تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مع الموت



عبد الله راتب نفاخ
19-02-2011, 10:44 AM
أرى قبر نحام بخيل بماله


كقبر غوي في البطالة مفسد



(طرفة بن العبد)



أرانا موضعين لأمر غيب


و نسحر بالطعام و بالشراب





عصافير و ذبان و دود


و أجرأ من مجلحة الذئاب



( امرؤ القيس)


هل الموت يوحد بين كل الوجوه ؟ ........ و هل الموت جسر للعبور من أرض إلى أرض ؟ ........ أم إنه عالم جديد فيه غير كل ما شهدناه في هذه الحياة الدنيا المشوهة التي عشناها ؟



الموت الذي صورته خيالاتنا الطفولية التي استقيناها مما كان يملى علينا بكرة و أصيلاً ، و نشهده أينما حللنا أو ارتحلنا ، هيكلاً عظمياً مروعاً حاملاً فأساً يلاحق بها البشر الآمنين الوادعين فيسلبهم أعز ما لديهم ، ثم يدعهم جثثاً هامدة لا حياة بها و لا شعور .



و على كثرة ما عرفنا و رأينا من بعد ، ظلت الصورة في أذهاننا قريبة مما تعودناه إن لم تكن نفسه ، ولم يغيرها إلا الأفق الأزلي الغروبي الذي عرفه بعضنا فكان شمس نفوسهم التي غزتها فتغلغلت بها و خلقت فيها الحياة من جديد ، وكان الموت عندهم ظلالاً ليلية تصنع خفقان روح و وجدان ، بدل الخوف الذي رسمته في مخيلاتنا حكايات الجدات و أقاصيص السهرات الشعبية .



ففي الموت سمو لا تفقهه العقول التي نبتت و أينعت في مراتع الحياة الشهوانية ، و لو أدركته لتدرجت في سلالم الروح حتى تبلغ غيوم السموات ، لكنَّها أخلدت إلى ما ارتاحت إليه ، فبالموت تصل النفس قمة توهجها و إشراقها ، وفي اللحظة التي تفارق فيها الروح الجسد يكون الاتصال قد بلغ ذروته بين البشرية و الألوهية في نفس الإنسان ، و آل الصراع بين شهوات الإنسانية و آفاق الروحانية توافقاً مطلقاً بل اتحاداً لا فكاك له ، و لذلك كله وقت واحد لا بديل له ولا شريك ،هو لحظة الموت العظيمة.



و الموت ساعة تتحد فيها النفوس الإنسانية كلها ، برها و فاجرها ، و سيدها و عبدها ، و قويها و ضعيفها ، لأن عالم السماء لا مكان به لتقطيعات البشر وتصنيفاتهم التي ابتدعها بعض منهم و سايرهم بها من تبقى ، حتى غدت شريعة و قانوناً مخالفته عند كثير من الناس كفر ما بعده كفر ، فتتوحد الإنسانية التي نشأت من فرد واحد لترتد من بعد كفرد واحد في الموت و الفناء كما كانت في النشأة و الخليقة ، ذرة من حمأ مسنون نفخت فيها الروح فدبت بها الحياة .



و الموت فراق و لوعة ، لكنه تألق الإنسان المطلق الذي يعجز عن فهم كنهه أكثر الناس إلا من أوتي فكراً ، و ذلك ما بذلت شرائع الأديان جهودها لإيضاحه ، لكنّ سوء فهم البشر لمصطلحي الجنة و النار الخالدتين أضاع عمق الإدراك لهذه المعاني ،فأضحى الموت إشعاراً بقرب الحساب و العذاب و الأهوال فحسب ، دون أن يكون بشرى بوادي الحقيقة الذي لا يضيئه سوى نور الذات الإلهية الأعلى ، و تملؤه نسائم الروح و مزامير التسبيح الملائكية ، و قيثارات الألحان السماوية التي لا تنتهي ولا تزول ، ولو فهم الناس ذلك لطاروا بجناح الشوق دون إبطاء إلى مناهل الخير و جداول الإحسان يعبون منها ما استطاعوا ، و لفارقوا عالم الشر و تلاله الموحشة نفوراً منها و ابتعاداً ، و لآل الخوف من العقاب كراهة لما يوجبه لا رهبة و فزعاً من آلامه ، و لعم الخير هذه البسيطة بعد أن يعم نفوس ساكنيها و تصير أرواحهم طيوراً مغردة تبث ألحان الحب و الفرح و الجمال حيثما حلت .



تلك شاعرية الموت ، و الرؤية التي تخفف وطأته على من يهابونه ، و لو انتشرت بين كثير ممن يرددون ما يشبهها لكان فهمهم للحياة كلها مختلفاً ، و لكنّ من الناس من يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، و يزعمون أنهم عالمون وهم في الحقيقة جاهلون ......... و كثير ما هم ، و أولئك الذين يقفون من بحر الحقيقة عند شاطئه ، أما الذين يغوصون فيه فليتهم يرجعون ليخبرونا ما رأوا ، إذن لكنا في حال غير هذه ، و لعرفنا الوجود الذي نحن منه بدل أن نخبط فيه على غير هدى ، كأنما سكرت أبصارنا أو نحن قوم مسحورون ، لكن لعل قدرنا رأى الخير بما نحن عليه فأبقانا كذلك ، فرب صاحب عينين عمياوين أوعى و أدرى من صاحب ألف عين مفتوحة.

أماني عواد
19-02-2011, 11:47 AM
الاستاذ عبد الله نفاخ

الموت ذلك المجهول الذي يحتاج منا الاستعاد كل الوقت وبشتى الوسائل لمواجهته , تلك العبرة التي لو وضعناها نصب أعيننا لما حدنا عن الصراط المستقيم


ففي الموت سمو لا تفقهه العقول التي نبتت و أينعت في مراتع الحياة الشهوانية ، و لو أدركته لتدرجت في سلالم الروح حتى تبلغ غيوم السموات ، لكنَّها أخلدت إلى ما ارتاحت إليه ، فبالموت تصل النفس قمة توهجها و إشراقها ، وفي اللحظة التي تفارق فيها الروح الجسد يكون الاتصال قد بلغ ذروته بين البشرية و الألوهية في نفس الإنسان ، و آل الصراع بين شهوات الإنسانية و آفاق الروحانية توافقاً مطلقاً بل اتحاداً لا فكاك له ، و لذلك كله وقت واحد لا بديل له ولا شريك ،هو لحظة الموت العظيمة.
كنت رائعا هنا في وصف حالة الموت لحظة تأمل عميق

دمت بخير

عبد الله راتب نفاخ
19-02-2011, 02:07 PM
الغالية ...
الأستاذة أماني ....
ألف شكر لك لمرورك و تعليقك الطيب الراقي ...
دمت بخير

محمود فرحان حمادي
19-02-2011, 04:04 PM
ياليت شعري بعد الباب ما الدار
تقتنص الفكرة لتحولها بيراعك السيال
إلى مادة مشوقة جديدة
وها انت تصف
هادم اللذات ومفرق الجماعات فتبدع في وصفك
وتسبر أغوار هذا اللغز المحير والذي هو حق
نسأل الله أن يكتب لنا حسن الخاتمة
تحياتي أديبنا

اسماء مصطفى
19-02-2011, 06:23 PM
شكرا سيدي

تفكيرك حول الموت وكنهه اخذنا الى حقيقة مسكوت عنها
صحيح جلنا نؤمن بالقدر خيره وشره
وجلنا ندخل الموت في خانه "شره"
انما ننسى انه نوع من الخلاص من شرنقة حياة بئيسة مهما كثرت فتنها


تقديري واحترامي لعقلك ولقلمك

عبد الله راتب نفاخ
19-02-2011, 11:06 PM
ياليت شعري بعد الباب ما الدار
تقتنص الفكرة لتحولها بيراعك السيال
إلى مادة مشوقة جديدة
وها انت تصف
هادم اللذات ومفرق الجماعات فتبدع في وصفك
وتسبر أغوار هذا اللغز المحير والذي هو حق
نسأل الله أن يكتب لنا حسن الخاتمة
تحياتي أديبنا


بارك الله بكم أستاذي ..
كم يسعدني مروركم و تعليقكم العطر ...
سلمكم الله

ربيحة الرفاعي
20-02-2011, 12:14 AM
و الموت ساعة تتحد فيها النفوس الإنسانية كلها ، برها و فاجرها ، و سيدها و عبدها ، و قويها و ضعيفها ، لأن عالم السماء لا مكان به لتقطيعات البشر وتصنيفاتهم التي ابتدعها بعض منهم و سايرهم بها من تبقى ، حتى غدت شريعة و قانوناً مخالفته عند كثير من الناس كفر ما بعده كفر ، فتتوحد الإنسانية التي نشأت من فرد واحد لترتد من بعد كفرد واحد في الموت و الفناء كما كانت في النشأة و الخليقة ، ذرة من حمأ مسنون نفخت فيها الروح فدبت بها الحياة .

تلك شاعرية الموت ، و الرؤية التي تخفف وطأته على من يهابونه ، ....

قراءة سامية في أقسى ما عرفت البشرية من أشكال المعاناة
الموت بما يحمل من غموض الماورائيات وعذابات الفراق ولوعة الفقد
صحيح أنه للمتوفى يكون شأنا مختلفا، مهما كانت أسبابه وشكله، ولكنه للباقين رعب وعذاب حقيقيان، وهو أقسى بتمامه

لك حرف باهر مميز، يهطل من غيمات فكر عميق وحس نبيل

دمت بألق

محمد ذيب سليمان
20-02-2011, 10:15 AM
الأ
خ الكريم عبد الله

ربما كان كثير من الناس من لم يفهم الموت
وخوفهم من هذا الغامض العظيم لتعلقهم بالحياة وجهلهم لما بعد الموت
وهذا عن أصحاب الأيان السماوية الذين يؤمنون الجنة والنار ولكنهم
لم يغوصوا ليتعرفوا أن الآخرة ليست نارا تحرق فقط وليست جنة مريحة فقط
وقد أدعت حين وصفت مافي الآخرة غير ذلك من مشوقات وكلها مذكورة في القرآن
والقراءة السطحية أو عدمها للقرآن يورث ذلك الخوف العظيم من الموت
الإستعداد ليوم الرحيل هو ما وصت به الديانات وهو ما يقربنا الى حلاوة الآخرة
والسعي اليها وطلب الموت وعدم الخوف منه

سيدي لموضوعك أثر بالغ على النفس المؤمنة وربما كان التذكير

سببا في العودة الى مرضاة الله

شكرا لك

عبد الله راتب نفاخ
21-02-2011, 02:34 PM
شكرا سيدي

تفكيرك حول الموت وكنهه اخذنا الى حقيقة مسكوت عنها
صحيح جلنا نؤمن بالقدر خيره وشره
وجلنا ندخل الموت في خانه "شره"
انما ننسى انه نوع من الخلاص من شرنقة حياة بئيسة مهما كثرت فتنها


تقديري واحترامي لعقلك ولقلمك


أستاذتي الكريمة ..
لك كل تقدير و احترام و شكر ..
لمرورك الرائع هذا ..
بوركت

فاطمه عبد القادر
22-02-2011, 02:16 AM
ففي الموت سمو لا تفقهه العقول التي نبتت و أينعت في مراتع الحياة الشهوانية ، و لو أدركته لتدرجت في سلالم الروح حتى تبلغ غيوم السموات ، لكنَّها أخلدت إلى ما ارتاحت إليه ، فبالموت تصل النفس قمة توهجها و إشراقها ، وفي اللحظة التي تفارق فيها الروح الجسد يكون الاتصال قد بلغ ذروته بين البشرية و الألوهية في نفس الإنسان ، و آل الصراع بين شهوات الإنسانية و آفاق الروحانية توافقاً مطلقاً بل اتحاداً لا فكاك له ، و لذلك كله وقت واحد لا بديل له ولا شريك ،هو لحظة الموت العظيمة.





وعليكم السلام أخي عبد الله
هذة المقطوعة أعلاه توافق عقلي تماما
أوجدنا الله ,,ومنحنا الحياة لحكمة لا نعلمها
وحكم علينا أن نعيش فيها بكبد أي المكابدة حتى الموت ولا نعلم لماذا
ومن يعلم ؟؟؟؟؟
وهل يستطيع مخلوق ان يعلم حتى أبسط ما أوجده الله عز زجل ؟؟
لو تأملنا النظام الهائل الذي يسير به هذا الكون الرائع لأدركنا فورا كم نحن صغارا أمام هذة العظمة
ولو قالوا لنا يوما أنك يا ابن آدم ستذهب الآن وتعيش حياة طولها كذا على كوكب الأرض الذي أوصافه كذا وكذا/ قبل ولادتنا /هل كنا سندرك؟؟
بالطبع لا
وهكذا ,,,هي الآخرة
أشكرك كثيرا أخي على نصك العميق
ماسة

عبدالله المحمدي
23-02-2011, 09:59 PM
(( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ))صدق الله العظيم

الموت حق والجنة حق والنار حق


بارك الله فيك اخي عبدالله ....حبي وتقديري لشخصكم الكريم

عبد الله راتب نفاخ
12-03-2011, 09:16 AM
قراءة سامية في أقسى ما عرفت البشرية من أشكال المعاناة
الموت بما يحمل من غموض الماورائيات وعذابات الفراق ولوعة الفقد
صحيح أنه للمتوفى يكون شأنا مختلفا، مهما كانت أسبابه وشكله، ولكنه للباقين رعب وعذاب حقيقيان، وهو أقسى بتمامه

لك حرف باهر مميز، يهطل من غيمات فكر عميق وحس نبيل

دمت بألق


أستاذتنا الكبيرة ...
دوماً مروركم يشرفني ..
سلمكم ربي و حياكم ...
لكم كل تقدير و احترام

عبد الله راتب نفاخ
12-03-2011, 09:20 AM
الأ
خ الكريم عبد الله

ربما كان كثير من الناس من لم يفهم الموت
وخوفهم من هذا الغامض العظيم لتعلقهم بالحياة وجهلهم لما بعد الموت
وهذا عن أصحاب الأيان السماوية الذين يؤمنون الجنة والنار ولكنهم
لم يغوصوا ليتعرفوا أن الآخرة ليست نارا تحرق فقط وليست جنة مريحة فقط
وقد أدعت حين وصفت مافي الآخرة غير ذلك من مشوقات وكلها مذكورة في القرآن
والقراءة السطحية أو عدمها للقرآن يورث ذلك الخوف العظيم من الموت
الإستعداد ليوم الرحيل هو ما وصت به الديانات وهو ما يقربنا الى حلاوة الآخرة
والسعي اليها وطلب الموت وعدم الخوف منه

سيدي لموضوعك أثر بالغ على النفس المؤمنة وربما كان التذكير

سببا في العودة الى مرضاة الله

شكرا لك


أستاذنا الكبير ....
مروركم و كلماتكم عندي خير من النص نفسه ...
لأنها تحمل الفقه الحقيقي لما فيه ...
سلمكم ربي و أدامكم لنا

نداء غريب صبري
02-03-2014, 05:17 PM
الموت الذي صورته خيالاتنا الطفولية التي استقيناها مما كان يملى علينا بكرة و أصيلاً ، و نشهده أينما حللنا أو ارتحلنا ، هيكلاً عظمياً مروعاً حاملاً فأساً يلاحق بها البشر الآمنين الوادعين فيسلبهم أعز ما لديهم ، ثم يدعهم جثثاً هامدة لا حياة بها و لا شعور .

لقد أرجع المجرمون الموت لشكله الذي تخيلناه في طفولتنا
والحياة أيضا أصبحت في بلادنا هيكلا عظميا مرعبا يحمل فأسا ويلاحقنا

نثرك جميل وعميق ومؤثر أخي عبد الله

شكرا لك

بوركت