تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : طفولتي ( 3 )



عبد الله راتب نفاخ
15-01-2011, 06:21 PM
طفولتي ( 3 ) :


كان والدي حريصاً رغم صغر سني على إيقاد جذوة التعلق بتراث الأمة في صدري أيما حرص ، فيخصص من وقته شيئاً ليس بالقليل لذلك ، بل قد بذل جهداً لجعلي أحفظ شواهد كتاب سيبويه الشعرية ، لكن مشروعه هذا لم يكتب له النجاح كما كتب لحفظي أبياتاً من حماسة أبي تمام و قصائد الجاهليين و متفرقات للمتنبي .
و عندما بدأت أخطو نحو العالم الآخر المستقر خارج جدران منزلنا ، وجدت أشياء غريبة لم أعهدها ، وجدت المعلمات ذوات الفهم السقيم ، و المعرفة الضحلة ، و الأطفال الذين لا يعرفون سوى اللهو و اللعب ، وجدت المدرسة التي ضقت بها ذرعاً ، و كم بكيت كلما أزف موعدها .
كانت والدتي حريصة على ألا أتاثر بعالم بيتنا أكثر مما ينبغي ، لإدراكها أنه لا يناسب عمري ، و لعلمها أيضاً أن عقلي ينبغي أن يتحرر من سطوة شخصية والدي التي شابها كثير من الألم و المعاناة في حياته ، و تخشى أن يزرع فيَّ عصارة ذلك فتسلَب مني طفولتي و إحساسي ببهجة الحياة ، لكنه كان يضيع عليها الفرصة ، و ببضع كلمات منه يحبط كثيراً مما تدأب عليه .
لكنَّ شخصيته تلك بدأت تتكشف عما كان مستقراً في أعماقه لا يبديه ، فتحمل أثناء تكشفه نفحة من حزن بالغ ، ذلك هو الجانب الرقيق الشفاف منه ، الجانب الذي طالما حسب الجاهلون خلوه و براءته منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب .
كان استشعاره لدنو الأجل يزداد يوماً إثر يوم ، و يزداد معه تكشف خلجات قلبه الشاعرية ، و يزداد كذلك تواصله مع العالم الخارجي ، صار يغدو إلى السوق و يأخذني معه ، و هو الذي لم يعتد ذلك حياته كلها ، و يشاهد بعض ما يُعرَض في التلفاز و هو الذي لم يكن قد فكر بشرائه قبل زواجه ، و يداعبني مداعبة الطفولة ، و يناغيني بما يلائمني لا بأشعار العرب وحدها .
أخذ الجانب الإنساني منه في تلك الأيام يشرق إشراق شمس الضحى في كبد السماء ، كما كان إحساسه بقرب الموت يرسم ابتسامة رضا على شفتيه ، ابتسامة رضا يصنعها شعوره بقرب راحته التي طالما انتظرها ، بعدما أيقن – ربما متأخراً – أن تلك الراحة لا يمكن أن تكون له في هذا العالم الذي كثيراً ما ضاق به.
و إن أنس كل شيء مر بي في حياتي ، لا أنس اللحظة التي ناداني فيها و أنا ألهو في غرفة زوارنا التي كانت خالية ساعتها على غير العادة ، ليهمس في أذني ببضع كلمات لا يزال لها الوقع نفسه على صدري كما يومها ، و صوته لا يزال يتردد في مسمعي كأنني سمعته في التو :
- يا بني .... إنني سأموت ...... فكن حسن الخلق مع الناس .
أجفلت حين سمعتها ، على أني حسبتها كلمة من كلمات التأهب للموت التي طالما ذكرها أمامي ، لكنَّ هذه الكلمة تحديداًً لم تكن كغيرها ، و لم يكن موعد قولها كغيره ، إذ كانت أقرب الكلمات التي قالها زمناً من موعد تحقق النبوءة التي فيها ، و أكثرها تصريحاً بها .
و للحديث تتمة

محمد رامي
15-01-2011, 06:32 PM
ها أنا ذا اعبر خطوط التلاقي من جديد
اصافح براءة المد الطفولي التي شاء لها ان تتخطى تلك المرحلة
لاستمر في المتابعة
وأستقرئ كل الخطوط في موجاتها المتعثرة حينا والناجحة حينا اخر
انني مازلت هنا في قراءة مسترسلة مع كل جديد
تحيتي

فاطمه عبد القادر
16-01-2011, 03:19 AM
- يا بني .... إنني سأموت ...... فكن حسن الخلق مع الناس .
أجفلت حين سمعتها ، على أني حسبتها كلمة من كلمات التأهب للموت التي طالما ذكرها أمامي ، لكنَّ هذه الكلمة تحديداًً لم تكن كغيرها ، و لم يكن موعد قولها كغيره



السلام عليكم أخي عبد الله راتب
وأنا أيضا أجفلت حين قرأتها ,,ليس هناك ما هو أكثر صعوبة على الطفل عندما يدرك أنه على وشك فقد أحد الأبوين
أخي ,,,نصوص طفولتي ممتعة,,, ونحن بالجوار دائما لقراءتها
استمر ,,
شكرا لك
ماسة

عبد الله راتب نفاخ
16-01-2011, 06:04 PM
ها أنا ذا اعبر خطوط التلاقي من جديد
اصافح براءة المد الطفولي التي شاء لها ان تتخطى تلك المرحلة
لاستمر في المتابعة
وأستقرئ كل الخطوط في موجاتها المتعثرة حينا والناجحة حينا اخر
انني مازلت هنا في قراءة مسترسلة مع كل جديد
تحيتي


بارك الله بكم أستاذنا .....
يشرفني مروركم هنا .....
لكم كل شكر وتقدير

كريمة سعيد
16-01-2011, 11:56 PM
الراقي عبد الله راتب نفاخ
ما أصعب الطفولة التي تستوعب أحداثا أكبر من عمرها
فقد لا تنتبه وقتها لهذه المسألة ولكن مع الأيام تعي كل ذلك وأكثر ...
استمر وسجلني من متابعيك المواظبين على نهل الحكمة من هذه السيرة العطرة
تقديري

محمد ذيب سليمان
17-01-2011, 08:17 AM
عبد الله راتب
لا أدري لماذا كلما ابتعدت عن
كتاباتك أراني أحن اليها مع أن والدي لم يكن متعلما "أميا "
ولكنه تعلم مني القراءة والكتابة منذ بداية دخولي المدرسة
أقول هذا لأنني أجد فيك ما أظنني عشته أو قريبا منه
كان يشجعني على شراء الكتب وكانت لدي مكتبة كبيرة عمرة لم يصا 14 سنة
لم أدخل لأعرض نفسي
ولكنني أجدك قريبا من نفسي
كل الحب

عبد الله راتب نفاخ
18-01-2011, 12:20 PM
الراقي عبد الله راتب نفاخ
ما أصعب الطفولة التي تستوعب أحداثا أكبر من عمرها
فقد لا تنتبه وقتها لهذه المسألة ولكن مع الأيام تعي كل ذلك وأكثر ...
استمر وسجلني من متابعيك المواظبين على نهل الحكمة من هذه السيرة العطرة
تقديري

أستاذتي الفاضلة الكريمة ....
لك كل التحايا .......
مستمر بإذن الله .... و يشرفني كثيراً أن تتابعي كلماتي ....
سلمك الله

عبد الله راتب نفاخ
18-01-2011, 12:22 PM
عبد الله راتب
لا أدري لماذا كلما ابتعدت عن
كتاباتك أراني أحن اليها مع أن والدي لم يكن متعلما "أميا "
ولكنه تعلم مني القراءة والكتابة منذ بداية دخولي المدرسة
أقول هذا لأنني أجد فيك ما أظنني عشته أو قريبا منه
كان يشجعني على شراء الكتب وكانت لدي مكتبة كبيرة عمرة لم يصا 14 سنة
لم أدخل لأعرض نفسي
ولكنني أجدك قريبا من نفسي
كل الحب


سيدي الفاضل ...
أي فخر كبير لي أن أكون قريباً من نفس كبيرة كنفسكم ...
حياكم الله و بياكم و حفظكم ...
لكم تحية و تجلة

رعدالدليمي
23-01-2011, 09:33 PM
حسن الخلق....
اقربكم مني يوم القيامة احاسنكم اخلاقا
رحم الله الوالد...لانه علمك مفاتيح الحكمة
شكرا لك اخي عبد الله على ما سطرت حروفك من جمال

عبد الله راتب نفاخ
26-01-2011, 05:46 PM
حسن الخلق....
اقربكم مني يوم القيامة احاسنكم اخلاقا
رحم الله الوالد...لانه علمك مفاتيح الحكمة
شكرا لك اخي عبد الله على ما سطرت حروفك من جمال


و بارك بك أيها الكريم و حياك ...
لك كل الشكر و التحايا

شريفة العلوي
26-01-2011, 05:54 PM
هم من يحسنون تهيئة المساحة الملاءمة للجمال في دواخلنا ..وهم من يكتشفون معالمنا المتبرعمة لتغدو زهرة تمد للأفق شذاها .. هم وحدهم الآباء صناع الجمال ومعبدو الطرق الوعرة لحياة أبنائهم القادمة بحكمة .

تقديري واحترامي.

ربيحة الرفاعي
13-05-2015, 04:27 PM
أجفلت حين سمعتها ، على أني حسبتها كلمة من كلمات التأهب للموت التي طالما ذكرها أمامي ، لكنَّ هذه الكلمة تحديداً لم تكن كغيرها ، و لم يكن موعد قولها كغيره ، إذ كانت أقرب الكلمات التي قالها زمناً من موعد تحقق النبوءة التي فيها ، و أكثرها تصريحاً بها .

مؤثر وعميق هذا المشهد الذي التقطت من طفولتك لتصوره في نص إبداعي رائق

دمت بخير

تحاياي

خلود محمد جمعة
14-05-2015, 07:48 PM
حين نجتر ذاكرتنا وتطفو على السطح تلك الصور والاحاديث المعتقة نبتسم لروعة تلك القلوب التي سكنتنا ولم تغادر صفحة الذاكرة
رحم الله والدك
نص مفعم بالاحساس والجمال حملنا على جناح الطفولة
بوركت وكل التقدير

ناديه محمد الجابي
07-08-2016, 05:27 PM
رحم الله والدك وأسكنه فسيح جناته
حمل طفولتك فوق طاقتها، وإن كان غرس فيك رجولة مبكرة
شعوره بدنو أجله جعله يعلمك كيف تتحمل المسئولية
تمنيت لو إنك كتبت ذكريات طفولتك متسلسلة في مكان واحد
أو أدرجت روابط الأخريات لنستطيع متابعة ما كتبت.
كل منا يحمل ذكريات عطرة لأباء عظام رحلوا وقد تركوا بصمات رائعة في حياتنا.
بوركت ـ ولك تحياتي وتقديري.:001: