تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بلا روح ..



بثينة محمود
25-06-2004, 12:27 PM
كانت مجرد نقطة صغيرة مالحة .. انحدرت من عينيه فى طريقها للهاوية ..لم يكن لها منبع كى تستمر .. ولم يكن لها مصب كى تستقر .. لكنها أرقته للدرجة التى لم يستطع فيها ان يسحب يده الممسكة بالريموت كنترول كى يمسحها قبل أن يراه من حوله .. أغمض عينيه جيداً يستحث بقيتها .. لكن بقيت صورة ما لطفل ما مضرج فى دمائه عالقة أمام عينيه المغلقتين .. وذووه يعرضونه أمام الكاميرا دليل حى على شراسة المحتل وجنونه .. فتح جفنين مثقلتين بهموم باغتته فجأة .. هموم جعلت نبضات قلبه تسرع لاهثة باحثة عن جدار تحتمى به من أفكار حاصرته وهو جالس فى مكانه المعتاد بين أطفاله ..
تلفتت عيناه بين جدران بيته كأنه يراها لأول مرة .. وتلكأت قليلاً أمام طفله الصغير القابع على السجادة المزركشة يلهو بلعبه .. خيل إليه أنه يرى بقعاً حمراء قانية تلطخ سجادته .. تلطخ جلبابه الأبيض .. تلطخ حياته التى ظنها يوماً آمنه .. وتحولت مناغاة طفله الصغير فى أذنه إلى صراخ .. واستحال صوت زوجته الآتى من الغرفة الاخرى منادية إياه إلى عويل .. صك مسامعه صوت انفجار هائل أطاح بجدار بيته المواجه له .. وانفجر التليفزيون بدوى رهيب وبدأت تخرج من شاشته أدخنة سوداء خانقة .. تناثرت الكتب التى صفها بعناية فى مكتبته بجوار الجهاز الخرب .. و وطئتها أقدام السائرين الآتين من الشاشة المثقوبة .. يحملون على اكتافهم شهيداً ملفوفاً بعلم تاهت ملامحه من نزف الدماء .. سمع تأوه طفله تحت الأقدام وصوت تحطم لعبه ..
ظلت الجموع الغفيرة تتقدم نحوه مسرعة يهتفون كلاماً يشعره ولا يسمعه .. وحانت منه التفاته صغيرة إلى يمينه فوجد دبابة تستدير لتحكم التصويب نحو هدفها .. الجسد الملفوف بالعلم .. كأنهم يخشون دخوله القبر سليماً ويصرون على تحويله إلى اشلاء .. لم يستطع أن يغمض جفنيه كان بهما اكياس من الملح .. و ظل لسانه قابعاً فى قاع فمه عاجزاً عن الكلام ناهيك عن الصراخ .. أحنى رأسه حتى غاصت بين كتفيه الخانعتين .. ورفع يداً هزيلة ليحمى نفسه من الحجارة المتساقطة من أيدى الصبية .. وتوارى داخله .. بين طيات جلبابه .. راضياً بالبقاء حياً بلا روح .. وسط كل هذه الأرواح الحية ..
فاجأته من الخلف يد تربت على كتفه .. وسمع صوت زوجته الحنون تهمس له ان ميعاد نومه لم يحن بعد .. وتسأله إن كان متعباً .. وأحس بابنته الكبرى تمد يدأً وتسحب الريموت كنترول من يده لتبحث عن برنامجها المفضل ..

يسرى علي آل فنه
29-06-2004, 12:23 PM
كم هو انسانيٌ أن نستشعر وجع الاخرين ونتضامن مع مشاعرهم ولو في اغفاءة تسير بنا اليهم

*******
مشهد صيغ بشكل متقن وتضمن الكثير الكثير

سنبله

تأثرتُ كثيراً معك في هذه الوقفه

دمت رائعه

د.إسلام المازني
30-06-2004, 04:31 PM
نعم

هو مشهد معتاد

و ما أشد أن يصبح التمزق كشروق الشمس

لكنه مشهد صار ببيانك شيئا مشتركا


يقف ما بين الحياة و الصورة

لانك عشتيه قلبا و قالبا

و صغتيه بسلاسة فائقة



لا يصح أن اسجل تهنئتى لفظاعة المشهد

و لكن لا ينبغى أن أمر بلا تقدير لتوظيف السمو الإبداعى فى إيقاظ النفس لما صارت تجتره حالمة


تحية طيبة

تحية طيبة

تحية طيبة

معاذ الديري
02-07-2004, 04:48 AM
لفتة تمر بنا غالبا دون ان نصطادها ..
اعجبتني لقطة صوت اللعبة تحت اقدامهم .. تصوير محترف.

شكرا لك.

بثينة محمود
09-07-2004, 01:55 AM
نبض الايمان
لا نملك احيانا الا التوقف والتأمل فيما نفعله باعتياد مرير

شكرا لمشاركتك

بثينة محمود
09-07-2004, 01:58 AM
د. اسلام المازنى
شكرا لكل حرف سطرته بحق الالم المسطور
تحية كبيرة من الاعماق

بثينة محمود
09-07-2004, 02:00 AM
اخى عاقد الحاجبين

نترك الاحتراف لأهله
إنما هى مجرد محاولات

تحياتى لك

زاهية
09-07-2004, 05:41 PM
سنبلة الغالية

أغبط نفسي كثيراً عندما أقرأ لك شيئاً


قلمك يرسم بدقة متناهية إحساس اللحظة

أعجبني رصدك النفسي لهذا الرجل الذي يمثل فئة قليلة جداً

من الناس لاتحول القناة عندما يذاع مثل هذه الأخبار

لقد هزم الجرح الرجل وكم أتمنى ألا تهزم أمَّتنا

دمت معطاءة

أختك

بنت البحر