تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ليلة تحت ركام القدر ..



المحامية علياء النجار
29-03-2011, 11:42 AM
جلس ينتظر حلول المساء بعد عناء يوم طويل ليخفت الأنوار و الأصوات و ليهدأ إلى سكون ليل حان ، أسند رأسه إلى يده ينتظر مملكة السماء أن تأذن للشفق الأحمر بالمثول ، وقد غلبه النعاس وانسدلت على جسده عباءة جميلة من استرخاءة خفيفة ، و لكن هديراً في أذ نيه لا يدري له اتجاهاً أزعج استرخاءته تلك ، تنحنح و حاول أن يـيمم وجهه شطر الهدير لكنه لم يتمكن من التعرف عليه ، تيقن حينها أنه هدير الروح مطالباً إياه السكون و الراحة .
استسلم رأسه حينها ليغرق في قلب كفه الحانية متماوجاً مع ارتدادات كرسيه الهزاز وهو يردد لروحه أنها إغفاءة بسيطة و سينهض بعدها .. ظنها جلسة بسيطة على كرسيه و ما درى برسائل القدر التي كانت تتسرب بهدوء إلى فسيح حياته و تحوم حول كرسيه الذي يعزف أجمل لحن بصريره الذي حاول أن يفهمه شيئاً ما لكنه لم يصخ السمع له .
أشفقت عليه عيدان الخيرزان المهتزة فغاب في أحضانها كما الفراخ في ريش من ولدتها .
تناهى إلى سمعه ذاك الهدير ساحباً إياه من أجواء سكونه ومطالباً عقارب الزمن بالتحرك من جديد إنها عقارب القدر و لسع الجريمة و ألمها إنه فحيح الظلم الذي بدأ يتسربل داخل قدره المشؤوم إنه زناد قناصة تصوب نحو سقفه ليهبط متماطراً ثم متهاوياً ملتصقاً على أرضية المنزل وقد علق في حنو كرسيه كما العصفور في قفص مهترأ متآكل .. لم يتوقع بساطة الاغفاءة لتلك الدرجة فلم تدم سوى دقائق قليلة وقد تيقظ على ركام كده وسنيّه الهاربة من جنة الخلد ..
أتى المساء الذي ينتظره نعم ، و لكنه شديد الحلكة هذه المرة ، استعاد وعيه كاملاً أو هو يحاول .
تفصَّدَ العرق من جبهة ٍ يعلوها السقف ببضعة ِمليمترات ، عمَّ الاضطرابُ أطرافاً باتت كفزَّاعَاتٍ مُقْحَمَةٍ بين زرعٍ احترقت ساحاتُهُ الخضراء .
رَنَا دُفتيّ النافذة وقد هزتهما ريحٌ صرصرٌ أحالت زجاجها حطاماً متناثراً وقد أسرع بكلتا يديه كيما تغمر رأسه الساجد بين ركبيته
الظلام يوجه السياط نحوه من جديد وقد ظنّ أنهُ فَقَدَ إحدى حَبيبَتَهِ أو كليهما ، لم يدرِ ، أو ربما لم يهتم ، و لكنه أحب التأكد فمدَّ يدهُ إلى جيبه التي انقلبت رأسها عقباً و أخرج القداحة التي كان ينوي أن يشعل بها قدحاً من الشاي عند استيقاظه من اغفاءته تلك !!
أدار حجر النار و كأنه رجلٌ من عصر حجريّ قد أرد اكتشاف النار من جديد ، لم يستجبْ للمرة الأولى ( كما هي أحداث الحياة التي لا تستجيب لحركة لطيفة أو موقف طيب إلا حينما تعض على شفيتك أو تضغط على أسنانك مستعداً لحركة عضيلة مكرهاً فيها لا بطل ) استعاد قوته من جديد و أدار حجر النار بقوة وعصبية – فدار – أضاءت قداحتُه المكان ، فلم يرَ إلا علبة سريدين قد تقوقع فيها ، فجدارُ المنزل في وجهه تماماً و الجدارُ الآخرُ قد هَبَطَ نصفه وبقيَ الآخر وكأنه تحفةٌ من عهد خوفو ، عندها تاهت المقلُ و انسفحتِ الأفكار وقد تكهّفَتْ عيناه بأسى ً بالغ وبدا الجنونُ في عينيه مِلحَاحَاً لجعل كلِّ ما حوله يحتضرُ و يختصرُ المسافاتِ بينه و بينَ أكفانٍ بيضٍ معطرةٍ لا بدَّ أنها آتية ... لم يعرف للزمان موتاً أو حياة ، لم يدر أهوَ في إطار القدرِ أم أزاحه القدرُ عن ساحةِ الوجود ليخرجَهُ من رقعة اللعب !!! ...
حَارَ بين أن يَصرخَ صَرخةً تُسمعُ من ظلمات ثلاث أو أن يوفرها ؛ نعم ؛ فلربما تكون آخرَ صَرخةٍ يَسمحُ لهُ بها قَدَرُهُ !! ..
دَارَ في خُلدهِ أنها ستكون ليلةً طويلةً ، ستتحول الثواني لساعات و الساعات لأوقاتٍ لا يدري لها تقديراً أو تحديداً ، وسيسقي في ليلته تلك ورودَ عُمره ِحزناً لتنبتَ على أشواك الصيف الحار ، و سيتركُ دماءهَ تروي أرضَ منزلهِ بما لا تشتهي ، و ستغرقُ أشجارُ حديقةِ منزله بعبراتهِ الحارّة التي سرعان ما تتبخر حين تلامس جثث و جذوع جيرانه في السفل و العلو ّ، ستترد في أنحاء الغرفة المنكمشة حروف الحكاية التي – كان – سيحكيها لطفلته عندما يستيقظ وقد روّت بدمائها ورود مخدتها المنقوشة تحت رأسها ..

كاملة بدارنه
29-03-2011, 08:59 PM
و سيتركُ دماءهَ تروي أرضَ منزلهِ بما لا تشتهي ، و ستغرقُ أشجارُ حديقةِ منزله بعبراتهِ الحارّة التي سرعان ما تتبخر حين تلامس جثث و جذوع جيرانه في السفل و العلو ّ، ستترد في أنحاء الغرفة المنكمشة حروف الحكاية التي – كان – سيحكيها لطفلته عندما يستيقظ وقد روّت بدمائها ورود مخدتها المنقوشة تحت رأسها ..
لمَ هذه النّهايات الملطّخة بالدّم عزيزتي علياء ؟! وكما القصّة التي سبقتها ..الطّفل هو الملطّخ .. وكأنّي بك تتخذين من الذّم (موتيفا) لإظهار الظّلم .. لكن أن يرتبط بالأطفال فهذا ينذر بمسقبل دمويّ وبالأحرى أن لا مستقبل يلوح في الأفق ... العدميّة المستقبليّة التي تنبعث من بين الكلمات ، أراها خطيرة ...
لك لغة رائعة ومتينة في السّرد .. وجمالية في الرّبط ؛ رغم كثرة التّفاصيل أحيانا .. لذا تقبّلي منّي عزيزتي استغلال هذه الرّوعة في كتابة أكثر تفاؤلا _ مع أنّي لا أنكر القسوة الحياتيّة، وأكتب عنها الكثير _ لكن جميل أن تتنوّع النّصوص من مبدعيها !
أرجو ألّا أكون قد أثقلت عليك .. وكتابتي تنبع من إعجاب وتقدير ...
تحيّتي


(همسة : قفص مهترئ-- الإغفاءة-- زجاجهما -- كلتيهما-- أراد اكتشاف-- لا بطلا -- خَلَده )

آمال المصري
29-03-2011, 10:41 PM
ذكَّرتني قصتك أستاذة علياء بزلزال وقع بمصرٍ منذ عدة أعوام وسمعت عن شاب اسمه ( أكثم ) وقد قبع تحت الأنقاض أربعة أيام ليستخرجه رجال الإنقاذ معافى وكان الوصف كما ذكرتِ
وبجواره جثث والدته وزوجته وابنته الصغيره مما جعلني أجزم أن القصة ربما تميل للواقعية
الأسلوب متين والبناء قوي والسرد كان ماتعا بلغة أدبية راقت لي
حبذا مراجعة النصوص قبل النشر فهذا الجمال الفائق يحزنني أن يشوبه هنات
تقديري لقلمك السامق
ولك جل التقدير

عبدالرحمان بن محمد
29-03-2011, 11:13 PM
النسيج اللغوي للقصة متين ومميز ودقيق
أعتقد أن طبيعة عملك هو ما يجعلك تكتبين بمثل هذه المأساوية
وكوني أشير إلى ذلك فلا يعني أبدا ان الأمر لا يروق لي،
بل على العكس تماما، فمن المهم بمكان ان ينكب المؤلف على قضايا الواقع، على أن يختم
القصة بلمحة تفاؤل ، أو على الأقل حلا ومخرجا لعقدة النص...
أعجبني نصك سيدتي

المحامية علياء النجار
29-03-2011, 11:33 PM
لمَ هذه النّهايات الملطّخة بالدّم عزيزتي علياء ؟! وكما القصّة التي سبقتها ..الطّفل هو الملطّخ .. وكأنّي بك تتخذين من الذّم (موتيفا) لإظهار الظّلم .. لكن أن يرتبط بالأطفال فهذا ينذر بمسقبل دمويّ وبالأحرى أن لا مستقبل يلوح في الأفق ... العدميّة المستقبليّة التي تنبعث من بين الكلمات ، أراها خطيرة ...
لك لغة رائعة ومتينة في السّرد .. وجمالية في الرّبط ؛ رغم كثرة التّفاصيل أحيانا .. لذا تقبّلي منّي عزيزتي استغلال هذه الرّوعة في كتابة أكثر تفاؤلا _ مع أنّي لا أنكر القسوة الحياتيّة، وأكتب عنها الكثير _ لكن جميل أن تتنوّع النّصوص من مبدعيها !
أرجو ألّا أكون قد أثقلت عليك .. وكتابتي تنبع من إعجاب وتقدير ...
تحيّتي

الغالية الكاملة كلامك في محله تماماً ولو استطعت أن أكتب بالحبر الأحمر لما قصرت ، عميلة ربط الدم بالأطفال ليس من عادتي ولم يرد ( ولن ) إلا هنا ، لكن لم أجد رمزاً أصدق تعبيراً للبراءة إلا هم ، ولم أجد رمزاً أصدق تعبيراً كذلك للظلم إلا ذبح تلك البراءة على أعين الناس ..
المستقبل الدمويّ الذي ألمحت إليه سيدتي يرسمون له وما فعلنا هنا عبر السطور إلا تصوير لا إنذار أو تشاؤم ..
أعدك التنوع الذي طلبتِه ولكن اختيار الباكورات كان شبه عشوائي من ملف قديم .. فليعذرني دم الأطفال

المحامية علياء النجار
29-03-2011, 11:37 PM
ذكَّرتني قصتك أستاذة علياء بزلزال وقع بمصرٍ منذ عدة أعوام وسمعت عن شاب اسمه ( أكثم ) وقد قبع تحت الأنقاض أربعة أيام ليستخرجه رجال الإنقاذ معافى وكان الوصف كما ذكرتِ
وبجواره جثث والدته وزوجته وابنته الصغيره مما جعلني أجزم أن القصة ربما تميل للواقعية
الأسلوب متين والبناء قوي والسرد كان ماتعا بلغة أدبية راقت لي
حبذا مراجعة النصوص قبل النشر فهذا الجمال الفائق يحزنني أن يشوبه هنات
تقديري لقلمك السامق
ولك جل التقدير


سطورك تثبت ما قلته للسيدة كاملة من أن السطور ما هي إلا تصوير أو نقل دون انذار أو تشاؤم .. ولكن أتصدقيني إن قلت لك أني لم أسمع بتلك الحادثة كما رويتها بل نقلتها نسجاً من خيال إعلامي ّ متراكم !

المحامية علياء النجار
29-03-2011, 11:41 PM
النسيج اللغوي للقصة متين ومميز ودقيق
أعتقد أن طبيعة عملك هو ما يجعلك تكتبين بمثل هذه المأساوية
وكوني أشير إلى ذلك فلا يعني أبدا ان الأمر لا يروق لي،
بل على العكس تماما، فمن المهم بمكان ان ينكب المؤلف على قضايا الواقع، على أن يختم
القصة بلمحة تفاؤل ، أو على الأقل حلا ومخرجا لعقدة النص...
أعجبني نصك سيدتي

صدقت .. فكوني في لجنة مكافحة جرائم الحرب الخاص بغزة سابقاً وبليبا الآن جعلت من سردي سرداً شافّاً لما يعرض أمامي من تفاصيل قاسية .. سأحاول أن أنسى ذلك حين أشرع من جديد

ربيحة الرفاعي
30-03-2011, 01:59 AM
سردية جميلة مترابطة الحبكة وجزلة الصور
وخاتمة عنيفة حملت رسالة النص بقسوة و.. وضوح

تجاوز بعض التفاصيل كان له تحقيق شيء من الاختزال دونما إضرار بمحتوى النص وجمالية طرحه

بانتظار جديدك

دمت بألق

المحامية علياء النجار
30-03-2011, 06:51 PM
شكراً لطرحك سيدة ربيحة وكذا لملاحظتك بخصوص التفاصيل ، مهنتي غيّرت بتفاصيلي الكثير ، منها السرد المجبر على تناول مجمل نواحي الدفاع عن الموكل في المذكرة تحت طائلة رفضها أو استئنافها أو صدور قرار من القاضي طالباً فيه التوضيح ، فتراني أسرد له مذكرتي مختصرة على نفسي وعلى موكلي عناء إطالة أمد الدعوى من حيث رفضها أو استمهالها لجهة الايضاح ... ودمتم أبداً بخير

خالد الجريوي
31-03-2011, 04:19 PM
اسلوب رائع
وسرد متميز
وحروف رقيقه
وفكر بهي
داومي
فنحن بإنتظار المزيد

المحاميه الرائعه
حفظ الله قلبك

المحامية علياء النجار
31-03-2011, 10:26 PM
:hat: وحفظ الله لنا مرورك بصيرتكم ضمن أحرفي