تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : من يسرقني من وجع المدينة



عبدالرقيب البكاري
25-02-2011, 04:36 AM
لم يتبق للمدينة من وجه النهار غير خجل تورد على الشوارع
خجل مما فعله المارون بها
وخجل من عري الأرواح الذي لم تفلح طهارة الغروب في غسله
حين تخلط الارواح قبحها في دخان السيارات
وعبايات النساء
وعلى صدور الاسواق المكتظة بالتناقضات
وحين يحين الغروب
تغرب معه الكثير من الأشياء
حتى أسئلتي التي لم أجد لها جوابا ترحل بصمت
تشيع غموضها ثم تنذوي مثل خيوط الشمس حين تغيب في الفضاء وتودع النهار

يحين الغروب
يرحل النهار
تلوح الشمس بكفيها
تقتبس مابقي من ذكريات
ثم ترحل غير آسفة على شيء من آمالنا التي لم يتحقق منها شيء
غير وجع يلهب الروح بسياطه الملتهبة

حان الغروب
فرحت المدينة
اعتادت أن تفسق بعد الغروب
حتى العاهرات والقانتات لا يعرفن طعم النهار
ولاروعة الصباح
حين يتوضأ النهار بطهر زغاريد الطيور
وحين يستحم الكون بخيوط الفجر البهية

النساء في قريتي يعشقن الصباح مثل عشقهن لأزواجهن
وأولادهن
وحين يصدح الأذان بخشوع
يهجرن كل شيء
حتى لحظات المتعة
ويشرق في أرواحهن عالم آخر من البهجة
ويوم جديد لا يحمل في تفاصيله سوى تعب لذيذ
وبهجة تذوب أمامها صخور الجبال حين يذهبن لالتقاط أعواد الحطب
النساء في قريتي لا يلبسن عباءات مخصرة
ولا يعرفن رائحة العطور
ولا التسكع في زوايا الاسواق
لكنهن يعرفن جيدا معنى الحب
والفناء في عالم يمتلئ بالبهجة والسعادة
لايعرفن عيد الحب ولم يسمعن به
أيامهن كلها حب
ولياليهن كلها عشق
يزرعن البسمة في شفاه الكون
والناس
والجبال
والحقول
ولا أحد ينظر اليهن بريبة

قالت لي جدتي يوما
- كانت العائلات تختلط في (ديمة) واحدة
نأكل رغيفا واحدا
ونشرب من كأس واحدة
ثم ننام في تلك ال(ديمة)

وحين يحين الغروب في قريتي البعيدة
تجتمع الطيور كلها
تنشد بصمت حزين
ثم تخلد إلى أعشاشها
العصافير
والطيور
والنسور
كلها تحتضن بعضها
وعندما حدثت جدتي عن (القهاوي) والاستراحات والكوفي شوب
قالت لي : هل تجدون فيها ما يغسل أرواحكم !!
أجبت بحزن
- لا
***

فمن يسرقني من هذه الضوضاء !
من يغسل وجع روحي؟
من يذهب بي إلى ذلك النهر الجبلي في قريتنا البعيدة
يبتسم النهر
الأرانب تفر بمرح
الغزلان تختفي بين الزروع
ثم تظهر وهي تتراقص على نغم الطبيعة الجميل
من يأخذني إلى شرفة منزلنا القديم
أتصفح الحقول بعين عاشق
وانغمس بين الأشجار بلوعة مشتاق
أتلذذ بصراخ الأطفال البسطاء
حين يسرقون السنابل خفية من الحقول

أه أيتها القرية
ليتني كنت شجرة مغروسة
يستظل بها الفلاحون والرعاة
وتنام الأغنام في ظلها وقت القيلولة

من يسرقني من وجع المدينة
وبؤس الشوارع
يرميني إلى آخر حقل
في تلك المدرجات التي بناها الأجداد وبنوا معها الشموخ
في أزمنة الإنكسار

محمد رامي
25-02-2011, 08:36 AM
قصة ... وقد تكون رواية
اختصرت الكثير بايجاز مثير
فقد شغلت مساحة واسعة من النفس
في حكمة عقل وسرد رائع
تدل على تمكن واضح في صناعة الكلمة
اقف باحترام متابعا امم هذا النص الكبير
تحيتي وورودي

نهلة عبد العزيز
25-02-2011, 09:54 AM
عزيزى



دوما تجبر القاريء على المكوث



طويلا امام نصوصك النثرية



ليس لشيء سوى تحقق المتعة


التي يطيب تكرارها بقرائة ما خطه قلمك وحسن احساسك



خاطرة تعبيريه


ماأجمل سلاستها


خالية من التعقيد


روعة قليلة بحقها


ابو نواف


تقبل مروري المتواضع


نور الجريوى

كاملة بدارنه
19-09-2013, 05:53 PM
نصّ بنكهة وجمال ما كان يوما..
سرق صخب الحياة هدوء الصّباح وسكينة المساء
جميل ما قرأت!
بوركت
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
08-10-2013, 06:40 PM
وجع المدينة عرّى فضاءات الأرواح من بهاء العفوية ونقاء البساطة

نص صادق الحس جميل الفكرة طيب الأداء

دمت بخير

تحاياي

فاتن دراوشة
11-10-2013, 08:00 AM
على قدر العفويّة والصّدق يكون هناء الرّوح وسعادة البال

لذلك ينعم البسطاء بحياتهم في حين يشقى بها من حظي بالثّروات والمشاريع

كلّ ما هو مصطنع قبيح بجوهره مهما تكلّف صاحبه من جهد وعناء لتزويقه

نثيرة راقية المضمون واللّغة

دمت بودّ مبدعنا

نداء غريب صبري
04-11-2013, 12:13 AM
نثر جميل تمرد على قتل العفوية والبساطة بحجة التطور
أمتعتني قراءته

شكرا لك اخي

بوركت

خلود محمد جمعة
05-11-2013, 10:16 PM
يمضي بنا العمر بلا استئذان نتسوق من أيامنا لحظات لا تعود
حقيبة الذكريات تمتلأ يوما بعد يوم
القطارات مسرعة
المحطات مزدحمة
الفصول متداخلة
والمدينة موحشة
من يسرقني من غربتي
نثرية جميلة
دام الوجع بعيدا
مودتي وتقديري

جمعة عبد العال
06-11-2013, 06:18 AM
الاديب عبد الرقيب تحية لروحك السامقة وهل هناك اجمل من الادب والشعر لتستغرق روحك استغراقا كليا وتهيم فى عالم راق وجميل يجعلك تحلق فى مدى ارحب من هذا العالم السفلى عالم المدنية المزيفة .

خليل حلاوجي
06-11-2013, 07:14 PM
في بلاد الإنسان المسكين ..
كل من يجلب فكرة جديدة علينا ...
نطرده .. أو نحرمه .. أو نحرقه ..
مسكين ياأيها القلب ..
أخيرًا صدقك الناس ..
فنجوتَ ..

د. سمير العمري
05-07-2015, 02:25 AM
الذي يمكن أن يسرقك من وجع المدينة هو نقاء الروح ورسوخ اليقين والبحث عن قيمة حقيقية في الحياة ودور ملهم تقوم به.
نص جميل اللغة مؤثر الحس لكنني رأيت لو عرضته بأسلوب الفقرة وعلامات الترقيم.
دمت بخير وعافية

تقديري

ناديه محمد الجابي
14-12-2016, 05:36 PM
تصوير جميل بحروف نثرت محملة بعميق المعنى وصدق الإحساس
نص رائع امتزج بالحنين وبلله ندى المشاعر
بحرف نابض بالروعة
بوركت ـ وبورك صدق المشاعر. :0014: