تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أوجاع السفر..



بثينة محمود
06-06-2004, 09:00 PM
أهديها لمعتنقى الحرية فى دنيانا الوحشية
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
البداية :
ــــــــــ

كان النداء ببدء إقلاع الطائرة يتناهى إلى سمعى بصوت هادىء وبلغات ثلاث .. وكنت ما زلت أحاول إحكام هذا الحزام من حولى بلا فائدة .. وجاءتنى مضيفة حسناء-طبعاً- تحاول نجدتى وقد بدا لى أنها أدركت أنها سفرتى الأولى .. أسلمت نفسى لها ..وأنا أشيح بوجهى للنافذة الضيقة بجوارى ..كنت قد سمعت كثيراً عن جمال القاهرة من أعلى ..و أوصونى كثيراً بألا أفوت فرصة رؤيتها ..وأنا رغم عصيانى الدائم .. أستمع للنصائح .. أحياناً .

بدأت فى محاولة استجداء مشاعر الخوف لكى تقتحمنى .. لأثبت لنفسى أننى انسانة طبيعية مثل باقى البشر .. وأخاف عند انطلاق هذا النسر الضخم بى مقتحماً زخم السحب المنتظرة .. وانتبهت لما أفعله بنفسى ..وقررت للمرة المليار أن أكف عن وضع مشاعرى فى قوالب الاعتياد ..وأن أكون حرة .. ألست ذاهبة لبلاد الحرية ..

آه يا بلاد الحرية ..كان من الممكن أن أقول هذا لو جاءتنى هذه البعثة منذ خمس سنوات عندما تخرجت من كليتى .. ولكن الأمر الآن يختلف ..اذكر حسرتى على ضياع حلمى الكبير بالسفر وقتها بعدما اختطف ابن أستاذى البعثة منى ..وتركنى أحاول جاهدة الحفاظ على كيان هده ضياع الحلم تحت أقدام الواسطة والمحاباة ..لكنى جاهدت بالفعل لكى اكون شيئاً مذكوراً فى مجال عملى الأكاديمى .. إلى أن جاءنى حلمى محمولاً فى نعش كبير .

تابعت الأميال تتزايد فى سرعة على اللوحة الموجودة أمامى حتى تعبت عينى ..فأسندت رأسى لمقعدى ..وأنا أحكم غطاء رأسى .. كم تغيرت خلال هذه السنين ..أنا والحلم والرغبة وثوابت الحياة .. ولا أدرى لماذا تذكرت هذه اللحظة ما حدث فى بيتنا منذ شهر ..عندما عارض أخى سفرى للدراسة ..وجاهد أبى لإقناعه للدرجة التى جعلته يأتى بفتوى تبيح سفرى لطلب العلم مادمت فى صحبة آمنة ..آمنة ..هاها .

ما الذى تعنيه هذه العبارة الآن ..الصحبة الآمنة .. وتأملت الوجوه المحيطة بى .. هل سيهب هذا الأشقر لنجدتى لو صرت رهينة فى قبضة مختطف طائرات .. تأملته طويلاً وراودنى هاجس غريب بأنه سيكون هو مختطف الطائرة .. مازلت أسخر كعادتى ..أسخر من كل مايحدث حولى بلا تفكير ..ألم يكن من الأفضل لى أن أرفض هذا الحلم الموئود مسبقاً ..بدلاً من سلبيتى المؤلمة ..نظرت حولى مجدداً أبحث عن وجه أسمر أحتمى به ..كان هناك كثيرون ..وتذكرت ما ينتظرنى عند بوابة دخول العالم الحر ..سيفتشوننى تفتيشاً ذاتياً .. هكذا سمعت .. ولن تغفر لى بذلتى المستوردة والتى جاهدت أختى لتقنعنى بشرائها ..فهى تتعدى حدود ذوقى وحدود تحفظاتى بأميال .. ولن يغفر لى هذا الكم من المساحيق الذى تختفى ملامحى خلفه .. سيظل غطاء رأسى موحياً لهم بمن أكون ..وأفقت على سؤال بالإنجليزية من الشمطاء المتصابية الجالسة بجوارى : هل أنت مسلمة ؟

آه .. بدأنا .

زاهية
11-06-2004, 05:45 PM
عاليتي الرائعة سنبلة

لقد نطقت بالحق والكثيرون يهربون منه

كنت أنوي الرد عليك منذ أول يوم نشر فيه الموضوع ولكنني أعطيت نفسي فرصة لغاية في نفسي

شكراً لك سنبلة على هذا الطرح الأكثر من رائع

محبتك في الله

بنت البحر

طائر الاشجان
11-06-2004, 09:13 PM
( حتى لا اثير الملل ) لن أزيد على كونها جميلة وذات خاتمة ( من كلمتين ) اختصرت تأليف كتاب .
وأوصلت سنبلة رسالتها للقارئ في مضمون هذا الاختصار العجيب .

تحياتــي وتقديري
الطائر

نعيمه الهاشمي
13-06-2004, 05:40 AM
السلام عليكم ورحمة الله


أختى الفاضله سنبلة قراءة رائعة وتسلسل عميق لما يدور فى مجتمعاتنا العربية التى فقدت الأخلاقية بكل المقايس

أصبحت الوساطة الرشوة فى التعامل أسس لابد منها

وهذا مبررلإنهزام حضرتنا---وكما قال امير الشعراء---:

وإنما الامم الاخلاقُ ما بقيَت ... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا


تحياتى لهذا القلم الواعي


وفقك الله وسدد خطاك

بثينة محمود
13-06-2004, 08:24 PM
الاخت الفاضلة بنت البحر
شكرا لمداخلتك الحميمة
واعدك الا اترك القلم
اجمل تحية

طائر الاشجان
خيبت ظنك هذه المرة وحاولت ان اطيلها والا تكون نهايتها بهذه السرعة
ضغطة تنفس صناعى ..اتمنى الا تسحب منها الروح
تحياتى لك

اختى العنود
شرفت بوجودك وتعليقك
اجمل تحية لقلم اعتز بتواجده دوما فى كلماتى

بثينة محمود
13-06-2004, 08:26 PM
الوصول :
ــــــــــــ
خرجت من بوابة الوصول ..أحمل نفسى بتثاقل شديد وأمتعتى بيأس أشد ..سمعت اسمى يتردد من حولى .. كان زميلاً سبقنى منذ شهر ومعه اثنان رجل وامرأة ..وكان الاستقبال سطحياً وبارداً بقدر المعرفة .. وتكفل الزميل بتوصيلى إلى فندق قريب من مكان الدراسة .. تعجبت من حركته السريعة ونشاطه الزائد .. ما باله هذا الرجل .. لقد كان عنواناً للكسل والبلادة ..وايقنت وقتها ان ساعته البيولوجية قد انتظمت عقاربها مع ايقاع الحياة هنا .. ترى بماذا علق هو و صاحبيه على حركتى البطيئة .. سيعزونه بالتأكيد لفروق التوقيت ..هاها .

ظللت فى غرفتى ساعات جالسة بملابسى فاقدة للوعى تقريباً .. وأنا استخدم هذا التعبير عندما يتوقف ذهنى عن العمل ..أو عندما أنام ..وهولا يعنى اننى مغشي علي لا سمح الله .. لكنها مجرد فذلكة لفظية .. وقررت انى غبت بما فيه الكفاية ..فلنعد لدنيا الواقع .. وتوجهت الى الحمام .. كم أحتاج لحمام ساخن يعيد لى تفكيرى المنتظم .. ولكن ما أن وطئته حتى حاصرنى خوف من مجهول قد يقتحم المكان وأنا بغير ملابسى .. أو اننى قد أكون عرضة للتصوير من كاميرا مخبوءة هنا أو هناك ..

"صحبة آمنة يا أبتى .. هل يمكنك أن تسمعنى من هنا ؟ " .. صحت بها ثم كتمت صوتى .. فالميكروفونات قد تكون جاهزة لاستقبال كلمات الهذيان من عربية مسلمة .. ألقيت بنفسى على الفراش .. ويدى تمتد لتفحص هذه النسخة من الانجيل على المائدة المجاورة .. ترى أى انجيل فيهم هذا ؟؟ الحمد لله .. على الأقل هناك دين ..

آه .. وصلنا .

زاهية
14-06-2004, 12:21 AM
الغالية سنبلة

أنا معك خطوة خطوة ,أحسنت,ليحرسك الله

أختك فيه

بنت البحر

بثينة محمود
14-06-2004, 04:13 PM
الغالية ..شاعرة الواحة بنت البحر

اعتز بتواجدك وتشجيعك ..

هل لى أن أواصل ؟؟

بثينة محمود
14-06-2004, 04:14 PM
حوار
ــــــ

سألتنى عاملة المطعم الآسيوية الملامح وهى تضع أمامى طبقى المعتاد : هل تقولين لى أن الفلسطينى الذى يفجر نفسه بين الإسرائيليين ليس إرهابياً ..ما الإرهاب إذن ؟؟
عضضت على شفتى السفلى بقوة خشية انفلات كلمات كالقنابل تؤدى إلى محاكمتى بتهمة حيازة أسلحة دمار شامل .. وأشرت إلى شخص يجلس إلى طاولة بعيدة يناديها لتذهب إليه ريثما أرتب أفكارى .. كانت "كيت" فتاة لطيفة تحاورنى دوماً كلما اتيت لمطعمها ..تسألنى عن بلدى وأجيبها بما أعرفه عن كحل الفرعونية نفرتارى ..لم يحدث أن دخلنا مناطق الحوار الساخنة والملغمة قبل اليوم ..وعندما وقفت أمامى ووضعت الفوطة الصغيرة فى حزامها وشبكت ذراعيها أمامها لم أجد مفراً من الاجابة ..قلت لها وأنا أتحلى بالهدوء :
دعينى أشرح لك أولاً معنى الإستشهاد ..إنه ذروة التضحية يا عزيزتى ..لسببين ..أولاً لكونه فى سبيل الله.. وثانياً لأنه تضحية بأغلى ما يملك الإنسان ألا وهى حياته .. ألم تسمعى عن عقيدة مشابهة فى ديانات أخرى كالبوذية مثلاً .. ولكنها برأيى أقل مرتبة من الإستشهاد عند المسلمين ..لأنها تكون فى سبيل إله آخر غير الواحد الأحد ..أما ما يفعله الفلسطينى فهو إيمان راسخ بمبدأ الاستشهاد فى سبيل الله وفى سبيل الدفاع عن وطنه ضد محتل باغ ..
لم أكن أنظر إليها ..كنت منهمكة فى ترتيب أفكارى وأنا أشرح إحدى ثوابت الحياة لدينا .. وعندما نظرت لها أخيراً وجدت ما يشبه الفهم فى عينيها ..وتمنيت فى أعماقى أن تفهم ..فقد يكون هذا حجراً فى يدى لا ألقيه فى وجه المحتل لكنى أبنى به جسراً من الفهم بيننا ..
واخترت أن أسألها لأغير الحوار : لماذا تركت بلدك إذن يا "كيت " ؟؟
واجابتنى وهى مندهشة :أنا لم أترك بلدى ..ما الذى جعلك تسألين هذا السؤال ؟
حقاً ..ما الذى جعلنى أسأل هذا السؤال ؟ قلت لها : ملامحك ..أعنى..
قالت لى من بين ضحكاتها :أنا من أصول آسيوية لكنى أمريكية المولد والنشأة والعقيدة ..
لم أعلق على مسألة العقيدة ..فقد أحسست أنها فخ لإستدراجى لحوار آخر غير مستعدة له حالياً..
خرجت إلى الطريق وأنا أتساءل ..هل هناك بالفعل عقيدة خاصة ببلاد الحرية ؟ وعندما وصلت لغرفتى الصغيرة كنت قد تيقنت أن هذه العقيدة هى الفيروس القديم الجديد الذى يصيب أمماً بداء العظمة .. وبوهم أنهم شعب الله المختار..ألم يؤمن النازيون بهذا ..ومن بعدهم الصهاينة ..والآن ها هى بلاد الحرية تسقط فريسة لفيروس الأمم ..وبلا علاج مرتقب ..
تعبت من كثرة التفكير ومارست حقى الطبيعى فى الغياب عن الوعى ..

و .. تحاورنا .

زاهية
14-06-2004, 07:15 PM
يااااه بدأنا بالجدِّ ياسنبلة

إنني متشوقة لمعرفة كلِّ شيء عن كلِّ شيء واجهك في رحلة تحصيل العلم رغماً عن أنوفهم

أنا بانتظارك أخية

محبتك في الله

بنت البحر


يكفيكم فخراً فأحمد منكم 000وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن

زاهية
19-06-2004, 06:48 PM
أين أنت ياغالية

بثينة محمود
20-06-2004, 12:13 AM
ما زلت فى اوجاع السفر
ولكنى انتظر ما يمليه القلم
شكرا لاهتمامك اختى الغالية
واعدك بسرعة الحضور

اجمل تحية

طائر الاشجان
21-06-2004, 09:45 PM
ما زلنا في خشوعنا منصتين ، حتى تعطينا إشارة الانتهاء . ونرجو ألا تستعجلي النهاية .

تحياتي
الطائر

ليال
26-06-2004, 03:53 AM
هل ينبغي ان يمر علينا الكثير من الوقت قبل ان ندرك بأن طائر الحرية يولد حبيس اقفاصنا الصدرية وسيظل حبيساً إلى الأبد كطائر الكنار الأسير الحالم بالحرية التواق إلى الأفق وماذا لو قدر لهذا الطائر ان يحطم قيده ويحلق في الفضاء أعتقد بأنه سيتحول حينها إلى طائر عنقاء ,
هل تتذكرين مستحيلات الدنيا الثلاثة
الغول والعنقاء والخل الوفي
ببساطة لايوجد ثمة ما يعرف بالحرية الطليقة
ستظل الحرية اغنية حبيسة لن تغادر الشفاه
لطير اسير لن يحلق وصبح بعيد لن يشرق.

تحياتي الصادقة

د. سمير العمري
29-10-2004, 02:49 AM
سنبلة الواحة:

لم أرها قبل اليوم وآلمني ذلك جداً ... السبب؟؟ لأنها نشرت في فترة غيابي عن الواحة خلال سفري للوطن.

وجدتني هنا أـابع حروفك المميزة وفكرك السامق العابق بالنقاء العميق إلى المعاني.

أنضم إلى قائمة المنتظرين فلا تتأخري


تحياتي وتقديري
:os: