تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سطوة ،،،



أحمد عيسى
17-01-2011, 10:10 PM
حين دخل بيته ، كانت الوجوه تحدق فيه بارتياع تام ،،،
ذاك التأثير كان عادياً جداً ، أمام جبروته وقوته ،، وجه زوجته الهادئ يحمل حزناً غريباً ، ألماً تلفه الدهشة ،، ودهشة تسافر خارج الحدود ، لا يحدها سقف الغرفة الرمادي ، ولا تكبح جماحها الأيادي المتشابكة معاً تتوسطهما الزوجة بين ابنتيها ،تحيط رأسيهما بذراعيها ، وتذرف دموعاً صامتة ، ليس يبررها شيء محسوس ،
أيمن ، ابنه الوحيد ، يجلس أمامه عاقداً ذراعيه أمام صدره ، واضعاً ساقاً على ساق ، أراد أن يصرخ به ، أن ينظر له نظرة مؤنبة ، لكن التعب والشعور بالارهاق التام ، يسيطر على جزيئاته ، يكبله ، عنيفة هذه اللحظة ، مريم ، ابنته ، تذرف دموعها ، تقترب منه ، تتحسس شعره في حنان ، تقول :
- جميلاً كان حين يصرخ بنا ، يرسم تكشيرته على وجهه فنرتعد أمامه ، لم يخفني يوماً بقدر ما كنت أبتسم ، وأفرح وأنا أرى ملامحه البريئة بهذه التكشيرة العنيفة ،، ما أعجب هذه الحياة !
هذه البنت ،، لم تكن تخاف منه ، مهلاً ، حتى أسترد عافيتي ، يراها تبتسم ، في حنان ، لم يرها هكذا من قبل ، كان يظنها عاراً يجب أن يظل بالمنزل دائماً ، لم يكن يرى جمالها هذا ، روحها ورقتها ، حتى جمالها الطفولي لم يرتسم أمامه بهذا الوضوح ،
بالأمس فقط ، كان عالعاصفة ، حين دخل على زوجته ليجدها بملابس الصلاة ، في صالون المنزل ، وخلفها نسوة الحارة ، يجلسن جلسة ما ، لم يكن يهمه الأمر ، سواء كانت جلسة دينية أو كن يتحدثن في مصائب الحارة وفضائحها ، سيان الأمر بنظره ، المهم انه اجتماع للنسوة ، اجتماع فيه ما لا يطيق احتماله ، صرخ فيها أمام جاراتها وصديقاتها ، ضرب الأشياء ببعضها ، سمع صوت تحطم ما ، صرخ كثيراً ، وأقسم أن هؤلاء لن يدخلن منزله مرة أخرى في حياته ، بكت زوجته كثيراً ، وشعرت الابنتان بالحرج الشديد ، لكنه خرج منتفخ الأوداج ، يشعر أنه وحده ، رجل البيت ، وحده يأمر فيطاع ، لهذا استغرب كثيراً الآن ، حين مدت زوجته يديها ، وبأصابع حانية تحسست وجهه ، كأني أراك للمرة الأولى ، أشعر بك كما لم أشعر من قبل ، تستدير قليلاً ، تتحرك لتفتح باب المنزل ،
كان شيئاً فوق الاحتمال ، كيف يأتين هؤلاء النسوة مرة أخرى ، لقد أقسم قسماً مغلظاً ، كيف يكسرن أوامره هكذا ،
النسوة يتشحن بالسواد ، يدخلن والحزن باد على ملامحهن ، وأصوات همهمة ونحيب تبدر حيناً ترتفع وتخفت ، ثم رجالاً يدخلون المنزل ، كأنه أصبح مزاراً علنياً ، يهم بالنهوض ، يحاول أن يتحرك ، أن يرفع يديه ليمسك بشيء ما ، أن يصرخ ليرى نظرة الخوف التي تعود عليها ، هذه النظرة الحانية تصيبه بالجنون ،،،
أيمن يقوم ليصافح الرجال ، يقول أحدهم ، وهو امام المسجد القريب :
- متى حدث هذا
- كان عائداً الى المنزل حين ضربته شاحنة مسرعة ، ولم نتمكن من انقاذه ، رحمه الله
عمن يتحدثون ، وأي جنازة هذه التي يحددون موعدها وأي صوان يريدون اقامته ، ينتفض ، يصرخ بكل قوته ، تنطلق الصرخة عنيفة ، تحرر جسده ، يرتفع عالياً ، في سقف الغرفة ، ليراه هناك ، مسجى فوق محفة خشبية ، دخلت به منزله ، وحوله وجوه قريبة وغريبة ،
انتبه لنفسك ، صراخ سائق الشاحنة ، صوت صرير ، وصراخ ، ثم سكون تام ،
يدور في الغرفة كالمجنون ، يحاول أن يلمس هذه الأيدي المتشابكة ، أن يشعر بها ، يحتضنها ولو لمرة واحدة ... أخيرة ,,
أغمض عينيه ، اعتصر ألمه ودهشته ومضى بينهما لحظةً كالحلم .

خالد الجريوي
18-01-2011, 06:40 PM
ما اروعك يا ابن عيسي

قصة محبوكه بعناية فائقه

استمتعت بقراءتها سيدي

تحية لك

ولقلمك الرائع

حسام محمد حسين
19-01-2011, 07:04 AM
لم أستطيع استنباط ما أردتَهُ من تلك القصة في المرة الاولي فعاودت القراءة مرة أخري حتي يتسنى لي ادراك ما تصبو إليه سيدي الفاضل.

دمتَ مبدعاً أ/ أحمد

محمد البياسي
19-01-2011, 10:28 AM
مؤثرة جدا
و اسلوبك راق و جميل

انتباهة للقارئ فقط :
نون الإناث تستعمل عادة كاسم , ومثالها : النسوة رجعن
و لكن استعمالها كحرف , نادر جدا , ومثالها : رجعن النسوة
في لغة من قال : أكلوني البراغيث .

(مغني اللبيب , ابن هشام , دار الفكر بيروت , ط 1992 , ص 449 )

شكرا لابداعك

ربيحة الرفاعي
27-01-2011, 08:34 AM
مذهل يا أحمد
لم أقرأك بهذا الجمال من قبل
نص أستهلكني حتى آخر طاقتي على كتم أنفاسي

دخول موفق وسردية محبوكة وذكية
وددت لو أنك توقفت عند قولك "مسجى فوق محفة خشبية ، دخلت به منزله"
فقد اكتملت مباغتتة القفلة هنا

دمت مبدعا

كريمة سعيد
28-01-2011, 12:14 AM
قصة جميلة شدتني بقوة
ماذا لو توقفت عند "كان عائداً الى المنزل حين ضربته شاحنة مسرعة ، ولم نتمكن من انقاذه ، رحمه الله .
المورق احمد عيسى
في انتظار جديدك تقبل تحياتي ومودتي

عبدالغني خلف الله
28-01-2011, 09:35 AM
عزيزى أحمد ..صباح الخير وجمعة مباركة ..
أتوقف عند البعد الإنسانى بهذا النص الموجع ..كل القسوة التى ترتسم على وجوهنا كآباء هى قناع زائف وسطوة مصطنعة .. لأننابساطة شديدة نحب أبنائنا لحد الجنون .. لكن لا بد من تكشيرة هنا وغضب هناك وربما قرصة على الأذن حتى تستقيم أمور أولادنا ..إنهم أكبادنا تمشى على الأرض كما ورد فى الأثر ..أبدعت وأوفيت لكننى لا زلت عند موقفى الداعى لشيء من الفرح وأنت من سيقود هذه المسيرة فى نصوصك القادمة بإذن الله .

أماني عواد
29-01-2011, 11:02 PM
الاستاذ احمد عيسى

لكأنك تقول اننا في الحياة نعمل حتى دون ان نعلم اما في الموت فاننا نعلم ولا نستطيع ان نعمل
قصة مؤثرة جدا سلمت يداك

د. سمير العمري
09-02-2011, 10:34 PM
ما أروعك يا أحمد!

هنا بلغت في القص درجة الأستاذية بلا مجاملة!

دخول رائع سبك رهيب تداخل زمني وتقلب نفسي وإشارات دالة وشارحة وصولا لتلك اللحظة التي تؤكد أن الحياة ليست أكثر من لحظة وإن امتدت قرنا. ففيم القسوة وفيم الزلم وفيم التجبر ، وفيم الكيد وفيم التآمر وفيم الغدر وفيم الخيانة وفيم زور والبهتان؟؟

بلغت بهذا القصة في نفسي شأوا بعيدا باتتبار الحكمة فيها والتي فهمت أنها تنبع فيك كما تنبع عنك فلله أنت!

دمت بكل خير ورضا!


تحياتي

ريمة الخاني
17-10-2011, 07:09 PM
سرد محكم ورائع بذات الوقت...وهذا ليس بغريب عنك أبدا...وقد تبدى قلبك الشفاف في نهاية النص...
دمت مبدعا رائعا
الف تحية

ناديه محمد الجابي
09-02-2013, 03:54 AM
كم هو جميل قلمك يا أحمد .. وكم هى مدهشة قصتك
نص جميل يأسر الفكر والقلب
لقد أبدعت فى وصف حالة الموت ,
ونقلتنا بعمق الحدث بلغة سهلة, وبسرد متقن .. قصة جميلة مؤثرة
تحياتى لك ولقلمك .

كاملة بدارنه
10-03-2013, 09:42 AM
أيمن يقوم ليصافح الرجال ، يقول أحدهم ، وهو امام المسجد القريب :
- متى حدث هذا
- كان عائداً الى المنزل حين ضربته شاحنة مسرعة ، ولم نتمكن من انقاذه ، رحمه الله
عمن يتحدثون ، وأي جنازة هذه التي يحددون موعدها وأي صوان يريدون اقامته ، ينتفض ، يصرخ بكل قوته ، تنطلق الصرخة عنيفة ، تحرر جسده ، يرتفع عالياً ، في سقف الغرفة ، ليراه هناك ، مسجى فوق محفة خشبية ، دخلت به منزله ، وحوله وجوه قريبة وغريبة ،
تصوير رائع للّحظة الحرجة بالنّسبة للبطل وما لاقى من مفاجأة
قصّة رائعة بسرد شائق
بوركت
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
07-04-2013, 11:14 PM
قصة جميلة ومؤثرة مسبوكة بمهارة وذكاء
أمتعتني قراءتها

شكرا لك أخي أحمد

بوركت

لانا عبد الستار
25-04-2013, 02:30 AM
قصة مؤثرة أولا
وسبك رائع ثانيا وحبكة مميزة
أنت قاص جميل
اشكرك

آمال المصري
02-04-2014, 06:37 PM
من روائع ما قرأت لك من نصوص أديبنا القدير
أن تُخرِج بالبطل خارج الحدث ليرى نفسه ويتابع رحلته الأخيرة ويتمنى العودة ليعدل من سلوكياته كوالد وراعي ويعجز ليصطدم بالحقيقة المؤكدة أنه مجرد جثة لا حول لها ولا قوة
دمت بتلك الروعة والألق
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

خلود محمد جمعة
23-11-2014, 07:10 AM
:hat: قصة مدهشة بكل تفاصيلها وحبكتها الى النهاية
دمت متجددا في الروعة
كل التقدير

وليد مجاهد
05-03-2015, 12:14 AM
قصة رائعة مؤثرة مكتوبة بمهارة وذكاء ورسالة
لك تقديري