المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضاع كل شيء … ضاع كل شيء…



محمد رامي
07-02-2011, 09:00 PM
ضاع كل شيء … ضاع كل شيء…
فضولية الإنسان وليدة الذات ، وقديمة منذ بداية الخليقة ، وحب المعرفة جوهر الإنسانية ، ليقتني في جعبة أفكاره خيال الوهم إذا تمكن منه .
هذا ما حدث ذات يوم ، وقد بعث في نفسي شيئاً من القلق الدائم . وأثار فضولي لأبحث عن المجهول في شوارع المدينة ، وفي أجمل بقعة منها . ولم ينطوِ إلى ذهني ما قيمة تلك المنطقة في كل زمان ومكان . إنها تعج بالحركة اليومية … ليلاً ونهاراً … حيث المحال التجارية الكبيرة ، وشركات النقل التابعة لأكثر من قطر عربي أو أجنبي ، بالإضافة إلى فنادق الدرجة الأولى ، والمقاهي الرفيعة ، و دور السينما التي تزدحم على طرفي الشارع الطويل ، وهناك الكثير .وإذا أخلصنا في *التعريف ، نرى جمال الطبيعة في أبهى مظاهره ، يجمع بين العقل والعمل ، ويظهر العلم بصورة البناء والفن … تلك هي الحدائق الغنّاء التي تزيّن المدينة الكبيرة ، تتوسطها نوافير المياه ، لتسحر الناظر ، وتلطف من حرارة الجو في هذه الأيام الصيفية . إنها مرتع المصطافين ، وروضة البلابل ، تغرد وتغني للحياة .
لقد ارتفع علم البلاد خفاقاً في سمائها ، ليمد ذراعيه ، ويحتضن تراثنا العربي ، ويخلد حضارتنا العريقة ، في متاحفها التي تستقبل الزوار من كل مكان .لا شك أنها المدينة الساحرة … المدينة الجميلة … محط أنظار رواد المعرفة ، والباحثين عن الماضي في سجلات التاريخ . كما أنها مدينة الإنسانية ، ومجد الزمان في صفحات الدهر .
ما هو العجيب في الأمر ؟… وتلك هي صفات مدينتنا الغالية .
إن أغرب ما يحدث في حقل التجارب الإنسانية ، أن نجد من يعيث في الأرض فساداً ، ويشوه سمة البلدة الكبيرة ، ويغير من ملامح التاريخ في صورة الواقع ،ويعطيها الصبغة اللاحضارية ، ويطعن حضارتنا ، وفضائل أخلاقنا ، بانحرافه ، وشذوذه .

* * *
تجاوزت الساحة العامة التي تفصل المتحف الوطني والمركز السياحي ، متجهاً نحو أكبر شارع في المدينة ، لأقضي عملاً كنت أنوي القيام به في تلك الوهلة من الليل ، والساعة تقارب العاشرة ليلاً . لفت انتباهي ، و أرهفت السمع إليها ، كلمات أثارت فضولي ، وجعلتني أنظر حولي لأبحث عن مصدرها ، فإذا بجمع من الناس ، يخيم عليه لغطٌ لا يفهم فحواه . اقتربت منه أستطلع الخبر ، وما أن وصلت حتى هفت إلى مسمعي هذه العبارة – لأول مرة في الأسواق بليرة – ماذا في الأمر ؟… حاولت الاقتراب أكثر فإذا بلكمة عنيفة في خاصرتي ، وأخرى تلتها على كتفي … وأخرى … وأخرى حتى كادت نظارتي تسقط على الأرض . ولم أفكر بالتراجع لأنني عزمت أن استطلع الأمر ، ففعلت كما يفعل الآخرون ، حتى وصلت إلى مقربة من المركز فرأيت أمام ناظري – بطاقة معايدة كما يطلقون عليها -صورة إباحية بيد أحد المحتشدين ، وقد تناولها من البائع .. كذبت الأمر لأول وهلة ، وظننت أنها مبادلة بينهما . واقتربت أكثر فأكثر دون أن أبالي بأن قدمي قد نزفت ، و بنطالي يلزمه عملية رتق ، وقميصي يلزمه تنظيف .
شعرت بالأمان لأني وصلت إلى منشودتي ، وعندما لامست قدماي قوائم طاولة ، وقد طرح فوقها صور شتى لفتيات عاريات ، بأشكال ، وأوضاع مختلفة ، تمتد إليها الأيدي ، وتتحسسها الأنامل ، وتختار ذات الإحساس المرهف ، والجاذبية المطلقة . تتسلل يد البائع لتقبض ثمنها ، ويسعى سيدها نحو شاطئ الأمان ، لينفرد بجاريته ، وكأنما قد زفت إليه فتاة الربيع ، أو عروس البحر .
جحظت عيناي ، وصمت أذناي ، وعلت الحمى إلى رأسي ، وانتابتني صرعة من الدوار ، خلال لحظات ، وأنا وسط الزحام .
صحوت وأفكاري مثقلة بالنوازع النفسية ، والأراجيح الفاسدة ، و أنشدت النجاة لأهرب إلى الحياة من جديد ، وأهمس في أعماقي …

ضاع كل شيء …
ضاع كل شيء …

مجموعة مشاعر في سطور
مذكرات مع الأيام
حلب 1975

عبدالغني خلف الله
08-02-2011, 07:11 AM
أستاذنا محمد رامى .. السلام عليكم ورحمة الله
هذه الحادثة شبه الواقعية وقعت فى العام 1975 كما يظهر فى توقيعكم ..عندما كانت معظم المدن العربية تعيش جاهليتها الثانية ..لكن أكاد أجزم بأن الواقع قد تغير اليوم فى ظل الصحوة الاسلامية والدينية بصورة عامة ولم تعد تلك السخافات تستهوى شبابنا فى الألفية الثالثة والله أعلم .. هذامع تحياتى .

محمود فرحان حمادي
08-02-2011, 09:31 PM
تمكن في تصوير المشهد
وروعة في الأداء الفني المبهر
بورك البوح المتألق
تحياتي

خالد الجريوي
08-02-2011, 09:41 PM
قصه تعلقت بها عيني

حتي إنتهيت منها

مبتسما تارة ومجذوبا لقراءتها تارة أخرى

الفكره ربما حملت بعدا ظاهريا وآخر في بطن أستاذنا

وأشهد أنها ممتعة

دمت بمعية الرحمن

نادية بوغرارة
08-02-2011, 11:21 PM
ضاع كل شيء ، عندهم ، عند اللاهثين وراء شهواتهم بأنواعها ،

لكن لم يضع شيء عند فئة أخرى لم يجرفها سيلهم و ما انساقت وراء تهافتهم .

دمت مبدعا أستاذنا .

محمد رامي
09-02-2011, 08:12 PM
أستاذنا محمد رامى .. السلام عليكم ورحمة الله
هذه الحادثة شبه الواقعية وقعت فى العام 1975 كما يظهر فى توقيعكم ..عندما كانت معظم المدن العربية تعيش جاهليتها الثانية ..لكن أكاد أجزم بأن الواقع قد تغير اليوم فى ظل الصحوة الاسلامية والدينية بصورة عامة ولم تعد تلك السخافات تستهوى شبابنا فى الألفية الثالثة والله أعلم .. هذامع تحياتى .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صحيح ايها الاخ العزيز
النص تم تدوينه في ذلك التاريخ
وقد اردت ان اقدمه هنا لاسباب عدة
واهمها ان تلك الصورة التي رسمتها كانت متداولة في حينها ، وتعتبر من الحالات التي تصدرت السلوك السلبي آنذاك
لكنها عادت اليوم بثوب آخر ، أكثر انحلالا ، وأكثر سوءاً ، وكانت التكنولوجيا احدى مقوماتها التي سهلت انتشارها
أفلا تجد تلك الأبواب المشرعه أمام جيل جديد ، جيل تعلق بالنت بكل مالديه من خبرة واسعة للتعامل معه ،
فلذا وجب علينا ان نكون حريصين على التوجيه ، وانتشار الوعي ، والتسلح بالأخلاق ، والايمان ،
كي نحمي أبناءنا من تلك الانهيارات الاخلاقية والنفسية .
اردت فقط ان اشير الى ذلك لعل صوتنا يصل .. وكلمتنا تجد من يستسيغها على الاقل كي نحمي أبناءنا من تلك النزوات
التي اصبحت في متناول ايدهم بكل بساطة
شكرا لمداخلتك .. وتلك الرؤيا التي ذكرتها
تحيتي وتقديري

محمد رامي
09-02-2011, 08:14 PM
تمكن في تصوير المشهد
وروعة في الأداء الفني المبهر
بورك البوح المتألق
تحياتي


عندما يكون المشهد مرتبطا بحالة واقعة
لا بد من ان يكون موفقا
تحيتي وتقديري لمرورك الكريم

كاملة بدارنه
17-02-2011, 12:13 PM
لغة سلسة ووصف موفّق لموقف أراه يتكرّر مثلما تفضّلت... لكن؛ بصور جديدة ومتنوّعة .

هل توافقني الرّأي أستاذي بأنّه من الأفضل أن يكون نصّا نثريّا وليس قصّة؛ لأنّه ذيّل ب " مجموعة مشاعر في سطور" ؟

تقديري وتحيّتي

آمال المصري
24-02-2012, 12:25 AM
اليوم للأسف الشديد صارت التقنية الحديثة بديلة عن الازدحام من أجل صورة ...!
إلا من اتقى الله وأيقن أن لديه رقيب عتيد
وإذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العينُ تَزني وزِناها النظرُ
فقد ضاع كل شيء
نص هادف صيغ بأسلوب جميل ولكن جاءت المقدمة خاطرة لاعلاقة لها بالنص
دمت مبدعا
تحاياي

نداء غريب صبري
24-02-2012, 04:36 PM
نعم أخي
لقد ضاع كل شيء فعلا، منذ ابتعدنا عن شرع الله وانقلبنا على قيمنا

شكرا لك أخي

بوركت

ربيحة الرفاعي
16-09-2014, 03:30 PM
جاءت مقدمة النص أو النص الأول منه مقالية نثرية اللون، حتى أيقنت أني لست في ميدان القصة
وقرأت في نصفها الثاني قصة جاء ما سبق تقديما لها، ولست أخفيك أن أحد اللونين كان يجب أن يحتوي النص كاملا لتحقيق التجانس
واقعي وصادق وهادف بلغة موفقة

دمت بخير

تحيتي

ناديه محمد الجابي
29-09-2021, 06:38 PM
قصة عميقة على بساطتها أجدت تصويرها بأسلوب جميل ومتمكن
وقى الله شبابنا من الضياع خاصة في عالم التكنولوجيا الحديثة
والدخول في غرف الشات، وتبادل مقاطع الصور والفيديو
وتكمن الخطورة في سهولة السماح للمتصفح بفتح جميع المواقع الإباحية دون رقيب
أن هذا الجهاز بمثابة «قنبلة موقوتة» بأيدي شبابنا وفتياتنا
مع انعدام الرقابة القانونية من الجهات المختصة التي لها صلاحيات الرقابة .
:002::007::002: