تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جبل الحكايات



محمد إبراهيم محروس
28-04-2011, 05:10 AM
كانت تسكن في بحر الشمال حيث الموج يغرد تحت أضواء المدينة. حالمة كطفلة برغم أن عمرها مائة عام.. تموت بين يديها كل يوم حكاية جديدة، برغم لمة الحكايات الممطوطة والمطولة، ولكنها أبدا لم يخدعها منظر الشروق، وبرغم مساحة الخلاء الممتد عبر السماء لفترة تتراوح فيها الأيام ما بين الألم والحنين، ظلت تبكي أميرها المسحور النابض في ظل أشجار بعيدة عكستها أمواج البحر عندما قامت جنية مزعومة بحقنه بمادة العشق، ليصبح مجرد ظل لشجرة تميل بجذعها على وادي الأشجار.

ومع مرور الأيام أصبحت الحكمة المتداولة بين لسانها أن لكل حكاية نهاية إلا حكايتها عندما أصبح ظله فجأة يتمرد ويحاول أن يأخذ حيزًا له من الفراغ ماتت دمعة بين عينيها وهي تترسم ظله المجاهد للخروج من المصيدة. كان انعكاس الظل على وجهها له بعد تاريخي. حيث قال القائلون: إنها منذ غادرت منزلها منذ أعوام واختارت أن تستقر بجوار شط المياه تفصل العذب منه بالمالح بكفي يدها، كان يكفي الأطفال أن يجتمعوا حولها، ويطلبوا المياه.. البحر مالح.. والأطفال برغم صغر سنهم يعلمون.. ولكنها تمد يدها في البحر تغرف بكفيها وتهمس للماء بكلمات لا نعرفها، وتبدأ الهمسات تتزايد حولها، والماء لا ينضب من بين كفيها، بعد مدة وبزيادة عدد الأطفال الطالبين للماء بدأ جبل الملح يتكوم حولها.. وأخذ كل يوم في الازدياد.. حتى أصبحت يوما وجدت أن الجبل تخطى حدود العقل، وأصبح النظر إليه والوصول إلى نهايته مستحيلا. ومنع الظل المفروش لحبيبها أن يتمدد ليصل إليها، يومها فقط، قررت أن توقف عملية السقي. أطفال البحر كانوا يهرعون إليها وفي عيونهم الأمل بشربة ماء. فردت يدها أمامها وأرتهم ما بين كفيها، ملح.. ملح .. ملح. الأطفال يهتفون.. ملح .. الجدة العجوز يديها أصبحت تفرز الملح

ظن أعيان بحر الشمال أن الأطفال يهرفون، وكلامهم مجرد هلاوس طفولية حمقاء.. قرروا أن يروا بأنفسهم. ماتت الدموع في العيون وهم يرون يد الجدة مملوءة بالملح. والجبل خلفها ممتد على امتداد البصر، ظل حبيبها لم يعد له وجود. الجدة، صغار والكبار.. الجدة، والظل، وجبل الحكايات، والشجرة المائلة على بحر الشمال مخنوقة. حاولوا أن يسقوا الجدة التي كفت عن الحكايات، ولكن بمجرد أن يصل الماء إلى شفتيها، تتشققان ويهبط الماء بين أيديهم. لا سبيل سوى أن تموت الجدة، ويكف أطفال الشمال عن البحر، يكتفوا بحرقة شمس الظهيرة أمام الدور وبناء سور عال يمنع دخولهم للشاطئ، وتظل الجدة وحدها مع ظل حبيبها. ربما يوما.. يوما ما تعود المياه كما كانت بين يديها.

الظل المجاهد للوصول من بحر الشمال راح يتمدد على طول جبل الملح، ولكن الجبل نفسه كان يرتفع كل يوم مئات الأمتار حيث أصبحت الجدة لا تكف عن البكاء. والأطفال يتساقطون، ويتساقطون. صباحا كانوا يرحلون.. أهل بحر الشمال يرحلون. الماء العذب لم يعد له وجود، والمالح يزداد ملوحة.. وظل يتسلق الجبل، وصباحا أصبح المكان على خواء. وانهار جبل الملح على جدة تبكي. وآخر المغادرين اقسموا إنهم رأوا ظلا يحاول أن يحفر بيديها جبلا من الملح. ويحفر، ويحفر.. ولكن يديه كانتا مجرد انعكاس لخيال ظل.. تخرج بفراغ وتعود بفراغ. وجبل الملح لا يقل.. وبرغم مرور الزمن مازالت الأسطورة متداولة هناك خلف جبل الملح المنهار ظل لشبح يحاول الوصول إلى حبيبته المختفية تحت جبل الحكايات.

سامح محرم السعيد
28-04-2011, 10:08 AM
يسعدني أن أكون أول من عانق هذا الخيال المنهمر من فوق جبال الملح وتلك الحواديت الطفولية عن الشوق والعشق...

كلمات سهلة بسيطة وجملُ رقيقةُ رقراقة ..

رائع جداً ..
طوق ياسمين ودمتَ بخير

محمد إبراهيم محروس
30-04-2011, 06:03 AM
الف شكر لك استاذ سامح
اسعدتني مداخلتك
واسعدتني كلماتك للغاية
تقبل خالص تحياتي
وخالص الود
دمت بكل خير

كاملة بدارنه
30-04-2011, 02:04 PM
قصّة بدأت الأحداث فيها بالتّصاعد بمحاولة تمرّد مَن ظُلِم منذ زمن بعيد، وبدت بعض مظاهر النّجاح حين استطاعت الجدّة أن تحظى بانعكاس ظلّ تواجده على وجهها.
الجدّة رمز الحكمة .. وظهرت حكمتها بوجهين مختلفين
حكمة كانت تستمدّها من البحر (الحياة) ومنها المفهوم وغير المفهوم ( كلمات لا نعرفها)
الحكمة لا تنضب من بين كفّيها ...
الملح الذي تكوّم حولها ذو دلالة إيجابيّة . فللملح دلالة الصّلاح والطّهارة والحماية "إذا فسد الملح فبماذا يملّح ؟"
وهو إيضا من حكمتها .. عندما شكّل جبلا منع حبيبها أن يتمدّد... تحوّلت دلالته إلى سلبيّة .. فالملح يجمع في آن بين الجوهر والتّضاد
فالأرض المالحة رمز اليباب ، الماء المالح يقلل من إمكانية تواجد الأحياء فيه ... وأدّى الأمر إلى التّوقّف عن إعطاء الحكم .... واحتفظت بقليل الملح بين كفّيها إي لذاتها فقط ... بعد أن كانت الحكم للجميع (ماء) .. ولم تعد تستطيع النّطق بها ( يصل الماء إلى شفتيها تتشقّقان ويهبط الماء) .. استُعمل رمز الملح بحكمة .
كوّن الملح جبلا مانعا...لكنّ ( المقاومة ) حاولت اختراق الجبل، والجبل يعلو، والملح يشكّل حاجزا صعبا ، ومع إذابته يفسد طعم الماء العذب، ويقلّل بذلك فرص الحياة .
انهارَ جبل الملح، وأصبح المكان خواء إلّا من خيالات أسطورية ... والظلّ الشّبح يحاول الوصول إلى بغيته ... وتبقى الأسطورة
رغم الإبعاد والمشقات والأهوال بقيت محاولات الظّل للرّجوع قائمة ... وبقي مثابرا ومصرّا على حقّه في الرّجوع ولو شبحا !
قصّة فيها الكثير من المعاني والدّلالات رغم اعتماد السّرد على عناصر أسطوريّة إضافة للشّخصيّات الواقعيّة .

شكرا لك أستاذ محمد على هذا الإبداع وأهلا بك وبإبداعك في واحة الخير
تقديري وتحيّتي

نداء غريب صبري
19-02-2013, 10:16 PM
قصة قوية ورموز رائعة
ساعدتني قراءة الأستاذة كاملة بدارنة في فهمها بشكل آخر بعد قراءة تعليقها

شكرا لك أخي

ربيحة الرفاعي
01-05-2013, 07:13 PM
نص قصي سلس اللغة جميل الطرح تعددت فيه الدلالات وتألقت الرموز المتغيرة المعاني بتأثير الحدث
كان للأسطورة والغرائبية أثر شائق في السرد ولمعاني الشخصيات وأدوارها ألق

دمت مبدعنا بخير

تحاياي

براءة الجودي
01-05-2013, 10:09 PM
قصة رائعة وخيال أروع وحقيقة لم افهم المغزى منها جيدا إلا بعد قراءتي لرد الأستاذة كاملة واستفدتُ جدا من هذه القراءة العميقة الحكيمة
جزيتما خيرا