محمد البياسي
21-12-2010, 01:51 PM
الصالحون فقط
قرأتُ و انا لم أبلغ بعدُ العاشرة من عمري قصة ما تزال راسخة في ذهني رسوخ الجبل في الارض .
قصة طريفة و ساذجة
ربما ظنّ البعضُ أنها تناسب اذواق الاطفال و افكارهم فقط
و لكنهم اذا امعنوا النظر وجدوها تنطبق انطباقا كاملا على واقعنا الحالي في الشعر .
و القصة هي :
في قديم الزمان و في سالف العصر و الاوان زعم محتالان ذكيان , غريبان عن المدينة انهما يستطيعان حياكة نوع من الاثواب لا يراه الا الصالحون..
الصالحون فقط !!!
استدعاهما الملك , و طلب منهما ان يحيكا له و للملكة ثوبين من هذا النوع , لا يكون الا لهما خاصة.
فطلبا منه مبالغ طائلة لقاء جهدهما و لقاء تكلفة الثوبين , حيث انهما سيصنعان الثوبين من اقمشة خاصة جدا لا تتوفر الا لهما فقط.
فاعطاهما الملك ما شاءا من الاموال , فقاما على الفور بتهريبها خارج المدينة الى مكان آمن , ثم بدآا العمل في القصر حالا .
وماذا كانا يفعلان ؟
لاشيء..
سوى انهما يحركان أيديَهما على المنوال ويدعيان انهما يمسكان خيوطا و أقمشة , و لكن في الحقيقة هما لا يمسكان شيئاً !!!
وكانا واثقين كل الثقة من نفسيهما , وكأنهما يحيكان ثوبين فعلا , ولم يكونا خائفين من الملك و لا من خاصته ..
لماذا ؟
لان لا احد في القصر ممن كان يراهما يستطيع ان يقول :اني لا ارى شيئاً , و الا اعتبر انسانا غير صالح , لان الثوبين الذين يصنعانهما لا يراهما الا الصالحون !
فكانا اذا مرّ بهما أحد كان يقول : الله ما أجمل هذين الثوبين , سيُسرُّ الملكُ و الملكة بهما كثيراً و سيجزلان لكما العطاء حقاً !!
ومرّت هذه الاكذوبة على الجميع , حتى تشوق الملك و الملكة الى رؤية ثوبيهما المزعومين , فنزلا في يوم الى حيث يعمل المحتالان في مكان ما من القصر..
فلم يريا شيئا ..
فخاف كلٌّ منهما أن يبوح بما في نفسه و يقولَ إني لا أرى شيئاً , و إلّا كان غيرَ صالح , لان الثوب لا يراه الا الصالحون !!
ما رأيك أيها الملك ؟ قال أحد المحتالين .
قال الملك : الله الله انه ثوب رائع لم يكن لملكٍ قبلي مثلُه ابداً .
ما رأيك ايتها الملكة ؟ قال الملك .
قالت : انه جد ثوبٌ رائع , سيكون أروع ما ارتدينا على الاطلاق .
فالتفت الملك الى وزرائه ممن كانوا معه و سألهم , فاثنى الجميع على الثوبين , خوفا منهم ان يقولوا بأنهم لا يروا شيئا فيكونوا غير صالحين .
و ظنّ كلُّ واحدٍ منهم أنه غير صالح إذ كيف يرى البقيةُ الثوبين و يثنون على حسن حياكتهما في حين انه هو لا يرى شيئا ..
ومرت أيامٌ و شهورٌ على هذه الحال , و عندما أعلن المحتالان انتهاءهما من حياكة الثوبين , أصرّا أن يخرجَ الملك و الملكة في زينة وموكب كبيرين لابسين الثوبين أمام الناس لكي يرى أهلُ المدينة ما لم يروا من قبل .
ووافق الملك و الملكة على مضض .
وخرجا بالثوبين المزعومين الى الناس في موكب كبير.
فصعق الناس اذ رأوا الملك و الملكة عاريين تقريبا , فسكت كلُّ واحد منهم ظنّاً منه أنه غيرُ صالح لانه لايرى الثوب الاسطوري .
حتى قطع حبلَ الصمت و الخوف صوتُ صبي صغير استحى مما رآه و قال : يالله , الملك و الملكة عاريان !!!!!
فثار الناس و ضجوا و هتفوا جميعا : نَعَمْ الملك و الملكة عاريان .
فاستحى الملكان و طفقا يستران نفسيهما بما عندهما في العربة الملكية , و علما انهما وقعا فريسة لمكيدة المحتالين و ذكائهما ,
و كذلك اهل القصر جميعا ومعظم اهل المدينة .
و طلبا المحتالين , فلم يعثرا لهما بعد ذلك على أثر .
هل فهمتم المقصود من هذه القصة و كيف انها متعلقة بواقعنا الشعري الاليم ؟
انا اقول لكم كيف .
اصبحنا في وقت لا يستطيع من يقرأ قطعة شعرية حداثية لادونيس مثلا , وهو صاحب نصيب الاسد في الشهرة حاليا , لا يستطيع احد ان يقول : لم افهم , بل سيصفق طويلا و يقول : الله ما اعظمها من قطعة فنية نادرة , و لو قال غير ذلك فسوف يتهم اما بسوء الفهم او بانعدام حسه و ذوقه الشعريين او بالرجعية او عدم مقدرته على مواكبة التقدم الثقافي الذي نعيش على فتاته مما يتركه لنا الغربيون .
نحن العرب ..
نحن العرب ..
نعيش على فتات ثقافة الغربيين و اذنابهم
استطيع ان اعرض عليكم المئات بل الآلاف من هكذا قصائد حداثية و أتحدى كلا منكم ان يكون له تفسير واضح لما يعنيه الشاعر .
بل و اكثر من ذلك ايضا , أتحدّى الشاعرَ نفسه أن يشرح القصيدة نفسها بالشرح نفسه
بعد مرور بعض الوقت عليها .
فهو لن يتذكر , لانه اصلا لا يعي ما يكتب .
وقد حدث ذلك مع احد الشعراء فعلا فسئل عن شرح لقصيدة من قصائده في احدى المجلات , و بعد عشر سنوات سُئل في لقاء تلفزيوني عن القصيدة نفسها فشرحها شرحا آخر , فأحرجه المذيع وقتها وذكره بما قاله منذ عشر سنوات فقال له على
الفور : شرح القصيدة يتغير زمانا و مكانا .
يكذب على نفسه و يكذب على الناس .
ومن الملاحظ للجميع أن الشاعر الحداثي لا يحفظ ما يكتب , فإذا طُلبَ منه إلقاء قصيدة
رأيته يبحث عنها في أوراقه , حتى اذا وجدها تلاها , و لا يكاد يرفع عينيه عن النص.
وإذا لم يجدها , فإنه لن يتذكر منها الا سطرا او سطرين , هذا اذا تذكر .
تمعنوا في هذه القطعة لادونيس التي يسميها البعض قصيدة.
و اسمها : وطني فيّ لاجئ .
يتحدث عن الوطن :
و ليكنْ وجهيَ فيئاً !
دهر من الحجر العاشق يمشي حولي أنا
العاشق الاول للنار
تحبلُ النار أياميَ نارٌ أُنثى دمٌ تحت
نهديها صليلٌ و الابط آبار دمعٍ نهرٌ تائهٌ و تلتصق
الشمس عليها كالثوب تزلق جرح فرَّعتْه
وشعشعته بباهٍ و بهار (هذا جنينك ؟) أحزاني وردٌ.
دخلت مدرسة العشب جبيني مشققٌ و دمي يخلع
سلطانَه : تناثرتُ في رواق من النار اقتسمْنا
دمَ الملوك و جعْنا
نحمل الازمنة
مازجين الحصى بالنجوم
سائقين الغيوم .
كقطيع من الاحصنة .
انتهى .
ناشدتك الله ايها القارئ الكريم : هل فهمت شيئا ؟ و هل استمتعتَ حقا ؟
انت تقرأ لادونيس و غيره ممن هم على شاكلته و هم للاسف كثيرون , انت تقرأ لهم لان لهم ضجة اعلامية كبيرة في العالم و في الوطن العربي.
لماذا؟
لانهم مارقون خارجون عن الدين و الاعراف و المألوف , تحتضنهم جهات غربية لها مصلحة كبيرة في ضرب الموروث العربي .
اقرأ هذه المعلقة للشاعر علي محمود طه , مع انه لم يكن من فحول الشعراء في عصره, و قارن بينها و بين القطعة السابقة لادونيس , و اسأل نفسك :
- أيّهما أعظم تأثيرا في النفس البشرية و أيّهما أكثر تحفيزا على القتال و النهوض بالهمم لمقارعة المحتل ؟
- أيّهما أقرب الى النفس العربية
- أيهما أعظم لغة
- أيهما افضل سبْكا
- أيهما ابسط و اروع صورا
- ايهما الصالحة و ايهما الفاسدة
- ايهما اكثر مناسبة للذوق العربي
القصيدة للعملاق علي محمود طه :
أخي، جاوز الظالمون المـدى=فحــــقَّ الجهادُ، وحقَّ الفـدى
أنتركهُمْ يغصبونَ العُـروبـةَ=مجـدَ الأبوَّةِ والـســـــؤددا؟
وليسوا بِغَيْرِ صليلِ الســيـوف=يُجيـبونَ صوتًا لنا أو صـدىِ
فجــرِّدْ حـسامَكَ من غمدِهِ=فليس لهُ، بعـدُ، أن يُغـــمـدا
أخي، أيهـــا العربيُّ الأبيُّ أرى=اليوم موعدنا لا الغـــــدا
أخي، أقبل الشرقُ في أمـةٍ=تردُّ الضلال وتُحيي الــــهُـدى
أخي، إنّ في القدسِ أختًا لنـا=أعـدَّ لها الذابحون الـــمُـدى
صبرنا على غدْرِهم قادرينـا=و كنا لَهُمْ قــدرًا مُــرصـدًا
طلعْنا عليهم طلوع المنـونِ=فطاروا هبــاءً، وصاروا سُدى
أخي، قُمْ إليها نشقُّ الغــمـار َ=دمًا قانيًا و لـظى مرعـدا
أخي، ظمئتْ للقتال السيـــوفُ=فأوردْ شَباها الدم المُصعـدا
أخي، إن جرى في ثراها دمي=وشبَّ الضرام بهـا مــوقـدا
فـفـتـِّـشْ على مهجةٍ حُرَّة =أبَتْ أن يَمُرَّ عليها الـــعِــــدا
وَخُــذْ راية الحق من قبضةٍ=جلاها الوَغَى، و نماها الــنَّدى
وقبِّل شهـيدًا على أرضها=دعا باسمها الله و استــشهــدا
فلسطينُ يفدي حِماكِ الشبابُ=وجلّ الفــدائــي و المُـفتدى
فلسطين تحميكِ منا الصـدورُ=فـإمًا الحياة و إمــا الـرَّدى
ما اروعها و ما احلاها وما اعظمها من قصيدة
هكذا الشعر و هكذا الشعراء
عودوا الى ذواتكم ايها العرب , و اعلموا انكم اشرف الامم و اسماها على الاطلاق
و اعلموا انما ورثتموه يجعل الحاقدين يكادون يموتون من الغيظ .
وتفكروا و تدبروا , و لا يفتننكم بهرج الغرب و زيفه ..
انما عندكم ذهبٌ , خفَّ بريقه لأنه اُهمل فغطّاه بعضُ الغبار
و انما عند غيركم نحاسٌ له بعضُ بريقٍ زائفٍ و بهرج
و ما كان النحاس كالذهب في يوم .
محمد البياسي
قرأتُ و انا لم أبلغ بعدُ العاشرة من عمري قصة ما تزال راسخة في ذهني رسوخ الجبل في الارض .
قصة طريفة و ساذجة
ربما ظنّ البعضُ أنها تناسب اذواق الاطفال و افكارهم فقط
و لكنهم اذا امعنوا النظر وجدوها تنطبق انطباقا كاملا على واقعنا الحالي في الشعر .
و القصة هي :
في قديم الزمان و في سالف العصر و الاوان زعم محتالان ذكيان , غريبان عن المدينة انهما يستطيعان حياكة نوع من الاثواب لا يراه الا الصالحون..
الصالحون فقط !!!
استدعاهما الملك , و طلب منهما ان يحيكا له و للملكة ثوبين من هذا النوع , لا يكون الا لهما خاصة.
فطلبا منه مبالغ طائلة لقاء جهدهما و لقاء تكلفة الثوبين , حيث انهما سيصنعان الثوبين من اقمشة خاصة جدا لا تتوفر الا لهما فقط.
فاعطاهما الملك ما شاءا من الاموال , فقاما على الفور بتهريبها خارج المدينة الى مكان آمن , ثم بدآا العمل في القصر حالا .
وماذا كانا يفعلان ؟
لاشيء..
سوى انهما يحركان أيديَهما على المنوال ويدعيان انهما يمسكان خيوطا و أقمشة , و لكن في الحقيقة هما لا يمسكان شيئاً !!!
وكانا واثقين كل الثقة من نفسيهما , وكأنهما يحيكان ثوبين فعلا , ولم يكونا خائفين من الملك و لا من خاصته ..
لماذا ؟
لان لا احد في القصر ممن كان يراهما يستطيع ان يقول :اني لا ارى شيئاً , و الا اعتبر انسانا غير صالح , لان الثوبين الذين يصنعانهما لا يراهما الا الصالحون !
فكانا اذا مرّ بهما أحد كان يقول : الله ما أجمل هذين الثوبين , سيُسرُّ الملكُ و الملكة بهما كثيراً و سيجزلان لكما العطاء حقاً !!
ومرّت هذه الاكذوبة على الجميع , حتى تشوق الملك و الملكة الى رؤية ثوبيهما المزعومين , فنزلا في يوم الى حيث يعمل المحتالان في مكان ما من القصر..
فلم يريا شيئا ..
فخاف كلٌّ منهما أن يبوح بما في نفسه و يقولَ إني لا أرى شيئاً , و إلّا كان غيرَ صالح , لان الثوب لا يراه الا الصالحون !!
ما رأيك أيها الملك ؟ قال أحد المحتالين .
قال الملك : الله الله انه ثوب رائع لم يكن لملكٍ قبلي مثلُه ابداً .
ما رأيك ايتها الملكة ؟ قال الملك .
قالت : انه جد ثوبٌ رائع , سيكون أروع ما ارتدينا على الاطلاق .
فالتفت الملك الى وزرائه ممن كانوا معه و سألهم , فاثنى الجميع على الثوبين , خوفا منهم ان يقولوا بأنهم لا يروا شيئا فيكونوا غير صالحين .
و ظنّ كلُّ واحدٍ منهم أنه غير صالح إذ كيف يرى البقيةُ الثوبين و يثنون على حسن حياكتهما في حين انه هو لا يرى شيئا ..
ومرت أيامٌ و شهورٌ على هذه الحال , و عندما أعلن المحتالان انتهاءهما من حياكة الثوبين , أصرّا أن يخرجَ الملك و الملكة في زينة وموكب كبيرين لابسين الثوبين أمام الناس لكي يرى أهلُ المدينة ما لم يروا من قبل .
ووافق الملك و الملكة على مضض .
وخرجا بالثوبين المزعومين الى الناس في موكب كبير.
فصعق الناس اذ رأوا الملك و الملكة عاريين تقريبا , فسكت كلُّ واحد منهم ظنّاً منه أنه غيرُ صالح لانه لايرى الثوب الاسطوري .
حتى قطع حبلَ الصمت و الخوف صوتُ صبي صغير استحى مما رآه و قال : يالله , الملك و الملكة عاريان !!!!!
فثار الناس و ضجوا و هتفوا جميعا : نَعَمْ الملك و الملكة عاريان .
فاستحى الملكان و طفقا يستران نفسيهما بما عندهما في العربة الملكية , و علما انهما وقعا فريسة لمكيدة المحتالين و ذكائهما ,
و كذلك اهل القصر جميعا ومعظم اهل المدينة .
و طلبا المحتالين , فلم يعثرا لهما بعد ذلك على أثر .
هل فهمتم المقصود من هذه القصة و كيف انها متعلقة بواقعنا الشعري الاليم ؟
انا اقول لكم كيف .
اصبحنا في وقت لا يستطيع من يقرأ قطعة شعرية حداثية لادونيس مثلا , وهو صاحب نصيب الاسد في الشهرة حاليا , لا يستطيع احد ان يقول : لم افهم , بل سيصفق طويلا و يقول : الله ما اعظمها من قطعة فنية نادرة , و لو قال غير ذلك فسوف يتهم اما بسوء الفهم او بانعدام حسه و ذوقه الشعريين او بالرجعية او عدم مقدرته على مواكبة التقدم الثقافي الذي نعيش على فتاته مما يتركه لنا الغربيون .
نحن العرب ..
نحن العرب ..
نعيش على فتات ثقافة الغربيين و اذنابهم
استطيع ان اعرض عليكم المئات بل الآلاف من هكذا قصائد حداثية و أتحدى كلا منكم ان يكون له تفسير واضح لما يعنيه الشاعر .
بل و اكثر من ذلك ايضا , أتحدّى الشاعرَ نفسه أن يشرح القصيدة نفسها بالشرح نفسه
بعد مرور بعض الوقت عليها .
فهو لن يتذكر , لانه اصلا لا يعي ما يكتب .
وقد حدث ذلك مع احد الشعراء فعلا فسئل عن شرح لقصيدة من قصائده في احدى المجلات , و بعد عشر سنوات سُئل في لقاء تلفزيوني عن القصيدة نفسها فشرحها شرحا آخر , فأحرجه المذيع وقتها وذكره بما قاله منذ عشر سنوات فقال له على
الفور : شرح القصيدة يتغير زمانا و مكانا .
يكذب على نفسه و يكذب على الناس .
ومن الملاحظ للجميع أن الشاعر الحداثي لا يحفظ ما يكتب , فإذا طُلبَ منه إلقاء قصيدة
رأيته يبحث عنها في أوراقه , حتى اذا وجدها تلاها , و لا يكاد يرفع عينيه عن النص.
وإذا لم يجدها , فإنه لن يتذكر منها الا سطرا او سطرين , هذا اذا تذكر .
تمعنوا في هذه القطعة لادونيس التي يسميها البعض قصيدة.
و اسمها : وطني فيّ لاجئ .
يتحدث عن الوطن :
و ليكنْ وجهيَ فيئاً !
دهر من الحجر العاشق يمشي حولي أنا
العاشق الاول للنار
تحبلُ النار أياميَ نارٌ أُنثى دمٌ تحت
نهديها صليلٌ و الابط آبار دمعٍ نهرٌ تائهٌ و تلتصق
الشمس عليها كالثوب تزلق جرح فرَّعتْه
وشعشعته بباهٍ و بهار (هذا جنينك ؟) أحزاني وردٌ.
دخلت مدرسة العشب جبيني مشققٌ و دمي يخلع
سلطانَه : تناثرتُ في رواق من النار اقتسمْنا
دمَ الملوك و جعْنا
نحمل الازمنة
مازجين الحصى بالنجوم
سائقين الغيوم .
كقطيع من الاحصنة .
انتهى .
ناشدتك الله ايها القارئ الكريم : هل فهمت شيئا ؟ و هل استمتعتَ حقا ؟
انت تقرأ لادونيس و غيره ممن هم على شاكلته و هم للاسف كثيرون , انت تقرأ لهم لان لهم ضجة اعلامية كبيرة في العالم و في الوطن العربي.
لماذا؟
لانهم مارقون خارجون عن الدين و الاعراف و المألوف , تحتضنهم جهات غربية لها مصلحة كبيرة في ضرب الموروث العربي .
اقرأ هذه المعلقة للشاعر علي محمود طه , مع انه لم يكن من فحول الشعراء في عصره, و قارن بينها و بين القطعة السابقة لادونيس , و اسأل نفسك :
- أيّهما أعظم تأثيرا في النفس البشرية و أيّهما أكثر تحفيزا على القتال و النهوض بالهمم لمقارعة المحتل ؟
- أيّهما أقرب الى النفس العربية
- أيهما أعظم لغة
- أيهما افضل سبْكا
- أيهما ابسط و اروع صورا
- ايهما الصالحة و ايهما الفاسدة
- ايهما اكثر مناسبة للذوق العربي
القصيدة للعملاق علي محمود طه :
أخي، جاوز الظالمون المـدى=فحــــقَّ الجهادُ، وحقَّ الفـدى
أنتركهُمْ يغصبونَ العُـروبـةَ=مجـدَ الأبوَّةِ والـســـــؤددا؟
وليسوا بِغَيْرِ صليلِ الســيـوف=يُجيـبونَ صوتًا لنا أو صـدىِ
فجــرِّدْ حـسامَكَ من غمدِهِ=فليس لهُ، بعـدُ، أن يُغـــمـدا
أخي، أيهـــا العربيُّ الأبيُّ أرى=اليوم موعدنا لا الغـــــدا
أخي، أقبل الشرقُ في أمـةٍ=تردُّ الضلال وتُحيي الــــهُـدى
أخي، إنّ في القدسِ أختًا لنـا=أعـدَّ لها الذابحون الـــمُـدى
صبرنا على غدْرِهم قادرينـا=و كنا لَهُمْ قــدرًا مُــرصـدًا
طلعْنا عليهم طلوع المنـونِ=فطاروا هبــاءً، وصاروا سُدى
أخي، قُمْ إليها نشقُّ الغــمـار َ=دمًا قانيًا و لـظى مرعـدا
أخي، ظمئتْ للقتال السيـــوفُ=فأوردْ شَباها الدم المُصعـدا
أخي، إن جرى في ثراها دمي=وشبَّ الضرام بهـا مــوقـدا
فـفـتـِّـشْ على مهجةٍ حُرَّة =أبَتْ أن يَمُرَّ عليها الـــعِــــدا
وَخُــذْ راية الحق من قبضةٍ=جلاها الوَغَى، و نماها الــنَّدى
وقبِّل شهـيدًا على أرضها=دعا باسمها الله و استــشهــدا
فلسطينُ يفدي حِماكِ الشبابُ=وجلّ الفــدائــي و المُـفتدى
فلسطين تحميكِ منا الصـدورُ=فـإمًا الحياة و إمــا الـرَّدى
ما اروعها و ما احلاها وما اعظمها من قصيدة
هكذا الشعر و هكذا الشعراء
عودوا الى ذواتكم ايها العرب , و اعلموا انكم اشرف الامم و اسماها على الاطلاق
و اعلموا انما ورثتموه يجعل الحاقدين يكادون يموتون من الغيظ .
وتفكروا و تدبروا , و لا يفتننكم بهرج الغرب و زيفه ..
انما عندكم ذهبٌ , خفَّ بريقه لأنه اُهمل فغطّاه بعضُ الغبار
و انما عند غيركم نحاسٌ له بعضُ بريقٍ زائفٍ و بهرج
و ما كان النحاس كالذهب في يوم .
محمد البياسي