المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوه في ثنايا الزحام ..رواية .



عبدالغني خلف الله
03-01-2011, 07:25 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وجوه في ثنايا الزحام ( رواية)
عبد الغني خلف الله
الحلقة الأولي
أيها الحضور الكريم .. حان الآن وقت إعلان الفائز بجائزة الموظف المثالي لهذا العام وتذهب إلي ..إلي ..الموظفة السره عبد القيوم محمد نور رئيس قسم المراجعة الداخلية بالبنك أو بالأحري (السريره) عبد القيوم كما يحلو لزملائها بالبنك و المتعاملين معه علي مناداتها .. فليتكرم السيد رئيس مجلس الإدارة بتسليمها الجائزة وهي عبارة عن شهادة تقديرية وعربة جديدة .. تصفيق حاد وزغرودة يتيمة انبعثت من بين المناضد الأنيقة ..نهضت بخطوة رشيقة ومرحة توزع الابتسامات والتعليقات يمنة ويسرة لاستلام جائزتها بعد أن احتضنت والدتها ومن ثمّ انحنت لتقّبل يد والدها عبد القيوم أفندي باشكاتب المديرية العتيق والذي أحيل للتقاعد القسري هذا العام ويعمل سكرتيراً لمجلس الإدارة بحكم تجربته العريضة في الوظيفة والحياة ..بيد أنها لم تتعلم قيادة السيارات بعد لكنها تذكرت والدها ومعرفته الفائقة بجميع انماط العربات الحكومية وهو يتنقل من بلد إلي بلد .. لا شك أنه سيعلمها قيادة السيارات ولن تعدم سائقاً يقوم بتوصيل العربة للمنزل.. شخص واحد تمني لوأن والدها لم يحضر ليقوم هو بتوصيلها بالعربة الجديدة ألا وهو نادر حماد الموظف الجديد الذي انضم حديثاً للعمل بالفرع وهو في واقع الأمر إبن الساعي حماد أقدم العاملين بالبنك علي الإطلاق ..ولكن لماذا هذا الإسم الغريب الذي تستمتع بسماعه ويستمتع بمناداتها به أيضاً زملاؤها بالبنك ؟!!
تعود القصة إلي جدتها (السرة بت عتمان ) والدتها لأمها والتي أصبحت فيما بعد ( السريره بت عتمان ).. واستمر الجميع بالقرية ينادونها بهذا الاسم إلي أنجبت ابنتها ( مواهب) أولي بناتها فأصّرت علي أن تحمل اسم الجدة .. وبدورها فقدت الجدة اسمها لتصبح ( حبوبه ) فقط.. فانداح الاسم للحفيدة الابنة (السرة ) . كانت الحفيدة الغالية قد لفتت الأنظارإلي جمالها وذكائها منذ أن كانت طفلة صغيرة تتعلم المشي بعجلة صغيرة من الخشب صنعها لها خصيصاً عبدو النجار صديق والدها الحميم وجارهم بالبيت الكبير وزميله في لعب ( الكوتشينة ) حين يلتئم شمل الجميع عمال ومزارعين وموظفين عصراً في فناء منزل التهامي خال السريرة المفضل ورئيس نادي كرة القدم الوحيد في القرية والذي كان فيما مضي موظفاً مرموقاً بالحكومة بالخرطوم لكنه آثر العودة والاستقرار بالقرية وفتح له مغلقاً لبيع مواد البناء وعايش القرية وهي تنمو وتكبر رويداً رويداً لا سيما بعد أن انفتح أبناؤها علي العالم الخارجي وسافروا لأوروبا ودول الخليج .. فشمخت العديد من البنايات وتغيرت حياة الناس نحو الأفضل ...

محمد ذيب سليمان
03-01-2011, 10:22 PM
أيها الحبيب
ها أنا معك من اول السطر أتمنى لك التوفيق ولي
بقية المشوار
شكرا لك

عبدالغني خلف الله
04-01-2011, 04:09 PM
ما أروع رفقتك ..وخير رفيق في الطريق صديق .. سلمتم لنا من كل سوء .

عبدالغني خلف الله
04-01-2011, 04:10 PM
الحلقة الثانية
كان نادر يكن إعجاباً صامتاً ل(لسريره ) منذ أن التحق بكلية الإقتصاد ..ذات الكلية التي تخرجت منها بيد أنه كان في السنة الأولي بينما كانت هي في السنة النهائية .. يرنو إليها من علي البعد مثل نجمة مزروعة في السماء من المحال الوصول إليها ..ولم يظفر منها باي اهتمام طيلة ذلك العام سوي تحية الصباح عندما يدلفان إلي الحرم الجامعي صباحاَ.. وكان ذلك يحدث مرة واحدة في كل شهر تقريباً وبمحض الصدفة فتمنحه تلك اللحظات النادرة إحساساً بالراحة والسعادة يلازمه أياماً وليالٍ بحالها ..ولولا أن والده ووالدها زميلان بنفس المصرف ما كان ليجرؤ أن ينظر حتي في عينيها .. كانت باهرة ورائعة وقد أحبها الجميع وأنت لن تجدها لوحدها وإن حاولت فهي دائماً محاطة بالزملاء والزميلات وأحياناً اساتذة الكلية ولم تعد سراً قصة ذاك الأستاذ الجامعي السوداني القادم من شرق أوروبا و الذي فقد عقله بسببها لمجرد أنها اعتذرت عن قبوله زوجاً لها .. فصار يهيم علي وجهه في الطرقات وياتي بحركات أقرب للجنون بل هي الجنون بعينه ..كأن يعتلي مثلاً صينية الحركة وفي فمه صافرة ينظم بها حركة السير فما كان من ذويه إلا أن أخذوه إلي خارج السودان للعلاج بإحدي مشافي لندن .. إييه يا السريره ..ما هي إلا بضعة أسابيع وتغادرين الجامعة ربما وإلي الأبد وأنا .. من أنا ايا تري ؟ أنا لا شيء .. لست سوي طالب مهمل لا يهتم به أحد .. كيف صبرت علي فراقك كل تلك السنوات .. لقد كنت أفكر بك دائما وكانت صورتك تتشكل علي الدوام في ثنايا كل وجه صبوح أصادفه في الطرقات وداخل أروقة الجامعة .. لكن الأيام تأخذ دورتها .. تخرجت أنا أيضاً وتوظفت بنفس المصرف الذي تعملين به .. لكنك الآن رئيستي في العمل وما زلت في نظرك ذاك الطالب المسكين إبن الساعي .. ثم نادر .. من فضلك لحظه .. هل تتقن قيادة السيارت ؟ .. بلي استاذتي ولدي رخصة سارية المفعول .. إذن لقد حُلت المشكلة يا أبي ..نادر سيوصلني للمنزل ..أراك لاحقاً ..هيا نادر لقد تأخر الوقت .

سامي عبد الكريم
04-01-2011, 06:28 PM
لن أتأخر في متابعة الحلقات

شكرا لابداعك أيها الروائي العظيم

جزاك الله خيرا

عبدالغني خلف الله
05-01-2011, 08:01 AM
شكراً علي وجودك هنا إبني العزيز سامي ..هو جهد المقل ونسأل الله التوفيق لنا ولكم .

عبدالغني خلف الله
05-01-2011, 08:03 AM
الحلقة الثالثة
ولج نادر إلي مبني المصرف بمعنويات عالية وكأنه ضمن ( السريرة ) حبيبة لأيامه الباهتة وأوقاته الميتة التي كان يعيشها طوال فترة التحاقه بالعمل هنا.. لكن شخصاً ما يهابه ويعجب به ويتمناه استقبله بصمت وتجهم ورد تحيته الصباحية المعتادة بفتور وتجاهل حتي أنها لم ترفع راسها عن الأوراق التي أمامها ..لماذا يا هديل هذ الاستقبال المستفز وقد كنت تنهضين كل يوم بل وتبتسمين في وجهي وتهرعين إلي البوفيه وتأمرين لي بكوب من القهوة ..بالله عليك يا أحب الناس لي في هذه الدنيا لا تسيء فهمي بهذه الصورة الظالمة .. شايفاك اشتغلت سواق خاص لسيدة العفاف والصون آنسه ( السريرة ) ..لا يا ( هديل ) الموضوع ليس كما تتصورين .. تزاملنا في الجامعة وبنفس الكلية .. وكانت بحاجة لمن يقوم بتوصيل العربة الجديدة التي تسلمتها من والدك السيد رئيس مجلس الإدارة شخصياً ..وهي لم تولد وفي يدها مفتاح عربة مثلك ..( السريره ) إنسانه طيبه يا هديل ..فلماذا تغارين منها ؟ ..أغار ..أنا أغار يا نادر ؟ ..إذن لماذا تعاملينني بهذه القسوة لمجرد أنني أوصلتها بعربتها ..آآخ منكم يا أولاد العاملين بهذا المصرف ..تنظرون إلي وكأنني من الأسرة المالكة .. كون أبي ثري ويملك خمسين في المائة من أرصدة البنك ويتشارك مع مؤسسة الفكي هاشم للإستيراد والتصدير .. في أصول البنك .. ربنا يشفيهو .. سمعت أنو في أمريكا وفي حالة حرجه ..نعم .. نعم .. بصراحه يا نادر لقد سئمت هذه الحواجز التي تضعونها بيني وبينكم ..الجميع لا يعاملني كزميلة في قسم الودائع .. صحيح أنني تخرجت من ( كيمبردج )..واسكن مع أسرتي في حي راقي وفيلا فخمة وعدد كبير من العمال يسهرعلي راحتي .. شغاله من الفلبين لترتيب غرفتي وعمل (الميك أب) الخاص بي والاعتناء بمظهري وأكثر من طباخ أفرنجي ..كل هذه الأبهة وهذا المجد لا يهمني يا نادر ..أريد أن آكل طعاماً تصنعه أمي وأريدها أن تمشط لي شعري وتدللني كما كانت تفعل في الماضي عندما كنا ضمن الطبقة الوسطي ..الكل ينافقني ويتملقني ويمنحي مشاعر مفتعلة بما فيهم أنت يا نادر..أنا يا هديل أنا متملق ؟! ..هل هذا هو رايك فيني ؟ ..أنا الذي أضعك هنا في حنايا ضلوعي .. معقول البحصل ده ؟ معقول .. بعد إذنك طالع بره اشم هواء نقي وأرجع ..نادر ..نااادر ..أرجوك ..
* * *
انشغلت السريره بدروس تعلم قيادة السيارات وفات عليها أن اليوم هو يوم إجتماع مجلس الإدارة الذي يعقد كل ثلاثة أشهر فقد استوقفتها سيدة وقورة ومعها طفلتها فاعتقدت أنهما يرجوانها أخذهم معها في طريقها للمصرف بينما كانت تستدير من الشارع الجانبي الموصل لمنزلهم لتمتطي الشارع الرئيسي .. ركبت تلك السيدة بالمقعد الأمامي وركبت طفلتها بالمقعد الخلفي .. مرحبا..أي الطرق أقرب للجهة التي ترغبون بها ؟! وأنت يا شاطره اسمك منو ؟ ..( جيهان ) ..اسم جميل .. معناه شنو ؟ .. معناه ضوء القمر وإنتي اسمك شنو ؟ السريره ..إسمي السريره ..السروره يعني شنو ؟ ..السريره بكسر السين .. السين ؟ .. السين منو الكسرا ؟ ..ليه إنتي ما دخلت المدرسه ..ما بتعرفي حروف الجر والنصب في أي صف إنتي ..؟ أنا ..أنا ..في الحقيقة يا استاذه نحن ناس تعبانين ولدينا مشكله ونطلب الماعده .. قالت الأم مقاطعة .. خير إن شاء الله ..شب حريق في منزلنا وقضي علي كل ما نملك وزوجي مريض .. من فضلك ساعدينا ..علي الرحب والسعه .. أمشي معاكم بيتكم وأرفع تقرير عن الضرر الذي لحق بكم وأرفعه لقسم الدعم الاجتماعي بالمصرف الذي أعمل به ..لآ لآ ..لا تذهبي .. فقط أعطينا مما أعطاك الله ..قالت ذلك وأسبلت ثوبها فوق وجهها وانخرطت في البكاء ..ما تصدقيها يا السريره ..أمي كذابه ..الطفلة ذات الثمانية أعوام تتدخل ..نحنا ساكنين في عماره ببنوا فيها ..وأبوي الخفير بتاع العماره ..وأنا ما دخلت المدرسه ..أمي سايقاني طواالي تشحد بي ..وكل يوم جمعه نقيف في باب الحوش بتاع المسجد نشحد ..أقيف كتييير لامن رجلي يوجعوني ..خلاص ياخي أنا تعبت ..عليكي الله خلي أمي تبطل الشحده وتدخلني مدرسه وأبوي كمان بعرف نجاره .. نجار يعني ..يا بت بطلي هلوسه .. الأم تحاول دون جدوي منع ابنتها من الاستمرار في الحديث ..صحيح كلام بتك يا .. يا منو ؟ ..عشوشه ..الطفلة تجيب نيابة عن أمها .. امي اسمها عشوشه وأبوي اسمو جباره وأختي اسمها مياده ..خلاص ..خلاص ..كفي يا بت ..الأم وقد نفد صبرها ..اسمعي يا خاله خدي المبلغ ده وده الكرت بتاعي فيهو عنوان المصرف تعالي إنتي وزوجك عشان نديك تمويل صغير يساعد زوجك يعمل ليهو ورشة نجاره .. الكذب حرام والتسول كمهنه برضو حرام ..أنا آسفه يا بتي ..والله الظروف العايشنها تحنن الكافر .. كتر خيرك وبارك الله فيك وربنا يعدل خطوتك ويحفظك من أولاد الحرام وبنات الحرام .. أنزلتهما من العربة والأم تنظر لابنتها نظرة شذرة وتقول لها ..أصبري لي عاد .

محمد ذيب سليمان
05-01-2011, 08:42 AM
..كل هذه الأبهة وهذا المجد لا يهمني يا نادر ..أريد أن آكل طعاماً تصنعه أمي وأريدها أن تمشط لي شعري وتدللني كما كانت تفعل في الماضي عندما كنا ضمن الطبقة الوسطي ..الكل ينافقني ويتملقني ويمنحي مشاعر مفتعلة بما فيهم أنت يا نادر..أنا يا هديل أنا متملق ؟! ..هل هذا هو رايك فيني ؟ ..أنا الذي أضعك هنا في حنايا ضلوعي .. معقول البحصل ده ؟ معقول .. بعد إذنك طالع بره اشم هواء نقي وأرجع ..نادر ..نااادر ..أرجوك ..

ما يهيج ألوجع النفس أكثر من لباس ثوب أكبر من المقاس
وما أجمل الحياة على طبيعتها , كل الأغنياء يتمنون الحياة الدافئة وو كانت مع الفقر..!!

مقطعا أخذني بعييييييييييدا
وأهاج في نفسي ذكريات كلما هبت علي أخذت من عيني حفنة دموع

معك أيها الصديق الحبيب

أكمل لعلك تضعني في موقف آخر ....... يذهلني
شكرا لك

مصطفى السنجاري
05-01-2011, 05:11 PM
وأنا سأكون مع ركب المتابعين
رواية شيقة وأحداث جديرة بالمتابعة
أنصح الجميع بالالتحاق
شكرا أديبنا الكبير الغالي
واسمح لنا بمتابعة خطواتك الواثقة
تحية وتقدير

عبدالغني خلف الله
06-01-2011, 06:23 AM
لا غرو أن تنفعل بكل موقف إنساني يا استاذي الغالي محمد .. فعندما تتكامل التجربة الحياتية العريضة مع النضج العام والحس الإنساني المرهف .. تكون النتيجة ميلاد كاتب وشاعر ومفكر مثلكم .. دمت بألق .

عبدالغني خلف الله
06-01-2011, 06:27 AM
لك كل الود والإعزاز استاذي مصطفي السنجاري ..وجودك هنا وأنت .. من أنت ؟ شاعر كبير وناقد متخصص يشعرني بثقل المهمة الملقاة علي عاتقي وأنا أجلس كل ليلة لأكتب في زمن باتت فيه كتابة رسالة قصيرة لشخص نحبه مشكلة كبيرة .. مرة أخري أشكرك من كل قلبي .

عبدالغني خلف الله
06-01-2011, 06:40 AM
الحلقة الرابعة
إلي اين يا هذا ..؟ ..لا أدري إلي أين ..أنا متملق ؟!!.. أنا يا هديل ..؟ حسناً سترين نادر الحقيقي يا فاتنتي المدللة .. إن كان أبوك ملياردير فجدي الأول قائد من قادة الثورة المهدية .. الثورة التي قامت بتركيع أقوي وأكبر إمبراطوريات القرن الثامن عشر في الكون .. الامبراطورية البريطانية ..أنا سليل ذلك المجاهد وأحمل اسمه .. كيف سأضعف أمام أي بنت حتي ولو كنت أنت يا هديل ..؟ حتي ولو كانت .. ولو .. ولو كانت .. كانت .. السريره.. لكن يا صديقي العزيز تصرفاتك شبه اليومية تجعلها تأخذ عنك هذا الانطباع .. لاحظ أنك تقف كل يوم في بلكونة المكتب الخاص بكما وتراقب الشارع بفارغ الصبر .. فأنت طبعاً تحضر للعمل بالترحيل الجماعي وهي تحضر بسيارتها الخاصة وما أن تلمح عربتها وقد توقفت أمام المصرف حتي تركض هابطاً الدرج وتتقدم نحوها ..تفتح لها الباب وتعطيك مفتاح السيارة لتبحث لها عن ( باركنق ) مناسب لوجود مشكلة مواقف سيارات بالمنطقة وتظل تدور وتدور تبحث عن موقع يناسب عربتها المرسيدس الصغيرة ذات البابين .. لماذا كل سيارات الخلق لها أربعة أبواب وسيارتها ببابين ؟ .. ومن ثمّ تعيد لها مفاتيح السيارة وعند إنتهاء الدوام تركض كالمجنون لتعود بالعربة وتوقفها تحت قدميها وتقول لها تفضلي أصعدي .. يلا باي ..اشوف وشك بخير ..كل يوم والسيناريو ذاته .. يلا باي وصباح الخير .. كيفك .. حتي أنك لم تصافح يدها ولا مرة واحدة في حياتك .. تصافح عينيها هذا ممكن ومتاح ويحدث بالساعات الطوال لوجودكما في مكتب واحد ..نادر .. نادر ..أنا آسفه جداً إذا ضايقتك بكلامي .. لكن ..أنا عايزاك إنت بالذات من دون كل الموظفين .. عايزاك .. عايزاك .. كيف اشرح ليك ؟! .. يا رببببببببببببببببببببي !!!!..خلاص ولا يهمك .. رأيك شنو في ساندوتش من الكافتيريا الجديده ..سندوتشات عم اسماعيل في بوفيه المصرف ده كّرهتنا السندوتشات .
***

عبدالغني خلف الله
10-01-2011, 12:38 PM
الحلقة الخامسة
عكفت السريرة علي تقرير الأداء المالي للبنك تعده في عجل وهي تنظر إلي ساعة يدها في سباق رهيب مع الزمن ولاحظت وهي تدخل القاعة وجود شخص غريب في مقتبل العمر حسن الهندام وتلوح عليه سيماء الثراء والأهمية ربما لأول مرة .. تري من هو ومن يكون ؟!! .. أخذت موقعها والفتي يقراؤها بتمعن ويتفحصها من أم راسها إلي أخمص قدميها ..وعندما لاحظ والدها وقد كان يجلس إلي جانبه انشغاله بابنته عّرفه عليها وهو يبتسم ..ابنتي السريره وهي رئيس قسم المراجعة الداخلية بالبنك ..تشرفنا ..قالها بشيء من الفتور وعدم الاكتراث وكان الأب لا يعلم حتي تلكم اللحظة كنه ذاك الشاب ولماذا هو موجود أصلاً بالأجتماع ..أما هي .. فقد تجاهلت عيناه وانهمكت في مراجعة التقريرالذي أمامها بدون أن ترفع رأسها عن الأوراق.. ابتدر رئيس مجلس الإدارة الاجتماع بالترحيب بالدكتور مازن الفكي هاشم ابن رجل الأعمال المعروف وصاحب مؤسسة الفكي هاشم العالمية للإستيراد والتصدير وهو مكلف بحضور الإجتماع لوجود والده خارج البلاد بأمريكا لإجراء بعض الفحوصات الطبية ونعلم جميعنا أن هذه المؤسسة العملاقة تملك رصيداً ضخماً من الاسهم وجميع حساباتها بالعملة المحلية والعملات الأجنبية بهذا المصرف وهذا شيء طبعاً يسعدنا ويشرفنا .. وزاد بأن عّرفه بأنه طبيب بيطري حديث التخرج ومن ثم قرأ أجندة الإجتماع . .رفع الدكتور مازن يده منوها ًبنقطة نظام وكانت السريرة قد بدأت للتو في استعراض ملامح التقرير وعندما أُعطي الفرصة لمخاطبة المجلس ذكر بأنه كان يتوقع وجود عدد كافِ من صور التقرير أمام جميع أعضاء مجلس الإدارة الموقر ..بيد أن الأستاذة .. من ؟! ..السريره ..مدير الفرع وهو يسعفه بالاسم ومضيفاً .. في الواقع اسم الآنسة الرسمي هو السرة عبد القيوم لكن الجميع هنا ينادونها ب( السريره) .. كنت أفضل ترك الألقاب جانباً قبل أن ندخل قاعة الاجتماعات لأن قضايا المال والأقتصاد لا تحتمل الوجاهات والألقاب ..علي كلٍ بإمكان الآنسة أن تستمر في استعراض تقريرها إن سمح بذلك حضرة الرئيس علي أن توزع علينا في المرات القادمة صور التقرير ..لا سيدي .. ليس قبل أن أوضح لك ولفائدة أعضاء المجلس الموقر .. لماذا لا نطبع تقرير الأداء المالي ونوزعه علي الأعضاء المحترمين .. فنحن هنا لسنا في حفل عام لنوزع فقرات برنامج الحفل كتابة علي الجمهور الكريم .. فهذه اسرار مالية في غاية الحساسية وقد ينسي أحد الأعضاء الموقرين نسخته داخل عربته أو في منضدة مكتبه فيضطلع عليها شخص ما ينتمي للمصارف المنافسة فيغري بعض كبار المودعين بسحب ودائعهم فيما لوكان البنك يعاني من قصور في السيولة النقدية والنقد الأجنبي بالتحديد .. لا سمح الله .. فينهار المصرف بالكامل .. انهت تقريرها وعندما انتقل المجلس لمناقشة بقية الأجندة استأذنت من رئيس مجلس الإدارة الانصراف لمتابعة الأعمال الروتينية بالبنك أما هو فقد شيعها بنظرات بها مزيج من العنجهية والإعجاب والندم علي ما بدر منه من ملاحظات .

عبدالغني خلف الله
11-01-2011, 03:30 PM
الحلقة السادسة
لم تنم تلكم الليلة وخيال ذلك الفتي المشاغب (مازن) يسيطر علي تفكيرها وها هي تستعيد كل ثانية أمضتها خلال الإجتماع ..يا الله!!! .. لماذا هو وسيم لهذه الدرجة ..؟! ومما ذات من شعورها بالقلق أنه ثري ومتغطرس .. وبين اليقظة والأحلام قررت أن( مازن) هذا سيكون أهم معارك حياتها علي الإطلاق ويجب ألاّ تخسر تلك المعركه وإلا فعليها الاستعداد لمعايشة الوحدة القاتلة والندم طوال حياتها ..ألهذه الدرجة شغفك هذا المغرور حباً يااا ..قلت لي اسمك شنو ؟! ..أي والله .. تصور .. إذن أنت في مأزق رهيب ما كان عليك الوقوع فيه وأكثر من موظف بالبنك و عميل يتمني تقبيل حتي التراب الذي تمشين عليه ..أعلم ذلك .. لكن هذا الولد قدري فيما يبدو فماذا عساي أن أفعل .. وبالجانب الآخر عاش مازن أسوأ كوابيس حياته .. فقد كان يستيقظ مذعوراً من النوم بعد أن يري في المنام (السريرة ) في فستان العرس وشخص ما يتأبط ذراعها وهما يتوجهان نحو العربة الموشحة بالورود والأزاهير ..أو وهو يرقص معها في منتصف الحلبة وقد اسندت خدها إلي كتفه والثريات تلون المكان أو وهو يدلف بها إلي غرفة الفندق .. كان يستيقظ وهو يتصبب عرقاً ومن ثمّ يتوجه نحو الثلاجة ويشرب شيئاً من الماء المثلج ومن ثمّ يعود لفراشه وهو لا يزال ظمآن للماء ول(السريرة ) وكل شيء فيها .. حتي ملابسها غير المتناسقة ووجها الخالي من الأصباغ وال ( ميك آب ) يوترانه فلا يعرف للراحة سبيلاً ..أي فتاةِ هذه يا ربي ؟!..أكاد أُجن من التفكير .. ولماذا حاولت اضهادها وإغضابها خلال اجتماع مجلس الإدارة يا هذا ما دامت قد أعجبتك ..؟ تعرف بلا شك طريقتي في اجتذاب الفتيات ..التجاهل وعدم الاكتراث هما أقرب الطرق للبنت التي تظن أنها من الأهمية بمكان .. لكن سأضعها في موقف لا تحسد عليه يذّكرها من أنا ومن أكون ..هالو .. مرحبا .. أهلاً إشراقه ..خير إن شاء الله ..لماذا تتصل بي في هذه الساعة المتأخرة من الليل يامازن..؟ ..لأنك جارتي وصديقتي وأكثر شخص في هذه الحياة وقوفاً إلي جانبي مذ كنا صغاراً يا إشراقة ؟ وما مناسبة هذا الإطراء غير المعهود ؟ ..أرجوك .. مري علي بالمكتب صباحاً قبل توجهك لمكاتب المنظمة .. ضروري جداً .. لكن المستر ( ميدوس ) مدير المنظمة سيطير ظهر الغد إلي باريس ويجب أن أقوم بتجهيز بعض التقارير ليأخذها معه إلي .. معليش إشراقه .. ألا تحاجين لبعض السيولة النقدية .. كل ما في الأمر أنني سأحرر لك شيكاً تصرفينه من البنك .. ها .. ما قولك ؟ .. إذا كان الأمر كذلك فليذهب مستر ( ميدوس ) إلي الجحيم .. إذن موعدنا الساعة التاسعة صباحاً ..إتفقنا ؟ ..التاسعة ؟!!! .. منذ متي وأنت تستيقظ في هذا الوقت المبكر ..؟ .. ذلك لأن الموضوع علي درجة من الأهمية لا توصف .. تصبحين علي خير .. لقد أصبحت بالفعل .

ربيحة الرفاعي
12-01-2011, 01:56 AM
نتابعك أديبنا الكبير

وقد اعتدنا هذه البيئة الدافئة

دمت بألق

عبدالغني خلف الله
12-01-2011, 10:02 AM
شكراً لك الإبنة الرائعة ربيحة لوجودك هنا ..ولكل الأسرة الغالية وأسرة الواحة كل الأماني بالصحة والعافية .

عبدالغني خلف الله
12-01-2011, 10:08 AM
الحلقة السابعة
لحظة وسأعود لك يا ابنتي .. عم حماد وهو يوجه شابة يراها لأول مرة بالمصرف لتجلس في القسم المخصص للزبائن المعتمدين .. ريثما اخطر ابني نادر. إذن أنت والد زميلنا نادر.. ؟ كنا زملاء في الجامعة.. أهلا بيك. هنادي عثمان الهاربة الجميلة في السودان!!! ماهذه المفاجأة السارة يا هنادي ؟! نادر وقد فوجيء بوجودها .. عدت من القاهرة قبل أسبوع فقط وبحثت عن عنوانك حتى وجدته عند احد الزملاء القدامى وعلمت بأنك صرت مصرفيا كبيراً.. لا كبير ولا حاجة.. كلما في الأمر أنني موظف بسيط بقسم الودائع وأنت هل أنهيت دراستك في الاقتصاد بالقاهرة.. أرسلت زفرة اختتمتها بعبارة آآآه يا نادر ..وحدثته كيف أنها بعد أن قطعت دراستها هنا والتحقت بجامعة القاهرة في الصف الثالث وما لاقته من نجاحات هناك.. انتقلت من ثالثة لرابعة وكل العلوم أما ممتاز أو جيد.. وأخبرته كيف أنها لم توفق في امتحانات النقل للصف الرابع وللمرة الثانية وكيف أنها باتت تشعر بالخوف الشديد وعدم التركيز بمجرد أن تمسك بالقلم لتجيب على الأسئلة.. وخمنت إن إحدى زميلاتها القادمة من قطر أفريقي ربما تكون قد دست لها في طعامها بعض الأشياء ذات الصلة بالسحر والشعوذة.. ومن ثم عادت للسودان بعد أن سمعت بأن شيخا مشهورا بأم درمان يعالج مثل هذه الإشكالات.. مرحبا السريرة.. أقدم لك زميلتي في الجامعة هنادي.. زميلتك كيف؟!!! وأنا لم أقابلها .. السريرة وقد هالها الروعة التي تسربلت بها هنادي.. بل تقابلنا.. لكنك سرعان ما تخرجت من الجامعة.. الا تذكرين أستاذتي تلك الطالبة التي أفقدتك صوابك في احد أركان النقاش..
اختلفنا في المفردة ( افترضنا ) و( فرضنا ).. نعم .. نعم.. لقد تذكرت... كنت حينها قد إجتذبت اهتمام كل الحاضرين بركن النقاش عندما كنت أخبرتهم عن نشأة الحركة الصهيونية وعن (هرتزل..) وما إلي ذلك فوجهت لك سؤالا إبتدرته بعبارة ( لو فرضنا ) وأنت تصححين بعبارة ( افترضنا من فضلك..) وتركنا القضية الرئيسية في المنتدى .. قضية فلسطين وبتنا نتجادل في أيهما اصح.. فرضنا ام افترضنا.. يا لك من (غلباوية) يا هنادي.. مرحب بيك.. هل من خدمة استطيع أن أقدمها لك؟ هل تنوين فتح حساب بالمصرف.. لا بل جئت بحثا عن هذا الولد الشقي.. نادر .. هو كذلك يا .. هنادي اسمي هنادي.. من النادر أن تجدي شخصاً نادراً مثل نادر.. عن إذنكم .. السريرة تغادر وعلامات القلق تبسط نفسها في لألاء وجهها الصبوح.. واتفق الاثنان على الذهاب إلى ذلك الشيخ بعد انتهاء ساعات الدوام وأصر عليها أن تصعد معه لمكتبه حيث هديل .. مرحبا .. أهلا بيك .. أقدم لك زميلتي في الجامعة هنادي .. أستاذة هديل رئيسة قسم الودائع بالبنك .. تشرفنا .. أتفضلي أجلسي ثم بعد إذنكما ارفع هذه الأوراق لقسم التحاويل الخارجية.. (واو..!!) .. هنادي وقد أدهشتها أناقة ورصانة هديل.. ما هذا يا نادر ..؟! أنت كما أنت لم تتغير .. تعرف كيف تحرز اهداف في مرمى الحياة .. لقد كنت اللاعب المميز والخطير.. ولديك صولات وجولات بدءا بالصف الاول حتى الرابع..
كنت ياهنادي.. وكنت فعل ماضي ناقص.. أما الآن فانا لاعب احتياطي يجلس على كنبة الاحتياط..! ومدرب الفريق يعاملني كواحد من أشبال الفريق بالرغم من أن فارق السن بيننا ثلاثة أعوام فقط.
***
لم يكن الشيخ مهيأ لاحتمال روعة وهيبة هنادي عندما جاء عليها الدور أخيرا لتدلف إلى غرفته ومعها نادر..وقد اكتست الجدران بجلود الحيوانات المفترسة وانداحت غمامة من الدخان اللطيف المنبعث من (المبخر) العملاق المصنوع من الأجر والموشى بالزخارف.. فنهض من مجلسه على الأرض فاغراً فاه لا يستطيع حتى رد التحية بأحسن منها.. فامسك بيدها وهو يجرها نحو مقعد يتيم وكأنه طبيب متخصص في الأمراض النفسية .. وبعد أن استعاد رشده قال لها وهو يتظاهر بالوقار.. في الحقيقة تذكرت شخصاً عزيزاً عليَّ بمجرد ان رأيتك.. عفوا يا أحباب.. كان المفروض أن استقبلكم استقبالاً يليق بكم.. قال ذلك وهو يلتفت إلى مساعده المشدوه هو الأخر بالإفراط الموجع في الرقة الذي لون قسمات هنادي.. وكأنه يريد أن يقول له.. اخرج من هنا..فهم الرجل إشارته ونهض في تثاقل واضح وهو وهو يردد عبارة (أها .. أها .. أيوا .. أيوا).
نعم .. اسم الآنسة منو.. هنادي حسن.. عاشت الاسامي .. مشكلتك شنو؟!
والله يا شيخنا كلما ادخل الامتحان اشعر بخوف شديد وتخونني ذاكرتي فلا أتذكر المعلومات مع إني مذاكرة كويس..!!.. واسم الوالدة منو .. أمينة .. أمي اسمها أمينة..والبنت (ام وجها مندي .. وحقها ما بتدي .. ام لونا زي الكركدي..) قصتك معاها شنو؟! هنادي فوجئت بالسؤال وحاولت ان تضع تلك الصفات في شخص ما اسمه يأتيها ويغادر ذاكرتها.. دي .. دي .. ما (ناندي) جارتي في الفصل ونحن في نفس الكنبة..وبدا وكأن عقلها الباطن يجيب .. البنت دي عاملة ليك (عمل).. سحر يعني.. تكون وضعت ليك حاجة في فنجان شاي أو شربات.. صحيح يا شيخنا.. البنت دي حسودة ونظراتها نحوي دائما مسمومة.. لا تحب لي الخير ابدا .. الغبية .. ولا يهمك .. ناولني با ابني كوب الماء الموضوع بالقرب منك .. شكرا..
ومن ثم بدأ يقرأ بعض التعاويذ.. منها ما يمكن فهمه والبعض الآخر اقرب للهلوسة.. وأخيرا أفاق الشيخ من تشنجه والعرق يتصبب من وجهه.. وهو يتمتم .. خلاص .. اشربي .. الآن أوقفناها عند حدها.. لكن الضرر الحاصل ليك كبير جدا.. أعطيني رقم هاتفك الجوال يا آنسة.. وقبل أن تخلدي تماما إلى النوم سأهاتفك من هنا.. واقرأ عليك بعض الكلمات تقومين بترديدها من خلفي وأنت تنامين شيئا فشيئا.. اتفقنا.. اتفقنا يا شيخنا.. لا والله امسكي عليك جنيهاتك.. نحن لسة ما أنجزنا حاجة بعدين.. بعدين.. طيب مع السلامة .. مع السلامة.. ولدى مغادرتهما الغرفة وخروجهما بصعوبة شديدة من بين العديد من النسوة اللائي ينتظرن دورهن للدخول.. قال لها نادر.. بصراحة أنا ما مرتاح للشيخ دة.. كيف يعني يا نادر.. لم تكن نظراته نحوك بريئة يا هنادي .. كوني حذرة.. حذرة جدا في تعاملك مع هذا الرجل.. دي غيرة أم خوف حقيقي؟! الاثنان معا.

مصطفى السنجاري
12-01-2011, 03:49 PM
شكرا لك وأنت تمتعنا بهذا السرد البهي
ونسبح في لغتك الشاعرية
وننهل من نميرك الرقراق
تحية لك..إن كنا لا نثبت حضورنا بعد كل حلقة فهذا يعني
أننا لا نريد سدودا تقام أمام تدفق القك
دم مبدعا ونحن في رحابك
لم نبتعد بعد
تحية لك على ثنائك في ردك الكريم
ابهرتني بتواضعك الجم أيها الكبير

دلال كامل
15-01-2011, 02:30 PM
ثراء فكري و لغوي يمرره لنا فكرك الخصب.

مواقف وأحداث لا تخلو من المتعة .

متابعة معك بعون الله .

عبدالغني خلف الله
15-01-2011, 04:55 PM
أحبتي دلال ومصطفي ..السلام علكيم ورحمة الله
سعدت بوجودكم هنا وأعتذر عن تأخري في الرد لوجودي خارج الخرطوم ..مع كل الود .

عبدالغني خلف الله
15-01-2011, 05:22 PM
الحلقة الثامنة
أغمض نادر عينيه ليستعيد تلك الدقائق الغالية التي أمضاها .. مع هديل ؟!! ..لا .. لالا .. مع السريرة بعيد تسلمها للجائزة وكان قد بذل جهداً كبيراً في قيادة السيارة الجديدة وتفادي الارتطام بأكثر من حافلة علي الطريق وقد أصابه نوع غريب من التوتر الممزوج بالسعادة والابتهاج وهو يري حلم حياته تجلس إلي جانبه والموسيقي الحالمة تنبعث من جهاز الترانزستور بالعربة والمغني يردد ( لكن غرامك حبه حبه ..صلاني بنارو ولهيبو ) ..آه لو تعلم هذه البنت كم أحبها .. ربما أكثر قليلاً من هديل ..فقط لو تعلم ..والمحزن في الموضوع أنها تعاملني مثل شقيقها الأصغر همام ..صحيح إنها لطيفةً معي في حدود اللياقة والذوق والتهذيب ..لكن هذا لا يكفي ..نعم هي تكبرني بحوالي ثلاث سنوات ..فأين المشكلة وأنا أحبها لدرجة الجنون ..هل عليّ أن أراجع شهادة ميلادي لأعرف كم أبلغ من العمر كلما التقيت فتاة فاتنة أم ماذا ؟ .. شكراً نادر .. تعبناك معانا .. واجبنا ..كنت أتمني لوتحضر معانا الكرامة بعد غد الجمعة بالبلد لكنه مشوار طويل وقاس .. لا عليك ..أحضري لنا نصيبنا وأنت تعودين إلي هنا .. سأفعل بالتأكيد سأفعل إن شا الله ..إييه لكم كبرت يا نادر وصرت فتي ما شاء الله عليك .. بس ؟!!! ..معقول يخفق قلبي لشخص في عمر شقيقي الأصغر .. صحيح أنا ( بريدو شديييد ) لكن مازي ما إنت فاكر يا هذا ..والله ؟!! طيييب ..سنري .. مع السلامة .
يا لها من فكرةِ رائعة ..هذا أحسن قرار يا بنيتي .. نحتفل بعربتك الجديدة بقريتنا مع الأهل..يا سلام ..يا سلااااأم ..وخصوصاً خالك التهامي .. سيسر كثيراً لرؤيتك تنجحين وتتقدمين في الحياة.

مرحبا عم حماد ..المدير يطلبك استاذه .. ألم يقل لك لماذا يطلبني ؟ .. لا .. لكنني لا حظت وجود فتاة أراها لأول مرة بالبنك .. يبدو أن الموضوع في غاية الأهمية .. حسناً سأذهب إليه لكن بعد توصيل أغراضي لمكتبي ..عفواً آنستي .. من الأفضل أن تذهبي علي الفور وسأقوم أنا بوضع حاجياتك في خزانة مكتبك .. لا بأس .. مرحباً سيادة المدير .. صباح الخير .. الأستاذة إشراقة عبد الناصر وتعمل سكرتيرة لمدير منظمة (آخرون ) الخيرية وهي منظمة أجنبية ..أهلاً بيك أنا (السريره ) رئيس قسم المراجعة الداخلية .. تشرفنا .. اسمك (أوريجنال ) خالص .. ومن ثمّ مدت يدها لمصافحة الضيفة العزيزة لكن الأخيرة صافحتها بعد تردد بيدها اليسري .. نعم استاذ كيف اساعد الآنسه .. الآنسة .. إشراقه عبدالناصر .. أجلسي أوًلا واستمعي جيداً لما سأقول .. ولكن قبل ذلك عودي لمكتبك وراجعي لي الحساب رقم 307 ورصيده لو سمحت .. سأفعل دقيقه من فضلكم .. وعادت بعد بضعة دقائق لتخبره بأن الحساب يعود للدكتور مازن الفكي هاشم ورصيده جيد .. ما المشكله إذن ؟ الأستاذة إشراقة لديها شيك بمبلغ ألف دولار .. حسناً .. الرصيد أكثر من سبعمائة ألف دولار .. لكن الدكتور مازن لا أدري إن كان يمزح أم يحاول اختلاق مشكلة مع المصرف في غياب والده .. حرر لها الشيك في باطن كفها بدعوي أنه نسي دفتر شيكاته بالمنزل .. ماذا ؟!! .. شيك في باطن كفها ..؟ هذا ليس معقول وليس مقبول أيضاً .. دعيني أنظر إلي يدك لوسمحت يا آنسه ..( ادفعوا للآنسة إشراقة عبد الناصر مبلغ ألف دولار لا غير ) والتوقيع مطابق ..حاولت السريرة مداراة الغضب الذي بان علي وجهها وقد فهمت رسالته .. فمن ناحية وجدت إشراقة جميلة وأنيقة ومفرطة في الرقة والعذوبة ومن جانب آخر يريد أن يتحداني كرئيس لقسم المراجعة الداخلية لأن توقيعي علي الأوراق حتمي و هام جدا .. صباح الخير جميعاً .. عبد القيوم أفندي والد السريرة يقتحم المكتب ثم وبعد أن قرأ التوتر علي وجوه الجميع تساءل ..ما الأمر حضرة المدير؟ .. نعم . نعم .. شيك مكتوب بباطن الكف ..عفواً يا ابنتي هل لي بكفك لحظة واحده .. أدفعوا ..ألخ.. الأمر واضح السيد المدير .. ولو سمحت لنا بدقيقة واحدة يا ابنتي ..إشراقه ..عاشت الأسامي ..استريحي للحظات بالاستقبال ريثما نستجلي الأمر ..وفيما كانت تغادر المكتب لم تسطع السريرة أن تمنع نفسها من تأملها بعمق من جديد ..أخي المدير .. مؤسسة الفكي هاشم تملك أربعين في المائة من اسهم البنك وستدخل معنا كشريك في المخطط الاسكاني الجديد .. أري أن نرسل في طلب كاميرا ومصور ونقوم بتصوير ما هو مكتوب بيد هذه البنت ونوقع علي الصورة لا سيما والكاميرا ستعطينا الصورة في بضع ثوان فقط .
وهكذا حلت المشكلة واستلمت الزائرة التي عصفت بكيان السيد المدير من شدة جمالها وتفجرها أنوثة وسحراً مبلغ الألف دولار نقداً ولم يفته بالطبع أخذ رقم هاتفها بحجة أن المصرف مستعد لكافة المعاملات لصالح منظمة ( آخرون ) ولها شخصياً إن كانت تود فتح حساب بالبنك .. بالطبع أرغب ..لذلك وددت لو يتم فتح الحساب الآن ويودع الشيك كرصيد وهذه بطاقتي الشخصية إن شئت ..ها ها ..هكذا العولمة التي نتمني ..آنسه ..سأرسل لك الأستاذ نادر لتكملة إجراءات فتح الحساب ..بالإذن ..
فقد تمنت لو أنه كان أمامها لتصفعه بقوة في وجه وتستقيل .عادت السريرة لمنزلهم وشعور طاغٍ بالحزن والإحباط يسيطر عليها ..لكن ..لعلك لا تعلم من أنا ومن أكون يا دكتور مازن الفكي هاشم .

عبدالغني خلف الله
16-01-2011, 12:03 PM
الحلقة التاسعة
( تيت تيت ..السره حديد ..تيت تيت ..السره حديد )..هكذا استقبل أطفال الحي الغربي من القرية..الحي الأقرب لشارع الأسفلت ..السريره ووالدها وشقيقها ..وهي تقود العربة ببطء شديد لمبادلة مستقبليها حباً بحب في تلك الظهيرة الخريفية التي تسربلت بالرزاز .. وكأنما كل شيء في القرية يحتفي بعودتها سيما وقد انشغلت بالعمل المضني في المصرف منذ رمضان الفائت .. والجميع متلهف لرؤيتها .. لم لا وهي جميلة الجميلات في القرية وهي التي تستغل جميع علاقاتها الواسعة بعملاء البنك في الأعمال الخيرية البسيطة هنا ..قامت بجمع بعض المال لصيانة أسقف الفصول في مدرسة البنات الوحيدة وقد استعمرتها الخفافيش لتحول ثلثي التلميذات ل(شفخانة) القرية بعد أن ُأصبن بمرض الأزمة وضيق التنفس ..كذلك قامت باستجلاب محول عملاق بملايين الجنيهات فوصلت الكهرباء لكل بيت تقريباً ..إنها السريرة ولا عجب إن أحبتها الفتيات قبل الفتيان .
لم تتأخر زوجة خالها في ارسال أصغر أطفالها لإخطار زوجها التهامي أفندي وقد وجدته منهمك في سماع قصة بائعة الشاي بخيته مع أقراص ( الفلاجيل ) التي لم تسمع بها من قبل وقد أخبرها هارون الترزي بأنه يزيل المغص في دقائق وقد كانت تعاني منه منذ ليلة البارحة وكانت قد تناولت عشاءاً دسماً في منزل شيخ الحلة بمناسبة ( قولة خير ) لإبنته الصغري وقد حضر العريس وأهله من الخرطوم لخطبتها لابنهم الذي يدرس معها بنفس الكلية كلية المختبرات الطبية بالرغم من اعتراضه في البداية علي هذا النمط من التعليم فقد كان يريدها أن تصبح طبيبة مرموقة في المنطقة بأسرها ..لكنه عاد واقتنع بعد أن شرح شرح له التهامي أفندي طبيعة عملها بعد التخرج وكذلك فعل المهندس عصام القادم من السعودية في إجازة قصيرة .. قال له بالحرف الواحد ( كل شيء بالكمبيوتر ..وفني المعامل لا يلمس تلك الأشياء بيديه ويرتدي قفازات ) وأخيراً وبعد أخذ ورد سمح لها بالالتحاق بتلك الكلية ..( قسمت بالله مما بلعتها ..بقيت أجارك الله لا بشوف ولا بسمع ..نان عاد ما السكاكين .. السكاكين بذاتن وصفاتن غرزوهن لي في بطينتي ..ودغط الدم ..الحكيم قال لي من محلك دي ما بتتحركي شبر ..دغتك عالي شديد ..ظنيتو خمسميه وزيارده ) ..لكن إنتي يا بخيته المفروض تاكلي وجبه كامله مما جميعو وتملي بطنك جد حتي تبلعي ( الفلاجيل )..هي نان شن خبرتني بيهو مقطوع الطاري دا ..أريتني يا يما كان سفيت لي (حلبه وكراويه كان نفعني ..بابا .. بابا ..كان شفت .. كان شفت ..يا ولد ما تتكلم لسانك مربوط في حلقك ..يا حاج خلي الوليد يجبد نفسو ..بخيته بائعة الشاي تهديء من روعه ..وبعد داك الحكيم خت لي حبه تحت لساني وقال لي ما تتحركي لا جاي لا جاي ..كان شفت يا بابا ..كان شفت ..عمي عبد القيوم والسريره وهشام جو من الخرتوم والسريره سايقه ليها عربيه جديده لنج ..متين وصلو يا شافع ؟ ..هسه دي .. سمح أقفل المغلق والحقني .. حاضر يابا .
السريرة بت مواهب تسوق عربية؟! .. والله حاجة لا تصدق.. هكذا حدثت المعلمة نعمات زميلاتها بالمدرسة.. كان ما شفتها بعيوني ما كنت اصدق.. وهكذا صار موضوع عودتها للقرية وهي تقود سيارة خاصة حديث كل أهل القرية .. العمدة اعتبر أن هذه قلة أدب.. وأردف قائلا وهو يضرب كفا بكف.. بنات اخر زمن !! لكن الحق علينا نحن أهل الحل والربط في هذا البلد.. كان مفروض نوقفها عند حدها عندما حضرت من الجامعة للإجازة وهي ترتدي بلوفة واسريك .. (بلوزة واسكريت) الحاج سليمان مصححا.. معقول بناتنا ما يلبسو الثوب السوداني ويقلدوا الإفرنجيات.. بنات أخر الزمن.. ما فضل إلا الواحدة تبقى (عمدة) .. وعلى الجانب الأخر.. انخرطت الخالات والعمات في حملة رهيبة من التباهي والتفاخر .. والله زينة البنات.. وستهن من المربع الغربي للمربع الشرقي ومن البحر للغابة.. حلاتا وهي ماسكة (الدركسون) وتتكلم بالموبايل.. عاد ما ملكة عديل.. شخص واحد تملكه يأس من نوع غريب هو المعلم موسى العائد من الايجازة بدولة (عمان).. لقد كان شبه متأكد بأن السريرة ستقبل به زوجا لا سيما وانه بنى منزلا من طابقين وعاود العمل بالمدرسة الغربية كمعلم للرياضيات .. فهي في الأصل ابنة عمه.. وهو أحق بها من الجميع.. لكن الطريقة التي استقبلته بها عندما هرع مع والده عبدالرحمن لتحية شقيقه عبدالقيوم وابنته السريرة.. كم صرت حلوة وأنيقة يا السريرة ابنة عمي العزيزة .. إن الحاج عبدالرحمن يتذكر كل تفاصيل طفولة السريرة.. فهو لم يرزق ببنت وكل عائلته من الذكور لذلك كان يكن للسريرة مشاعر حب غزيرة وكان يستبقيها معه في الدكان لأطول فترة ممكنة .. ولها كل الحرية في اخذ ما تريد من محتوياته لاسيما الحلوى والشوكلاته بكل أنواعها.. كانت تعشق قصب السكر بشكل خاص لذلك كلما يسافر للمدينة لإحضار بضائع لدكانته يحمل معه قصب السكر لإرضاء السريرة وهو إن ينسى لن ينسى ذلك اليوم الذي أصابت فيه فمها بجرح بليغ وهي تقشر القصب بأسنانها الصغيرة فانبثق الدم من شفتها السفلى .. حملها على عجالة إلى مستشفى المدينة وهنالك أجريت لها عملية لإيقاف النزيف ولملمة أطراف الجرح.
ولا يزال ذلك الجرح في موقعه بالجانب الأيمن من شفتها حتى اليوم.. كل الجراح تبقى ولا ترحل .. وان اندملت

علياء محمود
16-01-2011, 01:03 PM
استمتعت بحق..

رغم الثقة والتظاهر بالقوة في عيون...السريرة رأيت العاطفة المختبأة كأي انثى..

ورأيت الكبرياء والغرور في عيون ..مازن..وربما التحدي..

حب طاغي ..يسيطر على نادر..

وهديل قلب حنون يريد الحياة في صورة ابسط ..

استاذي الفاضل..

حقيقي سأنتظر عودتك بشغف..

مودتي واحترامي.

عبدالغني خلف الله
17-01-2011, 07:11 AM
شكراًعلياء علي صحبتك المرحب بها جدا ًفي ثنايا الزحام وقد أسعدني ترحالك مع شخصيات الرواية وفهمك لهم ..لكن ..قد تفاجئين باشياء لا تريدينها لهم فلا تعتبي علي الكاتب حين يكون سادياً بما يتطلبه السرد والحبكة الدرامية ..شكراً مرة أخري ,

عبدالغني خلف الله
17-01-2011, 07:17 AM
الحلقة العاشرة
.. كل الجراح تبقى ولا ترحل .. وان اندملت والجرح الأكبر في حياة الحاج عبدالرحمن هو والدتها (مواهب) زوجة شقيقه الأستاذ عبدالقيوم.. وابنة خاله لقد كان يحبها بجنون واخبر خاله بنيته التقدم لخطبتها.. لكن عودة عبدالقيوم المفاجئة من مصر وقد درس في إحدى جامعاتها وتحصل على وظيفة بالخرطوم حرمته من مواهب.. وهي في الواقع لم تصرح يوما بأنها تكن له أية مشاعر وان هي أرادت فلن تستطيع حسب العادات والتقاليد.. وافقت مواهب على الزواج من عبدالقيوم ودفن الحاج عبدالرحمن أحزانه في صميم حناياه.. وها هي الأيام تأخذ دورتها وقد يكون مصير ابنه كمصيره وهو الذي يراقب ويترقب ان يطلب منه ابنه خطبة السريرة له حتى لا تضيع منه انه لا يريد ان يعيش ابنه نفس المرارة والتجربة الأليمة التي عاشها وهو يؤثر شقيقه على نفسه..
فمتى يراهما زوجين يجمعهما رباط الحب والقرابة متى؟!! لكن تبقى ميادة بنت الأستاذ .... وكيل الوزارة والشخصية المحترمة في القرية .. صاحب محل بيع مواد البناء ورئيس النادي هي الحل الأمثل إذا ما تعقدت الأمور مع السريرة .. وما يميز ميادة أنها متشبثة بالحياة هنا وهي هادئة ورزينة بعكس السريرة العصبية المشاكسة.. فتحت لها أول مكتب للاتصالات بالقرية وتوفر نافذة رائعة للأسر للتواصل مع أبنائهم المغتربين.. وأحيانا تستلم التحاويل النقدية للعوائل من أبنائهم بالخرطوم.. ولكم أحبت كل السيدات إطلالتها الحلوة واعتبروها فأل حسن.. لأنها في الغالب تحضر لهم شيئا من المال يتدراكون به مسئولياتهم نحو أطفالهم وجبة الإفطار وكلفة الأقلام والكراريس وعلب الهندسة التي يطالب بها أساتذة الرياضيات ولقد أضحكتها من أعماقها الخالة (ست النفر) عندما طلبت منها توصيلها بابنها الموظف بالخرطوم لتقول لها إنها لم تتناول وجبة الإفطار وقد صارت الساعة 12 ظهرا.. فما كان منه إلا أن حول لها بعد دقائق رصيد بخمسة جنيهات تكلفة لوجبة (سمك مدنكلة) من مطعم العم فضل الله.. الذي يحرص على الصيد بنفسه من النيل.. يذهب إلى هناك بعد صلاة الفجر مباشرة يرمي شباكه ويعود لمنزله ليشرب الشاي والقهوة وعندما يؤوب إلى النهر يجدها وقد ضاقت بما حملت من اسماك فيسجد شاكرا لله ومن ثم يبدأ في تنظيفها وتجهيزها لإفطار الزبائن.

حسام محمد حسين
17-01-2011, 07:20 AM
إن مثل هذه الروايات تثري المسار الادي لمنتدى القصة و قد أثارني أسلوبكم الشيق في هذه الرواية

ونتمنى منكم المزيد

دمتَ مبدعاً

عبدالغني خلف الله
18-01-2011, 06:12 AM
شكراً لك الإبن العزيز حسام ويسعدني هذا التواصل الطيب بين الأجيال ..أسعد الله صباحاتك بكل الخير والتوفيق .

دلال كامل
18-01-2011, 03:03 PM
تحايا عبقة بالرياحين لقلمك الرائد .

دمت بكل ألق .

عبدالغني خلف الله
18-01-2011, 05:16 PM
مساء الخير عزيزتي دلال ..تعطيني إطلالتك وكل الرائعين من أسرة الواحة وزوارها الكرام العزم والاصرار علي مواصلة المشوار ..حفظك الله لنا ولأسرتك الكريمة من كل سوء .

عبدالغني خلف الله
18-01-2011, 05:20 PM
الحلقة الحادية عشرة
عن اذنك .. التحويلات الخارجية؟! .. نعم .. نعم.. وما حكاية التحويلات الخارجية هذه يا هديل.. ليتني اعرف لماذا تحول كل هذه الأموال بالدولار لهذا العميل بالذات.. ومن هو يا هديل؟!.. هذه أسرار يا نادر .. لعلك نسيت أن أهم أسس العمل المصرفي هي المحافظة على أسرار العملاء .. عفوا.. غادرت هديل ودخلت هنادي على الخط عبر الهاتف .. أهلا.. هنادي.. هنادي.. هنادي.. !!
هل أنت معي.. بكاء ونحيب وتنهدات .. الشيخ .. الشيخ يا نادر؟! ثم بكاء ونحيب وتنهدات.. اهدائي يا هنادي وقولي لي ما الموضوع.. وحكت له كيف ان الشيخ اتصل بها مساء اليوم التالي وقرأ على مسامعها بعض الأدعية وطلب منها أن تردد البسملة وراءه مائة مرة.. وهو يسمعها .. بسم الله الرحمن الرحيم.. وهي تردد خلفه مائة مرة إلى أن راحت في ثبات عميق .. وتكرر نفس المشهد في الأمسية الثانية ولكن تغير الحال في الأمسية الثالثة وبدلا عن الأدعية والبسملة اسمعها أغنية الفنان محمد الأمين المعروفة (قالوا متألم شوية .. ياخي بعد الشر عليك..) وواصل الغناء بصوت هامس (النضارة الفي شبابك والطفولة الفي عينيك.. والقلوب الحائمة حولك يا حلو بتتمنى ليك..) هنا قاطعته بحزم قائلة (الحكاية شنو يا شيخنا؟!) فاخبرها أنها ومنذ أن حضرت له لم يتذوق طعم النوم وهو الذي كان يستدرج النوم لعينيها الفاتنتين .. وانه ما كان يجب أن يسمح لنفسه بعشقها.. لكنه الآن قد عشقها بوله وجنون.. وطلب منها في سفور وبلا تردد أن تقبله زوجاً لها على سنة الله ورسوله.. لكن يا شيخ قالت له أنا ما زلت طالبة بالجامعة.. وحاول عبثا إقناعها بأنه سيسمح لها بتكملة تعليمها ومن ثم يتزوجا.. وعندما إعتذرت له.. انتقل لسياسة الجزرة والعصا على حد تعبير النادي السياسي.. قال لها إن قبلتني زوجا لك سأشتري لك شقة في أحد الأحياء الراقية بالخرطوم وأسجلها بإسمك وأشتري لك عربة وأفتح لك حساب بالمصرف الذي يعمل به زميلك وأودعه مبلغ خمسون ألف دولار.. وعندما رفضت عرضه هذا لوح لها بأنه قرأ (الخيرة) لها بعد دعاء الاستخارة وأن ثمة غيوم سوداء تشكل مستقبلها والقادم من أيامها.. وأنها على موعد مع أحداث رهيبة ومخيفة لذلك قرر أن يبقى إلى جانبها يدافع عنها.. وماذا قلت له يا هنادي بعد كل هذه الوعود التي يسيل لها اللعاب..؟ قفلت الخط في وجهه ببساطة وصرت لا أرد على مكالماته صباح مساء.. لقد جُن الرجل .. هو كذلك .. لكن ربنا موجود يا نادر .. حسبي الله ونعم الوكيل.

عبدالغني خلف الله
22-01-2011, 12:48 PM
الحلقة الحادية عشرة
أنا قلقة جدا يا أبي على ما يحدث للسيد الفكي هاشم بأمريكا.. هديل وهي تنقل لوالدها بصفته رئيس مجلس إدارة المصرف ما يحدث.. لقد حولنا بناءاً على طلبه مبلغ 300 ألف دولار على عنوان المصارف بـ (نيوجرسي) وأخشى أن يستمر هذا الاستنزاف لوديعته .. ماذا !!؟ لابد أن حالته الصحية قد تدهورت.. وهل يحتاج أي مريض لهكذا مبالغ ؟! هل لديك رقم هاتفه ؟! نعم بابا .. هنالك رقم في استمارة التحويل سأحاول الاتصال به لدى أول طلب جديد إن حصل وقد يكون رقم المصرف.. عموما سأتابع وأفيدك أولا بأول .. وأنت كيف حالك مع العربة الجديدة ؟! والله يا بابا بصراحة .. بصراحة .. لست مرتاحة لها.. أحن لعربتي (الكريسيدا) التي استبدلتها .. لا أدري هل هي إلفة أم أنها هي بالفعل واسعة ومريحة.. لا بأس سآخذها أنا وسأطلب من (جده) عربة كريسيدا جديدة.. وإلى أن تصل إستمري في استعمال المرسيدس.. حاضر يا بابا .. لكن بالمناسبة .. جارنا الدكتور سيد زارني قبل يومين وبدا وكأنه يطلبك للزواج.. صار يحدثني عن العائلة.. عائلتنا طبعا .. التراث الضارب في الجذور والأصالة والأخلاق الكريمة والكرم وما إلى ذلك ثم عرج عليك وأسبغ عليك أجمل الصفات .. دكتور سيد.. الاختصاصي المشهور .. تزوج من قبل ولديه إبنة وقد توفيت زوجته قبل حوالي ثلاثة أعوام .. توفيت في أثناء وضع الجنين .. هذا النوع من الوفيات المؤسفة يتكرر في الآونة الأخيرة بنسب عالية تبعث على القلق .. البعض يعزوه لتردي البيئة في غرف العمليات.. وما قصة مستشفى تلك المدينة مع وفيات الأمهات الجدد ببعيدة عن الأذهان وبعد وفاة حوالي عشرين أم أُغلقت غرفة العمليات تلك ومن ثمّ فحصوها ليكتشفوا بأنها ملوثة بجرثومة (التتناوس) ..عادت هديل للمكتب وقد وجدت نادر في حالة يرثى لها بعد محادثة هنادي.. وقارنت بينه وبين الدكتور سيد بكل ما يملك من شهرة ومركز اجتماعي مرموق وبين هذا الولد الجالس أمامها وقد أسند وجهه على كلتا يديه.. حتى أنه لم يشعر بها وهي تدلف إلى الداخل.. وقررت بأنها ستقبل به زوجا إن هو فاتحها في هكذا موضوع بالرغم من أنه إبن الساعي (حماد) لا أكثر.

عبدالغني خلف الله
23-01-2011, 06:54 AM
الحلقة الثانية عشرة
خالي التهامي .. خالي التهامي .. كيفك .. السريرة وهي تأخذ يد خالها التهامي وتقبّلها وهي تردد .. مشتاقة ليك كتير كتير .. كتير فوق ما تتصور .. مبروك العربية الجديدة.. خلاص نشوفك في الكرامة مساء اليوم.. لقد أُنجزت الكرامة يا السريرة .. إشتريت خروفين وهما قيد التحضير قال لها خالها.. وبالفعل عكفت النسوة بمنزله في صنع الطعام.. كل واحدة إنتحت جانبا لتعد الوجبة التي كُلفت بها وهن يتصايحن في ابتهاج شديد وأحيانا تخرج زغرودة عفوية من هذه أو تلك.. لا موضوع محدد بين السيدات.. المهم أن الجميع هنا .. والجميع بخير.. وقد تحادث فتاة أخرى وهي تحادثها في آن واحد .. تتوقفا .. ثم ضحكة صافية كالحليب ومعاودة الحديث في آن واحد .. وقفة ثانية .. أحضان وقبلة على الخد.. راجعه ليك.. وأستمر العرس الباذخ.. للعربة ؟!! كل هذه الحفاوة لعربة جديدة .. لا بالطبع .. فالقرى تنهض هنا وأمام كل منزل تقريبا عربة أو عربتان.. لكن الحفاوة للسريرة وحدها.. وأطل خالها بشخصيته المهيبة وهو يستعجل النسوة إعداد الطعام.. ثم السريرة .. دقيقة عايزك في مشوار.. حاضر (خالو).. والمفردة (خالو) هذه وفدت في الأعوام الأخيرة للقرية من المدينة الكبيرة ومرات (عمو) .. والكبار لا يحبون سماعها ويتمسكون بمفرداتهم التي توارثوها أباً عن جد.. (خالي .. عمي .. خالتي .. عمتي) هذه هى الكلمات الحلوة التي تعبر عن الوشائج الرائعة هنا حيث كل شيء أنيق وهادئ.. وفي الوقت متسع لكل هاجسات القلوب المفعمة بالحب.. أما في المدينة.. فإن حادث حركة واحدة في إحدى الجسور كفيل بإضاعة يومك كله.. نعم (خالو) .. السريرة تسأل وهما يتوجهان صوب الحي الغربي مشياً على الأقدام .. والمشي هنا ممارسة يومية يتعاطاها الجميع.. وأجمل ما يميز التجوال في القرية سيراً على الأقدام هو أنك تلاقي عشرات الأقارب في تقاطعات مشاويرهم الحياتية .. إما لإحضار شيئا من الخبز أو شراء بعض الحاجيات من (الدكانات) ولا أقول (البقالات) .. فهذه اللافتة أيضا لم تصل بعد.. دكان عمي فلان أو كشك عمي فلان.. تلتقيهم وتسلم عليهم بالأحضان في عجالة وتواصل السير.. هذا أجمل من التجوال بالعربة وتحية العابرين من داخلها.. صحيح أنك تناديهم بأسمائهم وهم يجاوبونك (أهلااان) .. وقد سفحت في وجوههم شيئاً من الغبار وذرات الرمل لعدم وجود طرق مسفلتة.. هذا أفضل.. لا أدري ما العلاقة بين (الإسفلت) وجفاف المشاعر.. يا لروعة الغوص في رمل الطريق البارد وأحياناً الدافئ مع إختلاف الفصول..

عبدالغني خلف الله
24-01-2011, 08:31 AM
الحلقة الثالثة عشرة
عمك عثمان الراعي.. تعرفينه؟! نعم (خالو) .. عدنا لـ (خالو) هذه التي لا يستسيغها التهامي.. أعرفه جيدا.. كنت وأنا صغيرة أسوق إليه وسط القرية غنم عمتي رقية وأجد في ذلك متعة غريبة .. كل واحدة لها إسم (الحميراء) (أم دلال..) و(الدكمانية) .. والأخيرة كانت تتعبني حتى أوصلهم لعمو عثمان الراعي.. وأنتظر حتى تتجمع أغنام كل الأسر فينطلق بها عم عثمان نحو المروج الخضراء خلف القرية ترتع وتلعب وتعود أول المساء محملة باللبن اللذيذ .. عمك عثمان يا السريرة .. لديه ثلاثة أبناء جميعهم أصيبوا بحمي مجهولة.. وللأسف كلهم أصيبوا به في عمر متأخر .. وكان عمك عثمان ينتظرهم ليكبروا ليوفروا عليه معاناة الركض يمنة ويسرة طوال اليوم تحت هجير الشمس لحفظ قطيع أغنام القرية .. لكنهم مرضوا وهذه إرادة الله ولا راد لقضائه..
برأيك هل من علاج لهذا المرض ؟؟ أظن ذلك وعند وصولنا سآخذ ما توفر لديهم من فحوصات وأعرضها لدى عودتي للخرطوم على أحد المختصين .. ومعي بعض المال سأعطيه له.. هذا جيد .. وهكذا باشرت السريرة مهامها في مساعدة أهلها وعشيرتها.. فرح الرجل وتبادل معها ذكريات طفولتها وهي تأتيه كل صباح.. واليوم تزوره بعد بضعة أعوام .. ليس بالإمكان أن نتواصل مع الجميع حتى وإن كنا نحبهم ونكن لهم أصدق المشاعر .. هكذا الحياة تجمع لتفرق وتعود لتمنحنا بضعة سويعات وربما دقائق من الود والعشق القديم..
لم يكد والد هديل رئيس مجلس إدارة المصرف يقرأ تقرير قسم الودائع والذي أشار إلى أن السيد الفكي هاشم قد قام بتصفية وديعته وسحب آخر دولار في حسابه بالعملة الحرة حتى رفع سماعة الهاتف واتصل بابنه الدكتور مازن.. قال له هنالك مستجدات خطيرة بالنسبة لحساب والدكم وأرجو أن تحضر حالا إلى المصرف .. وقبل وصول د. مازن عاد والدها مرة أخرى ليعزف على أوتار الدكتور سيد.. والذي ما فتئ يلاحقه كل يوم تقريبا مرة بالهاتف ومرات بزيارته بعيد صلاة المغرب لاسيما وأنهما جاران منذ أمد بعيد.. يحاول دكتور سيد أن تكون زياراته كما لو أنها تأتي صدفة .. ويتحين خروج والد هديل أو توقف عربته أمام منزله فيهرع له محييا وسائلا عن أحواله.. ويغتنم مجرد عبارة مجاملة صغيرة مثل.. إتفضل شوية فيدلف للمنزل وهو يمني نفسه بمجرد لمحة عابرة من هديل التي تؤرقه وتشغله ليل نهار.. هذا الحب عند الخمسين اشد قوة على الرجل من الجلد بالسياط كل يوم.. وقد اسبغ عليه (نزار قباني) الكثير من الصفات .. حب جارف كالطوفان يطيح بكل التجربة الحياتية للرجل إذا لم يكن حكيما بما فيه الكفاية .. لا .. لا .. ليست المراهقة المتأخرة فتلك أسوأ وأكثر إيلاما ..

علياء محمود
24-01-2011, 10:36 PM
متابعة بصمت استاذي..

الاحداث تزداد تشويقا..

الله يبارك فيك وفي قلمك..

عبدالغني خلف الله
25-01-2011, 07:18 AM
صباحات الجمال والإشراق استاذه علياء ..وأنت تدلفين معنا إلي تفاصيل الحياة هنا ..دمت في رعاية الله وحفظه ودامت كل ايامك أفراحاً ومسرات .

عبدالغني خلف الله
25-01-2011, 07:24 AM
الحلقة الرابعة عشرة
والله يا بابا.. مشكلة أن يجد الدكتور سيد فتاة تقبله وإبنته الصغيرة.. مشكلة .. كان الله في عونه .. لكنه رجل بمعنى الكلمة .. أي والله.. رجل تتمناه كل فتاة تبحث عن الاستقرار وتحاول أن تؤسس لها عشاً هادئاَ .. وكما تعلم أبتي.. أولاد الزمن ده.. في غالبيتهم طائشون .. متهورون .. ويخططون لحياتهم بصورة غريبة .. وقد تكون الزوجة هي الرابعة في سلم أولوياتهم.. شراء عربة وما عارفة إيه.. وشقة بالأقساط .. والسفر.. يقول ليك عاوز أتفرج على الدنيا.. وكأن الأقمار الصناعية مقصرة في واجبها وهي تنقل الأحداث لحظة وقوعها حتى تعابير وجه لاعب كرة يسقط في الميدان الأخضر وهو يمسك بكاحله .. الى مسار طلقة تغادر موقعها لتستقر في صدر متظاهر .. لذلك أنا يا بابا آخذهم على قدر عقلهم .. لكن هذا لا يعني أنهم وبلا استثناء سيئين .. خذ مثلا نادر حماد زميلي في قسم الودائع .. وبالرغم من نشأته في بيئة فقيرة إلا أنه (جنتلمان) بحق وحقيقة.. نادر ..؟!! إبن الساعي حماد بتاعنا ؟! والدها وقد أصيب بالرعب الشديد من الطريقة التي تفكر بها إبنته الغالية والوحيدة هديل.. هل ستذهب كل هذه الإمبراطوية الإقتصادية التي بناها وانفق في بنائها أنضر سني عمره للعم حماد.. (المُعَشّكِب) .. المُتعَب .. السَجمَان.. هل تريدين إرسالي إلى غرفة الإنعاش يا غاليتي وأروع نعمة حباني بها الله في هذه الدنيا الفانية .. طيب بابا.. أخليك تتناقش مع إبن السيد الفكي هاشم.. يكون على وشك الوصول.. حملت ملفاتها وبينما هي تضع قدميها خارج المكتب وثب الدكتور مازن في ذات اللحظة إلى الداخل ليصطدما معا ويسقطان على الأرض وتتناثر ملفاتها يمنة ويسرة .. ساعدها على النهوض وهو يردد.. أنا آسف جدا يا آنسة .. هديل .. إسمي هديل .. قالتها بضعف ومسكنة وقد هالتها اناقة ووسامة الضيف المتعجل والذي لا تعرف حتى هذه اللحظة ما إسمه ولم تره من قبل .. ذلك لأن مكتبها في الطابق الأول لا يتيح لها التعرف على أصحاب الحسابات الجارية وإنما أصحاب الودائع فقط.. وأنا دكتور مازن.. هل أصبت بشيء؟! يا آنسة .. يا آنسة .. دكتور مازن المأخوذ هو الآخر بنداوة وروعة هديل وقد نسي إسمها وغرق في تلك الهالة من الضياء والروعة بعينيها النجلاوين.. هديل .. تشرفنا يا هديل.. نشوفك.. واستدار يتابع خطاها.. ليوقظه والدها من جنونه.. مرحبا دكتور مازن.. أنا متأسف جدا لاستدعائك بهذه الصورة .. الكل متأسف .. لماذا؟ .. لا ادري.

عبدالغني خلف الله
26-01-2011, 07:16 AM
الحلقة الخامسة عشرة
كم يشعر الأستاذ موسى بالتوتر كما تفعل إبنة عمه (ميادة).. كلما التقيا بالرغم من محاولات الأستاذة (نعمات) زميلته في هيئة التدريس سجنه في دائرة إهتماماتها هي دون سواها .... وأدمن موسى الترحال بين المدرسة ومكتب إتصالات (الهدهد) حيث تعمل ميادة .. تعطيه (الاسكراتشات) التي يضيفها كرصيد لهاتفه الجوال ويقرؤها بإمعان وهي تراجع النقود.. يحصي كم مرة تراكضت أنفاسها صعوداً وهبوطاً.. كم مرة أغمضت أجفانها وأشرعتها.. كم مرة بح صوتها وعاد سيرته الأولى.. ثم شكرا (ميادتي..) ويعود حاملا أكثر من رصيد.. ثم دقيقة يا أستاذ موسى .. عايزاك تديني رأيك في القصيدة دي.. كتبتها هذا الصباح.. قصيدة؟! وهل تكتبين الشعر يا ميادة؟! .. لا ليس شعرا ناضجا وإنما مجرد خواطر.. أخرجت دفترا صغيرا من خزانة صغيرة تقبع بالقرب منها.. وقرأت له بصوت راعش (ها هو الليل كما في كل مرة يركلني إلى أعماقه السحيقة فأبكي.. أبكي من وجعي .. أبكي من وحدتي .. وتنساب دموعي .. تنساب وتنساب تبلل ثوبي.. ومن ثمّ دموعي تجفف دموعي وترتاح في جوانحي.. دموعي تسلمني لجوانحي وجوانحي تعيدني لدموعي.. وأبقى مصلوبة داخل نفسي .. فمتى اُخرج نفسي من نفسي.. ودموعي من دموعي لأرتاح.. متي؟!).
يا الله .. رائعة بجد يا ميادة لكن.. هنا تستيقظ في دواخل موسى شخصية المعلم.. أخرج قلما من جيبه.. وهو يردد .. لكن يا ميادة هذه الكلمة لا تكتب هكذا.. وهنا تكرار لا داعي له .. فهو يفقد النص موسيقاه.. والكلمة (أخرج) محتاجة لتشكيل فضعي ضمة على الألف حتى لا تفسد المعنى.. والله تمام يا ميادة .. صحيح؟! يعني عجبتك يا أستاذ والله ممتازة.. بس عايزة مراجعة.. يلا .. احصل الحصة.. ويعود الأستاذ موسى إلى المدرسة وقد أدرك أنه المقصود بهذه الأحرف الخضراء.. سفحتها مشاعر صادقة نبعت من قلب أخضر.. هو قلب ميادة إبنة عمه.. لحماً ودماً.. جلس على مقعده وانكفأ فوق درج مكتبه وهو غير قادر على التفكير .. في أعماقه سكنت السريرة بكل الخيلاء والشموخ.. وفي دواخله سكنت ميادة وهي تطرق قلبه طرقا خفيفا فيزداد خفقانه.. يزداد.. ويزداد وكانه طبل مجنون ويخفت الصوت إذ علا صوت الجرس معلنا نهاية الحصة الأخيرة.

عبدالغني خلف الله
27-01-2011, 10:58 AM
الحلقة السادسة عشرة
غادر د. مازن مكتب رئيس مجلس الإدارة مهموما بعد أن علم أن والده قد سحب كل ما تبقى من رصيده الشخصي.. وحمد الله كثيرا أنه لم يلمس أرصدة المؤسسة ولو أنه يعلم بأن ذلك غير ممكن إذ يتطلب الأمر أكثر من توقيع.. وأبطأ قليلا قبل التوجه إلى البوابة الرئيسية المؤدية إلى خارج المصرف لعله يلمح (السريرة) ولو على البعد أو يقابل تلك الآنسة المترفة التي إصطدمت به ليعتذر لها مرة أخرى وقد يقدم لها الدعوة لزيارته بمكتبه وفي القاعة الرئيسية للمصرف وجد نفسه وجها لوجه مع كلتاهما وقد إنخرطتا في حديث هامس.. فقد حضرت هديل للكاونتر لتكملة إجراءات وديعة جديدة لأحد أقربائها وحضرت السريرة لتعيد بعض الشيكات بعد مراجعتها للصرف .. كانت السريرة أول من إنتبه لوجوده.. أهلااان دكتور مازن.. مرحبا.. أقدم لك زميلتي.. هديل.. أنا إسمي هديل قالت مرة أخرى وفي هذه المرة بوتيرة أكثر ضعفا ومسكنة من المرة الأولى.. تعرف يا دكتور سأطلب إضافة إسمك إلى (موسسوعة قينيس) كأول إنسان على وجه الأرض يحرر شيكا في باطن كف سيدة أو آنسة لا أعلم..وعبثا حاول الدفاع عن موقفه وقد وجد نفسه موزعا بين هاتين الرائعتين وفي ختام مرافعته حاول أن يكون خفيف الظل نوعا ما.. فقال للسريرة أقبل بأية عقوبة تقررين توقيعها عليّ.. والله ؟! خليك شاهدة يا هديل.. أنا؟!!! أشهد كيف؟! هديل المنتشية للحظات وقد أفاقت من حلمها الذي بدأت تنسج خيوطه مع هذا القادم الجديد للمصرف.. عقوبتك يا دكتور أن تدعم أسرة إلتقيتها قبل أسبوع وهي في حالة مزرية من الفقر وهي بالكاد تجد القليل من ضروريات الحياة .. أم وطفلة.. أفعل بكل سرور.. هل إنتهيت من حيثيات المحاكمة أيها القضاء الواقف.. لا ليس بعد .. ورجل يعمل في رعي الأغنام وأطفاله الثلاثة مرضى بحمى مجهولة حدد لي موعدا لأحضرهم لكِ نهاية هذا الشهر.. موافق يا السريرة.. وحتى أكون عمليا هذه ورقة من فئة المائة دولار .. هل تكفي؟! تكفي وزيادة .. وهذا كرت به عنوان العيادة وأرقام هاتفي .. ثم وكأنه تذكر هديل فجأة .. وهذا كرت للآنسة.. هديل أنا إسمي هديل .. وفي هذه المرة قالت بدرجة من الضعف والمسكنة أقرب للذوبان.. طيب أشوفكم .. أوكي.. أوكي دكتور.. لكن عفوا.. عنوانك الموجود لدينا بقسم الودائع يقول .. بأنك طبيب بيطري.. لا.. أنا لست طبيبا بيطريا بالمعنى الدقيق للكلمة.. بالأصل أنا طبيب وتخصصت في الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.. تعلمين ولاشك وجود الملايين من الماشية وهي تعيش في حيز واحد مع السكان هنا في السودان وفي عيادتي قسم للبحوث العلمية في أمراض الحيوان.. لذلك يرجح الناس بأنني طبيب بيطري إذ يشاهدونني وأنا أقوم بفحصها .. لكنك يا دكتور أخذت شيئا من طباعها.. السريرة وهي تمزح معه .. وكيف ذلك يا عزيزتي .. فأنت وديع كالحمل.. وذكي كالثعلب.. ووفي كالكلب.. ثم ماذا أيضا!! دكتور مازن وهو يغالب الضحك.. وشجاع كالأسد.. هذا كثير .. بعد إذنكما .. مع السلامة..

عبدالغني خلف الله
28-01-2011, 04:16 PM
الحلقة السابعة عشرة
لكن شخصاً ما كان يراقب الموقف من خلال الحاجز الزجاجى بالطابق الأعلى وهو يكاد ينفجر من شدة الغيظ .. فقبل قليل تابعه وهو يصطدم بهديل ويطرحها أرضاً وهو يدلف لمكتب والدها .. كاد قلبه أن يقفز من بين ضلوعه خوفاً عليها وارتبك ارتباكاً شديداً وهو يحاول الخروج من خلف مكتبه لنجدتها لكن ذلك الضيف المتعجل سبقه وساعدها على النهوض والأسوأ أنه استبقى كفها في كفه للحظات وهو يوجه لها كلاماً لم يتبينه وقد بدا له وكأنه إعتذار أو شيء من هذا القبيل .. ليضيف له عبئاً جديداً بافتعال الأهمية وخفة الدم أمام السريرة وهديل .. هذا الوغد ماذا كان تراه يقول لهما؟!! .. ليتنى أعرف وسأعرف بالتاكيد بعد مقابلة هديل .. وهاهو هاتفه النقال يرن وكان المتصل ( هنادى ) .. قالت له إنها في طريقها للمطار بعد أن قطعت إجازتها لظروف طارئة ورجته أن يلحق بها لتراه ولو للحظات ..لم يتوقف لتحيتهم وهو يدلف إلى الممر المؤدى للبوابة الرئيسية ..بالرغم من صيحات هديل في وجهه .. إلى أين إلى أين يا نادر؟ هديل وقد قرأت في وجهه ذلك الشعور بالانزعاج .. المطار .. المطااار ..ماذا؟ ..لكنه كان في تلك اللحظة قد أوقف عربة أجرة وانطلق بها بيد أن سائق التاكسى كان يقود بتمهل شديد الشيء الذى أفقده صوابه وبدا يقص عليه قصة حياته وكيف أنه كان كادراً قيادياً بذلك الحزب العقائدى ودخل السجن مرات ومرات خلال تعاطيه لهموم البلد والمواطنين ..لكنه على كل حال يعتبر نفسه محظوظاً فغيره من رفقاء النضال أمضوا أنضر سنى حياتهم فى السجون وعندما أُطلق سراحهم ضاعوا فى زحام الحياة ولم يأبه لهم أحد ..هل تنسى الجماهير رموزها بهذه الطريقة.. يبدو أن هذا ما يحدث .. كل رد الجميل تمثل له فى هذه العربة والتى تخص رئيس الحزب .. تنازل له عنها طواعية فقام بترخيصها كعربة أجرة .. لم لا ؟ فقد كان هو من يدير العمل السرى ويوزع المنشورات و( يشخبط ) الشعارات بالجدران .. وكم اسقط من طغاة وطواغيت في الأرض ولكن بالحبر فقط ..وأخيراً وصل نادر للمطار ووجد هنادى بانتظاره على أحّر من الجمر وقد تجاهلت النداءات التى يبثها مايكرفون صغير بصالة المغادرين طالباً من الركاب التوجه لميزان المتعلقات الشخصية من حقائب وخلافه ..قال لها وهو يستعيد توازنه بعد أن ركض بكل قواه من موقف عربات الأجرة إلى القاعة ..هنادى ..كيفك ؟ .. أهلاً نادر ..والدى الدرديرى ووالدتى إيمان وشقيقتى صفاء ..دقيقة من فضلك ..لقد التقيت هذه الآنسة الصغيرة .. صفاء ..نعم مقدمة برنامج جنة الأطفال بالتلفزيون .. الصبية ذات الخمسة عشرة ربيعاً والتى سحرت السودان وربما كل دائرة البث بالمنطقتين العربية والافريقية ..هى كذلك .. لديك قوة ملاحظة غير عادية ..صفاه وهى تمد يدها تصافحه .. ولم يكن وحده من انتبه لوجودها فجميع المسافرين والمودعين عرفوها بمجرد أن ترجلت من العربة مع بقية أسرتها .. والدى لديه مكتبة بالسوق العمومى .. أعرف شغفك بالاطلاع منذ أيام الجامعة ..نادر دفعتنا يا ماما وهو الآن صيرفي كبير .. تشرفنا يا خاله إيمان .. تعال قريب يا ولدى .. سلام الجفاء ده شنو ؟ وأخذته إليها تضمه وهى تردد شبه أخوى الناجى الخالق الناظر .لكن هنادى استأذنت بالدخول للمكان المخصص للمسافرين قبل أن تفقد حجوزاتها .. بكت وهى تنساب فى حضن أمها وقبّلت يد والدها مودعة وربتت على كتف نادر ولم تنبث ببنت شفة وهى تترك لدموعها العنان لتعبر عن حبها لهؤلاء السادة وبالأخص والدتها التى تحبها بجنون .. أكثر من نادر يا هديل ..؟ بالطبع .. صحيح أننى أُحبه من أعماقى ولكن لا شيء يعدل حب الوالدة فى هذه الحياة .

دلال كامل
30-01-2011, 12:15 AM
ممتعة للغاية

متابعة بكل شوق لمزيد من الأحداث المشوقة

لقلمك كل التقدير

عبدالغني خلف الله
30-01-2011, 01:16 PM
شكراً لك عزيزتى الأستاذة دلال ..
هذا التواصل معكم وبقية ا
أعضاء وضيوف الواحة الكرام يشجعنى على الاستمرار
شكراً مرة أخرى وحفظك الله من كل سوء.

عبدالغني خلف الله
30-01-2011, 01:35 PM
الحلقة الثامنة عشرة
استيقظ الدكتور مازن على صوت رنين الهاتف الساعة الثالثة صباحاً مذعوراً وكان المتصل صوت أنثوى يسمعه لأول مرة فى حياته ..عفواً للإزعاج ألست الدكتور مازن سيدى .. ؟ نعم.. نعم ..أنا هو ..إسمى ( سوسيانا) وأنا أتصل بكم من مستشفى ( نيو جرسى ) حيث يرقد والدكم السيدهاشم فى حالة خطرة وقد أُدخل إلى قسم العناية المكثفة
بالمستشفى .. ماذا تقولين يا آنسه ؟!!..بربك كيف حاله الآن ؟..حالته لا تدعو .. ثم بكاء بصوت خافت ..لا تدعو للاطمئنان ..أرجوك تعال حالاًً فهو يحتاجك بشدة وإليك العنوان عنوان المستشفى ..حسناً وهذا عنوان المنزل فى حالة ما إن كان سيتعافى ..أشكرك وسأتحرك فوراًًًً نحو المطار لأخذ أول طائرة متوجهة إلى نىويورك سيما وأن لدى بطاقة خضراء تمكننى من السفر متى ما شئت ..رحلة موفقة سيدى ..ومن ثمّ أجهشت بالبكاء قبل أن تغلق الخط ..سوسيانا ..سوسيانا ..ما قصة هذه الفتاة ذات اللكنة اللاتينية ؟ ولماذا تبكى ..يا الله .. اللهم أجعل عاقبة هذا الأمر خيراًً ..وبالطبع لم يضيع مازن وقتاً وانتظر بفارغ الصبر طلوع الشمس ..حزم حقيبته وجهز أوراقه ولم يُخطر حتى والدته وبقية أفراد الأسرة ..قال لهم بأنه سيطير إلى (دبى) لحضور مؤتمر علمى وبذل مجهوداً جباراًً ليدارى حيرته وارتباكه ..ولحسن حظه وجد مقعداًً على شركة ( الكى .أل . أم ) المتجهة منتصف النهار نحو نيويورك عبر القاهرة وأمستردام ..وكان لا بد أن يعرج على المصرف لسحب بعض المال .. لم يكن بالمصرف عملاء كُثر فقد كان الوقت مبكراً بعض الشيء ..عرج على مكتب رئيس مجلس الإدارة لأكثر من سبب لعل أهمه محاولة رؤية الآنسة (هديل)..فهو يشتاقها بشدة وقد تمنحه رؤيتها بعض المعنويات التى هو في أمس الحاجة إليها ..كانت تجلس على المقعد الملاصق لمكتب والدها وكان موضوع الحوار الصباحي المفعم بحنان الأبوة وشغف هؤلاء الآباء بقضية تزويج أبنائهم وبناتهم حتى يرزقوا بأحفاد يسبغون على كهولتهم البراءة والروعة والجمال ..جمال الأحفاد والحفيدات ..وكان الموضوع كما فى كل مرة دماثة خلق الدكتور سيد وطيب محتده ..والآنسة الصغيرة قلبها على نادر إبن الساعى حماد وربما ذاك الضيف المُترف الدكتور مازن وطيفه الذي ينتابها وقد يسهدها بالساعات لو لم تنشغل بشيء آخر ..فكانت تهرب إلى مذكراتها الشخصية التى تحرص عليها منذ أن كانت طالبة بالثانوية العليا ..سودت صفحاتها الأولى بأسئلة توجهها لبنات صفها عن هواياتهم والمواقف الطريفة التى مرت بهم وكل ما يتعلق بطفولتهن ..لتتحول فى الجامعة إلى اسقاطاتها وأسرارها الشخصية وتفاصيل رحياتها اليومية بالجامعة ..ثم .. مرحبااا ..دكتور مازن .. والدها وهو يقطع حبل أفكارها فى تلك اللحظة .. نهضت بصورة عفوية وطاش كوب الشاى الذى بيدها ليرتطم بأرضية المكتب ..وكان أقرب للدكتور مازن الذى التقطه وهو يردد ..إندفق الشر .. إندفق الشر ..حاولت أن تدارى خجلها بمغادرة المكتب بيد أن الدكتور مازن استبقاها قائلاً .. معذرة آنسه ..هديل .زأنا إسمى هديل .. قالتها بكل الإحساس المندس فى فؤادها النضر ..ربما أحتاجك فى مهمة داخل المصرف ومن ثمّ قص عليهم قصة مرض والده وطلب من هديل سحب مبلغ من المال حدده لها ..و ..حاضر ..حاضر ..أفعل حالاً .وعندما أنهت المعاملة زفته حتى الصالة الرئيسية وتوقفا قليلاً ليقول لها لقد افتقدتك بشدة طوال الاسبوع المنصرم يا هديل . يبدو أننى في ورطة ..أليس كذلك ؟ .. ضحكت من أعماقها بصورة لفتت أنظار الحاضرين فركضا نحو البوابة الخارجية وهى تحاول أن تئد ضحكتها ..ولم تكتف بذلك بل غادرت المبنى إلى حيث تقف عربته ..واعترفت له بأنه أيضاً يشغلها ..وقال لها وهو يفتح باب عربته ليغادر ..ماذا أُحضر لك معي من أمريكا ..لا شيء فقط عد لى سالماً .. إن شاء الله ..دعواتك ..وبخطىً وئيدة عادت للداخل وكانت هنالك أكثر من جهة تراقب الموقف باهتمام بالغ .. السريرة وقد انحنت توقع بعض الأوراق خلف الكاونتر ..توقفت عن التوقيع وأنظارها مشدودة إلى حيث يقفان ونادر من الطابق الأول خلف الواجهة الزجاجية وقد قرأ الصورة بإمعان شديد .

عبدالغني خلف الله
01-02-2011, 08:10 AM
الحلقة التاسعة عشرة
لا يتوانى السيد التهامى فى تلبية دعوة مجلس الآباء بالمدرسة الأولية للبنات لأكثر من سبب ..ذلك لأنه مهموم بالعملية التربوية من جهة باعتباره الرمز الأكثر حضوراً فى جميع أنشطة القرية وقد حباه الله بالمال والعلم ويريد أن يرى كل أبناء وبنات القرية قد تعلموا وساعدوا أسرهم التى تقف فى منطقة ما بين الرعى والزراعة بكل ما تشوبها من مشاكل فى التمويل ولسبب آخر يعلمه ويود لو يتناساه ولكن كيف .؟ فالأستاة نعمات أستاذة الرياضايات تصيبه بإرتباك هو أقرب للفزع من شدة نعومتها وإشراقها وإهابها الغض ..تُطرح المواضيع على بساط البحث بمكتب المدير .. الفصول تحتاج لبعض الترميم سيما والخريف على الأبواب فيتبرع بعدد من جوالات الاسمنت والبوهيات والأخشاب لصيانة النوافذ والأبواب ويمضى بعيداً فى أحلام اليقظة ينسج عالماً فريداً من الروعة والحب مع هذه الجالسة قبالته تدون وقائع الاجتماع ..وليس بعيداً عن غرفة السيد مدير المدرسة يلمح الأستاذ موسى وهو يتنقل من فصل لفصل ..وقد شعر الأستاذ بعمق التركيز وربما الإعجاب الصامت الذى يكنه لها عمه ووالد حبيبته ( مياده ) فيشعر بالأسى لما وصل إليه الرجل من ضياع وقد يعلم كم هي بارعة الأستاذة نعمات فى التلاعب بمشاعر وعواطف عمه ..فقد قام بتسليفها كمية كبيرة من مواد البناء لصيانة منزل أسرتها وقد اشتم فى الأفق رائحة شيء ما ..فالناس يتحدثون عن وله وإعجاب المهندس عامر الذى يعمل بالسعودية بنعمات بالرغم من أنه متزوج لأكثر من مرة .. توفيت زوجته الأولى بمرض التايفوئد فأصرت أسرتها على تزويجه شقيقتها كشيء من التعويض لا لشيء محدد سوى تربية بنات الراحلة العزيزة وحتى لا تدخل سيدة غريبة دارهم فتذيقهم العذاب والإهمال ومن حقه الزواج فى حينها وهو الذى لم يتجاوز الأربعين من العمر ..فما باله وقد تخطى الخمسين يحوم حول نعمات ..وقد أضحت بناته الخمسة فى الثانوية العامة وأصغرهن بمرحلة الأساس ..وافقت البنت على مضض وتزوجت بعامر وطوت أحلامها وعشقها لابن الجيران الطالب بالجامعة وكان قد وعدها بالزواج بمجرد التخرج والحصول على وظيفة وأخذها لتعيش بالخرطوم .. الكل متلهف للعيش بالخرطوم .. فمن تراه يبذر الحب في الحقول الخضراء ويرعى الماشية ويلتقط ثمار شجيرات الهشاب التى تطرح عشرات الأطنان من الصمغ العربى وتحصد القمح والذرة والفول السودانى وترسل كل تلكم الخيرات للخرطوم الفاغرة فمها لإلتهام كل شيء بما فى ذلك السواعد الخضراء ..إنتهى الاجتماع واقترح الأستاذ التهامى على الأستاذة نعمات بأن تراجع له حسابات ( المغلق ) لقرب موعد سداد الضرائب ..الضرائب .. من تراه أوجد هذا السلوك لتعذيب الناس ولماذا ؟ ..الإنجليز ؟ .. لقد غادر الإنجليز والحكم الآن بيد أولاد البلد .. فلماذا لا يقومون بإلغاء تلك الرسوم والضرائب الباهظة التى تثقل كاهل المواطنين .. صعدت على عربته ( الموريس ماينر ) التى يقودها منذ عقود ولا يريد استبدالها بأخرى .. إنه الولف وحٌمى الاعتياد التى أدمنها السيد التهامى واليوم وقد ألف وتعود على عيون نعمات كيف سيستحمل فراقها لو أن ما يدور من همس أصبح واقعاً ..عامر ..؟!! ..المدخن الشره..بتاع السياسه .. هل يستحق ذلك الدعيّ الهزيل كل هذا الجمال .. ؟ شكراً سيد التهامى لكن المراجعة خليها يوم تانى ..خمس حصص كتلتنى عديييل ..قالت ذلك بغنج ودلال أطرباه حتى الثمالة .. وهى ترجوه أن يوصلها لمنزلهم وليس للسوق حيث يعمل ..حاااضر يا ست الكل .. ست الكل دفعه واحده يا سيد التهامى ؟!! ..نان ما جننت المبالغة جن ..هو نحنا عندنا كم نعمات يااا نعمات ..مع السلامه ..أشوف وشك بخير أستاذ .

زينب وليد
06-02-2011, 07:28 PM
رائع

سااكمل متابعتها


دمتم بود

كريمة سعيد
07-02-2011, 12:43 PM
القدير عبد الغني خلف الله
كم تعجبني هذه القدرة الهائلة على عدم إهمال الجزئيات مهما كانت صغيرة
وهذا الغوص وراء التفاصيل وسبر أغوار نفس الشخوص
أنا هنا أتابع بصمت وشغف
كل التقدير والمودة

عبدالغني خلف الله
07-02-2011, 01:51 PM
بناتى العزيزات زينب وكريمة
أسعد الله أوقاتكم بكل خير
توقفت عن مواصلة الكتابة بسبب الانغماس الشديد فى الأحداث المتعلقة بثورة الشباب بمصر ..وتصورت أن أى إبداع لا يصب فى مصلحة هؤلاء الشباب هو نوع من الترف الذهنى ..بيد أن إشاراتكم المفرحة والمشجعة تمنحنى المسوق للمضى قدماً فى كتابة الرواية ..إعزازى ومودتى وأمنياتى بالتوفيق وموفور الصحة والعافية .

عبدالغني خلف الله
07-02-2011, 02:44 PM
الحلقة العشرون
السريره ..السريره ..من فضلك لحظه ..عندك ضيوف فى الاستقبال ..ضيوف لى أنا ؟ نعم ..نعم .. سيده وطفله ورجل يبدو وكأنه والد الطفلة وزوج تلك السيده ..أهلااان ..جيهان .. أنا اسمى جيهان .. معناها ضوء القمر ..إذكرتينى مش يا خالتو ؟ ..ده أبوى جباره ..أهلاً يا حاج ..جباره ودى أمى عشوشه ..عاشت الأسامى ..إتفضلوا .. مالكم واقفين ..؟ والله يا خالتو المطيره مشتاقه ليك شدييد ..السريره ..وأبوى دخلنى المدرسه وهسه بكتب أ ..أسد ..وب .. بنت ..و..و ..ولد ..خلاص بطلى الثرثرة ..الأم وقد تضايقت من طفلتها أما السريرة فقد كانت سعيدة برؤيتهما مرة أخرى بعد تلك المقابلة المتعجلة وقد التقطتهما من الشارع ..وهنا بدأ الزوج بالحديث والتأثر قد بلغ به أىما مبلغ .. قال لها كلاماً كثيراً اسعدها عن التكافل والتعاون بين الناس وأنه يشكرها من كل قلبه على الدعم المالى الذى قدمته لزوجته ..وشرح لها الظروف المحيطة به وكيف أنه كان مغترباً لفترة طويلة وأن كلما وفره من عرق جبينه كنجار ( موبيليا ) حديثة سطا عليه لص وهو يكاد يجزم أن أحد أقربائه من فعل ذلك به وكيف أن الشرطة لم تتوصل للسارق ومن ثمّ اتجه للأعمال الحرة ( رزق اليوم باليوم ) كما يقولون لكن الهجمة الرهيبة للأثاث المستورد وانفعال الأسر بها جعله خارج إطار المنظومة الحديثة للمنتج الجديد مما أضطره للعمل كخفير بأحد المبانى تحت التشييد وامتهان التسول بواسطة زوجته وابنته سيما وأنه من النازحين من الأطراف البعيدة بسبب الحروب والمجاعة .. هنا تذكرت السريرة مبلغ المائة دولار التى انتزعتها من د. مازن .فاستأذنتهما لحظات عادت بعدها بما يقابل المبلغ بالعملة المحلية وأسندت لنادر مهمة تصديق تمويل صغير للزوج يمكنه من إنشاء ورشة نجاره وتذكرت فى تلك اللحظات المترعة بالعواطف والشعور الطاغى بالرضا الذى ولده لديها فرح وابتهاج الطفلة جيهان ..لتسافربخيالها إلى ( نيوجرسى ) حيث حبيب أيامها وحلمها المستعصى الدكتور مازن وكان لحظتها يعايش أصعب لحظات عمره .. فقد علم بمجرد وصوله للمستشفى بأن حالة والده تسوء يوماً بيوم وخشى إن هو مات ألآ يعرف كيف يتصرف حيال الجثمان .. كيف سينقله للسودان ومن سيتولى إجراءات التجهيز ومن سيصلى عليه وأين .. وصدمته الوسامة الرهيبة التى شكلت ( سوسيانا ) وشبابها الغض ..وما هو كنه العلاقة التى تجمعها مع والده .. بيد أن الوالد عاد للوعى ثانية بعد مضي يومين على وصوله كان خلالها يتناوب مجالسته مع تلك الفتاة الرقيقة ..وبدا وكأنها أكثر تأثراً بما يجرى لولده منه هو شخصياً .. فرح الرجل بوجود إبنه إلى جانبه وفرح أكثر لكون سوسيانا لم تتخل عنه .. تعرف عليها بمجرد وصوله إلى هنا عندما اتصل بإحدى الشركات التى توفر ما يعرف فى الغرب ب( المرافقة الاجتماعية ) لكنه سرعان ما أحبها حباً ملك عليه حواسه وجوارحه .. وبانضباط الموظف الملتزم بمهنته رفضت كل صنوف الإغراء التى كبلها بها وعندما يئس من تجاوبها معه عرض عليها الزواج فوافقت بشروط أهمها أن يشترى لها منزلاً وعربة وأن يودع مبلغاً اتفقا عليه بحسابها لدى أحد المصارف وكان ذلك ما يفسر الاستنزاف المبالغ فيه لموارده بالمصرف هنالك .. قال له بصوت واهن ..أنا عافى منك دنيا وآخره يا بنى وأتمنى أن تتفهم دوافع زواجى من ( سوسيانا) لأننى وقد أُعجبت بها لم أرد أن أقع فى الحرام وقد تزوجتها وأنوى أخذها معى للخرطوم .. ولكن بابا كيف سيكون شعور أمى حيال هذا الخطب الجلل .. كان يتعين عليك التريث أو على الأقل استشارتى ..عذراً أبى لا أقصد أن أضع نفسى فى موقف الوصى عليك لكنك رجل تعرف الأصول وقد علمتنا كيف نصبح رجالاً بمعنى الكلمة .. وكانت ( سوسيانا) تستمع بانتباه لافت لكن دون أن تفهم شيئاً مما يدور من نقاش بين الإبن وزوجها ..وتساءلت بينها وبين نفسها هل أنا إنتهازية جبانة إذ أتزوج من شيخ هو فى خريف العمر؟!! .. لقد كانت تلك هى رغبته وهو يلح عليها إلحاحاً شديداً لتقبل به زوجاً لها بل ويذرف الدموع خلال توسلاته تلك .

عبدالغني خلف الله
08-02-2011, 06:58 AM
الحلقة الواحدة والعشرون

أن تحب شخصاً ما بجنون ..هذا شيء مقبول ..أن تسهر الليالى وأنت تقرأ النجوم تناجيها وتبوح لها بغرامك ذاك القتّال ..هذا عين العقل .. أن تركض خلف حبيبتك فى الطرقات والأزقة تهزج باسمها وتناديها أملاً فى نظرة عطف وحنان ولو للمحة عابره .. ممكن .. وأن تحضر جوقة موسيقية وتعزف لمعشوقتك ( سيرينادا ) وتقرأ الشعر هذا فعل نشاهده فى الأفلام الرومانسية ونضحك من سذاجة من يقومون به ..لعلهم لم يسمعوا قول عنترة العبسي وهو يغنى لحبيبته ..وودت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم ..وربما سطعت لا أدرى ..وشتان ما بين الحب الرجولى والحب الاستعراضى .. كل تلك الأفعال الصبيانية تحدث فى دنيا الحب ..لكن أن تحمل جواز سفرك وتطلب تأشيرة دخول لبلد ما وتحجز مقعداً وتترك زوجتك وأطفالك وعملك وتغادر بلدك من أجل عيون صبية لونتها الروعة بألوانها الزاهية ..هذا هو اللامعقول بعينه سيما وإن كنت فوق الخمسين .. وهذا بالضبط ما فعله الشيخ المداوى بالرقى والأذكار ويبحث عن الطبيب المداوى لجراحاته المستعصية ..أغلق عيادته ب( الضبة ) والمفتاح كما يقولون وودع الدهماء والغوغاء من المخدوعين والمخدوعات ببركاته الزائفة واتجه صوب المطار ليحط بعد ساعة ونصف فى مطار القاهرة.. أعطى العنوان لسائق التاكسى بيدين مرتجفتين ..واستغرب السائق من تعجل الرجل وقد عرف أنه يطلب المدينة الجامعية .. وذكر له أسماء عدد من الفنادق و( البنسيونات ) بعد أن لاحظ عليه الارهاق والشحوب ..لماذا الكل شاحب ومرهق هذه الأيام ؟! هل نحن فى عصر الشحوب والارهاق أم ماذا ؟ .. لكن الشيخ المتعب والمفتون بشابة تُدعى (هنادى ).. تنهد بارتياح بالغ وهو يطرق باب النزل الخاص بطالبات الجامعة المصرية العريقة .. طلبت منه مديرة الدار بأن يجلس حيث هو بغرفة الاستقبال ريثما تعود الطالبات من المحاضرات .. وكانت ثمة حركة دؤوبة لفتيات يخرجن ويدخلن في ما يشبه الصخب اللذيذ الشيء الذى أصاب صاحبنا المتصابى والمتوتر أصلاً بتوتر جديد ..تعصف بالمكان ..هنادى اسماعيل الحاج .. طالبة من السودان .. نعم ..نعم .. وهى تدرس بكلية الآداب قسم الترجمة .. أظنها كذلك ..لقد عرفتها .. يا لها من طالبة مهذبة .. هل أنت والدها ؟! ..لا ..أنا ..أنا فقط أحمل لها بعض الوصايا والنقود .. إذن لماذا لا تترك وصاياك وتذهب لشأنك وثق يا أستاذ بأننا سنوصلها لهنادى .. فقد لاحظت أنك وصلت للتو من المطار .. أوصلتك إلينا سيارة أجرة من النوع الذى يعمل بالمطار .. نعم هو كذلك لكننى أفضل أن أبرئ ذمتى وأتأكد من أنها استلمتها منى أنا شخصياً ..تبرئ ذمتك يا دجال يا منافق أم تبل اشواقك وترتاح فوق أرصفتها المونقة ؟ ..ما أصعب الوله على شخص تقدم فى السن .. ولماذا أنت متأكد من هكذا أطروحات يا صاح ؟ ..أنا.. أنا ؟!! وما دخلى أنا بالموضوع يا هذا..؟ أسأل الشيخ يجيبك على هذا الاستطراد الغبى .. وأخيراً أطلت هنادى وهى تستند على كتف إحدى زميلاتها .. ووصلت ضحكاتهما معاً حتى الشيخ القادم من جنوب الوادى .. شيخنا ..؟!!!!!!!! صرخت فى رعب حقيقى وسقطت المذكرات من يدها لكنها استدركت كنه وغرابة الموقف فغيرت من نبرات صوتها لتقول له فى ترحيب مصطنع ..أهلاً.. أهلاً .. شرفتنا .. شرفتنا يا شيخ .. ومن ثمّ استأذنت من زميلتها وهى تطلب منها التقاط المذكرات التى تناثرت فى جميع الزوايا وتحملها معها لغرفتهما .

كريمة سعيد
08-02-2011, 03:07 PM
"- ما أصعب الوله على شخص تقدم فى السن ..
- ولماذا أنت متأكد من هكذا أطروحات يا صاح ؟..
- أنا.. أنا ؟!! وما دخلى أنا بالموضوع يا هذا..؟

هذا الاستطراد أضحكني أضحك الله سنك أستاذي القدير
في انتظار المزيد تقبل تقديري ومودتي

عبدالغني خلف الله
09-02-2011, 10:01 AM
شكراً لمرورك المفرح أستاذة كريمة .. أنا أيضاً ضحكت على نفسى وكيف ان عوالم الكتابة الغامضة تفاجئك فى كل مرة بأكثر من خاطر غريب ..هذا مع تحياتى .

عبدالغني خلف الله
09-02-2011, 10:03 AM
الحلقة الثانية والعشرون
أمضى (هارون ( الترزى الساعات الطوال وهو يخيط فستان العيد ل( بخيته ) بائعة الشاى ويعيد التفصيل مع بعض (الاكسسوارات )والزرارير الملونة إلى أن تأكد بأن الفستان قد اصطبغ بكل الأناقة التى ستعجبها ..حمل الفستان وهو يمنى نفسه بلقاء عاصف معها يكون بعده أو لا يكون .. فهو بالأصل غريب فى هذه القرية ولو أنه اندمج فى أوساطها وصار وكأنه أحد أبنائها ..بيد أنه لا يزال يشعر بالحنين للعودة مجدداً إلى سفوح قريته البعيدة هنالك على الحدود الشرقية للسودان حيث ولد وترعرع وتعلم مهنة حياكة الملابس التى ورثها عن والده .. ومع توفر الملابس الجاهزة فى سوق المدينة القريبة من القرية عزف الناس عن شراء الأقمشة ..الشئ الذى أصاب كل الخياطين هنالك بالعوز والفاقة .. لم تتحمل أعصابه نظرات والده المقعد وهو يؤوب مساء كل يوم خالى الوفاض فقرر أن يسافر للمدينة الكبيرة ويمتهن أى مهنة تعينه على إعاشة أسرته ..استقل عربة ( لورى ) كبيرة أشبه بالشاحنة وظلت تلك العربة تعلو وتهبط السفوح والوديان أياماً وليلى بطولها ..وبينما هم على تخوم القرية التى أنجبت السريرة إنفجر الإطار الأمامى للعربة ..عكف السائق ومساعده على استبداله بالإطار الاحتياطى لكن الآخير انفجرهو أيضاً واللورى يتهادى باتجاه سوق القرية .. لم يكن مع السائق المبلغ الذى يمكنه من شراء إطار جديد فأمضى ومعه بقية الركاب ثلاثة أيام بلياليها بانتظار الدعم اللازم من مالك العربة وعندما حُلت المشكلة وعاودت العربة مشوارها نحو الخرطوم تخلف ( هارون ) وقرر البقاء هنا بعد أن أعجبه المكان والناس ووفرة العمل وأعجبته بصفة خاصة ( بخيته ) بائعة الشاى المدللة .. صحيح أنها أمية ولا تعرف القراءة والكتابة لكنها فارعة القوام أنيقة فى مظهرها..وفى لهجتها حلاوة طاغية بالنظر إلى أنها منجدرة من جذور نيجيرية .. كان يحضر لها يصورة شبه يومية يستدفئ بالشاى الجميل ب(النعناع ) ..ويتطلع نحو قامتها الباسقة وصباها الريان وقد قرر بينه وبين نفسه بأن بخيته هذه هى قدره فى هذه الدنيا الفانية وهى أنسب زوجة له ..كيف لا وكلاهما مقطوع من شجرة كما يقولون ..وفدت مع أسرتها من عرب أفريقيا فى طريقهم لأداء فريضة الحج ..وكانت ( بخيته ) فى تلك الأثناء صبية تجاوز عمرها العاشرة بقليل ..لكنها مرضت مرضاً شديداً أقعدها عن مواصلة المشوار حتى الأراضى المقدسة ..فاضطُرت أسرتها لتركها لدى عائلة السيد التهامى كأمانه ريثما ينقضى موسم الحج .. تساعد زوجته فى أعباء المنزل ونظافته ..وكبرت وهى تعيش فى كنف التهامى أفندى وتعمل أمام ( مغلقه ) بالسوق ..بيد ان الوالد وزوجته لم يعودا للسودان مذ ذلك الحين .. وجدها وهى تعد الشاى لبعض زبائنها فطلب منها أن تلحق به حيث السيد التهامى ..شرح له الغرض من مجيئه وكيف أنه يريد بخيته كزوجة له على سنة الله ورسوله ..شعر الأخير بفرح غامر لأن كل الذين تقدموا لخطبتها منه لم يكونوا على خُلق بالقدر الذى يمتاز به هارون ..الترزى الغريب الذى لا يُعرف من أين أتى ..وعُرف بأنه يصلى الأوقات الخمسة بمسجد القرية بل ويرفع الآذان فى بعض الأحيان ويحرص على الصيام فريضة وتطوعاً ..متأثراً بجذوره المنحدرة من قبيلة ( الفلاته ) وما عرفت به تلك القبيلة من تدين ..كانت كمن يتوقع موضوع تلك المقابلة التى اختصرت على ثلاثتهما فقط ..أخطرها التهامى برغبة المعلم هارون الترزى فى الزواج منهاوأسهب فى تقريظه ووصفه بهارون المهذب ( الصّوام .. الصّاى ..المُجامل ) أسدلت خمارها فوق وجهها وهمست فى رقة متناهية ..موافقه يا حاج ..موافقه .. هنا أخرج هارون الفستان الجديد المزركش بشتى الألوان وقدمه لها كهدية متواضعة وأتفق ثلاثتهم على أن يكون الزواج فى العيد الكبير ..إذ لم يتبق عليه سوى أسبوعان فقط ..وستكون مناسبة استثنائية ربما تصحبها مناسبات ...هنالك الأستاذ موسى ومياده التهامى وقصة حب تتبلور عسى أن تتوج بالزواج وسيحضر الجميع لقضاء إجازة العيد مع ذويهم وستحضر السريرة أيضاًَ إن شاء الله .. ياااه ..ما أجمل ( لمة ) الأهل والأحباب هنا بعيداً عن المدينة وهمومها التى لا تُحصى ولا تُعد .

علياء محمود
09-02-2011, 10:32 PM
وما اجمله قلم حينما يغوص في اعماق البحر ويأتي لنا بأروع اللآلئ

امتعتني بحق ولكن هناك مايقلقني..

اتمنى تكون النهايات كما رسمتها ..

يسلم قلمك استاذي ويسلم فكرك النبيل..

كل الود.

عبدالغني خلف الله
10-02-2011, 08:07 AM
شكراً لك يا ابنتى الغالية علياء ..معك وكل المتابعين لهذا العمل نمضى وندع النهايات مفتوحة لكافة الاحتمالات .. تقبلى أطيب التحايا ودمت فى رعاية الله وحفظه .

عبدالغني خلف الله
10-02-2011, 08:08 AM
الحلقة الثالثة والعشرون
والدكم استرد عافيته بسرعة مستر مازن ..أجل ..ذلك الفضل من الله ..كأنما حصلت معجزة لينجو زوجى الحبيب من الموت .. فالأطباء بارعون جداً بهذا المستشفى ..الموت والحياة بيد الله ..أحياناً يلعب الأطباء دوراً مهماً فى شفاء المرضى ..أليس كذلك مستر مازن ؟ ..بل هم يقدمون الأسباب والشافى هو الله يا عزيزتى سوسيانا ..أنا لا أفهمك جيداً عزيزي الفاضل ..المهم أن الأطباء قرروا مغادرته سرير المرض عصر هذا اليوم أليس ذلك شيئاً مفرحاً ؟ نعم .. نعم .. إذن بالإذن لحظة ريثما أوفى المستشفى حقها من الأتعاب ..لا ..لا ..سيدتى ..هذا واجبى .. أنا أبنه وسأقوم بتسديد فاتورة العلاج على الفور ..أخشى ألاّ يكون باستطاعتك ذلك لأننا تحصلنا على تأمين صحى بُعيد زواجنا .. فقط أرجوك أن تبقى إلى جانبه وهو نائم لحين عودتى .. مهلاً .. تمهل ..لا تسقط الأطباق عزيزي فيستيقظ زوجى من النوم مذعوراً .. شكراً سأعود حالاً .. وخرجت سوسيانا وبقى مازن بجانب والده يحدق فى قسمات وجهه وينحنى ليقبّل جبينه بين الفينة والفينة ..إييه يا والدى العزيز .. لماذا فعلت ذلك بنا وبنفسك ..؟ كيف تجازف بالزواج من هذه الصبية الصغيرة التىفى عمر أصغر شقيقاتى ؟ .. وأنت من أنت ؟ ..رئيس مجلس إدارة أكبر شركة بالسودان وتجربتك فى الحياة تساوى تجربة جيل بأكمله ..ولم تمض بضعة دقائق حتى عادت سوسيانا مرة أخرى ..لدى أنباء ساره .. سنغادر الآن .. رجاءاً اتصل بشركة التاكسى القريبة من هنا وأطلب لنا سيارة أجرة .. أفعل .. أفعل حالاً .. الحمد لك يا رب ..الحمد لك يا رب .
على مهلك .. على أكثر من مهلك أبى .. لم تعاملنى هكذا يا دكتور ؟ .. لقد شفيت بفضل الله .. وأنا الآن جاهز لخوض سباقات الضاحية كما كنت أفعل وأنا طالب بالجامعة ..ضحكت سوسيانا عندما ترجم لها زوجها ما قاله لابنه .. ضحكت بحبور مطلق وهى تتحسس وجهه بأصابعها وهى تردد .. عليك أن تصدقه .. عليك أن تصدقه .. ولدى باب المنزل وقد ترجل الجميع طلبت سوسيانا من مازن الذهاب إلى أى فندق لتمضية هذه الليلة لأنها تود أن تكون لوحدها مع زوجها .. لا بأس .. لا بأس .. أراكم صباح الغد .. مازن وهو يبتعد وشعور طاغ بالمهانة يعتريه .. كيف جوزت هذه الصغيرة لنفسها بطرده من منزلها .. دلفت إلى المطبخ وأعدت له حساءاً ساخناً وأسندته على ركبتها وهى تناوله الحساء بنفسها وهو يتظاهر بالإمتعاض من كثرة التوابل التى به ..توابل مكسيكية حارة حرارة العواطف فى بلدها المكسيك ك.. بلدها الذى هاجرت منهه ..ثم ..اسمعنى جيداً سيدى ..سيدى ؟!! ما هذه النبرة التى تحدثه بها ؟..لا..لا ..السيد الوالد وقد توجس خيفةً من بقية الكلام وما يمكن أن تكتنفه من مفاجآت ليس مستعداً بعد لتقبلها ..اسمعك جيداً حبيبتى سوسيانا ..أعتقد بأن عليك العودة للسودان حيث تنتمى وحيث يجب أن تكون .. لقد كنت صادقاً فى مشاعرك معى وليس كالآخرين .. خذ مثلاً ( فردريكو ) .. ركلنى مثل نعجة عجفاء من أجل تلك الفتاة لاعبة الجمباز فى السيرك القادم من ( توباز) ..وكذلك فعل بى أنطونيو عندما هجرنى وغادر إلى اليابان لينضم للقاعدة البحرية الأمريكية هناك .. لم يصدق البائس السفيه أنه قد حصل أخيراً على الجنسية الأمريكية ووافق على الالتحاق بالبحرية مقابل حصوله على الهوية .. وأنا .. من أكون بالنسبة له ؟ .. عاملنى كمراهقة صغيرة بلهاء لا تعرف أى شئ فى الحياة ..الصفيق التافه الجبان .. وجئت أنت من العدم لتمنحنى إنسانيتى المهدرة فى هذا البلد ..إشتريت لى منزلاً وعربة وأودعت مبلغاً لا بأس به فى حسابى والأهم من كل ذلك أنك أحببتنى بحميمية لا تصدق .. عد للسودان لتعيش مع شعبك وأسرتك وسأكون هنا بعدك مثل كرة صغيرة تتقاذفنى هوج الرياح وربما أتمكن من نسيانك يوماً ما لأبدأ حياتى من جديد .. ما هذا الهراء الذى تتفوهين به سوسيانا ..؟!!! بالطبع سأعود للسودان وستسافرين معى ..سأشترى لك شقة خاصة بك فى الخرطوم ونعيش كزوجين سعيدين لا يكدر صفونا شئ ..لا استطيع يا عزيزى ..أرجوك حاول أن تفهمنى سيد هاشم .. سأعيد لك المنزل والعربة وأحتفظ بالمبلغ المودع بالمصرف بعد أن فصلتنى الشركة بمجرد أن علمت بزواجى منك .. وإذا كان ذلك المال يهمك سأعيده لك أيضاً حتى وإن أضطررت للتسول وامتهان الدعارة حتى لا أتضور من الجوع حتى الموت .. هل تسمح لزوجتك السابقة أن تتحول بعدك إلى مومس ؟ ..ها ؟!! ..ومن بين البكاء والعويل كشفت سوسيانا عن إنسانة رائعة بالفعل كما فهمها السيد الفكى هاشم .. وأمتد الحوار بينهما حتى الفجر .. وأخيراً قال لها ..اسمعينى أنت ايضاً جيداً سوسيانا ..سأتركك ما دامت هذه رغبتك حبيبتى .. لكن تأكدى بأننى لن أنساك حتى آخر ثانية من عمرى ..سأفتقدك يا غاليتى وسنتواصل عبر الهاتف وقد ترغبين فى زيارة الخرطوم كسائحة .. بإمكانك الاحتفاظ بالعربة والمبلغ المودع فى البنك وسأبيع المنزل لصالحى .. ما رأيك بهذا الحل .. أنت رائع سيد هاشم أنت أكثر من رائع .. حبيبى .. بالطبع أنا موافقة وممتنة لكرمك ونبل أخلاقك .. والآن ضمنى إليك يا زوجى الحبيب لآخر مرة قبل أن أودعك الوداع الأخير .

عبدالغني خلف الله
12-02-2011, 09:29 AM
الحلقة الرابعة والعشرون
أرجو أن تمنحينى نصف ساعة فقط من وقتك عزيزتى هنادى ..نصف ساعة فقط أوضح لك خلالها لماذا أنا هنا ..أرجوك هنادى ..الشيخ وهو يستجديها فى إلحاح شديد ..لا بأس يا شيخنا ..لكن نصف ساعة فقط لا أكثر ..حسناً فلنذهب لمكان هادئ خارج المدينة الجامعية لو أمكن .. هيا بنا ..وفى مقهىً عام بوسط القاهرة إختار الشيخ منضدة نائية وطلب لها ولنفسه شيئاً من عصير الفاكهة ..وقبل أن يدلف مباشرة للموضوع حدثها عن نفسه ومن يكون ..قال لها ..تخرجت من الجامعة وحصلت على (بكالاريوس) فى التربية وأتبعته ب(ماجستير )علم نفس ..وحفيت قدماى من كثرة البحث عن وظيفة لأعول بها أسرتى ..أسرتى التى باعت كل شئ تملكه لتعيننى على إكمال دراستى ..باع والدى حتى حماره الذى يقلّه للعمل فى الحقل .. باع النعجات الثلاثة .. باع حتى الدجاج والحمام ..وعندما شعرت بأن أسرتى على وشك التحول للتسول من أجل لقمة العيش أشار علىّ أحد الأصدقاء لأمتهن الدجل والشعوذة .. قلت لا بأس فلأجرب وقام هو بحملة إعلامية كثيفة للإيحاء بأننى من أولاياء الله الصالحين وأننى أبرئ المصابين وأعالج المرضى وأمنح الذرية الصالحة .. ووجد من يصدقه من بين النساء خاصةً .. فتدفق الناس صوبى بشكل أصابنى بالارتباك الشديد ..كان يتحدث فى انفعال وهو يشعر بالندم الشديد من أفعاله الكذوبة تلك ..وهنادى تنصت له باهتمام شديد ..وعندما قرأ اسمه فى الصحف بأنه قد حاز على وظيفة ما عبر لجنة الاختيار للوظائف العامة اكتشف بأن المرتب لا يساوى عمولة جلسة واحدة مع سيدة ما تخشى من أن يتزوج عليها زوجها وتريد أن تكبله بالرُقى والتمائم ..فاختار الاستمرار فى مهنة الدجل والشعوذة وسنحت له أكبر فرصة فى حياته عندما شاع أمره عبر السودانيين العاملين بالخارج ليستدرج أحد الأثرياء العرب ويختلس منه عشرة ملايين من الدولارات دفعة واحدة من أجل شفاء ابنته الوحيدة التى عجز الأطباء فى معالجتها بجميع أركان الدنيا شرقاً وغرباً .. وتشاء إرادة الله وحدها أن تُشفى تلك الفتاة تحت دهشة واستغراب ذويها .. قال لها إن وافقت على زواجنا سأهجر مهنة الدجل والشعوذة وأتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأبدأ معك حياة نظيفة لا تشوبها شائبة من أى نوع ..قالت له بأدب جم ..والله يا شيخ أنا الآن احترمك من كل قلبى لأنك كنت صريحاً معى وأميناً فى مشاعرك نحوى لكننى مرتبطة بقصة حب عفيفة مع ( نادر) الشاب الذى حضر معى عندما زرناك ونخطط للزواج بعد تخرجى الذى تبقى له عام واحد .. هل تقبل بأن تتزوج جسداً بدون قلب يا شيخنا .. أقبل والحب سيأتى .. الحب سيأتى يا هنادى صدقينى سيأتى ..سأشترى لك منزلاً فخماً وسيارة وأودع فى البنك مبلغاً كبيراً باسمك ..خمسين ألف دولار .. ماشي؟ ..مائة ألف دولار ..إذن نصف مليون دولار ..لكن يا شيخ العواطف لا تشرى بالدولار صدقنى ستجد أحسن وأجمل منى فاتركنى وشأنى يا شيخ ..وفى تلك اللحظات كان قد أخذ كفها بين يديه يدعكها فى وله وعشق وتتابع غريب ..وعندما حاولت أن تسحب كفها من بين ثنايا أصابعه قربها من فمه ولحوس أصابع يدها وهو يتمتم بكلام غير مفهوم ..وبدأ وكأنه يقرأ لها الحظ .. أنظرى يا هنادى إلى هذه الجموع الغفيرة أمام منزلكم بالخرطو ..ماذا؟!!! .. عن أى جموع تتحدث يا شيخ ..ألا ترينها هنا فى باطن كفك يا هنادى ..ثم ..لا ..لا .. هنالك جنازتان ..ماذا ؟ صرخت هنادى فى رعب حقيقى أثار انتباه الحضور بالمقهى .. جنازة لأمك ..و ..إنتظرى ..وجنازة لأبيك ..لكن لا تخافى عزيزتى ساوقفهما على الفور ..هىىىىىىى..يااااا..كُف عن الهذيان أيها الوغد الزنيم ..هنادى وقد بلغ بها الغضب درجة لا توصف ..وقفت على قدميها ولطمته بحقيبة يدها لطمة أطارت صوابه فتدخل الموجودون بالمقهى للحيلولة دون تفاقم الوضع وهم فى أشد الاستغراب لما يحدث .. غادرت المقهى على عجل وهو يصيح خلفها ..المقابر ..المقابر يا هنادى ..موعدنا فى المقابر .. أما هى فقد أوشكت على السقوط وهى توقف سيارة أجرة صعدت إلى داخلها وهى تبكى بصوت مسموع .

علياء محمود
12-02-2011, 04:38 PM
لا اطيق الانتظار...

ارجوك استاذي..اين الباقي؟؟

الله يكون بعون هنادي...

عبدالغني خلف الله
13-02-2011, 07:08 AM
اسعدالله صباحاتك بالخير والإشراق عزيزتى علياء ..تسعدنى متابعتك وكل الأعزاء أعضاء وزوار الواحة .

عبدالغني خلف الله
13-02-2011, 07:09 AM
الحلقة الخامسة والعشرون
عاد السيد التهامى إلى ( المغلق ) من المدرسة بعد أن ظل يتردد عليها على مدى ثلاثة أيام عله يلمح الأستاذة نعمات ولو على البعد ..بيد أنه لم يظفر منها ولو بلمحة عابرة تطفئ هذا البركان الذى يغلى فى دواخله ..منعه وضعه الاجتماعى من الظهور بمظهر الرجل المتهافت ..الطائش وهو الجالس فوق عرش القرية مليكاً وأميراً على كل ركن فيها ..الوضع الإجتماعى ..العادات والتقاليد وماضيه التليد ..كل هذه العوامل تحول بينه وبين الإفصاح عما يجول بخاطره ..فقط يجول ؟! .. بل قل يعربد ويحطم كبريائه التى حرص عليها كل هاتيك السنون منذ أن تقاعد من منصبه كوكيل وزارة يشار إليه بالبنان ..لم يشفع له ماضيه العامر بالإنجازات وسجله الحافل بالأوسمة والأنواط ..وسام الجدارة من الدرجة الأولى وقد تقلده من رئيس الجمهورية فى إحدى المناسبات الوطنية .. نعم .. عيد الاستقلال من الاستعمار البغيض .. عيد الحرية .. فمن تراه يحرره من استعمار الأستاذه نعمات من تراه ..لو كان مثل ( هارون) النجار أو( سلمان العربجى) وعبدالقدوس الجزار ومكاشفى فى سوق الخضار .. لما صبر على كل هذه الآلام طوال هذه المدة ولصرخ بأعلى صوته ..بحبييييييييك يا نعمات ..بموت فيك ..لكن الرجال مواقف ولن يسمح لنفسه بالسقوط فى نظر الجميع من أجل فتاة حتى وإن كانت ( تاجوج ) ..وعلى كلٍ لابد من حسم هذا الأمر العيد القادم .. سيتقدم لخطبتها من والدها ويعلم كم يعزه ويحترمه الرجل ..وهو بذلك لن يكون نشازاً فى نظر القوم ..فالزواج للمرة الثانية والثالثة ليس بدعة هنا ..والده رحمه الله تزوج ثلاث مرات وكذلك فعل أعمامه وأخواله .. إذن ما الغريب فى زواجه من نعمات لينعم بقية عمره بكل ذلك الجمال القتّال .. أى والله .. قتلتنى هذه الغزالة الفارهة وحطمت كيانى ..لكن لماذا لا يطلب من ( بخيتة ) بائعة الشاى استجلاء الأمر .. أمر غيابها عن المدرسة أو لعلها لم تغب أصلاً وكانت تعطى التلميذات الدروس المعتادة .. خمس حصص كل يوم ؟ .. هذا كثير عليك يا فاتنتى الصغيرة ..لماذا لا ترسل لنا وزارة التربية والتعليم المزيد من المعلمين حتى لا تتعب ( نعمات ) من كثرة الوقوف كل يوم .. إنه يعرف الوزير معرفة شخصية وسيكلمه حول هذا الأمر .. ثم .. يا ( بخيته ) ..بخييتا ..نعم يابا .. نعم الله عليك تعالى دقيقه من فضلك .. أيوا يابا ..أجيب ليك شاى ؟ .. لا ..شكراً شربتو فى البيت .. أسمعى .. غداً الجمعة .. وإنتى كالعاده حتمشى بيت ناس الأستاذه نعمات مش ؟! ..أيوا يابا .. بمشى أطبخ معاها طبيخ الأسبوع وأغسل ليها ملابسا وأكويها ليها والله يابا .. كان شفت نعمات دى بتطبخ جنس طبايخ من الله ما خلقنى ما أكلتنا زيها ....ممتاز ..ما دام كده عاوزك تديها الأمانه دى وتسلمى لى عليها شديد وقولى ليها ضرورى تمر على يوم السبت بعد الحصص .. مفهوم ؟ .. حاضر يابا .. كتر خيرك ..كتر ألف خيرك .

عبدالغني خلف الله
14-02-2011, 07:39 AM
الحلقة السادسة والعشرون
ومع آخر حرف فى أمر النقل من قسم الودائع إلى الإدارة الدولية شعر نادر بالأرض تميد تحت أقدامه ..وصار يقرأ ثم يرفع راسه يسبح فى بحر عينيها ومن ثمّ يعاود قراءة الأمر ..والتوقيع مدير المصرف .. صوره لكذا وكذا ..و صوره لملفه الشخصى ..لم تنتبه لما يدور حولها وعندما رفعت راسها ونظرت نحوه إنكب على بعض الأوراق التى أمامه وتظاهر بأنه مستغرقاً فى قراءتها ..لكن هديل بحسها الشفيف ورقتها المفرطة شعرت بأن شيئاً ما يزعج هذا الولد ..نادر إبن الساعى حماد ..مالك يا نادر ؟! ..مالى يا هديل ؟ ..شكلك ما طبيعى ..بعدين شنو الأوراق القدامك دى ؟ ..أبداً أمر نقل للإدارة الدولية والتنفيذ فوراً .. نقل ؟!! ..لماذا ومن قرر ذلك ..؟ السيد المدير طبعاً وقد وجه بالتنفيذ دون إبطاء وعهد إلى ( مامون ) الموظف الجديد ليعمل مكانى هنا ..لا يا نادر ..هذا ليس عدلاً .. أنت لم تقصر فى واجبك يوماً ما وكان حرى بالسيد المدير ترقيتك وتحفيزك وليس نقلك ..إلى أين يا هديل ؟ ..سأخبر والدى بما حدث وأطلب منه إلغاء هذا الأمر فوراً ..هديل توقفى أرجوك توقفى ..لكن السيد الوالد كان على علم بأمر النقل وهو من أوعز للمدير بنقل نادر بعد أن ضايقه التقارب الكبير بينه وابنته .. هذا الشاب القادم من الطبقة الدنيا دنيا المساكين ..السعاة وعمال النظافة إلى آخر القائمة المسحوقة ..ولم يقصر السيد المدير بالطبع فحرر الأمر بسرعة لا تصدق .. وفى هذه الأثناء عكف نادر على كتابة استئناف للقرار بحجة أنه لا يفهم كثيراً فى العمل بالإدارة الدولية ..إييه ..يعنى خلاص ما حأشوف هديل زى كل يوم ؟ ..إنه ظل ولمدة عام كامل يوفق كل أوضاعه الحياتية من أجل عيون هديل .. يستيقظ فى الصباح الباكر وبعد أداء صلاة الفجر يدخل فى برنامج مكثف لتحسين مظهره حتى يبدو أمام عينيها فى أبهى حلة ممكنة ويقف فى الشارع بانتظار الحافلة التى تقلّ الموظفين من أماكن سكنهم حتى مبنى المصرف على أحرّ من الجمر .. ولأنه يسكن مع أسرته فى حى أشبه بالعشوائى ..فقد كان وجوده هنا السبب الرئيس فى شعور عم ( سلام )السائق العتيق فى المصرف بالضجر والسأم من طول المشوار حتى منزل عم حماد وإبنه نادر .. ومع أضواء الصبح الأولى تصل الحافلة ويترجل الجميع حيث يقفز منها نادر بخفة ونشاط يصعد إلى المكتب يطمئن على نظافته وبأن كل شئ أنيق ومرتب فيخرج إلى البلكونة يترقب وصول الآنسة هديل .. وقبل أن تتوقف عربتها تماماً يهرع نحوها هابطاً الدرج فى قفزات متتالية وهو يشعر بفرح غامر كأنه يراها بعد طول غياب وليس ظهر الأمس فقط و .. صباح الخير هديييل ..صباح الخير نادر ..كيفِِك ؟ .. كويسه ..خلى عنك أنا (ببركن ) السياره ..لكم يشعر بالأسى والألم هذه الساعة .. كيف سيعمل فى مكتب لا تٌجمّله هديل وتضفى عليه من روحها العذبة ودعاباتها المرحة تلك الأجواء المفرحة ..لقد جرب الحب فى الجامعة لكن ما أبعد الفرق بين الحب هنالك والحب بعد الجامعة .. كانت المشاعر تتشكل بشئ من الهدوء والسكينة وربما الفكاهة الموحية بالطفولة والنقاء .. يا مجرم .. كشفتك يا نادر حماد .. كشفتك يا خائن .. أنا ؟ ..أنا خائن ؟ ..أيوا خائن ..كنت بتقول شنو لطالبة الهندسة المدنية ..؟ ها ؟ .. عن أى طالبة تتحدثين ىيا أناهيد ؟ .. عامل ما متذكر يعنى .. (البرلومه )السمراء الطويله ..سااره ؟ قصدك ساره ؟ ..لم تحسبيها صاح هذه المرة يا أناهيد .. دى يا ستى تطلع بت حلتنا ..قبلوها السنه دى وتقريباً تكون بت أختى ..أكان كدا نشرب عصير فواكه مشكله .. لم يستأذن نادر كما كان يفعل فى كل مرة يدلف فيها إلى داخل مكتب المدير بل ولم يستأذن السكرتيرة كما تقضى بذلك النظم ..وعندما خطا بضعة خطوات بداخل المكتب والسكرتيرة تصيح خلفه طالبة منه التوقف ..تسمر فى مكانه وقد وجد السيد المدير وهو غارق تماماً فى وشوشات حالمة مع (إشراقة عبدالناصر) .. سكرتيرة منظمة آخرون .. وإذا كان نادر يراها لأول مرة فإن السكرتيرة تكاد تموت من الغيظ لكثرة ترددها على السيد المدير الذى في ما يبدو قد أدمن هو الآخر إطلالتها الحلوة وتعدى الأمر إلى شراكة مشبوهة بينهما فى أنشطة مالية تتعلق بالبورصة ..أنا آسف ..سأعود لسيادتكم مرة أخرى ..آسف .. آسف جداً .

عبدالغني خلف الله
15-02-2011, 10:58 AM
الحلقة السابعة والعشرون
عاد الدكتور مازن مع والده فعادت الحياة والحيوية للسريرة.. وكانت هي الشخص الوحيد الذي تابع رحلته وصولا إلى نيوجرسي.. ثم عمل كل الترتيبات اللازمة لضمان تحويل المبلغ الذي تحصل عليه إثر بيع المنزل هناك وما يكتنف الإجراءات من صعوبات.. أما (سيسيليا) فقد إنسلت خلسة قبل يوم من سفرهما تاركة وريقة صغيرة تقول (لن تتحمل أعصابي لحظات فراقك.. لذلك سأغادر ظهر هذا اليوم إلى المكسيك لقضاء بعض الوقت مع أسرتي.. أشعر بأني ضائعة.. غريبة.. محطمة وسأفتقدك وأفتقد تلك الأشهر المترعة بالحب والنبل وأصدق المشاعر.. رافقتك السلامة) والتوقيع (سيسيليا).
ولدى بوابة المطار كانت السريرة تنتظر بأشواق عارمة للقاء مازن.. لم تنم ليلة البارحة منذ أن علمت بموعد هبوط الطائرة .. وظلت مستيقظة تعد الدقائق والثواني بإنتظار اللحظة الحاسمة.. لحظة مصافحته والغوص في بحار عينيه.. صحيح أنها شعرت بشئ من التوتر عندما رأته وهو يتبادل الإبتسامات والقفشات مع زميلتها هديل في بهو المصرف.. لكنه عاد ليثبت لها إخلاصه وتفانيه في حبها.. كان يتصل بها كل يوم تقريبا ولم تقصر هي بدورها فأتصلت به مرارا وتكرارا عبر الخط الدولي القابع بمكتب السيد المدير.. وأخيرا أطل والده ومن خلفه بدا لها مازن وكأنه أحد ملوك ألف ليلة وليلة.. أخذتهما حيث تقف سيارتها ولسانها يلهج بعبارات الثناء والترحيب ولدى بوابة الفيلا الفخمة حيث العائلة تركتهما على أن تعود بعد قليل ثم عادت وفي خزانة عربتها خروف أبيض جميل وإلى جانبها يجلس جزار شاب علمت منه أنه يحمل دبلوم في الإقتصاد والدراسات الإجتماعية.. ولما لم يجد وظيفة منذ تخرجه .. تحول إلى جزار .. وهي فيما يبدو مهنة العائلة .. فكم من مرة رافق والده ليساعده في ذبح وتوضيب الخراف في مناسبات الأعراس .. أليس ذلك بأفضل من التسكع في (فرندات) الأسواق والجلوس مساءاً تحت أعمدة الكهرباء لمعاكسة فتيات الحي الذي يقطن فيه.. هذا ما يحدث آنستي.. حدث ان تحرش أحد أصدقائي بشقيقته قبل التأكد من هويتها طبعا.. وعندما ذجرته وعّرفته بنفسها أصابته حالة من الإكتئاب الشديد ..فانغمس في شرب الخمر وتدخين الحشيش.. ها قد وصلنا.. سأخبرهم بأنك إبن عمي.. فلا تخذلني.. رتب كل شيء وليكن نظيفا بدون شحوم.. تعرف أن الأسر هنا بهذا الحي الراقي يخافون من أشياء مثل (الكلسترول) في الدم.. و(القاوت) وما عارفة إيه.. خروف يا السريرة؟!.. هذا كرم حاتمي فياض.. لا كرم ولا حاجة .. ماما .. هذه الأستاذة السريرة.. نائبة مدير المصرف.. وهي التي تتولى متابعة حساباتنا .. سلمت عليها بدفء وإمتنان وهي تشاهد الخروف يحجل في فناء حديقتهم.. على مهلك يا إبني.. لا تدعه يخرب الورود.. إربطه بهذه الناحية.. السريرة ؟! إسمك جميل يا إبنتي وأنا إسمي (ميمونة).. عاشت الأسامي يا خالة.. أعرفك من البعد فقد حدثني عنك مازن أكثر من مرة.. ماذا قال عني هذا العازب المتمرد؟! والدتها وهي تغمز له بطرف عينها وكأنها تقول له.. كيف تعيش بدون زوجة وبين يديك كل هذا الجمال الفاره.. بسم الله ما شاء الله عليك يا إبنتي.. تفضلي البيت بيتك.. شكرا يا خالة سأترككم لأعود للعمل.. لا تنسوا أن اليوم هو يوم عمل.

عبدالغني خلف الله
16-02-2011, 06:46 AM
الحلقة الثامنة والعشرون
ومع آخر نقطة بآخر سطرفى كراسة الإجابة حزمت هنادى أمتعتها وتوجهت نحو مطار القاهرة حتى وإن لم يكن لها حجز معتمد .. فقد أربكها حديث الشيخ حول جنازة أمها وأبيها وخافت عليهما خوفاً شديداً ..وكم من مرة فكرت فى تقبل فكرة الزواج بالرجل حتى لا ينفذ تهديده بقتلهما فتفقد بذلك أى معنىً للحياة من بعدهما وتعلم كم يحبانها ويوليانها كل الرعاية من دون أشقائها وشقيقاتها كيف وقد وفرا لها فرصة الدراسة بمصر دون إخوتها ..ياااه كم تحبهما ..وبالأخص والدها الذى تعتبره صديقاً لها تبوح له بأسرارها أكثر من أمها وقد حدثته عن ارتباطها ب( نادر ) دون أن تشعر بالحرج .. قال لها مثل هذه الأمور تتطلب التريث وعدم الاندفاع وأن الحياة أمامها بكل ما تحمله من مفاجآت كم يتمنى أن تكون جميعها حلوة ومفرحة ..حمدت الله كثيراً إذ وجدت لها مقعداً بإحدى الطائرات المتوجهة من القاهرة للخرطوم وشعرت أن مشوارها مع القلق والخوف على وشك أن يصل إلى نهاياته وقررت بينها وبين نفسها أن تطلع والدها بما جرى لها مع الشيخ بدون أن تعلم والدتها بالأمر وقد تبلغ الشرطة لتوقفه عند حده ..ثم مرحباً بكم على متن طائرة الخطوط الجوية لكذا وكذا .. رجاءاً أربطوا الأحزمة وأوقفوا التدخين ..إختارت لها قعداً قريباً من النافذة وأخرجت مصحفاً صغيراً وشرعت فى تلاوة القرآن الكريم .. و ...السلام عليكم .. قال الرجل الذى جلس بالمقعد المجاور لها ..ردت عليه التحية بدون أن ترفع عينيها من المصحف الشريف وواصلت قراءتها ..لكن هذا الصوت يعيدها لشخص ما .. ثم ..الشيييخ ؟!! قالت ذلك فى رعب حقيقي ..رٌب صدفة خير من وعد ..أجابها ببرود شديد ..كيف حالك أميرتى الغالية هنادى ..أنا لست بأميرتك ولن أكون ..ومن ثمّ حاولت النهوض لتختار مقعداً آخر بيد أنها سكنت فى مكانها إذ أن جميع المقاعد مأهولة بالركاب تقريباً..ماذا تريد منى يا شيخ ؟..أرجوك دعنى وشأنى ..وددت لو أقول لك أميرتى ..عدنا لأميرتى وصغيرتى .. وددت أن أقول لك أننى اعتكفت اسبوعاً كاملاً بعد أن تركتنى فى المقهى وقرأت سورة ( تبارك ) ألف مرة وسورة ( النبأ ) خمسمائة مرة والحمد لله تمكنت من إلغاء مراسم جنازة والدك ووالدتك وهما الآن بخير ..بالله عليك يا شيخ أنا طالبة جامعية ..لا تنسى ذلك ومثل هذه الحيل لن تنطلى علىّ .. الموت والحياة بيد الله العزيزالجليل وما كان لنفس أن تموت إلا إذا حان أجلها كما فهمنا من الآية الكريمة التى لا أحفظها وأنت كشيخ تعرفها أكثر منلى إن كنت فعلاً شيخاً وليس دجالاً مخادعاً تريد أن تشارك الله فى ملكه .. غادر حالاً هذا المقعد وأغرب عن وجهى فوراً وإلا .. مهلك .. مهلاً أميرتى هنادى ..هنا تدخلت إحدى المضيفات وسألت فى لباقة غير مسبوقة ..فضلاً هل من مشكلة وكانت جميلة بدرجة جعلت الشيخ يحدق بها وقد نسى أصل السؤال ..نريد إفطاراً وكنا نتجادل عن نوع الطعام الذى نريد لا بأس .. الإفطار سيقدم بعد ربع ساعة إن لم يكن لديكما مانع ..لا ..سننتظر ..قلت بعد كم من الزمن آنستى ..الشيخ وهو يحاول أن يستبقيها وقد أخذته على حين غرة بجمالها وأناقتها ..ربع ساعة بالضبط ..ماشى ؟ .. ماشى ..ماشى وين ؟ وعادت هنادى تطالع القرآن الكريم وقد تحصنت منه بالصمت المطلق لا ترد على رجاءاته المتكررة ..وبينما هما يتابعان الشريط الدوار الذي يستعرض متاع الركاب إقترب منها وهو يكرر نفس عبارات العشق والوله ..ولم يفارقها إلا بعد أن هُرعت نحوها والدتها تأخذها إليها بالأحضان ووالدها يهمهم بالحمد والشكر لله جلت قدرته وقد أعاد له ابنته الغالية هنادى بخير . .أما الشيخ فقد توجه نحو أقرب عربة تاكسى وانصرف لا يلوى على شئ.

عبدالغني خلف الله
17-02-2011, 06:49 AM
الحلقة التاسعة والعشرون
إقتحمت ( هديل ) مكتب والدها وقالت له حتى بدون أن تسلم عليه ..مدير المصرف ده يا بابا إنسان غريب جداً ..نقل نادر من قسم الودائع وجاب لينا موظف يكون إبن أخته أو شئ من هذا القبيل وأنا طالعه عليك فوجئت بموظفه جديده اسمها ( هدى ) تنقل إلى قسم الودائع ومن الإسم اكتشفت أنها أخت السيد المدير ..كيف الكلام ده بابا ؟ ..كان المفروض ينقلك إنتى للإدارة الدولية وليس نادر إبن الساعى حماد ..قال لها ذلك ليذكرها بوضعية السيد نادر الاجتماعية ..خلاص بابا ..خلينى معاك ضمن سكرتارية مجلس الإدارة .. إنتى تأمرى يا هديل يا أحلى هديل فى العالم ..ومن ثمّ أرسل فى طلب مدير ( البيرسونيل ) لإصدار أمر نقلها لمكتبه .. شعرت بشيء من الأرتياح وتذكرت موضوع العربة التى وعدها بها .. عملت لى شنو بابا فى موضوع السياره الجديدة ..كل شئ ماشى تمام وأهى ( البلز أوف ليدنق ) .. قال لها ذلك وهو يخرج من درج مكتبه بعض الأوراق الخاصة بالشحن البحرى من ميناء (جدة )..يا سلام عليك يا بابا يا أحلى أب فى الدنيا .. ومن ثمّ عرج على موضوعه المفضل ألا وهو فضائل ومزايا الدكتور سيد .. تعرفى يا هديل المفروض فى كل أسرة يكون فى واحد درس طب ..لأن الطبيب الموجود معاك طوال الوقت يمنحك إحساس بأنك فى أمان من مفاجآت الأجسام وطباعها الغريبة ..وفى مثل صينى يقول (العضو الذى نشعر به من بين أعضاء جسمنا مريض ) وأن أعضاء الجسم أو أى من أعضائه حين يتكلم عليك أن تصغى إليه .. طيب لو حضرتو إتكلم الساعة الثانية صباحاً ضرورى يكون فى واحد فى المنزل يفهم لغته ويتصرف قبل فوات الأوان ..دكتور سيد ده راجل حبوب وجنتلمان وأنا طلبت منو يجى يشرب معانا الشاى اليوم بعد المغرب ..لا بابا أرجوك .. اليوم أنا مدعوه مع صاحباتى عشان نمشى المسرح .. فى مسرحية جديدة بتعرض اليوم ..خليهو يجينا يوم تانى عليك الله بابا ..والمسرحية دى اسمها شنو ؟ .. اسمها ( عنبر المجنونات ) ..أيه ؟ .. عنبر المجنونات مسرحيه كوميديه يا ريت تدخل معانا بابا .. نا أدخل عنبر مجنونات ؟ ..والله ما مجنونات إلا إنتى وصاحباتك .. ثم أكمل فى سره .. لو إنتى ما مجنونه صحيح .. فى بنت عندها عقل وبتعرف تخطط كويس تتطلع لفوق أم لتحت .. أيه الجاب الشافع نادر للدكتور سيد .. فيلا فخمه من أربعة طوابق وعربيه آخر موديل ورصيد فى البنك فوق الستمائة ألف دولار ..نادر الغالبان التعبان يتزوجك إنتى يا ابنتى الوحيده ..طيب لما نشوف .. إن شاء الله حيلقى نفسو منقول لأبعد فرع فى الأقاليم بعد عطلة العيد ..خرجت منه بعد أن استدرجته وأخذت منه مبلغاً يكفى لتذاكر المسرحية لها وصويحباتها مع عشاء فاخر وبينما هى تدلف إلى القاعة الرئيسة لمحت السريرة وهى تزف أمامها دكتور مازن وشعور طاغٍ بالفرح يلون قسماتهما وثمة بقايا من قهقهات وصلت حتى أقدامها حيث تقف .. شعرت لوهلة قصيرة بسعادة كبيرة حين تأكدت بأن القادم هو الدكتور مازن لكن شيئاً ما انكسر فى دواخلها حين مرا بالقرب منها ولم ينتبها لوجودها وصعدا إلى الطابق الأول حيث مكتب السريرة بخفة ونشاط .. ولم يكن أمامها من شيء تفعله سوي أن تعرج على مكتب نادر بالإدارة الدولية وقبل أن تتوغل تماماً فى المكتب إنعقد لسانها دهشة وهى ترى بأم عينيها نادر وقد انخرط هو الآخر فى وشوشات وضحكات لا تنتهى مع ( هنادى ) العائدة يوم أمس فقط من قاهرة المعز .فعادت أدراجها وتوجهت نحو عربتها وانطلقت نحو لا شيء سوي أن تتجول فى طرقات الخرطوم من هذا الشارع لذاك الشارع وكادت أن تدخل فى شاحنة تفادتها بأعجوبة وقد اصطتدمت فقط بصفحة عربتها ..أوقفتها الشرطة جانباً وحررت لها مخالفة مرورية واعترفت لضابط الشرطة بأن هذا هو الحادث الثالث الذى يقع معها فى غضون ساعة واحدة .. كلف الضابط أحد مساعديه بإحضار عربة سحب والاحتفاظ بالعربة بمكاتب الشرطة للتأكد من سلامتها ميكانيكياً وقام هو بتوصيلها إلى منزلها وهو لا يصدق بأن كل تلك النعومة والإشراق تجلس إلى جانبه وفى المقعد المخصص لللصوص وأصحاب السوابق بيد أنها قد قامت بالفعل فى تلك الأثناء بارتكاب جريمة سرقه بدون قصد طبعاً ..ذلك لأنها سرقت قلب ذلك الضابط حديث التخرج .

كريمة سعيد
17-02-2011, 05:46 PM
أستاذنا القدير
متشوقة للمزيد فلا تتأخر عنا
في انتظار الحلقات الأخرى تقبل مودتي وتحياتي وتقديري الكبير

عبدالغني خلف الله
18-02-2011, 08:21 AM
الإعزاز والود وعاطر التحايا أستاذه كريمة وأهلاً بوجودك المفرح فى ثنايا الزحام .

عبدالغني خلف الله
18-02-2011, 08:23 AM
الحلقة الثلاثون
عادت ( بخيته ) بائعة الشاى لتقول للسيد التهامى أن أستاذه ( نعمات ) فى الحبس ولا يسمح لها بمغادرة المنزل ..الحبس ؟!! صرخ التهامى فى وجهها .. شنو الجاب الحبس لنعمات ؟ ..لالا.. مش حبس ..حبس بتاع الشرطه ..حبس يابا للعروسات ..يحبسوهن عشان يجهزوهن للعرس .. يمشطوهن ويدلّكوهن ويمسّحوهن بال ( كركار ) ..خلاص .. خلاص فهمت ..يلا شوفى شغلك ..أنا ما حأشتغل يابا .. صاحبتى ( الدهبايه ) حتشتغل الشاى نيابة عنى لأنى برضو حأدخل الحبس مع أستاذه نعمات عشان أنا برضو حأكون عروس زيها فى العيد ..صحيح ..إتذكرت ..وما قالوا ليك منو العريس ..عريس نعمات .؟! قالوا لى ..الباشمهندس عامروسمعت أنو شهر العسل فى مصر .. مصر دى يا حاج مش فى الحجاز ..لا ..مصر بلد لوحدها والحجاز بلد لوحدو ..وللحجاز فى نفس بخيتة أثره العميق يعيش فى وجدانها حيث أمها وأبيها الحقيقيين وهى لم تعد تتذكر من ملامحهما سوى القليل من الرؤى الهاربة من مخيلتها المتعبة .. لقد قيل لها أنها كانت مريضة جداً لذلك تركها والداها ريثما يعودان بعد أداء فريضة الحج ..إنتظرتهما العام الأول والثانى والثالث ومن ثمّ تظاهرت بأنها لم تعد تكترث لهما ..لكنها فى واقع الأمر تتذكرهما ليل نهار ..تتذكر حضن أمها الدافئ وحنان أبيها الدفاق وعندما تتملكها الرغبة الشديدة فى رؤيتهما وبأى ثمن ترخى لدموعها العنان تبلل وسادتها ..وتظل مستيقظة حتى الفجر وهى تستعيد كل لحظة قضتها معهما ..وتركت سيد التهامى وقد استعّرت فى جوانحه كل التعاسة التى عاشتها البشرية منذ سيدنا نوح عليه السلام ..وفى مكان آخر كانت مياده لا تزال تبعثر الخواطر فى الأوراق تحلم باللحظة التى تودع فيها أماسى الأسى والعذاب وهى تحتضن خيال الأستاذ موسى ( أحاول أن أعبر هذا السياج المنيع لألقاك ..إنى أحاول ..لكننى لا أجد سوى الفراغ العريض والملل ..ورفيف دفاترى التعبى من سهدى وعذابى ..لماذا أنت بهذه القسوة حبيبى ..أحبك من كل قلبى وأنت تعلم مدى حبى لك ..لكنك تذيقنى الحسرة والندم لكونك حتى هذه اللحظة لا تولينى رعايتك ..ولم تقل لى فى يوم من الأيام أنك تحبنى .. قلها لى أرجوك قلها لى ..أرجوك ..أتوسل إليك حبيبى ..وربما لا أخطر حتى ولو للحظة عابرة ببالك ..وأنت تعيش فى نبض قلبى تجرى فى شرايينى مجرى الدم القانى تسربلنى بالوحشة والخوف من المجهول .. لا ..لا تفعل بى هذا أرجوك ..قل لى ولو مرة واحدة أحبك مياده .. أحبك حتى آخر لحظة من أيام عمرى ..حبيبى ..آه يا حبيبى لماذا بربك أتألم هكذا لو لم تكن أنت غايتى ومبتغاى ..لو لم تكن ....) .
وأظلت القرية بشريات العيد فتحولت إلى خلية من النحل ..الكل يعمل حتى الصباح ..الخياطون وأصحاب الدكانات والمغالق ..حتى النادى الرياضى الثقافى الاجتماعى يظل مفتوحاً حتى الفجر ..وما هى إلا ايام وتتزوج كل من بخيته وهارون ونعمات وعامر ..هارون الموجود بالخرطوم يقتنى فى العطور والأحذية والمصاغ الذهبية صحبة السريرة ..وأحياناً يذهبان للمشفى حيث يرقد أطفال عم عثمان الراعى الثلاثة الذين تعهد الدكتور مازن بعلاجهم على نفقته الخاصة وقد تلتقيه هنالك فيغادران معاً لتناول وجبة العشاء بإحدى الحدائق العامة حيث السكون المطلق إلا من موسيقى ناعمة تدوزن المكان يرسمان مستقبلهما بتمهل وروية ..لكن حدثاً مفاجئاً قلب الأمور راساً على عقب بالقرية ..إذ عادت فجأة وبدون إنذار عائلة بخيته بائعة الشاى من الحجاز وقررت اصطحاب ابنتها معها وأبدت عدم موافقتها على زواجها من هارون الخياط بعناد شديد ..ودار جدل كثيف طوال الليل بينها والسيد التهامى الذى تعتبره بمثابة أبيها .. كيف لا وقد سهر على تربيتها عشرة أعوام بالتمام والكمال وعندما أصبح الصبح هُرعت الأم المشتاقة لابنتها بخيتة لتضمها إلى صدرها بعد سنين من الفراق لتجدها وهى تتأرجح من سقف الغرفة يمنة ويساراً وقد فارقت الحياة .

عبدالغني خلف الله
19-02-2011, 07:04 AM
الحلقة الواحدة والثلاثون
كانت السريرة أول من علم بنبأ إنتحار ( بخيته ) بائعة الشاى ولم تهتدِِ لطريقة مناسبة تنقل عبرها الخبر ل( هارون ) الترزى الذى إشترى لها كثيراً من الهدايا لتقديمها ك( شبكة ) لعرسه المرتقب بعد أيام ..حملت الأطفال الثلاثة من (المستوصف) بعد أن من الله عليهم بالشفاء وكانت تلك الحمى المجهولة عبارة عن ( ملاريا ) خبيثة تعافوا منها تماماً بفضل الله بعد أن كانت قد ودعت الدكتور مازن وداعاً صاخباً ذرفت خلاله الكثير من الدموع ليكتشف الدكتور مازن الذى ولد وعاش وتربى بالعاصمة معدن السريرة الجميلة المعجونة بالطيبة والرقة والشفافية ..قالت لهارون الترزى علينا التوجه فوراً للقرية لأن بخيته مريضة جداً ..طلب منها أن تمهله يوماً واحداً لاستلام فستان الزفاف وبذلة العرس الخاصة به إلا أنها أقنعته بضرورة العودة فوراً وبدون إبطاء ..ولدى وصولهم إلى القرية استغرب هارون من ذلك العدد المهول من الناس وقد تجمهروا أمام منزل سيد التهامى واعتقد أنه ربما قام بعقد القران فى غيابه وكان قد أوكله للقيام بذلك نيابة عنه ..لكن عاصفة من البكاء والعويل انفجرت فى المكان بمجرد توقف سيارتهم والتعرف عليهم ..أخذه أصدقائه بالأحضان وهم يرددون بخيته يا هارون .. مالها بخيته ؟!!! ..بخيته ماتت ..ماتت ؟!!!! ..لحظة صمت وذهول واستغراب جثمت فوق جسده فتداعى نحو أقرب مقعد ودفن وجهه فى باطن كفه وهو يردد ..ماتت كيف ؟ ..ماتت كيف ؟ ..لكن شخصاً ما يراه لأول مرة ربت على كتفه وساعده على النهوض ثم احتضنه وانخرط فى البكاء بصوت عالٍ ..أنا أبو بخيته يا هارون ..أنا أبوها ..أبوها ؟ وكنت وين السنين دى كلها يا حاج ..آآآآخ يا بنى ..ليتك تسامحنى ..أرجوك سامحنى فأنا السبب فى كل ما حصل ..ولم يكن سيد التهامى أقل تأثراً من والدها لكنه إنتحى بهارون جانباً وقاده بعيداً عن القوم وساقه حتى المقبرة الواقعة خلف القرية حيث ترقد بخيته ..أخبره بما حدث بالتفاصيل المملة وقال له .. إختارت بخيتة الموت على أن ترحل مع والديها وتتركك يا هارون .. يا لإخلاص هذه المخلوقه ..جثا على ركبتيه فوق قبرها وبكى طويلاً طويلاً جداً وطلب من سيد تهامى أن يعود للقرية ويتركه وحده ..ومن ثمّ انخرط فى دعاء عريض سائلاً المولى عز وجل أن يتغمدها بوافر رحمته ويغفر لها إقدامها على الانتحار وقد يعلم فداحة مصير كل من ينتحر وما ينتظره من عذاب يوم القيامة وفى تلك الأثناء خيم الظلام على المكان فتوجه هارون نحو غرفته لملم أشيائه على عجل وحقيبة الشبكة التى كان قد أحضرها معه وانسل تجاه الطريق الترابى الموصل شرقاً ..وسار بخطىً وئيدة لا يدرى إلى أين وهو يحمل متاعه فوق كتفه ومن ثمّ استوقف شاحنة تعمل مع شركة تعمل فى شق الطرق ورحل بعيداً بعيداً جداً حيث سفوح قريته التى هجرها منذ سنين ليذوب فى أحضان أمه يبكى .
وجاء العيد بعد يومين تلفه حالة من الحزن والكآبة جراء ما حدث وما تبع ذلك من رحيل هارون الخياط مكسور الخاطر بدون أن يقول وداعاً لأحد ..وفى ظل ذلك الوضع المأساوى طلبت أستاذه نعمات من المهندس عامر تأجيل الزواج حتى العام القادم ذلك لأن بخيته صديقتها وكانت تعيش معها خلال الأيام الماضية تساعدها فى تجهيز نفسها للعرس بل بالأحرى كانت كل واحدة منهما تتفانى فى خدمة رفيقتها وقد أصيبت أستاذه نعمات بعد رحيل بخيتة المفاجئ بإحباط من نوع غريب .. صامت عن الأكل والشراب وأمضت الساعات الطوال تبكى لفقدها ..هُزل جسمها وجف عودها وضاعت تلك الهينمات النضرات اللائى صبغن وجهها بالروعة والجمال ..فعاد عامر للخليج وقد قرربينه وبين نفسه الانسحاب من مشاريعه التى شيدها بخياله نحو الزواج من نعمات وذهب أكثر من ذلك بأن قال لها وهو يودعها قبل أن يمتطى سيارة الأجرة التى كانت بانتظاره أمام باب منزل أسرتها ..أقول يا نعمات ..للأسف الشديد أننا لن نتمكن من الارتباط لا العام القادم ولا الذى يليه ..أنا بكل الود بعفيك من أرتباطك معاى وأشكرك على كل الأيام الحلوه والسعاده التى شعرت بها معك ..وأتمنى لك التوفيق مع أى شخص غيرى ..ثم غادر الغرفة راكضاً نحو العربة التى انطلقت به أما استاذه نعمات فقد ىتجمدت فى مكانها لا تدرى هل تحزن أم تفرح .. شخص واحد شعر بشيء من الراحة لما علم بخبر تخلى الباشمهندس عامر عن أستاذه نعمات بالرغم من حزنه المقيم على بخيته ذلكم هو السيد التهامى ..ولم تكن بخيته هى وحدها التى خرجت من حياته فقد اختفى هارون وكذلك فعل والد ووالدة بخيته إذ عندما اشرق الصبح عليهما غادرا المنطقة وكأن الأرض قد إنشقت وابتلعتهما كما يقولون ..وكذلك غادرت السريرة بعد إنقضاء عطلة العيد لتعود القرية شيئاَ فشيئاً لسيرتها المعتادة .

عبدالغني خلف الله
20-02-2011, 06:37 AM
الحلقة الثانية والثلاثون
كانت هديل تنتظر إنقضاء عطلة العيد بفارغ الصبر ..للقاء نادر حماد ؟ ..لا .. للقاء دكتور مازن ؟ ..لا ..لا .. فهى مشغولة طيلة أيام العطلة بذلك الضابط الذى أخذ منها رخصة القيادة وأشياء أخرى ..وحجز على عربتها بل وذهب لأبعد من ذلك بأن حرر لها مخالفة مرورية تحت المادة المعنية بقيادة سيارة بتهور وإهمال وهى مخالفة ربما تصل عقوبتها للسجن مع الغرامه ..السجن ؟! ..لا يا أخانا أنت لا شك تمزح معى ..عموماً سأطلب من سائق عربة والدى الذهاب بى حتى قسم المرور لنستجلى الأمر .. سجن ..أنا أتسجن ؟! ..والله إلا كان ما أنا ....تهللت أساريره بمجرد أن لمحها من على البعد وهى تتهادى نحو مكتبه وقد تبرع أكثر من شرطى ليدلها على الطريق ..مرحبااااا آنسه ...هديل ..أنا إسمى هديل ..همست باسمها بعذوبة لا تُحتمل وهى تصوب عينيها فى عينيه .. ارتبك الشاب ارتباكاً عظيماً وأمر كل الحاضرين بالمكتب من عساكر ومواطنين بالانصراف ..جلست قريباً من مكتبه وهى تردد عبارات التهانى بالعيد ..العيد مبروك عليك ..علينا وعليك يتبارك ..العفو ..لله والرسول.. كل عام وإنت بخير ..وإنتى بألف خير .. القابله على أمانيك ..وأمانيك إنتى كمان ..إن شا الله العيد الجاى يعود علينا وعليك بالخير والسعادة ..ويعود عليك كمان ..السنه الجايه عريس إن شاء الله ..آمييييين يا رب العالمين ..رد عليها وهو يدعو بكل الإخلاص والصدق .. بعدين معاكم يا شباب ..عطلتو دولاب العمل .. خلينا فى المهم .. قبل ما أسألك عن موضوع فحص العربيه عاوز أقول ليك أنو وصلتنى عربيه جديده كهديه من الوالد وهى الآن بحظيرة الجمارك جنوب الخرطوم ..تقدر تساعدنى فى إجراءات الجمارك والترخيص ؟ بعدين نخلى شركة التأمينات تتولى صيانة العربه العامله الحادث ..ماشى ..؟ ماشى طبعاً ..تشربى حاجه بارده قبل ما نمشى ..لا .. ثانك يو .. أحسن نكسب الزمن ..كما تشائين يا آنسه ....هديل أنا إسمى هديل ..إسمك هديل وإنتى أجمل حمامة ..يا فاتن حمامه .قال ذلك فى سره طبعاً..ومن ثمّ تحركا بعربة الضابط ..معليش أنا لسه ما عارفه إسمك كويس .. أنا إسمى كمال الدين إبراهيم أحمد ..كان والدى سفير بوزارة الخارجيه وتقاعد قبل خمسة أعوام وهو الآن مدير لأعمال جدى إبراهيم أحمد الخرطومى باشا ....باشا عديل .؟ .. تساءلت هديل فى سرها ..والله إنت ما ساهل يا ولد .. لكنى وراك وراك والزمن طويل ..ومضى الوقت سريعاً والغناء الجميل ينسرب بحنو وحب من مسجل العربة ..(مكتوبه فى الممشى العريض شيلة خطوتك للبنيّه .. مرسومه بالخط العنيد فى ذمة الحاضر وصيه.. تاهت مواقيت اإنتظارك فى المدى .. جونى من قبلك مناديل الوصول .. وفردت للعشم الجناح فى ساحة الوطن البتول .. وضحكت ما همانى شي ..وبكيت ولا همانى شي.. عندك وقفت من المشي وغرقت فى ضوء النهار ..) .
ومضى اليوم الأول بعد العطلة والكل يسأل عن هديل ..يا أخوانا هديل ما نزلت الشغل ؟ فيتبرع عم حماد بالإجابه ..نزلت نزلت ..لكنها غادرت مع سواق السيد رئيس مجلس الإدارة ..ولم يضع السيد المدير أى وقت ليصدر قراره الأول بنقل نادر حماد لأبعد فرع بالولايات حسب التعليمات وبضم قسم الحسابات الجارية إلى قسم الودائع وإسناد رئاسته لشقيقته الموظفة الجديدة (هدى )الشئ الذى خلق أكثر من علامة استفهام ..وبينما الموظفون يغادرون آخر اليوم نحو حافلات الترحيل.ز طلب المدير من شقيقته مراجعة كل الحسابات الجارية وحصر الحسابات الخاملة والراكضة خلال العام المنصرم وحتى اليوم .

علياء محمود
20-02-2011, 05:19 PM
ياالله ..ماشاء الله حضرتك لا تفوتك اقل التفاصيل..
حزينة على موت بخيتة كان نفسي تتجوز هارون..
واسعدني اهتمام مازن بالسريرة..
ولكن ماذا تخبيئ الايام لنادر؟؟
الله يجعل المستخبي لطيف..
في انتظار عودتك استاذي..الله يطول بعمرك.

عبدالغني خلف الله
21-02-2011, 05:38 AM
صباحات الجمال والإشراق أستاذه علياء ..لك ولكل من يتابع هذا العمل مع كل الود .

عبدالغني خلف الله
21-02-2011, 05:39 AM
الحلقة الثالثة والثلاثون
شعرت ( هنادى ) بالصدمة لدى سماعها نبأ نقل ( نادر ) للولايات وشق عليها بدرجة أوصلتها للبكاء .. أما (هديل ) فقد استقبلت الخبر بمشاعر رمادية محايدة وكأنه أمر واقع ومتوقع .. فالموظفون بالمصرف عادة ما ينقلون من هذا الفرع لذاك الفرع ..وعبثاً حاولت السريرة تجميد أمر النقل بيد أن مدير المصرف المتسلط والذى أصبح الآمر والناهى بالمصرف فى الآونة الأخيرة أصرّ على موقفه ..كانت هنادى تخطط لقضاء أمسيات عطلتها الجامعية مع نادر ..وأن تتشاور معه حول المستجدات المتعلقة بالشيخ العاشق .. صحيح أنها لم تخبر والديها بما حصل منه لكنها أخبرت خالها ( مصطفى ) الذى تعتبره صديقاً لها أكثر من كونه خالها ..وبينما كانت بصدد الذهاب للمصرف لمقابلة نادر وبعد أن أنهت نقاش كل التصرفات الممكن حدوثها من ذلك الرجل طلب منها خالها بأن تتصل به على الفور إن وقع أى تصرف خطير من قِبله ا ..وقبل أن تغادر تماماً منزلها لمحت عربة صفراء اللون أشبه بعربة التاكسى وثمة رجل بداخلها تقف قبالة منزلهم ونزل منها بسرعة الشيخ وكأنه ينتظر لحظة خروجها وتقدم نحوها مستعطفاً إياها يرجوها أن تركب معه ليشرح لها موقفه نحوها وعندما رفضت وتراجعت نحو بوابة المنزل أمسك بيدها يجرها نحو عربته ..وعبثاً حاولت التملص منه ..أدخلها عنوة إلى داخل العربه يساعده شخص آخر .. صرخت بأعلى صوتها ..يا خااال ..ألحقنى يا خالو مصطفاااا ..لكن العربة انطلقت وخرج الخال والرعب والخوف على ابنة شقيقته يجلدانه بقوة ..بعد أن سمع استغاثتها ..وتبرعت سيدة كانت تراقب الموقف بإخطاره بوجهة العربة ورقم لوحاتها ..قفز بسرعة إلى داخل عربته وأدار محركها وانطلق خلف الرجل ولحسن الحظ لمح العربة وهى تحاول تخطى العربات التى أمامها برعونة وتهور الشيء الذى ضاعف من خوفه عليها .. وأخيراً وجد نفسه خلفهما مباشرة .. أطلق زخات من الرصاص من مسدسه باتجاه إطارات عربته حتى لا يعرض حياة ( هنادى) للخطر .. لكنه اصطدم بالإشارة الضوئية تنتقل للأحمر وشاحنة عملاقة تسد الطريق أمامه ..وعندما سار بالعربة بضعة أمتار وجدهما وقد أنزلاها على الرصيف وهى بحالة يرثى لها من الخوف والاضطراب .. أعادها للمنزل وخفف من روعها ومن ثمّ اتجها نحو مخفر الشرطة وقيدا بلاغاً بالاختطاف وتم القبض عليه بمنزله بارشاد نادر الذى انضم لهما وحفظ الموقع لدى زيارتهما معاً له وكان قد سمعها عبر هاتفه النقال وهى تصرخ وتستنجد بالمارة فى الوقت الذى كانت تحاول الإتصال به لدى باب منزلهم وقبل أن يهجم عليها الشيخ وفات عليها إغلاق الموبايا ..كانت تريد أن تقول له بأنها تشتاقه بشدة وأنها فى طريقها إليه لكنه عوضاً عن ذلك سمعها وهى تملأ الأفق بالصراخ والعويل .. هبط درج المصرف بدون أخذ إذن من أحد وأوقف عربة أجرة وانطلق بها نحو منزل أسرتها ليصلا معاً فى وقت واحد وقد تم إنقاذها وبدون أن يدرى أخذها فى حضنه وهو يبكى ويردد حمداً لله على سلامتك ..الحمد والشكر لك يا رب ..تحت دهشة خالها الذى لم يكن يعلم كنه العلاقة التى بينهما حتى تلك اللحظة ولم يتوقع تصرفاً كهذا من شاب غريب خلافاً للعرف والتقاليد بيد أنه لاحظ أن تصرفه ذاك كان عفوياً وأنه كان صادقاً فى ردة فعله تلك سيما وقد بللت الدموع وجهه.

عبدالغني خلف الله
22-02-2011, 04:31 PM
الحلقة الرابعة والثلاثون
وغرقت ( السريرة ) تماماً فى لجج المشاعر الفوارة والعاطفة المتأججة ..وصار مجرد ذكر الدكتور مازن يصيبها بالتوتر وفقدان الذاكرة ..كانت تقلب الأوراق التى أمامها وهى شاردة الذهن تنسج كل ما يحتاجه عشهما المرتقب من أشياء ..ولم تتوقف عند التفكير فى شكل منزل الأحلام وتفاصيله العامة لتختار حتى ألوان الستائر والأرائك والأوانى المنزلية والأزهار الظلية ومساحة الحديقة الخلفية ..ماذا ستقول له صباحاً ومساءاً ؟ .. كيف ستعد له الطعام وإفطار الصباح ونوع الفاكهة والمكسرات التى يحبها ..لذلك كثيراً ما كانت توقع علة المستندات فى غياب التركيز الشديد الذى عُرفت به وعندما تعود لمنزلها تأتى بأشياء عجيبة ..تسقط منها الأوانى لتتهشم وتتناثر فى أرجاء غرفة الجلوس ..تبحث عن مفاتيح العربة وتنسى أنها بيدها .. تترك هاتفها النقال خلفها ولا تتذكره إلا حين وصولها لمكتبها ..وتجيب على أسئلة أمها ووالدها إجابات خارج الموضوع ثم تعتذر بأنها لم تكن تتابعهما بشكل جيد ..ما أقسى وطأة العشق على العاشقين ..وفى تلك الأثناء إكتملت فصول المؤامرة الرهيبة التى كان السيد مدير المصرف والآنسة ( إشراقة عبدالناصر ) يخططان لها تساعدهما الموظفة الجديدة ( هدى ) شقيقة المدير والتى بالأصل محامية إقتلعها شقيقها عنوة من المكتب الذى كانت تعمل به لعمل التغطية اللازمة للإجراءات ..كانت أول خطوة قامت بها إشراقة هى حصولها على صورة من نماذج التوقيعات المعتمدة بالمصرف للدكتور نادر ووالده وكذلك نماذج من توقيعات إثنين من أصحاب الحسابات الخاملة والتى يعمل أصحابها بدول المهجر ..ولم تكن بها ثمة مبالغ تذكر ..وسهرت إشراقة الليالى الطوال وهى تقلد التوقيعات الأربعة إلى أن أضحت مطابقة تماماً وبصورة لا تبعث على الريبة والشكوك ومن ثمّ بدأ القضم الرهيب لودائع مازن ووالده .. تحول المبالغ البسيطة من الودائع وكانت خمسة ودائع ثلاثة تخص الدكتور مازن واثنان يخصان والده السيد الفكى هاشم لحسابات الشخصين المغتربين لتأخذ طريقها لحقيبة يد الآنسه إشراقة ..وكانت الخطة تقضى باستخدام تلك الأموال الضخمة فى المضاربة بالبورصة ومن ثمّ إعادتها لأصحابها الحقيقيين بعد جنى الأرباح .. لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن كما يقولون فقد عصفت الأزمة الاقتصادية بالبورصة لا سيما قطاع العقارات وخسرا تقريباً معظم تلك الأموال ..وفجأة تتفتق ذهنية إشراقة عن خطة شيطانية ماكرة ..كانت تتعمد زيارة الحاجة ( ميمونة ) بمنزلها تؤانسها وتجلب لها معها المأكولات الجاهزة والهدايا وبذلك تمكنت من كسب ثقتها وما أن تدلف للمنزل حتى تبدأ فى تقريظ طريقة الحاجة ميمونة فى صنع القهوة فتطلب منها أن تعد لها فنجاناً تعدل به مزاجها وتغتنم فرصة وجودها بالمطبخ لتعبث بالأوراق التى بالأدراج بحثاً عن الأوراق الخاصة بملكية الفيلا الأنيقة ..وفى ذات مرة عثرت على مفتاح خزانة مكتب السيد الفكى هاشم وبداخلها عثرت على الأوراق المطلوبة وبهدوء شديد أخذتها معها .. قامت بتصويرها وأعادتها ثانى يوم إلى مكانها بدون أن تلاحظ الحاجة ميمونة المصابة أصلاً بضعف النظر .. لتقوم الموظفة هدى بأخذ الأوراق وتزوير توكيل بالتصرف بالرهن والبيع وتحويل الملكية بإسم إشراقة ..ولم تدخر الأخيرة وسعاً فعمدت إلى إحدى البنوك الأجنبية العاملة بالخرطوم وبتوصية من المستر ( ميدوس) مدير المنظمة التى تعمل بها وحصلت على قرض كبير بضمانة رهن العقارليكتشف الدكتور مازن ووالده بأنهما خسرا كل شيء تقريباً .. الودائع والرصيد المتبقى بالحسابات الجارية وزاد من تأزم الموقف أن حجز المصرف على الفيلا الفخمة وقام ببيعها بالمزاد العلنى لتغطية القرض الذى أخذته إشراقة ومن هنا بدأت الشرطة إجراءاتها وستخرجت أمراً بالقبض على إشراقة لتفاجأ بأنها سافرت إلى فرنسا .. لكن قسم الإنتربول بالخرطوم أعد ملف استرداد بحقها وتم القبض عليها وجرى ترحيلها للسودان لتعترف بجريمتها وتقود إلى شركائها ..السيد مدير المصرف وشقيقته حيث أودع الجميع السجن ..ووقفت السريرة بنبل وأخلاق عالية لتودع كل مدخراتها وقيمة المصاغ الذهبية التى ورثتها عن أمها فى حساب الدكتور مازن وأكدت له حبها له والتزامها بوعدها بأن تكون زوجته على سنة الله ورسوله حتى وهو معدم لا يملك شروى نقير .

عبدالغني خلف الله
23-02-2011, 06:12 AM
الحلقة الخامسة والثلاثون
لم يكن( نادر) يتوقع هذا الصد وعدم الاكتراث من (هديل) وهو يودعها قبيل توجهه للعمل بالولايات ..إنها حتى لم تحضر حفل الشاى الصغير الذى نظمه الزملاء والزميلات بقاعة الاجتماعات بمناسبة نقله وقُدمت له خلاله بعض الهدايا الصغيرة وأخذت له الصور التذكارية .. وكانت السريرة أكثر الحاضرين حزناً لفراقه إذ أنها تعتبره بمثابة الفأل الحسن عندما تصابحه كل يوم فتستقيم أمورها .. لكن لو يعلم نادر كم هى مشغولة ( هديل ) بقصة حبها الجديدة مع الضابط كمال الدين ..و .. كان شفت يا بابا ..لقيت ضابط اسمو كمال الدين الخرطومى باشا وعمل لى كل الإجراءات .. منو ؟! .. منو منو ؟! .. والدها وهو يقاطعها بحدة وعصبية شديدة ..وطاشت فى ذاكرته فى تلك اللحظة صور المهانة والإذلال التى عانى منها عندما التحق بالعمل معهم كصبى يافع فى توزيع الإنتاج .. كان والد هذا الشاب من دون أشقائه يتعمد إذلاله وتحقيره وهو إن ينسى لن ينسى ذلك اليوم الذى صفعه فيه أمام بقية العاملين بالمصنع عندما سقط منه صندوق المياه الغازية وتحطمت كل الزجاجات التى كانت بداخله ..إنت معاى بابى ..معاك معاك .. والله لو تسمعى نصيحتى خليك بعيده كل البعد من العائله دى ..ليه بابا ؟! ..يعنى ..ناس بتاعين سوابق وفجأة أصبحوا أثرياء والعائله ما معروفه جات من وين ..لا أصل لا فصل ..ده كلام شنو بابا ..ياخى جد الضابط ده يطلع باشا ..خلاص ..خلاص خلينا من الكلام ده .. جهزوا لينا الشاى لأنو دكتور سيد حيزورنا بعد شويه ( تانى دكتور السجم والرماد ده ؟! ) ..قالت ذلك فى سرها ..وأمرت الخادمة بصنع الشاى وأخبرتها بأن تقول لهم حين يصل الدكتور بأنها شعرت بصداع وصعدت لغرفتها لتنام ولا تريد أن يوقظها أحد ..ومن ثمّ أغلقت عليها غرفتها وتظاهرت بالنوم عندما تناهى لها صوت والدها وهو يرجوها أن تنضم لهما لتشرب الشاى ..آآآآه بابا .. لماذا تفعل هذا بى ..؟! ..أشعر وكأن الله قد خصنى بهذا الضابط الشهم المهذب الوقور ..ال ..مهلك مهلك يا هديل ..كنت تقولين هذا الكلام عن نادر إبن الساعى حماد وعندما نُقل وتعرفت على هذا المدعو كمال .. كمال الدين قالت ذلك لتصححنى ..ما فى مشكله كمال أو كمال الدين ( كلو عند العرب صابون ).. كما يقولون ..والآن تسبغين ذات الصفات على كمال الدين هذا ..ومن غرفة استقبال المصرف هُرعت الصغيرة ( جيهان ) نحو السريرة وهى تدلف عند بداية الدوام صحبة الدكتور مازن إلى داخل المصرف وهى تشرح له كيف أن المحكمة قد حجزت على منزل وعربة المتهم مديرهم السابق وحجزت كذلك عربة إشراقه عبد الناصر ورصيدها بأحد المصارف الأجنبيه وهو مبلغ لا باس به لصالحه ووالده ..وأردفت قائلة شايف يا دكتور .. ربنا ما بتخلى عن عبيده .. ولسه حنتعوض الكثير ..الله !!! شوفو البنت الحلوه الأموره ..جيهان أنا إسمى جيهان .. قالت ذلك وهى تقفز فى حضن السريرة بمحبة حقيقية حتى دمعت عيناها من شدة التأثر ..وأكملت بصوت متهدج ..ومعناها ضوء القمر ..ذٌهل الدكتور مازن من غرابة الموقف وخاف أن تكون السريرة قد تزوجت من قبل وأن التى أمامه هى طفلتها .. شايفه يا خالتو السروره ..السريره يا جيهان ..عاينى .. دى نتيجة الصف الأول بتاعتى ..كلها ممتاز ..علاماتى كلها يا جيد جداً يا ممتاز ..وشرحت للدكتور مازن قصة هذه الطفلة وكيف أنها ساعدت أسرتها .. بابا يا خالتو جا للبنك عشان يسدد الديون .. كان شفتى يا خالتو بابا عمل كراسى وحاجات كدا من الخشب وباعهم فى السوق وكمان إشترينا تلفزيون وثلاجه ..هنا أخرج مازن رزمة من الأوراق المالية وهو يقول لجيهان ودي يا ضوء القمر جائزة تفوقك وكذلك فعلت السريرة .. تكبرين كل يوم فى نظرى يا عزيزتى الغالية السريره ..كم أتوق لليوم الذى يجمعنا تحت سقف واحد .

عبدالغني خلف الله
23-02-2011, 06:36 PM
الحلقة الأخيرة
والحياة تمضى كل يوم فى ثباتها الغريب بالرغم من تباين واختلاف الظروف بالنسبة لتلك الوجوه الصبوحة التى تنداح فى ثنايا الزحام .. هارون الترزى عاد للقرية بعد أن ضاقت به الدنيا هنالك فى سفوح قريته البعيدة تلك وآثر العودة لأحبائه وذكرياته مع بخيتة بائعة الشاى الغائبة والحاضرة فى تلافيف وجدانه وجوفه المعذب ..وميادة لا تنفك تبعثر الحروف فوق صفحة أديم دفترها المعطار تبثها حنينها وأشواقها للاستاذ موسى .. وعادت الدماء من جديد تلون وجنتى نعمات وهى ترتاح فى ظلال السيد التهامى وقامته الباسقة .. لا تدرى إلى اين ؟ ..هذا على صعيد القرية أما هنا فى الخرطوم فإن طوفاناً من العشق يضرب حنايا هديل بقوة أفقدها توازنها والضربات الموجعة تنهال عليها من أقرب الناس إليها .. من والدها رافضاً مجرد الحديث حول اسرة الخرطومى باشا وأولاده بل وأحفاده أيضاً ..لكنها مصممة على أن تخوض معاركها الفاصلة نحو تحقيق أهدافها بالزواج من الضابط كمال والعيش معه فى عش صغير تملؤه السعادة أو تهلك دون ذلك ..وسيسيليا تحط الرحال فجأة وبدون سابق إنذار لتحدث ربكة لا مثيل لها بحياة السيد الفكى هاشم وأسرته ..والأشواق تسافر عبر الأسلاك الباردة حيناً وعبر الأثير حيناً آخر فى ترحالها المنثال بين نادر فى أقصى أركان الدنيا وبين هنادى الواثقة من مصيرهما وقد تخلصت من الشيخ ..لا ليس بإيداعه السجن وإنما عبر تسوية قضت كتابة امتناعه عن أى شكل من اشكال التواصل معها واعتذر لها بشدة وهو يوقع على التعهد مذكراً بأنها لو لم تكن جميلة ورقيقة ومهذبة لما ركض خلفها بكل ذاك الجنون وتلكم الرعونة التى لا تتناسب مع مركزه الاجتماعى وششخص فى مثل سنه وأنها هى من بادر وقام بغزوه فى عقر داره .. لكن ما عساه أن يفعل وللجمال منطقه الخاص حين يدهمنا مثل سيارة متعجلة تدهسنا لنموت أو ترمى بنا على رصيف هذه الحياة نعانى وننتظر ..أما السريرة والدكتور مازن فقد كانا الأقرب إلى شواطى الأمان بعد تلك الرحلة الهادرة فى ثنايا الزحام العريض ..وللقصة بقية إن شاء الله .
إنتهت بحمد الله

علياء محمود
04-03-2011, 11:34 AM
ابدعت استاذي
والنهاية تقريبا كما كنت اتمنى
شكرا استاذ عبد الغني..
كل الود والاحترام.

عبدالغني خلف الله
12-02-2013, 03:58 AM
ابدعت استاذي
والنهاية تقريبا كما كنت اتمنى
شكرا استاذ عبد الغني..
كل الود والاحترام.

الإبنه العزيزة علياء ..مساء الخير ..كنت أقلب دفتر مواضيعي لأجدك هنا منذ مارس 2011 وحزنت لهذا الإهمال من جانبي ..حفظك الله من كل سوء .

براءة الجودي
12-02-2013, 05:15 AM
لم اقرأ بعد , لأول مرة ارى من ينشر رواية في هذا القسم , سأبدأ بقراءتها إن شاءالله

نداء غريب صبري
20-03-2013, 12:50 AM
أقرأ فصول هذه الرواية منذ الأمس

شكرا للمتعة التي منحتني بقراءاها أستاذي

بوركت

عبدالغني خلف الله
24-03-2013, 03:35 PM
أقرأ فصول هذه الرواية منذ الأمس

شكرا للمتعة التي منحتني بقراءاها أستاذي

بوركت
أحبتي براءة ونداء ..كم أنا سعيد بوجودكما هنا ..أمنياتي لكما بالصحة والعافية والتوفيق في حياتكما العامة والخاصة مع كل الود .

ناديه محمد الجابي
24-03-2013, 09:28 PM
الأديب الرائع/عبد الغني خلف الله
أول مرة أعثر علي رواية في الواحة, فبدأت في قراءتها, فاستطاعت أن تجذبني بمتعة السرد
وجمال الأحداث, فلم استطع تركها إلا بعد ان قرأتها لآخر حرف فيها . تجولت في السودان
مع الشخصيات بين الخرطوم, والقرى ـ ورحلت مع الشخصيات التي رسمت بحنكة , في دواخلهم
وتفكيرهم, وتعرفنا من خلالهم على الأدب السوداني, وتعرفنا على العادات, والتقاليد الخاصة
بكل مناسبة, وإن كانت اللهجة العامية تقف عائقا نوعا ما في بعض الأحيان.
عشنا الحب مع الأحبة, وحزننا مع هارون على عروسه التي أنتحرت.
لم تكن الحلقات الأخيرة بنفس جودة الحلقات الأولى ـ كانت كطبخة غير مكتملة النضج
أو كأنك كنت قد مللت الكتابة وتستعجل النهاية , وكان موضوع السرقة البنكية وما إلى
ذلك من أحداث به بعض الأفتعال , لكن عموما لا أستطيع أن أعبر عن مدى استمتاعي بما قرأت.
فشكرا لك على ما كتبت
أيها الأديب المبدع
تحياتي وتقديري.

:0014::nj::hat:

عبدالغني خلف الله
25-03-2013, 06:49 PM
الأديب الرائع/عبد الغني خلف الله
أول مرة أعثر علي رواية في الواحة, فبدأت في قراءتها, فاستطاعت أن تجذبني بمتعة السرد
وجمال الأحداث, فلم استطع تركها إلا بعد ان قرأتها لآخر حرف فيها . تجولت في السودان
مع الشخصيات بين الخرطوم, والقرى ـ ورحلت مع الشخصيات التي رسمت بحنكة , في دواخلهم
وتفكيرهم, وتعرفنا من خلالهم على الأدب السوداني, وتعرفنا على العادات, والتقاليد الخاصة
بكل مناسبة, وإن كانت اللهجة العامية تقف عائقا نوعا ما في بعض الأحيان.
عشنا الحب مع الأحبة, وحزننا مع هارون على عروسه التي أنتحرت.
لم تكن الحلقات الأخيرة بنفس جودة الحلقات الأولى ـ كانت كطبخة غير مكتملة النضج
أو كأنك كنت قد مللت الكتابة وتستعجل النهاية , وكان موضوع السرقة البنكية وما إلى
ذلك من أحداث به بعض الأفتعال , لكن عموما لا أستطيع أن أعبر عن مدى استمتاعي بما قرأت.
فشكرا لك على ما كتبت
أيها الأديب المبدع
تحياتي وتقديري.

:0014::nj::hat:
جميل ما تفضلت به عزيزتي ناديه خاصة أنني لم أطبع الرواية بعد وإن شاء الله سأستفيد من ملاحظاتك ....وإن كان لديك الوقت هنالك ثمانية أعمال روائية بهذا البوست الذي تشرفت قبل عامين بالإشراف عليه وإن بشيء من التقصير لعظم المسئولية الوظيفية التي أقوم بتأديتها ..وإن جاز لي ترشيح بعد الأعمال أسعد كثيراً بتصفحك لرواية ( أنستاسيا وردة الهزيع الأخير ) و(رحلة في قاع المدينة ) كبداية ..سلمت لنا ومن حولك من كل سوء .

لانا عبد الستار
29-06-2013, 09:56 PM
رواية ممتعة قوية ومشوقة
سردها رائع تمكن مني
أشكرك

عبدالغني خلف الله
03-07-2013, 08:56 PM
رواية ممتعة قوية ومشوقة
سردها رائع تمكن مني
أشكرك
الإبنة العزيزة لانا ..مساءات الروعة والجمال ..اسعدتني كلماتك كثيراً ..فنحن إنما نكتب لكل القلوب الخضراء المفعمة بالخير والسلام والطمأنينة وأنت منهم ..حفظك الله ومن حولك من كل سوء .