تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حمام الأعاجم



د. سمير العمري
28-07-2008, 09:49 PM
هَدِيلُكَ أَجْرَى يَا حَمَامَ الأَعَاجِمِ=فَصَاحَةَ شَوقِي فِي لِسَانِ السَّوَاجِمِ
بِرَجْعٍ سَرَى فِي الرُّوحِ حَتَّى كَأَنَّهَا=تَئِنُّ أَنِينَ الطِّفْلِ فِي حِضْنِ فَاطِمِ
يَكَادُ لِطُولِ البَينِ يَبْكِي حِمَامُهَا=عَلَيهَا وَيَجْرِي فِي صُدُورِ الحَمَائِمِ
أُحَدِّثُ فِكْرِي عَنْ حَنِينٍ وَلَهْفَةٍ=وَأَحْرثُ عُمْرِي بَينَ مَاضٍ وَقَادِمِ
وَأَذْرَعُ فِي صَبْرِي دُرُوبًا مِنَ المُنَى=وَأَزْرَعُ فِي صَدْرِي فَسَائِلَ حَالِمِ
أُحَدِّقُ فِي الحَالَينِ صَمْتِي وَشَكْوَتِي=فَأَشْرَقُ فِي الأَمْرَينِ هَمِّي وَعَالَمِي
كَأَنِّي فُؤَادٌ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ وَحْشَةٌ=عَلَى طِيبِ أَنْسَامٍ وَراحَةِ نَاعِمِ
بِدَارٍ رِدَاءُ العَيشِ فِيهَا مُهَفْهَفٌ=عَلَى جِيدِ حَسْنَاءِ العُلا وَالمَعَالِمِ
كَأَنَّ مِنَ الفِرْدَوسِ سَاقَتْ دَلالَهَا=عَلَى الأَرْضِ تُغْرِي كُلَّ سَامٍ وَسَائِمِ
وَمِنْ شَأْنِهَا مِنْ كُلِّ حُسْنٍ سَجِيَّةٌ=وَمِنْ كُلِّ عَينٍ رُقْيَةٌ بِالتَّمَائِمِ
لَهَا فِي اجْتِبَاءِ الحِسِّ مَا لَيسَ يُتَّقَى=وَلَمْ يُلْهِهَا عَنْ حُسْنِهَا بَرْدُ وَاسِمِ
فَتَصْفُو بِهَا الأَنْفَاسُ مِنْ غَيرِ عِلَّةٍ=وَيَزْهُو بِهَا الإِحْسَاسُ فَوقَ النَّعَائِمِ
وَيَهْمِسُ فِي الآصَالِ مَكْنُونُ فِتْنَةٍ=كَصَبٍّ يَبُوحُ العِشْقَ مِنْ صَدْرِ كَاتِمِ
سَمَاءً حَبَاهَا القُطْبُ خَدًّا مِنَ السَّنَا=وَأَرْضًا كَسَاهَا العُشْبُ خُضْرَةَ دَائِمِ
تَرَى الشَّمْسَ مِنْهَا فِي حُنُوٍّ وَرِقَّةٍ=تُرَاعِي الذِي فِيهَا بِهَمْسَةِ هائم
عَصَافِيرَ تَشْدُو فِي عَذَارَى خَمَائِلٍ=وَأَرْآمَ تَغْدُو فِي وَدَاعَةِ سَاهِمِ
فَتَمْرَحُ لا لأْيًا يَشُوبُ وَلا أَذَى=وَتَسْرِي تُنَاجِي بِالرِّضَا ثَغْرَ بَاسِمِ
وَيَنْضَحُ فِي التُّفَاحِ فَوْحٌ وَفِي الرُّبَى=أَقَاحٍ وَفِي الغَابَاتِ بَوْحُ الكَمَائِمِ
وَفِي شَاطِئِ الأَحْلامِ فِي دَهْشَةِ الرُّؤَى=بُحَيرَاتِ سِحْرٍ حَانِيَاتِ النَّسَائِمِ
يَطِيرُ السّنُونُو فِي مَدَى الأُفْقِ آمِنًا=وَيَلْهُو إِوَزٌّ بَينِ مَاشٍ وَعَائِمِ
بِجَوٍّ مَتَى اسْتَهَوَى أَطَابَ رَبِيعُهُ=مَشَاعِرَ مَفْؤُودِ المُنى وَالمُنَادِمِ
وَأَعْجَبُ مَا فِي الطَّقْسِ أَنَّ خَدِينَهُ=يَرَى فِي نَهَارِ الصَّيفِ كُلَّ المَوَاسِمِ
وَتَرْسُمُ أَوْرَاقُ الخَرِيفِ مَتَى الْتَقَتْ=عَلَى صَفْحَةِ الأَلْوَانِ لَوْحَةَ وَاجِمِ
وَيَتْلُو الشِّتَاءُ المَرْمَرِيُّ عَلَى الوَرَى=طَوِيلَ مُتُونِ اللَيْلِ نَجْوَى الغَمَائِمِ
فَيُهْدِي عَرُوسَ الأَرْضِ ثَوبَ زِفَافِهَا=وَيَكْسِي رُؤُوسَ الأَيْكِ بِيضَ العَمَائِمِ
وَإِنَّ السُّويدَ الدَّارُ مَا جَارَ أَهْلُهَا=يُسَرُّ بِهَا جَارٌ وَيُرْوَى بِهَا ظَمِي
بِشَعْبٍ نَقِيِّ النَّفْسِ سَامٍ مُهَذَّبٍ=أَلُوفٍ عَطُوفٍ كَالبُدُورِ الرَّوَائِمِ
لَدَيْهمْ مِنَ الأَخْلاقِ دِينٌ كَأَنَّهُ=عَلَى دِينِنَا لَولا اقْتِرَاف المَحَارِمِ
وَلَوْ عَلِمُوا مَا الوِزْرُ فِيهَا لأَقْلَعُوا=وَلَكِنْ أَضَلَّ الرَّأْيَ عُرْفُ التَّرَاجِمِ
أَجِرْنِي مِنَ الأَحْزَانِ يَا قَلْبُ إِنَّنِي=أُكَلِّمُ مِنْهَا النَّفْسَ وَالوَجْدُ كَالِمِي
أَنَا المُطْبِقُ الأَجْفَان وَالشَّوكُ فِيهِمَا=أَحِنُّ إِلَى الأَوْطَانِ حَيثُ انْتَمَى دَمِي
أُسَافِرُ فِي النِّسْيَانِ عَنْ وَجْهِ رَاحِلٍ=وَأَبْحَثُ فِي الإِنْسَانِ عَنْ قَلْبِ رَاحِمِ
وَأَجْرَعُ مِنْ كَأْسِ النَّوَى وَابْنَةِ الأَسَى=وَأَقْرَعُ مِنْ أَمْرٍ جَرَى سِنَّ نَادِمِ
كَأَنِّي وَخَيلِي فِي مَفَاوِزَ مِنْ لَظَى=وَأَنِّي وَأَهْلِي فِي صَقِيعِ العَزَائِمِ
وَمَا حَاجَةُ المَقْرُورِ مَاءٌ وَمَطْعَمٌ=وَلَكِنْ دِثَارُ الدِّفْءِ قَبْلَ المَطَاعِمِ
وَلِي فِي حَنَايَا القَلْبِ رَجْفَةُ تَائِقٍ=لِتِلْكَ الرَّوَابِي مِنْ ديَارِ الأَكَارِمِ
لأَهْلٍ هُمُ الأَبْرَارُ فِي كُلِّ مَحْفَلٍ=وَصَحْبٍ هُمُ الأَخْيَارُ مِنْ نَسْلِ آدَمِ
فَمَنْ لِي بِهَاتِيكَ الدِّيَارِ أَضُمُّهَا=وَأَرْوِي ثَرَاهَا بِالدُّمُوعِ البَوَاسِمِ
إِذَا صَالَحَتْ صَدْرِي نَسَائِمُ أَرْضِهَا=فَلَسْتُ أُبَالِي بِاخْتِنَاقِ الحَلاقِمِ
سَلامٌ عَلَى الأَرْضِ التِي طَابَ رِيحُهَا=وَبُورِكَ مَا فِيهَا لِكُلِّ العَوَالِمِ
سَلامٌ عَلَيهَا مَا تَنَادَى مُؤَذِّنٌ=وَمَا سَجَدَتْ للهِ هَامَةُ صَائِمِ
سَلامٌ عَلَيهَا مَا اعْتَلَى الخَيلَ فَارِسٌ=وَمَا نَافَحَتْ بِالعِزِّ كَفُّ مُقَاوِمِ
دِيَارِي هُنَا فِي القُدْسِ مُهْجَةُ عَاشِقٍ=هَنَاءَتُهَا فِي حِضْنِ أَغْلَى العَوَاصِمِ
وَفِي غَزَّة الأَحْرَارِ فِي ضَفَّةِ العُلا=وَيَافَا وَحَيفَا وَالجَلِيلِ وَسَالِمِ
لَهَا فِي دَمِى عَهْدٌ وَحَقٌّ مُقَدَّسٌ=وَذَلِكَ مَا لا يَنْقَضِي بِالتَّقَادُمِ
فَمَا حِكْمَةُ الثَّرْثَارِ أَفْرَطَ فِي الجَدَا=وَفَرَّطَ جَهْرًا بِالحُقُوقِ اللَوَازِمِ
وَحَاصَرَ فِي الأَكْنَافِ قَوْمًا أُولِي هُدَى=أَشَاوِسَ أَرْبَابَ النَّدَى وَالمَكَارِمِ
وَمَا عَذْلُ مَظْلُومٍ بِعَدْلٍ لِذِي حِجَى=رَمَى فِي نُحُورِ المُعْتَدِينَ بِمَا رُمِي
عَلَى أَنَّ جَوْرَ العَارِفِينَ مُذَمَّمٌ=وَشَرُّ الذِي يُعْتَادُ فَتْوَى لآثِمِ
سَأَرْجِعُ يَا دَارِي وَإِنْ نَاجَزَ المَدَى=بِبِيضِ الأَيَادِي أَوْ بِحُمْرِ المَلاحِمِ
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الأَرْضِ أَعْطَتْ كُنُوزَهَا=لَمَا بِعْتُ شِبْرًا مِنْ طُلُولٍ رَوَاسِمِ
فَمَا عِشْقُ أَوْطَانٍ يُبَاعُ وَلَوْ جَفَا=وَلا صِدْقُ حُبٍّ يُشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ
سَأَرْجِعُ مِثْل الفَجْرِ يَقْتَحِمُ الدُّجَى=وَأَحْمِلُ مفْتَاحِي بِلَذَّةِ غَانِمِ
وَأَهْتِفُ فِي الأَيَّامِ وَالتِّينُ فِي يَدِي=أَلا إِنَّ بَعْدَ العُسْرِ حُسْنَ الخَوَاتِمِ