تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المسلمون وقراءة الهوى



باسم عبدالله الجرفالي
05-05-2011, 12:06 AM
المسلمون وقراءة الهوى


بسم الله الرحمن الرحيم

قد يكون العنوان غريبا نوعا ما ، وذلك بذكر مصطلح قد يكون جديدا في تحديده ، ولكنه مستخدم عند المسلمين دون تسميته ؛ منذ أن بدأوا التصنيف المذهبي والطائفي في القرون الأولى .
قراءة الهوى كمصطلح وربطه بالمسلمين ؛ هو في رأيي اختزال للنصوص الشرعية لما يخدم الطائفة المُنْتَمى إليها ، وتجيير الوقائع الحياتية لمصلحتها ، وما يؤيد نهجها ؛ بقصد كان أم بغير قصد .
وأكثر ما ظهرت فيه قراءة الهوى هي مسائل تزكية الطوائف ، وأشهر هذه القراءات في الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ، فلا تكاد تجد فرقة إسلامية إلا وتجيِّر هذا الاسم لصالحها ، وتتهم غيرها بالضلال ، سواء كان بنفس الصياغة ، أو بتحويرها حسب طبيعة الطائفة ، فهؤلاء الوهابيون يدّعون ذلك بصوت أصمَّ الآذان ، وتنظيم القاعدة المصنَّف على أنه تنظيم خارجي ؛ يتشدق بها في كل محفل ومناسبة ، والشيعة بكل طوائفها تدعي ذلك ، والأشاعرة والمعتزلة والصوفية وغيرهم الكثير ادّعى حصر النجاة والنصرة عليه دون سواه ، و ( كلٌ يدّعي وصلاً بليلى ) .
حتى وصل الحال أن ادّعت كل فرقة إسلامية من الفرق الثلاث والسبعين اتباعها النهج النبوي الصحيح ، واتهام الأخريات بالضلال ، والميل عن الصراط المستقيم ، قراءةً للهوى ، وضربا بالنصوص الواردة عن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، المعايشين للنبي صلى الله عليه وسلم ، والعارفين بطريقته ونهجه ، حينما خشوا على أنفسهم النفاق ، وتمنّوا أن يكونوا طيورا لا يحاسبها الله .
وتجد كل طائفة تحشد الأدلة المتكاثرة العدد لتعضيد هواها ليرقى أمام الأهواء الأخرى ، والكل يعلم أن لكل فئة أخطاؤها ومزالقها ، ولها كذلك مناقبها ، فلِمَ تكون التزكية ؛ والله عز وجل نهانا عنها بقوله : ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) ، فالله هو المقرر مَنْ على الصراط المستقيم وليس أصحاب الهوى ، ولكن لكل فئة أن ترجو الله أن تكون هي المرادة ، ويرزقها حسن العمل .
ومن قراءات الهوى التزكوية ؛ نجد مسمى " أهل السنة والجماعة " يطلُّ علينا في الأفق ، فتجد كثيرا من الفئات تدَّعى أنها هي ، وتُخرِج الأخرى من هذه الدائرة التي ضيَّقها أتباع المذهب الوهابي ، فاقتصروها على من اتبع تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتبه ، وحرّموها على البقية اتِّباعا للهوى – وإن لم ينطق بها البعض ، فقد نطق بها الآخرون - ، وتحجيرا على الناس ، ورغبة في السيادة والسلطة الدينية ، و ( كلٌ يدّعي وصلاً بليلى ) .
وأيضا تجد من ينسبون أنفسهم للسنة والجماعة من الأشاعرة والفئات المصنفة ضمن الخوارج والصوفية وكثير من الفرق ، رغبة في قراءة بعض النصوص الشرعية حسب الهوى ، لتزكية أنفسهم وبالتالي اتهام من لم ينتسب لفئتهم بالضلال والانحراف عن المنهج الحق ، وأيضا ( كلٌ يدّعي وصلاً بليلى ) .
ومن أنواع قراءة الهوى " قراءة الحوادث والوقائع " فتجد الحادثة الواحدة تقرأ بعدة قراءات ، كل قراءة تخدم منهجا معينا ، ودستورا مرسوما ، وقد أَضْرِب لهذا النوع مثالا قديما ، ألا وهو قصة مقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن عمار : ( تقتله الفئة الباغية ) ، ولما قُتِل من قِبل جيش معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأُخْبِر بذلك – أي معاوية بن سفيان رضي الله عنه - قال : هم من أتوا به . - وبذلك عدّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه هو من قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وبرأ نفسه بذلك التأويل ، وخلّص فئته من البغي المنصوص عليه في النص الشرعي - .
ومن الحوادث الحديثة ؛ ما يقع في بلاد المسلمين من استباحة فئات منهم دماء وأموال الآخرين ، وفي بعض البلدان استباحة أعراضهم ، وقيامهم ببعض العمليات الإجرامية ، فإن هي فشلت وتم اكتشافها وإحباطها " غنى كلٌ على ليلاه " ، فيقول المُعِدُّون للعملية : إن ما حصل اختبار وابتلاء جعله الله لعباده المؤمنين ، أيصبرون على الحق ، أم يحيدون عنه ، ولكي يتقن العبد عمله ؛ فالله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه .
ويقول المُحْبِطُون لها : إن هذا من توفيق الله لنا ، وتمسكنا بالنهج القويم ، وسعينا الجاد للحفاظ على الضرورات الخمس ، ولأداء المخلصين من أبناء الوطن ؛ الغيورين على دينهم وبلادهم ، وهَلُمَّ جرا .
وإن حصل العكس ، وتمت العملية كما هو مخطط لها ، انقلبت الموازين ، وتحججت كل فئة سالفة بحجة الأخرى ، لتقرأ الحادثة كما يناسب هواها ، " ليغني كلٌ على ليلاه " .
ومن قراءات الهوى أيضا ؛ ادِّعاء الإصلاح لا الصلاح ، فيرفعون أنفسهم مراتب عُليا ، لتسيير الناس حسب ميولهم العقدية أو الفقهية أو المزاجية أحيانا ، وبذلك يحق لهم تصنيف الناس من أبراجهم العاجية إلى صالح وضال ، وذلك لأنهم احتكروا مرتبة الإصلاح سابقا ، فتراهم يكيلون بمكاييل لا اثنين ، حتى يغطُّوا على عوراتهم التي كُشِفت للملأ ، بسبب تناقضاتهم العجيبة ، التي أعجزت حتى المنافقين لإيجاد مخرج مناسب ؛ فيزيِّنوها ببعض الأدلة الشرعية من هنا وهناك ، للتَّدليس على الناس بها ، فترى هؤلاء المدّعون للإصلاح ينكرون أمورا محرمة شرعا ؛ وهم يمارسون ما هو أشد حرمة منها بكثير ، يجتمع مع ما أنكروا في نفس العلة ، ولا يكون على أولئك أي حرج في فعله ، وأضرب مثلا حديثا على ذلك :
فما وقع في مهرجان الجنادرية لهذا العام 1432هـ من رقص النساء والرجال معا في ساحة واحدة ، على أنغام الفنون الشعبية ، وإنكارٍ لمدّعي الإصلاح ، بصورة تجعل السامع يظن أن القيامة قد حلّت ، والعذاب يَعْلُونا ، وننتظر متى سَيُمْطِرنا الله به ، وتجدهم في المقابل – أي هؤلاء المدّعون للإصلاح – يتراصّون سنويا ليختِّموا جوازات سفرهم ، في منافذ دول أقلُّ ما قد يقال فيما سيشاهد فيها أنه شبه تعرٍ ، فضلا عما يُرى على الشواطئ وأحواض سباحة الفنادق ، ورحلات البرامج السياحية ، والملاهي الترفيهية والليلية ، وقد سمعت بعضهم يحتج على سوء فعله المتناقض بأمر الله للناس بالسياحة في الأرض ، وكأنه أمرُ فرضٍ ووجوب ، وقد تناسوا أحكامهم السابقة واللاحقة على معاصي بلدانهم التي ينتمون إليها ، التي لا تُعَدّ أمام ما يروه في غيرها سوى لَمَمٍ .
وفي نهاية المطاف ، أعيد وأذكر القارئ الكريم ؛ بوجوب عبادة الله وحده ، وترك اتباع الهوى ، الذي يعدّه العلماء على أنه السبيل لمعاصي الشهوات ، ومنها حب تزكية النفس ، والصعود على الأبراج العاجية ، والتسلط على البشر ، وهي من الأمراض التي تفشّت في الأوساط الإسلامية حتى أنْتَنَتْهَا ، بل وعمّ نَتَنُها أرجاء البلاد .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

باسم الجرفالي

1 / 6 / 1432هـ