تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إصدار جديد بعنوان: سخف الحداثة وخواء الحداثيين



محمد محمد البقاش
14-02-2011, 02:01 PM
إصدار جديد في النقد بعنوان:
سخف الحداثة وخواء الحداثيين


عن منشورات الجيرة صدر للأديب الطنجاوي محمد محمد البقاش كتاب نقدي بعنوان: سخف الحداثة وخواء الحداثيين جاء في فهرسه:

ـ تنويرـ الثقافة المعضدية والثقافة الرمادية ـ أدونيس ـ نوال السعداوي ـ رشيد بوجدرة ـ محمد الماغوط ـ بدر شاكر السياب ـ معين بسيسو ـ نزار قباني ـ توفيق زياد ـ عبد العزيز المقالح ـ جبرا إبراهيم جبرا ـ مظفر النواب ـ محمود درويش ـ ممدوح عدوان ـ محمد علي شمس ـ سميح القاسم ـ أنسي الحاج ـ سيد بحراوي ـ محمد الفيتوري ـ وفاء سلطان والعقل المتورم ـ عبد الوهاب مؤدب.
لحمل الكتاب عبر هذا الرابط في باب: كتب وإصدارات
www.tanjaljazira.com

محمد البياسي
14-02-2011, 02:14 PM
اخي الكريم

العنوان وحده موسيقى
العنوان وحده كتاب
طالما انك تحدثت عن سخف الحداثة و خواء الحداثيين فإن الكتاب بقيمته عظيم
دلني أين و كيف استطيع الحصول على الكتاب لكي أُثريَ به فكري و أُزيّنَ به مكتبتي .

تحية من القلب الى ابداعك قبل ان اقرأه
وكل احترامي و تقديري و محبتي و تضامني .

محمد محمد البقاش
14-02-2011, 06:50 PM
السلام عليكم
ادخل على موقع طنجة الجزيرة في باب كتب وإصدارات ففيه الكتاب يمكنك تحميله مع قراءة ماتعة
www.tanjaljazira.com

علي عطية
08-03-2011, 09:49 AM
دمت بجمال أيها الجميل
ونشكر لك جهودك

بالخير دائما انت

بندر الصاعدي
08-03-2011, 10:31 AM
الأخ الأستاذ : محمد القماش
تم نسخ محتوى الكتاب _حيث لم أجد لها رابط تحميل_ , على أمل قراءته قريبا .
سأضيف بحول الله ما ينطبع لدي في صفحة الموضوع هنا , وفي موقعكم هناك .

لك التحية والتقدير

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 06:53 PM
طالما انك تحدثت عن سخف الحداثة و خواء الحداثيين فإن الكتاب بقيمته عظيم
دلني أين و كيف استطيع الحصول على الكتاب لكي أُثريَ به فكري و أُزيّنَ به مكتبتي .


تم تحميل الكتاب

وساقوم بنشر النسخة التي قمت بتحميلها هنا
على حلقات

دمتم بخير

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 06:57 PM
http://www.tanjaljazira.com/ar/filemanager.php?action=image&id=80
سحف الحداثة وخواء الحداثيين

( في النقد والنقض )

………….
المؤلف: محمد محمد البقاش أديب باحث وصحافي.

الكتاب: سخف الحداثة وخواء الحداثيين ( في النقد والنقض )
الحقوق المعنوية: محفوظة للمؤلف.
الحقوق المادية غير محفوظة، ولكن عند الاقتباس يرجى ذكر المصدر، وعند
الرغبة في طبعه أو نشره من أية جهة؛ رجاء غير ملزم، إشعاري فربما زدت
فيه أو عدلت منه.
النشرة الإلكترونية الأولى: غشت 2009.
النشرة الورقية الأولى: 2010
الإيداع القانوني: 462 ـ 98
الترقيم الدولي: ردمد 1114 – 8640 ISSN
الغلاف: للرسامة الإسبانية من أصل لبناني فاطمة سعيد مغير
Fatima Said Moguir
C / San Clemente n 14 , 6 Piso en Santa Cruz Tenerife. Telf. Mob:
+34650484429
السحب: إفزارن للطباعة والنشر 94 شارع فاس، تجزئة صولار ـ ب ـ فينيتو
رقم 3 ـ طنجة ـ الهاتف 0539336909 / الفاكس: 3993713105

..............

تنوير


سخف الحداثة وخواء الحداثيين كتاب عبارة عن فصل مستقطع من كتاب:
النظرية المَمْدَرية (في الفكر والأدب والفلسفة) لا يزال مخطوطا، وهو
في الأصل بعنوان: الثقافة الرمادية والثقافة المعضدية وقد غيرت عنوانه
فأصبح: سخف الحداثة وخواء الحداثيين، وأضفت إليه بحثا في (فكر) وفاء
سلطان..
لقد قررت استقطاعه من مخطوط: النظرية المَمْدَرية (في الفكر والأدب
والفلسفة) الذي تم بعون الله في غرناطة بتاريخ: 23 فبراير سنة 2006
ميلادية، دون أن يتضمن ما أشرت إليه آنفا بشأن وفاء سلطان؛ لأن موضوعها
كتب بطنجة في: 31 مايو 2008.
أنشره على الشبكة العنكبوتية للحاجة إلى من يتسلح به فيفند مزاعم
الحداثيين ويقلب الطاولة عليهم بكتبهم ومنشوراتهم لكنسها مع القمامة،
ثم وضعها في مزبلة الأدب.
ليرد عليهم سلعتهم التافهة.
وحرصا على الوقت حتى لا تضيع الفائدة في انتظار طبعه ورقيا أتقدم به
هدية؛ إليك، حضرة القارئ المحترم، فخذه بقوة، ثم إن كنت حداثيا أو ما
بعد حداثي فإني أدعوك به إلى أن تستهدف الاستنارة، ولكن مرورا على
العمق، كما أطمئنك أن النظرية المَمْدَرِية قد أطلقت النار على الفكر
الساقط والفلسفة المتورِّمة، وجاءت بأدب المستقبل؛ وهو الأدب
المَمْدَري، وإذن ليبحث الحداثيون والرماديون عن كفن لحداثيتهم وما بعد
حداثيتهم، وليولوا وجوههم شطر النظرية الممدرية والأدب الممدري ..

المؤلف:
محمد محمد البقاش
طنجة في: 27 مايو 2009.

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:05 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

الحداثة والقدامة

الحداثة لغة تقابلها القدامة. ومعنى ذلك أن هناك قديم وهناك جديد، ولكن
الجديد دائما يغتدي قديما وتلك طبيعة الحياة في صيرورتها وتقدمها نحو
نهايتها لأنها مبتدئة، والمبتدئ منته حتما. وإذا نظرنا إلى الحداثة
بمعنى كونها أشياء حديثة نجد عمل الطبيعة وعمل الكون وعمل الإنسان وعمل
المخلوقات كلها، بل عمل حتى الجمادات في تحركها في ذاتها وبذاتها، فكل
مخلوق يأتي بأشياء ويسلك مسالك قد تتفق مع القديم، وقد تختلف، وإذا
اعتبرنا الحداثة حداثة إلى الأمام دون الالتفات إلى الخلف نجد أن هذه
النظرة غير ناضجة لأن الإنسان في إدراكه لا يمكن أن يستغني عن الماضي
أو القديم مهما تقدم، ومهما بلغ من الارتقاء العلمي والمعرفي، ذلك أن
البناء لا بد له من قاعدة، هذا إذا أريد للبناء أن يكون بناء حقا وهو
فعلا في الواقع والحال، أما إذا أريد للبناء أن يكون غير ذلك فهذا
مضيعة للوقت. كل جديد وكل حديث لا بد له من البناء على أساس، والأساس
يسبقه، وهو قبله، وعليه فهو قديم عليه بغض النظر عن النسبة والزمن، فلا
يمكن لعقل أن يعقل دون الاعتماد على القديم، فالمعلومات السابقة
والمعارف الماضية شرط لا بد منه لتحقيق الإدراك، وفهم الواقع وتفسيره
وهي قديمة بصرف النظر عن نسبة قدامتها، وعليه فالقديم أس تقوم عليه
حياته، وهو العلة لوجود الحديث مثله مثلا مثل الجنين الذي ينتج عن
أبوين ولو أن يكون مستنسخا لأن الخليتين اللتين يأتي منهما الجنين قد
سبقتاه في الوجود ويمكن اعتبارهما أبوين له، فهما قديمتان نسبيا، وعليه
لا داعي للالتفات لمن يقول العكس لأن قوله ساقط غير ناضج، ونحن نريد أن
نتقدم في النضج لا أن نرجع.. وإذا نظرنا إلى الحداثة كمصطلح نجد
الاختلاف عليه عند أرباب الحداثة من المؤسسين لها ومن الذين جاءوا
بعدهم، وإلى حين اتفاقهم على المصطلح الذي يجب أن يحسم فيه لأن المصطلح
فكري، والفكر يتطلب التحديد والدقة، أقول: إلى حين حل خلافاتهم حول
مصطلحهم حتى نناقشهم في مدى مطابقة المصطلح للواقع، ومدى خضوعه لما يجب أن يحمل من معنى أو معاني لغوية لا بد منها، ولا بد في جزء من جزئياتها أن تبني علاقة بين اللغة والمصطلح، نتجاوز كل ذلك إلى وصف واقعها.

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:11 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش


الحداثة عند بعضهم زلزال يهز الحاضر وينسفه. الحداثة انتصار للعقل على
النقل، وهو قول معقول لأن النقل في الغرب عقل وليس نقلا، فالأناجيل
التي فاقت 73 إنجيلا والتي تمثل النقل؛ هي في حقيقتها عقل، وليس نقلا،
لأنها من تأليف بشر تناقضوا مع بعضهم البعض وجاءوا بالمضحكات، والعقل
السليم لا يقبل بذلك، فحق للمفكرين الغربيين أن يتمردوا على (النقل)
ويقدسوا العقل، وهم بذلك قد تمردوا بالعقل على العقل دون أن يعوا على
ذلك، ولكن هذا شأنهم، وهو شأن يختلف عن النقل في الحضارة الإسلامية
والثقافة الإسلامية، فالنص فيهما عقل ونقل، فما كان نقلا فهو نقل يتحدى
العقل، ويكفي ذلك جلبا للاحترام إذا جحده الإنسان.. الحداثة انقلاب
شامل في الثقافة، وهي بهذا المنظور تتخذ لنفسها قاعدة، ولكن لم يعترفوا
بكون هذا التقعيد سيغتدي ماضيا، وبالتالي بحسب منظور الحداثة وجب
الانقلاب عليه هو أيضا ليدل عدم إدراكهم لمآل ما بنوا عليه؛ على
سطحيتهم. الحداثة منظومة فكرية وعقدية وجزء من المبدأ الرأسمالي، لأنها
قد نشأت فيه، صحيح أنه قد تم الذهاب عند بعضهم إلى اعتبارها من بنات
القرن الخامس عشر في تركيز على حركة مارتن لوثر قائد الشقاق
البروتستانتي ضد الكنيسة والمتمرد على سلطتها الروحية، وهناك من ذهب
إلى اعتبارها من بنات القرن السادس عشر، ومنهم من ذهب إلى اعتبارها
ديكارتية تنطلق من مذهب الشك في القرن السابع عشر، كما رأى آخرون أن
المصطلح من بنات عصر التنوير في القرن الثامن عشر، وهناك من يربطها
بمطلع القرن العشرين عصر الإمبريالية والاستعمار.. أما في عالمنا
العربي والإسلامي فقد ارتبطت بكتّاب كانوا أبواقا للحضارة الغربية
والثقافة الغربية، عكسوا ما تلقوه من الغرب وأولوا ما عندهم ليوافق ما
أخذوه كالفلاسفة (المسلمين) قديما في تأويلهم الإسلام ليوافق المنطق
اليوناني والثقافة اليونانية أمثال الفارابي وابن سيناء والكندي وابن
رشد.. أو أنكروه تماما، أو أنكروا بعضه أمثال طه حسين وسلامة موسى..
وعند الانتقال إلى بحث النصوص في الأدب والنقد الحداثيين نجد أنها (أي
الحداثة) تكرر إعادة صياغة النصوص وتزيد من تقسيمها إلى أبواب، ولكنها
جميعها تنتهي إلى المعرفة الإنسانية، وهي مسبوقة، فالتاريخ عند كل
الجماعات الإنسانية الدنيا كالأسرة والعائلة والقوم.. إلى الجماعات
الإنسانية العليا كالشعوب والأمم يتحدث عن ممارسة ما جاء به الحداثيون
دون أن يطلق عليها ما أطلقه الحداثيون، ولعل الأقدمون كانوا أكثر وعيا
لما في عدم الإطلاق من رصانة فكر ورجاحة عقل من الحداثيين، ذلك أنهم
كانوا يعملون على المعارف العقلية التي ستظل معارف عقلية إلى أن يحسم
فيها بمطابقة الواقع واكتشاف السنن الاجتماعية، وليس على الحقائق
العلمية التي لم يكن كثير منها قد ظهر عندهم بعد، لقد عملوا في مجال
النقد والأدب على العلوم المعرفية، وليس على العلوم التجريبية.. ومثال
بسيط يؤكد ما ذهبنا إليه، فالقراءة الإبستيمولوجية عندهم تروم التماس
الأسس التي تقوم عليها المعرفة، تبني لها صرحا من إطار من (الحقائق)
والتصورات، حتى آفاقها محددة من خلال تلك التصورات وتلك (الحقائق)، وهي
(أي القراءة الإبستيمولوجية) للفعل القرائي النقدي العربي انطلاقا من
تفكيك آليات الفهم الأولي ورصد المرجعيات الفكرية إلى الإجراء الفعلي
تجعل ناتج القراءة حصيلة فكرية، تقييمها عندهم يكون من خلال رصد
التقاطعات والعوامل المؤثرة التي تسربت إلى داخل النص على حدوده بفعل
التقاطع الحضاري (الحتمي)، حتى لونها تأخذه من خلال ذلك. هذا يؤكد شيئا
هاما جدا وهو إمكانية جمع التناقضات في بوتقة واحدة، وإذا أمكن ذلك فهو
كالجمع بين الأسد والإنسان في غرفة واحدة أو مكان واحد ينتج عنه علاقة
قد لا تودي بالإنسان إلى الوقوع بين فكي الأسد، ولكنها علاقة لا يمكن
الاطمئنان إليها، ولا يمكن التسليم بصحتها، هذا ممكن فكريا ومعرفيا عند
شخصيات لا لون لها، عند شخصيات قلقة لم تستقر بعد على فهم سليم،
واعتقاد قويم، ولكن الأجمل كهدف؛ هو صفاء الشخصية وشفافيتها وعدم وجود
تناقض في مكوناتها. تجمع الحداثة بين الإنسان والحيوان المفترس وتطلب
لهما علاقة دائمية، فجمع الحداثة بالإسلام مثلا لا يعطي شخصية إسلامية،
ولا يعطي شخصية حداثية، وجمع الاشتراكية بالإسلام لا يعطي شخصية
إسلامية، ولا يعطي شخصية اشتراكية، وعليه لا يمكن أن يحيا الإنسان في
وئام حتى مع ذاته وعقله، وهكذا.. إن ما قيل آنفا فضلا عن كونه سباحة
على الرصيف وتجديفا في الوحل لا يجعل الإنسان صاحب موقف يحدد له طريق
التعامل مع المواقف الأخرى، كما أنه أولا وأخيرا لا يمكِّنه من معرفة
طريق التعامل مع الثقافات الأخرى والأفكار التي يقلبها بين يديه، فهو
لا يستطيع القراءة الصحيحة في الكون، في الحياة، وفي أنظمة الحياة.. لا
يستطيع الحداثي بفعل ما ذكر أن يعرف طريقه للتعامل مع الثقافات الأخرى،
وهما في حقيقة الأمر طريقتان: أولا: طريقة الانتفاع بالثقافات الأخرى.
ثانيا: طريقة التأثر بها.

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:19 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

فالانتفاع بالثقافات الأخرى مطلب حضاري وفعل ناضج يؤكد شراكة مع
الإنسان في كوكب الأرض والكون، في إنسانيته وفي تعاطيه مع الحياة
وأنظمة الحياة، ولكن الانتفاع يجب أن يكون بأفكار ومفاهيم تقنع العقل
وتوافق الفطرة وتملأ القلب بالطمأنينة، بينما التأثر يفقده شخصيته،
وبالتالي يجعله ميعا وهو واقع الحداثة وواقع الحداثيين للأسف دون أن
ننسى أننا بذلك لا نمانع من قراءة ما لدى الآخر بحرص شديد على ألا نضيع
أوقاتنا، لأن كثيرا من المعارف اليوم والنتاج الأدبي من شعر وقصة
ورواية وغيرها ينتظرنا لقراءته ولا نستطيع ذلك بسبب الوقت الذي لا
نملكه وهو بالقرون وليس بالسنين، وهناك ما يضيع الإنسان وقته في
قراءته، والممدرية تقضي وقوفا على محطات مختارة، وانتقاء للقراءة من
أجل الانتفاع..
وإذا تقدمنا أكثر لاستعراض ما ينشغل به الحداثيون نجد أن ما ينشغلون به
مسبوق، ذلك أن السياق والنسق والقراءة التاريخية والاجتماعية والنفسية،
والقراءة البنيوية (شكلانية وتكوينية وأسلوبية)، وسوسيولوجية القراءة
وسيميائيتها وجماليتها، ومستوياتها مثل مستوى الانطباع ويعنون به العجز
عن مواجهة النص، ومستوى التردد ويعنون به نتيجة الحكم على جودة النص
وقيمته وهو فعل نقدي بامتياز عاشه الإنسان قديما كالجاهليين مثل
استحسان النابغة الذبياني في سوق عكاظ لشعر حسان بن ثابت الأنصاري في
قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالصحى.............. وأسيافنا يقطرن من نجدة
دما
واستحسان النبي صلى الله عليه وآله وصحبه لبعض ما جاء في قصيدة كعب بن
زهير خصوصا أبيات من قصيدة: بانت سعاد لدرجة أن كساه النبي عليه الصلاة
والسلام برده:
إن الرسول لنور يستضاء بـه ............... وصارم من سيوف الله
مسلول
عصبة من قريش قال قائلهــم .............. ببطن مكة لما
أسلمـوا زولوا
زالوا فما زال أنْكاسٌ ولا كُشُفٌ .............. عند اللِّقاء
ولا ميلٌ مَعازيـل
القراءات كيفما كان نوعها مسبوقة من الإنسان لأنها وجدانية في نفس
الإنسان ولو أن يكون الإنسان أميا، ذلك أن قراءته لما حوله، لذاته،
تنبعث أصلا من وجدانه، وعليه تبقى نتائج القراءة، وهذه قد تجد فيها
أشياء غير مسبوقة من حيث الكشف، وليس من حيث الوجود والاختراع.. لقد
اختُلف في شأن نشوء الحداثة، ولكن أهم ما يجب تسجيله هو أن الغرب في
معاناته الطويلة مع الكنيسة ومع أفكار الكنيسة الرجعية قد تمرد عليها،
وكان للتمرد ثمنه من سجن وتعذيب وحرق.. الثورة على التقليدي، على
الديني، على الموروث الثقافي هدف سام، ولكنه من واقع وفي واقع يختلف عن
واقع العالم العربي والعالم الإسلامي، ولا ينطبق عليه بتاتا، ليس الآن
طبعا لأن العالم العربي والإسلامي حاليا ومنذ سقوط آخر ممثل للثقافة
الإسلامية والحضارة الإسلامية؛ الخلافة العثمانية سنة 1924م من القرن
الماضي لا يحيا في تبادل العلاقات والمصالح بثقافته وحضارته الإسلامية،
ولا يقيم علاقاته بين الشعوب غير الإسلامية في الموقف الدولي على أساس
الإسلام، ولا داعي لاستحضار بعض العلاقات لأن الحديث عن المجتمع الذي
يحيا بثقافة وحضارة هي الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية، وليس عن
غيره، والحديث عن الدولة التي تنظم علاقات الناس في المجتمع بمنظومة
تعينت في معتقدات الناس من خلال إيمانهم بالإسلام، وليس عن غيرها، وهما
في غير الواقع في العلاقات والموقف الدولي كما قلنا، وفرق شاسع بين هذا
وذاك وجب إدراكه دون لبس، وتصوره دون ما يعكر صفوه، صحيح قد تجد شيئا
من التشابه، ولكنه تشابه لا يُلتفت إليه لأنه لا يقعِّد للبناء، ولا
يؤسس للثقافة والمفاهيم نظرا لاختلاف الأناجيل عن القرآن، والمساجد عن
الكنائس، وعلماء الإسلام عن رجال الدين النصارى.

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:28 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش


وحين ظهور الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر عصر التنوير كما يسمونه اشتغل الغرب على التصنيع فحصل تقدم غير مسبوق، وهو مشروع مدني لا يمت إلى الثقافة
والحضارة بصلة، لأنه علمي تجريبي، والعلم التجريبي شأن عالمي إلا ما
كان تابعا لوجهة النظر الأساسية، ويشترك في العلم التجريبي الإنسان مع
أخيه الإنسان بصرف النظر عن قيمه ومعتقداته وأفكاره ومفاهيمه وقناعاته
ومقاييسه، ولما قامت الثورة الفرنسية قعَّدت للمبدأ الرأسمالي وقد حوى
في منظومته؛ الحداثة والعلمانية والديمقراطية والحريات.. جمع فيه ما
أنتجه المفكرون والكتاب الغربيون، فهي من حيث الجواب على الأسئلة
الكبرى قد حلّتها بالعلمانية حين اعترفت ضمنا بالدين دون أن تعيره أي
اهتمام، ومن حيث نظرتها إلى الكون والإنسان والحياة، فقد حسمتها، وعليه
فقد صارت فكرا وعقيدة ورؤى وتصورات، كل ذلك اعتمد من خلال التقعيد
العقدي والفكري، فجاءت بفكرة نبذ الماضي والتنكر له، جاءت بفكرة محوه
نهائيا متشبثة تشبثا سطحيا بالحاضر، ومتطلعة بشكل أعمى إلى المستقبل.
ونظرة بسيطة إلى مثال واحد من ذلك تؤكد سخافة وخواء من يعتمد غير ما
ذكرنا، انظر مثلا إلى غوستاف فلوبير (1821ـ 1880) ومالارمي (1842 ـ
1898) وخصوصا شارل بودلير وهو إمام الحداثيين (1821 ـ 1867) فقد نادى
بالفوضى الجنسية والفوضى الفكرية والخلقية، هذه الفوضى تقوِّض الحياة
ولا أقول المجتمع، شأنها شأن سلوك المثْليين مثلا، فلو سار المجتمع في
الفوضى الجنسية وفق هوى بودلير وهوى المثْليين لاختلت الحياة وقوِّضت
من أساسها، لأن الميل الطبيعي بشهوة، والذي تقتضيه غريزة النوع دعما
لغريزة البقاء المغروزتين في الإنسان وسائر المخلوقات هو من الذكر
للأنثى، وليس من الذكر للذكر، وعليه فمثل هذه الرؤى والدعوات تدل على
مرض، والمريض يستحق الإشفاق، وعليه فعلى المجتمعات أن تبادر إلى خلق
مناخ وإطار خاص بهم يتم فيه معالجتهم من انحرافهم، وإذا نحن سلمنا
لبودلير بالفوضى الجنسية، فماذا تكون النتيجة؟ النتيجة ضياع القيم
والمثل، وزوال صفة الإنسانية لتحل محلها صفة البهيمية، انظر إلى أول
مخلوق وهو آدم، كيف سار في حياته الجنسية؟ وكيف سار أبناؤه، ثم حفدته
من بعده؟ لقد ابتدأ بتزويج أبنائه الذكور من بناته، وهذا شاذ لأنه لا
يقعِّد للقيم والمثل، ولا يسعى بالحياة إلى الجمال المنشود، والصفاء
المحمود، والعلاقات الراقية، والأنظمة الراشدة، كيف تنشأ الأبوة
والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة في خضم
الفوضى الجنسية، في خضم الخلط في الممارسات الجنسية دون نظام؟ لقد
شاهدنا بأم أعيننا من هو متزوج من أخته الشقيقة وقد أنجب منها أبناء
وبنات، لقد شاهدنا أبا ألمانيا قد أنجب من ابنته أبناء، كيف ننظم هذا
الخلط؟ هل يأتينا بما هو أرقى من الأبوة والأمومة والأخوة والبنوة
والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة؟ إن كان كذلك فنِعْم، ولكن الواقع
ينفي ذلك تماما، وعليه فآدم حين زوج أبناءه بعضهم من بعض كان ذلك شاذا
أول الأمر، ولكنه كان ضروريا، بل حتميا لاستمرار الحياة، ومع ذلك حرص
ألا يكونوا قد اجتمعوا في رحم واحد، ومعنى ذلك؛ الارتقاء بالعلاقة
الشهوانية، علاقة الميل الطبيعي بالشهوة إلى الأنثى لما يزكيها ويجعلها
أجمل العلاقات لأن فيها استمرارية للحياة، وهكذا حتى ابتعدت العلاقات
بين ذوي الرحم الواحد لينشأ عن بعدها وهو تنظيمها عينه؛ العلاقات
الاجتماعية الجميلة، فكيف يأتي سفيه ويطالب بالفوضى الجنسية؟ هل يسير
بنا إلى ما هو أرقى مما ذكر؟ إن كان كذلك أخذنا به، ولكن أين هو؟ لا،
ليس إلى الرجعية من سبيل. عفوا لقد وجد وكنت في غفلة عنه، ولكن أخيرا
اهتديت إليه، وهو أن ينزل الإنسان إلى أقل من درك الحيوان، فقد أنشأوا
علاقات جنسية بفن دال على عبقرية، أنشأوها مع الإنسان في تنوع متعدد،
وطقوس راقية، وحين كانوا ما بعد حداثيين خلطوها بالذكور ومع الحيوانات.
لقد باتت المرأة في النظام الاجتماعي الحداثي الذي نادى به بودلير، وهو
الفوضى الجنسية، وهو نظام بطبيعة الحال؛ أرقى امرأة تستحق أن تكون قدوة
لنسائنا، لأن إتيان سلوك خاص وفق معايير خاصة يدل على إعمال عقل، وإذا
ظهر للوجود كان ذوقا راقيا دل على فن ونظام. وحتى لا نظلم حداثيينا
دعونا نساير شارل بودلير وكل من يدعو بدعوته إلى الفوضى الجنسية لنرى
نتائج تلك الدعوة. لنفرض أن الرجل يجامع أمه فتجب منه، ويجامع أخته
فتنجب منه، ويجامع ابنته فتنجب منه إضافة إلى جماع العمة والخالة
والحفيدة وابنة الأخ وابنة الأخت.. لنقف عند بعضها وما عليك حضرة
القارئ المحترم إلا أن تتم ما تبقى بنفسك. الذرية من الأم تعطي نظاما
يسير على شكل تصاعدي فتنشأ بسببه علاقات ترتبط أصلا بالعنصر الأول، فما
يكون ذلك النظام؟ الرجل الذي يجامع أمه هو (زوجها وهي زوجته) وابن لها
بطبيعة الحال، وهي أمه بنفس الوقت، وحين تنجب منه يكون ولدهما على
الصفات التالية: أولا: يكون المولود ابنها فهي أمه، وحفيدا لها من
ابنها الذي جامعها، فهي جدته، وولدها (الأب) والد ولدها. ثانيا: يكون
المولود ابنا لأم الرجل وأخا له. فماذا نسمي هذا النظام؟ وإذا اخترنا
له اسما دالا على مسمى، فهل هو نظام يرتقي بالبشرية إلى العلى لتتميز
عن الحيوان الذي له ما ذكرنا؟ لنزد في استنتاج النتائج المترتبة على
هذا النوع من النكاح، لنفترض أن الذرية صارت ابنا وبنتا، وقد وصلا السن
الذي يمكنهما من الإنجاب، فإذا قررت الجدة جماع حفيدها، وقرر الجد جماع
حفيدته فما تكون النتيجة؟ أولا: الجد جد للتي جامعها فهي (زوجته)
وحفيدته، وولدها ولده وسبطه. ثانيا: الجدة جدة للذي جامعها وأنجبت منه،
فهو (زوجها) وولدهما ابن لحفيدها وسبط لها. يحصل هذا في الحيوانات
والبهائم والطيور.. فهل يكون نظامها الاجتماعي أرقى من نظام بني البشر
الذي ابتدأ منذ آدم ولم يزل معمولا به إلى الآن؟ وإذا خلطت الأنساب،
ووضعت النطف في الأرحام وفق الفوضى الجنسية، وكان الخلط هو النظام
المستهدف فسيكون مختلفا تماما عن النظام الاجتماعي الذي يرتضيه الناس
كلهم إلا العتهاء منهم، فبالنظام الاجتماعي الطبيعي والفطري تحصل
الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة
وتتحدد وتتميز.. وكذلك الأخوة من الرضاعة التي تميز بتحريمها الإسلام
وقد ثبت علميا أن الرضيعين يرضعان لبنا به خلايا جذعية سوف تعطى في لبن
ذريتهما، وبه يكون الرضيع الذي امتص لبنا مع رضيع آخر أخا له، وإذا
تزوج المرء بأخته من الرضاعة يكون ولده أخاه وهو خاله، وأم الولد أمه
وهي خالته.. وهذا شاذ خبيث في العلاقات الاجتماعية.. وبغير النظام
الاجتماعي الطبيعي والفطري لا يحصل ذلك، فما ذكر من نتائج أظهرت صورا
جديدة لعلاقات اجتماعية جديدة، ولكنها صور لا يمكن أن يقبل بها عاقل،
وهي لا يمكن أن ترتقي بالإنسان لتميزه عن الحيوان، انظر إلى ملوك
أوروبا في تشريعهم نكاح (المحارم)، نكاح الأخ لأخته حفاظا على الدم
النقي والملك، انظر إلى الفراعنة الذين صدقهم الناس وصدقوا أنفسهم أنهم
آلهة، فقد تزوجوا من الأخوات والمحارم للحفاظ على تلك الألوهية، فلم
يتحرجوا من جماع الأخ بأخته، وقد ثبت أن هناك فراعنة صغار دفنوا قبل أن
يتوجوا فيعبدوا، والسبب تلك العلاقة الجنسية الشاذة، هذا ما قال به
علماء وباحثون، فكيف يدعو من يدعو إلى الفوضى الجنسية وخلط الأنساب وهو
لن يأتي بما هو أرقى مما هو موجود، ثم يزعم صحة ذلك ورقيه وحداثته؟ حتى
دعوتهم للحفاظ على العلاقات الاجتماعية في أدغال الأمازون لأناس
بدائيين لا يتحرجون من جماع الابنة والأخت؛ دعوة خبيثة، لأن الناس
هنالك جَهَلة بدائيون لا فكر لهم ولا حضارة. يبدو أننا نضيع وقتنا في
قراءة هذه الزبالة. يبدو أننا لن نجني فكرا يقنع العقل ويوافق الفطرة
ويملأ القلب بالطمأنينة. أما إذا ذهبنا إلى الاستنساخ الذي هو إيجاد
نسخة طبق الأصل للذي يراد الاستنساخ عنه ونجحنا فيه، ثم شرعنا نلعب
بالخلايا غير الجنسية التي تحمل كل واحدة منها 46 كروموسوما خلاف
الخلايا الجنسية التي تحمل 23 كروموسوما؛ قصد تدمير العلاقات
الاجتماعية، فمن الأجدى على الأقل أن تأتي تلك الأخلاط وذلك التلاعب
بما هو أرقى من النظام الاجتماعي التقليدي الرجعي (الطبيعي والفطري)
كما يصورونه، ولكن لن يأتي بشيء من جمال ذلك النظام أبدا، بل سيأتي
بإنسان لم يأخذ من الصفات إلا ما هو مبرمج في الخلايا غير الجنسية وبه
تكون الصورة مطابقة تماما لا تميز فيها، ولا جمال، تبقي على الأمراض
الوراثية والصفات البنيوية الدميمة، لا يُظهر الاستنساخ قدرة أخاذة ولا
يدا بديعة، خلاف التلقيح الطبيعي بين خلية الرجل الجنسية وبويضة المرأة
الذي يأتينا بصفات وراثية من الأب والأم تجعل الحياة جميلة، والعلاقات
المترتبة عنها أجمل، يضاف إلى ذلك عند الانحراف بالفطرة الإنسانية؛
فقدان الأنظمة الاجتماعية الجميلة من أُبوّة وأمومة وبُنوّة وأخُوّة
وعمومة وخؤولة وحفادة وصهرة.. كيف يصير الإنسان المكرم الذي يراد له أن
يلقي بكرامته؟ هل يراد له أن يكون قردا؟ ولكن القرد إذا حاول بشر فيما
يحمل من كروموسومات أن يتساوى مع القرد الذي يحمل 48 كروموسوما؛ تشوه،
وإذا نقص القرد من صفاته الوراثية ليصل إلى مقدار ما لدى الإنسان؛ تشوه
هو الآخر، فأين الجمال؟.. صارت المرأة في دين بودلير ودين الحداثيين
تجامع من طرف عدة رجال دفعة واحدة، توطئ في الأندية تحت عدسات
الكاميرات، وفي رواية: نساء مستعملات إشارة إلى أن الحفر ـ معذرة
للمرأة التي هي امرأة حقا تمارس فطرتها ـ الموجودة لديها لم تعد كافية
فشرعوا يحفرون بدنها ليصنعوا من تلك الحفر فروجا جديدة، صارت سيدتهم
المحترمة تجامع من طرف الكلاب المدربة وهو جماع حقيقي لا شهوة فيه
للمرأة، بل فيه شهوة للكلب، فما أجمل ثقافة جماع الكلب للمرأة، وما
أنبل استسلام المرأة للكلب، صار فرج المرأة يعبث به بقضيب الحمير
والكلاب ولُسْنها وفوّهات القنينات.. بات الرجل في الثقافة الجنسية
يحاكي المرأة، حتى القبلة السوداء والمطر المذهَّب صارا من تقليد
المثليين، هذه هي الفوضى الجنسية الجميلة، وهذا هو النضج العقلي لدى
مفكرين حداثيين يعتاشون على القاذورات فلا ينتجون إلا القاذورات.
يراودني الشك أحيانا في مثل هذا النتاج الفكري أن يكون من مثْليين، أن
يكون من مخنَّثين، أن يكون من معتوهين، وإذا لم أحسم في حكمي لا أشك
مطلقا أنه ممن لم ينضجوا بعد.

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:32 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

وإذا أردنا وضع الإصبع على الأخطاء الفادحة في الفكر الغربي والحضارة الغربية نجد أن هناك الكثير منها،من ذلك مثلا فكرة القيادة الجماعية والديمقراطية والمجتمع والحكم.. ـ
انظر كتابنا: التفكير بالنصوص (بحث أكاديمي). ولا يقال أن الكاتب قد
ساق أقوالا شاذة لأدباء قد خدموا الثقافة العربية والإسلامية
والإنسانية، فكان الأجدر به أن يخرج ما لديهم من إيجابيات، ويغض الطرف
عن السلبيات، والجواب على ذلك أنه ليس هناك إيجابيات في فكرهم، ذلك أن
ما ينتجون في الأدب والإبداع تجريد لغوي، والتجريد اللغوي يأتي به حتى
العامي بلهجته والأدب الشعبي غني به، وعند النظر إليه تجد منه ما هو
أرقى بكثير مما كتب من طرف من كتبوا ويكتبون بالفصحى، أضف إلى ذلك أن
الانتشاء بالنص الأدبي يتعلق بالذوق، والذوق ينبع أولا من صاحب النص،
فإذا كان صاحب النص لا يملك فكرا وهو ما أسجله عند حداثيينا في العالم
العربي لأنهم أبواق، فلا ينتج لنا إلا نصوصا ببصمة فكرية منحطة وسخيفة،
وإذا أطربت في ذاتها عند سماعها أو أثناء قراءتها، فالمسألة وإن كانت
مسألة ذوق غير أن هذا الذوق يجب أن يساير المنظومة الفكرية لصاحبها،
ومادام أعزاؤنا لا يملكون منظومة فكرية إذ هم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا
إلى هؤلاء فقد أثر ذلك على نتاجهم فجاءونا بالزبالة الأدبية، والخور
الفكري، والسقط المعرفي والغث الثقافي، فأنا أضيع وقتي في قراءتهم لأن
لدي مما ينتظرني من نصوص تخدمني كإنسان ما لا أقدر على قراءتها ولو عشت
القرون الطوال، وعليه فالاختيار حاليا بات لغير الحداثة، بل بات لفكر
وأدب يساير الكون في استهدافه الغاية التي خلق من أجلها.. إن النظرية
المَمْدَرية قد قعدت للحياة وأنظمة الحياة وفق محاكاة الكون والطبيعة
والذرة والخلية، وتأمُّلُ الخلية تحضُّر وارتقاء، انظر إلى الخلية في
جسم الإنسان فهي مختلفة في مكوناتها، فالخلية الجنسية تحتوي على 23
كرموسوما خلاف الخلايا الأخرى، فلماذا لا تكون جميعها متساوية؟ لن تكون
كذلك، ولو كانت لكان الاستنساخ قد قضى على جمال الحياة، وشوه الإنسان،
فافرض أن الزوجين بخلايا متساوية فسيكون السبق دائما لأحدهما في نقل
الصفات الوراثية، ومعنى ذلك استنساخ صور لا تتنوع في جمالها؛ الشيء
الذي يظهر قلة قدرة، وقصور إبداع.. ولحسن حظ البشرية أن الخلية الجنسية
مختلفة عن باقي خلايا الجسم، كما من حسن حظها أيضا أن لها ربا مبدعا.
صارت الممدرية بديلا للحداثة والديمقراطية وكل أشكال النشاط العقلي عند
الإنسان، فهي تنتج اليوماوية، واليوماوية زمن لا يغتدي ماضيا أبدا، وقد
أخذت سبب الحياة من زمن واحد لا ماضي لديه ولا مستقبل، إنه الحاضر
والحاضر فقط، وهو يوماوي دائما وأبدا، ومعنى ذلك أن الحياة بالممدرية
حياة في العلاقات، حياة في تبادل المصالح، حياة يوماوية وباليوماوية،
انظر إلى الحداثة فهي حداثة وشيء حديث، والحديث ما دام يستند على ماض
سيغتدي قديما، فهي حداثة تقليدية رجعية لابد أن تصير في الماضي؛ الشيء
الذي يؤكد عمى الحداثيين حين لم يتنبهوا إلى مصير حداثيتهم، بينما
اليوماوية إذا أريد لها أن تصير في الماضي تحاجج بواقعيتها، فهي اليوم
في الآن، وهي اليوم في المآل، فالغد يوماوي وهو الحاضر في الغد،
والماضي يوماوي وهو في الماضي يوماوي وهكذا..
..............

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:37 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش


الثقافة المَعْضِدية والثقافة الرمادية


المَعْضِدِيّة والمَعاضِدِيّة كلمتان مركبتان من معاً، وضداً، أو معَ،
وضدَّ. وصاحبها مثقف مَعْضِدي ومعْضادي ومعاضدي، وأصحابها مثقفون
معاضديون ومعضديون، وثقافتهم ثقافة معاضدية ومعضدية، وهم المعاضدة
بثقافتهم المتميزة، وهذه الأخيرة ثقافة المَعْضِد.
الفكر المعضدي والأدب المعاضدي والمعرفة المعضدية نظرية معرفية تخص
نوعا خاصا من البشر، تخص الوجوه الرمادية، تخص المتلونين من الداخل،
تخص المتقلبين في كل الجهات، المرتمين في كل الأحضان، المتبنين لكل
الأيديولوجيات والديانات، المتحررين من قيد كل فكر أو معرفة تلزمهم
بقيمها وأحكامها وقوانينها، تخص المنافقين الذين لا يثبتون على دين أو
مبدأ، هم دائما على استعداد لاستبدال القميص كلاعب كرة القدم؛ متى ما
تم بيعه إلى فريق آخر فسيلعب له ولو في الغد ضد من كان ينتسب إليه دون
حرج، وهو كذلك عند الثاني والثالث والرابع على استعداد دائما وأبدا
لاستبدال قميصه حتى يستغنى عنه وعن خدماته، فكذلك المثقف المعضدي،
المثقف الذي يقوم بدور العاهرة التي لا تتحرج من أي حضن، ولا تتبرم من
أي راكب، وهكذا حتى يستغنى عنها وعن خدماتها، وربما تظل عاملة أبدا
قوادة، كما يظل اللاعب مدربا لفريقه، أو ينتقل إلى التدريب مع فريق
آخر..
المثقف المعضدي مثقف يحمل ثقافة رمادية، مثقف اجتراري لا يفتأ يجتر ما
التقم من حشيش في الحقول كالبقرة، لا يفتأ يتبنى التناقضات.
فإذا كان مع اليميني أعلن عن يمينيته وتبجح بها، وإذا كان مع اليساري
أعلن عن يساريته وتبجح بها أيضا.. يتعبد في الأديرة والكنائس
والمساجد.. يتنقل في اعتقاده كالذبابة الزرقاء لا تفتأ تبحث عن
القاذورات لتقتات عليها.
وما يملك من ثقافة ليست ثقافة بقدر ما هي معلومات يوظفها بحسب الحاجة
والمصلحة، فهو أخبث من المنافق، إذ لا لون له، يستطيع خداعك بتلونه
كالحرباء.
المعاضدة جيش ضخم من المثقفين والجهال والأميين، جيش عريض من البشر،
فيهم المثقف والعالم والأديب والمفكر والكاتب والصحفي والمهمش والأمي
والجاهل والحاكم والمحكوم..
فيهم أصحاب المستويات المختلفة في الفكر والعلم والمكانة الاجتماعية..
لقد صاروا عبر التاريخ بالملايين، وهم اليوم بالملايين أيضا، والسبيل
إلى معرفتهم ركوب القاعدة الفكرية الأساسية التي تبني عليها تصوراتك
للكون والإنسان والحياة، التزام وجهة النظر الكلية التي تتبناها لتعرف
المعاضدة من هذا الجانب أو ذاك، فالمعاضدة موجودون في الفكر الماركسي،
وموجودون في الفكر الرأسمالي الديمقراطي، وموجودون في الفكر الإسلامي
وهكذا.
والثقافة الرمادية نسبة إلى الرماد الذي يهتز لأتفه الأسباب، لا يثبت
في حياة كوكبنا، قد يثبت في القمر، ولكن القمر خراب يباب لا حياة فيه.
وعليه فهذا النوع من الثقافة قد تعود إلى قراءته مرة أخرى فلا تجده
لأنه لا يثبت.
ولا يقال أن الرماد قد يحتوي على نار، والنار دفء وحرارة وسيف على
الثقافة الغثائية والثقافة اليابسة، لا يقال ذلك، لأن الرماد الذي
يتضمن نارا لا يأخذ حكمها وصفتها، لأنه ميت، والميت نوعان، النوع الأول
هذه الثقافة الرمادية، والنوع الثاني أصحابها، وكلاهما موات، فلا هذا
يقوم بذاك، ولا ذاك يقو م بهذا، وعليه فالثقافة الرمادية ثقافة عابرة
وقد لقيت حتفها على يد الممدرية، والوجه الرمادي عابر مثلها قد لقي
حتفه على يد الممادرة أيضا، وما يرى من حركة لهما فما هي إلا حركة
المذبوح سرعان ما تتوقف.
والوجه الرمادي نسبة إلى اللون، ومعلوم أن اللون الرمادي لون الموت،
انظر إلى أي وجه بشري قد تغير لونه فصار رماديا فإن ذلك يعني علميا
توقف القلب عن الخفقان، وتوقف الرئتين عن التنفس في وقت واحد، وهو ما
يعني الموت المحقق، فكذلك الوجه الرمادي ذو الثقافة الرمادية، إن صاحبه
ميت لولا انخداع الناس به، ينخدعون له كما انخدعت الجِنَّة لموت
سليمان..
وبمناسبة الحديث عن الفكر الماركسي والفلسفة المادية ظهر بعد سقوط
الاتحاد السوفيتي معاضدة رماديون من حكم العقيدة الشيوعية، فقد
استبدلوا رقاعا من قمصانهم، صاروا مسلمين ورأسماليين، وهم مستعدون
للتلون كالحرباء، وهؤلاء كثيرون بيننا، منهم من قضى فترة طويلة في
السجن السياسي مناضلا ضد الرجعية والإمبريالية والملكية، ثم خرجوا
السجن بعد أن قضى رفاقهم فيه تحت التعذيب، وصاروا معضديين رماديين، لم
يعودوا مبدئيين كما كانوا، بل صاروا مسلمين ورأسماليين يحتفظون
بالعقيدة الشيوعية، ويروجون لموقفهم بمبرر استحالة حمل الشعب على
التحول إلى التقدمية وقد قضى في العرف والتقليد قرونا، لا يمكن تحويله
إلا بعد قرون أيضا، إنهم ينتظرون نضج الشعوب حتى تتخلى عن الرجعية
والتقليدية والماضوية، حتى تتخلى عن التدين والأعراف والتقاليد.
ولست أدري كيف لا يتساءلون مع أنفسهم عن رجعية تقدميتهم وحداثيتهم.
وهناك آخرون لم يسلكوا مسلكهم، تحولوا عن الشيوعية، تخلوا بثقافة عن
ثقافة ولم يسقطوا في المعضدية، منهم مثلا فؤاد حداد الذي بدأ مسيحيا،
ثم شيوعيا، ثم انتهى مسلما، وصاحب كتاب: السيرة النبوية أباطيل وأسمار
عبد الرحمان بدوي، ووجيه كوثراني، وعادل حسين، ومحمد عمارة وغيرهم.
ولقد غاظني نقاشي مع صديق ماركسي ظل يتخفى حرجا حتى أطمعته في
الكلاسنوست فكشف عن كونه ماركسيا حقيقيا، ولكنه يردد مع المسلم ما
يردده، يصلي مثلا على النبي محمد في قوله: صلى الله عليه وسلم، ويردد
مع الرأسمالي ما يردده من تبنٍّ للحريات، ثم هو أولا وأخيرا ليس مسلما
ولا رأسماليا، وهو في سعة من أمره لا يكرهه أحد وهو في بلد (الحريات)
غرناطة، هذا النوع من المثقفين تحار في البحث عن موضع تموقعهم فيه
لولا الممدرية التي معْضَدَتْهم ورمَّدتهم.
فالممدرية نظرية (فبرية) تفعل فعل الهاتف النقال الذي يهتز فيرنّ، أو
يهتز دون أن يرن، تنبه للطارئ والطارق.
والإسراع في الاستجابة لها مسألة ملحة جدا، فهي تغري دون غش بتبنيها
حتى يتم تقمص المستقبل قبل أوانه، حتى يتم العيش في الحاضر بتجلياته
المتفائلة، حتى تتم الاستفادة من الماضي بحقائقه التي لا تتغير أو
تتبدل، تنبه إلى عطل عظيم أصاب البشرية جراء بعدها عن الممدرية، ولا
أقول جراء بعدها عن الإسلام، فالإسلام لا يقارن بالممدرية لأن الممدرية
نتاج بشري خلاف الإسلام الذي هو عطاء ربوبية كالحياة وأسباب الحياة،
بينما الممدرية قامت على محاكاة الكون والذرة والخلية، وهذه الأشياء
تعكس مطلقيه الكمال فيها، كما توقع على اعتراف صريح بأن عدم الاستجابة
للإسلام حمق ما بعده حمق، ولا نستغرب ما ذهب إليه بعض العقلاء ممن لا
يتبنون الإسلام ولكنهم أنصفوا الناس حين اعترفوا بتفوقه على العقل
البشري في تنظيم الحياة وتحقيق السعادة.
لقد انخفض مستوى الذكاء عند الشعوب، وتقلص حجم العلم والثقافة، بحيث
بات متوقعا الانغماس أكثر وأفظع في الأوضاع الشاذة اجتماعيا وسياسيا
وثقافيا وحضاريا.. وبات أمر الفطرة والإنسانية في مهوى البطوطي ينذر
بالكوارث والشذوذ الحضاري.
.............

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:40 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

أدونيس


أدونيس هو علي أحمد سعيد إسبر المعروف بـ أدونيس شاعر من سوربا ولد في
سنة 1930 بقرية قصابين بمحافظة اللاذقية في سوريا، ترك اسمه وتسمى باسم
صنم من أصنام الفينيقيين، تبنى اسم أدونيس تيمناً بأسطورة أدونيس
الفينيقية الذي خرج به على تقاليد التسمية العربية منذ العام 1948.
في كتابه: الثابت والمتحول 3 صدمة الحداثة، صفحة: 178 – 179 يقول:
((الأخلاق التقليدية هي التي تعيش الخوف من الله، وتنبع من هذا الخوف،
الأخلاق التي يدعو إليها جبران هي التي تعيش موت الله )).
الأخلاق صفات، وهي منوطة بالإنسان من حيث هو إنسان سواء كان تقليديا
بنظر أدونيس أو حداثيا بنظره أيضا. الخُلُق صفة، والصفة لا تظهر في
الموصوف هكذا دون مقدمات، دون شروط، فالكلب من صفته الوفاء لصاحبه،
ويظهر وفاؤه معه، فلا ينتقم لنفسه إن ضربه صاحبه، ولا ينفر منه، بل
يعود إليه.
وذلك الكلب الذي فاجأه صاحبه يدخل عليه البيت لأنه كان متعجلا يجلده
المطر والثلج، وكان يلبس لباسا لم يعرفه به كلبه، وحين فاجأه في البيت
وثب عليه، وظل يعضه من ثيابه وصاحبه يصيح به حتى دخل سمعه صوته فعرفه،
عندها توقف ووقف مطأطأ الرأس ذليلا وكأنه يعتذر لصاحبه منكّسا، ثم خرج
الدار، ورغم محاولة صاحبه إدخاله لم يفلح. بات خارجا، وفي الصباح فتح
له الباب ليدخله فوجده ميتا، فهل مات مخلا بوفائه؟
والنملة التي عثرت على طعام ثقيل وكان رِجْل جرادة عجزت عن جرها،
فتركته وغابت، ثم ظهرت مع جمع من جنسها وكان المراقب قد حمل رجل
الجرادة وهو يتأمل النملة ويتابعها، فشرع النمل يبحث معها دون جدوى، ثم
راح، وعادت نفس النملة تجوب المنطقة، فوضع لها نفس الرجل، وحين تحسستها
تركتها وفعلت مثلما فعلت من قبل، أسرعت تنادي على بني جنسها لمعاونتها،
فقدم النمل ليساعدها على حمل الطعام، فرفع المراقب الرِّجْل عنها مرة
أخرى وتركها تدور باحثة والنمل يبحث معها، وحين يئسوا لم يرجعوا هذه
المرة إلى قريتهم مسرعين، بل انقضوا على النملة وقطعوها إربا إربا،
قتلوها، ثم غادروا، فهل عاقبوها لصفة الكذب الذي اتصفت به وهي لم تكن
كاذبة؟ هل عوقبت لأخلاقها التقليدية؟ لا يظهر الخلق إلا بعد ظهور
العمل، فالعمل يبدو منتجه، وبدون عمل ليس هناك خلق. وانظر إلى موصوف
بالأمانة لم يأتمنه أحد على مال أو عرض أو سر، فهل تظهر عليه صفة
الأمانة؟ كلا، وهكذا، وإذن فالأخلاق صفات، وكونها تقليدية لا يقدح
فيها، وكونها حداثية لا يثني عليها، لأنها كما قلت صفات تظهر بظهور
العمل، والعمل سلوك تأتيه الجوارح وفق رؤى ومفاهيم يتبناها المرء، فإذا
كان الخلق صدق وعفة وأمانة ومروءة وشهامة وإجارة وعهد وأنفة وإيثار إلخ
فهي صفات قديمة، وبالتالي فهي تقليدية بمنطق أدونيس، ولكنها صفات تحيا
بالإنسان وللإنسان ومع الإنسان فكانت بذلك يوماوية ممدرية، فهي ماض
وحال واستقبال، فماذا يضيرها أن تنعت بالتقليدية؟ لا يضيرها ذلك علما
بأنها ليست تقليدية، ليست للماضي ومن الماضي وإلى الماضي فحسب، بل هي
للآن وللاستقبال، وإذن أضحت يوماوية، وأضحى الفكر المتغير باسم التطور
متقلبا، تارة يأتيها ويتبناها، وتارة يتنكر لها، وبذلك يكون هو
التقليدي الجامد غير اليوماوي، وتكون هي تقليدية يوماوية، وما أروعها
من يوماوية حين ثبتت لجميع الأزمنة، وعاشت في جميع الأمكنة.
هذه التقليدية تعيش الخوف من الله، تعيشه لأنها تعتمد فكرة الائتمار
بأمر الله، ولولا ذلك لفسدت الحياة، انظر إلى مال اليتيم وهو في يد غير
أمينة، ماذا يفعل بماله؟ وانظر إلى ماله وهو في يد الأمين الذي يعتمد
التقليدية، يخشى الله ويتقه في مال اليتيم، فهل يسعد به اليتيم فيرى
معه مرفوع الرأس محفوظ المال؟ وكونها تنبع من الخوف من الله معناه تنبع
من الائتمار بأمره، فالذي يخاف الله لا يجرؤ على ظلم الناس في مالهم
وذاتهم وحقوقهم، الخوف من الله خلق عظيم لا يقدر عليه أدونيس، لأنه لا
ينبت في الثقافة الرمادية، ولو كان أدونيس مع الذي يخاف الله، فسيكون
آمنا مطمئنا، وإذا كان مع الذي لا يخافه، فلن يكون كذلك، وإذن
فالتقليدية والماضوية والظلامية وغيرها كلمات توضع في غير محلها،
موضعها حيث الناعتون بها غيرهم، وحين تسوّق وتغلّف بدعاية خبيثة ينطلي
على الناس ما وراءها من فكر وثقافة لا تخدم الإنسانية، ولا تعمل إلا
لبهْمَمَة الإنسان، ثم إنه ليست هناك أخلاق تعيش موت الله، بل هناك
أخلاق الوجوه الرمادية مثل وجه جبران وأدونيس وبوجدرة وسميح القاسم
والماغوط والسياب وأنسي الحاج وأمل دنقل ونزار قباني ومعين بسيسو
وتوفيق زياد وعبد العزيز المقالح.. الأخلاق الحداثية هي التي تعيش
الرعب المجسد فيمن يخاف الله، وتنبع من ذلك الخوف، وجبران لا يدعو إلى
أخلاق تعيش موت الله، بل يدعو إلى أخلاق تعيش الرعب من الله. ويقول في
نفس المصدر صفحة: 136 ـ 137: ((الله والأنبياء والفضيلة والآخرة ألفاظا
رتبها الأجيال الغابرة وهي قائمة بقوة الاستمرار لا بقوة الحقيقة،
والتمسك بهذه التقاليد موت والمتمسكون بها أموات، وعلى كل من يريد
التحرر منها أن يتحول إلى حفّار قبور، لكي يدفن أولا هذه التقاليد،
كمقدمة ضرورية لتحرره)). الله، الأنبياء، الفضيلة، الآخرة ألفاظ رتبتها
الأجيال الغابرة. التمسك بالتقاليد. الموت بسبب التمسك بالتقاليد.
المتمسكون بالتقاليد أموات. إرادة التحرر. التحول إلى حفار القبور. دفن
التقاليد. المقدمة الضرورية للتحرر.. أليست هذه ألفاظا ركبت منها جمل؟
هل ستصبح في المستقبل بمنطق أدونيس تقليدية هي الأخرى؟
معلوم بداهة أن كل لفظ يحمل معنى وضع له، فلفظ الجلالة، الله تعالى
يحمل معنى يدركه من يؤمن به، ولا يدركه من لا يؤمن به، بينما الخالق
يدرك معناه المؤمن وغير المؤمن؛ ولو أن يكون الخالق الكون أو الطبيعة..
ولو أن يكون ظهور أشياء واختفاء أشياء خلقا وموتا بمنطق الماديين
والشيوعيين..
الأنبياء لفظ يحمل معنى له واقع في الذهن، وواقع خارج الذهن، ولو أن
يكون النبي زعيما مجرد زعيم كمسيلمة الكذاب مثلا. الأنبياء في التاريخ
رجال شهد لهم التاريخ فأنصفهم، وشهد لهم تاريخ آخر فظلمهم، فكثير منهم
في التوراة فسّاد فسّاق. لوط في التوراة مثلا زنى بابنتيه بعدما سقتاه
خمرا بحجة تعمير الأرض نظرا لفناء الجنس البشري كله بالزلزال المدمر
الذي لحق قرية سدوم بالأردن ونجا منه فقط لوط وابنتاه.. بينما هم في
القرآن أطهار أبرار أخيار.. المهم أن النبوة واقع وليست لفظا مجرد لفظ،
وهي ليست قائمة بقوة الاستمرار، بل قائمة بقوة الحقيقة. إن حاجة الناس
إلى رسل يبلغون الناس دين الله تعالى مسألة بديهية تعني العدل والرحمة
من الله لعباده؛ بحيث لم يتركهم هكذا دون أن يبين لهم ما ينفعهم وما
يضرهم، وبه كانت مسألة بعثة الأنبياء والرسل عقلا واجبة باستقراء واقع
الإنسان..
إن التحرر بمنطق أدونيس يقضي الكفر بالله، أو بالأحرى حتى لا يغضب
علينا من يسعى إلى إيجاد معان وأبعاد جديدة لكلمات الكفر والإلحاد
والشرك، وكذلك الإيمان والإسلام والتطرف والاعتدال والأصولية بهدف أن
لا تكون عامل تفرقة بين أصحاب الأديان، وأن يعتمد الانفتاح على العالم
والتجديد والحضارة الإنسانية والمعارف العالمية وضرورة التعايش السلمي
والعولمة وغيرها من وسائل التضليل والخداع الممارس ثقافيا وفكريا
وحضاريا، أقول: حتى لا يغضب علينا أدونيس فإن إنكار وجود الله ورفض
النبوات والآخرة والفضيلة لهو السبيل إلى التحرر. طيب ليكن ما يزعم
أدونيس، ولكن ما نوعية التحرر هذا؟ ما شكله؟ ما نظامه؟ ما ثقافته؟ ما
مقاييسه وقناعاته؟ ما أفكاره ومفاهيمه؟ ما عقائده وأحكامه؟ أليس إنكار
وجود الله تعالى عقيدة في حق من يعتقد ذلك وكذلك إنكار النبوات
والآخرة؟ لماذا يسمحون لأنفسهم باعتقاد معين سيتحولون عنه حتما
كديدنهم؛ ولا يسمحون للناس باعتقاد يخالفهم؟ إن من يتثقّف بالرمم لا
ينتج إلا رمما. البشرية محتاجة إلى الإقرار بوجود الله تعالى، وهناك في
الغرب مفكرون وفلاسفة يقرون بأن الإيمان بالله مغروز في الإنسان،
فبوجوده (أي وجود الله تعالى) تحل لديها عقدة العقد وتطمئن قلوبها. وفي
الإيمان بالآخرة ضبط السلوك العدائي خوفا من سوء العاقبة في الآخرة،
ولو كان لنفس المفاهيم كيان تنفيذي فسيكون لها حسنيين: الأولى انضباط
وفق المقاييس والقناعات بالوازع الداخلي أو الضمير بتعبيرهم والذي يكون
مشبعا بمعالجات لمشاكل الحياة يتقيد بها. والثانية نظام وقانون ينفذ
على المخالفين فيمنع ظلمهم للناس، ويكون ذلك بدرجات، لأن الذي يفعل ذلك
من الناس يجوز عليه ما يجوز على غيره وهو ليس بملاك لا يخطئ.. إن الذي
يجدر به أن يحفر القبور للثقافة الرمادية هو نفس أدونيس. والذي يسعى
إلى التحرر يجب أن يعرف أولا ما التحرر؟ ما صورته؟ ما كيفية الوصول
إليه؟ وهذا ليس من اختصاص الأدب، هذا عمل الفكر والمفكرين إلا أن يكون
الأدباء يحملون تلك الصفة وهي نادرة جدا، فإن كان أدونيس مفكرا يرغب في
التغيير ليجسم تحرره في القلوب والأذهان والجوارح والواقع، فعليه أن
يبين لنا أولا الكيفية التي بواسطتها يتغير السلوك الإنساني للفرد
والجماعة، عندها يمكن مفاتحته بشأن ذلك، ولا أظنه يملك من تلك الثقافة
شيئا. ويقول في ديوانه صفحة: 474: (( هذا غزال التاريخ يفتح أحشائي،
نهر العبيد يهدر لم يبق نبي إلا تصعلك، لم يبق إله… هاتوا فؤوسكم نحمل
الله كشيخ يموت نفتح للشمس طريقا غير المآذن، للطفل كتابا غير الملائك
للحالم عينا غير المدينة والكوفة هاتوا فؤوسكم )). كلام كله متابعة من
حقود لمحقود، لا غرابة، فذلك ديدن الحقدة. يظل الحاقد يتبع المحقود حتى
يقبره، حتى يزيل عنه النعم، حتى يتشفى منه، حتى يشمت به، لا يرتاح، ولا
يفكر إلا في ضربه، في إيذائه، في الإيقاع به، في رميه بما ليس فيه، حتى
أحلامه تأتي مترجمة لما في نفسه من ظعائن، ولكن هل ينفع ذلك الحاقد
الذي يحقد على شيء عقلا لن يبلغه؟ وإذا أقر بهذه النقيصة، فهل يكون
عاقلا إن هو تابع نفسه المريضة فيما تريد؟ الجواب عند العقلاء، كلا،
وإذن لا يختار الله تعالى لصب زيت الحقد عليه، وعلى ذاته العلية، لا
يختار الحليم الرحيم للنيل منه، لا يفعل ذلك، وكيف يفعل والنتيجة
العقلية هراء. صحيح أن ذلك ينعكس على المؤمنين به جلا وعلا، ولكن
المؤمنين من فصيلة نفس الذين لا يؤمنون به، وعليه ماداموا يحيون في
كوكب مشترك وجدوا أنفسهم يحيون فيه مرغمين وجب عليهم جميعا عقلا أن
يتعايشوا؛ كل وفق ما يعتقد، والطريق الأسلم لميل هذا إلى مذهب هذا،
واعتناق هذا لدين ذاك، وتبني ذلك لحضارة أولاء مسألة مشروعة عقلا، لأن
البشر من أصل واحد، كانوا غير مختلفين، وعليه وجب سلوك طريق التَّبْكيت
بالعمق والاستنارة، سلوك الترفع والتكبر على الناس غير مجد، سلوك سماع
هذا لذاك وقراءة ذاك لهذا مفيد، ثم إن نفس الذي يسيئون إليه سبحانه
وتعالى لم يرتض لهم أن يتبعوا أهواءهم ويسايروا غرائزهم وينساقوا خلف
شهواتهم، بل ارتضى لهم تنظيما لما جبلوا عليه وفق ما شرعه لهم وبعث به
رسله، فإن لم يرتض ناس هذا؛ فإن غيرهم يرتضونه، وإذن فهم بعقيدتهم
يستحقون الحياة رغم مخالفتهم لغيرهم.. كلام أدونيس كلام تجريدي وقح
بمنظور المؤمن بالله ورسوله، وجميل بمنظور من يقابله ممن افتقدوا
لمقياس الجمال الحقيقي، ويبدو أن سلوك السب والشتم ليس من فعل العقلاء،
فليس عزيزا على من يسبون لهم ربهم ورسلهم أن يأتوا بأفظع مما أتوا به
هم من سخيف الكلام وبذيء القول، فهذا ليس عبقرية، يستطيع كل إنسان أن
يأتي بمثله وبأقبح منه، وعليه لا يكون الارتفاع إلى مقام الإنسانية
بهذا الأسلوب، الارتفاع يكون بسلوك الحجة والبرهان وملك ما يفيد الناس
وينفعهم، وليس بملك ما يضرهم ويهينهم ويحقرهم.. الله يُحمل كشيخ يموت.
الله الحي الذي لا يموت ينزله أدونيس منزلته، فهل يعقل أن تتساوى منزلة
أدونيس ومنزلة من لا يموت؟ التشبيه بأداة التشبيه مما يزين الكلام
وينمقه ويضفي عليه رونقا وجمالا، ولكن بشرط إتقان ركوب التشبيه.
وللتشبيه أركان معروفة هي: المشبه، والمشبه به، وأداة التشبيه، ووجه
الشبه. وطرفا التشبيه وهما: المشبه، والمشبه به وسواء حذف في التشبيه
الأداة كالكاف وكأن ومثل ويشبه، أو ظلت، وسواء حذف وجه الشبه أو ظل،
وسواء حذفا معا، فإن المقصود يظل متعينا عند المتكلم بركوبه اللغة
العربية بالتركيب السليم. وانظر إلى جملته هذه ولا أقول عبارته؛ لأن
العبارة في أصلها تدل على معنى: ((.. نحمل الله كشيخ يموت..)). الجملة
بها كاف التشبيه وهي أداة كما تقدم، فالله تعالى، (أي هو، مشبه)
والشيخ، مشبه به، ووجه الشبه، الموت، (أي يموت) فهل تسلم الجملة لغة؟
كلا. لو كان بها لفظ الرب أو الإله، والإله هو المعبود مطلقا، واللفظ
مشترك يستعمل لله تعالى كما يستعمل للحجر والصنم والناس والهوى..؛
لجاز، انظر إلى أناس نصبوا أنفسهم آلهة وهم بشر قدسهم الناس وعبدوهم؛
ماتوا كالفراعنة، فلو غاب لفظ الجلالة لسلمت الجملة لغة، لأن لفظ
الجلالة ليس لفظا مشتركا، ليس لفظا يصلح للتشبيه، لأنه مستقل معنى
وواقعا، لا يلصق به غيره من الألفاظ التي تنزله منزلة لا يستحقها،
فالله اسم الذات، اسم للخالق الحقيقي الذي يخلق الشيء من لاشيء، يظهر
الشيء من عدم، ومن يشترك معه في هذه الصفة؟ لا أحد. انظر لفظ السلام
مثلا، من يستطيع زعم السلام لنفسه سواء كان كونا أو طبيعة أو إنسانا؟
لا يمكن، لأن السلام مشتق من السلامة، والسلامة ليست كائنة في أي
مخلوق، في أي شيء، وعليه لا يمكن أن يتصف بالسلامة أي كائن غير الله
تعالى؛ لأنه الوحيد الخالي من النقص والعيب وهكذا.. وانظر إلى جملة:
نقرأ أدب أدونيس كما نقرأ تعبير صبيان. أو انظر إلى نص: عند نوم أدونيس
يجمع أدبه ويذهب به إلى عرّافة طنجة، تستلمه في صُرّة جافة تكاد تهترئ،
ثم تضعها تحت بطن كلبها وتوقظه ليشغر عليها طلبا للحياة كما يطلب للحَب
نماء بالماء الأجاج. هذه الكلمات ونظيراتها هي التعابير التي تخلق صورا
شاعرية مقرفة، أو مطربة، صورا جميلة أو قبيحة؛ لأنها تعتمد التشبيه كما
هو مقرر لغة، ومن أراد الخروج على أركان التشبيه في اللغة العربية
فليكتب بغيرها، وعندها نترجم ما كتب، ننقل معناه إلى اللغة العربية،
وفي ذلك هروب من محاسبة اللغة له على ضعفه، أو استهتاره بها. ويقول في
الثابت والمتحول صفحة: 2/ 214: ((لقد نقد الرازي النبوة والوحي
وأبطلهما، وكان في ذلك متقدما جدا على نقد النصوص الدينية في أوروبا في
القرن السابع عشر، إن موقفه العقلي في نفي الديني الإيماني، ودعوته إلى
الإلحاد يقيم الطبيعة والمحسوس مقام الغيب.. يرى في تأملهما ودراستهما
الشروط الأوّل للمعرفة، وحلول الطبيعة محل الوحي جعل العالم مفتوحا
أمام العقل! فإذا كان للوحي بداية ونهاية فليس للطبيعة بداية ونهاية،
إنها إذن خارج الماضي والحاضر، إنها المستقبل أبدا)). إبطال النبوة
والوحي ليس نقدا لهما، ونقد النبوة والوحي ليس إبطالا لهما؛ ولكل مقام
مقال، هذا ما يعتمده المدقق في النصوص، الموضوعي في تناولها، البصير
بما تدل عليه. إن إقامة الطبيعة والمحسوس مقام الغيب قول تنقصه الدقة،
وفيه مغالطة فظيعة. فالطبيعة مجموعة الأشياء والأنظمة. والمحسوس ملموس
أو موجود أثره في العقل والنفس، مثال ذلك في المحسوس هذه الكلمات وهذا
الخطاب، ومثاله في الذي يوجد أثره في المعنوي والروحي، فالإهانة شعور
ذاتي يقع بعد تفسير داخلي في النفس البشرية لما هو خارجي، فإذا مدحتك
وقع مني ما سيدخل على سمعك ويهز شعورك فتحس إحساسا تجده وحدك وهو جميل
كالسرور والفرح. وإذا سببتك وقع لك مثل ما وقع من حيث الشعور، ولكن في
النقيض تماما. وإدراكك الصلة بما تعبد شعور روحي بصرف النظر عما تعبد،
تجده وحدك ولا يشترك معك فيه إلا المؤمن المعتقد بما تعتقد، وهكذا يتم
تفصيل المحسوس، فأين موقعه؟ هل ما أجده من إهانة لي بتناول الله تعالى
بكلام بذيء ساقط يحس به أدونيس؟ كلا. وهل هو غيب عنه؟ أجل. إن الغيب
غيب في الكون والإنسان والحياة والطبيعة.. وهو غيب يختلف عن الغيب الذي
يوجد فيما وراء الكون والإنسان والحياة والطبيعة. هل يغيب عن أدونيس
وعنك حضرة القارئ المحترم مكان جلوسي الآن بألبايسين Albaicin وأنا
أكتب ردا على كلام ما نضج بعد؟ أجل. وهل سر الحياة الذي فيك وفي غيرك
من الكائنات الحية بما فيها النباتات وتجد أثره فيها غيب عنك ماهيته
وحقيقته أم لا؟ أجل. وهل أنت سليل مئات وآلاف وملايين الناس وهم أجدادك
وهم غيب عنك؟ أجل. الأسئلة تتناسل، ولن يعقم رحم من نسلها، تحتاج إلى
إعمال عقل صبور على مخالفة ما يجد لمعتقداته حتى تنفتح له آفاق ربما
ظلت مسدودة عنه فأعمته وأضلته عن معرفة الحقيقة. تأمّلُ الطبيعة
والمحسوس ودراستهما ليسا شروطا أولية للمعرفة. الشروط الأولية للمعرفة
هي الإحساس والواقع والدماغ السليم والمعلومات السابقة، وهذه الأخيرة
عظيمة عظمة الكون والطبيعة، فبها عقل الإنسان الأول وعرف، بها أنتج
العلم والمعرفة والثقافة، بها استطاع استغلال الطبيعة وما بها من
كائنات وجمادات ولم يزل. بها ظل الإنسان إنسانا ولم يتحول إلى قرد أو
بغل. بها سكن الله قلوب كائناته. بها عقل أدونيس.. انظر إلى حالك كيف
تصل إلى العقل والتعقل تجد أن شروط ذلك هي المذكورة. فهب أنك دون
معلومات ستظل كطفلة الذئاب، أو المنغوليان، وإذن تدبر حالك وواقعك هذا
وأمعن النظر جيدا تجد أنك تلقيت المعلومات للعقل والتعقل من أبويك أو
مربيك، من مدرستك، من مجتمعك، من كتاب وفلاسفة خلفوا لك نتاجهم، ثم
انظر إلى كل فرد فردا فردا وانزل به إلى الماضي تجد ذلك قائما في كل
فرد، في كل جنس بشري، واستمر في النزول تجد أنك أمام أول إنسان وهو
عاقل أيضا، بل أعقل من أدونيس وتساءل عن حصول شروط العقل والتعقل
عنده، فستجد أنها هي نفس الشروط عندنا، عندها لا يسعك إلا الإقرار بأن
الله الذي خلقه هو الذي أعطاه المعلومات السابقة ليعقل بها نفسه
ومحيطه، هذا الذي تتطاول عليه هو الذي أكرمك ونعّمك وأكرم جدك ونعّمه..
لو قدر للرازي الاطلاع على معارفنا وما أنتجناه في مجال الفلك
والفيزياء والطب.. لغير رأيه وتركك تندب حظك مع الجِعْلان الذين داست
أقدام الفيلة بيوتها. ليس للطبيعة بداية ونهاية، هذا قول لم يعد يقول
به إلا ماركسي سطحي، أو مثقف ظلامي، أو حداثي تقليدي.. الطبيعة مجموع
الأشياء والأنظمة. النظام فيها محتاج إلى أشياء ينظمها، والأشياء فيها
محتاجة إلى نظام ينظمها، والظاهر فيها لكل ذي لب الدقة والروعة
والجمال.. وبذلك ظهر الانتظام، ومجرد وجود حاجة في شيء إلى شيء آخر يدل
على عدم الاستغناء، وبه تستند في وجودها إلى غيرها، والمستند في وجوده
إلى من يستند في وجوده هو الآخر إلى غيره لا يظهر الاستغناء، وهكذا حتى
الاصطدام بالحقيقة التي هي وجود مستغن بذاته، تستند الطبيعة في وجودها
إليه، يستند الكل في وجوده إليه، فيكون هو الذي بلا أول ولا آخر، وتكون
طبيعتك كما تدل هي على نفسها غير مستغنية، وبذلك تكون لها بداية
ونهاية. انظر إلى رواية: انتفاضة الجياع الطبعة الأولى سنة 1999
منشورات الجيرة، طنجة، انظر إلى الحوار فيها فلعله يفيدك في إثبات
وجود الله بالدليل العقلي.
وانتظر قليلا رواية: نساء مستعملات، فربما يفتح ذهنك الحوار والمحاججة
بين ذلك الصهيوني الرجعي وبطل الرواية.
...................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:42 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

نوال السعداوي


بشأن حديث نوال السعداوي عن معضدي رمادي وهو حفيد لطفي السيد وتزعمه
لمجموعة من المعاضدة الرماديين محاولة منه إنشاء حزب سياسي مصري يبعد
البند المتعلق بالدين الإسلامي بصفته الدين الرسمي لدولة مصر،
وانسلاخها عن بعدها العربي تجيب السيدة المعضدية قائلة: "أنا من أشد
المعارضين للدولة الدينية، فربنا لا دخل له في السياسة". جريدة الأحداث
المغربية. صفحة: 8. تاريخ: 28 شتنبر 2003م. ونحن هنا لا نحاول تقويل
الرماديين المعاضدة ما لم يقولوا، أو تفسير مقولاتهم بما لا يكون، أو
بما لا يريدون، فالبعد العربي لمصر، وإن لم يكن حقيقة، لأن بعدها
الحقيقي إسلامي، وليس عربيا، ولأن إبعاد الدين عن دولة مصر يوحي
بمغالطة فظيعة، وهي وجود الدين في الدولة المصرية، والسياسة المصرية،
وهو مخالف للواقع قطعا، فمصر دولة علمانية كسائر الدول العربية، وهذه
المغالطة إما أنها جهل مركب يقع فيه المثقف المعضدي، أو هو جهل ركوب لا
يكاد يتحسس المعضدي مطيته. إذا كان المقصود هو الإسلام، (وهو المقصود
فعلا)، فإنه لم يتدخل بعد في سياسة مصر منذ فصلها عن دولة الخلافة من
طرف محمد علي حتى تتم المطالبة بإبعاده وإزالته، ولكنه في البداية
والنهاية يقوم (أي الإسلام) على عقيدة سياسية، الشيء الذي يجعل جميع
أحكامه سياسية. ولا أدري هذه التي تزعم أنها أعلم في القرآن من
الشعراوي، ماذا تقول في الآيات والأحاديث التي تجعل الاشتغال بالسياسة
فرض على المسلمين، بل إن المطالبة في القرآن بإنشاء حزب سياسي في قوله
تعالى: "ولتكن منكم أمة (جماعة) يدعون إلى الخير (إلى الإسلام) ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر (أمر الناس والحكام ومحاسبتهم)" سورة: آل
عمران، الآية: 104. وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "من أصبح لا
يهتم بأمر المسلمين (شؤون المسلمين داخليا وخارجيا) فليس منهم (أي هو
من غير المسلمين إن لم يفعل، وهذه قرينة تؤكد وجوب الاشتغال بالسياسة)
رواه ابن ماجة في سننه". هذان مثالان من بين آلاف الأمثلة وليس المئات
المتعلقة بالسياسة، والاشتغال بالسياسة. وحياة المسلمين قبل سقوط آخر
دولة لهم عاشوا السياسة، ومارسوها مسترشدين بحديث الرسول صلى الله عليه
وسلم:" كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء (اليوم يسوس الناس ويتولى
أمورهم الرئيس والملك والأمير..) كلما هلك نبي خلفه نبي، إلا أنه لا
نبي بعدي، وسيكون خلفاء (أي حكام ورؤساء الدولة الإسلامية يرعون شؤون
الناس)" رواه البخاري. فما معنى أن يسود مبدأ، ويطبق نظام يشمل
العلاقات كلها، اقتصادية واجتماعية وتعليمية وقضائية وجزائية إلخ ولا
يكون سياسيا؟ هذا الكلام لا يقول به من كان أجهل من الشعراوي، فكيف
بالأعلم؟ فالسياسة رعاية. السياسة فن الممكن. السياسة اهتمام ومتابعة
ومحاسبة. فساس يسوس لم تتغير معانيها، بل لم يحدث أن أعطيت للسياسة
معاني خارجة عن التي ذكرت، إنها الرعاية والاهتمام والمحاسبة والنقد
والأمر والنهي والتقويم والمنافسة على الحكم وفق برامج متبناة من طرف
أحزاب، وهيئات، ومنظمات.. هذا هو الذي نحسبه سياسة، وعليه فهذه التي
تزعم غير ذلك لا تقف في صف الثقافة المنبثقة والمبنية على عقيدة
الإسلام السياسية، العقيدة التي تجعل حياة المسلمين سياسية حتى في
دورهم وعزلتهم مع أهلهم وذويهم، فما معنى أمر الحاكم ونهيه؟ وما معنى
محاسبته وعزله؟ وما معنى أمر الناس للناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر؟
وما معنى التحليل والتحريم والإباحة والندب والكراهة ؟ وما معنى نهج
الإسلام وسيادته في العلاقات الدائمة بين الناس فيما كان يعرف سابقا
بدار الإسلام منذ رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى سنة 1924؟ ما معنى
استعمال الإسلام لمحاربة الإنجليز وحث المصريين باسم الإسلام وبأحكام
الإسلام، ثم في النهاية تصبح السياسة ملعونة على لسان تمعضد هنا، وهو
لسان الشيخ محمد عبده الذي لعن السياسة في الجزائر في خطبة له مشهورة،
وهو الذي اشتغل بالسياسة في مصر لـ(طرد) الإنجليز؟ إن العقيدة
الإسلامية عقيدة سياسية، لأنها فكرة كلية عن الكون بما فيه من إنسان
وحياة، فهي سياسية، وأحكامها سياسية. انظر إلى قوله تعالى: "وما آتاكم
الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا". سورة: الحشر، الآية: 7. وقول
الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما أهل عرصة بات بينهم امرؤ جائع إلا
برئت _ قرينة على الوجوب – منهم ذمة الله تبارك وتعالى" مسند أحمد: 3/
33، وإسناده صحيح، المستدرك: 2/ 14، مسند أبو يعلى: 10/ 115. إن الخوض
في هذا المجال مضيعة للوقت، ولكن لا بأس، فالمرأة تجهل، أو تتجاهل، إذن
فربنا يا سيدة في الإسلام يتدخل في كل شيء، يمنعك من الكلام البذيء،
والقذف الساقط، فهو يتدخل في كل شيء، فالاجتماع سياسة، والاقتصاد
سياسة، والتعليم سياسة، والعقوبات سياسة، والداخلية والخارجية سياسة..
بينما في النصرانية لا يوجد فكر حتى يتبادل الناس بواسطته المصالح،
وينظمون به العلاقات، ومن هنا جاءت العلمانية لتحصر ما لقيصر في أيدي
الساسة والحكام، وما لله في أيدي رجال الدين في الكنائس، وهكذا. ولا
يقال بأن الله تعالى لم يبعث محمدا بمجلدات ضخمة تحوي أحكام الناس إلى
يوم القيامة، لا يقال ذلك؛ لأن القرآن الكريم وما أرشد إليه قد حوى
فعلا تلك المجلدات، ولكنه حواها بخطوطه العريضة ومعانيه العامة حتى لا
يحتج أحد بزعمه أن الله لم يترك للعقل شيء؛ فكان أولى أن ينزع عن
الإنسان عقله ويحيله إلى آلة أو جماد.. لحسن حظ البشرية أنها حظيت
ببعثة محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله بمبدأ عظيم، ينظم
علاقة الإنسان بربه، وتشمل العقائد والعبادات، ليعتقد فيمن يستحق
الاعتقاد، وفيم يصح. ليشبع غريزة التدين فيه، ليشبع مظهر الاحترام
والتبجيل والتقديس والعبادة، فلا يذهب به بعيدا عن وجهته، فلا يعبد
الخشبة كما يفعل النصارى، ولا البقرة كما يفعل الهندوس، ولا المادة كما
يفعل الشيوعيون، والرأسماليون، بل يعبد رب العالمين وحده، فالإنسان تاه
مرارا ولا يزال، ولكن ربه وخالقه يريد له الخير والسعادة، لا يريده أن
يقدس البشر، ولا أي مخلوق كائنا من كان، وكائنا ما كان. ولا يقال بهذا
الصدد أن الممدرية تقدس محمدا كمخلوق عاقل، وتقدس الكعبة كمادة، أو
جماد، لا يقال ذلك، لأن ما ارتضاه خالق العالمين لنوال رضوانه يفعل،
ويستهدف بملء الرضا والحبور، بملء الحماس والحرص، ففي رضا الخالق تكمن
سعادة الإنسان، ولو أن يطالبه بتعظيم الكعبة، والأقصى، وتعظيم حرمة
الأم، وحرمة الإنسان الممدري؛ والرسول.. وجاء الإسلام أيضا لينظم علاقة
الإنسان بنفسه وتشمل المطعومات والملبوسات والأخلاق. وينظم علاقة
الإنسان بأخيه الإنسان في الإنسانية وتشمل المعاملات. ويكفي ما ذكر
دليلا قاطعا على كون الإسلام سياسيا، وهذا الأخير لا يقبل مني أو من
غيري أن يدافع عنه، لأن الذي يدافع عنه يكون متورطا، أو واقعا في تهمة،
وهو ليس كذلك، فبه يدافع، وليس العكس، بل إن الهجوم على مخالفيه أصل
فيه. وهذا الإسلام غير مجسد في حياة الناس والدول. وشعب مصر، ودولة مصر
لا يسودهما الإسلام حتى تتم المطالبة بإزالته وفصله عن الدولة، ولا
داعي للإتيان بمثال أو اثنين عن بعض التطبيقات في العالم العربي
والإسلامي، فذلك قصور فظيع إن أريد به نفي الأصل والواقع، بل إن الذين
يقطعون الأيدي في السودان، والذين يرجمون الناس في نيجيريا لا حق لهم
في ذلك، وليسوا مؤهلين حتى لمعرفة مناط حكم القطع، وحكم الرجم.
فالمرأة التي اعترفت بالزنا تحت ضغط وليدها لم تقدم نفسها، بل سيقت
إليه سوقا، فلا قيمة إذن لاعترافها، لأنها دفعت إليه دفعا، لا قيمة
لذلك مادامت المرأة لم تعترف إلا مكرهة، ولم تقر إلا تحت ضغط وليدها..
لا قيمة لكل ذلك لاحتمال أن تحمل المرأة في وضع ما كالحمام الذي يتناوب
عليه الرجال والنساء، وفي ذلك احتمال بقاء نطف الرجال على أرضيته،
وتعلمون أن المني يعمر حيا بالساعات، يعرف طريقه إلى الرحم، فلو وضعته
فوق الفرج فسيهبط إليه، وإذا وضعته تحت الفرج فسيصعد إليه وهذا ما يؤكد
احتمال أن تجلس المرأة مستحمة وهي لا تدري ما خلفه رجل ما في المكان
الذي تجلس على أرضيته، فيعلق حيوان منوي في رجلها ويتحرك صاعدا قاصدا
فرجها تمشيا مع فطرته التي فطر عليها مثلا، أو تلقح المرأة من حيث لا
تدري، أو.. هناك من الشبهات الكثير مما يدفع بها فعل الرجم خصوصا في
غياب شروط الرجم غير المتوفرة.. نحن نتحدث عن مبدأ تقوم عليه دولة،
ويسود شعبا وأمة مثلما هو موجود في الصين وكوريا الشمالية بالنسبة
للمبدأ الاشتراكي (الآن تتعكز الصين على الرأسمالية)، ومثلما هو موجود
في العالم الغربي قاطبة، والعالم العربي، وكثير من البلدان في العالم
الإسلامي بالنسبة للمبدأ الرأسمالي الديمقراطي، ولا نتحدث عن جزئية
واحدة، أو جزئيات.. ولنفس المرأة في روايتها: سقوط الإمام، صفحة: 75،
قول يدل على قلة نضج، ويدل على انغلاقية ذهنية خطيرة ترجع بالعقل
المعتقد بما تعتقد إلى البدائية المتجاوزة، فقد ورد فيها: ((.. وإذا
سأله المدرس سؤالا تلفت حوله متحيرا وبدأ بتهتهة، وحين يضحك التلاميذ
يقول: لو كانت هناك عدالة في الكون لما خلقني الله، أتهته وجميعهم لا
يتهتهون، وهمس في أذني بصوت خافت: الله غير موجود لأن العدالة غير
موجودة، وهمست في أذنه بدوري: لو كان الله موجودا لما كان الوفاء
يقابله الخيانة والخيانة يقابلها الوفاء، وكنت يا أمي تلميذا في
التاسعة من عمري وهو زميلي وربط بيني وبينه الإيمان العميق بعدم وجود
الله، وظلت قدرتي على الإيمان بالله مرتبطة بقدرتك على خيانة أبي..)).
ويحضرني في هذا المقام ما وقع لي في السبعينيات من القرن الماضي بسبب
قلة علمي وغياب نضجي الثقافي. فقد كان فهمي يحتاج إلى استناد على
معلومات وفيرة ومعارف راقية افتقدتها حينذاك، ومع ذلك لم أيأس رغم
خطورة ما لقيته؛ إذ كان يمكن أن يكون ما لقيته سببا في انغماسي في
الجهل بدل الارتقاء والتطلع إلى العلم والمعرفة. حدث أن زارنا في طنجة
العالم أبو بكر جابر الجزائري، ألقى محاضرة بقصر البلدية (قصر مرشان)
بعنوان: منطلق الفكر الإسلامي. استفدت من محاضرته، وكنت مهووسا بالسؤال
والقراءة والملاحظة وإبداء ما يعن لي، وحين نزل إلى المسجد الكبير
(المسجد الأعظم) تبعته أستفيد منه، ولما انتهى من إلقاء درسه فتح باب
النقاش فطلب من الحضور كتابة الأسئلة، فكتبت سؤالي ومنحته للذي يليني
ثم منحه للذي يليه حتى وصل يد الشيخ. أخذ سؤالي وتمعن فيه قليلا، ثم
رفع رأسه وقال: ((يقول السائل: لماذا فضل الله بعضنا على بعض في الرزق
مع – سؤالي وضعت فيه: بدليل – أن الله عادل ولا يوصف بالعنصرية)). أطرق
هنيهة، ثم رفع رأسه وقال: (هذا سؤال حيواني). ضج المسجد وصار هناك همس
والتفات يستنكرون على السائل سؤاله وأنا أنظر وألتفت مستطلعا حركة
الناس، وكنت أنتظر منه ما بسببه أظهر شخصي وأزيد في السؤال والاحتجاج،
فقد كان سؤالي دون خلفية، كان سؤالا حيرني الجواب عنه فأملت الجواب في
الشيخ، ثم خاب ظني، ولكنني لم أهتم له، ولم يثبط همتي في البحث
والدراسة. هكذا كنت أنظر بسطحية إلى حوادث لم أكن لأفقهها لولا حمل
نفسي على قبول صفة المتعلم والمستفيد حتى الممات، انظر كيف كنت حائرا
في شأن المفاضلة في الرزق. انظر إلى اعتبار ذلك ظلما دون أن تدرك قاعدة
السخرية من الإنسان للإنسان حتى تستقيم الحياة وتسير. انظر إلى العالم
وكيف تصرف مع شاب مراهق تتجاذبه الماركسية واللينينية.. إن ربط
التهتهة بغير ما يجب أن تربط لهو منتهى السطحية، فالعدالة شيء لا
يستطيع الإنسان إدراكه، ما يدرك منها سوى ما يحس به من ميل إليها، كما
ينفر من الظلم طبيعيا وهو ميل في المقابل، ولكن العدالة والظلم شيئان
من غير اختصاص العقل البشري بالنسبة للحكم عليهما، فما يكون عندك عدل،
يكون عندي ظلم، وما بات اليوم ظلما يصبح غدا عدلا، وما أصبح غدا عدلا
يمسي ظلما وهكذا، وإذن فالأمر مرتبط بما يعتقد الإنسان، وليس بما يصيب
الإنسان، أضف إلى ذلك أن التهتهة مسألة مرضية، تصيب النفس البشرية لعدة
أسباب منها قسوة الأبوين أو أحدهما، أو المربين.. فكم شاهدنا متهتهين
ينطبق عليهم ما ذهبنا إليه، ثم عند نضوجهم زالت تهتهتهم، فهي إذن
مصاحبة للخوف، والخوف يزول عند تلقي الفكر والثقافة، أو يبقى، ولكنه
يهذب
ويشذب ويقنن ويصرف في الوجه الذي يجب أن يصرف إليه كالخوف من الله
والخوف من ظلم الناس.. وأما الاعتقاد في الخالق جل وعلا فهو عمل
العقلاء وليس عمل الجهال، الكون يسير، وأبداننا تعمل، والحياة تتجدد،
والمخلوقات تتحرك، والذرات تتفاعل، والخلايا تبني وتهدم وكلها تعلن في
ذاتها وسلوكها وجود الخالق، فوالله لو نطقت خلايا لسان نوال لأعلنت
وجود الخالق، فالله تعالى موجود وقيوم على ملكه لن ينال منه شيء. وأما
كون الوفاء يقابله الخيانة واستشفاف الرغبة في غياب ذلك كشرط لتحقيق
العدالة، فإنه كلام ما كان ليقول به شيطان جرعوه مسكرا أو ناولوه قرصا
مهلوسا. كيف تكون الحياة بغير تناقضات؟ لن تستقيم بشروطها الحالية، فهي
بالتناقضات تقوم وبغير التناقضات لا تقوم، ثم إن ربط القدرة على
الإيمان بالله بالقدرة على الخيانة الزوجية التي لم تعد موجودة في
قاموس نوال، فإنه قول يضع صاحبته لوضاعة تفكيرها، فتسويق مثل هذه
الرماديات ظلم لنفس التلاميذ الذين تتحدث عنهم في روايتها، فكان أولى
بالقيمين على أمر تعليم الناشئة أن ينتبهوا، ففي مثل هذه الثقافة مسخ
للجانب المضيء في إنسانيتهم، وإلهاء لهم عن استهداف غاية الغايات..
وتتطلع إلى حظوة تتمناها فتقول في نفس المصدر صفحة: 9 ((ألا تكون ابنتي
هي بنت الله يسمونها المسيحة وتصبح واحدة من الأنبياء)). هذا كلام
رمادية معضدية من نوع خاص، فليست هي مثل الماغوط وبوجدرة أو غيره، هي
بخلفية ثقافية مسيحية، تمردت عليها ومن حقها التمرد، لأن المسيحية ليست
فكرا، ما هي إلا تهيؤات ظهرت لأناس كتبوا أكثر من 73 إنجيلا يضرب بعضه
بعضا، كتبت بعد غياب عيسى بمدة تزيد عن اثنين وثلاثين سنة، وهي مدة
ضئيلة جدا بالمقارنة مع أسفار التوراة التي كتبت بعد وفاة موسى بحوالي
ست مائة سنة، ولذلك لا غرابة من قولها بنت الله، ونبية الله. إن
السخرية التي تصب زيتها على المسيحية ليست بنفس الكمية التي تصبها على
الإسلام والملتزمين به، ليس للكلب طبيعة الجُعَل، وليس للجُعَل طبيعة
الكلب، هذا يدهده النتن أنفه، وذاك يلحس القاذورات. السخرية لا توجد في
قاموس المفكرين، توجد في قاموس الأدباء الذين بغير وصف المفكر، ولذلك
لا يستغرب أن يأتي منهم كلام لا دقة فيه ولا ارتفاع، لا عمق فيه ولا
استنارة، ولكن لا بأس، فهم مجرد مفروشات تداس، ونعال تنتعل، ما هم إلا
مقدمة للفلكلور الرمادي.

............

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:45 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

رشيد بوجدرة


وهذا رشيد بوجدرة في رواية: ألف وعام من الحنين صفحة: 11 – 12 يقول:
((المنامة … بلدة تعودوا أن يقولوا عنها بأن الله تبرزها في يوم من
أيام الغضب)).
مرض رشيد بوجدرة مرضا لم يظهر بعد، سيظهر عند أكلة لحوم الخنازير في
إسبانيا خاصة. يخلط الأسبان للخنزير في علفه أكثر من ثمانية أنواع من
المضادات الحيوية، يتناولها الإنسان بتناوله لحوم الخنازير، فإذا مرض
لم ينفع معه المضاد الحيوي الذي يقوم بلحم الخنزير؛ لأن الجسم البشري
يكون مشبعا به، يحتاج الأمر عندها إلى مضاد حيوي آخر، فإذا افتقد هلك
الإنسان. كان هذا المرض هو الذي أصاب رشيد، حار الأطباء في إيجاد مضاد
حيوي لحقنه به، فقد تعفن مخه وقلبه، ماتت في جزء من مخه خلايا استحالت
معها حركة إنتاجه للثقافة الرمادية إلى نتن حمل نزلاء المستشفى إلى
الهروب منه..
استفحل مرضه حتى هرب من المستشفى الأطباء والممرضون.. ظل رشيد وحيدا
يعاني الوحدة، ويقاسي آلام الداء اللعنة، شاع أمره فانبرى يشفق عليه
شارون، قدم سرا بشِقٍّ معوَّج بجره ككلب دهسته سيارة، يرتدي بذلة بيضاء
يزعم مهنة الطب، دخل عليه غرفته، حياه تحية سنغالية وقبله من يديه شكرا
له على ثقافته التي تثلج صدره، ويشمت بها على الذين تعنيهم، مده على
سدة إسمنتية وأخذ سكينا شق به بطنه وهو يقول له:
ـ القلب المقفل الذي في صدرك لا يصلح لك، سأنزعه وأرمي به إلى من في
الباب.
فقال بوجدرة:
ـ ومن بالباب؟
قال شارون:
ـ الرماديون .
ـ وماذا سيفعلون به؟
ـ سيوزعونه على بعضهم البعض تبركا به.
شق شارون صدر بوجدرة ونزع منه قلبه فانتزع متورما قد عته به عتها، ثم
أمعاءه، كانت الأمعاء بطول بضعة أمتار وتزيد ببضعة أخرى، فاستنكر
بوجدرة لفعال شارون وقال له:
ـ ماذا أنت فاعل بأمعائي؟
ـ سترى، اصبر قليلا.
عرضها للشمس في صحراء الماغوط حتى جفت، ثم قدمها إلى حيث النزيل وشرع
يديرها على كل بدنه كما لو كانت ضمادة حتى أتى على عنقه وترك منها مترا
أو مترين، ثم شرع يجره منها، رشيد يصيح، وشارون لا يبالي، يقصد مصبات
المياه الحارة؛ يرشه بمياهها، ثم استقر به المقام عند البحر الميت، جمع
شيئا من ملحه ورشه به، تناول حجرا يسع كفه وشرع يحكه به كما تفعل
النساء بجلود الأضاحي وهو يصيح، عندها يبس جسم رشيد على قدر قلب شارون
ولم يبرأ من مرضه، فحمله على ظهره، وعندما ناء بحمله ساقه إلى ساحة
سماوية تسمى باسم الساحة المراكشية جامع الفنا، فعلقه على عود يابس
وتركه هناك خالدا بهيئته..
أشفق عليه الماغوط فحرره، أحس رشيد بالإهانة فقرر الانتحار، أقسم
لصديقه، وأغلظ الأيمان تقليدا لثقافة موروثة كما يقول، ولكنه ربط
انتحاره بحبل من ستة أمتار، فإن زاد أو نقص احتفظ بحياته.
جاب الأسواق بمعية رماديي المغرب والجزائر وتونس ومصر عله يعثر على حبل
بطول ما اقترح، وكلما سأل بائعا إلا وجد عنده الحبل، ولكن لا أحد يعرض
حبلا بستة أمتار، استمر في البحث وهو خائف، ليس لأنه قارئ لمستقبل
البشرية بعد الموت، فذلك غائب عنه وعن ذهنه كلية، بل رغبة في الحياة
ورفضا للموت..
يتعلق رشيد بالحياة فيمارس طبيعته، الحياة أصل والموت مجرد حالة،
التعلق بالحياة فطرة، وطلب الموت طلب حياة، يطلبها المرء وفق أفكاره
ومفاهيمه.
نبت في يوم بحثه دراويش رماديون، بينهم مستنسخ عن صورة جحا، تلبسه شيء
من دهائه وغبائه فاستوقفه عند مدخل نادي الخصيان وقال له:
ـ بوجدرة أيها العملاق، أيها الأديب الفذ لماذا تريد الانتحار؟
فأجابه:
ـ لا، لا أريد الانتحار، فأنا أعلم أن ما اقترحته كشرط لانتحاري لن
يوجد.
ـ سيجدونه فاحذر، خبرك قد انتشر، فربما وجد من قص الحبل بطول ستة أمتار
ووضعه في رف من حانوته ينتظر مرورك عليه لإفحامك.
سبقه خبره وخشي على نفسه، اهتز كيانه لكلام جحا، لا بد أن يُتربص به،
لا بد أن يُدبَّر أمر الحبل، لا ينوي السؤال عنه خشية وجوده بنفس
المواصفات، ولكن ما السبيل إلى تغيير رأيه، وتذكر جحا وركض نحوه، ألفاه
على ضفتي وادي العدم يصطاد سمكا يأتي إلى حتفه طواعية قد حيره أمره
وأقلقه الظن به، فهل ينتحر هو أيضا؟
ترجاه أن يشير عليه حين استنصحه، فقال له جحا:
(( عليك بحبل من جسمك)).
فقال بوجدرة.
ـ وكيف؟
ـ لا بد أن يكون من أحشائك.
ـ من أحشائي؟
ـ أجل.
ـ وكيف أحيا بلا أحشاء؟
ـ من يحيا دون قلب لا يبتئس لما بعد ذلك.
ـ طيب.
ـ الحبل يجب أن يكون من أمعائك الدقيقة فقط، لا يضاف إليها المعي
الغليظ.
خطا ببطن خاوية يحمل أمعاءه المالحة في يده ويقول:
(( ما سأشنق به نفسي هو هذه الأمعاء، ولكن بنفس الشرط الذي اشترطته )).
تحلق الناس حوله وشرعوا يعبرون الأمعاء بقياس الطول فكانت ستة أمتار،
عندها تغير وجه بوجدرة إلى اللون الرمادي وسقط أرضا، حملوه لتنفيذ
وصيته، ساروا به نحو موطن الغراب، ولما كانوا عند الساحة العمودية
حاروا كيف يعلقونه حتى يبدو مشنوقا، فتنحوا عنه وتركوه تحت أحذية
الديدان العجيبة.
ـ هلاّ وجد بوجدرة ما يلمع به نفسه ويلفت النظر إليه غير إنزال الله
تعالى في غير منزلته؟ ـ كم هناك من الحكام العرب وغير العرب يتبرزون
فعلا، فهلا صلح وصفهم يتبرزون في مراحيض ذهبية؟ أم أن ذلك من اختصاص
الكتاب الأجانب في كشفهم عورات الحكام العرب وفضح سلوكياتهم؟
ـ هل إذا تبرزت أمه على فم وليدها، ثم لحقها بوجدرة وشرع يدهن برازها
على وجه الصغير وبدنه تبركا بما يصنعه المعمل في أمعاء أمه ودبرها؛
يكون كشفا جديدا؟
ـ هلاّ تبرز أبوه قيئا وقيحا فجمعه بوجدرة في وعاء منتظرا آذان المغرب
ليفرق به صيامه؟
ـ لماذا لم يتحسس بوجدرة الروائح التي تحسسها الناس وهي مقرفة منتنة
تخرج من ثقافته الرمادية؟
................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:46 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

محمد الماغوط


في الآثار الكاملة لمحمد الماغوط صفحة: 265 قوله:
((إنني أعد ملفا ضخما عن العذاب البشري لأرفعه إلى الله فور توقيعه
بشفاه الجياع وأهداب المنتظرين، ولكن أيها التعساء في كل مكان جل ما
أخشاه أن يكون الله أميا)).
ويقول أيضا عن الله تعالى:
((لماذا خلقني؟ وهل كنت أوقظه بسبابتي كي يخلقني؟)) المصدر السابق.
أستسمحك حضرة القارئ المحترم، فأنا أعد ملفا ضخما بعدد ذرات الكون من
خلايا جافة تعيش في بدن مجياف لأرفعها إلى نوال السعداوي لتبول عليها،
ففي بولها بركة يستعطي نفعها الماغوط.
وحين أنجزت العمل ورفعته إلى نوال بخلت عليه ببولها، لأنه كان ثمينا لا
يستحقه الماغوط، ولكنها إشفاقا منها عليه أذنت في التبرز على جمجمته،
أشفقت أن تجعل منها مبولة، ففي برازها رطوبة قد تحييه مرة ثانية وتشكله
بثقافة أشد رمادية من الرمادية التقليدية.
إن الملف الضخم الذي يكتبه الماغوط عن العذاب البشري يدل على تحسس واقع
الظلم والمعاناة، يدل على تحسس التظلم الذي ما فتئ يظهر على الجياع
والمظلومين، وهذا جميل من كاتب مهتم بواقع الناس السيئ، لا يرضاه لهم،
يريد زواله وتخليصهم منه، ولكنه عند رسم وجهته لتخليص الناس من ظلم
الناس انحرف فضل عن العلاج، إنه لا يدرك أن أي مبدأ لا يقوم إلا على
سواعد الناس، وأن أي نظام لا يطبق إلا بسواعد الناس، فكان أولى له أن
يمحص الفكر الذي بواسطته يتخلص الناس من العذاب والظلم، وكان أولى لو
سلك ما أذكره أن يبحث عن فكر يقنع العقل ويوافق الفطرة ويملأ القلب
بالطمأنينة ويكون مشروطا بشرط يقطع الخلاف حوله، وذلك كأن يشترط أن
يكون ممن لا يلحقه عجز أو يعتريه نقص أو يبدو عليه احتياج، لأنه بهذه
الصفات ينتج فكرا لا يتأثر بالبيئة، ينتج فكرا للناس ولكنه ليس من
الناس، ليس من عقول عاجزة محدودة متأثرة بالبيئة، ولن يكون ذلك إلا من
الله العالم الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، الله الذي
يتطاول عليه الماغوط ويظلم بتطاوله نفس الجياع ونفس المنتظرين لأن الله
ربهم، وإذا لم يكن الله رب الماغوط، فهو رب من خلق الماغوط..
وقوله: (( لماذا خلقني )) كاف للدلالة على حقارة هذا المخلوق واعتراف
بالخالق وقدرته جل وعلا، ولكن تساؤله عن علة خلقه وهل كانت بتحريك
سبابته يعني التالي:
ـ انطواء نفسية الماغوط على حقد مبالغ فيه على الله تعالى، والحاقد
متربص بالمحقود لا تنفلت منه فرصة للإيقاع به، وهذا في حق الله تعالى
محال، وبناء عليه يكون له فعل الرجع مثل عمل السحاب؛ والغلاف الجوي
للأرض، فكان لا بد من إبقائه ثابتا في قلبه، لأنه عداء، وعند اليأس من
الإيقاع بالله تعالى إلا في كلمات حقودة لا تؤثر فيه سبحانه وتعالى؛
وجب ما يلي:
ـ نقل حمولة الحقد على الله تعالى إلى كل من يؤمن به وبوحدانيته، فنتج
عن ذلك التالي:
ـ هزّ الناس وزعزعة قناعاتهم بغير حجة أو برهان.
ـ استغفال الناس واستحمارهم وخلخلة قناعاتهم ومقاييسهم باعتماد عدم
يقظتهم، بركوب انحطاطهم، بالتسلل إلى إفساد رشدهم فيما يعتقدون عبر
جهلهم وتخلفهم وأميتهم..
ـ تحقيرهم وإهانتهم بالتطاول على قيمهم ومثلهم ومعتقداتهم.
ـ غشهم بأدب وفكر أمثال الماغوط.
ـ هذيان ودوران يفقد الإنسان التركيز فلا ينتج إلا الهراء.
ـ استحالة نضج العقل بخلفية الحقد للخالق جل وعلا.
ـ إيذاء الناس بقيادتهم من طرف هؤلاء.
وله في نفس الآثار صفحة: 233:
(( فأنا نبي لا ينقصني إلا اللحية والعكاز والصحراء )).
مثل هذا الكلام كمثل ما يلي:
ضاق جحا ذرعا بنفور الناس منه، كدّ وجدّ في محاولة استقطابهم
لاستغلالهم فلم يفلح، وكان له صديق داهية، فعرض عليه حيلة تمكنه من
استحمارهم.
أسر بها إليه فطفق جحا يسلك سلوكا لافتا. كلما خرج من بيته يقصد
المدرسة ريء مرافقا كلبه، يربطه من عنقه من نفس ربطة عنقه، أرخاها على
قدر حبل كلب كرمين.
يسير إلى التعليم والناس حوله، تارة يسألونه كما لو كان شخصية عمومية،
وتارة يحجمون للاستمتاع بالضحك.
يدخل قسمه مع كلبه، فإذا تناول قضيبا نبح الكلب على تلميذ من تلاميذه،
عندها يستدعيه إلى السبورة فيملي عليه ليكتب فيها درسا لزملائه، ويتوقف
الكلب عن النباح، ويبدأ جحا في إملائه:
ـ أنا لست نبيا لهذا الكلب، فكلبي لا نبي له. لحيتي تحت سرتي. عكازي
حبل كلبي، وصحرائي جمجمة الماغوط.
يرفع تلميذ يده مستفسرا عن الصحراء وكيف يكونها الماغوط، فيرد عليه
جحا:
ـ كلما ذكرت الصحراء إلا ريئ لذكرها اليباب والخراب، ريئ لذكرها الجفاف
والسراب، ولكنها مليئة بالحياة، حتى إن مترا مربعا واحدا منها يحوي من
أسباب الحياة ما لو ماتت كل نباتات الأرض لوسعتها إنباتا وجنانا، بها
من البذور ما لو انعدمت من الأرض كلها لكفتها إحياء من جديد، وإذن
فإطلاق لفظ الصحراء وقرانه بالموت ظلم للصحراء.
ـ وإذن؟
ـ الصحراء هي ذهن الماغوط وجمجمته.
رن جرس المدرسة وخرج جحا مفيدا مستفيدا.
مر على نادي الرماديين فنعاهم إلى أنفسهم.
راح يتبعه كلبه وعلى ظهره كتابة لافتة تقول:
كلب جحا أستاذ لا يستحمر الناس، والماغوط قرد المهرج في ساحة جامع
الفنا.
فهم الأدب سواء كان شعرا أو نثرا يعني تذوقه، ومن لا يتذوق نصا من
قصيدة أو قصة أو إبداع لا يستمتع بالأدب، وصديقنا العزيز يتمغَّط ليطال
فهما فلا يلحقه، وإذا اقترب من الذوق ثم طعم نصا كان نصه كالماء
الغليظ، أما في إبداعه فهو منتج للزبالة التي يقتات منها، وهي طعامه
المفضل، وهو طعام خلال.
مليخ مسيخ علفه، خثر اللسان والخلد، فاسد القلب والذوق نتن الخلد.
من يسب للناس ربهم ويؤذيهم في معتقداتهم لا يكون نذلا ولا رذلا، وإذا
لم يكن كذلك، فكيف يكون؟
الماغوط رضيع لم تفطمه الثقافة الساقطة بعد، يتلمظها منتشيا، ويتمطقها
لإسماع من لا ذوق له، لم تفطمه الحداثة التقليدية لتعلقها به، فلا يحيا
السقط، ولا ينتعش الرديء إلا به وبأمثاله، سخي أريحي مع الثقافة
المتورمة التي تسقى بحموضة الزبل فينشرها على قومه متشفيا بهم ساخرا من
معتقداتهم..
الماغوط كاتب كبير بقامة تكاد تصل كعب الكلب، ولكنه مقبوض اليد عن
الخير لأمته، قصير العنان، إذا أبدع وكان في إبداعه كرم وتعقُّل تبعته
نفسه..
....................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:47 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

بدر شاكر السياب


وهذا بدر شاكر السياب في ديوانه: ديوان السياب صفحة: 147 يقول:
((وأبصر الله على هيئة نخلة يبيض في الظلام أحسه يقول: يا بني يا غلام
وهبتك الحياة والحنان والنجوم)).
ويقول أيضا:
(( فنحن جميعا أموات أنا ومحمد والله وهذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة
عليها يكتب اسم محمد والله )) المصدر السابق، صفحة: 395.
لقد أبصرت السياب يخرج وليدا من غير ما يخرج منه الولد، لم تجر لأمه
عملية قيصرية، ولم ينبت في زجاجة، بل استنسخ من كلبة جرباء، واحتضنته
مشيمة تفيض بقيح قلوب الحَقَدَة، ثم خرج من موضع طالما هامت به قرية
سدوم؛ يغشاه لون الأنفاق، ويفوح منه طيب السلوثة.. وعندما مات قام على
قبره كلب شارون وشغر عليه ولم يزل، تمد مثانته بالبول أمعاء تصنعها
الثقافة الرمادية، لا يزال على حاله يموت ويموت، والله حي لا يموت.
قضى السياب منذ زمن وها هو رفاته معفّر في الدونية، دونية يحتج عليها
الفيلسوف الحبابي لأنه يؤذى بها رغم بعد قبريهما، ثقافته لم تقبلها أي
مزبلة، وحين احتالوا على مزبلة التاريخ ليلحقوها بها فطنت لها فلفظتها
وتركتها للجعلان يدهده نتنها أنوفها، يمرغها في الوضاعة كل متأذ بها..
لقد بخر فم السياب بالروائع الشعرية، هذا البَخْر الصادر عن البدر
المظلم ينبغي ألا ينعت صاحبه باللؤم النفسي، والخواء المعرفي، فهو أشرف
من السقط الثقافي، وأنبل من الرمم الفكري، فالقيم عنده قيم زبلية
تُستقذر طبيعيا عند كل نتاج سافل، وإبداع أكزم من الخنصر والإبهام، ليس
هو ممن تلفظه الآماق وتبذأه النواظر وتنبو عن منظره الأحداق ولا يقف
عليه الطرف فحسب، بل هو في سقطه المعرفي وريح إبداعه أشنع وأبشع وأفظع،
فدمامته الفكرية وشتامته المعرفية، وسماجته التخييلية، وجهومته
الإبداعية أنتن من قيح الضباع وخراء القطط.
أشباه المثقفين مضبوعون بمن قصر نظرهم عن رؤية أسمى الجمال وأرقى
الكمال في النفس البشرية وخلف الكون والطبيعة، ولذلك طفقوا يرقصون
لمجرد أن شرع أرباب الحداثة يضربون بالدفوف لهم.
هؤلاء الحداثيون وَلَدٌ، هم فعلا وَلَدٌ يعبدون أنفسهم، ومن كان كذلك
فهو عند المتنبي عبد يجب أن ترافقه العصا الفكرية والثقافية لتقييم
اعوجاجه، لأنهم ولد سفهاء يحملون وصفا في كلمة وردت للمتنبي قبل قوله:
مناكيد.
..................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:48 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

معين بسيسو



ويقول معين بسيسو في الأعمال الشعرية صفحة: 341:
((لم يبق سوى الله يعدو كغزال أخضر تتبعه كل كلاب الصيد ويتبعه الكذب
على فرس شهباء، سنطارده، سنصيد لك الله، من باعوا الشاعر يا سيدتي
سيبيعون الله)).
ويقول في نفس المصدر صفحة: 440-441: ((وطرقت جميع الأبواب أخفتني عاهرة
كان الله معي لكن الله هناك يدلي بشهادته في مركز بوليس:
فتح المحضر.. ما اسمك؟ كم عمرك؟ مهنتك.. وكانت مهنته الله. صبغوا
بالحبر أصابعه أخذوا بصمات الله والتقطوا صورته كان الله معي لكن الله
ورائي كان هو المخبر آلة تسجيل قد غرست في قلبي آلة تسجيل قد غرست في
قلب الله)).
هذا الرجل ينعت المسلمين بالكلاب، لأن الله ربهم قد أوجب عليهم طاعته
وفي ذلك تبعية من قبلهم له، وبهذه الصفة يكونون كلابا في نظر بسيسو،
فهل قائل هذا القول يستعدي المسلمين عليه، أم القول غير ما قال صاحبه؟
لقد تمخضت حمارة جحا فولدت بغلة، عانى منها لعلفها، لم يكن يقدر على
جلب التبن لها كل يوم، فشكا إلى صديقه ذلك فنصحه باستبدال علفها بعلف
آخر، استنكر جحا وغضب على صاحبه لظنه أنه يسخر منه فقال له:
ـ تمهل يا جحا فما قصدت الهزل، هناك فعلا علف يصلح لبغلتك. فقال له:
ـ وما هو؟
ـ اذهب إلى مصب قنوات المياه الحارة وضع عليها شباكا بمسام دقيقة يمنع
تصريف غير المياه إلى البحر، ثم اجمعها، فهي خير علف لبغلتك.
ـ ثكلتك أمك أأطعم بسيسو ما تنتجه أمعاء الناس؟
ـ هل تريد أن ينتفع الناس ببعر بغلتك؟
ـ كلا.
ـ إذن ليكن ما قلت، عندها لن ينتفع أحد ببعرها، بل سيتأذى الناس وتتأذى
البيئة منها، ولكن مهما يكن؛ يظل الأمر يسيرا ما لم يطعمه إنسان.
ـ أطعمها قاذورات الرماديين فينتج عنه أقذار ولن ينتفع بقذرها أحد..
هذا جميل والله، ولكن ستكون معاناة؟
ـ ما هي؟
ـ سيتبعني الذباب.
ـ أوما تعرف كيف تصرفه؟
ـ لا.
ـ إذا تبعك الذباب ارتاح الناس منه، فأنت ذكي بصير تستطيع صرفه إلى
الجيف، تستطيع إرشاده إلى النتن الذي يخرج من جمجمة بسيسو والسياب
وبوجدرة والماغوط ونوال ودنقل وقباني وزياد والمقالح.. فذلك مستقره
ومستودعه.
ـ هل سيتبعني الذباب وحده؟
ـ ستستأنس بثقافة مرذولة وفكر ساقط يتبع ريح الجِيَف.
ـ وهل منها ثقافة القرن السادس عشر التي أنتجت الثقافة الرمادية؟
ـ لا تخف، سيتبعك كل كلب. سيلحق بك كل خنزير. سينقاد لك كل خنفس،
وسيقتدي بك كل جرذ… سيكون يومك مهرجاني تحضره الأمم وقد ابتسمت
لانتفاضة عقلها الذي أدرك حقارة وسخافة ما ينشره الرماديون.
ـ هل ستسير مربوطة مكبلة حتى لا تنجو من الذهاب إلى حتفها؟
ـ كلا، ستتبعك ككلب مُجوّع مجرد أن ترح عليها ريح علف بغلتك، فهي عاشقة
للقاذورات، لقد صادتها الروائح وضبعتها. انطلق واحذر بيع شيء منها، فلن
تجد مشتريا واحدا، لقد مات تجار الفكر الرمادي، استبدلوا مهنهم كما
يستبدل القميص، تمترسوا خلف فكر لا يثبت لنفخة ديك جحا، أجروا عمليات
جراحية على جنسهم، يتخفون خلفها، فقد أوهموا الناس أنهم من جنس
الإنسان، زرعت لهم فروج تفوح قرفا يأتيها ليلا الرماديون..
.....................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:49 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

نزارقباني

وهذا نزار قباني في الأعمال الشعرية لنزار صفحة: 1/ 493 يقول:
((إني أحبك من خلال كآبتي وجها كوجه الله ليس يطال)).
وقوله في نفس المصدر صفحة: 2/ 442. 2/ 442:
((لأني أحبك يحدث شيء غير عادي في تقاليد السماء يصبح الملائكة أحرارا
في ممارسة الحب ويتزوج الله حبيبته)).
نصوص تبدو فيها المتاجرة باسم الجلالة. فالإساءة إلى الله واضحة. العزف
على وتر ما يحب الناس ويقدسون لتسويق بضاعة ما أمر لا يخفى على طفل
جحا. فقد اتهموا جحا بإنجاب ولد بليد لا يحسن فعلا، أو يتقن قولا،
فانبرى يدافع عن ذكاء ولده ونبوغه في حكايته معه. قال:
كنت عطارا أحمل بضاعتي على ظهر ولدي فيظل طول يومه ينوء بها، ينقاد إلي
معطلا دماغه، أوهمته أنه حمار، والحمار حمار وكفى، لم أكن أهتم لنقد
الناس، يستوي عندي لامزهم وهامزهم، وفي العام الموالي كسدت تجارتي
فأشفق علي ولدي وأشار باستبدالها، ظننت أنه يريد التخلص من عمل الحمير
فقلت: لا، ثم عاد إلى نفس القول مستعلنا سريرتي فقلت: يأتيه شيطان
يخبره بما أفكر به، هذا ولد مسكون بجنيّ، لم لا أستغله، فظهر لي أن
أوافق، فقلت له: ما البديل؟ فقال: ألم تخبر الناس أني حمار. قلت: بلى.
قال: هل صدقوك؟ قلت: لا أدري. قال: أعلن فيهم أن حمارك يغني.
ضحك جحا حتى سقطت من فمه عيدان الدفلى، صنعها على شكل أسنان حيث لم يكن
قد ظهر بعد طاقم الأسنان، ثم طاف معلنا ذلك، فاجتمع الناس إليه فقالوا
له:
((قلت أن ابنك حمار فصدقناك، والآن تقول أنه يغني، وهل يغني الحمار؟)).

ـ أجل إذا كان مطرب النساء.
اجتمعوا إلى جحا في ساحة البلدة وقد غطى ولده بثوب يخفيه عن أنظارهم،
ثم رفع الثوب عنه وقال: من هذا؟
قالوا:
ـ حمار جحا.
ـ وأنا؟
ـ أبو الحمار.
غضب لقولتهم وأقسم ألا يغادروا حتى يحضر الشُّرَط لإشهادهم.
ولما حضروا أعاد عليهم سؤاله، فأعادوا جوابهم، عندها أشهد الشرط على
مقولتهم وقاضاهم على ذلك.
حضر الناس ووقف جحا وولده وسط قاعة المحكمة، ثم أعيد سيناريو التظلم،
فقال القاضي للناس:
ـ من هذا؟
يقصد ولد جحا.
فقالوا:
ـ حمار.
ـ ومن ذاك؟
يقصد جحا.
ـ أبو الحمار.
ثم التفت إلى جحا وقال له:
ـ من أنت؟
قال:
ـ أنا رجل من جنس الناس وليس من جنس الحمير.
ـ وأنت من تكون؟
ـ أنا ابن جحا، فإذا كان والدي إنسانا، فلا يعقل أن أكون حمارا، فأنا
كما ترى سيدي إنسان له كرامة.
استشار القاضي، فحكم لجحا بغرامة مالية تكفيه مؤونة سنة كاملة تأديبا
للناس الذين يتقوَّلون عليه.
هذه حيلة جحا قدمها له ولده البليد. فما حيلة نزار ليقدمها إلى غيره
نصيحة للمتاجرة في اسم الله تعالى، أم أنه حمل معه نصيحته يستهزئ بها
في عالم الأموات؟
كسدت تجارتهم فاستغفلوا الناس على جهلهم وغياب شهامتهم فعادوهم بمعاداة
ربهم وخالقهم، ولكنها عداوة لن تتركهم ينجون من العقوبة، ولن تكون
عقوبة قاضي جحا، وليست هي عقوبة الترشح لدخول مزبلة الأدب، فقد دخلت
ثقافتهم وأقعدتهم معها، بل عقوبة من نوع آخر، مثل محاكمة رفاتهم
مستقبلا.
التشبيه في علم البلاغة يغدو جميلا ورائعا بخصوصياته، فتشبيه المخلوق
بالخالق؛ وإن جاز، غير أنه لا يكون في كل شيء، لا يكون في كل شيء شرعا،
فهذا معلوم من الدين بالضرورة، بل لا يكون لغة. فقوله: ((..وجها كوجه
الله ليس يطال)) وإن قصد أنه لا يطال في جماله مثلا، أو بهائه، ـ وهو
ما لا نراه ـ أو ما إلى ذلك، فإنه شاذ لا يستقيم لغة باعتماد الأداء
العقلاني، والحس الجمالي، فالجمالية في النصوص الأدبية وإن كمنت في
التراكيب، غير أنها لا تكون كيفما اتفق، فاللغة بتراكيبها المصيغة
للأدب تسلك مسلك التعبير وفق معاييرها ومقاييسها، فلو تمثلت قبحا
بتشبيه الوردة والزهرة؛ فلن تكون مُوفَّقاً. ولو تمثلت جمالا بتشبيه
قرد أو خنفساء؛ فلن تكون موفقا أيضا، فكذلك الشأن في تشبيه وجه حبيبته
بوجه الله. الله تعالى فوق المثل والنظير، منزه عن النقص، قدوس في قلوب
خلقه، في خلايا أجسام كل عباده بما فيهم الساخرون منه والمنكرون
لوجوده، فهو سبحانه وتعالى فوق قدرة تصور خلقه، وفوق أقصى ما يدرك عقل
خلقه، صحيح أنه يمكن أخذ بعض صفاته واستعمالها قراءة وكتابة، غير أن ما
يؤخذ يراعى فيه الجانب اللغوي، ولا أقول الشرعي، فالشرعي مفروغ منه عند
المؤمنين به، ولكن اللغوي شأن الكَتَبَة والأدباء، فلكي ينتجوا أدبا
يتماشى وسلطان اللغة وجب التقيد بما تشترطه في تراكيبها حتى ينتجوا
نصوصا جملية، وإذا لم يتقيدوا بذلك أنتجوا سخافات مثل ما أنتجه نزار في
تشبيهه المذكور.
ثم إنه حين شبه وجه حبيبته بوجه الله قضى بذلك أن يأخذ من وجه الله
شيئا، قضى بتجزيئه وهو غير مقبول عقلا لأن إطلاق الكل ليدل على الجزء
معروف لغة وقد استعمله القرآن الكريم لأنه عربي كما في قوله تعالى:
"إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله"
البقرة، الآية: 173، أي تحريم الخنزير كله لحمه وشحمه وجلده وطحاله
وكبده.. وإطلاق الجزء ليدل على الكل معروف لغة أيضا كما في قوله تعالى:
"ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله" النساء،
الآية: 92. أي تحرير الإنسان كله وليس الرقبة فقط التي هي جزء من
الإنسان، وهذه فلسفة راصدة لانتفاء الشبه بين الله تعالى وبين خلقه،
وفلسفة لغوية عميقة سامية لست الآن بصددها، غير أن المهم في كل هذا هو
أن الذي ليس يطال في تشبيهه هو وجه الله الذي لا يتجزأ عن ذاته العلية،
ولا يتبعض عنها لأنه بذلك (أي بالتجزيء) يقتضي التركيب، والله تعالى
غير مركب حتى يكون كليا، وغير كلي حتى يكون جزئيا، لأن الكلي ناقص،
وكذلك الجزئي، المركب ناقص، والله تعالى هو الكمال المطلق، نفترض
الافتراض الخطأ أنه وجه الله بحسب ما تقرره اللغة العربية بالفهم
السقيم الذي ساقه نزار ولو أنه من حيث الانطباق قطعا على غير الله
تعالى والذي أقحمه قباني تعسفا على اللغة العربية، ولا نفترض وجه
حبيبته، لأنه قد يكون هناك وجه بهي وسيم جميل منير يفوق في حسنه وجه
حبيبته فيكون وجه هذه الأخيرة يطال بهذه التي افترضناها، ولكن من جهة
أخرى يتقرر أن وجه حبيبته ليس يطال بالتي ذكرناها، ذلك أنه في
الاستعارة من وجه الله أخذ جزءا من صفته، اقتعد موقعا طاله الوصف
وطالته حبيبته، فكانت حبيبته لوحدها مع الله ليس يطالان من أي كان،
وهذا غير سليم لغة، كما أنه سخيف عقلا، فحبيبته لا بد أن تعزل من
التماثل بالله..
وعندما يعلل حبه بأحداث لولا حبه لما نتجت؛ وهي ممارسة الحب من طرف
الملائكة الأحرار، وزواج الله من حبيبته يكون بذلك غير موفق في
تراكيبه، فلا جمالية فيها ولا طعم لها، كلام تافه، وتصوير أتفه، تراكيب
لا تستقيم معانيها في الذهن الرشيد، وتصوير لا يستطرب له قلب، أو يهتز
له خلَد.
فلو علل حبه بشيء غير عادي يحدث في السماء بما يلي لكان طريفا ومقبولا
وهو:
(لأني أحبك يحدث شيء غير عادي في تقاليد السماء) الأمر تجريدي لا شيء
فيه وهو جميل (يصبح الملائكة أحرارا في ممارسة الحب) تجريد آخر لا
يحدد به نوع الحب ولا كيفيته، وهو خيال لا إهانة فيه، علما بأن الإهانة
لمن يستحقها جمال أدبي وهي لنزار مستحقة بقوله: (الله يفتش في خارطة
الجنة عن لبنان) الأعمال الشعرية لنزار، صفحة: 2/ 323 و 3/ 587 - فالذي
يفتش لا يحيط بكل شيء علما، وبتعبيره هذا يكون مهينا لله تعالى -
ويتزوج المحبوب حبيبته، أما أن يتزوج الله حبيبته، فهذا ليس كلاما
أدبيا، أي جمال فيه ولو أن يكون تجريديا؟ التجريد اللغوي جمال لا ينتجه
التركيب الشاذ المخل بالجملة والفقرة والنص، بل ينتجه التركيب السليم،
فإذا سلم التركيب سلمت معه المعاني، لأن الأديب يبحث أولا عن التراكيب
وليس عن المعاني، ومن ركب كلماته وجمله وفقراته ونصوصه تحت سلطان
اللغة، أنتج جمالا أدبيا، ومن لم يفعل ذلك اضطرب تركيبه فاختلت جمله
وفقراته ونصوصه، وليس الأمر منوطا بوجود قراء أو نافخين في مثل هذا
الهراء، فذلك سيزول بمجرد ارتقاء الذوق الأدبي عند القراء والمتلقين،
بل هو منوط بغياب أدب راق يستهدف رفع أذواق الناس وتكريم إنسانيتهم..
وله في نفس المصدر صفحة: 3/ 132 – 133: ((وأنبياء الله يعرفونني عليهم
الصلاة والسلام ـ الصلوات الخمس لا أقطعها ـ يا سادتي الكرام ـ وخطبة
الجمعة لا تفوتني ـ يا سادتي الكرام ـ من ربع قرن وأنا ـ أمارس الركوع
والسجود ـ أمارس القيام والقعود )). ويقول أيضا في نفس المصدر:
((وهكذا يا سادتي الكرام ـ قضيت عشرين سنة أعيش في حظيرة الأغنام ـ
أعلف كالأغنام ـ أنام كالأغنام ـ أبول كالأغنام ـ أدور كالحبة في مسبحة
الإمام ـ لا عقلي لي لا رأس لا أقدام ـ أستنشق الزكام من لحيته ـ والسل
في العظام ـ قضيت عشرين سنة ـ مكوما كرزمة القش على ـ السجادة الحمراء
ـ أجلد كل جمعة بخطبة غراء)).
يذكرني قوله هذا بما يلي:
كنت مرة مع قوم سَمْرٍ في بيت جحا.
أقام بيته في السماء، وزينه بمجلدات ضخمة؛ بها من كل علم وفن، يجتمع
إليه الأدباء والشعراء فيخصص لكل لون ثقافي مجلسا، لم يكن ما بعد
حداثي، وحين كانها جمعهم في غرفة واحدة، خلطهم كما يخلط التراب بالشعير
علفا لحماره الأجرب، ينهي علفه ويستعمل التراب لحك جلده.
سألته عن أدباء افتقدتهم في مجلسه، فطمئنني بقرب حضورهم.
انشغلت عنه بقراءة، وبينما أنا عند قول نزار: أبول كالأغنام؛ حضر جحا
مغاضبا وأنهضني وسار بي إلى حيث نزار، دخلت الزريبة وتقدمت إليه فإذا
بكبش أصلع يمارس طقسا من طقوس جِبِلَّته، فقلت: لماذا يصنع الكبش ما
يصنع؟ فقال: لا تخف نعجتك عاقر، فلن تنسل مسْخا، فأنا هنا في نادي
الخصْيان أخصي كل رمادي.
خلصته من انبطاحه وقلت له: قلتَ في الأسفل أن أنبياء الله يعرفونك.
فقال:
ـ لا يعرفني منهم أحد، إنما استغفلت المغفلين حتى يروجوا لحماقاتي.
ـ قلتَ أنك تعيش في حظيرة كالأغنام.
ـ أجل ها أنذا فيها أعلف وأنام وأبول.
ـ أي علف تنتشي له وتسمن به؟
ـ فضلات جحا.
ـ فضلات جحا؟
ـ لم يستقدمني جحا من مرقدي في زبالة الأدب إلا ليتبرز علي، فأنا
كنيفه.
ـ وماذا يفيده في ذلك؟
ـ يعاقبني، وما يخفيه أكثر.
تقدمت كلاب صيد جحا، عوّدها على سلوك تأتيه بصعوبة، ولولا احتياله
عليها بقِطع من الحلوى لما أتته، تركني نزار وجرى إلى وسط الزريبة
وانبطح خوفا وهلعا، استغربت لذلك، فتقدم جحا يتبعه أكْلُبه النجباء
وجلس في ركن مرتفع من زريبته وشرع ينطق أسماء أدباء وشعراء، اقتربت منه
وسألته عن علة مناداته بأسماء أعرفها. فقال: هي للممسوخين، الآن كلاب،
وغدا نعاج والدور على من لحق. تقدم الكلب الأول حتى لامس نزارا فشغر
عليه، تقدم الثاني فشغر، ثم الثالث فالرابع وهكذا.
أسررت إلى جحا أن يعاقبهم من جنس عملهم، فعاتبني قائلا: أنت تشفق على
من استقدمته من الأسفل نحو الأعلى وهو سافل، فماذا تشير علي؟
ـ اتركهم لشأنهم.
ـ لا.
ـ ردَّهم إلى الأسفل، فمجرد الاعتلاء بهم رفع لمقامهم ولو أن تمسخهم
مرة كلابا ومرة نعاجا.
جمعهم جحا غير مقلد لئام سجن أبو غريب، سار بهم دفعة واحدة نحو باب
ناديه، ثم فتح لهم فدفعهم دفعا نحو الأسفل، يدفعهم أولا بأول بأخمص
قدميه الذهبيتين، يهوون منه ويهوون، يهوون وما يزالون إلى قاع ليس له
قرار.
..................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:51 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

توفيق زياد


وهذا توفيق زياد في ديوان: توفيق زياد، صفحة: 513 يقول:
((وإلى الأشجار أو العمدان وإلى الريح وجه الله العريان)).
هذه الفقرة قصد بها صاحبها الموسيقى، فقد ركب جملتين ظهر عليهما جمال
لفظي؛ وهو بديع، سجعه لفظا سليم، ولكنه معنى تالف وشاذ، فالوجه موطن
الخجل والحياء والفرح والابتسام والغضب والعبوس.. فهو صالح للاستعارة
والمجاز إن قصد به شيء من ذلك أو غيره مما لم أذكره، ولكن أن يؤتى
بالعري لوجه الله تعالى – وجه الله العريان – فلا يستقيم، ماذا يمكن أن
نستعير من ذلك حتى يستقيم لنا المعنى؟ لا شيء، حتى محاولاتنا تجميله
بكلام؛ لا يفيد، فوجه الله العريان من الظلم، العريان من البخل، من كل
الصفات القبيحة لا يستقيم لغة، ولا يتموضع في الذهن معنى، فهو كلام وإن
ركب على وجه سليم لا يستقيم بسلطان اللغة، ومحاولة الخروج عن سلطان
اللغة جائزة، ولكنها في غير حق اللغة العربية، فاللغات الأخرى اقتعدت
الرفوف بعدما نبتت فيها لغات جديدة مثل اللاتينية التي جاءت منها
الفرنسية والإسبانية والإيطالية إلخ.
هذا لا يكون في اللغة العربية، وأي محاولة بشأن ذلك فهي فاشلة، وكنصيحة
يمكن هؤلاء أن يبدعوا لغة جديدة خارج سلطان اللغة العربية، حتى لغة
البكوك لا تقبل بمحاولاتهم.
وإذن فقرته لغة لم تبن على الوجه اللغوي السليم، بنيت لفظا وتلفت
معنى، وما أكثر مثل هذا الكلام التالف.
وأما من جهة أخرى بالاستناد إلى وجهة النظر التي يتبناها الفرد المعتقد
في الله ووحدانيته وانتفاء الشبه له بذاته وصفاته، فليس هذا من ضمن
ثقافته، فهو دخيل عليه محارب له، وغير محترم لعقيدته بصرف النظر عن
حتمية كون الله تعالى ربا لتوفيق زياد رغما عنه، فذلك بديهي عند
العقلاء.
لئيم الحمل والوضع، دنيء الأصل والفرع من دب في اللؤم وشب لا يستغرب
منه ما جاء به، فهو كغيره بوق؛ النافخ فيه ضفدع المستنقعات..
بينما أنا في رواح
مررت على هذيان
في مطارح الهوان
سمعت الأعقل يقول:
" لا الله أختار ولا الشيطان
كلاهما جدار
وهل أستبدل الجدار بالجدار"
فقلت له:
وهل لديك خيار
يحميك من سفاهة الاختيار؟
مطارح الهوان بدينة
تكاد تطرح أجنتها
لا ينفع لولدانها اللبن
ولا الطعام ولا الماء الزلال
لا المرضعات محظوظات
ولا الأجيالَ تقطع الأجيالُ
مرضع ذكر بلا ثديين
ولا حَلَمتين
يدرّ لبنا من صنبور
يشربونه وبه يحيون
مجرى اللبن سَيْلته
منها قُذفوا ومنها الْتبنوا
يتلمَّظونه ويتمطَّقونه.
..................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 07:53 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

عبد العزيز المقالح


وهذا عبد العزيز المقالح في ديوان المقالح صفحة: 339 يقول:
((يكاد النهار على أفقهم يموت ويحتضر الله والعقل خلف معابدهم في
البيوت)).
كلام تجريدي جميل لولا تجميله ـ تقبيحه ـ بالقاذورات الخارجة من فيه
هذا المتاجر باسم الله.
عجيب أمر هؤلاء لم يجدوا ما يتلهون به غير الله تعالى؛ لأنه حليم لا
يتعجل معاقبتهم لعلهم يثوبون إلى رشدهم.
هذا المقدس الذي تقدسه كل شعرة وكل خلية من أجسام هؤلاء، والله لو
استنطقت بمنطقها لنطقت تقر بسخافة هذه الثقافة، وظلمها للإنسانية.
البشرية تقدمت وما تزال، وأمر الله تعالى محسوم عقلا لدى كل ذي لب،
فوجوده مسألة لا يقدر على إنكارها بالحجة والبرهان منكر، وهو بذلك
المستحق الوحيد للتقديس، ومن كانت هذه صفاته يجدر بمن لا يؤمن به على
الأقل احترام من يقدسونه؛ وذلك بعدم تناوله تجريحا وتسفيها لأن ذلك
اعتداء وهم يزعمون نصرة الإنسان، ففقرته تسير سيرا تصاعديا من أولها
نحو التتويج، ثم تنتكس بفعل المبدع وترجع القهقرى سخيفة مرذولة. فالله
تعالى خالق الحياة والموت، جاعل الحالات كحالة الاحتضار، ومن يجعل
الحالة لا يكون منها، إذ لو كان منها أو كانت جزء من ذاته لوجب البحث
عن غيره، وإذا بحثنا فالنهاية محسومة بالوقوف على من لا أول له ولا
آخر، ومن كانت هذه صفته لا يموت؛ لأنه الحي القيوم، فكان كلام المقالح
كلام من لا يملك ذرة من التعقل والنضج في هذا الموضوع، فهذه رواية:
نساء مستعملات قد حسمت أمر وجود الخالق عقلا، وهو منطق العقلاء فليذهب
إليها ويقرأها فستجعل منه قزما ثقافيا لا يستحق الالتفات إن هو سد عن
متابعتها عقله وقلبه..
تقدمت جدة الحداثي تطلب يد ثَقاف المَمْدَرية، تخطبها لحفيدها المفلس
الذي لم يقلع عن عادة الشحاذة، يستعطي الغرب شياطة مقابل حمله على
حضارة أمته..
أشفقت ثَقاف على المقالح فتزوجته علها تقطع عادة شحاذته عند أبواب
الغرب..
زفت إليه بشرط ألا يدخل بها إلا عند الوفاء بشرطه، ساكنته في منزل
بثلاث طوابق مؤثث تأثيثا بديعا قد بصمته أيد أندلسية، وخربشت جدرانه
خيوط ذهبية تقرئ شعرا ونثرا، وتسمع أدبا وفكرا..
وذات يوم دخلت ثَقاف في الطابق الأول وبحثت عن المقالح فافتقدته، تسد
عنه جميع المنافذ إلى الشارع حتى لا يعود إلى الشحاذة، ظنت أنه قاعد في
الطابق الثاني أو الثالث، فلديه طقوس وأذواق يهيم بها هيام المجنون
بليلى.. ظلت تنتظر إلى أن غار انتظارها في اليأس فطفقت تتحرك دون حسيس
لتفاجئه في فراشه أو عند إبداعه، وطئت درجا درجا ففاجأها هو، استرقت
النظر إليه فإذا به يضع في كل درج كسرة خبز ودرهما، تبعته حتى انتهى
إلى آخر درج، ثم قفل راجعا وهو يصيح: (( صدقة لله يا حباب الله))، يشحذ
ويمد يده للكسور والدراهم فيأخذها، وكلما تناول كسرة ودرهما أثنى
قائلا: (( الله يرحم والديك )).
انعطفت ثَقاف يصطفق ثوبها للريح فخرجت دار الحداثة وهي تقول: حليمة
تعود لعادتها القديمة، وتلك حليمة العرب، ولكن حليم الغرب المُطلَّق لم
تنشأ عاداته من وسط ثقافته، أو نبتت في حضارته، فما باله يبلى وهو حديث
حداثي؟
إن المقالح قد تراد بكلامه وارتد وهو يتوهم أنه قد أقدم على ذلك بثبات
جنانه، تناسى أنه فأر الكنكر، صحيح أن فأر الكنكر مستغن عن الماء إذ
يصنعه من الهواء، ولكن فأرنا يصنع سبب حياته من بخر المجاري ومساقط
المياه الحارة.
لقد ألف المقالح مضاجع الذلة حتى تصاغر وتحاقر، ومن كان ذلك ديدنه
ارتقى إلى تمثيل نوع خاص من المثقفين فتقدم ليكون نقيبا لهم، فكان أزهى
من ديك القمار في أمريكا الجنوبية يحمل شفرات حادة في رجليه ليقتل بها
ثقافته في بلادة تامة..
.............

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:06 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

جبرا إبراهيم جبرا

وفي المجموعة الشعرية الكاملة لجبرا إبراهيم جبرا صفحة: 129 يقول:
((والله يهدر صوته بين الشجر)).
الله يهدر صوته بين الشجر. الله تعالى جعل جبرا من بني قوم هدْرة،
فلعلهم أتباع معاوية الذين قاتل بهم عليا، لا يفرقون بين الناقة
والبعير، فصوت الرعد والريح وما إلى ذلك أصوات تدخل في خانة النوع
والعدد، فلو تأملت أجناس الأصوات وأنواعها سواء كانت لكائنات حية أو
لجمادات، فسترى تميزا دالا على روعة تتحسسها الآذان المرهفة فتستقر
بذلك على قدرة الذي أعطاها تلك الأصوات، ومن يعطي الأصوات لا يكون صوته
نظير أصواتها؛ لأنه بذلك ينزل إلى مستواها وهو محال عقلا، هذا مع عدم
التسليم بوجود صوت للإله رغم وصفه بالتكلم. فالمتكلم عندنا صاحب لسان
وشفتين وفم وحنجرة بها حبلان صوتيان يحدثان التنوع الصوتي، وللنبات صوت
يتحدث به إلى جنسه، وللجندب صوت ينادي به على أنثاه ويحدثه يضرب جناحيه
مع بعضهما البعض، ولكل مخلوق صوت أو لغة خاصة به، وجميع هذه الأصوات،
وجميع مسبباتها لا تنطبق على الله تعالى، لأنه بشبهها له يأخذ صفتها،
وهي من صفات النقص؛ وليس من صفات الكمال، وهو محال، هذا بالنظر العقلي
لأن الله كما وصف نفسه، والموصوف غير المحدود لا يمكن الوقوف على حقيقة
ذاته. أما بالنظر السمعي فهو هدير يعبر به عن خوف، فلا يوصف هدير ريح
في معرض وصف الهدوء والسكينة، فالسكينة اطمئنان، والهدير قلق وهما
صالحين لوصفنا، لكن أن نصف الهدير في صوت الله فغير مقبول وصفا لغة،
لأن الله تعالى إذا استعير لصوته شبه من أصوات مخلوقاته مع استحالة أن
يكون له صوت، والصوت غير الكلام، فالكلام صفة له لا نعرف كيفيته، لأن
الصوت له مسبباته، سواء كان للكائنات الحية، أو للجمادات، فسيكون ذلك
شاذا في تركيب الكلام العربي، إذ لا يصلح وصف الهدير لصوت غير موجود،
ولا يمكن الاستعارة منه، فيكون كلاما ساقطا لغة، وأما من جانب آخر،
فالله تعالى بإيذائه يكون المؤذي مستعديا الكون والإنسان والحياة..
مستعديا نفسه عليه وذلك بإخراج أضغانه ونشرها على الناس، فظلم الناس لا
يكون في أموالهم وأنفسهم فحسب، بل يكون في معتقداتهم أيضا، ومن يرد أن
يمحو ما يعتقدون فلا يسلك سبل السب والشتم والسخرية من عقائدهم، بل
يسلك سبل التبكيت بالحجة والبرهان، ومعلوم أن أمثال جبرا لا يثبت في
مناظرة مع تلميذ جحا، لأنه رجل هدْر، والهدر يضيع الإنسان وقته معه إلا
أن يتواضع فيتعلم من غيره كيف يحترم الناس، وكيف يتناول معتقداتهم
ويفندها.
بينما أبو ما بعد الحداثة يغط في نومه طاف عليه طائف يوزع مشروب
كوكاكولا، وكان ممن لم يقووا على جلبها ولو مرة واحدة إلى عيالهم، فلم
يحظ بها في حلمه، ثم غطس في بحر نومه يداعب أحلامه فطفق يرى أنه يبول
كوكاكولا، عندها صاح بأبنائه فأقبلوا إليه يزفّون وبأيديهم ما
سيملأونها بالمشروب الغازي اللذيذ، حضروا جميعا يحملون كؤوسا بلورية
شفافة وشرعوا يملأونها من صنبور والدهم، وكلما امتلأت دفعوا بها إلى
أفواههم، يتجرعونها ويكررون ذلك منتشين قد زال حرمانهم وذهب شوقهم.
وكان قد انزوى في ركن حداثي كل من عبد العزيز المقالح وأدونيس وسميح
القاسم ورشيد بوجدرة وعبد الوهاب مؤدب ووفاء سلطان وسيد بحرواي وغيرهم،
انزووا لفقدهم كؤوسا يشربون منها وقد غشيهم البؤس وعمهم الغبن، عندها
انبعثت امرأة دميمة مبطانة قد بدنت لحيمة شحيمة تجر مؤخرتين كأنهما
بيضة بمُحَّين، أو رخوية بجنسين، وتصيح برب ما بعد الحداثة:
عيالك يا رب العيال ليس لديهم كؤوس يستعملونها لشرب كوكاكولا، فكيف
يشربون؟.
فأوحى إليها:
قد تركت لهم الصنبور يشربون منه مباشرة حتى تتماسّ شفاههم به، ففي
التماسّ رفع لشأنهم وبركة لهم، وفيه رضا يستحقونه أكثر ممن يشربون من
الكؤوس.
......................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:08 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش


مظفر النواب

وهذا مظفر النواب يقول:
((يا من رأى الله شاحنة ليس تلوي)). قراءة في التجربة الشعرية لعبد
القادر الحصيني وهاني الخير. صفحة: 63/118.
ويقول: أيضا:
((فالبلاد التي هو منها سراب تخاف الحقائق منه فإن سكن الخلق يأخذ
عزلته بزوايا من الله عابقة بالشراب ويثمل الله سبحانه والبلاد التي
درجات الكحول بها لم تصلها الخمور وبالوهم يسكرها بين حين وحين))
المصدر السابق. صفحة: 141.
وصف الله تعالى بالشاحنة التي ليس تلوي يدل على خلل لغوي في محاولة
تجريد الكلام، فلا يجرد اللفظ من معناه ليؤدي معنى آخر هكذا دون ضابط،
هذا باعتماد اللغة العربية كأداة للتعبير والتصوير واحترام سلطانها،
وإلا فليذهب إلى غيرها ليعبر بها، أما التعبير بالعربية فلا حق لأحد
تحت أي اسم أو ذريعة في التصرف بها والإخلال بضوابطها، فهي لغة متوجة
قد اقتعدت موقعا لها وجب الاعتراف به.
الله لا يرى إلا بما وصف نفسه، وأي رؤية بعدها لا تستقيم لغة، وبديهي
أن لا تجوز شرعا لمن يبتغي الإسلام دينا.
لفظ الجلالة: الله، ليس لفظا لغويا يرجع فيه إلى اللغة من أجل تفسيره
مثله مثل ألفاظ أخرى كالروح لا يرجع إلى القواميس اللغوية من أجل
تفسيرها، بل هو (أي لفظ الجلالة) لفظ معبر عما يجد الإنسان أثره في
نفسه وفي الكون والطبيعة..
ولذلك فبحثه من أجل معرفة الوجود أو عدمه معقول تستطيع اللغة التعبير
عن الأفكار المتعلقة بوجوده، وأما معرفة كنهه فمحال، وعليه لا يستطيع
أي ذهن بشري الوصول إلى ذلك لأنه فوق الذهن والتصور، ولا تستطيع أي لغة
التعبير عن ذلك، فلزم عقلا التفريق بين وجود الله، وبين كنهه وماهيته،
وكان لزاما الاعتراف بهذا النقص حتى يعرف الإنسان حده فلا يتطاول على
شيء وهو دونه دونه ودونه. هذه صفة العقلاء، ويبدو أن مظفر النواب لم
يؤت حظا منها، لأنه يعتمد السخرية في حق الله تعالى، وهذه السخرية
أفسدت نصوصه وأدخلتها مزبلة الأدب.
((ويثمل الله سبحانه..)) سبحان تأتي تنزيها، تأتي تسبيحا، وتأتي
تعجُّبا.. وهي هنا مع الضمير لا تفيد تنزيه الله تعالى عن السوء إذ
تقديرها: أتعجب منه، أي من الله لثمالته.
((.. والبلاد التي..)) التي اسم موصول يحتاج إلى صلة وعائد وهو هنا لا
معنى له، إذ كان أولى أن يحذف. و((درجات الكحول..)) تكشف عن نوعية
الخمرة التي لم تصل بعد إلى صفة الخمر حتى تحرم، وهذه سخرية من شريعة
الإسلام، كما أنها فحولة ظاهرة في ثقافة تشير إلى كثرة أنواع الخمور،
فالكحول في الجعة والخمر ليس بنفس النسبة في الويسكي والكونياك.. ولكن
لن يكون مظفر النواب أكثر ثقافة من النُّدُل والبرمانات في حانات الغرب
ومطاعمه.
لماذا لا يتم تناول سلوك الحكام العرب مثلا بمثل ما يتم تناول ذات الله
تعالى؟
ألم يظهر على الحكام ما يوجب تناولهم؟
وإذا تناولوهم، فهل يتناولونهم بمثل ما يتناولون الله تعالى؟
أم أن الحكام يعتمدون قانونا في دساتيرهم يقضي بجعلهم مقدسين، بينما
الله تعالى لا يعتمد تقديسه في أي دستور عدا كتابة عبارة: أن الإسلام
دين الدولة الرسمي في بعض دساتير العرب وهي عبارة كاذبة؟
شعر مظفر النواب قبيح المقاطع سخيف المطالع، هزيل المحاسن سميك
المهازل، يستغلق مفاتح المعاني وطرق المباني، شعره ليس له وصلة من
ملاحة، وما عليه بلة الفصاحة، سقيم الخاطر، تافه النظم، ناضب القريحة،
شويعر شعرور قد ذرت عقله الرياح فبات مبتذل المعاني مشوش القوالب، ليس
على شعره طلاوة ولا حلاوة..
لَبِس مظفر النواب قومه وكان غاشا لهم.
لزم قعْر دونيته فلم يبرح.
.................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:22 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

محمود درويش


وهذا محمود درويش في ديوان محمود درويش صفحة: 24 يقول:
((نامي فعين الله نائمة وأسراب الشحارير )).
ويقول:
((هكذا الدنيا وأنت يا جلاد أقوى ولد الله)) المصدر السابق صفحة: 264.
عين الله نائمة والجلاد ولد الله. هنا في غرناطة أتردد على صديق لي
شيوعي المعتقد من مناضلي إلى الأمام، لم يقبل شعار الملك الحسن الثاني:
إن الوطن ـ أي الحسن ـ غفور رحيم. يعيش هنا مغتربا كما يعيش درويش
هنالك مغتربا، وبالمناسبة فهو من المعجبين ببعض قصائده. كنت إذا غبت
عنه يومين أو ثلاثة، ثم أتيته يقول لي: تظهر مثل الله، وتغيب مثل الله.
وكنت إذا أمسكت بعقله مستفسرا إياه عن مناسبة اختراع مثل هذه الجمل ذات
النكهة الخبيثة؛ تزداد عيناه جحوظا، ويظهر عليه الانفعال، ويستعد لسب
الله ورسوله لولا تحاشي ما يسبب ذلك، فقلت ربما يثوب إلى رشده ويعقل
مثل العقلاء، فاتفقت معه على مناقشة وجود الله لرغبتي في الاعتقاد
مثله، أو اعتقاده مثلي، فأحدنا على صواب، والآخر على خطأ، وابتدأ
الحوار وكان رصينا، فابتدأت تهتز قناعاته، وكنت أناقشه على غرار ما ورد
في فضاء رواية: انتفاضة الجياع، و: نساء مستعملات، فعجز عن الاستدلال،
وافتقد الحجة في إثبات عدم وجود الخالق للكون والإنسان والحياة،
وبُكِّت تبْكيتا، لم يكن يسير نحو الغاية التي رسمناها ـ والسبب في
اعتقادي ضعف قراءته واطلاعه، فالذي يعتبر الأرض كائنة مثلما هي كائنة،
لم تظهر من شيء، ولم يطرأ عليها في تاريخها شيء يصعب تبصيره لفراغه ـ
بل كان يحس تغييرا في عقليته وسلوكه سيظهر عليه، وبحكم العادة المتحكمة
فيه، وبحكم انطواء نفسيته على حقد كخلفية لم يستطع مسايرة النقاش دون
استحضارها، فانقلبت معه إلى متحدّ، وصرت ولد السوق، لأني اشترطت عليه
أن لا يسب الله ولا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، لأن سبهما سب لي
وهو الجبان غير مستعد لاتخاذ إجراء الحياة أو الموت بمعتقده، فتميع
النقاش، وصار يهرب من مناقشتي له، وحين علمت أنه غير جاد تركته ولم
أيأس منه، ولكنه سد عني كل منفذ إلى مناقشة ما يعتقد، ففهمت أنه كان
يستعمل معي مثل تلك الألفاظ استجابة لا عفوية لما يحمل في قلبه من حقد
على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هذا ما ذكرني به درويش في مثل
استعماله كلمات يستخف بها من الله ويستخفي بها من الناس ولا يستخفي بها
من الله خالقه.
إذا استبدلت كلمة الله من فقرته بكلمة الظالم مثلا؛ لأن الله في فقرته
هذه ظالم ولذلك طمئن من يخاطب، فالنوم يحدث الغفلة والغفلة فرصة لنوم
المخاطب، لو استبدلها، واستبدل الأخرى بأن يقول مثلا: أقوى ولد الظلمة،
أقوى ولد الملك، أقوى ولد الحاكم.. لو فعل ذلك لكان كلامه مقبولا،
ولكنه إذ لم يفعل أبى إلا أن يظهر أضغانه مدفوعا إلى إظهارها دفعا.
ألا يحس مثل هؤلاء بالأذى الذي يلحقونه بالناس فضلا عن الكون والحياة
…؟
ألم يجدوا ما يسخرون منه غير من يحبه الناس حبا فوق أنفسهم وأبنائهم
وأهلهم وذويهم؟
أهذا الحب لله ورسوله سبب حقدهم؟
فما يكون أمرهم مع الناس إن هم سوّدوا الله بتسويد وحيه وشريعته في
علاقاتهم بأنفسهم وربهم، وعلاقاتهم بغيرهم من الشعوب والأمم؟
ويقول في نفس المصدر صفحة: 591:
((ولم يسأل سوى الكتاب عن الصراع الطبقي ثم ناداه السؤال الأبدي
الاغتراب الحجري قلت: أي نبي كافر جاءك البعد النهائي)).
ويقول في نفس المصدر أيضا صفحة: 634 – 635:
((يا أخضر ـ الأخضر رمز يمتدحه ويكثر من الثناء عليه ـ لا يقرب الله
كثيرا سؤالي … ولتحاول أيها الأخضر ـ أن تأتي من اليأس إلى اليأس ـ
وحيدا يائسا كالأنبياء)).
ويقول في صفحة: 292 من نفس المصدر كذلك:
((صار جلدي حذاء للأساطير والأنبياء)).
هنا في غرناطة جرى بيني وبين صديقي الماركسي حوار حول الصراع الطبقي،
فصدر عني قول أنه لا يوجد هناك صراع طبقي، المجتمع لا يتكون من طبقات،
يتكون من فئات، فغضب لذلك وطفق يشرح ما يشرح، ثم قلت له: إن كارل ماركس
لا يفهم الطريقة التي بواسطتها يتغير سلوك الفرد والمجتمع، فغضب لذلك
أيضا واستكثر علي أن أتطاول على نبيه بكلام لا يرد عليه إلا بالهروب من
المناقشة، فحاصرته في ماركسية أرادت تغيير المجتمعات ولم تعرف الطريقة
إلى التغيير، زعمت الصراع الطبقي فلم تنتج شيئا على مستوى الأفراد
والمجتمعات.
يذكرني من استساغ عضوية الحزب الشيوعي الإسرائيلي دون أن يدرك كذب
اليهود بتلك التصنيفات في مشهدهم السياسي، يذكرني درويش بصديقي
الشيوعي، فيأخذني بتذكيره إلى يأس الناس من ثقافة التغيير بواسطة أمثال
هؤلاء المُتَثَيْقفين. المثقف بصير أكثر من غيره، أو هكذا يجب أن يكون،
فكيف يسكنه الصراع الطبقي ويظهر على إبداعه وهو مجرد وهم كان يجب أن
يرحل فور النضج العقلي؟ كيف لم ينضج بعد درويش لطرح مثل هذه الخزعبلات،
أم أن الطبع غلب التطبع؟ من كان ماركسيا يحمل صفة المفكر ارتقى فهجر
الماركسية، ومن كان رماديا يحمل صفة المفكر عليه أن يرتقي فيهجر تلك
الثقافة، فلن يتبناها شعب، أو تحتضنها أمة، ليس لأنها فوق إدراك
الناس، بل لأن الناس على بساطتهم عقلاء أكثر من الرماديين.
إذا نظرت إلى المجتمع تجد أنه مجموعة أفراد كما هو مقرر في الفكر
الرأسمالي والثقافة الرمادية، ولكنك إذا نظرت إلى مجموعات يجمعها ركاب
واحد كأن يكونوا مسافرين في طائرة أو باخرة أو قطار يفترض وفق تلك
النظرة أن يكونوا مجتمعا، وهو ليس كذلك..
وإذن فالتجمع لا يدل على مجتمع، جمع أفراد مع أفراد مهما كثروا لن
ينشئوا مجتمعا بتجمعهم، الذي ينشئ مجتمعا هو تبادل علاقاتهم بشكل
دائمي، وتبادل العلاقات بالشكل الدائمي لا ينشأ دون شروط هي: نظام ينظم
علاقاتهم. وحدة الرضى والغضب عندهم أو ما يسمى بوحدة الشعور. وحدة
أفكارهم ومفاهيمهم عن الحياة والكون والإنسان.. هذا هو الذي يظهر
مجتمعا ما، وعليه فإن إقامته يسار إليها بالوعي على هذه الشروط، ثم
ركوبها، وكارل ماركس لم يكن يفقه من هذا شيئا، ولذلك اخترع الصراع
الطبقي، ظل يتخبط فيه الماركسيون مؤمنين بجدواه، فلم يجد شيئا، لأنه
غير مطابق لواقع التغيير، صحيح أن فكر التغيير وجد عند الماركسية، ولكن
الوعي على تركيبة المجتمع انحرف بهم نحو استهداف الغاية على الوجه
السليم، حتى أن نشوء الفكر باعتباره قائما على انعكاس الواقع على
الدماغ زاد من انحرافهم، وكيف لا وهم عمون حتى عن إدراك حقيقة
الانعكاس، انظر إلى الحيوانات كالقطط مثلا، فرؤيتها تعتمد على عين
ثاقبة، فهي تستطيع الرؤية في نور القمر، والسبب هو انعكاس الضوء على
طبقة موجودة في عينها، ولولا تلك الطبقة لكان نظرها ضعيفا، وعليه فعين
الأسد والفهد وكل القطط لها طبقة تنعكس عليها الأضواء، ثم ترتد إلى
الفريسة فتراها بوضوح على مسافة معقولة فتنطلق للانقضاض عليها، هذا
بالنسبة لعين للقطط، أما عين الإنسان فليس لها طبقة عاكسة، فالضوء لا
ينعكس عليها، بل ينكسر، وفرق كبير بين الانعكاس والانكسار، ومن لا يعرف
هذا كيف يستطيع رؤية انعكاس الواقع على الدماغ، هذا غير ممكن، ولو كان
ممكنا لعرفناه بفضل البحوث العلمية المتقدمة عن الدماغ والجهاز العصبي،
تبقى النتيجة أن الدماغ لا يحمل قابلية الانعكاس، فلا تنعكس الأشياء
على الدماغ لأنه لا توجد فيه قابلية الانعكاس، ولا ينعكس الدماغ على
الأشياء لأنه لا توجد فيها قابلية الانعكاس، لا شروط إذن تؤكد حصول
الانعكاس..
إن ما ظهر في الاتحاد السوفيتي سابقا بأن أقيمت دولة ماركسية لا يصلح
دليلا لتفنيد ما نقول، لأن الاتحاد السوفيتي قام بغير الصراع الطبقي،
وقام أيضا بغير الطريق السليم الذي يبني المجتمع بناء جيدا كاملا
مكتملا، ولذلك انهار، انهار لأن الشعب الروسي رغم وطنيته لم يكن موحد
الرضا والغضب، ولم يكن راضيا على النظام، ولم يكن ماركسيا، ومن كانت
هذه صفته لن يدافع عن مبدأ أو دولة أو نظام، فحصل ما حصل، وما يوجد في
بلدان أخرى من تبني الماركسية سينهار هو الآخر، ولكن بغير الكيفية التي
جرى بها انهيار الاتحاد السوفيتي، بل سينهار بتحولات بطيئة تجري عليه
في الداخل، يتحول شيئا فشيئا إلى الرأسمالية، فقد قطع شوطا لا بأس به،
سيزيد من الإسراع في تحوله عن الماركسية تدخل الغرب، وهو يفعل وسيزيد
عندما يفرغ من تشكيل العالم العربي والإسلامي، هكذا يرى، ولكنه هو
الآخر يخطئ الكيفية الموصلة إلى هدفه، وليس هذا مقامها..
..........

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:23 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

ممدوح عدوان


وهذا ممدوح عدوان في الأعمال الشعرية جـ 2 للخوف كل الزمان صفحة: 17 ـ
18 يقول:
((ويباغتني الله في نعمة ـ تنتقي صفوة القوم ـ كيف أصدق أن لدى الله
نبع حنان ـ ولا يتطلع يوما إلى قهرنا ـ ولا يرى البشر الساكنين زرائب ـ
والآكلات بأثدائهن بلا شبع ـ حيث صنعة العهر أمان من الفقر ـ والموت
جوعا ـ وكيف تغافل كي لا يرى الآكلين النفايات ـ في مدن من مناسف ـ لا
يسند القلب من ضعفه ـ تحت عبء النجوم ـ إلهي الذي قيل لي إنه صاغني
مثله ـ كنت أرغب لو صنعته شبهي ـ كنت أسكنته وطن ـ يتفنن كيف سيبكيه
في كل يوم ـ يشكك في خلقه ـ ويطالبه أن يصفق للظالم …))
إلى أن يقول في نفس المصدر:
((تبارك هذا الإله – الذي كان يرفض أن يتمرغ في عيشنا - لم يكن يتقن
اللعب فوق المزابل – لم يعرف السير في قسوة الوعر – لم يعرف النوم جوعا
– ولم يعطنا ما يواجه هذا البلاء – ها هو الله يأتي أخيرا – على هيئة
الطير – ينقر أرواحنا ( تنقر أرواحنا )…)).
لا أحب أن أقف على كلمات بها أخطاء لغوية، فربما كانت غير مقصودة،
وربما كانت من الراقن، وذلك مثل قوله: "كنت أسكنته وطن" وقوله: " على
هيئة الطير ـ ينقر أرواحنا".
هذا الرجل يبدو ضال التوجه، يتطلع إلى الحنان، يتطلع إلى رفع القهر،
يريد أن لا يرى الناس كالأغنام تسكن الزرائب، يتذمر من الآكلات
بأثدائهن ولا يشبعن، يتصور مدنا من مناسف، يبحث عن سند للقلب الضعيف،
وتحت عبء النجوم إلهه الذي صاغه مثله، يبدي رغبته في صنعه على شبهه،
يود لو يستطيع تغيير صورة الله لتصير مثل صورته، يتفنن كيف سيبكيه كل
يوم، يشك في خلقه ويطالبه بالتصفيق للظالم.
هذا التصوير التجريدي ابتدأ جميلا وكان يمكن أن ينتهي جميلا لو عرف
الرجل طريق الجمال، ولكنه يبدو كالجرذ يسلك قنوات تصريف المياه الحارة
لا يعرف غير طريق القذر نحو إنتاج القاذورات.
لماذا هذه السطحية في التفكير؟ لماذا لا يكون الأديب مفكرا قبل أن يكون
شاعرا أو قاصا؟ ما الضمانة في اعتماد الجمال واستهداف الجمال وركوب
الجمال غير الفكر؟
لو أن الرجل كان عميق التفكير ومعه زاد معرفي معتبر لما وضع الشيء في
غير محله، فما يبحث عنه يصنعه الناس؛ كما يصنعون نقيضه، وبهذه المعرفة
وجب الذهاب إلى ما يحقق ذلك باعتماد فكر سليم ومعالجات توافق الفطرة،
وقوانين تملأ القلوب بالطمأنينة.
متى كانت صنعة العهر أمان من الفقر لولا ظلم الإنسان لأخيه الإنسان؟ هل
سن الله قانونا يأمر بالعهر؟ من الذي دفع النساء لاحتراف العهارة غير
الرجل باعتماده الفكر الرأسمالي؟ من أسكن الناس الزرائب غير الجشع
النابت في الفكر الرأسمالي والثقافة الرمادية؟ من يقتل الجياع في
إفريقيا؟ من يحاصر الناس في حدود وهمية تمنعهم من محاولة رفع فقرهم؟ من
يسرق خيرات الشعوب والأمم غير أصحاب الفكر الرأسمالي؟ من المتسبب في
الهجرات القاتلة بضفتي البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، والأحمر إلى
الجزيرة العربية، وحدود المكسيك إلى الولايات المتحدة الأمريكية..؟
يتغافل من يختارك رافدا لقهره وظلمه بثقافتك العفنة كي لا يرى الآكلين
النفايات فذلك يؤذيه، ولو خفي من أمره ما خفي لاستنقص من الناس كما كان
مقررا في اختراع جرثومة السيدا من أجل الإنقاص من سكان إفريقيا...
يتضح لكل متتبع لمسار هذا التوجه أنه حجر الزاوية في تفكير هؤلاء، لم
يتنبهوا إلى الآن أن المعتقد في الله ورسوله يملك مناعة ضد أي ثقافة
تعادي الله ورسوله. لم يتنبهوا لانضباعهم بالفكر الساقط والثقافة
المرذولة أن الإيمان بالله يجده الإنسان في وجدانه، ينكر وجوده وهو
يعلم في قرارة نفسه أن ذلك لا يطابق واقع الكون والإنسان والحياة، فهذه
كلها تستند في وجودها إلى الله تعالى، ولم يتنبهوا إلى أن محمدا صلى
الله عليه وسلم رسول من عند الله يدل على رسالته؛ القرآن الكريم، وحاجة
الناس إلى الرسل.. لم ييأسوا من ضرب الماء ليصلد، فدعهم يضربون ويضربون
حتى يُضربون.
مذموم عدوان يقتات بالنفايات مثلما يقتات الخنزير، ولكن الخنزير ينتج
لحما يهيم به سكان أيبيريا، بينما مذموم عدوان ينتج قيئا وقيحا يشربه
المقربون. خُلوف عقله كخلوف فمه، لا يعاني فسادا في اللثة أو الأسنان،
بل يعاني فسادا في الخَلَد والجنان.
..................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:24 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

محمد علي شمس


ويقول محمد علي شمس في ديوانه: غيم لأحلام الملك المخلوع، صفحة: 31:
((احتفال بمجيء اليل ـ "فطم" احتفلت بمجيء اليل ـ أخذت زينة نهديها ـ
وتعرت ليصير أشد نقاء من قلب الله)).
والله ما صدر عن هذا الشقي ما صدر لولا تبييته ما لا يرضى من القول. ما
معنى أن يتم الاحتفال بمجيء اليل فتأخذ "فطم" زينة نهديها وتتعرى ليصير
أشد نقاء من قلب الله؟ ما معنى ذلك معنى؟ وما موقع ذلك لغة؟
فلئن احتفل بمجيء اليل وأخذت الحبيبة أو العاهرة زينتها كلها وليس زينة
نهديها فحسب ليأتلق جمالها، لتصير زينتها كاملة وأشد نقاء مما يشبه به
فجميل ولو ليس فيه تجريد لغوي، ولكن أن يصير أشد نقاء من قلب الله
فتفاهة أدبية، وسقطة تركيبية، لا يستقيم التشبيه لغة إلا بمن يملك ميلا
إلى الحسد وميلا إلى نقيضه، ميلا إلى الصفات الحميدة، وميلا إلى الصفات
الذميمة، فيكون النقاء صفة حميدة يمكن أن يشبه بها قلب صبي لأنه لا
يعرف في صباه ما يعرفه الكبار من حسد وبغض وكراهية.. وبه يكون قلبه
نقيا، أما أن يسار إلى التشبيه بقلب الله ولو سوّى الكاتب بينه وبين من
يريد التشبيه له أو قلل من شأن النقاء في غير الله وأثبت علوه وكماله
في حق الله، فإن ذلك لا يستقيم، لا يؤتى للتشبيه بصفات الله إلا بإذن
لغوي، وعند المؤمنين بوحيه بإذن شرعي، ولكن التشبيه هنا ليس سواء لأنه
يثبت صفة متعلقة بقلب بشري وينسبها إلى الله تعالى. ولا يقال بأن القلب
كمضغة لا مكان له هنا، لأن المقصود صفة القلب، وليس مضغته، لا يقال ذلك
لأنه لا يرفع التركيب إلى مستوى أدبي مطلوب، ولا يرقى بالذوق نحو
الانتشاء بطعم الجمال في النص الأدبي، وبه يكون محمد علي شمس سنا يدور
في دولاب صدئ قد بلغ الصدأ منه مبلغا سيوقف حركته بعد حين عند ظهور
الممدرية على الساحة الأدبية والفكرية.. وبقراءة أخرى يتقدم النص مجيء
الليل المحتفى به من طرف حسناء محمد علي شمس؛ الآنسة أو السيدة "فطم"،
ومن الإجراءات المصاحبة للاحتفال أخذ الزينة لنهديها، ولا أدري هل هي
امرأة لم تنجب قط فظل نهداها آخذين شكلا غير شكل الولود؟ ربما كان
مقياس الجمال عند محمد علي شمس هو نفس مقياس الغربيات البليدات اللاتي
يتبارين في النوادي وفي مواقع إلكترونية بعرض أثدائهن وقد اختلفت في
أشكالها ليبرهنّ بها على أنها لم تجر بلبن قط، الشيء الذي يبقيها على
أشكال مختلفة عن شكل الثدي الذي لم يمتصه صبي، تارة تكون على شكل
الأصداف البحرية، وتارة أخرى على شكل العَنَفات، وطورا آخر على شكل
إبهام الغوريلا، ولا أعرف المحبب منها للرجال.
أخْذ الزينة، والعُري، كل ذلك في احتفال بمجيء اليل، ولكن ورود لام
العلة في قوله: "ليصير" جعلته يعين ما قبله، فكان المعني هو الليل،
وعليه فالليل هو الذي يصير أشد نقاء من قلب الله. الليل ساتر لأنه يجن
الأشياء، ولكنه غير معني. الليل غير المقمر يبدو جميلا بسمائه وأفقه،
بنجومه ومجراته شرط أن يكون صافيا، بينما أن يكون نقيا، بل أشد نقاء من
قلب الله، فذلك يعني النقاء في ذات الليل خلاف الصفاء الذي هو في ذات
الناظر، صحيح أن الرؤية الصافية تحتاج إلى شروط مشتركة في الناظر
والمنظور، غير أن الليل هو الذي ينظر إليه بصفاء فيه من حيث غياب ما
يحجب الرؤية كالغيوم والضباب والغبار والدخان مع سلامة الباصرة،
والنقاء هو أن تنظر إلى الشيء وليس فيه ما يشوبه، تنظر إليه وهو خال من
الشوائب، وهذا كله أيضا غير مقصود، والنتيجة المقصودة هي الظلمة
والسواد في قلب الله ورجحان أنها أشد ظلمة من الليل، فالليل في نص محمد
علي شمس أنقى من قلب الله وأصفى.
هذا ما يفهم من النص بصرف النظر عن مناقشة مضغة القلب المنسوب إلى الله
تعالى، ودون الالتفات إلى جواز تذكير لفظ الليل وتأنيثه، فإذا تقرر
الذهاب إلى غير هذا الفهم فهو كالذهاب إلى تقويم أسنان الأجنة.
هل سطر ذلك بلؤمه وخسته أم بنذالته ورذالته؟
يد كزماء تسطِّر بلاهة الشمبانزي.
وقدم كرشاء تحمل حوضا يميل صاحبه يمنة ويسرة وكأنه "فطم" قد حملت
بالعهر الثقافي وتنتظر أوان وضعه.
..................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:25 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

سميح القاسم


وهذا سميح القاسم في: ديوان سميح القاسم صفحة: 417 يقول: ((حين قيل
انقضى كل شيء كانت المئذنة شارب الله تحت النعال الغريبة)). قبل أن أرد
وفق ما استقر عليه فهمي لفقرته المذكورة، لا بأس من إيراد فهم آخر
أجعله محتملا، فإذا استقر مكانه فسأبدأ به، وإن لم يستقر مكانه أتحول
عنه إلى ما استقر عليه فهمي. ((..كانت المئذنة (شارب) الله.. لنأخذ
كلمة (شارب) من فعل ثلاثي شرب باعتبارها اسم فاعل من مصدر الشرب،
لنأخذها لتدلنا على صفة فاعل الفعل كما هو مقرر لغة، عندها وجب فهم
الفقرة وفق اسم الفاعل الوارد فيها، فيكون معناها بتعبير آخر: حين
انقضى كل شيء كانت المئذنة منهلا وموردا لله يشرب منها ومكانها تحت
الأحذية الغريبة. هذا الفهم سقيم للغاية وغير مبرر لغة مطلقا، ذلك أن
اسم الفاعل غير المحلى بأل مثل ما معنا في فقرة سميح وهو سليم بخلوه من
أل لا يعتمد الحالة الثانية التي يجب أن يكون عليها حين تغيب الحالة
الأولى وهي: أن يدل على الحال والاستقبال، وأن يعتمد على استفهام أو
موصوف أو نفي أو مبتدأ، وقد يأتي أحيانا للدلالة على المسمى، وعند
النظر إليه لا يظهر فيه حدوث فعل منه كأن تقول: عاد سميح القاسم إلى
مزبلته، ويأتي عاملا عمل الفعل المتعدي ينصب مفعولا به فيجوز أن يضاف
إلى مفعوله إذا جاء تاليا فتقول: أنا قارئ سخافتك يا سميح، أو تقول:
أنا فاضح أمرك للناس يا سميح، وقاصم أدبك. وعند النظر إلى فقرته
المذكورة يتبين أنها واقعة في الماضي الشيء الذي يمنعنا لغة من فهمها
الفهم السقيم المذكور فتكون كلمة (شارب) فيها ليست اسم فاعل، ولن تكون
حالا، والكلمة التي بعدها (الله) مجرورة شارب _ الله _ بنصب شارب، وجر
كلمة الله، والنصب مثل الرفع يقع في الأسماء والأفعال، غير أن ما بعد
شارب وهي كلمة: الله مجرورة، والجر يختص بالأسماء، فكانت كلمة _ شارب _
لفظا موضوعا لجوهر قصد تمييزه، فكان بذلك: الشعر الذي ينبت على الشفة
العليا للرجال، وهذا الأخير هو ما استقر عليه فهمنا وبه نخوض فيه، وإذا
أخطأنا في فهمنا للفقرة، كان ما قيل عنها وبشأنها ملغى من طرفنا،
وليعذرنا القارئ الكريم على ضعفنا اللغوي، فالحداثيون عمالقة في
التعابير التجريدية؛ حتى أن بعضا منهم يزعم استحالة فهم بعض نصوصهم،
فأرجو أن لا تكون الفقرة المقصودة منها. ماذا يقال بشأن هذا الكلام؟
((كانت المئذنة شارب الله)) لله شارب هو المئذنة، وهذا الشارب، هذه
المئذنة تحت النعال الغريبة، تحت الأحذية الغريبة. ما هذا؟ هل هذا أدب؟
هل هذا تجريد لغوي؟ هل هذا تصوير من متخيل ناضج؟ هل هو شعر ـ نثر ـ
يبحث عن الشاعرية فلم يجدها إلا في السخرية من الله تعالى؟ هل إذا
طرحنا الإيمان بالله جانبا ونظرنا إلى هذه الفقرة يمكن أن نتذوقها؟ هل
يمكن أن تثير خيالنا فنركب مع (الشاعر) إلى عالمه المتخيل نستمتع به
معه؟ لا والله، ما هذه الجرأة على الله تعالى إلا متاجرة، يبحثون عن
الشهرة وأن يذكروا بتناول (إبداعهم) من طرف العلماء، يتخذونهم أداة
إعلامية توصلهم إلى أكبر قدر ممكن من الناس، توصل أسماءهم وجملة أو
فقرة من فقرات كلامهم المرذول فقط. استفت إن شئت الناس عنهم، فإن
أسماءهم هي الحاضرة وبعض كلامهم، أما غير ذلك فمنبوذ، إنهم يقرأون
بعضهم بعضا، وينفخون في أدب بعضهم بعضا. الأدب ذوق لطرفين اثنين: ذوق
لمبدعيه، وذوق لمتلقيه حين يتجاوبون معه، فلنحاول التجاوب مع هذا
الكلام على فرض أن الكاتب أبدع فيه وبزّ، ((حين انقضى كل شيء)) الحين
مدرك والجملة مفتوحة وخيالنا يعمل وقد ركب عدة صور للحين ولانقضائه، ثم
((كانت المئذنة شارب الله)) المئذنة شارب الله، أحس بتوقف عن مسايرة
الكاتب، فاللغة التي يستعمل لغة مشتركة بين الكاتب والقارئ، بيني
وبينه، وهي لغة ذات سلطان محترم، أحاول تصور المئذنة شاربا لله تعالى
فلم أفلح؛ ربما لقلة نضجي، ربما يجوز أن يقتعد هذا التصور مقعدا لا
أطاله لعلوه وشموخه، ولكن إذا كانت المئذنة شارب الله وهي لن تكون شارب
قط أو كلب، فلا يمكن للتصوير أن يستقيم بكلمة شارب ومئذنة، فللمئذنة
قابلية للتزاوج والتركيب مع كلمات، ولكنها لا تتزاوج وتركب مع كل
الكلمات في التجريد اللغوي، قد يبدع عبقري فيجعل لها صلة بما قد لا
نتصوره، ولكنه في كل الأحوال يظل مقبولا لغة، وبإذن منها، فالمئذنة
شارب، والشارب مئذنة ليسا من قبيل ما يركب فيعطي جملة سليمة، ليس تضادا
يمكن أن يحلحل صور مخيلتنا. لو فرضنا صورة للجبل على هيئة عضلة حامل
أثقال لكان لنا ذلك، ولكن أن نرى في المئذنة شاربا، وفي الشارب مئذنة
فكما نرى في الخراء عسلا وفي العسل خراء. وأن يكون ذلك ملصقا بالله؛
فهو الاتجار السخيف. وأن يكون تحت النعال الغريبة؛ فهو الإهانة
المرفوضة لكرامة الإنسان، لأنه مصور ومعدل ومركب من طرف هذا الذي يتجرأ
عليه الفارغون، وهو منزه عن ذلك، وعلي علوا لا يطال بفكر أو خيال.. و
يقول في نفس المصدر أيضا صفحة: 325: ((من أي أعماق البشر ـ يتفجر الموت
الزؤام على البشر؟ ـ ولأي كهف ينزوي الله المعفر بالغبار وبالدخان
وبالشرر؟ـ وبأي معراج يلوذ الأنبياء الصالحون؟ ـ غداة تربد الصور؟ـ
بالحظ؟ بالمقسوم؟ ـ بالمكتوب ـ في غيب القدر؟)). ويقول أيضا: ((حراء هل
هجرت حمامتك الوديعة؟ ـ هل جفتك العنكبوت؟ عادت (منى) وأبو لهب عادا
فما تب وتب ! ـ والكعبة استخذت منابرها للغو خوارج ـ لا الله يكبح من
جماح ضلالهم، لا الأنبياء ـ ولا الكتب! ـ واستشهد الأنصار وانهارت
مدينتهم ـ وشرعت المساجد للصوص المارقين !ـ والله أكبر لكنة جوفاء ـ
تطلقها نفايات المسوخ التافهين ـ فاركب بعيرك يا محمد ـ وتعال لي في
الشمس معبد)). المصدر السابق، صفحة: 320 ـ 322. ويقول كذلك في صفحة:
230 من المصدر السابق: ((باختصار ـ يومها كنا رجالا أربعة ـ من صغار
الأنبياء ـ معنا خمس صبايا ـ (حسنا ـ خمس نساء ) حسنا ـ خمس بغايا !)).
لم يكتف سميح القاسم في نصوصه المذكورة بالسخرية من الله وإهانته
سبحانه وتعالى، بل انتقل إلى السخرية من محمد صلى الله عليه وآله
والنيل من الأنبياء والرسل. الله ينزوي في كهف معفرا بالغبار وبالدخان
وبالشرر. في ليلة من ليالي الغضب قامت خلايا السامري تبني بدنا على
صورتين، واحدة لكلب جحا، وأخرى لخنزير راسْبوتينْ، بنته بمخرجين
للفضلات، واحد عند الحبل الشوكي، وآخر عند الفم، يهضم الطعام فيصعد
صعودا وهو يتحول كيميائيا، يحدث في صعوده نحو المخرجين ريحا جالبة
للكلاب الضالة، تتبعها حيثما فاحت.
جاءت صورة البدن على صورة سميح ونزار.. قام في قومه لافتا بشكله،
وجالبا بإنتاجه، أخرج للناس ثقافة لا لون لها، حملوا عليه لأجلها،
فحملها وذهب بها إلى مزبلة الأدب يعفرها في مخلفات بوجدرة وجبرا
ودرويش.. كان لفضلات مظفر وعلي شمس الفضل في تراجع الناس عن حملتهم،
قدمها لهم على طبق من عهر وافد، وبطقوس الركوع والسجود فاستحالت
رمادية.. استساغ القوم تلك الثقافة في غفلة عن جحا، ولما حضر طمعوا في
ترويجها واختاروه على خبرته في الإعلام. كان جحا إعلاميا ناجحا، ولكنه
لم يكن سافلا، كان عاقلا، ولم يكن أحمق، قلبها بين يديه يستعرض ما بها
من أنوار بحسب زعمهم؛ فلم يجدها كذلك، فقال لهم: ((زعمتم نورا يخرج
منها وما أراه)). فردوا عليه: ((إنك أعمى لا تستطيع تحسس النور)).
ـ ولكنني بصير بها.
ـ فماذا بها؟
ـ بها تراشق بالسراب، وتهافت على الخراب.
ـ كيف ذلك؟
ـ يتناقلها أصحابها بينهم، يقرأون بعضهم بعضا، في المحيط لمّاعون لها
من الحكام، ينفذون أمر الاستعمار، يجدّون في مسخ شعبنا بغية إذلالنا
وسلخا لنا من إنسانيتنا، ينبت فيها المثقف وهو ممسوخ، تشوّه صورته،
وإذا سعيت إلى تجميلها وجملتها؛ ظهرت على شكل قالب لمقاييس الزينة
والجمال ينضبع به التافهون الخاوون. حمل تلك الثقافة ودار بها، وكلما
مر على قوم يبشرهم بها نبهوه لما يحمل، وحذروه مما يشيع، لم يحفل بهم،
استمر على حاله فشرع يكلمه الموتى، ولما صار يجد أصواتا فوق قدرة سمعه؛
رمى بها وكان على واد العدم، فرجعت إليه وقد ألقت بها مزبلة التاريخ
رافضة فسح المجال لها في ملكيتها، فحملها مرة أخرى على مضض، وسار بها
كما لو كان أحد ابني آدم وأصوات الموتى ما تزال تدكّ سمعه حتى أصمّته،
عندها لم يعد يجد أثرها في سمعه، فصار حاملا لتلك الثقافة وهو أصم،
وكلما احتج عليه أحد من الأحياء أو الأموات سخر منه واستأنف سيره. طاف
طاف ولم يزل، حملها ولم يزل، وحين ناء بها عجز عن إيجاد مزبلة لها،
انكوى بدونيتها، ندم على حملها، فكان لها في الأخير مزبلة. إن عمل
الرماديين تجارة، كلما ظهرت سلعة جديدة أو سلعة قديمة أحيتها الموضة؛
تهافتوا عليها، فإذا كسدت مثلما كسدت سلعة الفكر الاشتراكي والثقافة
الاشتراكية تنحوا عنها وبحثوا عن غيرها، منهم من يتخفى الآن خلف
القومية الأمازيغية في المغرب متأخرين جدا عن الذين تخفوا خلف القومية
العربية ونفضوا أيديهم منها في المشرق، ومنهم من يتخفى خلف سقط الفكر
وتبن الثقافة.. لا يملكون عقولا تفكر وتبدع، ينتظرون الغرب؛ يفكر لهم،
فيسوّق سلعته بواسطتهم، ينهضون متحمسين، عندها يبدعون سبا وشتما وسخرية
واستهزاء.. لا يتقنون غير ذلك، ولا يعرفون سوى إيذاء الناس في
معتقداتهم، لا يبدعون سوى الرمم.
..................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:27 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

أنسي الحاج


وهذا أنسي الحاج في مجلة الناقد العدد 18 كانون أول 1989م 1410 هـ
يقول:
((وحده الشعر عرف الحقيقة البشعة، عرف كل الحقيقة، أكثر من الأنبياء
والآلهة)).
عجيب أمر هؤلاء، وأعجب من ذلك سطحيتهم. فمتى كان الشعر معرفا للحقيقة؟
متى كان الشعر أداة بحث ووسيلة تنقيب عن الحقيقة؟ متى كان النص الذي
يعبر به صاحبه عن ذاته معرفا للحقيقة؟ الشعر تعبير عن الذات، والحقيقة
نتيجة تعبير عن الواقع، الشعر يقرب الحقيقة إلى الناس وقد يبعدها
لطمسها وإتلافها لأنه خدام العواطف والمشاعر بينما الفكر غير ذلك،
الفكر عمل العقل يخاطب العقل ويهتم للحقيقة والحقيقة فحسب، ولا يبالي
بتأثيرها على المشاعر أم لا، بينما الأدب بما فيه الشعر لا يسلك مسلكه.

فما هذا من رجل يفترض أن يكون مثقفا؟
ولكن لا، فقد أشرت إلى خلل موجود في أكثر المثقفين اليوم وهو غياب صفة
المفكر فيهم، فلو كان أنسي الحاج مفكرا لما قال كلامه هذا، ونحن لا
نحسبه إلا طبل كانكا يستعدي الناس على الحقيقة.
إذا كان الشعر وحده قد عرف الحقيقة البشعة، عرف كل الحقيقة أكثر من
الأنبياء والآلهة فهذا كلام دال على إقرار بوجود أنبياء وآلهة، فوجود
أنبياء وآلهة معا لا يستقيم، إذ كيف يكون هناك نبي لآلهة مزعومة؟ وإذا
تقرر أن تكون الآلهة من لحم ودم حتى يكون الأنبياء هم المبشرون بتعاليم
الآلهة، فهذا كلام لا يستفيد منه من يسعى إلى معرفة الحقيقة، هذا ضرب
من القذف غير المتقن، ماذا يحمل المرء من حقيقة في هذا الكلام؟ أحسبني
أمام جمع من لبنات الثقافة الرمادية لا ينفعون ولا ينتفعون. أحسبني
أمام صم بكم وعمي.
"فالنصوص الأدبية من جهة العبارات التي يصوغ بها الأديب فكره، ويخرج
بها صور ذهنه، وعنايته بهذه الأخيرة، ثم اختياره للأفكار هي وجه
التمييز فيها عن غيرها من النصوص غير الأدبية كالنصوص السياسية
والتشريعية والفكرية..
وهمّ الأديب من الفكرة في نصوصه الأدبية هو محاولته الوصول إلى القدرة
على صياغتها وإخراجها في الصور المثيرة والمؤثرة، لأن الأصل في هذا هو
التعبير والتصوير، تصوير ما يريد منه تصويره، ثم إخراجه في صورة أدبية
متمثلة في فنون الأدب شعرا أو نثرا.. وإذا وقفنا على فكر معين أثناء
قراءتنا أو سماعنا للنصوص الأدبية، فإننا نجد أكبر همّ الأديب يكمن في
الصورة والتركيب، فما الأفكار إلا مادة من المواد التي يجب أن تكون
صالحة للتصوير، وإلا فإن الأديب مضطر للبحث عن غيرها والتي توجد فيها
قابلية التصوير حسب قدرته على رؤية ذلك ممكنا؛ فيعمد إلى تصويرها. وهو
وإن وقف بنفسه على خطأ الرؤية أو فساد الفكرة وكانت صالحة للتصوير،
فإنه لا يبالي بفسادها وخطئها، ولا يتوخى الصحة والصدق، بل يحرص على
صلاحيتها للتصوير وعدم صلاحيتها لذلك إلا ما ندر من الأدباء". التفكير
بالنصوص للمؤلف، الطبعة الأولى: 1999 صفحة: 15 ـ 16.
وحده الشعر عرف الحقيقة البشعة، وحده الشعر، يا سلام، ليس هناك فكر
يرشد إلى الحقيقة ويجليها، بل هناك شعر، والشعر فقط، ما هذا الحصر من
(شاعر) يفترض أن يجلس على كرسي التتويج؟
والحقيقة البشعة، الحقيقة البشعة، كيف تكون الحقيقة بشعة وهي حقيقة
وحقيقة فقط لا تبالي بأي شكل من أشكال التنميق في أداة التعبير؟ حتى
الكلمات قد لا تكون فصيحة، ولكنها ما لم تخل بإيصال الحقيقة وإيضاحها
فهي مقبولة، زد على ذلك أن الشعر والأدب لغة العاطفة، بينما الفكر لغة
العقل، والإنسان عقل ومشاعر، فكيف تم حصر الإنسان في العاطفة التي
يخاطبها الشعر والأدب، ثم ينتج عنها الحقيقة بصرف النظر عن كونها بشعة
أو غير بشعة؟
كلا، لا يكون هذا أبدا لأنه مخالف للواقع.
............

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:28 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

سيد بحراوي


ويقول سيد بحراوي في كتابه: البحث عن لؤلؤة المستحيل صفحة: 142:
((وقصة طوفان نوح هي قصة أسطورية وردت في التوراة والقرآن وفي أساطير
شعوب أخرى…)). اعتبار قصة طوفان نوح أسطورة واردة في التوراة وفي
أساطير شعوب أخرى لا كلام فيه، ولكن أن يقرن معها القرآن الكريم ففيه
كلام، ذلك أن التوراة كتاب ألفه جمع من المشعوذين والمغفلين مثله مثل
عشرات الأناجيل، وهذا لا يعني إنكار التوراة التي يشير إليها القرآن،
وكذلك الإنجيل فذلك غائب غائب وغائب، وعليه فكل قول من توراة مزعومة،
وكل قول من إنجيل مزعوم مردود ما لم يقر به القرآن، والقرآن هنا أقر
بطوفان نوح، فيكون دليلا عليه، ويكون ما ورد في التوراة يأخذ مصداقيته
من القرآن، وتكون القصة غير أسطورية، هذا هو منطق الكلام الذي يؤسس
للحقيقة. أما الكلام الوارد على لسان بحراوي فقد شبعناه وتخمنا منه ولن
يعوضنا أحد الوقت الثمين الذي قضيناه نادمين في قراءته من أفواه
المستشرقين وكتبهم والحقدة الذي يرددون أقوالهم ويتطوعون لنشر سقَط
كلامهم، ولا جديد فيه، لا جديد يضيفه إلينا من يتاجر في الأنبياء
والكتب السماوية واسم الجلالة. لقد سبقه إليها كثيرون. فهذا طه حسين
ينكر قصة إبراهيم وإسماعيل ويعتبر ورودها حيلة لإثبات الصلة بين اليهود
والمسلمين في إبراهيم وإسماعيل الذين بنيا الكعبة، فهي عنده أسطورة مثل
أساطير اليونان علما بأن القصة واردة في القرآن، فيكون بحراوي بوقا
مثقوبا وصل خواره متأخرا. إن ربط الطوفان من طرف بعض العلماء بظاهرة
جيولوجية قد يكون، وربما لا يكون، والصواب أخذ ذلك من منطلق أن الله
تعالى حين يقرر معجزة يأتي بها خارقا قوانين الكون والطبيعة، فالبحر
الميت وكونه نتيجة زلزال لا يختلف عن كونه نتيجة تدمير الله لقرية سدوم
حيث عاش قوم لوط بالأردن، والزلزال نشاط جيولوجي يبدأ من زمن وفي مكان،
ثم ينتهي بما نشاهد، لا، ليس هكذا ينظر إلى الحقائق.
الطوفان معجزة لأنه إن ذاب كل جليد الأرض لن يحدث مثله مع العلم أن ماء
كوكب الأرض منذ كان إلى يومنا هذا لم يتناقص، هذا ما قرره العلماء
الباحثون، وعليه فلو ذاب كل الجليد وانضاف إلى الماء لما استطاع
الارتفاع إلى مستوى الجبال، فكل جليد الأرض إذا ذاب لا يرفع مستوى
البحر إلا بمقدار مائة قدم، والقدم في القياس سنتمترات معدودة، أو هو
ما بين طرف إبهام الرجل وطرف العقب، وإذا تغير رأي العلماء وقال
بارتفاع الماء إلى عشرات الأمتار والمئات فلن يصل إلى علو الجبال،
والطوفان يتحدث عن إغراق الجبال، وليس إغراق الربى والتلال والهضاب،
والجبل يبدأ من 305 أمتار أو 610، ويتحدث عن أمواج كالجبال، ولنا أن
نتصور أمواجا بعلو ثمانية كيلومترات، هذا مستحيل، ولكنه قام في زمن
الطوفان، فيكون الماء الذي على كوكب الأرض غير قادر على إحداث الطوفان،
ويبقى أن باطن الأرض يحتوي ماء، وهو ما تشير إليه الآيات حين أمر الله
الأرض أن تبلع ماءها، أمر السماء أن تقلع وإقلاعها إقلاع عن المطر الذي
تستلمه بعملية البخر، ولكن إخراج الأرض لمائها هو ما يجب بحثه ودراسته،
وأنا أتساءل مع المهتمين قائلا: هل إن ما يحتوي عليه باطن الأرض من ماء
مع ما هو موجود فوق ظهرها وذوبان ما هو جامد في القطبين يستطيع الوصول
إلى مستوى الجبال؟ أو بتعبير آخر: هل يستطيع تغطية الهمالايا وهي بعلو
يزيد عن ثمانية كيلومترات؟ هل سنستقر على جواب يقرر أن ماء كوكب الأرض
الذي على ظهرها والذي في باطنها والجليد المذاب في كل مكان مادام مكونا
فيها ومستخرجا منها بنص القرآن الكريم كشفه العلم الحديث يغطي جبال
الهمالايا؟ وإذا لم يغطها بتقدير العلماء والباحثين فمن أين جاء ماء
الطوفان؟ هل إذا لم يغط ماء كوكب الأرض جبال الهمالايا تكون الجبال في
زمن الطوفان غير بالغة ما هي بالغة إياه من علو في يومنا هذا؟ وإذا
كانت تبلغه وبقي نفس الإشكال، فهل كانت أحواض المحيطات والبحار ضحلة
وبعمق بسيط يمكن من ارتفاع المياه إلى مستوى الجبال؟ وهل كان الطوفان
بالماء كل الماء بما فيه مياه البحار والمحيطات؟ أتمنى أن أجد أجوبة
على أسئلتي. القرآن الكريم يبحث فيه كونه كلام الله أم لا، وعند
الإقرار بإحدى النتيجتين يقال ما يقال، لكن أن لا نبحث القرآن من هذه
الطريقة، وأن لا نثبت بشريته، ثم نبدي ما نبدي متقولين فهو الحقد وكفى،
لا، على الحقود أن يعمل عقله بين الحين والآخر لعل إعمال عقله في
الأشياء يسعفه بنور يتبعه حتى الضياء.
ليس سيد بحراوي في شكله أقبح من الجاحظ، بل هو في دمامة عقله، وشناعة
قلبه أقبح من أبي زنة
................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:29 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

محمد الفيتوري


وهذا محمد الفيتوري في ديوان الفيتوري صفحة: 1/ 113 يقول:
((والنبوات مظلة
ـ والديانات تعلة
ـ هب من كل ضريح في بلادي
ـ كل ميت مندثر
ـ كل روح منكسر
ـ ناقما على البشر
ـ كل أعداء البشر
ـ كافرا بالسماء
ـ والقضاء والقدر)).
الكفر بالسماء كلام مجرد لا يحاكم صاحبه عليه لأنه مفتوح، والنصوص
المفتوحة لها عدة تأويلات، وما تنطوي عليه النفس لمعرفة حقيقة مثل هذا
الكلام يسار إليه بكلام آخر حتى يفسر، لا يهمنا، ولكن الكفر بالقضاء
والقدر كفر بواقع يعيشه الإنسان ويعيشه الكون وتعيشه الطبيعة..
فالقضاء لفظ مشترك يعني الكثير ويهمنا منه ما عناه الكاتب، ولا أعتقد
عنايته به غيره وهو أن ما يقضى به على الإنسان قضاء، فالإنسان قدم إلى
هذه الدنيا مرغما، على غير إرادته إذ لم يخيره أحد، وعليه فقد قضي ذلك
قضاء، وسيرحل عنها مرغما أيضا وهنا يحاول أن لا يرحل فيقهر على الرحيل
قهرا، ويحمل عليه حملا، وعليه فقد قضي عليه في ذلك قضاء، وطوله الذي هو
عليه الآن مقضي عليه فيه. وإذا تحكم في إفراز هرمونات الغدة الدرقية
ليظهر إنسانا قزما، فإن الذي يأتي متصرفا في غدته وهرموناته يكون قد
قضي عليه ذلك قضاء في شأن لا يقتضيه نظام الوجود، في شكل تدخل الإنسان
فيه، ومع ذلك فهو قضاء ولو وقع من الإنسان على الإنسان وهكذا، وإذن
فالقضاء شأن حياتي تخضع له الكائنات الحية والجمادات، وهو قوة قاهرة
يظهر للعاقل أنها فوق الكون والإنسان والطبيعة..
وأما القدر فهو أيضا من الألفاظ المشتركة، وأحسبه هنا يعني به المكتوب.

فالمكتوب أيضا قضاء من نوع آخر، انظر إلى سنك قانونا تعاقب به المخالف،
فهل ما سيأتي به المخالف غائب عن علمك؟ كلا، وإذن فالقدر علم بما يقوم
به الغير، وهذا أعتقد ليس من اختصاص البشر، لا يستطيع أحد معرفة ما
سيفعل الآخر، ولكنه إذا قدر شيئا ورتب عليه عقوبة فسيتصور سلوكا يأتي
به المخالف، وهو في الإسلام علم الله تعالى، فالله قد كتب في لوحه
المحفوظ أن الرماديين سيقولون كذا وكذا، وسيفعلون كذا وكذا، سبهم له
وإهانتهم إياه سبحانه وتعالى باختيارهم، لأن لهم إرادة الاختيار التي
تقع في دائرة القضاء الذي إن وقع يسحب منهم اختيارهم؛ فلا يعاقبون
عليه، وعليه فالكفر بالقضاء والقدر، والكفر بالله والملائكة والنبيين
والآخرة معلوم عند الله ومكتوب لديه في لوحه المحفوظ. فقد كتب أن كل ما
ذكر سيقع بإرادة هؤلاء واختيارهم، وهذا لعمري منتهى العدل، فلا يعاقب
إنسان على فعل لا خيار له فيه، بل يثاب في شريعة الإسلام.
المعلم والأستاذ يعرف النبهاء من تلاميذه، وحين يأتي الامتحان يمتحنهم
أساتذة آخرون، وإذا سألته عن نتيجة امتحاناتهم قبل أن تحصل فسيقرر أنهم
سينجحون، ويكون كذلك، هذا علم بسيط ممن يملك معلومات عن تلاميذه، يعرف
قدراتهم، مستوى فهمهم، يعرف حفظهم ونباهتهم؛ ولذلك يقرر وفق ما علم،
فيكف يكون المحيط بكل شيء علما؛ الله تعالى؟.
..............

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:32 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

وفاء سلطان


في العدد 148/ 18 ـ 24 أبريل 2008 لمجلة نيشان نُشر حوار مع ((الطبيبة
النفسانية)) الأمريكية الجنسية: وفاء سلطان، أجرته معها: فدوى مساط
لحساب نيشان في واشنطن.
ابتدأ الحوار بالسؤال عن مشاركة وفاء في مؤتمر فلوريدا السنة الماضية
عن الإسلام العلماني، وهل هي مسلمة علمانية؟ فردت بقولها:
"أنا امرأة علمانية الفكر والهدف، مسلمة التربية والنشأة، لقد قضيت
ثلثي عمري كمسلمة… الإسلام تاريخي ولهذا التاريخ دور في أن أكون من أنا
اليوم".
إن الطرح في هذه الفقرة باطل من أساسه، ذلك أن الأمر لا يتعلق بالرمز
ولا بالكناية، بل هو للحقيقة والحقيقة فقط، أضف إلى ذلك عنصر الجانب
الفكري الذي يحكم النصوص بالعقلانية، وعليه فطرح الإسلام العلماني
يقابله الإسلام غير العلماني، والإسلام الرأسمالي يقابله الإسلام
الاشتراكي، والإسلام المتطرف يقابله الإسلام المعتدل وهكذا علما بأن
الاعتدال لا يأتي مناقضا للتطرف كما في منجد الطلاب وهو بمعنى تجاوز حد
الاعتدال، لأن التطرف في لسان العرب وهو قاموس معتبر عن منجد الطلاب،
بل منه كان يجب أن يعتمد صاحب المنجد لشرح كلمة التطرف، أقول: إن
التطرف في لسان العرب يعني غير ما قصد به تضليل الناس، فالمتطرِّف هو
الذي لا يثبت على أمر. والمُطَرِّف من الرجال هو من طرَّف حول القوم،
أي قاتل على أقصاهم وناحيتهم، وبه سُمِّي. وتطرَّف الشيء صار طرَفا.
ولا يقال مثلا: جلس متطرفا ويعنى به أنه جلس في أقصى الطرف، لا يقال
ذلك، بل يقال: جلس متطرفا في أقصى المجلس، أما أن يقال جلس متطرفا
فمعناه جلس في طرف لا يعلم مداه، ولكي يتعين يجب ذكر المدى وتحديده
تقديرا بالكليات، أو بالجزئيات، كما يمكن تقديره بالأرقام والأطوال
والأعراض.. وإلا فهو بمعنى الطرف والطرف فقط، أي الجانب والناحية
بالنسبة للمكان، والقطعة والطائفة بالنسبة للناس إذا طرفوا، أي مالوا.
وتطرَّف عليهم أغار، وطرَّف الشيء وتطرَّفه بمعنى اختاره، ولم يرد شيء
مما يروج لكلمة التطرف في القواميس التي تفصل الخلاف على ألفاظ اللغة
ومدلولاتها، وينسحب الأمر على كلمة الاعتدال أيضا، فالاعتدال بمعنى
التوسط بين حالين لا يصلح للإنسان، يصلح لطعام الإنسان ولباسه، فالتوسط
في وضع الملح في الطعام يجعل الطعام معتدلا، والتوسط في اللباس يجعل
لحركة الإنسان طلاقة مطلوبة، والاعتدال في الجو يجعله مناسبا للجسم
بحيث لا يحتاج الإنسان أن يتدثر ويلبس الخشن اتقاء للبرد، ولا يتعرى من
القيظ، بل يترك عليه لباسا مناسبا للحرارة والبرودة، ولكن إذا تجاوزت
ذلك إلى المواقف والأفكار والمفاهيم لا تجد للاعتدال معنى، فالتوسط
مثلا بين الظالم والمظلوم لا يقيم الحق، واتصاف المرء بالوسطية يجعله
يقف كعقرب الميزان لا يميل إلى هذا ولا إلى ذاك، حتى الكيل عقلا ومنطقا
لا ينبغي أن يجعل المرء ميزانه يتوقف عند الوزن بثبات العقرب في الوسط،
فلو حصل كان الوزن تطفيفا وبخسا لأنك بوقوفك ذاك تجعلك غير منحاز،
والانحياز يقتضي إقامة الحق، والحق في أن توفي الكيل والميزان لا أن
تبخسهما، وكل ذلك لن يحقق العدل، ولا يقيم الحق، فوجب أن لا يكون
الإنسان معتدلا، فلا بد له من الانحياز، فالقاضي في المحكمة منحاز إلى
الحق، ومواقف الإنسان تدل على انحياز، فإذا اعتدل لم يكن مع هذا ولا مع
ذاك، فهو حينها سلبي لا رأي له ولا موقف، وهذا ليس مطلوبا، أما إذا
انتقلت إلى ما يسمى عندهم بالوسطية وانخداع كثير من علماء الإسلام
والدعاة بها، ثم نعت الإسلام بالوسطية تجدهم بنعتهم يستعملون ألفاظا في
غير محلها، فالوسطية لغة لا علاقة لها إلا بالعدل والشهادة، فهي لغة لا
تعني الاعتدال أبدا إلخ، هذا يفتح باب النقاش على مصراعيه لاختراع
أفكار ومفاهيم لا واقع لها من حيث انطباقها على واقع الإسلام، لأن
الإسلام إسلام وكفى، متميز مستقل متفرد معلوم غير مجهول، فإن كان
علمانيا، فهو علماني، وإن لم يكن كذلك، فهو كما هو، والناظر المدقق
لمنظومته العَقَدية والفكرية والحضارية يجد نفسه راكبا بساطا لا يترك
ناحية من نواحي الحياة إلا وغطاها، وبذلك تنتفى عنه العلمانية، وما
ادعاء العكس سوى سطحية ممارسة من طرف الجهَلة، أو خبث نفسي يملأ قلوب
الحقَدة، ما هو إلا تزوير للحقيقة، وعليه فلا مجال لعقد مؤتمر عن
الإسلام العلماني، كما لا مكان لمناقشة مثل هذا الطرح لأنه غير واقعي.
وأما قولها بأني علمانية الفكر والهدف مسلمة التربية والنشأة فهو قول
يحتاج إلى استقامة حتى يمكن مناقشته، فكون المرأة مسلمة فلا كلام، ولكن
بحصره في الماضي، لأنها لا تعترف اليوم بالإسلام، بل ترفضه وتحاربه،
ومن يفعل ذلك لا ينتسب إليه، ومن يسعى إلى إلصاقه به، فهو في الخبث
يقعد، وفي التضليل يقبع، لأن كوني مسلما في الماضي، ثم تحولت عنه إلى
النصرانية مثلا أو اليهودية، أو كنت ماركسيا، ثم تحولت عنها إلى
الإسلام، أو كنت مسلما، ثم تحولت عنه إلى العلمانية، كل ذلك يؤخذ في
سياقه؛ وينظر إليه كما هو حيث هو، وأما التغيرات الطارئة فيجب أن تتبع
سياقها هي الأخرى، فإن كنت مسلما، ثم صرت ولا زلت علمانيا لا يمنحني
المطابقة في القول أني مسلم بمعية التناقضات بين الإسلام والعلمانية،
قس على ذلك كل فكر وكل ثقافة وكل حضارة وكل عقيدة تتناقض مع غيرها،
وعليه فقد كانت وفاء مسلمة، وهذا لا تعليق عليه وقد أعلنته المرأة
بنفسها، وأما القول بأنها مسلمة اليوم فهذا هو الخطل عينه ليس لأنها
ترفض الإسلام، بل لأن الإسلام صفاء ونقاء لا يلتقي مع القذارة
والأدران، فلا قيمة لإسلامها، كما لا قيمة لإلحادها، وإذا أمكن توزيعها
بين الإسلام ونقيضه، فإن الفيتو الأمريكي سيرتفع، ولا داعي لإثارة فكرة
التكفير التي يتذرع بها من لا يعجبه مثل هذا الكلام، فالإسلام إسلام
يتناقض مع العلمانية بتدخله في جميع مناحي الحياة، والعلمانية علمانية
بفصلها الدين عن الحياة، فالإسلام فكر وثقافة وحضارة وعقائد وأحكام
وأنظمة لقضايا الناس وشؤون الحياة..
انظر إلى سطحية المرأة وبعدها عن الدقة والتحديد في قولها: "…علمانية
الفكر والهدف" وتساءل كيف يكون الإنسان حاملا فكرا وثقافة وحضارة وهو
يمارسها في حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية… ثم يكون علمانيا
في قلبها؟ كيف تتأتى العلمانية في الفكر؟ وكيف تتعلق العلمانية بالهدف؟
هذا الكلام لا يقول به عميق الفكر، واضح العبارة..
وأما قولها بأنها مسلمة التربية والنشأة، فهو مثل قول الذي اعتنق
الإسلام بأنه قد كان مسيحي التربية والنشأة، أو يهودي التربية والنشأة،
أو ماركسي التربية والنشأة، وهكذا.
وأما قولها بأن الإسلام تاريخها وأن له دور في أن تكون من هي اليوم،
فقول تافه، لأنها ليست نتاج الإسلام، إنها نتاج نفسها، ونتاج المجتمع
غير الإسلامي، وأنا هنا أتحدث عن سلوك الذهن، وسلوك الجوارح، فهما لا
يتحركان إلا بالفكر والمفاهيم، والمرأة لها اليوم مفاهيم غير إسلامية،
وعليه فقد انقطع الحبل بينها وبين الإسلام، هذا من جهة، أما من جهة
كونها جزءا من تاريخ الإسلام، فهو قول بالتبعية والتقليد، ولقد تجاوزته
المرأة باختيارها غير الإسلام دينا وسلوكا لها، وعليه فالمتلقي ينتظر
قولا جديدا ناضجا لا قولا يقول به الطفل وهو قولها هذا.
وحين سئلت عن دراستها لكتب التفسير أجابت قائلة: "درست كتب التفسير من
ألفها إلى يائها" ويفترض بهذا الكلام وهو بتاريخ الاستجواب؛ أن تكون
المرأة قد اطلعت فعلا على جميع كتب التفسير، لأن عبارة: من ألفها إلى
يائها تفيد الابتداء بمنته، والانتهاء بمبتدئ، لأن حروف اللغة العربية
مبتدئة ومنتهية في حدود 28 حرفا، كما تفيد الحصر بالكناية، ومعنى ذلك
أنها قد درست جميع كتب التفسير دون استثناء، ونحن نصدقها في قولها،
ولكننا نحصر دراستها في قراءة العناوين فقط، بل حتى العناوين لم تمر
عليها جميعها، لأن منها ما لم يصلها، لأنه لا يزال مخطوطا، وهي لم تصل
إليه بعد، فكفى كذبا، وكفى استغباء للناس.
الفكر والحديث الفكري دقة وتحديد وبلورة.. انظر إلى قولها: ".. أجمعت
معظم كتب التفسير، إن لم يكن كلها، على أن المقصود بالسفهاء هم النساء
والصبيان.." انظر إلى تعبيرها: "إن لم يكن كلها" إنه تعبير يفيد الشك،
وهذا يدل على أنها لم تطلع على جميع كتب التفسير، بل لم تطلع حتى على
تلك التي "سفّهت" النساء والصبيان، وهذا هو التناقض عينه مع قولها:
"درست كتب التفسير من ألفها إلى يائها" هذه المرأة يكذب عليها لسانها،
وهيهات أن ينطلي علينا كذبها..
وأما طعنها في كتب التفسير فليس سوى حقدا وكراهية، لأن الناقد الحق لا
يعبأ بالنتيجة التي تأتي بعد نقده أو نقضه، ولكنها لا تسلك سبُل النقد،
ولا سبل التبكيت بالحجة والبرهان، إنها تسلك سبل السبّ. ماذا لو أجمعت
جميع كتب التفسير على اعتبار السفهاء هم النساء والصبيان علما بأنه ليس
بهذا الإطلاق، ثم نقضتهم جميعا؟ فكتب التفسير اجتهاد مجتهدين، وأقوال
مفسرين، وهم بشر يصيبون ويخطئون، ثم إنه إن تناولنا قول الله تعالى في
سورة البقرة: "وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنومن كما آمن
السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون" الآية: 13. انظر إلى كلمة
السفيه في القرآن ودقق في استعمالاتها، فالمدعوون للإيمان يعتبرون
المؤمنين سفهاء بدليل قولهم: أنومن كما آمن السفهاء" فالذين ينعتون
الناس بالسفاهة هنا هم أولئك الذين لم يقبلوا الإيمان بالله ورسوله
واليوم الآخر، وهم أناس، والذين آمنوا أناس، ولكن اسم السفاهة أطلق من
طرف غير المؤمنين ليلصق بغير النساء وبغير الصبيان، فالذين آمنوا بمحمد
صلى الله عليه وسلم شباب مثل: سعد بن أبي وقاص، ورجال مثل: أبي بكر
الصديق، وأطفال مثل: علي بن أبي طالب، وعليه فاسم السفاهة يلصق بأبي
بكر وهو فوق الأربعين من العمر، كما يلصق بحمزة وعمر وعامر وسعد وطلحة
ومصعب وغيره، هؤلاء هم السفهاء بلسان المشركين، والإسم لأهل اللغة؛
العرب الأوائل قبل فساد اللسان العربي، وإذن فالسفاهة اسم، والسفَه
مصدر، والسفيه صفة مشبهة باسم الفاعل وهو الرجل والمرأة والطفل، انظر
إلى اسم السفاهة في المقابل: "ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون"
فالله تعالى جعل السفاهة لاصقة بهم، فهي اسم لهم، وقد سماهم رجالا
ورجالا فحسب، فأين النساء هنا؟ وأين الأطفال؟
إن السفاهة لغة ليست صفة للجنس، بل هي اسم، والسفَه مصدر يعمل عمل فعله
مثل قولنا: ترك نوال السفه فضيلة، والفعل المسفَّه لا يأتي إلا من غير
الناضج، فوفاء هنا سفيهة فكرا ولغة..
لا تنحني يا وفاء من شدة الإعجاب بخوائك المعرفي، بل انحني خجلا من
سفاهتك الفكرية والثقافية..
ما أعجب جوابك عن سؤال فدوى الثالث. ما أعجب ما تحملين في رأسك الذكي.
تقولين أن: "الإسلام جهاز عقائدي مسؤول أولا وأخيرا عن انحطاط الإنسان
المسلم فكريا وأخلاقيا، لقد شوه الإسلام المفاهيم وسمى الأشياء بغير
مسمياتها".
أمرك عجيب والله، "الإسلام جهاز عقائدي انحط بالمسلمين فكريا وأخلاقيا،
وشوه المفاهيم، وسمى الأشياء بغير مسمياتها". لنقف قليلا هنا. كيف يكون
الإسلام مسئولا عن انحطاط المسلمين فكريا وأخلاقيا وهو جهاز عقائدي؟
كيف يتأتى للجهاز العقائدي أن يتسبب في انحطاط وهو جهاز عقدي يفترض أن
لا يمس الحياة كلها، يفترض أن يظل حيث هو في رعاية علاقة الإنسان بربه،
أو علاقته بما يعتقد وبمن يعتقد؟ ولو كان غير ذلك ـ وهو كذلك بالنسبة
للإسلام ـ فيفترض أن لا يكون جهازا عقائديا فحسب، بل جهازا عقائديا
ومفاهيميا وفكريا وثقافيا وحضاريا إلخ، وهذا يسمح لنا باتهام المرأة
بالسطحية وعدم الدقة وهي تتناول موضوعا فكريا يفترض فيه الدقة
والتحديد، وكم أنا ضجر من متابعة نقضي ونقدي لهذه المرأة مع إشفاقي على
وقتي الثمين.
الإسلام شوه المفاهيم، هذا القول مردود. الإسلام خالق المفاهيم، ومُقر
مفاهيم، وناسف مفاهيم وليس مشوِّهها، الإسلام ينأى بنفسه عن العمل
الوضيع، الإسلام يسمي الأشياء بمسمياتها، فالمشوه مشوه يعلن تشويهه
ويعمل على تقويمه. والإسلام خالق مفاهيم باحتوائه على منظومة ربانية
خالف بها الناس وحملهم خيارا على اعتناقها إذا كانوا مسلمين. والإسلام
مقر بمفاهيم إنسانية، ولكنه قد هذّبها ونقّاها وقوّمها فأصبحت مفاهيمه،
فعل معها مثلما فعلت اللغة العربية بالتعريب حتى صارت الألفاظ المعربة
عربية. والإسلام ناسف مفاهيم، وليس مشوهها، فالمفاهيم التي ترجع
بالإنسان إلى الخلف باسم الحريات مثلا نسفها نسفا، وحاربها دون هوادة.
فالنظام الاجتماعي الذي حوى منظومة سرعان ما انقرضت؛ والتي تقر بجماع
الأخ بأخته، والأخت بأخيها قد طوي بشكل طبيعي، وهكذا بعُد وبعُد حتى
استقر على النظام الاجتماعي الذي ينظم علاقة الرجل بالمرأة وعلاقة
المرأة بالرجل وما ينشأ عنها من نظام الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة
والخؤولة والعمومة والحفادة والصِّهْرة.. لن يسمح الإسلام بالرجوع إلى
الخلف لأنه ليس رجعيا مثل الحداثة والديمقراطية… فمفهوم المثْلِية لا
وجود له في الإسلام، هذا المفهوم لن ينبت في ظل تحكيم الإسلام، بل ينبت
في ظل فكرة العصر الخبيثة؛ الديمقراطية، وهو موجود في أوروبا وأمريكا،
وقد نبت أيضا في بعض البلاد العربية مثل المغرب، وأحداث مدينة القصر
الكبير ليست منا ببعيد.. وهنا لا يشوه الإسلام مفهوم المثلية، بل ينسفه
نسفا رغم زعم تضارب ذلك مع الحرية الشخصية، وهنا، هنا بالذات تسمى
الأشياء بمسمياتها، وتنعت المفاهيم بأماراتها..
وقولها في الجواب على السؤال الرابع:
"عندما يتعلق الأمر بالعلاقة الغيبية بين الدين والخالق، أعتبر أتباع
كل الأديان والديانات مغرر بهم وليس المسلمون فقط".
قولها هذا به سفاهة لغوية، فضلا عن السفاهة الفكرية. السفاهة اللغوية
تتجلى في وضع كلمة الأديان جمع دين، والديانات جمع ديانة، وكلاهما يعني
الملة والمذهب، كلاهما اسم لجميع ما يعبد به الله، ويعبد به الإله وهو
المعبود مطلقا سواء كان الخالق البارئ جل وعلا، أو كان الهوى والحجر
والصنم والشمس والمال والفكرة والإنسان...، فهل نحن بصدد نص أدبي
تَريفٍ لغةً يطلب المتعة العاطفية، وربما الفحولة اللغوية؟ فالدين
والديانة لفظان مترادفان يجدر إزالة أحدهما خوفا من التشويش، وحرصا على
متانة النص السياسي، فالنص السياسي غير النص الأدبي. فالخالق ديّان،
وهو قاض وقهّار في ملكه، وقد حمل وفاء قهرا على المجيء إلى هذه الدنيا
على غير إرادتها، وسيحملها على الرحيل عنها بغير إرادتها أيضا، بينما
الدين تذلّل وخضوع للديّان. وبالدين، أي بالتذلُّل والخنوع تجد وفاء
نفسها مقهورة على الاستجابة لرئتيها حتى لا تختنق، فلا تحبس نفسها لأن
فيه موتها، لا توقف نفسها وهو ممكن وفيه إرادة، وعليه فهي هنا متدينة
دون إرادتها وبإرادتها. وقهرها على الاستجابة للحاجات العضوية تديُّن
هو الآخر، واعتقادها بالآخرة أو عدمه تديّن بإرادة، وتقديسها للخالق أو
الكون أو الطبيعة تديّن بإرادة أيضا، وهكذا. وأما المغرر بهم فإن وفاء
منهم، وهم من غير المسلمين، ومن كان منهم وهو ينفي تلك الحقيقة جهلا،
ويتجاوزها عمى لا يستحق الإصغاء إلى تفاهاته، هذا إذا لم نتهمه في
أمانته. التدين خضوع بإرادة، ووفاء سلطان خاضعة لمنظومة فكرية وعقدية،
وممارِسة لطقوس لا ضرورة أن يظهر فيها الركوع والسجود، لا ضرورة أن
يظهر فيها الصليب ولو كان معقوفا ولا الشعارات ولا الرسوم أو الحركات..
فهي بتلك التصرفات متدينة أقرت أم رفضت، ورفضها وإقرارها لا قيمة له في
منطق الحقيقة. إن من يسقط تركيبه أولى أن يسقط فكره ويهجر رأيه، فكم من
طبيب سقط مريضا فعالجه طبيب غيره، ووفاء طبيبة نفسية مريضة لغويا، وقد
تكون مريضة نفسيا، سنرى. سأستمر لعلي أجد لديها عقلا فيما سيأتي.
إن مجرد ذكر الخالق ينفي الاستخفاف في البحث عن المصداقية، لأن الخلق
أمر جلَل، والخلق من عدم أكبر وأجلّ، فالخالق مسألة يحسها الإنسان
ويجدها رغما عنه، فالملحد كذّاب وهو يرى الخلق والإبداع بأمّ عينيه،
ومنكر المصداقية كسول ومُغرّر به، إما من طرف فكره، أو من طرف غيره،
والمصداقية مصداقية موجودة ذاتيا وموضوعيا، ذاتيا عند السطحيين،
وموضوعيا عند العميقين والمستنيرين، فقولها:
"آمنْ بالحجر ولكن لا تضربني به"
يعني افعل ما شئت، ولكن لا تؤذني، أو قل ما شئت، ولكن لا تضرّني، وهذا
لا تقبله نفس وفاء إذا كانت سليمة عقليا. فالإيمان بالحجر ظلم لنفس
الإنسان، ووفاء سلطان من جنس الإنسان. ذلك الاعتقاد فضلا عن كونه
سفاهة؛ فهو مس بكرامة الإنسان، هذا الإنسان الذي يوقن بأفضليته على
سائر المخلوقات ينزل إلى أقل مما هو دونه مباشرة، فالحيوان أعلى مرتبة
من الحجر، فكيف يسفل الإنسان ويخلد إلى معتقد منحط وهو كريم مُكرَّم،
وسيد الكون؟ هذا لا يجوز في حق الإنسان، فلو اعتدي عليها لهرعت
للاقتصاص أو المحاكمة، ويمكن التراشق معها بالفكر فأرميها بقولي: آمني
بالكلمة الحرة، ولكن لا ترمني بالسباب ورذاذ فمك النتن لأني أتأذى
منهما..
وأما الدخول في المفاضلة للوصول إلى المصداقية بحجة العدد في المعتنقين
لأي دين أو مبدأ؛ فقول من سقط في الجهل وهو السفيه لغة بالمترادفات.
متى كان العدد دليلا على الصحة؟ ومتى كان العدد دليلا على المصداقية؟..
وقولها:
"لا أعتقد بأن أمة تؤمن بالغزو والغنائم وسبي النساء أصلح من امرأة
ترفض أن تؤمن بتلك التعاليم.."
هذا القول يحملني على القول:
لا أعتقد أن امرأة مثل وفاء سلطان يخرج من فمها القيء والقيح تصلح
للقُبْلة السوداء لمن لم تكن تلك القبلة السوداء من ثقافته الجنسية.
الغزو قديما كان غزوا يشمل جميع الشعوب والأمم، وقد جاء الإسلام وشرع
الغزو، هذا صحيح، ولكن تشريعه ـ ليس دفاعا عنه لأنه غني عن الدفاع ـ
جاء ليزيل ويزيح كل حاجز مادي يقف في وجه دعوته، هذه إرادة الله، يريد
الله أن يصل دينه إلى كل الناس بشكل لافت، ثم يختارون اعتناقه، أو رفضه
لأنه قد رتب على ذلك مثوبة وعقوبة، والمثوبة والعقوبة لا تكون عادلة
عند الإلزام، فحمل الإنسان على الطاعة قهرا وترتيب المثوبة على ذلك ليس
من العدل في شيء، وحمل الإنسان على المعصية قهرا وترتيب العقوبة على
ذلك ليس عدلا أيضا، وحاشى أن يقهر الله عباده على المعصية، ثم
يعاقبهم.. وفي حال رفض الإسلام أوجب لحمايتهم في أعراضهم وأموالهم
وأديانهم مبلغا من المال يؤخذ من القادر، وسمه ما شئت بلغة اليوم، ولا
داعي للخجل من ترداد ذلك، لأن القرآن يتضمنه، والألسن ترتله، وقد شهد
التاريخ في بعض الغزوات رد المسلمين أموالا على من عجزوا مؤقتا عن
حمايتهم، وأما ما يترتب على الغزو، فهو القتل والغنائم، ومنها السبي،
وفي التعامل الإسلامي أثناء الحروب شرع ما لم تعرفه البشرية قديما
وحديثا، صحيح يوجد تعامل بالمثل، وتوجد مقايضة، ولكن الإسلام في مواطن
كثيرة يتجاوز المعاملة بالمثل؛ إلى الحِلم والسماح، لأنه مبدأ
المكرمات، فكم سبية رفضت العودة إلى الوضع الذي كانت عليه من حرية هي
في حقيقتها عبودية وقهر، وكم سبية أطلقها المسلمون إكراما لنبيهم
واستجابة لدعوة ربهم، وكم رجال من غير المسلمين صاروا من المقاتِلة
قاتلوا مع المسلمين أهل ملتهم لاطمئنانهم إلى عدل الإسلام وسماحته..
انظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ والمرأة تحمل جنسيتها دون
مقارنة. انظر إلى الدولة الدموية التي قامت بإبادة شعب كان آمنا في
بلده، وهو شعب أمريكا الأصلي من الهنود الحمر. انظر إلى ساديتها
ولصوصيتها وغرورها وغطرستها.. فلماذا تغزو بلداننا؟ تغزونا في الصومال
والعراق وأفغانستان من أجل سرقة خيراتنا وإكراهنا على دينها الذي هو
فكرة العصر الخبيثة؛ الديمقراطية، فأي ظلم هذا؟ وأي جبروت ذاك؟ انظر
إلى همجية جنودها في العراق بسجن أبو غريب مثلا، انظر إلى الأُنْصات
الذهبية التي عثر عليها جنودها في العراق، فهل غنمتها أمريكا، أم ردتها
لأصحابها؛ وهو الشعب العراقي والأمة الإسلامية؟ انظر إلى اغتصابها
للنساء، بل وقتلها لهن، والتمثيل بجثثهن، هل في هذا نبل وشجاعة وشهامة؟
انظر إلى محرقة غزة وصبيانها وأطفال فلسطين، ألم تحرقهم إسرائيل بسلاح
أمريكا ودعمها؟ وانظر إلى المسلمين عبر التاريخ وحاول أن تستخرج من
حروبهم ومعاركهم ظلما وجورا، فلن تجد شيئا من ذلك باعتراف من قاتلوهم..
وتقول في الجواب على السؤال الخامس:
"يتوقف الأمر على تعريفنا لكلمة ((اعتدال))،. إذا قصدنا بالاعتدال رفض
التورط في الإرهاب والتطرف، فالشريحة المعتدلة من المسلمين كبيرة جدا."
كلمة "اعتدال" والقصد منها، إذن فالمرأة تبحث عن القصد من الكلمة،
والقصد من الكلمة إما أن يكون لغويا، أو اصطلاحيا، وهي في جوابها
وكديدنها تبدو سطحية، فالاعتدال وإن اختُلف بشأنه اصطلاحا يظل نفس
الاختلاف قائما، وعليه فاستعماله يكون بحسب ما يخدم به كل مصالحه
ومبدأه، فالمعتدل عندي قد يكون متطرفا عندك، والمتطرف عندي قد يكون
معتدلا عندك، هذا في بعد عن اللغة، أما إذا دققنا النظر لغة، ثم
اصطلحنا على مصطلح له علاقة بالوضع، وكان التعريف جامعا مانعا فتلك
استنارة، ووفاء لا تملك منها شيئا، وكيف تملكها وهي عن العمق أبعد،
وبغرورها أسعد؟ لقد وقعت في شَرَك فكري لم تقع فيه صاحبة شوقي التي:
"خدعوها بقولهم حسناء ............. والغواني يغرهن الثناء"
بل وقعت صاحبتنا في شرك الغرور، فقد:
خدعوها بقولهم مصباح ............ والعَمِياتُ ضُرُّهُنَّ الضِّياء

انظر إلى كلمة "الإرهاب" فكل مخالف لأمريكا إرهابي، وكل ساكت على
جرائمها معتدل.. ومن يحرض على الإرهاب ويفعله مبدءا؟ إنها أمريكا
بظلمها وجبروتها، ومن يدافع عن نفسه وبلده إرهابي في نظرها، وهنا نقف
عند الاصطلاح، فالاصطلاح لكلمة اعتدال وتطرف وإرهاب يحتاج إلى إعادة
نظر، وعليه يمكن القول الفصل أن المتطرف هو أمريكا ومن يتعلق بدبرها،
والإرهابي هو أمريكا ومن يسايرها، والمعتدل هو ذلك السطحي الذي يتلهى
بكلمات لا يستطيع الحسم في مدلولاتها، هو ذلك الجبان البليد الذي يخشى
قول الحق وفعله..
وفي جوابها على السؤال السادس ترى إمكانية تأهيل المسلمين، والحل عندها
بعد اعتقادها في المشكل أنه الإسلام عينه؛ هو: "ضمان حرية العقيدة في
العالم الإسلامي وفتح ذلك العالم لكل العقائد والأفكار" ولست أدري كيف
أنبه المرأة إلى سطحيتها، وتورُّم ذهنها، تبدو نسخة طبق الأصل هنا
لنوال السعداوي، فالأولى والثانية يريان سيادة الإسلام في العالم
الإسلامي وهو غير صحيح. كيف يفتح العالم الإسلامي لجميع العقائد وهو
مفتوح أكثر من أي مجتمع آخر باستثناء مناطق بعينها مثل السعودية مثلا
وها قد بدأ معول إلحاقها بغيرها يعمل بيد التدخل الأمريكي؟ الناظر إلى
قول المرأة يتوهم أن العالم الإسلامي منغلق على العقائد والديانات
والمفاهيم وهو عكس ذلك، والمشكلة في الفشل والإخفاق رغم تآمر كثير من
المثقفين والحكام في نفس الاتجاه. المسلمون رغم انحطاطهم الفكري
والعقَدي والحضاري محصنون ضد أية عقيدة غير عقيدة الإسلام، وإتيان مثال
اعتناق بعض الناس للمسيحية مثلا لا يصلح دليلا، لأن المسلمين مثل باقي
الناس كأفراد، ولكن في مجموعهم ليسوا كغيرهم، انظر إلى الماركسيين
الذين كتبت لهم النجاة من القتل، لقد اهتزت قناعاتهم ومفاهيمهم وبدأوا
يميلون إلى أصولهم الفكرية والحضارية، وهذا كاف للدلالة على عظمة
الإسلام وقوته في الاحتفاظ بمجموع معتنقيه رغم غياب دولته، فلا يمكن
إجماع المسلمين على انحراف عقَدي وفكري، وبه ينتفي القول بصيانة
العقيدة الإسلامية في نفوس الناس بقوة السيف، فالسيف هو الذي يعمل في
المسلمين منذ القرن السابع عشر الميلادي، وازداد استعمالا منذ هدمت آخر
دولتهم سنة 1924م، والنتيجة معتنقون جدد..
إن منافسة الأفكار والمفاهيم والفلسفات والمنظومات العقدية للإسلام غير
موجودة، فلا منافسة ولا مقارنة ولا مقاربة، كل ما في الأمر أن الإسلام
في منظومته الفكرية والثقافية والعقَدية سلاح لا يوجد نظير له، وما لا
يوجد شبهه ونظيره يتميز بقوته، وقوته في حجته وبرهانه، في صفائه
واستنارته، ومن أراد المناظرة بشأنه فأنا أول المسجلين في اللائحة..
وأما قولها بأن الإسلام: "ليس دينا محضا، وإنما هو دولة" فكلام موفق،
وصحيح. وأما ما جاء بعده ففيه مناورة غبية، ذلك أن العنف الممارس من
طرف الدولة لفرض وجودها هو عنف يسمى القانون، فالقانون هو الذي يفرض
وجهة نظر الذين يتداولون بالرعاية والسياسة مصالح الناس ويسوسون لهم
علاقاتهم بمبدأ يعتنقه الحكام حتى ولو لم يكن دين الشعب والأمة مثل
واقع الأمة الإسلامية اليوم، فهي تُحمل حملا وتُقهر قهرا على تطبيق غير
الإسلام، ومع ذلك تُستهدف خوفا منها ورهبا من الحق الذي جاءها من رب
العالمين المتمثل في الدين العظيم؛ الإسلام..
وفي معرض جوابها على السؤال السابع بعد أن قالت كلاما لا أحب الرد عليه
لسطحيته، رأت أن المسلمين: "العرب هم الأشد خطورة لأن الإسلام دين
عربي" وقد صدقت في الشق الأول بحديثها عن الخطورة، وهي بالمنظور السليم
نعمة وسعادة، فالعرب بالعربية، والعربية لغة الإسلام، والمنظومة
التركيبية العربية هي التي تحمل المنظومة العقدية والمفاهيمية
الإسلامية، وباللغة العربية يحصل الفهم، وبها وحدها يحصل الاجتهاد..
وهذا متجل في نفس وفاء سلطان بضعفها اللغوي، صحيح في الإسلام خطر، وخطر
كبير، ولكن على أعداء البشرية ممن يعيثون في الأرض الفساد؛ يسرقون
ويفسدون ويظلمون.. والإسلام مانعهم ومقيم العدل لو حضر في الموقف
الدولي بدولته الحاضرة الغائبة، ستنسحب دولته من الأمم المتحدة وتسفه
فكرتها، تجتمع الأمم المتحدة بقيادة عنصرية طبقية ظالمة فتجعل الحق في
النقض مثلا ـ الفيتو ـ لخمسة، وتمنعه عن المآت من الدول، سترد الحقوق
إلى أصحابها، ولا تقبل إلا بذلك مهما كلفها ذلك.. وأما الشق الثاني من
الجواب الذي كذبت فيه هو قولها أن: "الإسلام دين عربي وأهل مكة أدرى
بهضابها"، متى كان الإسلام دينا عربيا؟ لو كان عربيا كما تقول
المتثَيْقِفة لانتهى منذ زمن بعيد، لأن العرب والعربية في تغير مستمر
يمنع البقاء على الحال كما هو، انظر إلى القرآن وهو الركيزة المانعة،
فلماذا لم يضمحل ويتلاشى حتى يحل محله دين جديد؟ أو يضمر كالمعتقدات
الوضعية التي من أتباعها ما لا يزيد عن ألف فرد مثل السامريين بفلسطين
مثلا؟ انظر إلى العربية كلغة، فلماذا لم تسلك مسلك اللاتينية مثلا في
اقتعادها رفا من رفوف التاريخ، وفسح المجال للفرنسية التي كانت عامية
حتى حدود سنة 1000م وكانت اللاتينية اللغة الرسمية للدولة، ولغة الفكر
والثقافة؟ لماذا لم تثبت للإسبانية وقد استنبتت ما بين 1400 و1500
للميلاد؟
اللغة العربية متميزة عن سائر اللغات، لن تضمحل، ولن تتغير، ستنمو
وتثرى، وكم هي ثرية، ولكنها لن تحاكي اللغات الأخرى لسبب بسيط هو حملها
للطاقة الإسلامية التي بها تحيا، وفيها تسكن، ومنها تستمد طاقتها..
وفي سياق جوابها على السؤال الثامن تقر المرأة بحصول تغيير في حياتها
تسبب فيه جرائم الإخوان المسلمين في سوريا: "التي لعبت دورا كبيرا في
تغييري وفي موقفي لاحقا من الإسلام كتعاليم إرهابية".
في هذا الجواب إدانة كبيرة يجدر بالدولة الأمريكية أن تمنع وفاء سلطان
من ممارسة عملها كطبيبة نفسية؛ لأنها مريضة نفسيا، ومرضها حصل لها إثر
اغتيال الدكتور يوسف اليوسف، ولقد: "شهدتُ عملية القتل الوحشية…" ـ
قرأت ما يكذب زعمها، لا يهم ـ هنا يجب التوقف عن مسايرة المرأة في الرد
عليها؛ لأنها مريضة نفسيا، لقد تأثرت بالمشهد الرهيب الذي هزّ مشاعرها،
استسلمت له فهز كيانها الفكري والعقَدي حتى ما عادت تكره وتمقت أحدا
غير الإسلام، فإشفاقي عليك يا سيدة كبير..
نعم في أجوبتها على السؤال الذي جاء بعد الفائت ثبت مرضها النفسي، كما
ثبت أيضا أن المرأة لم تتحول بناء على قناعات، بل تحولت بناء على طرش
فكري، ويؤسفني استسقاؤها من قيئ الضباع وقيح الأذهان المتورِّمة. تأتي
المرأة بقول نفرها من الإسلام منسوب لرسول الله صلى الله عليه وآله
وصحبه: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو
نصرانيا" هذا القول عندها يتعارض مع مبادئها كما تقول، ولا ينطبق مع
أخلاقياتها، ولكن بالنظر إلى عدم تخريجها للحديث أضع أسئلة باحثا عن
أجوبة لها من ذوي الاختصاص، أو ممن يملكون علما..
لقد ورد في "الحديث" إلا، وإلا أداة استثناء على أن يكون الكلام قبلها
تاما مثبتا، أو يكون للحصر إذا كان الكلام قبلها ناقصا وهو هنا ناقص،
وإذن فالأداة للحصر، وسؤالي في الماضي والحال والاستقبال هو:
كم عدد الذين يدخلون النار من النصارى واليهود؟ هل يكون الجواب على ذلك
بأن عدد الداخلين النار هم بعدد المسلمين منذ وفاة أول مسلم إلى وفاة
آخر مسلم؟ وإذا كان عدد غير المسلمين من اليهود والنصارى يفوق عدد
المسلمين منذ وفاة أول مسلم إلى ميتة آخر مسلم، فهل سيدخل الجنة من
تبقى من اليهود والنصارى؟ وإذا كان كذلك فما بال النصوص التي تخلد غير
المسلمين في النار؟
وفي معرض الجواب عن السؤال قبل الأخير دارت المرأة ودارت كذبابة التسي
التسي، ثم نزلت على القاذورات. تنطلق المرأة من حقد دفين استحال مرضا
نفسيا لا تستطيع التخلص منه. تمعن في الحقد فتقول: "الإنسان المسلم
سحقته ثقافته وذوبته في محيطه غصبا عنه" وقبل الاسترسال في الرد لا بأس
من إثارة كلمة "محيطه" ذوَّبَتْه في محيطه كما تقول، والضمير يعود على
الثقافة الإسلامية، والسؤال هو: كيف تسحق الثقافة الإسلامية المسلم
وتذوِّبه، ولكن في غير محيطها؟ إن محيط المرء غير محيط الثقافة
والحضارة، وقد يكون محيطه؛ هو محيط ثقافته التي تصنعه عند تطبيق
مفاهيمها وأفكارها وأحكامها وتعاليمها، ولكن بغير ذلك لا يكون المحيط
إلا محيط الرجل حيث تسود الثقافة غير الإسلامية، والحضارة غير
الإسلامية، فيكون في النهاية مسحوقا بغير الثقافة الإسلامية، ومذوَّبا
في غير محيطها، بل في محيط الثقافة الرأسمالية والاشتراكية.. مذوبا في
محيط الديمقراطية والعولمة والحداثة وما بعد الحداثة.. وبذلك تكون
المرأة من ألفها إلى يائها كيانا سكنته شخصية غير التي ابتدأت فيه،
إنها كالمسكونة من الجن لا تتكلم كلامها، بل تتكلم كلام غيرها دون
وعي..
وفي الأخير تجيب عن سؤال: "هل سبق لك أن مارست الشعائر الإسلامية؟
بقولها: "توقفت عن ممارستها بشكل شبه قطعي في أواخر الثمانينات، وكان
ذلك إثر الأعمال الإرهابية"، وقد سجلنا آنفا أن المرأة تعاني مرضا
نفسيا لم تبرأ منه إلى غاية كتابة هذه السطور، وأخيرا تقول: "أعطيت ذلك
الإله إجازة كي يخرج من حياتي". لقد أخرجت الله من حياتها بسبب القتل
الذي حصل بين يديها.
في بيت أقيم عند مزبلة للتاريخ بدينة بالحداثة والعلمانية، عجفاء
بالاشتراكية والديمقراطية استقرت وفاء سلطان. خُصِّصت لها غرفة مليئة
بالظربان والضباع والأفاعي.. جمالها مختلَف بشأنه، والقياسات غائبة
للقدّ والقوام.. خُصِّصت قياسات للأورام الخبيثة، وعند شق الرأس
المتخشِّب للقياس وجد أن العقل نفسه متورِّم.. صُرفت الأنظار إلى غرفة
أخرى تقع أسفل. نزلت وفاء عبر نفق بابه ثغر مخصص لقضاء الحاجة، لابد من
عبوره إلى الغرفة في الأسفل، ومجرد أن يطأه الداخل تنزلق رجلاه في ريق
نتن، لكل الناس غدد تفرز ريقا طيبا إلا وفاء، تزحلقت حتى بيت الداء.
طافت بغرفتها وهي تحمل ذهنها المتورِّم تبغي معالجته، لفظتها المعدة
ودفعت بها نحو المعي الغليظ، ظلت تدور نازلة في كيان ممسوخ حتى خرجت من
المؤخرة إلى العراء ملطخة بالقاذورات عارية إلا من السفاهة والوقاحة.
تأذت بها الأرض واستصرخت هباءها علّ صراخها يصل آذان الكناسين لكنسها
من فوقها، كائناتها الحية بدت خارجة كما لو كانت ديدان فزعة تخرج من
مخابئها في الصخور البحرية وقد صبّ عليها صياد السمك ماء الحديدة
الزرقاء، فزعت فزع المفاجأة، ولما تبينت وفاء صاحت بها: "ما بك ملفوفة
بالقاذورات، ألست من طينة طيبة؟" فأجابت:
ـ نعم أنا من طينة طيبة.
ـ ولكن الطينة الطيبة من معدن رفيع لا يتناقض مع الحقائق.
ـ وأنا أيضا.
ـ ولكنك تحملين على الإسلام وكأنه عدوك.
ـ أجل إنه عدوي، والعداء قائم بيني وبينه حتى يزول.
ـ وإذن إلى مستشفى المجانين، كنت أشفق على مرضك النفسي، وكنت أعتبره
بسيطا يمكن الشفاء منه، ولكنني الآن تبينت أنك من معدن رخيص، وطينة
قذرة يتبرأ منها حتى أبواك. بينما وفاء تدور في تيه ملتحفة سماء
مزوَّرة غيضت في الأرض، ولما لفظتها الأرض متأذية من نتن ذهنها لحقها
الأمان، وطالها الإشفاق فكان كيانها الذي صنعها هو الذي استقبلها، ثم
دخلت في تابوتها قردة ممسوخة، وسفيهة متأمركة.
...................

ربيحة الرفاعي
08-03-2011, 08:33 PM
متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش

عبد الوهاب مؤدب



في العدد 06 السبت/ الأحد 24/ 25 مايو 2008 لجريدة: الجريدة الأولى،
صفحة: 6، نشر حوار مع: عبد الوهاب مؤدب حاوره: أحمد نجيم.
ابتدأ سؤاله لضيفه في موضوع تجديد الفكر الإسلامي باعتباره مجددا لهذا
الفكر، ومن أسرة متدينة، وهل كان للانتماء علاقة بتجديد الفكر
الإسلامي؟
فرد المفَيْكِر المتثَيْقِف بقوله: "صلتي مع الإسلام قديمة، فلي محبة
للإسلام بحكم التربية، أبي كان عالما في أصول الفقه، وقبله كان جدي
عالما بالقراءات، من هذا العالم بدأت علاقتي بالدين الإسلامي. هذه
التربية تجعلني أجزم بأن الظواهر الجديدة للإسلام السياسي تشويه للدين
الذي تربيت فيه، هذا الدين أعطاني البعد الرمزي والخيالي وكوّن
شخصيتي".
بداية الحوار هذا تبدو عرجاء بحيث فتحت رحما كبيرا يرى من خلاله ما
بالداخل، وللأسف ما بداخل الرحم كان جنينا مشوها. فالمؤدب الذي تربى في
أحضان أب عالم بأصول الفقه، وجدٍّ لا أعرف إن كان قد لحقه في نضجه
وشبابه؛ لم يطابق قوله عن ماضيه ما يظهر عليه في حاضره، فالتربية التي
جعلته يجزم بأن الظواهر الجديدة للإسلام السياسي تعتبر تشويها للإسلام،
هي تربية ناقصة لم تستطع أن تفتح له باب المجتمع حتى يدرك طبيعة
تركيبته، فالمجتمع الذي عاش فيه أبوه كان مليئا ببقايا إسلام مطبّقٍ
عمليا في تونس وفي جميع البلاد العربية والإسلامية، وكذلك أحكامه
وأنظمته في العلاقات العامة، ولكن حين فتح الاستعمار العالم الإسلامي
عسكريا أزاح من العلاقات العامة أحكام الإسلام وأنظمته، وترك ما ينظم
علاقة الرجل بالمرأة أو ما يسمى بالنظام الاجتماعي، وكذلك أحكام نظام
علاقة الإنسان بربه من عبادات وأذكار وقراءات جماعية للقرآن... فلم
يتعرض الاستعمار للمساجد، ولم يمنع الناس من الصلاة... فعل ذلك فبقيت
بقايا إسلام، بقي المسلمون يتزوجون ويرثون وفق أحكام الإسلام، بقوا
يصلون ويصومون ويزكون، ولكنهم في النظام الاقتصادي والحكم وغيره مما هو
من الشؤون العامة منع الاستعمار عنهم تحكيم كتاب ربهم كما كان من قبل،
أبقى ما لا يمس الحياة العامة، وهو قبل ذلك وفي ذلك وبين ذلك يغرز
أفكاره ومفاهيمه، ويطبق نظامه وقوانينه، فجاء المؤدب في مجتمع لا يكاد
يكون إسلاميا، وتقدم في العمر حتى عاش في مجتمع غير إسلامي ولم يزل،
والحالة الطبيعية لكل من فقد حضارته من السيادة في حياة الناس أن يعمل
على إعادتها، والطبيعي لكل من وجد مبدأه مُزاحا عن الحياة وأنظمة
الحياة أن يعمل على استئناف تلك الحياة بمبدئه، فكان التكتل على تلك
الأفكار والنضال من أجلها، والعمل على سيادتها، واستهداف دولتها مشروعا
وطبيعيا لا يستغربه إلا السطحي من الناس، بصرف النظر عن نوعية ما
يستهدف، فكيف لا يرى المؤدب هذا؟ كيف يعتبر التكتل والعمل السياسي
للإسلام وبالإسلام تشويها للإسلام والإسلام مغيب من حياة الناس، ومعزول
عن عيشهم؟ إن الأصل أن يعمل المسلم بالسياسة، والأصل أن يتكتل المسلم
على أفكار الإسلام ومفاهيمه، ويعمل سياسيا على استئناف الحياة
الإسلامية، وهذا ما قامت عليه التكتلات الإسلامية، وهو طبيعي، ولو تحول
المجتمع البريطاني إلى مجتمع إسلامي، وسادته أحكام الإسلام، وطبقت فيه
شريعته، وقامت فيه دولته، ثم ظهر للبريطاني أن يعمل على إعادة بريطانيا
إلى نظامها العلماني ووضعها الرأسمالي، وحضارتها المادية؛ فما عليه إلا
أن يتكتل سياسيا على أفكار ومفاهيم كانت وزالت وهي الأفكار الرأسمالية
والحضارة الرأسمالية، وذلك هو المسلك الطبيعي، وهو العمل الذي يجب أن
يقوم به الإنسان، لأن تركيبة المجتمع: أفكار ومفاهيم وأنظمة وقيم ومثل
متبناة. تركيبة المجتمع أي مجتمع: علاقات معمِّرة ما عمّرت الأفكار
والمفاهيم في المصالح المتبادلة لأناس في بقعة جغرافية لا بد منها حتى
يظهر المجتمع ولو كان شكلا قبليا، ومن لا يجد أفكاره ومفاهيمه وأنظمته
موجودة في علاقات الناس، وسائدة في حياتهم، وقام بالعمل على إيجادها؛
يكون قد قام بعمل دل أولا على أنه ناضج يعرف كيف يسلك، ودل ثانيا على
أن عمله مشروع فيه من الوعي الشيء الكثير، فما بال هذا المؤدب ينعق بما
لا يفهم؟
وأما الدين الذي يعطي الإنسان البعد الرمزي والخيالي فلا يكوِّن شخصية
الإنسان، لأن شخصية الإنسان لا تقوم على الرمز والخيال، صحيح يمتد
الرمز في تفكيرها، والخيال في تصورها امتدادا إلى حد ما، ولكنهما ليسا
مما تقوم به الشخصية الإنسانية إطلاقا، وهذا كاف للدلالة على أن المؤدب
ضعيف فكريا، ومجال بحثه ضيق حتى عليه، إنه كمن يلبس حذاء طفل رضيع لن
تجد له مطابقة مهما حاولت، أي أنه يتناول ما ليس في مقدوره تناوله
لضعفه، سنكمل معه. وليعذرنا القارئ لوصفنا عبد الوهاب مؤدب بالمُفَيْكر
والمتثيْقِف في أول الفقرات من النقد والنقض المَمْدَري، لتعذرنا،
فالواجب أن ننعته نحن وينعته القارئ والمتلقي معنا، ولكن بعد دراسة،
هذا خطأ مني وأستسمحك حضرة القارئ المحترم.
فالشخصية في الإنسان كلّ مؤلَّف من عقلية ونفسية. والعقلية تقوم على
غير ما تقوم عليه النفسية. العقلية تبنى بأفكار ومفاهيم، وبالتالي
تتحول عند القناعة؛ إلى مقاييس يسلك الإنسان وفقها في حياته، وعند
العمل تأتي الجوارح التي لا تقوم بالعمل إلا بعد إذن من العقل الذي
يكون قد اقتعد على منظومة قيمية تقوم على التحسين والتقبيح، والخير
والشر، فيندفع الإنسان بجوارحه للإتيان بتلك الأعمال، فتراه في النهاية
مسلما يطبق شرع الله ويسلك في حياته وفق أفكار الإسلام ومفاهيمه، أو
بتعبير آخر يأتي بالأحكام الشرعية التي تعين له الحلال والحرام
والمندوب والمكروه والمباح، أو يكون شخصية رأسمالية فتراه يسلك وفق
الأفكار الرأسمالية والمفاهيم العلمانية فيأتي بسلوك منسجم مع أفكاره
ومفاهيمه فتراه وفق منظومته القيمية يستقبح اليوم ما حسنه بالأمس،
ويستحسن في الغد ما استقبحه اليوم، فالخير والشر عنده خاضع لمزاجه،
وتابع لهواه، وكذلك الأمر بالنسبة للشخصية الاشتراكية وهكذا.
وإذن لا يأتي الرمز والخيال إلا متأخرا جدا لأن الحقائق سبّاقة عليه،
وعليه فإن الرمز والخيال لا تقوم عليه الشخصية الإنسانية، قد تقوم عند
المجنون، وهذا الأخير لمن يتأمله، أو يكون قد عاشره لا يأتي إلا
بالحقائق في أسلوب مستهجن خارج ذاته، انظر إليه حين يطلب طعاما وشرابا،
يصدر عن أفكار ومفاهيم نابتة في أعماقه نبتا، ولكنه لا يستطيع تصريفها
في أوجهها، ولا التحكم فيها لغياب خاصية الربط من دماغه وهي إحدى شروط
العقل بعد الإحساس والواقع والمعلومات السابقة.. هذا ليس بحثنا.
إن حياة الإنسان ليست أدبا، بل هي فكر، ولا يعني ذلك أن الإنسان دون
عواطف، كلا، ولكن العواطف لا تظهر إلا على خام الفكر والمفهوم، ثم يأتي
لاحقا الرمز والخيال فينتج الإنسان الروائع من التجريد اللغوي والرمز
والاستعارة والكناية اللغوية، ينتج في الأدب القصة والرواية والشعر
والفنون.. وينتج في الأدب المَمْدَري القصة الظليلة، والقصة الوجيهة،
ونصوارية الأضداد، ولغة البكوك، والكناية العلمية غير المسبوقة ـ نسبة
إلى العلوم التجريبية ـ بتقنية التثقيف الفني والرياضة الذهنية،
واستهداف غاية مزدوجة هي: المتعة العاطفية، والمتعة الذهنية..
ويأتي السؤال الثاني ليدل على خواء السائل أولا، ثم ليدل على عدم
احترافية، يأتي إلى الظواهر الجديدة التي يصفها ويقول: "لكن هذه
الظواهر الجديدة كما تصفها، تعتمد في شرعيتها على ما هو ديني، وهذا
يخلق نقاشا كبيرا، إذ تسوغ القيام بأعمال تصفها هي بـ (الجهادية)،
وتصنف من طرف الغرب بكونها (إرهابية) بآيات قرآنية، وقس على ذلك في
أمور أخرى".
لنتجاوز اضطراب السؤال لغويا فنضع الآيات القرآنية مباشرة بعد كلمة
الجهادية لتدل على السببية، ثم نذهب إلى الذي يزعم أن النصوص المذكورة
ضمنا وهي نصوص قرآنية تتعلق بالجهاد؛ ليست قطعية الدلالة.
جميل من المفيكر أن يقول قطعية الدلالة ليفهم منه أن القرآن قطعي
الثبوت، أي أن ما بين دفتي المصحف الشريف من سورة الفاتحة إلى سورة
البقرة قطعي الثبوت عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا، عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وصحبه، عن الله عزل وجل بواسطة الوحي.
القضية كما يقول قضية تأويل، لنرى وقد وضعت أمامي كتاب الله تعالى
واستخرجت منه جميع ما يتعلق بالجهاد فكانت كلمات الجهاد فعلا وفاعلا
واسم فاعل واسم مفعول وجمع ومصدر 31 الواردة في القرآن الكريم. والقتال
على نفس الوتيرة 152. والحرب بنفس الإيقاع 6. قرأت فيه كل آية تتعلق
بذلك، ونحيت ما ليس له علاقة كقوله تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي
ما ليس لك به علم فلا تطعهما" الآية: 15 لقمان، وقد وردت أيضا بجميع
حروفها في آية أخرى عدا حرف الجر (على) الذي استبدل بحرف اللام في
قوله: "لتشرك ما ليس لك به علم" الآية: 8 العنكبوت. نحيت الجهد وهو جزء
من الجهاد لأن الجهاد فعلا جهد مبذول بالنفس والمال والعلم، كما نحيت
كثيرا من الآيات التي لا علاقة لها بموضوعنا كقتل قابيل لهابيل وقتل
اليهود لأنبيائهم وقتل الرجل الصالح ـ الخضر ـ للغلام، وقتل داوود
لجالوت وأمر الله لليهود بقتل أنفسهم وهو مجاز يكني به عن حبسها عن
الظلم والشهوات واقتتال المؤمنين فيما بينهم في موضوع الطائفتين إلى
غير ذلك، لم أتناول إلا ما يدخل في موضوعنا لنرى فيه صدق عبد الوهاب
مؤدب وعلمه، أو كذبه وجهله، فلقد دفعني مشكورا للاستزادة من المعرفة
وحفزني لترك ما لا يستقيم إن أنا وجدت عنده علما..
نظرت في تفاسيرها فاستخلصت ما يلي:
لنبدأ بالآيات التي وردت فيها كلمة الحرب، فكلمات الحرب وردت ست مرات،
وردت في عدة مواضيع، فلا تعني الحرب في آية مثلا مثل ما تعنيه في آية
أخرى، وهنا يصدق القول بظنية الدلالة، و هذا مشروع لغة ومشروع شرعا،
فمحاربة الله ومحاربة رسوله ليست محاربة لذات الله وذات الرسول، بل هي
محاربة لما جاء به الرسول عن الله من وحي، وعليه فمحاربة الله ورسوله
هي محاربة للخير، للعلم، للقيم الرفيعة، للمثل العليا، للعدل، للحياة،
للسلم، للتعايش.. يبقى الوقوف على أيها معنية في الآية. فالذين يسعون
في الأرض فسادا هم الظلمة، ولكن تعيين الأداة والوسيلة يحتاج إلى إعمال
عقل بفقه لغوي وفقه شرعي، وعليه فالفساد قد يكون بالمال، وقد يكون
بالمخدرات، وقد يكون بقطع السبيل، وقد يكون بإكراه الناس على
الديمقراطية كما تفعل أمريكا رغم نتانة ديمقراطيتها وعفونة ركابها، وقد
يكون بسرقة أملاكهم حين يملك ما هو للجماعة فيما يسمى بالخوصصة أو
الخصخصة لأفراد.. قد نتفق على واحدة من هذه، وقد نختلف، لا يهم، المهم
أن الآيات مفتوحة على عدة تأويلات بسبب كونها ظنية الدلالة، وهنا يصيب
عبد الوهاب، ولكن إطلاقه للحكم ربما يكون سفها، لنرى.
لنأخذ قول الله تعالى: "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرِّقاب حتى إذا
أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإما منّاً بعدُ وإما فداء حتى تضع الحرب
أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين
قاتلوا في سبيل الله فلن يضلّ أعمالهم" الآية 4/5 من سورة محمد.
هاتان الآيتان ورد فيهما ذكر سبيل الله، وما ذُكر سبيل الله في القرآن
إلا كان مقرونا بالقتال والحرب والجهاد، وهما بالنظر السليم لغة وشرعا
يبدوان واضحين لا يحتاجان إلى تأويل غير تأويل ـ أي تفسير ـ أنهما
بدلالة قطعية، فثبوتهما قطعي الدلالة، ودلالتهما قطعية أيضا، ومن هنا
يمكن اعتمادهما لدى من يحمل السلاح بتفسير لا علاقة له بواقع الآيتين،
بل بمناطهما، فهما من الآيات التي عمل بها رئيس الدولة رسول الله صلى
الله عليه وآله وصحبه حين قاد الجند، وأمّر من يقود الجند لأن ذلك من
صلاحياته، واليوم لا وجود لرئيس دولة إسلامية، لا وجود لدولة يرأسها
خليفة للمسلمين يقود الجيش أو يعين أمراء له، قد نختلف هنا، ولكن
خلافنا لن يكون إلا على المناط، وهذا بحث آخر.
ثم إن كلمة إرهاب كلمة لا يراد منها معناها اللغوي ولا معناها
الاصطلاحي الذي اتفق عليه في السبعينيان من القرن الماضي حين اعتبروا
أن القيام بأعمال عنف لأغراض سياسية إرهاب، ليس المقصود منها أي شيء،
فكيف أضحى المقصود منها كل شيء؟ فهي ذريعة الطغاة واللصوص الذين
يتمتعون بقوة قاهرة يستعملونها لقهر الضعفاء وسرقة خيراتهم، إنها أغنية
بالية وسيمفونية مقيتة، كما أنها كذبة كبيرة بدأتها أمريكا بإسقاط
البرجين عن عمد بتمثيلية بليدة مثل فيها الجُعل الأسود، ثم تلتها أعمال
مسرحية ذهب ضحيتها أبرياء في آسيا وأوروبا وإفريقيا.. لا أحب مناقشة
هذا في معرض الحديث عن الجهاد حتى لا نخرج إلى موضوع آخر، وعليه دعونا
نأخذ من الجهاد ما يتفق عليه العرب والمسلمون في الأعمال الاستشهادية
التي يقوم بها الفلسطينيون بفلسطين المغتصبة.. هؤلاء لا تنطبق عليهم
الآية المذكورة، كما لا تنطبق على غيرهم في غياب دولة الإسلام، ولكن لا
يعني ذلك استبعاد استعمال السلاح انتصارا لقضية شرعية، ولكن بعمل يأخذ
أسلوبا آخر لا يخلو من أمير ومأمور، لا يخلو من جماعة تقوم به
كالمقاومة والمجاهدين في فلسطين والعراق والصومال... وعليه فالعمل من
أجل طرد المحتل بشتى الوسائل؛ ومنها القوة العسكرية يقره الإسلام بنصوص
قطعية الدلالة، كما يقرها القانون الإنساني إذا كان النازل بساحة قوم
مستعمرا محتلا غير مرغوب فيه مثل إسرائيل بفلسطين كلها وليس فلسطين ما
بعد 1967، ومثل أمريكا حين نزلت بساحة الفيتناميين والصوماليين، وتنزل
بساحة الأفغانيين والعراقيين...

-------
ملاحظة: موضوع عبد الوهاب مؤدب بدأت في كتابته قبل موضوع وفاء سلطان
بأيام من نفس الشهر (شهر مايو) 2008، ولكنني لم أستمر فيه إلى غاية
أبريل 2010، ثم استأنفت كتابته، وقد قررت إلحاقه بكتابي هذا: سخف
الحداثة وخواء الحداثيين..
................

مرشدة جاويش
09-03-2011, 04:35 PM
اشكرك لجهدك وتقدمتك
إن كان الطرح بالطريقة الحيادية والموضوعية
فالحوار يكو ن أوسع
وتبقى الثقافة مدارس و وجهات نظر تعتمد الدراسة
والاسس والمرجعيات
الادب يأخذنا إلى كل المنابع
تحاياي

محمد محمد البقاش
08-10-2019, 04:34 PM
الأستاذة المتألقة ربيحة الرفاعي
أثمن مسعاك وأشكرك شكرا جزيلا، فلقد استحلت إلى جسر رابط بين الكتاب والقارئ، وهذا لعمري فعل الغيورين على الثقافة والمعرفة، فشكرا وألف شكر