تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وما أدراك ما الاستبداد؟



عبد الرحيم صادقي
11-02-2011, 02:34 AM
يزداد الاستبداد بقدر ازدياد دناءة النفس، ففي الاستبداد اجتمع الشر كله. ففيه الكبر والتجبر، وفيه الزهو والغرور، وفيه الخيلاء والتباهي، وفيه الاحتقار والأثرة، وفيه التعالي بغير وجه حق، وفيه العزة بالإثم، وفيه ترك المشورة وطلب النصح، وفيه العُجْب واتباع الهوى. والاستبداد يُنْبئ عن خِسة لا مثيل لها، فالمستبد نذل لأنه يعلم علم اليقين أن لا غناء له عن الآخرين، إذ الناس بعضهم لبعض وإن لم يشعروا خدم، ويعلم أن وجوده لا يقوم إلا بوجودهم، لكنه يأبى أن يقابلهم بالجميل الذي هم أهل له، والمعروف الذي يستحقونه، والخير الذي يأتيه منهم. فتراه يقابل خيرَهم بشر، ويذلهم ولا محيد له عنهم. فأي نذالة أكبر من هذه؟
إن الفطرة تأبى أن ترى في الذي يلي أمر الناس غير النبل. فالأمير أسبق الناس لصنائع المعروف، وأعجلُهم إلى البر، وأكثرهم حبا للإحسان، إذ استمالةُ القلوب لا تكون إلا به. والأمير أدمث الناس خلقا، وأبعدهم عن الفظاظة. "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، صدق رب العزة. أقوى الناس عنده الضعيف حتى يأخذ الحق له، وأضعفهم عنده القوي حتى يأخذ الحق منه. فيا عجبا وألف عجب ممن يلي أمر الناس ثم يظلمهم! ولقد كان ذو النورين يُطعِم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخل والزيت. بذا ومثله يستميل الأمير قلوب الناس. والأمير أحوج ما يكون إلى تأليف القلوب عليه، ولا ألفة مع الظلم. فلا تميل قلوب الجماعة إلى الأمير إلا إذا ساسها بالعدل. وشاهدُ ذلك كله فعالُ الأمير لا أقواله، إذ الأمير في غنى عن كثير الكلام، بله التشدق والتصنع، والمَن والرياء استجلابا للمدح والثناء.
ويجمع ذلك كله خصلة التواضع. فالتواضع أمَارة كرم النفس وأصالة المحتِد. ولذلك لا يعمدُ الأمير إلى مظاهر الأبهة إلا إذا كان دنيء النفس، يعلم من نفسه ألا فضل له على عامة الناس فيسودهم به، ولا شيء معه يَميزُه عن رعيته. فليت شعري بم يمتاز الأمير فيحكم إن لم يكن بعلمٍ أوتيَه أو خُلُق جُبِل عليه؟ فمَن عدمهما تدثر بما يَكْفُر خواءه، ويستر عورته، ويُخفي معايبه. فلا يستجلب الأمير من مظاهر الأبهة إلا بمقدار ما فيه من خواء، سِحْراً للعيون، عساها لا ترى المكنون. إن الأبهة أمارة الخواء، ودليل الكذب والمَين، وشاهد السوء ودَرَن القلب، وعلامة الخبث والمكر، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله. يبلغ مظهر الأمير الغارقِ في أبهته، المستمسكِ بمظاهر الزيف، مبلغاً من الإهانة لرعيته لا يُقدَّرُ. فهذا الطاووس المتبجح يقول للناس لستُ من طينتكم. خُلِقت لما ترَون، وخُلِقتم لما أنتم عليه، وما كان كان، قُدِّر ذلك تقديرا. ومِن فوق سبع سماوات صدر الأمر أني السلطان في الأرض، وأنكم رعيتي. لا يَدَ لي في ذلك، ولا حيلة لكم في تبديله أو تحويله. جفت الأقلام ورفعت الصحف. أي ازدراء أكبر من هذا؟ وأي خواء أعظم؟
ليس ما يجعل للحاكم هيبة في قلوب الناس أبهة ولا زينة، أو مجالس وقصور، كلا ولا حاشية ولا حُجَّاب. وهل يمنعُ ذلك من دخول الأميرِ الخلاء؟
ألا لا يَعْجبنَّ مستبدٌ من ثورة شعبه، فإن ثورة المظلوم مما فُطرِت عليه النفس الأبية. وأيّما امرئ ظُلم ولم ينتصر فقد انتكست فطرته. وليس كالعدل يُساس به الناس.
:tree:

كريمة سعيد
11-02-2011, 12:09 PM
" فتراه يقابل خيرَهم بشر، ويذلهم ولا محيد له عنهم. فأي نذالة أكبر من هذه؟ .... وأي ازدراء أكبر من هذا؟ وأي خواء أعظم؟"

لقد عجزت ألفاظ القاموس عن إسعافنا بكلمة تنطبق على هذا العلق اللعين ... لا حول ولا قوة إلا بالله نتضرع إليه أن ينصر المظلومين ويرد كيد الظالم وزبانيته

المورق عبد الرحيم صادقي
لغة راقية ومفردات جميلة وقد راقني كثيرا هذا المنحى المتشبع بالصدق وقول الحقيقة وهما أهم ما يجب توفره في في الأدب السلطاني
فشكرا على هذه الحروف الجميلة شكلا ومضمونا وهدفا
دمت راقيا وشامخا

أماني عواد
11-02-2011, 07:19 PM
الاستاذ عبد الرحيم صادقي

مقالة تحليلية قيمة
فكما أشرت كرم النفس كفيل بمنحنا كثيرا من الصفات الحميدة التي تنعكس على سلوكنا وتكسبنا حي الاخرين
والعكس صحيح

سلمك الله من كل استبداد
تقديري واحترامي

عبد الرحيم صادقي
12-02-2011, 06:03 PM
الأختان كريمة سعيد، وأماني عواد، سعدت بمروركما. تقبلا مني التحية ودمتما بألف خير.

فاطمه عبد القادر
13-02-2011, 03:07 AM
يزداد الاستبداد بقدر ازدياد دناءة النفس، ففي الاستبداد اجتمع الشر كله. ففيه الكبر والتجبر، وفيه الزهو والغرور، وفيه الخيلاء والتباهي، وفيه الاحتقار والأثرة، وفيه التعالي بغير وجه حق، وفيه العزة بالإثم، وفيه ترك المشورة وطلب النصح، وفيه العُجْب واتباع الهوى. والاستبداد يُنْبئ عن خِسة لا مثيل لها، فالمستبد نذل لأنه يعلم علم اليقين أن لا غناء له عن الآخرين، إذ الناس بعضهم لبعض وإن لم يشعروا خدم، ويعلم أن وجوده لا يقوم إلا بوجودهم، لكنه يأبى أن يقابلهم بالجميل الذي هم أهل له، والمعروف الذي يستحقونه، والخير الذي يأتيه منهم. فتراه يقابل خيرَهم بشر، ويذلهم ولا محيد له عنهم. فأي نذالة أكبر من هذه؟




السلام عليكم أخي عبد الرحيم صادقي
من ريشتك تدفقت اللآلئ الثمينة الجميلة ,,لقد قلت كل الصدق
وليس بين الأمراء والحكام فقط من هم على مثل هذه الأخلاق السيئة الساقطة
هناك الكثير من الناس العاديين ممن يفرد ريشه كالطاووس لأتفه الأسباب {حاشى الطاووس لأنه بريء وجميل }
أما الأمراء والرؤساء فهم لا يدرون أن الله قد جعلهم خدّام الأمة قبل أن يوليهم مهمة الأمر والنهي
ولماذا يقبل الشعب قائدا لهم إن لم يخدمهم ويسهر على كل صغيرة وكبيرة ,,أليست هذة سنة من سنن الله ؟؟
وهل وجد الأمير والسلطان ليخضع الأمة لأهوائه الشخصية ,,ويمتص دماءهم مثل دراكولا ؟؟يا للمصيبة
شكرا لك جزيلا أخي على هذا الموضوع القيم ,واللغة القوية المتماسكة المعبرة بسلاسة عما تريد قوله
ماسة

عبد الرحيم صادقي
13-02-2011, 08:19 PM
الأخت فاطمة، نرجو أن نكون عند حسن الظن، ونقوم جميعا بما هو منتظر من الأديب والشاعر والكاتب. فنحن جميعا على ثغرة من ثغور المسلمين. دمت بألف خير.

فاطمه عبد القادر
14-02-2011, 03:30 PM
للتثبيت
اعترافا بقيمة النص
ماسة

زهراء المقدسية
14-02-2011, 04:19 PM
ألا لا يَعْجبنَّ مستبدٌ من ثورة شعبه، فإن ثورة المظلوم مما فُطرِت عليه النفس الأبية. وأيّما امرئ ظُلم ولم ينتصر فقد انتكست فطرته. وليس كالعدل يُساس به الناس.

الأنفس الأبية تأبى الظلم

والفطرة السوية تنكره

والعقل الحي يفكر ويخطط

ولا يجد غير الثورة

وكانت هي الحل ولا حل غيرها

الأستاذ عبد الرحيم

قولك يكشف من أنت

فشكرا لك

إسماعيل القبلاني
14-02-2011, 06:47 PM
وأيّما امرئ ظُلم ولم ينتصر فقد انتكست فطرته. وليس كالعدل يُساس به الناس.


النص هامة أدبية تجلت على ضفافه الحقائق

شكراً لهذا الألق

محبتي

مفيد ابراهيم
15-02-2011, 01:51 PM
فالأمير أسبق الناس لصنائع المعروف، وأعجلُهم إلى البر، وأكثرهم حبا للإحسان، إذ استمالةُ القلوب لا تكون إلا به. والأمير أدمث الناس خلقا.
يتسلل هذا النص الى النفس كما يفعل الصباح على الليل ... راقني كثيرا واعادني حيث عبرات المنفلوطي ...
تحياتي اخي عبد الفتاح ..

عبد الرحيم صادقي
15-02-2011, 06:59 PM
الأخت فاطمة، شكرا على تقديرك، ولك مني التحية.

عبد الرحيم صادقي
15-02-2011, 07:29 PM
الأخت زهراء، سعدت بمرورك وتقديرك. أحييك على جدك ومثابرتك. ولك من المغرب الأقصى التحية.

عبد الرحيم صادقي
15-02-2011, 07:37 PM
النص هامة أدبية تجلت على ضفافه الحقائق

شكراً لهذا الألق

محبتي

الأخ إسماعيل، بل هو ذوقك الحسن، ومشاعرك الصافية. أسعدني مرورك. مودتي

عبد الرحيم صادقي
15-02-2011, 07:45 PM
فالأمير أسبق الناس لصنائع المعروف، وأعجلُهم إلى البر، وأكثرهم حبا للإحسان، إذ استمالةُ القلوب لا تكون إلا به. والأمير أدمث الناس خلقا.
يتسلل هذا النص الى النفس كما يفعل الصباح على الليل ... راقني كثيرا واعادني حيث عبرات المنفلوطي ...
تحياتي اخي عبد الفتاح ..

الأخ مفيد، إحساسك هذا أمارة نفس شفافة، ومشاعر نبيلة. دمت مفيدا. تحياتي.

محمد ذيب سليمان
19-02-2011, 05:50 AM
نص يستق القراءة والعودة اليه

لما يحمل من تحليل للنفس البشرية

وما يرفعها أو يعود بها الى واد سحيق

خير ما بدأت به يومي

كل الشكر لا يكفي لصاحبه الذي جبل نفسه بالنفيس من القيم

شكرا

عبد الرحيم صادقي
19-02-2011, 05:42 PM
نص يستحق القراءة والعودة اليه

لما يحمل من تحليل للنفس البشرية

وما يرفعها أو يعود بها الى واد سحيق

خير ما بدأت به يومي

كل الشكر لا يكفي لصاحبه الذي جبل نفسه بالنفيس من القيم

شكرا

الأستاذ محمد ذيب سليمان، تلك هي النفس البشرية حين تسمو الروح على قبضة الطين، وهي ذاتها حين تهوي إلى أسفل سافلين. سعدت برأيك. تحياتي لك.

ربيحة الرفاعي
19-02-2011, 11:37 PM
ويجمع ذلك كله خصلة التواضع. فالتواضع أمَارة كرم النفس وأصالة المحتِد. ولذلك لا يعمدُ الأمير إلى مظاهر الأبهة إلا إذا كان دنيء النفس، يعلم من نفسه ألا فضل له على عامة الناس فيسودهم به، ولا شيء معه يَميزُه عن رعيته. فليت شعري بم يمتاز الأمير فيحكم إن لم يكن بعلمٍ أوتيَه أو خُلُق جُبِل عليه؟ فمَن عدمهما تدثر بما يَكْفُر خواءه، ويستر عورته، ويُخفي معايبه. فلا يستجلب الأمير من مظاهر الأبهة إلا بمقدار ما فيه من خواء، سِحْراً للعيون، عساها لا ترى المكنون.

مبدع أنت أديبنا
ونص محلق بفكر راق ومعالجة واعية مستنيرة

ولغة مقتدرة بسبك محكمة ومفردة غزيرة

دمت بألق

عبد الرحيم صادقي
20-02-2011, 12:26 AM
مبدع أنت أديبنا
ونص محلق بفكر راق ومعالجة واعية مستنيرة

ولغة مقتدرة بسبك محكمة ومفردة غزيرة

دمت بألق

سررت بمرورك الأخت ربيحة، ودمت مبدعة متألقة مقتدرة. وأنت أهل لذلك.

د. سمير العمري
08-10-2012, 06:54 PM
أنت أديب مبدع لا يكتفي بألق المبنى بلغة راقية وأسلوب ناضج وإنما أيضا بمضمون يحمل رأيا ورؤية ويقدم رصدا وحلا!

أشكرك أديبا وأشكر لك ما قرأت مبنى ومعنى!

دمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

نداء غريب صبري
09-10-2012, 05:35 PM
ألا لا يَعْجبنَّ مستبدٌ من ثورة شعبه، فإن ثورة المظلوم مما فُطرِت عليه النفس الأبية. وأيّما امرئ ظُلم ولم ينتصر فقد انتكست فطرته.

نص جميل وحكيم ورائع

شكرا لك أخي

بوركت

وليد عارف الرشيد
09-10-2012, 05:59 PM
نص رائع لمبدع رائع ، أسلوب أصيل بليغ نشتاق له دائمًا وها أنا اليوم على موعد مع نص قديم نسبيًا لكنه ماتع مايزال ينبض وسيبقى لأن فيه من الحكمة والمقالة الطيبة الصادقة ما لا تستطيع الأيام أن تطوي قيمتها
محبتي أخي الصادقي الجميل ولك التقدير كله

عبد الرحيم صادقي
17-10-2012, 09:57 PM
أنت أديب مبدع لا يكتفي بألق المبنى بلغة راقية وأسلوب ناضج وإنما أيضا بمضمون يحمل رأيا ورؤية ويقدم رصدا وحلا!
أشكرك أديبا وأشكر لك ما قرأت مبنى ومعنى!
دمت بخير وعافية!
وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.
تحياتي

بوركت أيها الكريم العمري
شهادة أعتز بها
دام لك الخير والفضل
وفي رعاية الله

خليل حلاوجي
17-10-2012, 10:46 PM
امتزاج رصين للقيمة الأدبية بالطبيعة الفكرية للنص ... وتكثيف تقني أجاد الكاتب فرش عباراته على بساط النقاش الجاد ..


أشكر أنفاسك التقية النقية

عبد الرحيم صادقي
17-10-2012, 11:11 PM
نص جميل وحكيم ورائع
شكرا لك أخي
بوركت

ولك الشكر على اهتمامك يا نداء
دام لك الهناء
تحياتي

عبد الرحيم صادقي
24-10-2012, 12:43 AM
نص رائع لمبدع رائع ، أسلوب أصيل بليغ نشتاق له دائمًا

بوركت أيها العارف الرشيد
كما عهدتك دائما، طيب وأصيل.
تحياتي أيها العزيز
وطابت أيامك

عبد الرحيم صادقي
24-10-2012, 12:45 AM
امتزاج رصين للقيمة الأدبية بالطبيعة الفكرية للنص ... وتكثيف تقني أجاد الكاتب فرش عباراته على بساط النقاش الجاد ..
أشكر أنفاسك التقية النقية

بل أنت التقي النقي أيها الخليل.
شكر الله لك
ودمت في رعاية الله

نور اسماعيل
24-10-2012, 09:36 PM
مهما وصفنا الإستبداد فإنه أقبح من كلّ الصفات .
كلماتٌ جملية وأبدعت أخي لكن حبذا لو قمت بإضافةِ بعض الحركات كي يتضح المعنى ولا أمر عليك
بوركت

عبد الرحيم صادقي
11-11-2012, 12:46 AM
مهما وصفنا الإستبداد فإنه أقبح من كلّ الصفات .
كلماتٌ جملية وأبدعت أخي لكن حبذا لو قمت بإضافةِ بعض الحركات كي يتضح المعنى ولا أمر عليك
بوركت

وفيك بارك الله يا نور.
وجميل مرورك وطيبة أيامك.
تحياتي