تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حان وقت الرضاع ..



المحامية علياء النجار
27-03-2011, 11:24 PM
حان وقت الرضاع ..

بدل أن يطرقوا الباب أو يقرعوا الجرس خلعوا الأول وأحرقوا الثاني ، فكأن هذا ايذانٌ لهم بالدخول إلى بيتها ، كانت خائفة تحتضن طفلها الرضيع ذا الأشهر التسعة بين أضلعها، تبحث بين زوايا المنزل عن شيء ترطب به فمها؛ لتستطيع به إرضاع صغيرها ، دخلت المطبخ ...لا لتعدّ شيئاً يأكله الصغير بل لتبحث هذه المرة عن زاوية فيه لتختبئ فيها هي و الصّغير ..
قرقعة أرجلهم المنتعلة باتت تقرقع بين جنبيها ، أصوات أسلحتهم اللاشرعية أصبحت على مقربة من أذنيها ، ضوضاء تمتماتهم الأعجمية تخرق صمت المكان ؛ لتلبسه وشاحاً أسودَ كأنه عباءة الموت ..
أغلقت باب المطبخ و جلست القرفصاء ،و قد غطت بساعديها رأس الصغير ، تهدهد له بصوتها الخافت .. ولكنهم وكعادتهم خلعوا الباب بما انتعلوه ، وتلك نعمة أنها لم تكن خلف الباب ، بعد أن رأوها صوبوا نحوها وصغيرها فنادت إلى ما تبقى من إنسانيتهم :
" خذوا كل شيء .. أبقوني لصغيري .. و ابقوا صغيري حياً.."
لم تكن تلك كلمات توسل بل كانت أشبه بأمنية ما قبل النوم ، حاولت بكلماتها العربية أن توصل إلى أعجميتهم ما عنته.. لكن ..أسمعت لو ناديت حياً !
لم تكن تلك المحاولة إلا لنيل ركلة ، مع بعض الرصاصات الطائشات التي أصابت ساقيها و موضع كل علة ، سدت أذنيها من أصوات الرصاص المتناثر هنا و هناك و على أواني الفخار المملوءة بالأزهار التي كانت قد رتبتها قبل ساعات لتحيي في البيت وردة و لتشعل أمام صغيرها زهرة من أمل..
رصاصات لم يسمح لهن أي قانون سمحن لشظايا البلور المكسور و آنية الفخار أن تخترق جسدها الحامي ما بين أضلعها ..
لقد استجابوا لندائها نعم .. و أبقوا لها صغيرها حياً بعد أن أنهوا لها آخر لحظة من حياتها بضغطة على زناد وأدخلوها في سرداب الخلود و الرقاد...
لم يبقوه حياً كرمى لعينيه أو عينيها بل ليرى أمه و قد عامت فوق دمائها ..
لم يدر الصغير أن أمه قد فارقت الحياة ، فبراءته المعهودة جعلته يظن أن أمه مستلقية لمداعبته أو أنها تفضل الراحة بعد عناء طرد الغاصبين من بيتها .
نعم يا صغيري .. لقد طردتهم أمك عنك ، و لكنهم طردوا لها روحها كرمى لعينيك الصغيرتيـن .
زحف إليها و اقترب من صدرها ينتظر أن ترضعه فقد حان وقت الرضاع ، إلا أنها لم تفعل و لن تفعل بعد ذلك .. بدأ صوته يعلو قليلاً قليلاً بالبكاء ، لأن وقت الرضاع قد حل ، و لكن المساء كذا قد حل و لم يسمع من أمه جواباً، أخذ يضرب بيديه الملفوفتين كقطعة السكر صدر أمه المخملي الأحمر المخضب دماً..غاصت يده في دمائها ، نظر لأصابعه باستغراب ثم وضعها في فمه و أخذ يمص حلاوة طعم دم أمه بعد أن رسمت تلك الأصابع القانية على وجهه – في محاولة تركيز غاية الصعوبة - لوحة برئية من دمها ...

1 /4/2008

آمال المصري
27-03-2011, 11:36 PM
الأديبة الشاملة علياء ...
قرأت لك النثر والشعر ... والآن أقرأ لك قصة من أجمل ماقرأت اليوم
سردية متينة وخاتمة مدهشة على الرغم من أنها استجلبت دمع المآقي

ولو ختمت القصة بالجملة
رسمت تلك الأصابع القانية على وجهه – في محاولة تركيز غاية الصعوبة - لوحة برئية من دمها ..
لصارت القصة أروع فما زاد عنها أعتبره لامحل له في النص ولا يضيف جديدا
ينقل لقسم القصة
تقديري الكبير

ابراهيم السكوري
28-03-2011, 08:29 PM
قصة رائعة مؤلمة جدا .. لقد حان وقت الفطام قبل الأوان..
لقدر نقلت المأساة كما هي مأساة حقيقية يستشعرها القارئ ,, من خلال ابداعك المتألق هذا ..
أنا مع الأستاذة رنيم أنك أضفت شيئا لم تكن القصة في حاجة إليه فليتك ختمت حيث أشارت ..
شكرا لك و لأبداعك

المحامية علياء النجار
28-03-2011, 10:33 PM
لو كان المحرر ها هنا يسمح بالتعديل لعدّلت ذلك فوراً .. ولكنه تمّ في أماكن أخرى ... شكراً لكما ... طبتما

كاملة بدارنه
28-03-2011, 10:37 PM
"و أخذ يمص حلاوة طعم دم أمه بعد أن رسمت تلك الأصابع القانية على وجهه "

يا إلهي ! إذا كان فطام طفل بامتصاص الدّم . ودم من ؟ أمّه ! فأين العدل والعدالة وأين االحياة ؟!....

قصّة تقشعرّ لها الأبدان ، ويشيب لهولها الولدان ... وتوحي بنظرة دمويّة لمستقبل الحياة الإنسابيّة !
إذا أُشربت الطّفولة بالدّم .. فإنّي أرى أن لا شباب !

آلمتني جدّا أخت علياء ،

تقديري وتحيّتي

( همسة : حبّذا لو انتبهت لبعض الأخطاء اللغويّة قبل النّشر)

المحامية علياء النجار
28-03-2011, 10:58 PM
وحبذا لو ساعدتني فلك الفضل

كاملة بدارنه
28-03-2011, 11:05 PM
تكرمي محاميتنا الأديبة
تحيّتي

المحامية علياء النجار
29-03-2011, 11:23 PM
الأخت كاملة : أرى قصتي - فنياً - باتت الآن كاملة بعد لمساتك .. شكراً لها ولك

ناديه محمد الجابي
12-02-2013, 04:51 AM
نص بديع .. وقصة من قصص ظلم الأحتلال وجبروت المعتدى
بلغة متمكنة رسمت بالكلمات لوحة مؤلمة فأبدعت فى الوصف والرسم .
تحياتى .

ربيحة الرفاعي
19-03-2013, 05:55 PM
صورة بشعة من صور البطش تظهر جبروت البهائم المئتزرة ثياب البشر تستغل قوتها وسطوتها فتمتهن كل ما هو دونها قوة
قصة عنيفة الوقع على نفس المتلقي ، رغم حملها الرد بالقادم ، فطلفل يرضع دم أمذه سيهدر بالقطع دماء قتلتها، ولعل سوداوية الفكرة تتجلى هنا بالدخول في دوامة القتل اللامنهية

نص بالغ التأثير أديبتنا

دمت بخير

تحاياي

بهجت عبدالغني
19-03-2013, 08:11 PM
قصة تحكي مشهداً بات يتكرر هذه الأيام .. وكأنما الرحمة نزعت من قلوب البشر ، وتحولوا إلى مصاصي دماء ..



بعض التكثيف والتركيز كان يخرج النص بحلة أكثر بهاءً ..


دمت واليراع


تحياتي ودعائي ..

عبد السلام هلالي
19-03-2013, 09:53 PM
و يا له من فطام مؤلم ، كما القصة ، و إن كنت أظنها ممكنة الحدوث فيما أصبحنا نعيشه من فظاعات.
نص جميل و جد مؤثر بحمولة انسانية كبيرة .
أثني على ملاحظات الأخ بهجت الرشيد.
أعتقدها إكراما بدل " كرمى".
تحيتي و تقديري

نداء غريب صبري
16-04-2013, 01:18 AM
قصة جميلة واضح فيها التوجه الأكاديمي للكاتبة

شكرا لك اختي

بوركت

لانا عبد الستار
21-07-2013, 12:04 AM
طفولة ترضع في فطامها دما لن تنمو على غير الدم
وسيكون الحصاد من يمتص دماء الأعادي
قصة جميلة
أشكرك

آمال المصري
01-01-2016, 08:59 AM
قسوة الاحتلال وقهره رسم معالم واضحة مخضبة بالدماء لطخت البراءة
إن فُطِم الرضيع على طعم الدم فعلى أي منهج تكون نشأته فقد تعود على مذاقه قبل أن يبلغ الفطام
رائعة قوية بفكرتها وحرفها متينة البيان والبنيان وخاتمة متفردة مباغتة
بوركت أديبتنا واليراع المبدعة
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي

خلود محمد جمعة
02-01-2016, 07:22 PM
وما بين الأبيض والأحمر تلونت الطفولة بالسواد لييبس العود الأخضر ويتحول الى رصاصة أنتقام
مشهد نقل صورة الحاضر ورسم صورة المستقبل
مؤلمة ومؤثرة بجمال الحرف والأسلوب
بوركت وكل التقدير