المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رجل القيروان



ياسر عبدالباقي
21-05-2004, 02:40 PM
رجل القيروان
ـ لن نغادر المكان ، الا رؤوسنا مرفوعة 0
هذا الصوت أعرفه ، لا يمكن أن أنساه ، قويا رنانا 0توقفت ودخلت مكتبا كبيرا مكتظا بالموظفين 0 وقف أمامهم رجل ضخم الجثة وبيده ورقة يلوح بها إلى أعلى كلما صاح ، وكانوا يصفقون
له في حرارة 00صاح : سوف نحارب إلى آخر موظف 00ودوى التصفيق بحرارة00
وقفت أراقبه ، لم يتغير0 انه كما هو ، رجل قوي قيادي فصيح ، بارع في الإقناع حتى لو كان على خطأ ، يقنعك بطريقة عجيبة دون أن تشعر بأنه ليس على صواب ، هو المتحدث الأول والأخير 0
هاهو ألان يقف أمامي ، لم يتغير ، سوى بضع شعرات بيضاء ، قال : العين بالعين و000
ابتسمت ، راني ، عيناه حادتان ، خرجت ، كنت أعرف بأنه يراقبني ، سألت نفسي : لم الرجل أحيانا
لا يتغير ، في عقله وشكله ؟ التقيت به أول مره قبل خمسة عشرة سنه في مركز ثقافي ، كعادته يحب التجمعات ، حوله بعض الزملاء، شدني صوته وثقافته0 يتكلم عن الأدب والشعر ، لم أعرف في دلك الوقت انه شاعر ، وقفت أمامه أستمع إليه ، تكلم كثيرا ، وسيجارته لا تفارق يده أو فمه0 لكل سؤال عنده جوابه ، يستمتع في الكلام وكنا نحن نستمتع به ، اكتشفت أنه مغرور ، مغرور بكبريائه وثقافته ، ألقى علينا قصيدة طويلة قال إنها للقيروان لم اعد اذكر كلماتها لكنها تركت شيئا جميلا في نفسي ، لم أعرف كم مضى من الوقت ونحن حوله 0لكل بداية نهاية 00وفجأة سكت ، تفرق الجميع من حوله ، وذهبت ، لكن صوتا هامسا لحقني ، قائلا: يا أنت00 يا آنسة !
التفت إليه ، كان واقفا أمامي بجسده الكبير 0 قلت : كيف عرفت أنى آنسة ؟!
قال : أناملك الرقيقة لاتزينها الذهب 0
ـــ إذا 0 ماذا تريد ؟
ـــ جذبني مطهرك 00وجهك الحزين و00 برودة عينيك0
ابتسمت بسخرية ، وقلت : لا يخدعنك وجهي الحزين أو برودة عيني 0
وذهبت ، كعادته كان بحب أن يكون أول المتحدثين وأخرهم، سمعته يقول : تلك القصيدة كانت لك0
أخبرتني صديقتي أن الرجل كان يأتي يوميا إلى المركز على غير عادته ، وفي أخر مره سأل عني 0
التقيت به مرة أخرى في المركز، كان وحده جالسا يبعثر أصابعه في أوراق كتاب ، شاهدني ، تعمد أن يتجاهلني 0 عيناه تتلصصان وكأنهما تفتشان جسدي0
التفت أنا من حوله ، رفع رأسه قليلا ، يبحث عني ، أدار رأسه إلى الخلف رآني واقفة أمامه ، ارتبك قليلا ، لكنه كان ذكيا استطاع إخفاء ارتباكه0 قال لا مباليا : لم أنت واقفة خلفي 0
قلت : كنت أبحث عنك0
--- عني ؟!
ــــــ نعم0 لقد أخبروني انك تبحث عني منذ أكثر من شهر0
كان هذا الحوار القصير هو بداية تعارفنا ، تكلم كثير عن نفسه0 أخبرني أنه متزوج وغير سعيد بزواجه،
أكثر أوقاته يقضيها خارج البيت في المراكز الثقافية أو المقاهي هربا من زوجته ومشاكلها التي لا تنتهي ، وأخبرني ذات مرة أنه معجب بي ، وأن هدوئي يثيره، يتفنن في الكلام معي ومغازلتي ، كنت أنصت إليه
في اهتمام , وأحيانا أخرى بشك 0رجل يجيد الكلام وامرأة تجيد الإنصات هذا حالنا في أغلب الأحيان ، لكني كنت أعرف متى يكذب الرجل ومتى يقول الحقيقه0 يستمتع في الحديث معي ، وهذا ما لاحظته رغم انه حاول إخفاء ذلك كثيرا ، كرر مرة أخرى قصيدة القيروان ، قال لي كأنه القيروان قد خصني بقصيدته 0
مشكله بعض الرجال انهم يعتقدون أنهم بالكلمات وحدها قادرون على نصب مصيدة للنساء بأسم الحب، كتب
لي رسالة وقصيدة ، قال : قصيدة لم اكتب مثلها00ولا اظن أني قادرعلى أن أكتب مثلها 0
كان ينتظر مني جوابا ، لكن الجواب لم يأت ، ولا أظنه سوف يحصل على الجواب ، لأني كنت قد رحلت0
هاهو بعد خمس عشرة سنه لم يتغير، مازال يحب التجمعات والقيادة ، لحقني إلى الممر ، صاح :
يا سيدة 00
انتظرته ، تقدم نحوي، وراح يحدق في وجهي وقال : لم تتغيري !

قلت : بلى 00 لقد أصبحت سيدة 0
كان وجهه مرهقا تعبا0 قلت : مازلت تحب القيادة ، وتجيد الاقناع 0
ـــ آه 00لقد تقاعد المدير السابق ، وقد سمعنا أنهم سوف يحضرون لنا مديرة ، امرأة تحكمنا0
قلت : لا باس ، مار أيك لو نتكلم في مكتب المديرة0
ـــــ لماذا ؟!
ـــــ لانه مكتبي 0
ومشيت ، لم اسمع خطواته خلفي ، كنت سعيدة لاني كنت المتكلمة الأخيرة 0

د. سمير العمري
25-05-2004, 12:38 AM
لا زلت يعجبني السبك القصصي والحوار المتقن الذي لا يخلو من عنصر الدهشة والمفاجأة. بالفعل أجدك مميزاً أخي الراوي.

ولعلي أعبر عن إعجابي بأسلوب يماثل عنصر الدهشة عندك لأقول بأنني أرى من باب الحرص على هذا الإبداع أن أدلي ببعض ملاحظاتي هنا بخصوص النص:

أولاً وددت لو استخدمت علامات الترقيم فهي مهمة ومعبرة وتعطي بعداً جميلاً للنص.
ثانياً ليتك تنتبه أخي إلى بعض هنات لغوية ونحوية ترد في مشاركاتك وأعطيك هنا أمثلة لهنات وردت في أول فقرة من أقصوصتك هنا:

لن نغادر المكان ، الا رؤوسنا مرفوعة .... إلا ورؤوسنا مرفوعة أو إلا برؤوس مرفوعة.
لم اعد اذكر كلماتها .... لم أعد أتذكر فهناك فرق بين بين يذكر ويتذكر.
وكانوا يصفقون له في حرارة .... بحرارة
سوف نحارب إلى آخر موظف ... نحارب حتى "ظرفية الزمان لا المكان"
وهكذا .....


أهلاً بك مبدعاً
:os:

ياسر عبدالباقي
05-08-2004, 08:18 PM
سيدي ملاحظتك دات قيمة عندي0

عدنان أحمد البحيصي
06-08-2004, 10:22 AM
جميلة جدا أخي

إلى الأمام