مشاهدة النسخة كاملة : عزف تحت نافذة المعشوقة ..أقصوصة .
عبدالغني خلف الله
03-03-2011, 05:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
عزف تحت نافذة المعشوقة ( أقصوصة )
عبد الغنى خلف الله
الحلقة الأولى
أناديك بشتى الأسماء ..أُسميك الكرى والعنادل .. الأشياء والأماكن البعيدة .. ومرة أدعوك انتظار العيد ..الحلم والروعة المستحيلة ..واسمك كان الأغنية العذبة التى تبحر فى ضباب الضباب ..أُسميك شموخ الذرى ..نعومة الكثيب المهيل ونتف الغيوم السابحة فى البعيد البعيد ..وتتوالى السماء ..فأدعوك حكمة الشاطئ ..سر الغابة وغموض الصحراء ..لكن اسمك يهرب منى .. يهرب فلا أجده .. وكانت أسماؤك فى عطش شرايينى عبيرًا وكلمات وارتداد سكون ..كانت أسماؤك موسيقى وخلودًا وأغاريد .. وعندما ضاع اسمك بين فمى وضميرى عدت أُسميك البعاد ..المسافة والنزوح وأغوص بعيداً فى بئر المرارة الفاقمة أناديك ولا اسمع سوى رجع الصدى وعويل الريح ..نعم حبيبتى ..يا تناغم العصافير فى الأماسى الرمادية ..أين أنت وكيف ومتى ولماذا؟ ..الأشياء ماضية فى ثباتها القديم والزمن حقيقة والحزن حقيقة وأنت أجمل الحقائق التى تخطاها الزحام ..انظرى إلى الشمس وهى تتدفق شلالاً من الضياء بين ظلٍ ومسافة .. وهنا وهناك الصمت الماثل بين الرصد والانتظار .. أسطورة أم رؤى ؟ .. خيال مجنح أم طيف شرود ؟ وبينما تقافز بضعة أقدام عند حافة النهر لا يبدو أنه يثير فضول النوارس العائدة من خلف الأفق فإنّ ثمّة اتحادا وثيقًا بين الموج والصّدى .. حبيبتى يا صغيرتى العزيزة..اغمضي عينيك المسافرتين فى فضاءات الشرود واعتصرى حتى الذوبان فنجان القهوة وحافة المقعد .. ولا تدعي منديلك المغسول بدموع المطر يهرب من حمى معاناتك ..واغفري لكل ذلك البهاء وقد توسد الوجه الجميل القامة الباسقة والخصر الغريق .. إنى أتذكر تلك الأيام .. إنها تعيش بكل ذرة من كيانى بكل نبض فى قلبى وكل بارقة فى خاطري ..تعيش وتتوهج بكل دخان من الحرائق التى اشتعلت بخافقي ..إنها تشرنق أخيلتى ..تسافر بعيدًا بهذه الناحية من الكون حيث صورتك البعيدة وأشواقى السادرة فى توهمها ترحل بلا انقطاع باحثة عنك .
كانت الصالة الكبيرة مستسلمة للملل .. غارقة فى عادية قاتلة والموسيقى الهادئة تندس بين المقاعد وخلف النوافذ وأنا أحدق فى وجوه الحاضرين ولم يجد كوب الشاى الثالث شيئًا إزاء النعاس الذى كان يسيطر عليّ ..وبينما أنا أزداد نعاسًا فى آخر الصالة دلفت أنت إلى الداخل مختبئةً خلف رجل طويل القامة مهيب المظهر وبدون أن أدري وقفت وعيناى معلقتان بوجهك الذى لم تتضح كل معالم جماله بعد تماماً مثلما ينبثق النور فجأة فى غرفة شديدة الظلام .. والخطى المتئدة تقطع المسافة نحوى وأنا شبه مصقوع وقد غامت بعيونى الرؤى وبقيت أنت كما النار المتقدة فى غابة من الجليد .. قدم مدير المستشفى ذلك الرجل بعبارات تنضح توقيرًا وتأدبًا وهمهمَ كلانا بعبارات الترحيبب المعتادة التى تفرضها مثل تلك الظروف .. أعلن أنه يشتري نصف اللوحات المعروضة ويهديها لجمعية أصدقاء المرضى .. ولم أبد أية مشاعر نحو هذا التشجيع الكبير فقد كنت مستغرقًا في ما يشبه التأمل متطلعًا نحوعينيك وقد أطرقت حياءً ..وبعد جولة سريعة فى زوايا وردهات المعرض شرحت فيها مغزى بعض اللوحات التى استرعت انتباه ذلك السيد غادرتما الصالة وكأنما أطفئت الأنوار من جديد .. وعاد كل شيء إلى سكونه السابق ولكن ما عاد ذلك الشيء ينعس فى دواخلى .. فكان الرعاف ..تُرى من أنت .. وما هو اسمك ؟ وأسئلة كثيرة باتت تعذّبني .
كاملة بدارنه
03-03-2011, 06:26 PM
..
الأشياء ماضية فى ثباتها القديم والزمن حقيقة والحزن حقيقة وأنت أجمل الحقائق التى تخطاها الزحام .
جميل أن تكون هي الأجمل وتخطّاها من بين الحقائق الصّعبة المذكورة ، ونتمنّى لبطلنا أن يجد الإجابات لأسئلته .
لغة سرديّة جميلة وشائقة أستاذنا عبد الغني .
تقديري وتحيّتي
( تقبّل منّي أستاذي التّصحيحات اللغويّة ؛لأنّ بهاء النّص في التّحرر من أخطاء الطّباعة أيضأ )
عبدالغني خلف الله
03-03-2011, 08:26 PM
الرائعة المترفة الأستاذه كاملة لك ولكل الذين توقفوا عند هذه المحاولة القصصية الإعزاز والود ..أقول محاولة لأنها أول إصدارة لى في سبتمبر1985 ..أشكرك على التصويبات لأننى أقوم بتأليف أعمالى على الكى بورد مباشرة مع أمنياتى لك ولمن حولك بموفور الصحة والعافية .
ربيحة الرفاعي
04-03-2011, 02:36 AM
هطول إبداعي جديد
ومتابعة جديدة بذات التشوق لحرف لا يسلم قارئة حتى يملأه توقا للحلقة التالية
بانتظار التالية أستاذنا
دمت بألق
خالد الجريوي
04-03-2011, 11:06 AM
سيدي الأستاذ
عبدالغني
وكأن النيل بروعته قد إنساب في حنايا مدادك
في كل قصة .. نقرأ الحاله بكل تفاصيلها
وهذا دليل تألق الكاتب
سيدي
سأتابع كل ما تكتب
لأتعلم وأستمتع
تقدير كبير
لأديب كبير جدا
علياء محمود
04-03-2011, 11:40 AM
اتابع استاذي ..
الله يعطيك العافية ..
احترامي..
عبدالغني خلف الله
04-03-2011, 01:04 PM
الحلقة الثانية
[B][SIZE="6"]نعم حبيبتى ( يا ومضة السنا ويا أغنية النهر الذى يرتجف على يقظة الريح ) .. عندما أشرق ضياؤك فى الصالة مرة أخرى بصحبة صديقتك ( هدى ) لم أصدق عينيّ وكنت قبل مجيئك أتساءل ماذا أصنع وكيف أعيش فى عالم لا يحتويك ..فوجدتك بسيطة ..شفافة ورقيقة ..كنت حين أوجه كلامى إليك ترتعش عيناك وتغفو رموش لا مثيل لها ويفترّالفم الطفولى عن ابتسامة عذبة والعينان النجلاوان تنظران نحوي بشوق تداريه إيماءات خجولة .. وتصحو كل ألوان الطيف عبر نضارة الخد المتورد .. وإفترقنا (لتنشر الريح الخبر المضطرم .. بكى رعد غريق طوال الليل ) وشرع شيء ما بذاكرتى يؤرخ لذلك اليوم .
حبيبتى ..فاتنتى ..حتى تلكم اللحظة لم تكونى تعرفين الكثير عني ..ولم أشأ تجريح رحابة تلك الدقائق الغالية بتفاصيل شبيهة بما بكتب بالبطاقة الشخصية ..يكفى أن ميلادى مكتوب بأهداب عينيك وبحضورك الأنيق استعدت ذاكرتى وهويتى .. ولكن معذرة إن ثرثرت قليلاً .. والدى من ضواحى مدينة ( بارا ) ووالدتى من قرية تقبع فوق سفوح ( الخوى )، ومن ألف عام إزدحمت المسافة بينهما بالحروب، والذكريات الأليمة والذكريات . .وبرغم ذلك التقيا ذات يوم حول إحدى الآبار .. فنسيا عطشهما .. نسيا جوعهما .. شرب من نظراتها فأحسّ بالرطوبة تبلل شفتيه، وتأملته بشئ من الخوف فاندلق نصف الماء من دلوها . وحينما سطع البرق وشال السحاب استيقظا على ثغاء الشياه التى أحست بدنو العاصفة وهى لم تشف غليلها بعد .. عندئذ التفت كل منهما لواجبه ..كانا يتركان دلاءهما تتصافح وتتصادم ومن ثمّ تستريح هنيهة عند حافة البئر ..ثم تتثنى وتتلاحق من جديد ..وحين افترقا كان والدى يطلب يدها فى نفس الأمسية عند بئر لا يعرفان اسمها .. فعادت قافلة أبى بدونه وعادت قافلة أمى بدونها وتوجه الاثنان نحو ضواحى مدينة ( الأُبيّض ) ليؤسسا مجد حبهما الوليد ..فكنت أنا نتاج تلك العاطفة المبذولة صدفةً بأرض مجهولة .
كان أبي يرفض فكرة الاستقرار بالمدينة، ويرفض كذلك فكرة الدراسة. وكثيراً ما سمعته وهو يردد على مسعمي ...لا وألف كلا يا ولدي ..لن تتركني لتعيش في المدينة بعيداً عني .. مكانك هنا بهذا السهل بين مراعينا وماشيتنا .. ولكنني أقنعته فى نهاية الأمر .. بحزنى القاسى وصمتى المطبق .. فاستكان الرجل ووافق رغما عنه ..قال لى وهو يساعدنى فى صعود إحدى الشاحنات ( على بركة الله يا بُنى وفى رعاية الله وحفظه ) .. وبعد سنين عديدة التفت لأجد نفسى فى حفل التخرج من كلية الفنون الجميلة وبعدها التحقت بحقل التعليم معلماً للرسم وقالوا لى اذهب إلى محافظة البحر الأحمر ومنها لمحافظة الجزيرة ..وهكذا تريننى موجودًا بينكم .
[COLOR="DarkRed"]
عبدالغني خلف الله
04-03-2011, 01:09 PM
تعلمين يا ابنتى الغالية ربيحة أن ما أكتب لا يساوى الحبر الذى كتب به إن أنتم لم تكونو هنا ..جمعة مباركة .
عبدالغني خلف الله
04-03-2011, 01:11 PM
الإبن الغالى خالد القاص والشاعر المبدع ..سعادتى لا توصف لأنك هنا ..جمعه مباركة .
عبدالغني خلف الله
04-03-2011, 01:13 PM
إبنتى الأديبة المترفة علياء ..لك ولكل الرائعين بهذه الواحة الوريقة إعزازي ومودتى .جمعة مباركة .
عبدالغني خلف الله
05-03-2011, 02:22 PM
الحلقة الثالثة
عزيزي أيها الرجل الغريب ..بالأمس كنت طفلة صغيرة لاهيةً أنشر الفرح والتوهج براءاتى ولثغتى المحببة وفى ذات يوم قالت لى أمى ..لا تتجولى متبرجة هكذا يا( أميمة ) ..ألم تلاحظى بأنك ما عدت طفلة يا ابنتى ..إنك كنزنا الوحيد وشجيرتنا الخضراء ..بهجة هذه الدار .. ومذ ذاك اليوم لم أعد أغادر المنزل بالصورة التى كنت أفعل .. حتى صديقاتى لا ألتقيهن إلا لماماً وكنت أقضى معظم الوقت أقرأ الشعر وأختلس سماع الموسيقى من مذياع صغير محاولة أن ألج دنيا المشاعر الغامضة تلك .. دنيا العشق التى صنعتها الأغانى وصنعتها من أوهامى وأخيلتى ..والنغم المموسق .. جيشان الوجد والبوح المنمق يبحرون بى بعيداً بعيداً فاشعر وكأن إنسان ما يخرج من المذياع آخذاً بكفى مشيعاً أجواء الدفء والجمال فى حنايا قلبى .. وكان كل شئ غامضاً ومعذباً ..آه من ذلك الصوت المبحوح صوت المغنى المنساب الذى يزيد من توترى وضياعى ..ويمضى الليل مداعباً ومؤنساً والنجوم الصغيرة تشير لى وتوشوشنى بلذيذ الكلام .. والعبير الفواح تحت أذنى وبكفى يداعبنى ليهلَّ طيفك من خلف غيمة مسافرة يدغدغ أوهامى وأشواقى ويثير سكون البراكين الساكنة فى دمى ..والآن وقد صرت حقيقة وليس وهماً ..حقيقة من من لحم ودم ونبض فوار ..نعم حبيبى .. يا سمائى وحقل تفتحى وأغاريدي ..كنت أتمرغ فى ذلك الصباح تحت أغطيتى ورزار المطر ينقر زجاج نافذتى وموسيقى صباحية ناعمة تتهادى من مكان ما ..وكان المطر يبعث فىّ إحساساً بالخدر اللذيذ ..وبين الفينة والفينة تصفر الريح وهى تسافر فى الفضاء الفسيح بلا كلل أو ملل ومن بعيد عانقتنى أصوات مختلطة فى تناسق عجيب ..منها صياح بقرتين حلوبتين بالمنزل المجاور لنا .. ذلك النداء المحبب بين الأم ووليدتها الموثقة بإحدى الغرف ..لعلّه الرزاز يمنع صاحب البقرة من النهوض لحلبها ومن ثمّ إتاحة الفرصة للقاء متعجل تمتص فيه شفاه عطشى ثدياً معطاءً لأم حُبلى بالدفء والحنان ..حركت جسدى إتقاءً لبرودة التيار وأرسلت تنهيدةً عميقةً هى مزيج من الحزن واللاشيئية .. وقلت لنفسى ..صباح جميل ويوم جديد كالأمس وما سبقه من أيام وشهور ..فماذا أتوقع ؟ ..لا شئ ..لا شيء ..تجملت بالفريضة وسألت الله فى سري أن يجعل هواجسى ذاك الصباح خيراً .. وأشرقت الشمس دفعة واحدة فاندفع الضوء إلى الداخل وكأنه شخص مطارد رغم ما أفاءه من إشراق ..وتسلل النعاس إلى جفونى مرة أخرى لكننى تحاملت على نفسي ..نهضت من مخدعى وطوّحت بذراعىّ خلف رأسى وأعدت ربطة شعرى ومن ثمّ وقفت أتأمل الكون ..أيقظنى منظر الجدران الطينية المجلودة بدموع المطر والمياه لا تزال تتدفق من أسطح المنازل متخذة طريقها عبر الفوهات الصغيرة المحفورة بالأسوار إلى باحة النهر ..وعبر الباب سمعت صوت أمى تسألنى إن كنت قد استيقظت لأنضم لأفراد الأسرة الذين تحلقوا حول أوانى الشاى وبينما كنت استمتع بحمامى الصباحى هالنى التغير الذي حدث فى بنية جسمى فارتديت ملابسى على عجل وأنا أرتعد من شدة الخوف .. وتذكرت حينها ما قالته لى أمى .. وفى ثنايا الغرفة الكبيرة إنتظم الكل وهم يتبادلون التعليقات المرحة وانهمكت أمى فى توزيع أكواب الشاي والفطائر .. سألنى أبى وهو لا يزال يداعب حبات مسبحته .. إن كنت مستعدة للذهاب معه للسوق الخيرى ..لم أصدق دعوته تلك وهو الذي لم يعتد الالتفات لمثل هذه الأشياء .. ولا الغياب مطلقاً عن المصنع الذي يمتلكه مناصفة مع والد صديقتى وزميلتى بالمدرسة ( هدى ) ..سألته وأنا أقضم قطعة من الخبز .. وماذا يعرضون يا أبى ؟ .. أخبرنى أن الأستاذ بشير أستاذ الفنون بثانوية البنين يعرض لوحاته بدعوة من جمعية أصدقاء المرضى ..وبالطبع وافقت ..فلن أكسب شيئاً ببقائي فى المنزل ..وفى الطريق إلى المعرض خالجنى شعور غريب لا أدرى كنهه وتحول قلبى إلى كرة صغيرة تضرب بعنف جدران صدرى وعندما دخلت متأخرة بضعة خطوات عن أبى أحسست بما يشبه الدوار .. وراعتنى العيون الكثيرة التى انصبت علىّ دون رحمة .. فتقدمت ممسكة بذراع والدى ومن على البعد ترائي لى شخصك هلامياً كطيف مجهول .. هتفت فى سرى يا إلهى ..يا إلهى .. وقلت لنفسى أنظرى يا (أميمة ) إلى ذلك الشخص النحيل صاحب العينين القلقتين القابع بآخر الصالة .. وجه مكدود وقوام ممشوق .. يدان سالفتان وبشرة نظيفة ..شهق شيء ما فى داخلى عندما استقرت عيناك بوجهى لا تبرحه وشعرت بمناداة الجذور عبر الشفاه المضطربة ولم استطع بعد ذلك معاودة النظر إاليك .. اختفت الملامح النبيلة من عيونى وتراكضت الموسيقى بدمى .. ومرة أخرى وأنا بغرفتى رأيت نفسى خضراء متألقة .. رحيبة كالأرض ..سامقة كنخلة وسابحة كالأراجيح ..وظللت أحدق بالساعات الطوال فى سقف الغرفة أحلم باللقاء وبمشاوير كثيرة من السعادة وربما العذاب وخيبات الأمل والضياع إن لم أرك ثانية إلى أن أطلت صديقتى هدى لتوقظنى من تأملاتى تلك فحكيت لها ما رايت وبثثتها مخاوفى وظنونى .. فاقترحت علىّ أن نذهب معاً لزيارة المعرض حيث التقينا مجدداً .
عبدالغني خلف الله
06-03-2011, 09:44 AM
الحلقة الرابعة
وعقب ذلك اللقاء لمحت هدى بينما كنت في طريقي إلى منزلي ويبدو أنها انتهت لتوها من شراء بعض الحاجيات من السوق وهتفت يا للمفاجأة السارة ومشينا على الطريق المحازي لشاطئ النهر والذي كان خالياً من المارة في تلك الساعة.. قالت لي ..ترفق ب (أميمة ) ، لقد أحبتك وجنت بك جنوناً لا يوصف .. وأنت الإنسان الوحيد الذي استطاع أن يغزو قلبها وكثيرون قبلك حاولوا ولم يفلحوا.. وأخيراً جئت أنت ليجرح كل منكما رفيقه .. لست أدري هل نذرتما نفسيكما للحب أم للعذاب؟.
أخذت منها بعض اللفافات التي كانت ترزح تحت ثقلها حدثتني وهي تبتسم في طفولة مرحة ..بالمناسبة سأطلب من شقيقى دعوتك لحفل عشاء نقيمه بمناسبة سفره للخليج وهو مغرم جداً بالفن التشكيلى المعاصر ويعشق التصوير الفوتغرافى وسيُسر بمعرفتك .. تكتلت الحروف تحت لساني وأنا اسألها ..وأميمة هل ستأتي ؟ لا بالطبع .. همهمت..أميمة لايسمح لها بالتغيب خارج منزلهم .. وخاصة في الأمسيات.. وعندما اقتربنا من منزل أسرتها ودعتني وهي تجدد دعوتها لى لكي أحرص على الحضور واختفت سالكة أحد الشوارع الجانبية وكانت في تباعدها رائعة وأنيقة.
عدت لغرفتي ووضعت إبريق الشاي على الموقد الكهربائي وجلست محدقاً في اللاشيء محتضناً طيف حبيبتي.. كانت تقول لي ونحن في المعرض .. بأنها خارج هذه اللعبة الغريبة التي ترهقون أنفسكم فى رسمها و تسمونها الحب .. تكفيني الفرجة والأحلام وتأملاتي الخاصة .. والآن وبعد أن رأيتك أخاف أن اقول في يوم ما بأنني جربت حلاوة الحب وعذاباته.. ما معنى كل شيء إذا كنا لانعرف مصائرنا.. عاجزون دائماً مستسلمين للغد والظروف ما تخبئه الأيام.. قلت لها المستقبل من صنعه سبحانه وتعالى والظروف رهينة بإرادته..وخطانا محسوبة ومقدرة سلفاً ومن كُتبت عليه خطىً مشاها كما يقولون .. نستطيع أن نبحر معاً في عوالم الإشراق والجمال حيث مرافئ الفيروز والمرجان .. فأحيا بك ومعك .. فرغت من إعداد الشاي ورشفت بالقدر الذي أعاد لي حيويتي ونشاطى وبدأ الشعور بالخلق يتنامى بذهني فأمسكت فرشاتي وبدأت أضع الألوان بلوحة جديدة لم أك حتى تلكم اللحظة أملك تصوراً معيناً لها وهنا أطل طيفها بابتسامتها الملائكية .. رقيقة وناعمة وشفافة.. بدأت برسمها فإذا بعينين حالمتين واسعتين وفم صغير .. وارتبكت الألوان وارتجفت الفرشاة ..ومض ضوء مثير خلال الخطوط المبهمة .. تلك الصبية اليانعة كيف تجسدت بكل هذا الثراء بتحريض من معاناتي في لوحة رائعةكهذه ,, بيد أنها لم تستكمل بعد .. وكيف لفرشاتى المسكينة لملمة أبعادها بكل ما فيها من عفوية وإشراق.
محمد ذيب سليمان
06-03-2011, 12:08 PM
وكلما مررت بقرب /ك لابد لي من الوقوف وبعدها التوقف والمكوث
وربما القيلولة في ظلالك الوارفة علني أجد بين أشيائك التي تزفها لنا
ما يخدر أنفاسي المتلاحقة وأنا ألاحق بنات أفكارك بعد أن ألبستها شفيف الثياب وزينتها بمساحيق الجمال
حتى وقد بدت امامي بأنوثتها طاغية يستسلم لها تفكيري ولا أستطيع الفكاك منها والتخلي عن دور العاشق لها
لست أدري وفي كل حلقة أراني قبل أن أضيع في التفاصيل أضع نفسي في دور البطل
أو اقاسمه متعته وعذابه , قلقه وهدوءه صمته ووجيبه , زفراته وآهاته , كبرياءه واندلاقه
أيها الراقي ... ليس لي إلا الإنحناء
ومطالبتك بالتعويض فقد أثرت كوامنا
ربما تكون بطلتك إحداها
شكرالك
عبدالغني خلف الله
06-03-2011, 02:55 PM
وكلما مررت بقرب /ك لابد لي من الوقوف وبعدها التوقف والمكوث
وربما القيلولة في ظلالك الوارفة علني أجد بين أشيائك التي تزفها لنا
ما يخدر أنفاسي المتلاحقة وأنا ألاحق بنات أفكارك بعد أن ألبستها شفيف الثياب وزينتها بمساحيق الجمال
حتى وقد بدت امامي بأنوثتها طاغية يستسلم لها تفكيري ولا أستطيع الفكاك منها والتخلي عن دور العاشق لها
لست أدري وفي كل حلقة أراني قبل أن أضيع في التفاصيل أضع نفسي في دور البطل
أو اقاسمه متعته وعذابه , قلقه وهدوءه صمته ووجيبه , زفراته وآهاته , كبرياءه واندلاقه
أيها الراقي ... ليس لي إلا الإنحناء
ومطالبتك بالتعويض فقد أثرت كوامنا
ربما تكون بطلتك إحداها
شكرالك
هذه معزوفة أم رد سريع .. قل لى بربك ايها اشاعر المسكون بالجمال..لكلماتك أريج البنفسج ورائحة الوطن الجميل ..لكأنك مزمار عتيق يوزع الأناشيد فى الساحات ليغسل عن قلوبنا أوجاعها الخرافية ويعيدنا للزمن الجميل ..عزيزي محمد ..إعزازى ومودتى وأمنياتى لك ولمن حولك بموفور الصحة والعافية ودمتم فى رعاية الله وحفظه .
مازن لبابيدي
06-03-2011, 05:59 PM
أستاذي الحبيب عبد الغني خلف الله
المتعة تصحبني كلما اندسست بين سطور قصتك ،
تمتلك مقدرة مبهرة في الوصف والسرد نتعلم منها الكثير .
بحثت عن الحلقة الثانية فلم أجدها ! هل هي مشمولة في الحلقة الأولى ؟
عبدالغني خلف الله
07-03-2011, 08:46 AM
أشكر من كل قلبى اهتمامكم وقد حدث لبس بسيط وستعود الحلقة مصححة عبر الأستاذه القديرة كامله بدارنه وقد طلبت منها مراجعة كل الحلقات للتصويب متى ما كان ذلك ضرورياً ..أتمنى لك التوفيق فى أموركم الخاصة والمهنية ودمت ومن حولك فى رعاية الله وحفظه .
عبدالغني خلف الله
07-03-2011, 08:53 AM
الحلقة الخامسة
وكعادتي دائماً صحوت مبكراً في صبيحة اليوم التالي ولازال ضباب الفجر يحجب عني ضوء النجيمات التي تباعدت هنا وهناك وغام في عيوني لون رمادي داكن وهو كما تعلمين اللون المحبب لنفسي من بين جميع الألوان.. لأنه لون غامض ومعزول.. فهو يغريك ولا يدعوك وهو يخفي انفعالاتك وتستطيع أن تستند عليه إذا ما حاصرتك الأحزان وذرفت عيناك الدموع.. وفيما مضى كنت استوحي اللون البنفسجي واستدعيه في الساعات المبللة.. وهو يرمز في خاطري إلى فتاة شغفت بها وأنا طالب بالسنة الأولى بكلية الفنون.. كنت قد جئت إلى الخرطوم وقد ازدحمت في نفسي مشاعر كثيرة شتى من الخوف والإقبال والعزلة.. هل كان ذلك حباً ؟ لا أظنه وما احسب ذلك يا حبيبتي.. فالحب لك وحدك.. وما أشعر به الآن وما أحسه نحوك لا يمكن أن يقاس بأية مشاعر سيطرت علىّ قبل أن ألقاك..
أشرق الصبح وغمر الكون.. وبالرغم من ذلك استمرأت الرقاد ورحت أفتش في زوايا ذاكرتي عن أية كلمة.. أية همسة .. أية إيماءة منك لم يسبق لي استعادتها وشعرت أن وجهك مثل القصيدة الجميلة مع كل قراءة جديدة تتكشف معان جديدة وهذا ما يعذبني فيك يا (أميمة ).. في البداية تراءى لونك لي بسمرة داكنة وعندما يفتر ثغرك عن ابتساماتك المبعثرة يزدهي البني والبني الغامق ويرقصان على انغام طبول غير مرئية .. كان التحول من حياة البداوة في ضواحي الأبيض إلى دنيا معهد الفنون بالخرطوم نقلة سريعة اشاعت الفوضى في حياتي وأفقدتني تماسكي واتزاني اللذين عرفت بهما وكانت حواء مبعث تعاستي وسر تمزقي.. حواء الخرطوم شيئاً آخر يختلف تماماً عن فتيات الفريق بقريتنا النائية.. فالطبيعة تقسو على بناتنا في الريف.. والفتاة عندنا تعمل في الزراعة وترعى الأغنام وتعتني بأطفالها وفوق كل ذلك مطلوب منها أن تظل جميلة في مجتمع يعشق الجمال بكل مقاييسه ولكن بطريقته الخاصة..
وفي الخرطوم هزمتني جيوش الجميلات المتأنقات وأنت تعلمين رهافة وشفافية وجدان الفنان .. أعجبتني تلك الفتاة وكان اسمها "سوزان" ولم تأبه لما حدث لأنها لم تدرك حتى اليوم كنة مشاعري نحوها آنذاك.. هل كان ذلك حباً؟ بالطبع لا يا أميمة.. إن أحلى جميلات الكون لا تساوي إبحاراً لدقائق معدودات في سماء عينيك.. إن الحب امتلاك لدوران الفرح واستعداد فطري للحروب والأغنيات وذوبان حتى آخر شعاع في باحة العذاب.. إنه إحساسك بأن شخصاً ما يبذل دمه وروحه من أجل عينيك...
كانت تتقدمني ببضع خطوات.. طفلة لاهية مدللة وتتوقف لحظة فأكاد أمسك بها ولكنها تقفز متباعدة وقد أرخت خصلاتها للريح ويحمل الشاطي الآخر صدى ضحكاتها المموسقة .
آه حبيبتي..رجاءً توقفي قليلاً .. حبيبتي انتظريني.. حبيبتي ارحميني.. ولكنها تجري ولا تتوقف ثم تتهاوى على الرمل وقد تلاحقت أنفاسها من الركض.. وفجأة يظهر أمامنا كهف غطت أرضه رمال ناعمة وبدت عند مدخله أعشاب خضراء طويلة.. إلى الكهف
هتفت ..إنه ربع أحلامنا فتعال يا منية نفسي تعال حل وثاقي .. أمنحني ذاتك وذكرياتك خذني بعقلك قبل عينيك دللني وتوجني أميرة وغنني أغنية الخلود..
غرزت جسمها في الرمل وتأود قدها الأملود وهمست لي في دلال.. حبيبتي يا ملتقى خواطري ويا مبعث تفاؤلي وغبطتي ، ضفائر شعري غزلتها من أجل أصابع يديك.. أه من صوتك إذ يبحر في عروقي.. وفي غمرة العتاب أدركت أن مثل هذا النعيم لا يتحقق إلا في الأحلام.. يا ويلي لو كنت أحلم، وفجأة تجمعت في الأفق زوبعة مخيفة.. وولولت الريح والإعصار يقتلعنا من نداوة الرمال ويقذف بنا إلى البحر وفجأة بدت لى أميمة بدون ذراع.. بدون وجهة ورويداً رويداً تحولت إلى تمثال من الحجر والتمثال يتحرك ويخترقني موغلاً بين أضلعي وارتعبت عيناي وصرخت لأصحو على قرع شديد بالباب ..نظرت إلى سقف الحجرة والصباح يلف الكون بدفئه الناعم وآليت على نفسي ألاّ استجيب لطارق في هذا الوقت وأمضيت نهار ذلك اليوم مستسلماً لنعاس متصل وأنا استرجع حلم البارحة بكل تفاصيله حتى الأشياء والألوان وأدق التفاصيل وقد كنت فيما مضى لا استطيع تذكر ما تصوره أحلامي أثناء النوم .. إذ كان كل شيئاً يبدو باهتاً وغير منطقي تذكرت أنها كانت ترتدي قميصاً أبيض ورداء أزرق بلون البحر تركته يتساءب بخصرها ..كانت تتفجر صبى وجمالاً تضحك بحرية وامتلاء وحاولت أن أجد تفسيراً معقولاً لرؤيتها بلا وجه وبلا ذراع ثم كيف تحولت إلى تمثال من الحجارة ..كيف ؟ ووجدت نفسي أغوص في أحلام من اليقظة جد طويلة ولم ينقذني من تلك الدوامة إلا إحساسي بضياع الوقت بالنسبة لدعوة شقيق هدى .
عبدالغني خلف الله
08-03-2011, 09:35 AM
الحلقة السادسة
كانت بضعة سيارات تقبع أمام البوابة الفخمة وعدد من الأطفال يمرحون في أردية حلوة داخل وخارج المنزل وبينما أنا اقترب من المدخل المزدان بالثريات اعتراني إحساس طاغٍ بالغربة والضياع.. ولجت إلى بهو الدار الفسيحة من غير أن يشعر بي أحد.. وهمست في أذن أحد الصبية راجياً منه أن يبلغ (هدى ) بوصولي واختفى لتهّل بوسامتها المعهودة أنيقة وجميلة .. فأعادت ابتسامتها العريضة هدوء أعصابي الذي فقدته منذ أن غادرت منزلي.. اقتادتني إلى فناء آخر تجمع به عدد لا بأس به من المدعوين والمدعوات.. وكان الانسجام بادياً على الوجوه.. انسحبت لتعود برفقة أحد الأشخاص خمنت أنه شقيقها.. أحطته بنظرة فاحصة وهو يتقدم نحوي وأحسست بأنني لن ارتاح لصحبته.. ثم تعارفنا ودعاني للجلوس إلا أنها أخذتني إلى حيث يقف الآخرون، وكنت طوال الوقت أحاول أن انسجم مع الجو العام الذي أحاط بي.. كل الوجوه نظيفة وأنيقة وكلٌ تملؤه الثقة بالنفس.. استأذنتني لبرهة من الوقت وتركتني وحيداً.. وقفت أتأمل الجميع ولكن سرعان ما عادت وعلى أسارير وجهها أكثر من معنى.. والتفت لأجد أكثر من فتاة تبتسم لي وعرفت أنها تستعدي على رهافة قلبي بعض صديقاتها وهو الذي أضحى أسيراً ل( أميمة ) دون سواها.
وبدأ الحفل في صالة كبيرة أغلقت نوافذها وأبوابها بعد وجبة عشاء جاهزة ..وغمر المكان طوفان من الموسيقى الراقصة وتقدم أحدهم وتمنى باقتضاب سفراً موفقاً للمحتفى به وهمهم هو بكلام غير مفهوم رداً على المتحدث ودخل إلى حلبة الرقص أكثر من فتى وفتاة.. واهتزت الأجساد الغضة مع إيقاع الموسيقى فأفقدني ذلك اتزاني وتماسكي وانتابني إحساس بالضياع لا يقاوم ونظرت فإذا كل الذين من حولي لم تتجاوز سنهم العشرين بينما أضرب أنا على جدار عامي الثلاثين.. وعلمت في تلك اللحظة أنني لا أملك الوقت الذي يكفي لبدايات جديدة ومشاعر جديدة.. الماضي كان يتسع لكل شيء.. فإذا أنا لم أظفر بهذه أو بتلك فعندي الغد وما بعده.
شعرت وأنا في العشرين من عمري بالقيمة الفعلية لكون الإنسان في مقتبل العمر.. وناجيت نفسي قائلاً.. إنك والله لمحظوظ لأنك بعيد جداً من الشيخوخة .. وكان المستقبل بكل غموضه ومفاجأته بانتظاري وقدرت بأن أمامي أكثر من عشر سنين للاستمتاع بوقتي قبل التفكير في الارتباط وهموم الوظيفة.. وكنت إذ أتذكر بأنني مازلت طالباً أشعر بارتياح شديد.. كان الجو العام بمعهد الفنون الجميلة رائعاً ولذيذاً وكان حولي أكثر من إنسان استطيع الاعتماد عليه.. هنالك الكثيرون من يعشقون تبادل الأفكار وسماع والموسيقى، وكانت بضعة أبيات جديدة لشاعر من الشعراء الذين نحبهم كافية لإشاعة البهجة في نفوسنا لأيام عديدة. كانت هناك رباب ودالية سارقة الأقلام وهاجر سيدة الصمت المعبر، وفتحيه العملاقة وإلهام الرائعة وسكينة بعيونها الجديدة.. بالرغم من روح التنافس على استحواذ إعجاب الطالبات ومناكفات بعض الأشقياء من الطلبة فقد كان كل شيء حقيقياً وموجوداً..
إنني إذ أجلس الآن وسط هذا الموج الشبابي المتلاطم أشعر بغربة وبيأس وألمس فداحة السنوات الثلاثين التي أرهقت كاهلي.. أين تشوقاتي وأحلامي.. أين أنتي يا حبيبتي في أية شرفة من شرفات الظن ألتقيك، لو كنت معي في هذه اللحظة، هذه الدقيقة، هذا الكسر الزمني المسمى بالثانية.. إنني محتاج إليك.. أريدك الآن.. الآن أريدك.. أريد وجهك أمام عينىّ.. أريد البشرة الناعمة .. وتمرد المسافات .. لاسترد عافيتي.. لأتخطى هزيمتي.. أريد يديك فهما لبلابة حب تسندني..هما ملاذي ومأواي، لأعانق مرفائي الضائع في زحمة الخلجان.. أنا الملاح التائه في بحار الزمن..قواربي حطمتها الصخور الناتئة وأشرعتي مزقتها سطوة الأعاصير لكنني أبدأ أبعثر الأمواج بانتظار الوصول.. وإذا كان الهلال الذي أضاء هذه الناحية من الكون يمهلني بعض الوقت ربما سألقاك وسأرمي مرساتي إلى الأبد أقبّل أفراح الشواطئ وأشواق الأرصفة .. فلا كنا يا زمان الفقد والنزوح حلماً وانتظاراً بالموانئ الباردة ، لا كنا يازمان الفرح الضائع تيهاً واغتراباً .. وأنت يا صغيرتي العزيزة.. لهفي عليك يا قوافلاً ظمئت لاتكاءة بواحة العمر.. لهفي عليك يا جناحاً مهيضاً يبحث عن أعشاش البقاء.. حبيبتي .. غاليتي.. يا أروع رمش تأنق في عرائش الجفون.. يا حبيبة اليوم والغد والآنذاك.. نفسي فدىً لخاطر يحترق في أعمق أعماق حناياك.. نفسي فدىً لذوب أنفاسك.. لصوتك الذي تغار منه زُغب العصافير.. أين أنتِ الآن؟ الآن أين أنتِ؟ أراك تجدلين شعرك الطويل في ضفيرتين، تطاردين الفراشات بحديقة منزلكم، تعبئين زجاجة العطر التي اندلقت هذا الصباح . لذلك أنا يا أنا أكثر أبناء الحزن تعاسة وكذلك القرط الذي أنهكه التجديف بعيداً عن كتفك المهمل.. الموسيقى تتحدر شلالاً من النشوة وأنا اتراجع إلى حزنيّ الذي صنعته عيناك وأسلمت نفسي لطوفان النغم الجميل، وأبحرت بي طبول الإيقاع ملتهمة شرانق الحزن المقيم وإذا بالكون طريقان رحيبان في انتظار خطاي السعيدة.. طريق قرب شواطئ تصحو على الحب والضحك وطريق بين حدائق عارمة الخضرة .. وحاولت أن أنسى همومي .. أن الغي شخصيتي لأعود من جديد ذلك الطفل البريء الذي يبعزق الإبتسام والدموع ويزهو كالغرس الجميل بأفياء الحديقة.. والإيقاع تهويم فوق مدارج النجوم وإبحار إلى جزر الانتباه.. وأغمضت عينيّ أمام روعة النغم المنساب.. منحتها قلبي وأسراري وغفوت ثانيةً ثم صحوت على تقافز الخيول الذاهبة لأعراس الخلود وقبل أن أهدأ تماماً بدأت أفقد إحساسي بالحيوية والعنفوان.. ورويداً رويداً صمتت الموسيقى وإذا بي من جديد ذلك الإنسان المتعب.. أسير
حزنه ومعاناته.. المطمئن إلى حتمية معايشته اليومية لهموم الحياة.
ز
مرشدة جاويش
08-03-2011, 02:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
عزف تحت نافذة المعشوقة ( أقصوصة )
عبد الغنى خلف الله
الحلقة الأولى
أناديك بشتى الأسماء ..أُسميك الكرى والعنادل .. الأشياء والأماكن البعيدة .. ومرة أدعوك انتظار العيد ..الحلم والروعة المستحيلة ..واسمك كان الأغنية العذبة التى تبحر فى ضباب الضباب ..أُسميك شموخ الذرى ..نعومة الكثيب المهيل ونتف الغيوم السابحة فى البعيد البعيد ..وتتوالى السماء ..فأدعوك حكمة الشاطئ ..سر الغابة وغموض الصحراء ..لكن اسمك يهرب منى .. يهرب فلا أجده .. وكانت أسماؤك فى عطش شرايينى عبيرًا وكلمات وارتداد سكون ..كانت أسماؤك موسيقى وخلودًا وأغاريد .. وعندما ضاع اسمك بين فمى وضميرى عدت أُسميك البعاد ..المسافة والنزوح وأغوص بعيداً فى بئر المرارة الفاقمة أناديك ولا اسمع سوى رجع الصدى وعويل الريح ..نعم حبيبتى ..يا تناغم العصافير فى الأماسى الرمادية ..أين أنت وكيف ومتى ولماذا؟ ..الأشياء ماضية فى ثباتها القديم والزمن حقيقة والحزن حقيقة وأنت أجمل الحقائق التى تخطاها الزحام ..انظرى إلى الشمس وهى تتدفق شلالاً من الضياء بين ظلٍ ومسافة .. وهنا وهناك الصمت الماثل بين الرصد والانتظار .. أسطورة أم رؤى ؟ .. خيال مجنح أم طيف شرود ؟ وبينما تقافز بضعة أقدام عند حافة النهر لا يبدو أنه يثير فضول النوارس العائدة من خلف الأفق فإنّ ثمّة اتحادا وثيقًا بين الموج والصّدى .. حبيبتى يا صغيرتى العزيزة..اغمضي عينيك المسافرتين فى فضاءات الشرود واعتصرى حتى الذوبان فنجان القهوة وحافة المقعد .. ولا تدعي منديلك المغسول بدموع المطر يهرب من حمى معاناتك ..واغفري لكل ذلك البهاء وقد توسد الوجه الجميل القامة الباسقة والخصر الغريق .. إنى أتذكر تلك الأيام .. إنها تعيش بكل ذرة من كيانى بكل نبض فى قلبى وكل بارقة فى خاطري ..تعيش وتتوهج بكل دخان من الحرائق التى اشتعلت بخافقي ..إنها تشرنق أخيلتى ..تسافر بعيدًا بهذه الناحية من الكون حيث صورتك البعيدة وأشواقى السادرة فى توهمها ترحل بلا انقطاع باحثة عنك .
كانت الصالة الكبيرة مستسلمة للملل .. غارقة فى عادية قاتلة والموسيقى الهادئة تندس بين المقاعد وخلف النوافذ وأنا أحدق فى وجوه الحاضرين ولم يجد كوب الشاى الثالث شيئًا إزاء النعاس الذى كان يسيطر عليّ ..وبينما أنا أزداد نعاسًا فى آخر الصالة دلفت أنت إلى الداخل مختبئةً خلف رجل طويل القامة مهيب المظهر وبدون أن أدري وقفت وعيناى معلقتان بوجهك الذى لم تتضح كل معالم جماله بعد تماماً مثلما ينبثق النور فجأة فى غرفة شديدة الظلام .. والخطى المتئدة تقطع المسافة نحوى وأنا شبه مصقوع وقد غامت بعيونى الرؤى وبقيت أنت كما النار المتقدة فى غابة من الجليد .. قدم مدير المستشفى ذلك الرجل بعبارات تنضح توقيرًا وتأدبًا وهمهمَ كلانا بعبارات الترحيبب المعتادة التى تفرضها مثل تلك الظروف .. أعلن أنه يشتري نصف اللوحات المعروضة ويهديها لجمعية أصدقاء المرضى .. ولم أبد أية مشاعر نحو هذا التشجيع الكبير فقد كنت مستغرقًا في ما يشبه التأمل متطلعًا نحوعينيك وقد أطرقت حياءً ..وبعد جولة سريعة فى زوايا وردهات المعرض شرحت فيها مغزى بعض اللوحات التى استرعت انتباه ذلك السيد غادرتما الصالة وكأنما أطفئت الأنوار من جديد .. وعاد كل شيء إلى سكونه السابق ولكن ما عاد ذلك الشيء ينعس فى دواخلى .. فكان الرعاف ..تُرى من أنت .. وما هو اسمك ؟ وأسئلة كثيرة باتت تعذّبني .
نص مائز بسرديته
وفنيته و مغزاه المعنى في حالة النفس الذاهبة للنعاس
حين تسترد الهمس الجميل وتحتضن بالاهتمام يرحل ذلك الهاجس
علائق جميلة من خلال الشخوص
لغة رشيقة و واثقة
وانفعالات تؤثث في مكنو ن النص وتنبعث من المبطو ن
للخارج و المحيط وتتناسل بالتو اشج
نص عالي الحسية
سلمت استاذي الفاضل
تحاياي
عبدالغني خلف الله
10-03-2011, 06:10 PM
أستاذتى الغالية مرشدة ..هذه شهادة أعتز بها كيف لا وهى تصدر من مبدع جمع بين الذائقة المرهفة والنقد العلمى الممنهج ..تحياتى وتوقيرى سيدتى .
كاملة بدارنه
10-03-2011, 07:28 PM
أستاذنا عبد الغني شكرا على منحي ثقتك لتصحيح ما يظهر من أخطاء غير مقصودة خاصّة وأنّ اللغة السّرديّة الشيّقة التي تزيّن النّص تستحقّ الاعتناء بها .
لكنني أفضّل عكم التّصحيح مباشرة بعد الورطة التي وقعت فيها ، بسبب انقطاع النّت الفجائي والتكرّر ، ويمنع ذلك حسب نصّ رسالة من الإدارة ، بل أشير إليها وباستطاعتك العودة للنّص للتّغيير ومن ثمّ حذف الملاحظة
تقديري وتحيّتي لإبداعكم القيّم
الأخطاء في الحلقة الثّانية :
ضياؤك- أوجّه- شيء- فاتنتي- عنّي- ازدحمت- دلاءهما- الاثنان- وحفظه- اذهب
عبدالغني خلف الله
12-03-2011, 02:19 PM
شكراً جزيلاً يا ابنتى المبدعة كامله وأعود فأقول ثقتى فى قدراتك بلا حدود وأرجو الدخول مباشرة على النص والتصويب .هذا مع عاطر تحياتى .
عبدالغني خلف الله
12-03-2011, 02:20 PM
الحلقة السابعة
وافتقدتني هدى من جديد.. وبعكس ما توقعت تغيرت صورتها الأولى وانسحب ذاك الوهج الطفولي المفرح ليحل مكانه حزن غامض ران على قسمات وجهها.. همست في أذني.. أشعر بالإختناق .. هل ترغب في الخروج من هنا.. ؟ نعم ..نعم ولم لا ؟! ..انتحت بي جانباً من المنزل لايكاد يمر به أحد.. بادرت وسألتها عن سر تغيرها المفاجئ.. بدت وكأنها لم تسمعني .. سرحت ببصرها بعيداً.. بعيداً وأرسلت زفرة عميقة ثم أشاحت بوجهها تحاول أن تمنع الدموع التي سالت في صمت على خديها محركة بركة أحزاني بعنف نهنهاتها وتأوهاتها وغمغمت.. تلك قصة مشاوير من الشجن والحزن والهزائم عشتها خطوة بعد خطوة.. وثانية إثر ثانية.. كنت متفائلة وبريئة وكل أخطائي تمثلت في ثقتي اللامحدودة بالآخرين.. حدث ذلك قبل عامين عندما ذهبت إلى الخرطوم لقضاء العطلة الصيفية بعد عامي الدراسي الأول بالثانوي العالي .. تلك المرحلة التي أوهمتني بأنني كبرت وأن الوقت قد حان لأتذوق طعم الأشواق التى اكتمها في أعماقي وبالطبع حللت بمنزل عمي الذي يعيش بصفة دائمة بالخرطوم.. وبينما كانت العربة الفارهة تتهادى بي من موقف السيارات.. قلت لنفسي هذه فرصتك السانحة يا هدى للدخول إلى تلك العوالم الغامضة من الحب والعشق والمناجاة.. وكنت أسمع أن مجتمع الخرطوم لا يلتفت كثيراً إلى تصرفات الأشخاص بعكس مدينتنا الهامسة الصغيرة.. ولحسن الحظ كان عمي متغيباً ، الشيء الذي سيتيح لي فرصة أكبر للتحرك بحرية..أخذتني منى بنت عمي بالأحضان وحملت عني حقيبتي ثم اعطت السائق قائمة بطلباتها وتأبطت ذراعي وسعادة حقيقية تلون وجهها الجميل.. كانت تكبرني بعام واحد ولكن يخيل لمن يرانا أننا توأمان.. وفي غرفتها قلت لها لقد كبرت وتغيرت أفكاري ومعتقداتي.. فأنا قادمة هذه المرة لأعيش.. لأبتهج.. أريد أن أتعرف على جميع أصدقائك بالخرطوم.. وقد لا تصدق أنني كنت أعني ما أقول.. فقد كنت محتاجة لإنسان يقفز بي من طفولتي إلى مرحلة النضج الحقيقي.. قاطعتني قائلة.. مهلاً.. مهلاً ياعزيزتي الإقليمية.. هنالك فارس نبيل سأتصل به ليحضر إلى هنا ويأخذك على صهوة جواده الأبيض الذي تقول حوافره خطفتها خطفتها.. هتفت بفرح عارم.. صحيح.. من هو.. وما اسمه ؟ وعشرات الأسئلة قذفت بها دفعة واحدة في وجه منى.. نظرت نحوي وهمست.. كوب من الشربات وحمام سريع وسأتصل بمجدي وعمر ليسلما عليك في التلفون.. وفي المساء ألقت بحفنة من المعاذير بوجه والدتها التي رجتها ألا تتأخر. وتدحرجنا في الشارع نحو المكان الذي حدده صديقاها.. وكان عمر لوحده بالعربة وقد صُدمت منى في بادئ الأمر لتغيب مجدي ولكنها استعادت مرحها بسرعة.. وفي داخل العربة تعارفنا وهى لم تأخذ إنطلاقتها الحقيقية بعد. ولعلك ترى كيف سارت الأمور كأنما كل شيء قد خقطط له منذ شهور.. وعندما صرنا لوحدنا ران صمت كثيف بيننا وترك كل واحد منا الفرصة لرفيقه ليبدأ بالكلام.. وبعد أقل من نصف ساعة كان يقص علي أدق أسراره.. وقال لي بصوته العميق، تخاصمت مع خطيبتي بعد رحلة من الأحلام الوردية امتدت لثلاثة أعوام.. نسيت أن أقول لك أنني أعجبت بشخصيته منذ الوهلة الأولى فقد بدا لي ناضجاً ورائعاً بشكل لا يوصف.. واستطرد قائلاً: وحتى هذه اللحظة لا أفهم لماذا كنا نصدق أنفسنا أنا وأميرة .. كنا نتوهم بأننا امتلكنا السعادة وأننا نستطيع أن نفعل ما نريد .. كان كل واحد منا يتلهف للقاء صاحبه.. يموت من أجل رؤيته وسماع صوته وعندما أحب كل واحد منا رفيقه وأفنى ذاته فيه.. اكتشفنا أن كل ما قلناه ليس إلا أكذوبة كبرى كنا أول من صدقها.. واليوم لو استطيع إرجاع عجلة الأيام لبضع شهور.. لو استطيع.. فقط لواستطيع.. كنت أحفظ كتلميذ مجتهد كل ما كانت تقوله لى ..كل همسة حب.. كل دمعة شوق وكل اعتراف.. كانت تبكي بدموع المطر لمجرد تأخري عن موعدها لدقائق قليلة..و رويداً رويداً وجدتها وقد تحولت إلى إنسانة جادة ومتعجرفة وللأسف منطقية كأعظم استاذ في الفلسفة.. كل براءتها.. كل طفولتها وبساطتها.. دهشتها من الأشياء وعفويتها ضاعت منها وتحولت إلى آلة حاسبة لايقدر على مجاراتها سوى العقل الالكتروني.. كان من السهل عليها الوصول إلى استنتاجات لا مهرب منها.. تجيء دامغة ومتوافقة في .. ماذا؟ في تذكيري بأنني مقصر وأنني أناني وأنني صرت غير محتمل واختفت تلك الانسانية الرقيقة التي تخاصمني حينما لا التفت إلى قميصها الجديد.. إلا أفهم كيف كيف يستطيع الواحد منا إلغاء طبيعته الأصلية.. وتركتنى مني بعد أن عمقت في خاطري جرحاً لا يندمل.. وأنت رائعة وجميلة ومقبلة على الحياة بكل هذا التفتح، فهل يستاهل رجل مثلي جرب مشاكل الحب وخاض غمارها زهرة فواحة مثلك..؟ أخشى عليك من الحزن ينثال غلالات.. غلالات فيحجب عنك روعة أعماقي المغمور بالمآسي.. أخشى عليك من بحار المرارة والأسف تغرقين بين موجها الصخاب وأنت دالية أفراح لم يفترعها عصفور ونافذة تضيء ضباب الكون .. وغداً وبعد غدٍ إذا كنت سألتفت ولا أجدك أو القاك وقد صرت مثلها تتهربين من ملاقاتي وتنسجين حولي الأكاذيب.. إذا كان سيحدث لي ذلك معك يوماً ما تأكدي أنني سأموت أو افقد عقلي وإذا كانت مشاويرنا لن تتصل فخير لنا ألا نبدأ.. أخاف من بداية جديدة وأنا لم أتطهر تماماً من أحزاني الماضية.. صرت لا أقوى.. صرت لا أحتمل أية مجازفة جديدة.. صرت أخاف من الظروف والمستقبل وأشياء كثيرة غير منظورة وأحس بأنني مطارد.. وبأنني ملعون.. ضغطت بعنف على يده دون أن أشعر وكنت قد اسلمته أصابع يدي يدعكها في ايقاع لم ينقطع.. وبرفق أخذ كفي إلى شفتيه وغمرها بقبلات صامتة وعذبة.. أسندت رأسي على كتفه وسبحت في سعادة لا تصدق.
قلت له.. يجب أن تعطيني الفرصة لأبرهن لك أنني اختلف تماماً عنها أنا لست عاطفية كالآخريات لذلك لا تتوقع أن ترى دموعي.. وإذا كان لابد من البكاء فسأبكي لوحدي وسيكون رعافي إلى الداحل.. إنني أحس بأنني سأحبك وأريدك أن تعلم أيضاً بأنني لست عشوائية ولا أؤمن بالحب من أول نظرة ولكنك تحمل الكثير من ملامح الإنسان الذي أبحث عنه.
وتوالت مشاويرنا وانصل اللقاء أسابيع وشهوراً وبالرغم من كل ذلك خدعني عمر.. ماذا كان بإمكانى فعله ولم أفعل لأبقيه قربي.. لقد منحته طفولة شبابي.. الهبت مشاعره بأشواق بهارية عمقت في خواطره عذوبة الذكريات وزرعت في مسامه عطشي ورعونتي وانطلاقي..وبالرغم منكل ذلك تكنى هكذا بكل بساطة ليتزوج ابنة عمه ..وكأن الرجل بأنانيته البغيضة يحتاج لامرأة للحب وأخرى للزواج ..يتحول من هذه لتلك بدون أن يشعر ولو للحظة بتأنيب الضمير وربما تكون تلك قاعدة الكثيرين من الرجال ..يقول الواحد لنفسه لقد سمحت لى بلمسها وغداً تفعل الشيء ذاته مع آخرين ..لقد مضى عمر وخرج من حياتى وانتهى الأمر بعد أن أعطانى درساً فى الحياة لا يقدر بثمن .
عبدالغني خلف الله
13-03-2011, 08:22 PM
الحلقة الثامنة
نعم ..نعم يا عزيزي بشير ..كثيراً ما أسأل نفسى لماذا تغير عمر فجأة وبدون مقدمات ؟! ..أين أفكاره الحرة عن الناس والحياة التي كان يقنعني بها ويفرضها عليّ ؟ أين نظرته للأشياء بل أين تفهمه لمشاعري ورغباتي .. لقد تغلغل بضميري وحفظته عن ظهر قلب .. وتعودت على عذوبته ورقته .. وتعودت على ضعفه وسذاجته .. وتعودت على حكمته ومعرفته بكل شئ .. لكنه خدعني عمر.. فهل يجوز أن يخدع المعلم تلميذه.؟؟
كان يقول لي .. لاتضغطى على مشاعرك ياهدى ، افعلي ماتعتقدين انه الصواب .. لا تلتفتي للأقاويل والإشاعات .. إنها حياتك أنت .. إنها عذاباتك ومعاناتك وحدك .. كوني واثقة ومؤمنة بنفسك .. لا تعطى الفرصة لإنسان أياً كان قدره ليمارس ساديته فيك ويلتذ لإذلالك .. كان يقول الكثير والكثير وكنت استمع وأنا مبهورة بما يقول عمر حبيبي وسيد مشاعري ..فكيف ينفذ حكمه بإعدامي دون أن يمنحني الفرصة للدفاع عن نفسي..
لقد فهمته .. فهمته ولن تستطيع أي واحدة غيري إسعاده .. إنه محتاج لي .. إنه يريدني ولابد أنه آسف الآن ونادم على مافعله بي .. ولكن ماجدوى كل ذلك .. ماجدوى أي شئ ؟ فأنا نفسي لا أتمنى له الألم .. انه معلق هنا بقلبي يتأرجح يمنة ويساراً مثل هاجس لا يهدأ أبدا .. انه يلاحقني بطيفه وذكرياته وأصدائه .. آه من رنين صوته العميق بأذني..
كنت أتمنى أن أذوب في ثناياه .. أن أغوص في أعماقه أن أتدفق مع دمائه .. أن أنام بوجهة .. لقد اربكتنى مأساتي حتى أنني لم اعد قادرة على البكاء .. فهل يفلح الحزن أحياناً في تحويلك إلى جماد ؟ .. في بعض الأحيان أظل ساهرة طوال الليل أفكر وأناقش نفسي ولا أعثر حتى على ظل من ظلال الحقيقة .. لماذا حدث لي ماحدث ؟ ، لقد آمنت في لحظة ما .. وفي مناسبات كثيرة أنه لا شئ يمكن أن يفرق بيننا .. هل يعتريك الشعور أحيناً بأن هذا الشئ يخصك بما لايدع مجالاً للشك ؟ لقد توصلت إلى قناعة تامة بأنه يخصني وحدي ولن يشاركني فيه أحدُ.. إنني لا اطلب منه إيضاحات .. ولا تبريرا لدوافعه .. ولا اطلب من الأيام اعتذاراً عن سوء الحظ الذي أصادفه .. فقط أريد أن أنسى .. فقط لو أنسى..
وارتجف الليل حزناً وتأثراً وهي توجه حديثها الرافض إلى وجهي عبر الظلام الكثيف .. هكذا أصبحت أنا الخاسرة الوحيدة .. وصرت ضحية مثل الكثيرات اللواتي وقعن في شراك الحب بنجاواه الغامضة والمعذّبة .. أحيانا أقول لنفسي إن الرجال لا يستحقون البكاء والأسف عليهم .. لأنهم أنانيون مخادعون وجبناء بشكل أو بآخر.. إنهم يعيشون معنا تحت سقف واحد ولكن أنظر إلى سقف المنازل التي تضمنا معاً .. لماذا جعلوا لها أكثر من مدخل .. باب للرجال هو الأكبر والأكثر فخامة وباب صغيرة وحقير للنساء.. وفى ضمير كل ساحة نصبوا ذلك الحائط الأعمى ليفصل بين غرف النساء والرجال رمزاً لاضطهاد المرأة وشاهداً على إذلالها .. نصنع نحن الأكل ليأكل الرجل هو وضيوفه ويبعث لنا الأواني الفارغة .. إنني لا أثير قضية ًضد كل الرجال فهنالك من هم أكثر صدقية وحميمية منا نحن معشر الفتيات ولا ضدك أنت يابشير لأنك فنان في المقام الأول .. والفنان لا يمكن أن يصبح أنانياً .. فأنت تحترم المرأة .. وتعشقها .. وتوقرها من خلال رسوماتك ولوحاتك .. لقد رأيت حبك للمرأة أكثر من مرة .. رأيت ذلك الشئ ينداح بعينيك في آخر لقاء ضمناً مع أميمه وحاولت اقتناصه .. حاولت اصطياده ولكنه كان يخصها وحدها .. وكان نفس الشئ يومض بين جفنيك ويتهادى باتجاهها مقبّلاً وسامتها .. هائماً بين قسماتها .. كنت أراقب وأتأمل محاولة استعادة ذلك الإيماض القديم وهو يتململ بعينّي عمر .. لكم أحبه برغم انه أضاعني .. لماذا أضاعني وقد حرصتُ عليه لماذا .. لماذا ..؟ أرجو ألا تعتقد أنني أحببته من أجل الزواج .. كلا ياعزيزي .ذلك لأنني أبحث عن الحب كغاية وليس كوسيلة ..فالحب شئ عظيم ورائع وهو وحده القمين بدموعنا وعذابنا.. لم أكن أحبه بهدف الزواج منه فقط كنت أحبه وكفى .. لقد تركت نفسي تنغمس حتى النخاع في خضم تحنانه .. أحرقت سفني مصممة أن أبقى بقربة ولا أعود ولكنه تركني في منتصف الطريق .. فلا أنا بقادرة على الحركة ولا أنا بقادرة على السكون .. في مرة قرأت بأنه كتب علينا أن نشقى في هذا الكون لأنه كوكب يخصكم أنتم الرجال ويومها سخرتُ من الكاتبة وخمنت أنها إما حاقدة أو محرومة .. فإذا كانت تملك شخصاً يحبها وتحبه لابد أنها ستعشق الحياة .. واليوم ورغماً عني أراني مقتنعة بوجهة نظرها..
كان جدي يقول لاشقائى قبيل وفاته .. أراكم يا أبناء هذا الزمن تخافون من نسائكم .. تمازحوهن وتضحكون معهن .. ستون عاماً أمضيتها مع المرحومة جدتكم لم اضحك خلالها معها ولم أمازحها .. الضحك والمزاح مع بنات الهوى أما بنات القبيلة فيجب معاملتهن بالحزم والعزم .. فكيف تسمحون لزوجاتكم بمناداتكم بأسمائكم والعقل أن تنادى الزوجة زوجهاب ( يا أنت ويا أبا فلان..)
مسكين جدي .. كان يعتقد أن الزمن قد تغير وان الرجل هو الآخر قد تغير ولم يدر أن في داخل كل رجل شرقي بذرة من أفكاره ومعتقداته.
وأن كل الاختلاف يكمن في المظهر الخلاب .. في الذقن الحليق والحذاء اللامع وربطة العنق الأنيقة .. ولكنهم في الأصل صورة لذلك الذي مات قبل مائة عام ..
اعذرني ياصديقى إن كنت قد أثقلت عليك بمأساتي فحديثي معك قد أزاح عن صدري هماً مقيماً ورفع عن كاهلي حملاً ثقيلاً .. لقد غسلت بعضاَ من أحزاني ووجدت السلام مع نفسي والفضل يعود إلى اصغائك المتأمل وعطفك البادئ وتفهمك العميق ..
وفي الساعات الأولى من صباح اليوم التالي ودعتها وقد تقمصتني روح غريبة .. إذ تصورت نفسي بطلاً خرافياً مهمته إزالة الغبن من نفوس المستضعفين .. وأنه محكوم على أن اشقي نيابة عنهم .. ولقد خفف من حدة ذلك الشعور الوعد الذي قطعته هدى على نفسها بأنها لن تسمح بتكرار ما حدث بالنسبة لها فيما يتعلق حبنا أنا وأميمة وأنها ستكلأ ذلك الحب وترعاه حتى النهاية وطلبت منى أن احضر لمنزلهم بعد يومين .. وأردفت هامسة .. هنالك مفاجأة بانتظارك .. وطلبت منها أن تلمح لي ولو بالقليل عن كنة تلك المفاجأة ولكنها همهمت بعد يومين من الآن الساعة الثانية عشرة ظهراً..
عبدالغني خلف الله
16-03-2011, 06:35 AM
الحلقة التاسعة
كانت أزهار شجرة القطن واحدة من أجمل الأشياء التي تغلب على لوحاتي وأنا طالب بالثانوي العالي .. وكثيراً ما ضاع انتباهي في حصة الجغرافيا فأتصور أنني في حصة الفنون .. وحبي لزهور القطن ليس بالطبع بمقاييس الآخرين باعتبار أن القطن هو أهم المحاصيل النقدية ولكنني أحبها كأزهار حقيقية فيها الكثير من الجمال والكثير من الروعة .. ولكم وقفت لدى تلك الصورة الفوتوغرافية التي تحتل مكاناً بارزاً بكتاب الجغرافيا وكانت لفتاة ً من ولاية (الجزيرة ) تقف بين شجيرات القطن وهي تبتسم في رضًى وجمال فرحةً بما جنته من القطن .. وعلى البعد خط حديدي وقطار ينفث دخاناً كثيفاً .. ثم عنزتان إحداهما رفعت عقيرتها باتجاه صوت القطار والأخرى منكبه على العشب دون أن تنتبه للضوضاء القادمة من بعيد.. وقلت لنفسي .. لابد من عمل شئ حتى موعد ذهابي لمنزل هدى تهرباً من وطأة الانتظار .. حملتُ الواني وفرشاتي وركبتُ إحدى الحافلات التي يستغلها القرويون في نقل الألبان والخضر للمدينة ونزلت بالقرب من أحد الحقول .. وعلى البعد تراءى لي ثلاثة أشخاص منهمكين في عملهم في غمرة ذاك الصباح النديان.. تأملت المكان من جميع زواياه واخترت لنفسي موقعاً يمكنني من استيعاب كل أبعاد الحقل الممتد امامى حتي حافة الأفق .. وقبل أن أبدأ بالرسم قدم نحوى رجل وفتاة سلم الرجل وكان في العقد الخامس من العمر وابتدرني قائلاً:-
- هل أنت المساح ..
- لا ياعم .. أنا رسام للفنون بالمدرسة .. ويبدو أنه لم يفهم شيئاً مما قلت وهنا تدخلت تلك الفتاة موضحة :
إنه أستاذ أبي .. مدرس .. وأعقبت حديثها بضحكة مقتضبة فيها الكثير من الحياء .. وبعيدا بعيدا غاصت الغمازتان الصغيرتان وانثنت الساقان النفاضتان واتسعت ابتسامتها أكثر من ذي قبل ثم أخذت أطراف ثوبها بين شفتيها وكان في وقفتها شئ من الإطراق الحزين .. والكف الصغيرة المخضبة بالحناء ترتاح على الخد النضر .. وفجأة شعرت أن حقل القطن بأزهاره المتفتحة ليس إلا إطار لتلك الصبية العجيبة التي عبر ألوان قوس قزح الذي طاش بعرض السماء قبل لحظات أشعلت المشاعر بخافقي و زغرد الكون .. وعدت أدراجي وأنا احمل خطوطاً مبهمة للوحة كبيرة ..فيها ذلك الاخضرار الموحى لحقل القطن وفيها تلك الصبية الجميلة وكأنها أرادت أن تبرهن لي بأن الكاميرا التي أخذت بها صورة الحقل والفتاة بكتاب الجغرافيا هي الأخرى جُنت مثلى بالرغم من أنها لم تقل ذلك لأحد..
وفي ذات صباح ذكرني أحدهم بأن العطلة الصيفية على الأبواب وكنت قد نسيت في خضم عواطفي وتشوقاتي كل شئ عن تلك العطلة التي تعودت انتظارها بأحر من الجمر باعتبار أنها فرصة أعود فيها لقريتي النائية حيث أبى وأمي وأشقائي وحيث تستريح أعماقي وتهدأ خواطري من تداعيات الحياة في المدينة وقسوتها والركض على أرصفتها..
علاقة أي أم بابنتها علاقة فيها الكثير من الخصوصية والصراحة والصدق .. علاقة الشقيقة مع شقيقتها علاقة ثابتة تنضج حباً ونكران ذات .. لذلك أخبرت (أميمة )والدتها وشقيقتها الصغرى بتفاصيل الحديث الذي سمعته منى وكان الفرح والإشراق باديين على قسمات وجهها الطفل..
ومنحتني في آخر لقاء لنا وعدا وتذكارا.. قلت لها وبدون مقدمات .. سأحضر والدي معي بعد انقضاء العطلة ..
أحنت رأسها وعاودت النظر اليّ وايقاع ساحر يضرب بضفتي مقلتيها .. وأغفت جفونها إغفاءةً قصيرة وابتسمت ثم وفي طفولة بريئة .. (صحيح..؟) .. انسربت عبر همسة مرعوشة لم أكن مهيئاً لها..
رجعتُ خطوةً إلى الوراء يدى على رأسي ثم كلتا يدىّ في جيوبي وفركت أصابعي وتلعثمتُ وأنا أبحث عن قوالب مناسبة للمعانى ..
- طبعاً ياحياتى .. ماذا ننتظر..؟
- آخ .. غمغت في حضور غافل..
- آخ .. جاوبتها وكلى أصداء لهمستها الناعمة ، المهم في الموضوع إقتناعك أنت بأنها الخطوة الصحيحة والمناسبة وسيقتصر الأمر على مجئ والدى وتحدثه الى والدك .. و.. كل شئ سيتم حسبما نشتهى بإذنه تعالى..
- (صمت)
- خلاص يا أميمة .. سوف أموت إذا وقعت أيه مفاجآت في غير صالحنا .. انت عارفه .. عارفه كويس .. مش؟ انا عارف .. انا دايرك .. دايرك ..
عبدالغني خلف الله
17-03-2011, 11:16 AM
الحلقة العاشرة
وفي الطريق الى قريتنا صحبنى طيفك .. بلا حقائب بدون متاع .. لاشئ سوى وجهك يتهادى فوق الاخضرار الفسيح ويعود يستلقى بين ضلوعى..
وهناك أخذتنى أمي الى حنانها المنساب .. وغسلت همومي بدموعها .. ضمتني اليها تلمّ بقايا جسدى المتعب وهتفت كيف حالك يا أماه .. ياحبى الأبدي .. هذا ابنك العائد من أرصفة المدائن .. ضيعته الظروف وغّربته الحياة في دروبها البعيدة ها أنا أعود اليك لأرتاح .. إننى متعب .. اريد ان أنام طويلاً طويلاً..
بلا أحلام .. بلا تشوقات ..
تجمعوا حولى .. أتوا الى من كل حدب وصوب .. والفرح الضحوى يلون قسماتهم البريئة .. وساعتها أحسست بأن قدماى تنغرزان في باطن الأرض وبأن ثمة جذور عذراء نبتت بأقدامى وانطلقت تشق طريقها في الرمل .. ومن جديد تماسكت ووقفت شامخاً كمعبد ..
وجائتنى (أم بشار) .. جميلة الجميلات بالقرية .. هيفاء مع لمحة من عناد وطفولة .. تسليك وتهش لك وعندما تستيقن أنها صرعتك تهرب منك وتقول لك بلغة المدن ..(باي .. باي) وجاءتني (برجوك) عملاقة كما البّان.. رائعة وعظيمة كعظمة التاريخ ..تزهو كملكة وتختال بكل الكبرياء الموجود في العالم..
وسعيد ُُُ من يحظى بالحديث معها أو حتى بمجرد التفاته منها..
وفي المساء همست شقيقتي في أذني ..متى نفرح بك يابشير ألم تلاحظ أن جميع أندادك بالقرية تزوجوا .. وبقيت أنت .. الله وحده يعلم متى وأين وكيف ستتزوج ..ولما لاحظت بأنني اتحصن بالصمت وبالشرود انسحبت في هدوء وتركتني لذكرياتي ..
وانت والقمر الفضي والغياب .. خطوك موسيقى وشعرك مرافئ .. أنت والشاطئ المهجور ورفيف أجنح العصافير على صفحة النهر.. ثم أشواق الإياب بعد كل فراق .. المدى الرابض يحضن نظراتنا .. خطوك موسيقى وشعرك مرافئ..أنا وأنت بذلك الركن القصي.. والمساء الطفل والشوق مسبحة الدراويش ا وذراعاك مجاديفي في رحلة العمر ..نعم حبيبتي يا فواصلى ويا اغنياتي الجريحة النغم .. هل تذكرين .. وهل تعصف بك الأشواق والليل يضرب بحذاءه الثقيل صمت الشارع المرهق .. الليل يتراجع الى ثلثه الأخير وقد غفى الكون بينما أنت وأنا ندق جدار البعد والحرمان .. خطوك موسيقى وشعرك مرافئ..
- وهل ستحفظ عهدنا ؟ هل ستذكرنى في أصيل البعاد؟
- وهل سأنسى ؟
- توعدنى ؟
- واقسم لك يا ملاكى الصغير.. من أجل أن يبحر الضوء في مجرى العبير بخديك .. من أجل ان يزدهى الشفق المسحور بعينيك ..
لك والى الابد سابقى .. ومع اطلالة القمر سأتطلع نحوك
وعلى صفحته ستلتقى نظراتنا .. وسأرسل اليك تحياتى وأؤشر لك .. سأقول له الكثير والكثير وستسمعيننى من خلال ابحارنا فوق دفقة المنساب .. تلك هى دالية افراحنا وملتقانا الأثير..
وعندما يصفو ضوء القمر سأشرب من صفو نظراتك واستحم في هطول تحنانك .. وأغضبُ ان افتقدتك..
- بعيدا عنك يا حبيبى أشعر بالمرارة والحزن..أشعر بالغربة والالم غريبة في وطني وبين أهلى وعشيرتى .. الشارع نفق طويل ..
والناس هياكل بشرية يجر بعضها البعض ..غريبة حتى مع نفسي .. الفرح الممراح يخبو في ضميرى وشئ ما يتنامى في اعماقي ويكبر في كل يوم ويصير بحجم الكون ..إنه حبك ..إنه حنينى إليك..
- .. حبيبتي .. يافرحة العصافير باخضرار المواسم ..بعيداً عنك حياتي عذاب ..ساعاتى احتضار وأيامى موت بطئ ..افتقدك ويالبشاعة الفقد..
بعيدة عني وأنا بينكم أحس بأنك قريبة منى ..وشعورى بأننا نشرب من سخونة نهارنا الواحد ونمسى على رحابة ليلنا الواحد نغفو على نفس الأصوات ونتقاسم رهافة نفس النسمات..
احساسي بأننا نتوحد في أفق واحدٍ يمنحنى الشعور بأننا نلتقى كل يوم..
وكنت إذ يشتد بي الحنين إليك.. أطوف حول منزلكم متطلعاً نحو نافذتك المضاءة لعلى ألمح بقيايا من ظلالٍ .. فتهدأ نفسي ويرتاح ضميرى ..بعيدة عني الآن وأنت كل شئ بالنسبة لى فيا للبعد عن كل شئ..
عبدالغني خلف الله
19-03-2011, 07:14 AM
الحلقة الحادية عشرة
إييييه يا أميمة .لا بد أنك تقبعين الآن في دواخل الكثيرين غيري من الذين عرفوك كأجمل طفلة والذين تعذبوا بسببك كأروع فتاة أو لمحوك وأنت تطلين من نافذة سيارة أو في ميدان عام أو تعبرين الطريق غير عابئة بشئ .. وجه يستفز مشاعرك ويشعرك بأنه أكبر من إمكاناتك وطموحك وبأنك مهما حاولت وحاولت فلن تصل..
كانت تقرأ لى حصاد القدماء .. تراكمات البكاء والندم عصارة الكبرياء الجريحة لمن أحب من الشعراء .. أنشدتنى في إحدى الأمسيات : ( انت دائماً تبتعدين ودائماً في المساء .. حينما يسرع الليل ماحياً التماثيل) هتفت من أقصى ركنً بأعماقى ( ياألله) ونهضت من مكاني وجلست بجانبها وهسيس قميصها المشجر يرحب بي ، وهي تقرأ:( على ليلى يطول أساك منتعلاً وسامة قلبك الشاعر..ومطروداً أمام الريح محتملاً جراحات الهوى الخاسر..) وفجأة حاصرتنى الأحزان والهموم فأطرقت بوجهى نحو الأرض والصمت يزرع بيننا عشرات الأسئلة .. ثم افترقنا ..وها أنا أعود من عطلتى أتكوم وسط هذا العدد الكبير من الركاب ..ادخلت يدي في جيبي أتحسس تذكارك الذي أهديتنيه قبيل السفر أخرجته وقبلته ..كان عبارة عن قطعة معدنية مكتوب على جانبها اسم الجلالة وعلى الجانب الآخر اسم النبى الهادي محمد صلوات الله وسلامه عليه بيد أن التذكار انفلت من بين اصابعى المرتجفة وتدحرج فى ثنايا أمتعة ركاب القطار ..
دفنت أنفي أبحث عن التذكار الضائع بلا هوادة .. صرخ في وجهي رجل يحمل ابريقاً من الشاي ..( من فضلك يا أستاذ السكة) وعلمتُ لحظتها أنني أضعتُ تذكارك .. قلت وأنت تهديننى اياه انهما سبيلى للعودة بسلام .. وعاد وجهك من جديد يطل عبر شبابيك القطار..
وطاش الهواء الرقيق يطرد رائحة الدخان والأجساد والحقائب..
ونظرت فإذا بعيني تصافحان تذكارك فاستعدته ثم أخذته بين شفاهى اقبله وضاع وجهك من جديد.
عبدالغني خلف الله
23-03-2011, 06:13 PM
الحلقة الثانية عشرة
وعشية عودتى من العطلة انفلتت فتاة جميلة الى زحمة الشارع وجه جميل يبتاع حاجياته من السوق ولكنه في الوقت ذاته تبرير معقول بأن الحياة جديرة بأن تعاش ودعوة مفتوحة للمرء لينسى احباطه وهزائمه اليومية المتمثلة في طلباته المرفوضة وطموحاته المؤجلة إنها اجتياح محبب لأسوار النفس وهدهدة لكل ايقاع مبعثر في الذات واستسلام نزق لهتاف المشاعر الحبيسة ..أنظر تصور .. والوجه الجميل يذرذر المكان بأناقات مرحة تلفة هالة من الضوء والعطر ..ثم الانتباه الحذر وخطوة أخرى ..لفتة ووقفة تأمل وعيون واسعة تحبل فجأة بالانبهار والدهشة ..وهنا أو هناك البائع والفنان عابر السبيل أسرى ذلك الجمال الغافل الذي بدون أن يقصد ثبت التأزم والحيرة في قلوبهم الجريحة..
ولكن ..إنها هدى .. كيف لم أعرفك وأنا اتبعك طوال هذا الوقت ..
صافحتنى ثم وبدون مقدمات ابتدرتنى قائلة :-
- هل تتحمل أعصابك المفاجآت؟..
وبتأثيرمن الانزعاج الذي بدا على وجهها تنبهت آلام كثيرة بجسمى استعداداً للانطلاق ..أردفت وهي تشيح بوجهها كأنها تحادث شخصاً غيرى..
- تزوجت وسافرت لتلحق بشقيقى ..أعنى زوجها بالخليج ..
- أميمة تزوجت ؟
كلماتى تفقد رجعها المألوف .. وكألف سرطان مائي تماوجت كل الأوجاع التي تختزنها الطبيعة برأسي وانطلقت بسرعة شديدة الى كل انحاء جسمي حتى انني لم أعد أبصر شيئاً أمامي..
ولفترة قصيرة أدهشتني لحظة من التماسك واللامبالاة وجدتنى أقول خلالها لنفسي ..ليكن أي شئ ..تسافر أو تتزوج ..لايهم ..لايهم ..بيد انه لم يكتب لتلك اللحظة الاستمرار ..إّذ سرعان ما عاودتنى الآلام من جديد..
هل أذهلتنى المفاجأة؟ بالتأكيد نعم ولكن ماهو الذهول ؟! أنا شخصياً لا أعرف حدوده ..( عدنا لشخصنة الأشياء ) ..وماهى المفاجأة لألمس أطرافها ..إنها لم تذهلنى فقط بل قل إنها كادت أن تقضى علىّ.. وكانت بدرجة لم أعد أٌدر معها تلمس البعد الحقيقى لحجم مأساتي ..واقسى مافي الأمر الالتزام المناط بى تحمله بما يكفى لتعذبينا نحن الاثنين معاً..هل هو الرضاء المشوش أم غموض فكرة السفر الى بلدٍ جديد..
ولكن صبراً.. فالذى يحنى هامته عشقاً للجمال لن ينحنى مرغما أمام العاصمة وأيه عاصفة ..إنه الطوفان أو ربما هو الزلزال الذي سيدمر تراث الأبد..
وهكذا تركتني على رصيف هذه الحياة انتظر.. حد السكين يغوص وأنا امضى .. قلبى بكفى .. منتعلا هشاسة المشاعر المرة .. والاحاسيس المذبوحة ..دمى على كفى .. والرعاف يتدفق الى الداخل وخطاى الواثقة ما عادت نفس الخطى ..حد السكين والقلب المدمى وأنا امضى بنفق الحياة الطويل ..وأنا أضيع فى ظلمة الدهاليز الموحشة ..
وكيف أطلب منك ايضاحات ..كيف أطلب ؟ وبأي حق ؟بأيه وسيلة ؟ فقط اترك هذا الحزن يطوينى ولا أسأله لماذا ..أتركه يقودنى ولا أسأله الى أين .. وليكن الى الجنون أو الى العدم فكل شئ عندى الآن سيان ..
حطمى إذّن تماثيل الحب القديمة ..مزقى صحو الكلام وربيع المواسم .. اريقى آخر قطرة زيت بالقنديل فوق رمل الطريق ..
و اتركينى في الساحة المظلمة .. زمنا يشرد من غابة المجال ..هنيهة جديبة الحواف .. ومآذن للصمت والإنسكاب .. اتركينى اقرع بوابات الليل المائة واستصرخ ضمير الايام الغافل وما ذنبى أنا؟ إن شئت خذينى أو فاتركينى .. وحطام الأمل الضائع بأعماقى والكلام الحلو الذي من عينيك همى مطراً .. ليصمت إذن ذلك الكلام وليتيتم عشقنا النبيل طفلنا ذلك الضارع يمد يديه وهو يهوى الى القاع بينما تحولين نظراتك الى ارفضاض الشراع بصفحة النهر السكران ..ترفعين الانخاب بنفس الأيدى الملطخة بدمائه الدافئة..
كيف أطلب منك ايضاحات وبأيه صفة وقد صرنا غرباء ..المسافة جسور مهدمة .. وخطاى تهتز قبل أن تلمس شاطئ الأمان ..وها أنا اسقط .. اسقط الى القاع وأنتِ تعمقين أخاديد الجراح..
حد السكين يغوص وأنا امضى ..حد السكين يصدأ بداخلى يصدأ بضميرى ويغوص بعيداً بعيداً حتى النخاع .. وأنا امضى من وأدٍ لواد.. ومن بلد لبلد .. بينما أنت والزمن تقهقهان من فرط غرابة ماقد حدث ..
هي إذن نهاية المطاف وتلك تفاصيل الحدث الفريد ..
كنت استحق على الاقل مجرد اعتذار .. فأنت لست أنت إّذ تقررين وتنفذين .. وانا لستُ أنا لأ قبل وأبارك .. وهنالك النجم الغارب قبل مواقيت الأفول والهلال الذي لا يسعفه الحظ ليكمل استدارته ..
هذا إّذن هو أصل الحكاية ولايهم بعد ذلك جنون الصدفة أو ذهول المفاجاة .. مادمت تسافرين وترفضين البوح بأي شئ عندما لا يكون هنالك بد من التلميح عوضاً عن كل الإيضاحات الضرورية .
ومن أنا لأطلب .. من أكون ؟وحد السكين يقص قوادم أجنحتى يتفل شغاف قلبى ودمي .. ينصب شاهدين للذكرى و التاريخ ..
بحيث تكون هنالك مواسم للعشق .. ومواسم للندم ..وأنت سعيدة وهانئة ..من أخمص قدميك وحتى أم رأسك ..
حد السكين يغوص .. والسلوان يأبى أن يغدق نفسه وتبقى أميمة كالاجراس
المعلقة بعنقي تضرب بقسوة كلما تحركت .
ربيحة الرفاعي
24-03-2011, 02:27 AM
متابعون أيها الكريم
ونراك بت مقلا مؤخرا
دم بكل الخير
عبدالغني خلف الله
24-03-2011, 07:05 AM
شكراً لوجودك هنا ..تأخذنى بعيداً عنكم مشغولياتى الخاصة بتأسيس مدرسة أساس ..وتأخذنى بعيداً عن المزاج الخاص بالكتابات الرومانسية لما يتعرض له الشعب الليبى من بطش وتنكيل ..أتمنى أن تصفو الأجواء ونعود كما كنا مقبلين بكل الحب لهذه الواحة العامرة بأهلها ..هذا مع تحياتى .
آمال المصري
24-03-2011, 09:39 AM
تابعت الأحداث بشغف أستاذي المكرم
حيث الهطول الماتع والسردية الرائعة
قلم يستحق انحناءة تبجيل
دمت بهكذا الجمال
تحيتي
عبدالغني خلف الله
26-03-2011, 07:45 AM
الإبنة الرائعة رنيم ..بداية نحمد الله كثيراً أن هيأ لمصر الهدوء والاستقرار لأننى أكون قلقاً جداً على بناتى وأبنائى فى مثل تلك الأوقات العصيبة ..ومن هنا أدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الأردن الشقيق وسوريا الشقيقة من كل سوء وأن نجد من يطمئننا على من هناك وهم كثر ..آميين .
عبدالغني خلف الله
26-03-2011, 08:02 AM
الحلقة الثالثة عشرة
ورجعت متعباً وضائعاً إلى عزلتي بعد ان كنت قد قطعت نصف المسافة نحو السعادة الأبدية ..عدت إلى رسوماتي ..أرش الألوان وارسم من وحى عذابي وضياعى ..
كنت أجلس ممسكاً بفرشاتى محدقاً في اللاشئ .. وتمضى الدقائق والساعات وأنا على تلك الحال .. إلا أن حصيلة تلك الايام جاءت بمثابة التعويض الحقيقى للفقد الذي منيت به ..فقد أنجزت (الدوامة) و( إيقاعات زنجية) و(نقوش بقلم الاردواز) .. أحياناً ألوم نفسي ..وأسأل ..لماذا دخلت مثل هذه التجربة معتمداً على شئ من الحب منحتني إياه تلك الصبية ..لماذا أخفقت ..لماذا؟
واكتشفت أنني عولت الكثير على مجرد فتاة صغيرة لا تملك قدرها..إذ لازال الوقت مبكراً لوضع مثل تلك الثقة في فتاة أية فتاة مهما كانت باستثناء القلة التي أردات وحققت إرادتها ..
ويبقى الحب مجرد ضوء أخضر..يتيح للفتاة الواثقة أن تنال ما تصبو إليه ولكنه بأية حالٍ لا يشكل ضمانة حقيقية نحو تحقيق الهدف..
يجب أن أتمنى لها السعادة ..هكذا فكرت في بادئ الأمر ..وتمنيت لها ومن كل قلبي أن تسعد في نهاية الأمر.. وانطويت على نفسي لا أكلم أحداً ..لو كان الأمر اقتناصاً..أو مبارزة أو معركة ..لما ضاعت منى أميمة بهذه السهولة .. وبذلت جهداً كبيراً لأحافظ على تماسكي قبل أن أصل لمنزل هدى وتصورت أن كل إنسان التقيته في طريقي يعلم وجهتي ولماذا أنا في هذا الحي وزاد من تأزمي صاحب المتجر القريب من منزل أسرة هدى والذي حملق في وجهي متسائلاً ولكنني رغماً عنه تجاسرت وأوصلت طريقي ..
تلقفتني عند باب منزلهم وأسرعت بى نحو إحدى الغرف وتركتني لبعض الوقت ثم عادت تدفع بها أمامها وعند باب الغرفة أبطأت الاثنتان خطواتهما ..( أدخلي - اقسم لك أنه لوحده)
وانحنت قليلاً قبل أن تلج الباب واندفعت نحوى مفردة يدها وكانت قبل ذلك بثوان قد وقفت وقطعت نصف المسافة نحو باب الغرفة .. أطرقت بوجهها نحو الأرض وجاوبت تحيتي بهمسة مرتعشة..وفي تلك اللحظة اختلطت امامى مظاهر الحركة والسكون وطاشت ألوان الستائر والأشياء ..
كانت بجانب المرآة الكبيرة لوحة لطفل يبكى تدحرجت أدمع ذلك الصبي فيما بدا لي وتعدت إطار تلك اللوحة وانثال الدخان من الإناء الفخاري الذي كان يرقد قريباً من خزانة للملابس بالرغم من انطفاء جمراته ربما منذ أسابيع واهتز كل شئ بالغرفة في آن واحد وعاد إلى سكونه القديم ..وسحبت يدها من يدى بأسرع مما تصورت وجلست بعيداً عنى في إحدى زوايا الغرفة وقذفت برأسها إلى الوراء ثم أراحت كتفيها ويديها وأرسلت تنهيدة متوترة وهي تشيح بوجهها نحو النافذة..
وساعتها شعرت كما لو أن الأمر شهقة عطرٍ أو ضحكة عصفورٍ ..أم ماذا؟ تفتح وردة أم تهويمة فراش وعناق أغصان وظلال ..شعرت وكأنني بصحبة من اشتهى والكون ينهض في صباح جمعة ونحن نجوس بين تلال زيتية الاخضرار.. كانت مضطربة وشرحت لي مقدار ما قاسته من أهوال في سبيل الوصل إلى هنا متخطية الطوق الرهيب الذى تفرضه أسرتها عليها ..
الغرفة تأخذ لوناً جديداً بتأثيرها وحضورها الدافئ وقد أبرزت منضدة مستديرة نفسها باعتبار أنها أجمل قطعة أثاث .. السرير الخشبي ودولاب الملابس يتضاءلان خلف عادية شديدة ولكن ثمة مرآة كبيرة في إطار من خشب المهوقنى تلفت الأنظار وبصفة خاصة إذا كان المتأمل شخص مثل أنوار يراها لأول مرة ويهرب إليها عندما لا يجد عبارات مناسبة لإضفاء جواً طبيعياً على الموقف برمته..وهنالك لوحات وكتب واسطوانات تقبع بالقرب من جهاز ( البيك آب) ونور (الفانوس) ينبعث وبقدر ما يستطيع في دوائر تتناقص باتجاه بقية زوايا الغرفة وأنا في خضم هذه الفوضى المسائية ألوذ بوسامة أنوار وبجمالها الساحر..
تأملتها جيداً وأنا أصغى إليها متجاهلاً أخبار اميمة وانتقلنا من موضوع إلى آخر.. إلا أنها ظلت مثل شارة حمراء لم يكن باستطاعتنا تخطيها ..لذلك همهت ( ياحليلك يا اميمة وين أنت ..وعاملة كيف..).
عبدالغني خلف الله
30-03-2011, 07:19 AM
الحلقة الرابعة عشرة
وهكذا ولجت ( أنوار) إلى دنياي تضيء فضاءات حياتى بأنوارها الباهرة ..لعل ( هدى ) أرادت أن تكفر عن خطئها بتحريض شقيقها ليتزوج ( أميمة ) .. وكان تصرفها ذاك لا يخلو من أنانية سافرة .. صحيح أن من حقها أن تحتفظ بأروع صديقاتها فى نطاق مجتمعها هنا وأن تخص شقيقها بها .. لكن الرجل لم يكن مهتماً باميمة فيما علمت وكان يتهرب فى كل إجازة يعود فيها للبلد من فكرة الزواج .. بيد أنه لم يجد بداً من الاستسلام هذه المرة لا سيما وأميمة خير من يشرفه فى مجتمعات الغربة بدلها وجمالها الآسر ..وشيئاً فشيئاً تراجعت صورتها نحو أقصى نقطة فى ضميرى .. لا .. لم تغادرنى تماماً .. كيف سانساها بهذه البساطة حتى مع وجود الرائعة ( أنوار) فى فضاءات عمرى .. أذكر أنها قالت لى فى إحدى المرات .. أمنحتى فقط بضعة سنتيمترات من قلبك لأرتاح عليها وتصرف فى الباقى كما تشاء .. فأنا أفهمكم جيدا معشر التشكيليين .. لن تكفيكم حبيبة واحدة .. قلت لها أنت ولا أحد غيرك سيدخل إلى هنا وكنت اشير إلى قلبى .. وها هى أنوار تدلف هى الأخرى إلى سويداء فؤادى .. آه من حواء هذه .. لن تعدم وسيلة لتهزمك بها إن هى قررت السطو على إحساسك .. وليلة البارحة لم أتذوق طعم النوم ..فقد كنت مستغرقاً أرسم واشطب على أمل أن اشكل انوار فى لوحة أفاجئها بها .. لكن تفاصيلها المبهمة وجمالها الغامض ظل عصياً على فرشاتى طوال الليل .. اصابنى صداع رهيب وقد فكرت فى ابتلاع بعض أقراص ( الفاليوم خمسه) لكن أحد زملائى بالمدرسة حذرنى منها ومن خطورة إدمانها .. توجهت نحو الصيدلية القابعة فى قلب السوق الجديدة علنى ابتاع شيئاً ما يخفف أوجاعى .. توقفت عند صيدلانية مترفة انكبت على روشتة أحد المرضى تراجع معه كيفية تناول الدواء ولم أتقدم نحو الصيدلانى الموجود إالى جوارها ..هو الإنحياز التام إذن لحواء فى كل مرفق من مرافق الحياة .. هل هذا مرض اشعر به وحدى أم أن كل ابناء آدم مثلى ؟ .. حقيقة لا أعلم .. لكن هذا الكائن الساحر يأخذنى على حين غرة اينما توجهت فاستسلم له دون أدنى مقاومة ..قالت لى بدون أن ترفع راسها.. نعم .. اى خدمه ؟ قلت لها والله يا دكتوره لم أنم ليلة البارحة واشعر بصداع رهيب .. قالت لى ولماذا لم تخلد للنوم ؟ قلت لها هى فى الواقع مشاكل شخصية .. تعلمين مدى ما يسببه القلق من أرق .. قالت لى لماذا لم تكثر من الصلاة على النبى فيتسلل النعاس إلى أجفانك .. قلت لها ونعم دواء ..دواء الصلاة على النبى الخاتم صلوات الله وسلامه عليه .. لكننى تصورت أنه ربما تكون لديكم عقاقير تساعد على النوم .. هنا رفعت راسها لأكتشف ان محدثتى ليست سوى أنوار بلحمها ودمها .. أنواااار .. أنت صيدلانية وأنا لا أعلم ؟ .. قالت لى وهى تضحك .. نحن فى بداية الطريق يا استاذ .. اجلس هناك وسأعد لك لك كوباً من الشاى يريحك من أوجاعك .. لقد زال الصداع والله يا أنوار أقسم بالله العلى العظيم لقد مضى ألمى إلى غير رجعة .. ياااه .. ما كل هذه المفاجآت ؟ ..ومن يومها وأنا أدمن المجىء للصيدلية بمجرد إنتهائي من الدوام اليومى بالمدرسة ..وأعود فى المساء لأخذها وتوصيلها مشياً على الأقدام حتى منزلهم .. وفى ذات مساء إرتديت أجمل ما لدي من ملابس ونضحت شيئاً من العطر على نفسي فقد كنت بصدد التحدث مع أنوار بخصوص خطبتها من أهلها زوجة لى على سنة الله ورسوله لأفاجأ بمكانها وقد إحتلته صبية أخرى .. عرفنى زميلها فتقدم نحوى محيياً وناولنى مظروفاً وهو يقول لى .. هذه الرسالة تركتها لك زميلتنا الدكتوره أنوار .. أخذت الرسالة وضربات قلبى تتصاعد والعرق يتسسل من كل نبض فى خلايا جسمى وقرأت ( عزيزي الأستاذ بشير .. مساء الخير .. عندما تصلك هذه الرسالة أكون فى طريقي إلى ( مسقط ) بعد أن ُ حظيت بعقد للعمل بدولة ( عُمان ) ..كنت اتمنى لو كان وداعنا بصورة أفضل .. تقبل إعتذارى وأمنياتى لك بالتوفيق فى حياتك المهنية والشخصية والتوقيع .. دال .. أنوار .) .
عبدالغني خلف الله
31-03-2011, 07:55 AM
الحلقة الأخيرة
مخطئ من يعتقد أنه الجم مهر الزمان العنيد ..مخطئ ومجنون من يعتقد بأنه ظفر بهذه أو بتلك ..لأنه نادم في النهاية ..نادم وضائع مهما عزم ومهما ثابر ..لا ياهذه ..لا ياتلك ..من أنا ؟ ومن أكون؟ ومن أنتما؟ ومن تكونان؟ أنا لا أريد سوي واحدة منكما لا أكثر..واحدة فقط بل ومساحة صغيرة في قلب أي منكما ..لا يا أنتما العزيزتان الرائعتان..كفاني ضياعاً وألماً ..كفى.. أميمة كفى يا أنوار ..
- ولكن كيف ومتى ..؟
- لقد عادت بعد انفصالها من زوجها وطلاقها نهائياً منه ألا تفهم ..
- (........................)
- كانت خطابات شقيقي تلمح إلى عدم استقراره العائلي وكان يعتب عليها ويصفها بالعناد وبالجفاء..وقد عادت الآن.. ربما من أجلك..هدى وهى تزف إلىّ نبأ عودة أميمة .
تطأين على قلبي ..تطأين على مشاعري ..وأتمنى لو يتمدد قلبي ..ولو تنتشر مشاعري ..لتركضي على قلبي تركضي على مشاعري وأبقى مغتبطا تعذبني الآلام ..والآن وقد تباعد ذلك البهاء ..تباعد ذلك الحنان وبقيت مشاعري منتشرة بحجم الكون وفي القلب متسع لأحزان العالم ..تباعد قبل أن يكمل المشوار وضاعت البداية وهى لم تزل طفلة في المهد ..وتباعدت النهاية في ضباب الآتي من الأيام ..وأبقى لا أنت ..ولا البداية ولا النهاية ..
وكانت ساعة الرحيل قاسية وغريبة ..والمؤجر الجديد يتلهف للانتقال إلى غرفتي ..وعّز على إغلاق النوافذ لآخر مرة ..خانتني أصابعي وما عادت تقوى على إدخال المفتاح ..فقدت طريقها إليه وهي التي تعودت على تلمس الباب في الظلام الكثيف ..حدقت ملياً في التواريخ وأرقام الهاتف المنقوشة بأحد الأركان ..وعانقت نظراتي المكان الذي تعودت الجلوس عليه..تأملت التبقعات والآثار التي كانت مختبئة خلف اللوحات .. ونظرت فإذا كل شئ يغادر موقعه ليندس بين الحقائب..
كنت أؤخر تلك اللحظة وأتمنى أن لا تجئ أبداً أما وقد أتت فلا فائدة من التأخير..لا فائدة من التأخير ..لا فائدة من الأيام والأسابيع والتوقعات المريرة التي عشتها وأنا لا أستقر على رأى..
وقلت لنفسى ..غداً سأكون في بلد جديد ..وأمكنة جديدة ..وربما أعانق عيونا جديدة وأحظى برفقة جديدة ولكنني لوحت بكلتا يدي في الهواء وغضبت إذ أفكر في البحث عن بديل لأناس صاروا جزءً من حياتي ..
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir