المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طفولتي 5



عبد الله راتب نفاخ
19-03-2011, 08:55 AM
تقول أمي إنها قبيل وفاة جدتي رأت معلمتها الدينية ( شيختها ) ذات الصلاح و التقوى و القدم الراسخة في الدعوة إلى الله في حلمها متشحة بالسواد ، و وراءها ثلاث نسوة عليهن مثل ما عليها من اللباس ، تلتفت إليها فتقول : اذهبي إلى أمك فأقيمي عندها أسبوعاً ، ثم تشيح بوجهها لتنخرط في بكاء شديد .
بعد أسبوع تماماً ، كانت وفاة جدتي التي أصابت أمي بتشتت نفسي رهيب لم ينلها مثله قبلها و لا بعدها كما غدت تقول .
و في إحدى أمسيات تعزية جدتي ، شهدت ما لم أشهد قبل ذلك ، شهدت ما كنت أرى بعض الأطفال يعيشونه كل يوم ، فيما أنا محروم منه كل الحرمان .
ذلك لم يكن شيئاً صعباً أو مستحيلاً ، بل في غاية البساطة ، لكن ظروف حياتنا جعلت منه عسراً علينا ، لم يكن إلا أن أسير في الطريق بين أمي و أبي ، أسير و هما بجانبي معاً ، فكلما خرجت من البيت كنت أخرج مع أحدهما دون الآخر ، لأنهما لم يتفقا على موعد يمضيان إليه يوماً ، و ما ذلك إلا لأن أبي لم يكن يخرج إلا إلى مجمع اللغة العربية أو إلى السوق أحياناً ، و ذانك مكانان لم يكن خروج أمي معه مناسباً إليهما .
يومها سار أبي و أمي معاً و أنا بينهما قريباً من خمسمئة متر أو أكثر ، كانت كل خطوة يخطوانها فأخطو معهما تجعلني أحس أنني أطير و أحلق في العلياء ، و أرقى درجات سلم فرح يربطني بالسماء ، فما ملأني حينها لم يملأني يوماً حتى كدت أصرخ للمارة : ها أنذا مثل بقية الأطفال أيها الناس .... مثلهم ... هذا أبي عن يميني و أمي عن شمالي و أنا بينهما ، كل منهما يمسك بإحدى يديًَّ .
يومها تذوقت طعم العائلة فأحسسته بمنتهى الحلاوة ، بل لم أحس بلذته يوماً من قبل و لا من بعد ، لا لشيء إلا أني افتقدت معنى هذه الكلمة في حياتي كلها بعدئذ بوقت قصير فقداً تاماً .
يومها تمنيت أن يطول الطريق بين بيت جدي في شارع خالد بن الوليد و بين سوق الحميدية ليغدو بطول سور الصين العظيم ، بل بطول ما بين المشرقين و المغربين ، و كانت السعادة التي غمرتني أول سعادة لمستها في حياتي ، بل لعلي لم أعش سعادة مثلها حتى اليوم ، لأن ذلك الحدث لم يتكرر من بعد أبداً .
و لست أدري أكان ذلك السير الذي ساراه و أنا بينهما إرهاصاً بالنهاية ، بخاتمة حياتهما معاً التي اقتربت كثيراً ؟؟؟ ...
فلقد أثبتت الأيام فيما بعد أن تفسير النساء الثلاث المتشحات بالسواد في حلم والدتي هو الأشهر الثلاثة الفاصلة بين وفاة أمها و وفاة زوجها ... أبي رحمه الله .
و للحديث تتمة

محمد ذيب سليمان
19-03-2011, 09:36 AM
سردية الأحداث هذه جعلتني اتوقف كثيرا عند نقطة اراها مركزية
أو كما يقولون بيت القصيد اذ لا معني لكل ما قرأت بدونها
وارى انها درس قوي في مدرسة العلاقات العائلية وكذلك التربية النفسية للأطفال
وان احاسيسك التي بثثتها لنا هنا لن تكون احاسيسك فقط بل هي احاسيس كل أطفال الكون

وهنا تكمن قدرة الأديب في اقتناص الدروس وتضمينها النصوص ليصل بها الى القاريء
حتى يستفيد منها ويعرف مغزاها ويعزف على منوالها
ويضمنها في بديهيات حياته مع أطفاله

والفقرة هذه آثرت ان تكون في نهاية مداخلتي وليست في بدايتها ليقرأ من يطلع على المداخلة ثم يعود للنص
ليوافق بينهما
يومها سار أبي و أمي معاً و أنا بينهما قريباً من خمسمئة متر أو أكثر ، كانت كل خطوة يخطوانها فأخطو معهما تجعلني أحس أنني أطير و أحلق في العلياء ، و أرقى درجات سلم فرح يربطني بالسماء ، فما ملأني حينها لم يملأني يوماً حتى كدت أصرخ للمارة : ها أنذا مثل بقية الأطفال أيها الناس .... مثلهم ... هذا أبي عن يميني و أمي عن شمالي و أنا بينهما ، كل منهما يمسك بإحدى يديًَّ .
يومها تذوقت طعم العائلة فأحسسته بمنتهى الحلاوة ، بل لم أحس بلذته يوماً من قبل و لا من بعد ، لا لشيء إلا أني افتقدت معنى هذه الكلمة في حياتي كلها بعدئذ بوقت قصير فقداً تاماً

فاطمه عبد القادر
19-03-2011, 11:39 AM
يومها سار أبي و أمي معاً و أنا بينهما قريباً من خمسمئة متر أو أكثر ، كانت كل خطوة يخطوانها فأخطو معهما تجعلني أحس أنني أطير و أحلق في العلياء




السلام عليكم أخي عبد الله
يا لأحاسيس الأطفال كم هي مرهفة وعجيبة
عندما كنت صغيرة وربما صغيرة جدا وعندما كان جدي رحمه الله يحملني على كتفيه كنت أحس انني سأطول السماء
وكنت أرى الناس جميعا من فوق أكتاف جدي صغارا جدا
رائعة ذكرياتك عن طفولتك يا صديقي أحب قراءتها كما أنها تذكرني بأشياء كثيرة حدثت في طفولتي
أحب عالم الطفولة ,,
دمت بكل الخير
ماسة

لمى ناصر
19-03-2011, 01:03 PM
عالم مليئ بالذكريات ورهافة حس
متابعين لهذا الألق الطفولي.

محمود فرحان حمادي
19-03-2011, 08:12 PM
أتابع هذا الألق الجميل
وأتمتع بعبيره الفواح
تحياتي

عايدة عبد الله
19-03-2011, 10:05 PM
السلام عليكم
الأديب عبد الله راتب نفاح
كل الأطفال يحلمون بكف تدفئ يدهم الصغيرة
و قليل منهم فقط من يتحقق حلمه البسيط
هي أجمل ذكرى يمكن ان يحملها إنسان
نص رائع
لك كل الاحترام و التقدير

سماح محمد
19-03-2011, 11:26 PM
رحم الله والدك

لا تخزن يا عبد الله
فهناك غيرك من شَاَبّ ولم يذق طعم هذه السعادة
ولو مرة سواء كان أباً او ابناً .. يسير فى الطرقات
يراهـا كساحـل طويـل تلاطمه أمـواج غادرة
ويتمنى لو أن الطريق قصيـر بطـول ياردة!

سيدى
نص إنسانى قيمته تفوق عدد حروفه
أتمنى أن يجد فى نفوس لاهيه صدى
جعل الله امسياتك كلها سعادة وسرور

ربيحة الرفاعي
20-03-2011, 12:23 AM
أتابع هذا الألق الجميل
وأتمتع بعبيره الفواح
تحياتي

وأنا ايضا
متابعة لصيقة لهذا الألق

دمت بخير

عبد الله راتب نفاخ
22-03-2011, 01:27 PM
سردية الأحداث هذه جعلتني اتوقف كثيرا عند نقطة اراها مركزية
أو كما يقولون بيت القصيد اذ لا معني لكل ما قرأت بدونها
وارى انها درس قوي في مدرسة العلاقات العائلية وكذلك التربية النفسية للأطفال
وان احاسيسك التي بثثتها لنا هنا لن تكون احاسيسك فقط بل هي احاسيس كل أطفال الكون

وهنا تكمن قدرة الأديب في اقتناص الدروس وتضمينها النصوص ليصل بها الى القاريء
حتى يستفيد منها ويعرف مغزاها ويعزف على منوالها
ويضمنها في بديهيات حياته مع أطفاله

والفقرة هذه آثرت ان تكون في نهاية مداخلتي وليست في بدايتها ليقرأ من يطلع على المداخلة ثم يعود للنص
ليوافق بينهما
يومها سار أبي و أمي معاً و أنا بينهما قريباً من خمسمئة متر أو أكثر ، كانت كل خطوة يخطوانها فأخطو معهما تجعلني أحس أنني أطير و أحلق في العلياء ، و أرقى درجات سلم فرح يربطني بالسماء ، فما ملأني حينها لم يملأني يوماً حتى كدت أصرخ للمارة : ها أنذا مثل بقية الأطفال أيها الناس .... مثلهم ... هذا أبي عن يميني و أمي عن شمالي و أنا بينهما ، كل منهما يمسك بإحدى يديًَّ .
يومها تذوقت طعم العائلة فأحسسته بمنتهى الحلاوة ، بل لم أحس بلذته يوماً من قبل و لا من بعد ، لا لشيء إلا أني افتقدت معنى هذه الكلمة في حياتي كلها بعدئذ بوقت قصير فقداً تاماً

بارك الله بكم أستاذي ..
مروركم دوماً إثراء ..
و قد أعطيتم هنا للنص بعداً رائعاً ...
حياكم الله و حفظكم

عبد الله راتب نفاخ
22-03-2011, 01:28 PM
يومها سار أبي و أمي معاً و أنا بينهما قريباً من خمسمئة متر أو أكثر ، كانت كل خطوة يخطوانها فأخطو معهما تجعلني أحس أنني أطير و أحلق في العلياء




السلام عليكم أخي عبد الله
يا لأحاسيس الأطفال كم هي مرهفة وعجيبة
عندما كنت صغيرة وربما صغيرة جدا وعندما كان جدي رحمه الله يحملني على كتفيه كنت أحس انني سأطول السماء
وكنت أرى الناس جميعا من فوق أكتاف جدي صغارا جدا
رائعة ذكرياتك عن طفولتك يا صديقي أحب قراءتها كما أنها تذكرني بأشياء كثيرة حدثت في طفولتي
أحب عالم الطفولة ,,
دمت بكل الخير
ماسة

الأروع مرورك و تعليقك يا غالية ...
سلمك الله و حفظك ....
دمت بألف خير

عبد الله راتب نفاخ
22-03-2011, 01:29 PM
عالم مليئ بالذكريات ورهافة حس
متابعين لهذا الألق الطفولي.


متابعتكم شرف لي أستاذتي ...
سلمكم الله و بارك بكم

عبد الله راتب نفاخ
23-03-2011, 10:25 AM
أتابع هذا الألق الجميل
وأتمتع بعبيره الفواح
تحياتي

متابعتكم شرف و فخر لي أستاذنا الكريم ...
حياكم الله