المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اعذريني



د.جمال مرسي
28-05-2004, 07:17 AM
اعذريني

شعر د: جمال مرسي

كَتَمْتُ بأعماقي غراماً مُؤجَّجاً=عَنِ اْلنَّاسِ كَيْلا يعلمُ الناسُ ما بيا
فَبَاحَت بِسِرِّ القلبِ دَقَّاتُ عاشِقٍ=وَ عَيْنٌ تُريقُ الدَّمْعَ كالدُّرِّ غاليا
وَ حدَّثتُ نفسي بالذي كُنتُ مُضمراً=كأنِّي إلى نفسي تقدَّمْتُ شاكيا
فَقُلْتُ اْعذريني ، قَدْ كَوَى اْلشوْقُ مُهجتي=و أضنى أُوارُ البُعدِ عنها فؤاديا
أيا بِنْتَ جَنْبيَّ اْرفُقي إنْ رَأَيْتِنِي=شَغُوفاً بِمَنْ جَالَتْ فَأَذْكَتْ حياتيا
لَئِنْ أَبْصَرَتْ عيناكِ في مثل حُسْنِها=إذا أَسْفَرَتْ ، أَدْرَكْتِ كيف اْنشغاليا
هِيَ الصُّبحُ إنْ تَبْسُمْ، هِيَ الشَّمْسُ في الضُّحى=هيَ البدرُ إن تطلُعْ ، أضاءتْ لياليا
هِيَ الكوْكبُ الدُرِّيُ في جِيدِ ليلةٍ=بدا بينَ أَجْرامِ السَّمَواتِِ ساميا
سَقَتْنِي رُضابَ الثَّغرِ شَهْداً مُكرراً=و نهراً من الألحانِ يختالُ صافيا
بكأسٍ من الفيروزِ قد أَسْكَرَتْ دمي=فداويتُ ما أعيى الطبيبَ المداويا
وَ جُبْتُ رِياضَ الخدِّ أسقي وُرُوُدَهُ=فكانتْ ورودُ الخدِّ من جاء ساقيا
ألا ليت شعري ، كم عجبتُ لظامئٍ=روى ظامئاً نبعاً من الحُبِّ جاريا
وَ كَمْ صَوّبَتْ سَهْماً إلى القَلْبِ نافذاً=فطالتْ عنيداً خاليَ الذِّهْنِِ قاسيا
فما كان في صيدِ الفراشاتِ ماهراً=و ما كان في عشقِ الجميلاتِ ماضيا
فما قيمةُ الإنسانِ دونَ مروءةٍ=و لا مذهبٍ يُبقيهِ في الناسِ عاليا
و ما قيمةُ الدنيا إذا غابَ فَجْرُهَا=و ما الفجرُ إلا إنْ سَنَاهَا بدا لِيا
أراها و قد ضَمَّتْ عظيماً وَ ضِدَّهُ=فقد أسعَدَتْ قُرْبا ًو أَشْقَتْ تجافيا
فإنْ أَزْمَعَتْ هجري و ضنَّت بوصلها=قبلتُ النَّوى منها ، و فيهِ فنائيا


و دمتم

عبدالكريم الكيلاني
28-05-2004, 08:31 AM
أراهـا و قـد ضَمَّـتْ عظيمـاً وَ ضِــدَّهُ
فقـد أسعَـدَتْ قُرْبـا ًو أَشْـقَـتْ تجافـيـا
فـإنْ أَزْمَعَـتْ هجـري و ضنَّـت بوصلهـا
قبلـتُ النَّـوى منهـا ، و فـيـهِ فنائـيـا


الله الله يا شاعر النيل

بوح فوق العاده

جمال مابعده جمال

ايها الجمال ابن الكمال

سر قدما نحو شواطيء الامل ومرافيء الابداع

فكلماتك تسحر القلوب وقريضك يسلب الالباب

شكرا لحرفك

شكرا لحسك ورقتك

يسعدني دائما جمال مرسي

اسم سيظل محفورا في القلب

لك حبي ايها الشاعر العملاق

بندر الصاعدي
28-05-2004, 02:26 PM
وَ حدَّثـتُ نفسـي بالـذي كُنـتُ مُضمـراً
كأنِّـي إلـى نفـسـي تقـدَّمْـتُ شاكـيـا
فَقُلْتُ اْعذريني ، قَدْ كَوَى اْلشـوْقُ مُهجتـي
و أضنـى أُوارُ البُـعـدِ عنـهـا فـؤاديـا

======
وَ جُبْـتُ رِيـاضَ الـخـدِّ أسـقـي وُرُوُدَهُ
فكانـتْ ورودُ الخـدِّ مـن جـاء ساقـيـا
ألا ليـت شعـري ، كـم عجبـتُ لظامـئٍ
روى ظامئـاً نبعـاً مـن الحُـبِّ جـاريـا
===
فـمـا قيـمـةُ الإنـسـانِ دونَ مــروءةٍ
و لا مذهـبٍ يُبقيـهِ فـي النـاسِ عالـيـا
و مـا قيمـةُ الدنيـا إذا غــابَ فَجْـرُهَـا
و مـا الفجـرُ إلا إنْ سَنَاهَـا بــدا لِـيـا


الحبيب د. جمال
لله درك ما أروعك , سلاسةً وعذوبةً وصوراً جمالية أتت تستقرُّ في القلب هذه الرائعة
وما أجمل اللفتة في المقطع الأخير مما قطفتُ إلى قيمةِ الإنسان حيث جاءَ بعدَ ذكرك للجمال والفتنة والتي تعني الدنيا ثمَّ أردفتَ باستفهامٍ تنفي بهِ قيمتها دون العفةِ والمروءة والجانب الإيماني كمبدأ إنساني والحقته بميدأ ثانٍ وهو ما رجعت به إلى مضمون القصيدة ألا وهو الحبُّ في معناه السامي ..

لك التحية والتقدير
دمت بخير
في أمان الله

د.جمال مرسي
28-05-2004, 03:12 PM
أيها الحبيب البعيد عن عيني الفريب إلى قلبي كريم يونس

كما يحلو لي أن أناديك دائما أيها الشاعر الجميل القادم من أرض الرافدين

دائما ما يسعدني وجودك بالقرب مني

أشعر بتلاحم الفكر و المشاعر حتى انصهرت جميعها في بوتقة واحدة فولدت هذا الشعور الجميل بالحب.

ايها الراقي ..

اشكرك من أعماق القلب على تواجدك الدائم و ثق تماما أن الأرواح جنود مجندة

أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه

لك كل الحب

و ألقاك دوما على خير

أخوكم د. جمال مرسي

إسماعيل صباح
28-05-2004, 04:39 PM
فلولا علاقات الأخوة بيننا =لأخبرت فيها أختنا أم راميا

طائر الاشجان
28-05-2004, 05:52 PM
أخي الكريم د. جمال مرسي ..

من عادتي أن أطرق الباب أولاً ، وهو الدرس الذي تعلمته مذ حدث ما حدث في سابق عهدي معكم ، وما دمت في حضرة الشاعر ومتكئاً على أريكة في صالونه الثري فقد أمِنتُ ، وأمّنتُ ، وآمنتُ أن عمالقة الشعر لا يتركون وراءهم آثاراً لاعوجاج يمكن لأي ناقد أن يقتنصه ، وبما أنني هنا أقف وجهاً لوجه مع نصٍ لكل بيتٍ فيه قيمة أدبية كبيرة كبر صاحبها فلا بد أن نشير إلى مواضع الالق كما هي في أعيننا انعكاساً من وحي الصور مرسومةً بريشة خبير .

الاستعارات التصريحية سيطرت على التجربة الشعرية طوال فترة المخاض وحتى الولادة ، ويمكن تتبعها في كثير من الابيات مخلفةً البلاغة الشعرية في كامل معانيها ، وربما كان من الاجدى تناول هذه الصور فراداً ومن ثم نأتي على النواحي السلبية مفصلة إن وجدت .

أيـا بِنْـتَ جَنْبـيَّ اْرفُـقـي إنْ رَأَيْتِـنِـي
شَغُوفـاً بِمَـنْ جَالَـتْ فَـأَذْكَـتْ حياتـيـا
يستوقفنا هذا البيت وهو ضمن حوار للشاعر مع نفسه ( بنت جنبَي*ّ ) وهو بمطالبته لها بالرفق فقد علل أسباب ذلك الشغف الذي كان سبباً في شقائه بالصورة التي تلت هذا البيت :

لَئِنْ أَبْصَـرَتْ عينـاكِ فـي مثـل حُسْنِهـا
إذا أَسْفَـرَتْ ، أَدْرَكْـتِ كـيـف اْنشغالـيـا

وهذا هو الربط الذكي بين الابيات ، فهو يدعوك إلى التنقل من بيت ألى آخر دون أن تحس بملل تماماً كما تتنقل النحلة بين تيجان الورد لتجمع الرحيق .

وتبدأ أول الصور البلاغية المعتمدة على الاستعارة التصريحية التي أشرنا إليها أعلاه ، ويحتضن البيت التالي ثلاثاً منها :

هِيَ الصُّبحُ إنْ تَبْسُمْ، هِيَ الشَّمْسُ في الضُّحى
هـيَ البـدرُ إن تطلُـعْ ، أضـاءتْ لياليـا

ويبالغ الشاعر في النظر إلى محبوبته وكأن ما ذكره غير كافٍ لوضعها في الاطار الذي يرغبه فيأتي بقوله:

هِـيَ الكوْكـبُ الـدُرِّيُ فـي جِيـدِ ليـلـةٍ
بـدا بيـنَ أَجْــرامِ السَّـمَـواتِِ سامـيـا

ولا يمكن احتساب هذا عيباً أو شائبة تمس القصيدة كون هذه الصور غنيةً بما يشفع لها ، ولا أدل على ذلك من صدر البيت أعلاه حيث تأتي عبارة ( جيد ليلةٍ ) اسلوباً غير مألوف ولا نملك معه إلا الهزة التي ترافق كل معنى بهذا الحجم من الوميض عملاً بقول الشاعر :
إذا الشعر لم يهززك عند سماعهِ ... فليس خليقاً أن يُقالَ له شعرُ

ومن الابيات التي اختالت زهواً بما أسبغ عليها من الغدق البلاغي ما نقرأه في قوله :

وَ جُبْـتُ رِيـاضَ الـخـدِّ أسـقـي وُرُوُدَهُ
فكانـتْ ورودُ الخـدِّ مـن جـاء ساقـيـا

وكما أسلفت فإن شاعرنا يعمد إلى تكرار الصورة لتكون أكثر عمقاً ، أو أنه يصعب عليه التحرر بسهولة من استحواذ الفكرة على كيانه خلال التجربة الشعرية ما يدفعه إلى العوم في ذات الوجهة ليشبع جانب الرضى في نفسه من معطيات هذا الخيال الخصب ، وهو كذلك في قوله :

ألا ليـت شعـري ، كـم عجبـتُ لظامـئٍ
روى ظامئـاً نبعـاً مـن الحُـبِّ جـاريـا

ومن نافلة القول أن نذكر بأن باقي الابيات مغتالةٌ في الوحدة العضوية ، وقد مرت بحذر بجانب سابقاتها وبدت التجربة تضطرب ، انعكس ذلك في النبرة الصوفية التي تقمصها النص فجأة ودون مبرر ، وبدأت تشكل نغمة مستقلة متبرئةً من السيمفونية بكاملها ، ونلمس ذلك بوضوح في قوله :

فـمـا قيـمـةُ الإنـسـانِ دونَ مــروءةٍ
و لا مذهـبٍ يُبقيـهِ فـي النـاسِ عالـيـا

وهذا الزهد لم يكن ليتناسب مع ما سبقه ، بل يلغيه ضمناً ، إذ لا يمكن أن يكون كل وصفه الجميل وبوحه العذب تخلياً عن المروءة . لا سيما أنه مهد لهذا البيت بما يوحي أنه يقصد ذاته :

فمـا كـان فـي صيـدِ الفراشـاتِ ماهـراً
و ما كان فـي عشـقِ الجميـلاتِ ماضيـا

ورغم كونه عديم التجارب لا تعنيه المرأة كما يشير البيت أعلاه إلا أنه قد مهد لهذا البيت باعتراف يفيد إصابته بسهم المحب ووفوعه في حباله ونتكئُ في هذا المعنى على اللفظ " طالت " :

وَ كَمْ صَوّبَـتْ سَهْمـاً إلـى القَلْـبِ نافـذاً
فطالـتْ عنيـداً خالـيَ الـذِّهْـنِِ قاسـيـا

وفي البيت التالي نجد استخدام مثالي رائع لحالة الطباق في عجز البيت ، مع التحفظ على التمهيد له في الصدر بما قد يحسبه البعض حشواً أو تكرار لمعنى واحد وهو ليس كذلك .

ويختم الشاعر بتصريحه الخطير ، وكأنه النفَس الاخير الذي يضمنه صرخةً يائسة ، والمؤاخذ عليه في هذا البيت أن لفظ (أزمعت ) يناقض ما قبله فقد أخذنا علماً بكونها هجرت و ( أشقت تجافيا ) ويلاحظ اسراف الشاعر في استخدام لفظ (وما) وكل هذا يدخل في سياق الهزة النفسية التي اعترت الابيات الاخيرة من النص وتأرجحت بين أريد ولا أريد .


فـإنْ أَزْمَعَـتْ هجـري و ضنَّـت بوصلهـا
قبلـتُ النَّـوى منهـا ، و فـيـهِ فنائـيـا

تحياتي لشاعر الواحة الفذ ، وما معانقتي له هنا إلا عهداً قطعته على نفسي بأن أمد يدي لمصافحة كل جديد يستهويني ، وليست (اعذريني ) بأقل من رائعة ملكت علي عقلي فاحتفيت بها على طريقتي ، وأنا أولاً وأخيراً حبيبٌ لكاتبها وسيغفر ثرثرتي على ضفاف حروفه.

تحياتــــي وتقديري
طائر الاشجان

د. سلطان الحريري
28-05-2004, 06:10 PM
الحبيب الدكتور جمال:
للفصول والحروف والحكايات والنغمة طعم آخر..
عندما أزمع القراءة لك أتأهب لموعد مع الأحلام، لإألبس مشاعري ، وأذهب في رحلة مع الأمنيات العذبة، وإذا أردت أن أبحث عن مرفأ لسفينة أحلامي أجده عندك ، في كل حرف تكتبه..
ستبقى قريبا من لجة الذات، وسأقرأ دائما لك
سأنتظر جديدك .. فهو دائما أجمل
دمت مبدعا وإنسانا

نهى فريد
29-05-2004, 03:15 PM
سَقَتْنِـي رُضـابَ الثَّغـرِ شَهْـداً مُـكـرراً
و نهـراً مـن الألحـانِ يختـالُ صافـيـا
بكأسٍ مـن الفيـروزِ قـد أَسْكَـرَتْ دمـي
فداويـتُ مـا أعيـى الطبيـبَ المـداويـا
وَ جُبْـتُ رِيـاضَ الـخـدِّ أسـقـي وُرُوُدَهُ
فكانـتْ ورودُ الخـدِّ مـن جـاء ساقـيـا



دكتور جمال

لن أقول رائعة

أنت الروعة كلها
ولا أجامل
















لا أظنني اكتفيت لذلك سأعودة لقراءة أخرى

بثينة محمود
29-05-2004, 03:40 PM
فـمـا قيـمـةُ الإنـسـانِ دونَ مــروءةٍ
و لا مذهـبٍ يُبقيـهِ فـي النـاسِ عالـيـا

و مـا قيمـةُ الدنيـا إذا غــابَ فَجْـرُهَـا
و مـا الفجـرُ إلا إنْ سَنَاهَـا بــدا لِـيـا


شاعر النيل الجميل
أمتعتنى بكل حرف سطرته هنا .. ونعمت بتنشق عبير الابداع فى كل بيت

دمت لنا أستاذاً ومعلماً

د.جمال مرسي
29-05-2004, 03:55 PM
وَ حدَّثـتُ نفسـي بالـذي كُنـتُ مُضمـراً
كأنِّـي إلـى نفـسـي تقـدَّمْـتُ شاكـيـا
فَقُلْتُ اْعذريني ، قَدْ كَوَى اْلشـوْقُ مُهجتـي
و أضنـى أُوارُ البُـعـدِ عنـهـا فـؤاديـا

======
وَ جُبْـتُ رِيـاضَ الـخـدِّ أسـقـي وُرُوُدَهُ
فكانـتْ ورودُ الخـدِّ مـن جـاء ساقـيـا
ألا ليـت شعـري ، كـم عجبـتُ لظامـئٍ
روى ظامئـاً نبعـاً مـن الحُـبِّ جـاريـا
===
فـمـا قيـمـةُ الإنـسـانِ دونَ مــروءةٍ
و لا مذهـبٍ يُبقيـهِ فـي النـاسِ عالـيـا
و مـا قيمـةُ الدنيـا إذا غــابَ فَجْـرُهَـا
و مـا الفجـرُ إلا إنْ سَنَاهَـا بــدا لِـيـا


الحبيب د. جمال
لله درك ما أروعك , سلاسةً وعذوبةً وصوراً جمالية أتت تستقرُّ في القلب هذه الرائعة
وما أجمل اللفتة في المقطع الأخير مما قطفتُ إلى قيمةِ الإنسان حيث جاءَ بعدَ ذكرك للجمال والفتنة والتي تعني الدنيا ثمَّ أردفتَ باستفهامٍ تنفي بهِ قيمتها دون العفةِ والمروءة والجانب الإيماني كمبدأ إنساني والحقته بميدأ ثانٍ وهو ما رجعت به إلى مضمون القصيدة ألا وهو الحبُّ في معناه السامي ..

لك التحية والتقدير
دمت بخير
في أمان الله

أخي الحبيب الأستاذ بندر الصاعدي

اتدري أخي الكريم كم يسعدني هذا المرور الجميل و هذا التعليق الأجمل

لقد افتقدناك وقتا طويلا .. و عدت لتحمل لنا رقة البوح و عذب الحديث ..

فلا حرمنا الله إطلالتك الجميلة

و أشكرك على التحليل السلس الجميل

تقبل ودي و احترامي

أخوكم

د. جمال مرسي

د.جمال مرسي
29-05-2004, 04:50 PM
اخي الدعيكي


فما كنت أخشى في الهوى لومَ لائمٍ=و لا صاحباً يسعى ليفضحَ ما بيا
و ذي أم رامي يا صديقي بجانبي=فما كنت أخشاها و لكن إلهيا

د.جمال مرسي
29-05-2004, 06:44 PM
أخي الكريم د. جمال مرسي ..

من عادتي أن أطرق الباب أولاً ، وهو الدرس الذي تعلمته مذ حدث ما حدث في سابق عهدي معكم ، وما دمت في حضرة الشاعر ومتكئاً على أريكة في صالونه الثري فقد أمِنتُ ، وأمّنتُ ، وآمنتُ أن عمالقة الشعر لا يتركون وراءهم آثاراً لاعوجاج يمكن لأي ناقد أن يقتنصه ، وبما أنني هنا أقف وجهاً لوجه مع نصٍ لكل بيتٍ فيه قيمة أدبية كبيرة كبر صاحبها فلا بد أن نشير إلى مواضع الالق كما هي في أعيننا انعكاساً من وحي الصور مرسومةً بريشة خبير .

الاستعارات التصريحية سيطرت على التجربة الشعرية طوال فترة المخاض وحتى الولادة ، ويمكن تتبعها في كثير من الابيات مخلفةً البلاغة الشعرية في كامل معانيها ، وربما كان من الاجدى تناول هذه الصور فراداً ومن ثم نأتي على النواحي السلبية مفصلة إن وجدت .

أيـا بِنْـتَ جَنْبـيَّ اْرفُـقـي إنْ رَأَيْتِـنِـي
شَغُوفـاً بِمَـنْ جَالَـتْ فَـأَذْكَـتْ حياتـيـا
يستوقفنا هذا البيت وهو ضمن حوار للشاعر مع نفسه ( بنت جنبَي*ّ ) وهو بمطالبته لها بالرفق فقد علل أسباب ذلك الشغف الذي كان سبباً في شقائه بالصورة التي تلت هذا البيت :

لَئِنْ أَبْصَـرَتْ عينـاكِ فـي مثـل حُسْنِهـا
إذا أَسْفَـرَتْ ، أَدْرَكْـتِ كـيـف اْنشغالـيـا

وهذا هو الربط الذكي بين الابيات ، فهو يدعوك إلى التنقل من بيت ألى آخر دون أن تحس بملل تماماً كما تتنقل النحلة بين تيجان الورد لتجمع الرحيق .

وتبدأ أول الصور البلاغية المعتمدة على الاستعارة التصريحية التي أشرنا إليها أعلاه ، ويحتضن البيت التالي ثلاثاً منها :

هِيَ الصُّبحُ إنْ تَبْسُمْ، هِيَ الشَّمْسُ في الضُّحى
هـيَ البـدرُ إن تطلُـعْ ، أضـاءتْ لياليـا

ويبالغ الشاعر في النظر إلى محبوبته وكأن ما ذكره غير كافٍ لوضعها في الاطار الذي يرغبه فيأتي بقوله:

هِـيَ الكوْكـبُ الـدُرِّيُ فـي جِيـدِ ليـلـةٍ
بـدا بيـنَ أَجْــرامِ السَّـمَـواتِِ سامـيـا

ولا يمكن احتساب هذا عيباً أو شائبة تمس القصيدة كون هذه الصور غنيةً بما يشفع لها ، ولا أدل على ذلك من صدر البيت أعلاه حيث تأتي عبارة ( جيد ليلةٍ ) اسلوباً غير مألوف ولا نملك معه إلا الهزة التي ترافق كل معنى بهذا الحجم من الوميض عملاً بقول الشاعر :
إذا الشعر لم يهززك عند سماعهِ ... فليس خليقاً أن يُقالَ له شعرُ

ومن الابيات التي اختالت زهواً بما أسبغ عليها من الغدق البلاغي ما نقرأه في قوله :

وَ جُبْـتُ رِيـاضَ الـخـدِّ أسـقـي وُرُوُدَهُ
فكانـتْ ورودُ الخـدِّ مـن جـاء ساقـيـا

وكما أسلفت فإن شاعرنا يعمد إلى تكرار الصورة لتكون أكثر عمقاً ، أو أنه يصعب عليه التحرر بسهولة من استحواذ الفكرة على كيانه خلال التجربة الشعرية ما يدفعه إلى العوم في ذات الوجهة ليشبع جانب الرضى في نفسه من معطيات هذا الخيال الخصب ، وهو كذلك في قوله :

ألا ليـت شعـري ، كـم عجبـتُ لظامـئٍ
روى ظامئـاً نبعـاً مـن الحُـبِّ جـاريـا

ومن نافلة القول أن نذكر بأن باقي الابيات مغتالةٌ في الوحدة العضوية ، وقد مرت بحذر بجانب سابقاتها وبدت التجربة تضطرب ، انعكس ذلك في النبرة الصوفية التي تقمصها النص فجأة ودون مبرر ، وبدأت تشكل نغمة مستقلة متبرئةً من السيمفونية بكاملها ، ونلمس ذلك بوضوح في قوله :

فـمـا قيـمـةُ الإنـسـانِ دونَ مــروءةٍ
و لا مذهـبٍ يُبقيـهِ فـي النـاسِ عالـيـا

وهذا الزهد لم يكن ليتناسب مع ما سبقه ، بل يلغيه ضمناً ، إذ لا يمكن أن يكون كل وصفه الجميل وبوحه العذب تخلياً عن المروءة . لا سيما أنه مهد لهذا البيت بما يوحي أنه يقصد ذاته :

فمـا كـان فـي صيـدِ الفراشـاتِ ماهـراً
و ما كان فـي عشـقِ الجميـلاتِ ماضيـا

ورغم كونه عديم التجارب لا تعنيه المرأة كما يشير البيت أعلاه إلا أنه قد مهد لهذا البيت باعتراف يفيد إصابته بسهم المحب ووفوعه في حباله ونتكئُ في هذا المعنى على اللفظ " طالت " :

وَ كَمْ صَوّبَـتْ سَهْمـاً إلـى القَلْـبِ نافـذاً
فطالـتْ عنيـداً خالـيَ الـذِّهْـنِِ قاسـيـا

وفي البيت التالي نجد استخدام مثالي رائع لحالة الطباق في عجز البيت ، مع التحفظ على التمهيد له في الصدر بما قد يحسبه البعض حشواً أو تكرار لمعنى واحد وهو ليس كذلك .

ويختم الشاعر بتصريحه الخطير ، وكأنه النفَس الاخير الذي يضمنه صرخةً يائسة ، والمؤاخذ عليه في هذا البيت أن لفظ (أزمعت ) يناقض ما قبله فقد أخذنا علماً بكونها هجرت و ( أشقت تجافيا ) ويلاحظ اسراف الشاعر في استخدام لفظ (وما) وكل هذا يدخل في سياق الهزة النفسية التي اعترت الابيات الاخيرة من النص وتأرجحت بين أريد ولا أريد .


فـإنْ أَزْمَعَـتْ هجـري و ضنَّـت بوصلهـا
قبلـتُ النَّـوى منهـا ، و فـيـهِ فنائـيـا

تحياتي لشاعر الواحة الفذ ، وما معانقتي له هنا إلا عهداً قطعته على نفسي بأن أمد يدي لمصافحة كل جديد يستهويني ، وليست (اعذريني ) بأقل من رائعة ملكت علي عقلي فاحتفيت بها على طريقتي ، وأنا أولاً وأخيراً حبيبٌ لكاتبها وسيغفر ثرثرتي على ضفاف حروفه.

تحياتــــي وتقديري
طائر الاشجان

أخي الحبيب طائر الأشجان

السلام عليكم و رحمة الله

لست أدري ماذا أقول .. و قد لعطيت قصيدتي من النقد و التحليل ربما أكثر مما تستحق

سألوذ إذن بالصمت فلعله يكون أبلغ

تقبل تحياتي و خالص حبي و امتناني

أخوكم د. جمال مرسي

د. سمير العمري
02-06-2004, 01:34 AM
قاتل الله الانشغال!

قرأتها غير مرة وكل مرة أقول لن أمر بها دون أن تتفيأ بعض حروفي أبياتها الظليلة وتتنشق عبيرها المضمخ بالروعة والإبداع. لما يسعفني الوقت ولما أتمكن من أن أجد ما يناسبها من روعة الحضور فأتيت اليوم لألتحق بركب المصفقين الذين أطربهم شدو البلبل الغريد ولأؤكد عودتي بما تستحق ولو بعد حين.

ترى هل يعذرني جمال النفس والروح؟؟


أرجو ذلك
:os:

عبد الوهاب القطب
03-06-2004, 01:17 AM
الحبيب الدكتور الشاعر جمال

قرأتها اكثر من مرة

وفي كل مرة احببتها اكثر ..وهذه القافية جميلة ورقيقة للغاية.

لن اقتطف من القصيدة شيئا فهي متكاملة عندي متناسقة

كدقات الثواني السويسرية.

هكذا والله يكون الابداع والامتاع واسفي على

مَن لا يتذوقون الشعر فهم يحرمون انفسهم الكثير

تحياتي وانبهاري

المخلص

عبدالوهاب القطب

د.جمال مرسي
27-12-2004, 06:17 AM
الحبيب الدكتور جمال:
للفصول والحروف والحكايات والنغمة طعم آخر..
عندما أزمع القراءة لك أتأهب لموعد مع الأحلام، لإألبس مشاعري ، وأذهب في رحلة مع الأمنيات العذبة، وإذا أردت أن أبحث عن مرفأ لسفينة أحلامي أجده عندك ، في كل حرف تكتبه..
ستبقى قريبا من لجة الذات، وسأقرأ دائما لك
سأنتظر جديدك .. فهو دائما أجمل
دمت مبدعا وإنسانا

اكرمك الله يا أستاذي الكريم د. سلطان
و ما أجمل هذا التشجيع الذي تبثه بصفحتي
دائما ما نطربني كلماتك الحانية و احس بصدقها
و قربها من ذاتي
بارك الله بك ايها الغالي و أعتذر أيما اعتذار لتأخر ليس له
مبرر إلا الأنشغال الذي قال عنه د. سمير
بارك الله بك و لك حبي
أخوكم
د. جمال

د.جمال مرسي
27-12-2004, 06:25 AM
سَقَتْنِـي رُضـابَ الثَّغـرِ شَهْـداً مُـكـرراً
و نهـراً مـن الألحـانِ يختـالُ صافـيـا
بكأسٍ مـن الفيـروزِ قـد أَسْكَـرَتْ دمـي
فداويـتُ مـا أعيـى الطبيـبَ المـداويـا
وَ جُبْـتُ رِيـاضَ الـخـدِّ أسـقـي وُرُوُدَهُ
فكانـتْ ورودُ الخـدِّ مـن جـاء ساقـيـا



دكتور جمال

لن أقول رائعة

أنت الروعة كلها
ولا أجامل
















لا أظنني اكتفيت لذلك سأعودة لقراءة أخرى


أختي الكريمة نهى
كنت أفتش في دفتر قصائدي فوجدت هذه و قد تأخرت كثيرا في الرد و شعرت بالخجل بيني و نفسي لهذا التأخير و الإنشغال قاتلهما الله
تعرفي يا نهى أنك ممن أسعد جدا بمرورهم هنا لنظرتك الثاقبة و رأيك السديد
أسعدك الله في الدارين و بارك بك
و تقبلي الود
د. جمال

د.جمال مرسي
09-01-2005, 06:02 AM
فـمـا قيـمـةُ الإنـسـانِ دونَ مــروءةٍ
و لا مذهـبٍ يُبقيـهِ فـي النـاسِ عالـيـا

و مـا قيمـةُ الدنيـا إذا غــابَ فَجْـرُهَـا
و مـا الفجـرُ إلا إنْ سَنَاهَـا بــدا لِـيـا


شاعر النيل الجميل
أمتعتنى بكل حرف سطرته هنا .. ونعمت بتنشق عبير الابداع فى كل بيت

دمت لنا أستاذاً ومعلماً

الأخت الكريمة سنبلة
بارك الله بك و متعك بالخير في الدنيا و الآخرة
أشكر لك مرورك البهي
و أعتذر عن ردي المتأخر جداً
أخوك
د. جمال