الإختلاف سنة
الوالد الفاضل سمير العمري
شكراً لمرورك وملاحظتك الجميلة التي استفدت منها حقاً
محبتي
إسماعيل القبلاني
06-01-2011, 09:04 PM
شيء ضايقني بشدة وهو أنني منذ دخلت وكتبت التعليقات الماضية إذ بهذا الجهاز الكئيب وأنا أكتب الأحرف عليه لمدة تزيد عن الساعة يخونني ، ويطيّر كل ما كتبته ، الزر esc ضغطت عليه بغير قصدي فنسف كل ما كتبته لذلك أعدته مرة أخرى بعد تصفية الذهن من حالة الغيظ التي انتباتني وأجبرتني على التأخر في الرد لمدة طويلة . سامحك الله أيها الجهاز الخؤون..
فهل ستعانق منفاك أم سيتركك لغيره .. ومن يستطيع نقض الروح في مرحلة رغبة .. نشوة .. شهوة .. والنار لا تتوقف في أعماق قلبك .. وأنت تحاول جاهداً .. أن تشعل النار على شاطئ المجهول .. والمجهول لا يوجد فيه عود ثقاب .. لحظتها .. لحظتك في إشعال النار .. هي الاختراع
جميل ها هنا كم هو جميل معانقة المنفى ، إن المنفى دلالة على البُعد والاستوحاش ولكن المبدع يراه ها هنا منتجعًا يبتعد به عن مألوف الحياة ومشاكلها التي لا تنتهي ، ويبدو ها هنا المنفى وهو صفاء الذهن -حسبما أرى-كأنه إنسان تعانقه أو يتركك لغيره ، الجميل في تعبير يتركك لغيره هو هذا الإيحاء باستثنائية اللحظة بحيث يكون المنفى في لحظة لا تتكرر يراودك عن نفسه ويأتي إليك على طبق من ذهب وأنت أيها المبدع صاحب القرار الأخير الذي تتحمل مسؤليته عندما يفوتك هذا المنفى لأنه ليس منفى في الواقع وإنما هو منتزه في شكل منفى ،فهو ينفي عنك الكآبة والسآمة ومشاعر الرتابة التقليدية ، وتتسارع الإيقاعات بعد ذلك من خلال النقاط ..رغبة ..نشوة ..شهوة..وهذا التناسق بين أوزان الكلمات الثلاث الماضية يعطي الانطباع بانتظام وتيرة العدو اللاهث وتقطع الأنفاس حتى تأتي كلمة النار وهي محصلة الرغبة والنشوة والشهوة ، وبدون الوقوف على المعنى الجامد للرمز ، تأتي النار ها هنا رمزًا للتشوق اللانهائي للكتابةوالبوح بما في النفس ، ويفاجئنا المبدع بهذا التناسق بين مكونات البيئة في أدق تفاصيلها الثقاب والنار إذ تكون الثقاب هي هذه الأفكار التي تشعل وهج الإبداع والأجمل من ذلك لحظتها .. لحظتك في إشعال النار ، يميز هذا التعبير َ الرائع إذ تكون الحالة من التباين كأننا بإزاء كرة المضرب إذ تكون الكرة في ملعبك وتكرار كلمة لحظتك أتى معبرًا عن حالة من العطاء المفاجئ إذ تكون اللحظة التي هي لحظة النار قد صارت كلها في عقر دارك ، إن هذا التعبير يوضح مدى جمال التلاعب بالدلالات ،وكأن الإنسان يعيش عمره كله في لحظات غير لحظاته بينما لحظة الكتابة التي أتت على حين موعد صارت هي لحظته !
وجميل هذا التكامل في البيئة التشبيهية عندما يكون إشعال النار على شاطئ المجهول والمجهول بدون ثقاب ، إن هذه المعاني لا تترجم حرفيًا ، ولكن دلالاتها المستبطنة أوضح من أن يتعرض لها الفرد العادي فالمبدع هو الذي يصنع النار الفكرة من اللاشيء ، وفي لحظة تكون الذاكرة فيها كالشاطئ المجهول إذ به يصنع هذه النار أو الفكرة من أضغاث أفكار تتداخل فيها اليقظة بالمنام وهذا هو الاخترا ع إذ يصنع المبدع من كل شيء يبدو هامدًا حطبًا يوقد به نار الفكرة التي يتدفأ على قبسها القارئ نعم إنها لحظتك أنت أيها المبدع ، فأنت تؤلف بين مزيج المتناقضات واللاموجودات وتصنع فكرة حاضرة يسير الناس على هديها ما شاء الله لهم أن يسيروا
!
وإن كنت ستستخدم عود ثقاب حملته معك في رحلتك إلى المجهول فأنت محتال .. منتحل .. مختل عقلياً .. لا ترقى للبقاء .. حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة ..
*.. لحظة الكتابة الخاصة بك هي إشعال النار على الطريقة البدائية ..*
فهل ستقوى على العيش متحجراً تكتشف جزيرتك المجهولة .. تشق طريق الوصول إلى أرقى مراحل لها تأملات المد والجزر على شاطئ الواقع
المهم أن لا تبتعد .. وتقدم .. ولتبقى دائماً في طريقك الخاص .
ما أجمل هذه الحكم التي تأتي كنصائح من معلم خبير بالتجارب يلقي بتعاليمه إلى جيل المريدين الجالسين أمامه في يوم عز عليهم فيه الناصح ، فإذا به يأخذ بأيديهم ويلقنهم هذه الحكم لكنه ليس تلقين المدارس وإنما تلقين الواعي الذي يصنع من الحفظ فهمًا ومن الفهم إبداعًا !
وإن كنت ستستخدم عود ثقاب حملته معك في رحلتك إلى المجهول فأنت محتال .. منتحل .. مختل عقلياً .. لا ترقى للبقاء .. حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة ..
ها نحن نرى المبدع يوجه الحكمة في شكل غير تقريري ولكنه مباشر نسبيًا حتى لا تستغلق على الفرد العادي ولكنها في الوقت ذاته تنسحب على تأويلات متعدد ويطرق باب الفضيلة محذرًا القارئ من انتحال الشخصية أو سرقة الأفكار وما أعظم هذا التعبير الذي تبدو فيه قيمة الدلالة عندما تمزج بالتصور الذهني للفرد ! ما أضحك حال من استخدم عود ثقاب لرحلة مجهولة ؟! إن المبدع يعتمد على المنطق لينفد به إلى فكرة تتجاوز شكله الجامد إلى أشكال عدة ، فكما لا يُعقل أن يأتي الفرد بعود ثقاب من جزيرة إلى أخرى كذلك لا يُكتب للإنسان شهرة ما دام يعيش بثقاب غيره أي بأفكارهم التي تصبح في خضم الأفكارالمحيطة به مجرد عود ثقاب لا يغني ولايسمن من دفء.
إن الفكرة نفسها عود الثقاب مركبة ، لأنها تجمع الاستحالتين استحالة بقاء هذا العود معك من جزيرة إلى جزيرة دون انطفاء واستحالة تأثيره في الجزيرة التي وصل إليها (بافتراض أنها لم تطفأ) الفكرة التي تسرقها إما أن تضيع ويستولي عليها الآخرون أو تثبت غباء طريقة التفكير التي ينتهجها الفرد ، حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة ... وهنا جميل للغاية أن يقوم المبدع بتشويق القارئ وترك التأويلات منفتحة لكل تأويل روافده وقرائنه ، فلعل التأويل : حتى وإن كانت جزيرتك ملأى بالثقاب أو حتى وإن كانت جزيرتك المجهولة -على العكس -تبحث عن شبر من عود الثقاب ....
بفاجئنا الكاتب مرة أخرى بهذه العبارة :
*.. لحظة الكتابة الخاصة بك هي إشعال النار على الطريقة البدائية ..*
وكأنه على طريقة الأفلام الوثائقية (والأصح أن نقول الوثقية) بعد الانتهاء من إسداء بعض النصائح يسترجع صوتًا هو صوت النفس أو صوت نصائح الآخرين الذين يقولون له هذه العبارة : لحظة الكتابة الخاصة بك ....
وهنا نجد المبدع يتكئ على معنى قد أكده من قبل وكأنما خشي أن يتفلت منه الخيط الذي ظل ينسج منه النول وهو استقلال الشخصية وتبدو العبارة فلسفية مختصرة كثيفة ،فاللحظة اللتي يكتب فيه االمبدع هي لحظة لإشعال النار ولكن بطريقة تبدو بغير معنى البدائية من المنظور الحضاري وإنما ينزاح معنى البدائية إلى معان أخرى كالبكِر أو الصفاء ؛فهذه اللحظة هي إشعال للنار على الطريقة الأولى التي لم تشبها شائبة.
حقًا إن الإنسان لحظة الكتابة هو يشعل نارًا من خلال أدوات بسيطة أفكار متناثرة كالحطب ويبدأ في تغذيتها واحدة بالأخرى ويضم بعضها إلى بعض لتكوّن له هذه المزيج الذي ينتهي بها إلى الحطب .إن الإصرار على استخدام مصطلحات الحياة البدائية والبِكر في النص يعطي مؤشرًا جيدًا على قدرة المبدع على الانسلال من الزمن لمراقبة هذه الحركات والسكنات الهادئة للنفس والتي تخرج من تواليها وتتابعها هذه المادة الجميلة المسماة بالإبداع .
قبل استئنافي الحديث أحب القول بأنني أستحضر إعلانًا لقناة الجزيرة عن أخبارها :لأن الوقت لا ينتظر ، وكان الإعلان يحاول عمل موازاة بين لحظة خروج الخبز الساخن وانطلاق الأخبار من هذه القناة في إشارة إلى شدة تشويق القارئ إلى هذه الأخبار الطازجة المباشرة .. بهذه الصيغة شعرت أن ثمة تقاربًا في بعض المصطلحات في كلا العملين خاصة عندما يتسارع الإيقاع وتتوالى النقاط ... أشعر بأن صورة الإعلان الماضي تستحضرني بشكل جيد وهذا عنصر إيجابي يؤكد ما يراه بعض علماء الأدب الحديث وهو أن الاستعانة ببعض المصادر الصوتية والمرئية يُعد واحدًا من مظاهر حداثة العمل ومواكبة روح العصر .
فهل ستقوى على العيش متحجراً تكتشف جزيرتك المجهولة .. تشق طريق الوصول إلى أرقى مراحل لها تأملات المد والجزر على شاطئ الواقع
المهم أن لا تبتعد .. وتقدم .. ولتبقى دائماً في طريقك الخاص .
جميل ها هنا الشغب الذي يقوم به المبدع تجاه المعاني الثابتة ، فالتحجرحالة من الجمود كيف يمكن معها اكتشاف الجزيرة المجهولة (النفس) ؟ يخيل لي أن مبدعنا العزيز يوازي بين استحالة السير من جزيرة إلى أخرى بعود ثقاب وبين اكتشاف جزيرة مجهولة بتحجر ، لهذا تأتي كلمة متحجرًا ساخرة تستثير القارئ أو المخاطَب من أجل تغيير كيفية تفكيره واكتشافه مصادر الطاقة التي تغذي عمله الأدبي الإبداعي .
إسماعيل القبلاني
07-01-2011, 06:46 AM
***
ويعاودك اليقين في جزيرةٍ حملتك إليها أمواج الوقت .. الفراغ .. فإن لم تكن بها رائداً .. لا تحسب نفسك رائداً قد يكون هناك غيرك .. في مكانٍ ما من نفس الجزيرة .. إن مر بها قبلك أخشى أن تمر بها وتصبح مقلداً..
وربما لصاً .. ولكن إن كان يلهمك فلا بأس حتى تشق طريقك .. تلميذاً ..
قد يرى بعض القراء أن المبدع العزيز استطرد في الفكرة وعاود الإلحاح عليها دون أن يضيف عليها شيئًا ولكن في رأيي المتواضع أنه في كل مرة يزيد عما كتبه من قبل شيئًا قليلاً ليشعر القارئ بأهمية التدبر لما يأتي به من شيء جديد يضيف معانيَ ذات أهمية كبرى ، فها هو يكررتقريبًا ما قاله من قبل ولكنه يزيد شيئًا بسيطًا كمًا كبيرًا كيفًا وهو ولكن إن كان يلهمك فلا بأس حتى تشق طريقك .. تلميذًا
إن المبدع العزيز ليس ممن يستهويه السير في أفلاك الآخرين فيأمر وينهى ويعطي أحكامًا مطلقة وإنما يؤمن بأهمية التدرج في الانتقال من فكرة إلى فكرة وأهمية ألا يشعل المبدع نارًا على طريقة يظنها حداثية فتحرق يديه ! رائع أن يضع المبدع نصب عينيه أهمية التأني والتروّي والتدقيق والتمحيص ، فشتان بين المقلد تقليدًا أعمى وبين المتهور الذي يحسب نفسه آتيًا بجديد وبين المتعقل الذي يتخذ من التقليد المستبصر جسرًا يعبر به إلى الاستقلال في العمل والشخصية والهوية الأدبية أو الإبداعية لهذا خفت تسارع الإيقاع عن ذي قبل ليأتي الصوت هادئًا رصينًا يعاود حالة الطمأنينة قبل الانطلاق الجامح نحو الإبداع . ما أجمل هذاا لتعبير فإن لم تكن بها رائدًا لا تحسب نفسك رائدًا ..... إن الشخصية الإبداعية من الضروري أن تكون واعية بأن هناك غيرها ممن يسبقونها إلى نفس الفكرة لكن الشهوة العنيفة في التفرد تجعل الفرد يحسب نفسه أوحد من جاء بهذه الفكرة ، إنها عبارة تحمل في طياتها معاني عدة مثل الاطلاع على موروثات الآخرين ، والتوسع في قراءة نتاج الآخرين الذي قد يكون سابقًا لما جئت به وأنت تظن نفسك متفردًا
إنها نصيحة لا تساق في الأطر التقليدية الآمرة والناهية ولا تأتي في أطر رمزية مغلقة كثيفة ضبابية وإنما تأتي في حالة مراوحة بين الوضعين وبينهما يتربع المبدع بناءً يبني في منزله مصدات تحمي من قيظ الصيف وبرد الشتاء في وقت واحد ! وهنا يكون جميلاً أن نجد المبدع يطرح فكرة عادية للغاية وقد تكون ذات طابع علمي أخلاقي لكن طريقة طرحها أخرجتها عن هذا الإطار إلى إطار أعمق وأبعد شأوًا من ذلك بكثير واقع فلسفي أدبي يجمع بين شتى تيارات وفنون الأدب معًا .
إياك أن تتوه في مخيلتك فلن يأتي إلا الشخص الخاطئ لإنقاذك .. بعاصفة كنت تحلم بها .. ومهما تهت ستوقظك أمطار الضمير داخلك .. حينها لن يكون للحيرة مكان .. إن كانت رؤيتك أوسع .. ستكون لك رغبة أخرى بالعودة
إلى هناك
بنفس الطريقة التي توضح مدى بروز الصورة في ذهن المبدع يبدأ بالتحذير : إياك ان تتوه في مخيلتك ، ولكن العبارة المفاجئة هي لن يأتي إلا الشخصي الخاطئ لإنقاذك ، وهنا من الضروري الانتباه إلى دلالات الألفاظ فالخاطئ هو الشخص الذي يتعمد الخطأ أما المخطئ فهو من لم يتعمد الخطأ ؛ لذلك يقول الله تعالى على لسان إخوة يوسف عليه السلام في هذه السورة :"قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين"..
الجميل هو انعدام دلالة الإنقاذ ، فالشخص الخاطيء لن ينقذك بل سيغرقتك إن تهت في مخيلتك ، ومن جماليات هذا التعبير الرائع إشعاره القارئ بحالة اللاحتمال ، من خلال التعريف لكل من الشخص ـ الخاطئ ،ليكون الشخص الخاطئ هو توصيفًا للعمل الذي لا يكتب له النجاح بسبب هذا التيه في المخيلة لكن التعبير مهما تهت ستوقظك أمطار الضمير أراه كذلك منفصلاً عن العمل بشكل أو آخر ، لأنه نفي لما سبق أن ذكرته (لن يأتي إلا الشخص الخاطئ لإنقاذك) ، فمن أين لي أن أقول لفرد إياك أن تتوه ثم بعدها أقول له ومهما تهت ستوقظك أمطار الضمير ؟
إن كانت رؤيتك أوسع ..ستكون لك رغبة أخرى بالعودة إلى هناك
عبارة جميلة لعلها تذكرنا بما قاله النفري :"إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" وعل عبارة أخينا إسماعيل تكرس معنى اللذة التي كان يحلم بها المبدع وليست العاصفة
ولعل هذه العبارة تأكيد على العبارة السابقة :..
"ويعاودك اليقين في جزيرةٍ حملتك إليها أمواج الوقت"
من هنا نشعر أن اللحظة الإبداعية هي مرحلة تتوسط الرغبة والوقت وهذه رؤية جيدة ومعنى ما أقوله هو أن لحظة الكتابة ليست لحظة من سائر أوقات الإنسان ولا هي لحظة تولدها الرغبة وإنما هي نتاج التمايد بين هذين النوعين
*.. العاصفة لحظة الكتابة .. انفصام شخصية ..*
بنفس التقنية الفيلمية والتي تشبه في بعض صياغاتها العبارات التلغرافية والمذكرات الشخصية يعود المبدع إلى استخدام ذات الطريقة المكثفة الجامعة لكل ما كُتِبَ من قبل ،هنا يوضح المبدع معنى العاصفة التي ذكرها في الأسطر السابقة (عاصفة كنت تحلم بها ) لتكون هي لحظة الكتابة وقوة هذا التعبير في اختصاره للصراع الذي ينتاب النفس في الكتابة أيحجم أم يقدم وكأن كل ما كان من قبل هو نتيجة هذا الصراع الذي بسببه يكتب المبدع هذه النصائح الغالية .
فمنذ ألاف العابرين إلى الحرف .. العواصف إبداع تكتنزه الذات الفردية .. أما تكلفك في الرغبة فهي صاعقة توجهها لنفسك
كان تعبير العابرين إلى الحرف موحيًا وبشدة ، ومحدثًا أثرًا جيدًا يُشعِر القارئ بمدى عمق الصورة الذهنية التي تتخذ من الفنون التشكيلية أداة لها ،فصورة للحرف كأنه خريطة يعبر الناس عليها صورة رائعة للغاية خاصة وأن إعطاء المعنوي شكل المادي يعمق من قوةتأثير هذه التعبيرات ويجعلها منفتحة على آفاق تنأى عن الجانب المعجمي المغلق. وجميل هذا التعبير "تكلفك الرغبة صاعقة توجهها لنفسك" رغم سهولة اللفظ إذ أن النفس مجبولة على التلقائية أما تكلف الرغبة فهو صاعقة وهي من معجم الدلالات النارية ، فشتان بين نار يتدفأ الناس عليها وبين نار تحرق الأخضر واليابس والأروع أنها داخل جزيرة فيكون اشتعال النار في وسط الماء مشوهًا لجمال الطبيعة وإهانة للأخضر الذي يرتوي من الماء والماء عن عونه عاجز .
***
لحظة أخرى بعد منتصف الليل وتبدأ العواصف .. إصابة .. خوف .. تشرد .. توحد .. لحظة ينقطع فيها كل شيء تعود لتراجع من البداية .. ثم تبدأ في فقدان ذاكرتك .. بتصنع النسيان .. وحده التشويش الملقى على عاتق الإجابة .. سؤاله التفرد في الضجيج .. فمن سيهتم لأمرك إن لم تتقن الإجابة .. لسؤال النص المراود لمخيلتك !
*.. السؤال هو مغادرة الواقع عندما ينتابك خلل وتحتاج لإصلاحه خارج إطار المنطق .. والإجابة هي العودة إلى الواقع وقد فلسفت المنطق برؤيتك الخاصة ..*
التشويش الملقى على عتق الإجابة تعبير به قدر من الاستخدام المجازي المناسب للموقف إذ يكو التشويش والإجابة مشخصان كإنسان له شيء من سمات الإنسان ، ويكون الرجوع إلى حالة السرعة اللاهثة في التعبير عن الأفكار التي يحاول المبدع حاضرًا مرة أخرى وتبدو لحظات الإبداع والتعبير عنها محمومة وذلك في جملة وحدة التشويش .... وتقدير الجملة هو ما تشعر به أو شيء يناسب السياق وتبدو هذه العبارة الفلسفية الرائعة كتلخيص آخر لما في الأسطر السابقة :
*.. "السؤال هو مغادرة الواقع عندما ينتابك خلل وتحتاج لإصلاحه خارج إطار المنطق .. والإجابة هي العودة إلى الواقع وقد فلسفت المنطق برؤيتك الخاصة" ..*
هذه العلاقة التناقضية بين السؤال والإجابة تلخيص لهذا الوضع وكان فيها قدر كبير من التوفيق في التعبير عن هذه الحالة ،فالسؤال والإجابة هما رجوع إلى نقطة الأصل ليكون ما بين السؤال والإجابة هو الإبداع ،ويتربع الإبداع حينئذ بين هذين الدائمين كالليل والنهار وإن كانت تقريرية نوعًا ما بشكل قد يمل منه القارئ الذي اعتاد حرَفية الاستخدام المجازي للغة من جانب المبدع إسماعيل القبلاني .
فهل نعتب على جمال الروح وهي تحلق بنا بعيداً ؟
سؤال أتى في موقعه وكأن المبدع يطالب القارئ من التحرر من الملاحقة اللاهثة وراء الجمال ، فهو لا يأتي عندما يقع الشخص في كل المحظورات التي حذر منها المبدع كما أن هذا التعبير أعطى انطباعًا للقارئ مفاده أن الأصل إذا كان على شاكلة معينة فالفرع تابع له ولا يتجزأ شيء عن شيء في إشارة إلى وحدة الحالةالإنسانية والمفاهيم التي على الإنسان الوعي بها .فكما أن اللحظة التي هي أم الجمال لحظة نادرة فليس من المنطق أن يتوقع المرء أن يكون الجمال حالة منفصلة عنها . إن الفنون هي التي تهذب النفس أو الروح (مجازًا ) فإذا كانت الفنون والإبداع وليدة اللحظات وجمال الروح وليد الإبداع والفنون فإن جمال الروح بطبيعة الحال هو وليد اللحظات التي هي بطبيعتها نادرة لذا على المبدع أن يكون واقعيًا في نظره إلى هذه الحالة .
ما بين دفتي الأيام وأشرعة الفكر على أمواج الأحداث المتلاطمة في بحر المخيلة .. حينها تكون لحظة الكتابة لذيذة جداً لدرجة الإبحار .. الإتقان .. الترسخ .. أو تسبب أعراضًا جانبية .. أعلاها .. السقوط .. ؟
وما أجمل الإبحار حين يكون القبطان .. مجهولاً .. !***
نهاية شاعرية تعكس حالة الهدوء التي يختم بها المبدع العمل الذي أبدعه والتي استخدم فيها المجاز استخدامًا قد يبدو عاديًا لكنه يحدث تناسقًا في بيئة التشبيه ويشعِر القارئ بهذا القدر من الافتنان في استخدام اللغة ، إذ تدخل كلمة مفاجئة اسمها الأعراض الجانبية وهذا الاستخدام لأعرض جانبية متميز في انزياحه عن المعنى الأصلي وفي الاستفادة من المصطلحات الحياتية وتشكيلها في إطار العمل الأدبي ، وأخيرًا تكون المفارقة في أن يكون السقوط من الأعراض الجانبية تكون روعة التلاعب باللغة عندما تأتي المرادفات في غير حقولها الدلالية ولا معانيها العادية لتحدث دهشة مردها إلى اتساق المعاني رغم اختلاف دلالاتها المعجمية والبيئية والسقوط ها هنا هو حالة الانتكاس والركود ، ثم يكون القبطان مجهولاً هو الكاتب الذي يعجز المرء عن التنبؤ بما سيكتبه وهنا يكون الاندفاع وراء فضول النفس لما سيكون حالة مثرية للشوق ويكون المجهول مادة تنهي العمل بحالة الشوق المحموم والتوهج الدائري الذي يفضي بعضه إلى بعض حتى يكون لسان حال القارئ بعد القراءة : وما أجمل الإبداع عندما يكون سره مجهولاً !قد يؤخذ على هذه العبارة الأخيرة مأخذ وهو أن العمل الأدبي لا يقاس جماله بجمال كاتبه ومدارس النقد المعاصرة تزيح المبدع تمامًا وتنظر إلى عمله ،لكن عند التعامل مع النص بحالة غير تنظيرية فإننا ننظر إلى متعة من حيث هي واقع يمر به أي إنسان بشكل ذاتي وليس من حيث هي واقع يُرصد من منظور النقد الموضوعي ، لأن المبدع يطرح عملاً وليس أطروحة فكرية أو نقدية .وفقك الله وإلى الأمام دائمًا .
محمد البياسي
07-01-2011, 07:14 AM
ارهقتني يا اسماعيل
بهذا الخيال السابح
في عاصفة الافكار
بشراع من الايام
و ربان مثل جزيرتك
مجهول
إسماعيل القبلاني
08-01-2011, 07:07 PM
ارهقتني يا اسماعيل
بهذا الخيال السابح
في عاصفة الافكار
بشراع من الايام
و ربان مثل جزيرتك
مجهول
الحبيب محمد البياسي
أسعدني مرورك جداً
خالص محبتي
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir