المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيب والقلب



د. سمير العمري
30-09-2003, 12:56 AM
وَأَضَاءَتِ الشَّمْسُ الظَّلامَ بِمَفْرِقِي= شَيْبَاً تَلأَلأَ فِي الصَّبَاحِ المُشْرِقِ
لا تَجْزَعِي يَا نَفْسُ مِنْ هَذَا الذِي = كَالفَجْرِ يَبْزُغُ بَعْدَ لَيْلٍ مُغْدِقِ
فَالعُمْرُ يَبْدَأُ حِيْنَ يَكْتَمِـلُ الفَتَى = خُلُقَاً وعَقْلاً فِي رِدَاءِ تَأَنُّقِ
وَالشَّيْبُ بُسْتَانُ الوَقَارِ وَرِحْلَةٌ= بَيْنَ التِقَاءٍ فِي الرُّؤَى وَتَفَرُّقِ
فِيْهِ التَّحَسُّبُ وَالتَّوَثُّبُ وَالنُّهَى= فِيْهِ الشَـبَابُ مُغَلَّفٌ فِي رَوْنَقِ
يَا رَبَّةَ الْحُسْنِ البَهِيِّ تَرَفَّقِي= لا تَعْذِلِي هَذَا الفُؤَادَ وَأَشْفِقِي
لا تَظْلِمِي بِالشَّيْبِ قَلْبَ مُعَذَّبٍ = يُخْفِيْهِ فِي حِصْنِ الوَقَارِ الْمُخْفِقِ
مَا زَالَ هَذَا القَلْبُ يَنْبِضُ بِالْهَوَى= إِنْ طَالَمَا تَجْرِي الدِّمَاءُ وَتَلْتَقِي
لَوْلا التَّعَفُّفُ وَالتَّرَفُّعُ وَالهُدَى= لَرَأَيْتِ مِنْهُ هَوَى الشَبَابِ المُغْرِقِ
لَكِنَّمَا الدُنْيَا بِضَاعَةُ خَاسِـرٍ= مَا لَمْ يُهَذِّبْهَـا الْحَلِيْمُ الْمُتَّقِي
نَبْكِي عَلَى سَاعَاتِ لَهْوٍ ضَائِعٍ= وَالعُمرُ يُبْحِرُ فِي السَّرَابِ بِزَوْرَقِ
هِيَ سَاعَتَانِ فَسَاعَةٌ تَمْشِي بِنَا= نَحْوَ الغُرُوْبِ وَسَاعَةٌ لِلْمَشْـرِقِ
تَطْوِي بِنَا الأيَّامُ رِحْلَةَ عَابِرٍ= يَسْعَى حَثِيْثَـاً لِلْمَنُوْنِ الْمُحْدِقِ
بِالأَمْسِ كَانَتْ لِلْطُفُوْلَةِ سَـاحَةٌ= وَاليَوْمَ يُسْرِعُ بِالشَّبَابِ وَيَشْتَقِي
وَغَدَاً لَنَا عِنْدَ الكُهُوْلَةِ مَوعِدٌ= هِيَ خَاتَمُ الدَّرْبِ القَصِيْر المُطْبِقِ
يَا رَاكِبَاً بَحْرَ الظُنُوْنِ مُسَافِرَاً = بِسَفِيْنَةِ الخِضْرِ التِي لَمْ تَغْرقِ
اللهُ أنقَذَهَا وَأَلْهَمَ أَهْلَهَا= أَنْ لا تَخَافُوْا مِنْ مَنُـوْنٍ مُحْدِقِ
وَكَلِيْمُ رَبِّكَ خَائِفٌ مُتَسَـائِلٌ= أَيَمُوْتُ مَنْ فِيْهَا بِفَعْلٍ أَخْرَقِ
إِنْ خَافَ رَغْمَ الْمُعْجِزَاتِ بِعِلْمِهِ = فَالخِضْرُ أَهْدَأُ مِنْ مُنَاجَاةِ التَّقِي
وَيَقُوْلُ لا تَفْزَعْ فعِلْمُكَ نَاقِصٌ=حَتَّى تَرَى أَيْنَ السَعِيْدُ مِنَ الشَقِي
اللهُ أنَقَذَهَا وَأَغْرَقَ غَيرَهَا= كَي تَسْتَبِيَنَ بِهَا العُقُوْلُ وَتَرْتَقِي
فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ هَلْ تُرَاكَ مُغَيِّراً= نَامُوْسَ رَبِّكَ فِي الأَنَامِ بِمَنْطِقِ
لا وَالذِي سَمَكَ السَمَوَاتِ العُلَى =وَقَضَى بِهِنَّ الرِّزْقَ والعُمُرَ البَقِي
كُلٌّ لَهُ فَضْلٌ وَكُلٌّ سَابقٌ = وَلَرُبَّمَا بَعْضُ الفَضَائِلِ لَمْ تَقِ
وَلَرُبَّمَا تَأْسَى بِيَوْمٍ مُظْلِمٍ= وَلَرُبَّمَا تَرْجُوْ بِلَيْلٍ مُشْرِقِ
وَلَرُبَّمَا السُّفَهَاءُ تَغْرَقُ في الذُرَى=وَلَرُبَّمَـا أَهْلُ العُلا لَمْ تَلْحَقِ
وَذَوِي جُهُوْدٍ رِزْقُهُمْ فِي جَدْبِهِ = وَذَوِي خُمُوْلٍ رِزْقُهُمْ غَيْثٌ نَقِي
هَذَا هُوَ المَكْتُوْبُ مِنْ رَبِّ الوَرَى= لا فَضْلَ فِيْهِ لِمُوْسِرٍ أَوْ مُمْلِقِ
فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ كَرَّتَيْنِ وَقُلْ لَهَا=يَا نَفْسُ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُكِ فَاعْتِقِي