المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حول القصة الشاعرة .. التأصيل و التقنيات/ د. أحمد باحارثة



محمد الشحات محمد
05-05-2011, 04:38 PM
حول القصة الشاعرة .. التأصيل والتقنيات


* التأصيل

القصة الشاعرة جنس أدبي جديد يلج إلى باحة الأدب العربي ليضيف لبنة جديدة إلى لبنات البناء الشعري ، فمنذ أن عرفنا الشعر وهو شطري في طبيعته السماعية والكتابية وما لتلك الطبيعة من خصائص أبرزها وحدة البيت والنفور من التضمين ولاسيما الإعرابي منه ، ليلحق به نظام الأغصان في الموشحات ليتحرر شيئًا من رتابة التشكيل الموسيقي للنظام الشطري ، ثم نلتقي في مفتتح القرن العشرين بالنظام السطري المعتمد على ما سمي بالدفقة الشعورية في تحديد امتداده ، وتأتي القصة الشاعرة التي لقيت مؤخرًا إقبالاً إبداعيًا وقبولاً نقديًا لتضيف نظامًا رابعًا هو النظام الفقري الامتدادي .
وهنا نرى حركة معاكسة لما يسمى في الساحة الأدبية بقصيدة النثر ، فإن كانت هذه قد استعارت من الشعر آليته الكتابية حسب النظام السطري وأغفلت تفاعيله ، فإننا اليوم نرى القصة الشاعرة تأتي لتعكس الأمر فتحتفظ بتفاعيل الشعر المطلقة وتستعير من النثر طريقته الكتابية القائمة على الفقرات ، فكأننا انتقلنا من قصيدة النثر إلى نثر القصيدة .
كما إن في هذا النظام الفقري تشبهًا بالنظام الامتدادي النثري للقرآن الكريم ومع ذلك فإنه مضبوط نغميًا بصورة إيقاعية إعجازية لا يمكن بطبيعة الحال حصرها في وحدات وزنية والبناء عليها ، ومن ثم اختار النظام الفقري للقصة الشاعرة التفاعيل الخليلية المنضبطة والمحددة ليشكل موسيقاه أسوة بغيره من الأنظمة الشعرية التي سبقته .
كما حقق هذا الجنس الأدبي الجديد أمرًا جديدًا بإدخال القصة إلى الصناعة الشعرية ، بمعنى أننا لم نعد نرى قصيدة تحكي قصة ، بل نرى ابتداء قصة موزونة أو شاعرة ، وذلك بعد أن اقتصر الأمر طويلاً على المسرحية التي هي جنس أدبي مشترك بين الشعر والنثر بحسب طريقة تشكيلها ، وفي إطار الشعر انتقلت من طور النظام الشطري إلى طور النظام التفعيلي ، حتى اقتربت من فكرة القصة الشاعرة ، وتميزت هذه باصطناع التدوير شرطًا أساسيًا لها يقتضيه نظامها الفقري .
وعلى ضوء ما سبق نرى أن فن القصة الشاعرة الذي ابتدعه الشاعر المصري محمد الشحات محمد يندرج ضمن الأجناس الشعرية ، حيث أضاف إلى مسار تطور الشعر العربي ، كما أرى ، ملمحين جديدين هما نظام الكتابة الفقرية للشعر ، وشعرنة القصة لنضم إلى أختها المسرحية في البناء الشعري المحلق .


** حول تقنيات القصة الشاعرة وقيودها الفنية :

الموسيقى :
استفادت القصة الشاعرة من تقنية النظام السطري في الاعتماد على التفعيلة لبنائه النصي ، ونرى بعض النقاد يدعون إلى الاقتصار على تفعيلة واحدة في صياغة نصوصها الشعرية ، ولا أرى ذلك لازمًا بل بالإمكان الاستفادة كذلك من تجربة النظام السطري في التعامل مع التفعيلات المتنوعة مثل المزاوجة بين التفعيلات المتداخلة ، بل إنني لا أرى ضيرًا من الجمع المطلق بين جميع التفعيلات المعروفة في القطعة الواحدة بحيث لا يخلو أن يمثل مقطع من كلماتها تفعيلة ما ، ويسهل هذا الأمر الطبيعة الامتدادية الفقرية لهذا النوع الشعري .
الفقرة :
يرى بعض نقاد هذا الفن الاقتصار على فقرة واحدة بوصفها دفقة شعورية ممتدة ، لكنني أرى إيجاد مصطلح مغاير للدفقة الشعورية المرتبط بالنظام السطري ، واختيار مصطلح آخر مناسب للنظام الفقري هو الانسياب الشعوري ، ومن ثم فإني لا أرى ما يمنع من تعدد الفقرات ، مع الالتزام بقصر العمل المبدع عمومًا كما تقتضيه طبيعته المكثفة ، ومن ثم لا بأس في التفعيلة الأخيرة من كل فقرة أن تستفيد في تكوينها من جوازات تفاعيل الضرب في القصيدة الشطرية .
القصة :
يحمل هذا الجنس اسم القصة الشاعرة لكن نقاده ربطوه بنوع واحد من القصة هو القصة القصيرة ، بحيث تشمل القطعة منه تقنياتها المتعارف عليها ، لكنني أحب أن تكون صفة القص مطلقة لهذا النوع بحيث يشمل القصة القصيرة بجميع تقنياتها ، كما تتسع لأنواع أخرى كالصورة القصصية والمقالة القصصية ، على أن يكون شرط القصر شرطًا كميًا يقوم على التكثيف اللغوي بكل صوره التي يختارها المبدع من إيجاز أو رمزية أو نحو ذلك .
وعلى ضوء ما ذكرته ينبغي الاتساع مع المبدع في تفاعله مع هذا الجنس الأدبي في موسيقاه وشكله ومضمونه بتحريره من أي قيود خارجية ، حتى تبقى كلمة الإبداع فيه هي العليا ومن ثم تحقيق أكبر قدر من إقبال الأقلام المبدعة التي هي وحدها من سيمد هذا النوع بمادة الحياة والنمو والانتشار .


د. أحمد هادي باحارثة – اليمن / حضرموت

صفاء الزرقان
05-05-2011, 06:52 PM
دراسة قيمة توضح القصة الشاعرة واهم معالمها

سلطت الضوء على موضوع يستحق المناقشة والتوضيح ولكن لي سؤال ارجو توضيحه
يوجد في الشعر الانجليزي ما يسمى ب Narrative poetry او BALLAD او epic او romance لها عدة مسميات ولكنها جميعاً قصائد_ مع مراعاة فروق طفيفة بين هذه المسميات كالموضوع والطول _ تسرد قصة باسلوب شعري قائم على وزن معين وعدد سطور محدد بحيث يتم تحديد ال meter او الوزن الشعري للقصيدة حسب عدد السطور في القصيدة والمقاطع في كل سطر . تساءلت اثناء قراءة الدراسة عن اوجه التشابه والاختلاف بينهما
اتنمى ان يتم توضيح اوجه التشابه والاختلاف في كتابة هذا النوع من الشعر
شكراً
دمتم بخير

كاملة بدارنه
06-05-2011, 08:42 AM
معلومات قيّمة وثريّة قيما يخصّ القصّة الشّاعرة، وتعكس اهتماما أدبيّا بهذا اللون الجديد الذي أنجبه رحم واحتنا، ومبتكره هو الأستاذ الشّاعر محمّد الشّحات، وزوّدنا مشكورا بخصائصه وميزاته وكلّ ما نحتاج.
لكنّي أرى في هذه المقالة أنّ الدّكتور أحمد يقترح إمكانيّة أن تكون القصّة الشّاعرة أكثر من فقرة " ومن ثم فإني لا أرى ما يمنع من تعدد الفقرات " وإضافات أخرى؛ في حين يشدّد الأستاذ الشّحات على الفقرة الواحدة، والتزام التّدويرين القصصي والعروضي مثلما جاء في ردّه تعقيبا على قراءتي في قصّة الأخت ربيحة(على ثراها) :

" ومن معاييرها -أي القصة الشاعرة- الرئيسية التزام التدويرين العروضي و القصصي لأنها وحدة متماسكة لا تحتاج إلى تسكين أو قواف داخلية ،
و التدوير يعني اتصال النفس الشعري و القصصي ،
كما تهتم بتوظيف علامات الترقيم ، و تنقسم هذه العلامات في القصة الشاعرة إلى ثلاثة أنواع :
- علامات معنى : و هي علامات لايتم السكوت عليها ، و ليس لها علاقات زمنية ، و إنما تفيد التوضيح للقارئ
- علامات زمن : و تتفرع إلى فرعين أحدهما تمثله النقط الأفقية ،و بناءً على عدد هذه النقط يتحدد زمن الوقف ، و بدون تسكين و أماّ الفرع الثاني يُمثّله الفضاء البصري ، و يعبر عن سكتة أطول
-علامة قطع: وهى النقطة التى تأتى فى ختام النص، وهى تقطع التدوير القصصى، ومع ذلك فقد تأتى نادرا ً فى وسط النص لتوضيح المعنى، وفى هذه الحالة يحتاج المبدع إلى حرفية عالية كى لا يقع فى قطع التدوير القصصى، وقد لا يستعمل المبدع النقطة فى نصه لإفادة استمرارية الحدث "

ولي سؤال للأخ محمّد هل تجوز الإضافات أو التّغييرات بعد أن وضعت الأسس والقواعد لهذا اللون الجديد؟ فأنا لم أر في المقال أنّك اعترضت على فكرة الأستاذ أحمد بعدم الالتزام بالفقرة الواحدة وغيرها.. .
شكرا لك أستاذنا
تقديري وتحيّتي

مرشدة جاويش
06-05-2011, 05:55 PM
الاستاذ محمد المحترم
كعادتي أتابع حر فك وحر فيتك
و اليو م طرحك وارف و راقي و اكاديمي عن القصة الشاعرة
و تقنياتها و الفنية
وعن التاصيل
وجهد توضيحى للموضوع
اشكرك ولك ثقافة خاصة بك ولك عمقية و اضحة
هذا التفرد احترمه
تحاياي

ربيحة الرفاعي
07-05-2011, 01:35 AM
بمتابعتي لهذا الفن الإبداعي المبتكر ، وما يقوم عليه من معايير ، فقد وجدت فما اقترحه الدكتور أحمد باحارثة إضافة إيجابية لم تخرج بفن القصة الشاعرة عن إطاره وخطوطه العريضة ولم تفقده ايا من معالم جماله وتميزه

شكرا لنقلك هذا البحث الذي كنا نأمل لو أردفته برايك فيما جاء فيه

ونبقى في متابعة لكل جديد في هذا الشأن

دمت بألق أستاذنا

ربيحة الرفاعي
19-05-2011, 09:56 AM
دراسة قيمة توضح القصة الشاعرة واهم معالمها

سلطت الضوء على موضوع يستحق المناقشة والتوضيح ولكن لي سؤال ارجو توضيحه
يوجد في الشعر الانجليزي ما يسمى ب Narrative poetry او BALLAD او epic او romance لها عدة مسميات ولكنها جميعاً قصائد_ مع مراعاة فروق طفيفة بين هذه المسميات كالموضوع والطول _ تسرد قصة باسلوب شعري قائم على وزن معين وعدد سطور محدد بحيث يتم تحديد ال meter او الوزن الشعري للقصيدة حسب عدد السطور في القصيدة والمقاطع في كل سطر . تساءلت اثناء قراءة الدراسة عن اوجه التشابه والاختلاف بينهما
اتنمى ان يتم توضيح اوجه التشابه والاختلاف في كتابة هذا النوع من الشعر
شكراً
دمتم بخير
تساؤل يتفق مع ما عودتنا عليه الرائعة صفاء ، بقلمها الباحث دوما في أوجه التشابه ونقاط الالتقاء بين نص وآخر أو بين لون من الفن وآخر
لكن ما عددت الكاتبة هنا من تنويعات شعرية في الآداب الغربية تدور جميعها في فلك الشعر القصصي وهو مختلف تماما عن روح فكرة القصة الشاعرة وإن التقى معها في تحقق الموسيقى في النص لاعتماده وحدة التفعيلة..
القصة الشاعرة غاليتي لون جديد لايشبه الشعر القصصي وإن تصوره البعض غصنا في دوحته، فهي قصة قصيرة جدا منسجوجة ببعض تقنيات قصيدة التفعيلة، لكن دون تحويلها لقصيدة بأي وجه، فهي نص متناغم بإيقاعات داخلية ونفس شعري طويل يعتمد التدوير العروضي، ولا يصح فيها الوقوف على نهاية السطر ، وتقوم على حبكة درامية في سرد فائق التكثيف، قوي الترميز وخيال واسع محلق.

وأنصحك أيضا بقراءة موضوع أستاذنا محمد الشحات محمد بعنوان القصة الشاعرة ومسيرة الابداع حيث ثمة إجابات على تساؤلات تصب في ذات القالب
https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=46275


دمت بألق

ريمة الخاني
19-05-2011, 10:05 AM
السلام عليكم
تسجيل مرور وتحية كبيرة لك ولصاحب الموضوع
وفقك الله استاذنا الكريم

صفاء الزرقان
19-05-2011, 03:51 PM
لكن ما عددت الكاتبة هنا من تنويعات شعرية في الآداب الغربية تدور جميعها في فلك الشعر القصصي وهو مختلف تماما عن روح فكرة القصة الشاعرة وإن التقى معها في تحقق الموسيقى في النص لاعتماده وحدة التفعيلة..
القصة الشاعرة غاليتي لون جديد لايشبه الشعر القصصي وإن تصوره البعض غصنا في دوحته، فهي قصة قصيرة جدا منسجوجة ببعض تقنيات قصيدة التفعيلة، لكن دون تحويلها لقصيدة بأي وجه، فهي نص متناغم بإيقاعات داخلية ونفس شعري طويل يعتمد التدوير العروضي، ولا يصح فيها الوقوف على نهاية السطر ، وتقوم على حبكة درامية في سرد فائق التكثيف، قوي الترميز وخيال واسع محلق.






اشكركِ سيدتي على هذا التوضيح
ساقرأ باذن الله ما اوصيتِ به
دمتِ بخير وعافية
حبي واحترامي :hat:

محمد الشحات محمد
21-05-2011, 04:25 PM
الأديبات الفضليات و الناقدات الكريمات

المبدعات القديرات


صفاء الزرقان

كاملة بدارنة

مرشدة جاويش

ربيحة الرفاعي

ريمة الخاني
(أم الفوارس)



بدايةً .. أُسجّلُ عجز حروفي عن شكركنّ لعطر المرور و الاهتمام الناجم عن ثورة الأجناس الأدبية ، و قدْرَتكنّ الإبداعية في التناول النقدي و القراءة المتعمّقة ، فضلاً عن كونكنّ من المبدعات اللائي يشهد لهنّ الأدب العربي بالشموخ و الرقيّ

* لقد كانت هذه المشاركات التفاعلية/المناقشات برهاناً على عدم توقف مسيرة الإبداع العربي ، و رداًّ على مَن ادّعى -جهْلاً- أن القصة الشاعرة فنٌّ كتابيٌّ لا يستطيعه سوى الرجال فقط!

و تناسى أن صفحات التاريخ تفخر بالأدب "النسوي" الذي تحفل به الذاكرة و أضاء الدنيا ،

كما أن الثورة الإبداعية لم تعد تجعل "المبدعة" بمعزلٍ عن العالم ، و كم نادينا بحرية الإبداع و حرية التعبير ، و أكدت القصة الشاعرة ذلك ، و أضافت حريّة التلقي و التحليل ، و الدفع إلى ما هو أرقى و أنقى ..

و لقد تمت مناقشة أربعة نصوص قصص شاعرة لمبدعات في المؤتمر العربي الثاني للقصة الشاعرة ، و كانت هذه النصوص هي "على ثراها" لربيحة الرفاعي (فلسطين) ، و قد طرحت للمناقشة مع الدراسة التي كتبتها حولها الأديبة و الناقدة كاملة بدارنة ، و "لنبدأ من جديد" لريمة الخاني (سوريا) ، و "لن يسقط نسرٌ في القمة" لجميلة الرجوي (اليمن) ، و "ترويض المستحيل" لسعاد عبدالله (مصر)

و ها هنا في "الواحة" الغرّاء تنطلقُ مبادرة الـ "فرسان" لتفسير تقنيات الحلم ن و توكيد علامات التأصيل لكل جديدٍ و مستحدث ، و قابل للتطوير و التجدّد

* و مِنْ هنا .. كان لابدّ لي -في ضوء لا حجْر على فكْر- أن أنقلَ هذا الجزء من بحث "حول القصة الشاعرة .. التقنيات و التأصيل" للدكتور باحارثة دون تعقيب إيماناً مني بدور النقاد و الأدب المقارن و المبدعين الحقيقيين -كما تفضّلتنَّ- في التفاعل و الإدْلاء بالرأي و المناقشات ، و في ذلك إثراءٌ كبير ليس لفن القصة الشاعرة فقط ، و إنما لكافة الفنون الكتابية ..
و مع المعايير التأصيلية لكلّ فنٍّ ، و مدى أهمية تلك المعايير و دورها في تمييز كلّ فنٍّ على حدة ، و بما يجعله يقف جنباً إلى جنبٍ مع الفنون الأخرى -رغم تداخلها و تراسلها- يكون الإقرار بما تصل إليه الأبحاث و الدراسات و القراءات النقدية ، و الإشارة إلى نقط التشابه و الاختلاف ، و علامات التميز و إثارة ميزة الإبداع .. ،

و هذا أبداً لن يكون دوري فقط ، و إنما بشحْذِ الكتابات القيّمة و القائمة على أُسس إبداعية راقية ،
و على ذلك يجتمع المخلصون للحرف العربي إبداعاً و نقداً و تذوّقاًو اهتماماً، و كذلك تنطلق حركة الترجمات ، و المسابقات ، و دعوة المؤسسات الرسمية و الأهلية التي تعني بالثقافة عبر الفضاء الافتراضي و الواقع



دمتنَّ بخيرٍ ، و دامَ الإبداع واقعاً حراًّ ، و سراجاً يهتدي به المطر لإسعاد البشرية

مع خالص التحية و التقدير

كاملة بدارنه
21-05-2011, 09:55 PM
شكرا لك أستاذنا الكريم ...محمّد ولكماتك المهذبّة الرّاقية التي تعكس سموّ أخلاقك، ومساندتك للأدب النّسوي؛ مع أنّي لا أميل لهذه التّسميّة التي أطلقها النّقاد على كتابات باقلام النّساء
فالأدب فنّ إنساني لا يرتبط بجنس مبدعه وصاحبه.
إنّها لمفخرة للواحة ولنا أن تناقش نصوص لأدبائنا ( والأصحّ أديباتنا) في مؤتمر في أمّ العواصم العربيّة ، وأشكرك جزيلا على طرح قراءتي في قصّة عزيزتنا ربيحة( على ثراها) للمناقشة .
أدامك الله سندا للأدب الرّاقي ولكلّ جديد خيّر
تقديري وتحيّتي

مُنتظر السوادي
17-07-2011, 01:26 PM
السلام عليكم
أَحبتنا في الواحة الغراء
التفاعل وتبادل الراي هو المتعة مع العلم
...
وبعد ان سمعت بهذا المصطلح , حاولت التعرف عليه من قرب والتعرف على خصائصه وسماته , وها انا أقرا أول موضوع حول هذا الجنس الادبي ...
..
انطلاقاً من ايمان بأَنَّ التلميذ لا يثني على الاستاذ في حضرة الدرس وانما يناقش ما لم يفهمه , فيا اساتذتي أسمحوا للتلميذ بمداخلاته , التي لا غاية له منها سوى ان يتعلم

منتظر

محمد الشحات محمد
21-07-2011, 05:57 PM
السلام عليكم
أَحبتنا في الواحة الغراء
التفاعل وتبادل الراي هو المتعة مع العلم
...
وبعد ان سمعت بهذا المصطلح , حاولت التعرف عليه من قرب والتعرف على خصائصه وسماته , وها انا أقرا أول موضوع حول هذا الجنس الادبي ...
..
انطلاقاً من ايمان بأَنَّ التلميذ لا يثني على الاستاذ في حضرة الدرس وانما يناقش ما لم يفهمه , فيا اساتذتي أسمحوا للتلميذ بمداخلاته , التي لا غاية له منها سوى ان يتعلم

منتظر



الرائع/

منتظر السوادي

بدايةً .. لك الشكر الجزيل أن شرفتنا بزيارتكم الكريمة

و نعم .. أتفقُ مع ما تكرّمتَ به :-

"التفاعل و تبادل الرأي هو المتعة مع العلم"

إذا كان التفاعل حقيقياًّ ، و بعيداً عن الجدل العنكبوتي الذي يملأُ الدنيا ضجيجاً .. رغم أنه الأهون ،

و أما تبادل الرأي ، فهذا من أساسيات الشورى التي نؤمن بها ، و تُتوجُ بالتواضع و العلم


أُحييكَ ثانيةً ، وننتظر منكَ ما يُضفي جمالاً و جلالاً لهذا الموضوع من خلال مناقشات حية و أسئلة غرضها الأول التعلم

و كلنا يتعلم من كلنا

مودة و تقدير

مُنتظر السوادي
22-07-2011, 08:55 AM
أو غير العلم يطلب التلميذ , شكرا لك أيها الناقد الجليل , أن شاء الله سأضع أسئلة غرضها التعلم بالنسبة لي , وربما اشكاليات لم افهمها , واتمنى ان توضح لي , كما هو ديدنكم

مُنتظر السوادي
22-07-2011, 11:01 AM
هذه تساؤلات مع نفسي اتمنى توضيحها :
- " نلتقي في مفتتح القرن العشرين بالنظام السطري المعتمد على ما سمي بالدفقة الشعورية في تحديد امتداده " , هل المقصود به شعر التفعيلة ؟
- " نرى القصة الشاعرة تأتي لتعكس الأمر فتحتفظ بتفاعيل الشعر المطلقة وتستعير من النثر طريقته الكتابية القائمة على الفقرات " , ألم يأخذ هذا النظام " البند " الذي ظهر في العصور المتأخرة , فهو كان موزوناً وعلى شكل نثر ؟ أضف أن هناك مقطع كتب بطريقة النثر وهو موزون على أحد بحور الشعر المعروفة للدكتور طه حسين .
- " نرى ابتداء قصة موزونة أو شاعرة " , هل يحق لكاتب ما أن يسميها القصة الشعرية ؟ أو ما هي الاسباب التي دفعت المبدع الى اختيار اسم الشاعرة بدلاً من الشعرية ؟ رغم ان د. طه حسين - ولا يخفى عن حضرتكم الموقرة - كتاب اللغة الشاعرة وفيه يقول امتازت العربية بانها لغة شاعرة .
- "اقتصر الأمر طويلاً على المسرحية التي هي جنس أدبي مشترك بين الشعر والنثر بحسب طريقة تشكيلها ، وفي إطار الشعر انتقلت من طور النظام الشطري إلى طور النظام التفعيلي ، حتى اقتربت من فكرة القصة الشاعرة " هل يقرب الاقدم من الاحدث أم العكس ؟ اي هل اقتربت القصة الشاعرة من المسرحية التي هي الجنس الاقدم , ام العكس ؟
- لماذا حددت بطول معين ؟ والعنوان لم يشر الى ذلك , فربما يأتي مبدع متمكن من الشعر بصورة مفرطة فيكتب لنا قصة طويلة , فهذا ممكن من الجانب النظري على ما أعتقد .
- قد قرات في كتاب د. محمد مندور الادب ومذاهبه في صفحة 116 , قصيدة لادجار الان بو بعنوان الغراب , طبعا مع التحفظ على الترجمة من لغة الى لغة , لكنها في النهاية قصيدة تحكي قصة وعلى نظام الفقرات . أي كما أشارت الناقدة صفاء الزرقان .

أتمنى ان تقرأ ملاحظاتي البسيطة بروح علمية فوالله لا أريد سوى أن اتعلم , وانا من طبعي لا أكبت شيئا لا أعرفه بل أطرحه , وارجو السماح ان أخطأت او تجاوزت

التلميذ منتظر

أحمد عيسى
22-07-2011, 11:28 AM
أتابع نقاش الأساتذة بكل اهتمام

ولي استفسار بسيط عند الأستاذ : محمد

هل تم الاعتراف بالقصة الشاعرة كجنس أدبي جديد ؟
هل لاقى الأمر استحسان الأوساط الأدبية أم أن هناك رافضين لهذا الفن وما هي أسبابهم ان وجدت ؟
ما لاحظته أن هذا الجنس الأدبي بهذا المسمى تحديداً وبهذه المعايير قد أرسى قواعدها مجموعة من الكتاب على رأسهم أستاذ محمد الشحات
قرأت بعض الدراسات أيضاً للدكتور البوهي ، أعتقد أنه صديق شاعرنا محمد

على كل حال أنا أتابع معكم ، وأتعلم من نقاشكم المبدع
كل حبي

مُنتظر السوادي
23-07-2011, 08:26 AM
- فإنّ القصة الشعرية قد تكون قصيدة (بأي شكل) مستفيدة بالدراما ، و قد تكون قصة نثرية عادية لكنها اكتسبت سمة الشعرية من جمال التصوير و دلالة اللفاظ و السرد ، و غيرها من مقومات القصة القصيرة .. .....؟ هل تقصد ربما تأتي القصة الشاعرة نثراً ؟ التبس عليّ الامر .
- البند : عبارة عن نثر ملتزم بالتدوير التفعيلي ، و كلماته لا تحمل إلاّ ظاهر المعنى القاموسي ، ولا علاقة لها بلغة الترميز و شخصية النصّ و خيال صاحبه ، مِماَّ يُفقده الشاعرية .. ، و قد ظهر هذا النوع من الكتابة في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) .... قرأتُ في كتاب ( في أدب العصور المأخرة - للدكتور ناظم رشيد ) إن البند فن أدبي نشأ في العراق في أوائل القرن الحادي عشر للهجرة ... والدكتور يشير في الهامش الى المصادر : 1 - البند في الادب العربي - تاريخه ونصوصه لعبد الكريم الدجيلي 2 - ميزان البند للدكتور جميل الملائكة 3 - علم القافية للدكتور صفاء خلوصي 4 - البند في الادب العربي لعبد الرزاق الهلالي .

مُنتظر السوادي
23-07-2011, 08:35 AM
ممكن أن أطرح أمراً تعقيباً على قولك :( عبارة عن نثر ملتزم بالتدوير التفعيلي ، و كلماته لا تحمل إلاّ ظاهر المعنى القاموسي ، ولا علاقة لها بلغة الترميز و شخصية النصّ و خيال صاحبه ، مِماَّ يُفقده الشاعرية ) , ايها الناقد الجليل هذه السمات هي التي اتسم بها الادب العربي أغلبه في مراحله الاولى , وربما نجد قصائد ليست بالقليلة حتى عند كبار الشعراء على سبيل المثال - عنترة , عمر بن ابي ربيعة , جميل بثينة , ابو فراس الحمداني - وفي العصور المتأخرة أصبحت سمة عامة , ويبدو لي أن لغة الرمز في الشعر العربي قديماً قليلة مقارنة بما وصلنا من نتاج شعري من تلك العصور ...
اتمنى أن توضح لي الامر
التلميذ منتظر

محمد الشحات محمد
24-07-2011, 04:54 AM
مقتطفات من ردود "الواحة" التطبيقية



إخوتي و أساتذتي .. اسمحوا لي أن نتذكّر معاً بعض الردود التي نُشرت هنا على الواحة للمقارنة التطبيقية بين نصوص القصة الشاعرة ، و غيرها من قصائد التفعيلة المستفيدة بفن الدراما ، و مِنْ ثَمَّ التركيز على بعض الفروق الظاهرة جداّ بين اللونين الكتابيين .

أولاً : التسكين و الدراما و الشكل الكتابي

نأخذ على سبيل المثال المقطوعة الشعرية "بائع الخبز" للشاعر "تميم نواف البرغوثي" حيثُ يقول :-

"في القدس بائع خضرة من جورجيا
برم بزوجته يفكر في قضاء إجازة أو في طلاء البيت
في القدس توراة وكهل جاء من منهاتن العليا
يفقه فتية البولون في أحكامها
في القدس شرطي من الأحباش يغلق شارعا في السوق
رشاش على مستوطن لم يبلغ العشرين
قبعة تحيي حائط المبكى
وسياح من الإفرنج شقر لا يرون القدس إطلاقا
تراهم يأخذون لبعضهم صورا مع امرأة تبيع الفجل في الساحات طول اليوم
في القدس دبّ الجند منتعلين فوق الغيم
في القدس صلّينا على الأسفلت
في القدس من في القدس إلا أنت"

(1) نلاحظ أن شاعرنا البرغوثي وقف بالتسكين على الأسطر التالية :
- المنتهية بـ "أو في طلاء البيتْ"
-المنتهية بـ "مع امرأة تبيع الفجل في الساحات طول اليومْ"
-و كذلك في السطور الثلاثة الأخيرة "الغيمْ" و "الأسفلتْ" و "أنتْ"

** القصة الشاعرة تعتمد على التدوير الشعري (عدم التسكين) **

(2) ما كتبه البرغوثي أخذ شكل السطر الشعري ، و لا يُمكن أن تكتب كل السطور متجاورة ، و إلاّ سيفقد الوزن (تفعيلة البحر الكامل) من ناحية ، وستضيع دلالة الوقف ، و نهاية السطر من ناحيةٍ أخرى

** القصة الشاعرة يُمكن كتابتها جملاً متجاورة لايفصلها سوى علامات الترقيم (على هيئة قصة قصيرة) ، وكذلك يُمكن كتابتها أسفل بعضها (على هيئة شعر التفعيلة) و دون أن تفقد الوزن (لأن بها التدويرين الشعري و القصصي) ، وكذلك لن تفقد دلالة السطر الشعري لأنها لا تعني به بطبيعة الحال **

(3) نلا حظ كذلك أن المقطع هنا مستفيد بالدراما ، ولم يكن القص ركناً متبطناً في النص ككل ، و إن كان "الشعر يبدأ وينتهي مع القصة أو هي تبدأ معه" .. ، وذلك لأن النفس هنا كان ينقطع لوجود التسكين ، والدراما موجودة عند جميع الشعراء السابقين واللاحقين أمثال عنترة وابن أبي ربيعة وصلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب ، أحمد سويلم ، حزين عمر، وشعراء قصيدة النثر ، و غيرهم .. لكن الدراما شيء والقصة القصيرة شيء آخر ،

** القصة الشاعرة تُوظف القص متبطناً في العمل الإبداعي ، و تدور في جميع أركانه ، وليس مجرد دراما اللقطة أو اللقطات **


ثانياً : افتقاد معايير القصة القصيرة يُلزم بالسطر الشعري رغم التدوير ، و بالتالي يكون النص قصيدة ، وليس قصة شاعرة

و كمثال على ذلك نأخذ رأي الدكتور خالد البوهي في نصّين له التزما بالتدوير ، و لكنهما خرجا –بإقراره- عن نطاق القصة الشاعرة ، وفقط هما قصيدتان شعريتان .. يقول البوهي في نصّيه:-


1. غريق
على شاطئ اللانهائى من بحر همى
عطوفا مشيت
أشاربنى زبد البحر..
أعطش..أشرب..
أعطش.. أشرب..
أسكر.. أنشد معزوفة الحزن..
فى كل ركن
تساقط من حلم أمسى
وأسألنى – فى اقتضاب الهجير –
أما زال قلبك يسبح فى لجة الموج..
يسبح..يسبح..
يجرفه ( السَّحْبُ ) دوامة..
ويقبُّ ويغطس..
يرفع كلتا ذراعيه مستنجدا
دون جدوى
يقب ويغطس..
يشرب..يشرب..
يلفظه الموج يطفو
... ... ... ... ...
وأرقبه جثة قد تغسل..
من دمع تلك الليالى اللواتى تغشى بهن
يكفنه الحب لكنه..
قبل أن يستريح
على راحة الحب..
قام /استدار
إلى أين؟ لم أدر..
قال الرواة الذين رأوه:
"رأيناه فى كل يوم غريقا" !!

2. خلود
إذا أنا مت فلا تحرقينى سوى بالحنين..
الذى فى دمائى
و ذرى رمادى على كل جسمك..
واستسلمى بين ذراته..
إننى متعب /حان وقت الرحيل إلى جنة..
عرضها مثل عرض قلوب المحبين..
لا تبخلى.. إننى أشتهى جنة واحتراقا
فقولى استرح فى نعيم اللهيب
بحق الذى كان أو لم يكن من غرام جميل
يناجى شفاها
تذوب بحضن الهوى كل وقت
تموت فناء
وتحيا خلودا !!
***
و حولهما ، و في تطبيق مُقارن يقول د. خالد البوهي :-

"القصيدتان برغم احتفاظهما بالتدوير الإيقاعى ، لكنهما لم يحتفظا بالتدوير الموضوعى ، لأنى أعرف فائدة السطر الشعرى ، وأعرف أن وقوفى على كلمتيّ "يطفو" فى القصيدة الأولى ، و"احتراقا" فى الثانية يضيف إلى المعنى كثيرا ، وأعرف كذلك أن القصيدتين تتكونان من سطور شعرية ، وبرغم وحدتهما العضوية ، لكنهما عبارة عن جمل لا تفتقر إلى بعضها ، وإن كانت مترابطة ، ومن الناحية الأخرى فهما يفتقران إلى حبكة السرْدِ فى القصة القصيرة ، وليس هذا عيبا فيهما لكنهما قصيدتان تفعيليتان ..، وأخيرا قارنوا بالحس التذوقى بينهما وبين القصة الشاعرة... وشتان ما هما"

* و كمثالٍ آخر نُقارن بين نصّين كُتبا بنفس التفعيلة مع وجود التدوير الشعري ، و رغم اتفاق الموضوع إلاّ أنّ النصين يندرجان تحت لونين كتابيين مختلفين
النص الأول هو "على ثراها" للأديبة الأردنية فلسطينية الأصل "ربيحة الرفاعي" ، و النص الثاني "فرحة القدس" للشاعر "عبدالغني خلف الله"
تقول ربيحة الرفاعي :-
" على أملٍ بأن غدا سيحمل نكهة أحلى، توضأ ثم نحو البيت سار بخطوة عجلى، يصارع فكرة التضييع كيف "أتى الذي ولّى"، وكيف القوم باعوا القدس في ترنيمة القتلى، وكيف أتى بنو صهيون كيف استأسدوا في الناس تنكيلا وكيف بغزة الثكلى أقام العزل والتجويع، والإقدام ما كلََّ ؟!، وعند الباب غازل غصن زيتون على كتف الجدار أقام واستعلى، تأمله بإعجابٍ وفي ظل استدارة أمه الخضراء أغرق في تسابيح قبيل العصر ، ثم بظلها صلى.."
و يقول عبدالغني خلف الله :-
" ستبقي القدس يا أختاه هاجسنا وحلم حياتنا الأغلي
وإن متنا لحاربت المقابر دونها وبيوتنا الثكلي ..
ألا فليفرحوا.. فغداً سنفرح نصرةً للفرحة الكبري
فتخّضر الربي بالنصر والساحات والطرقات ..
ما أحلى رجوعك يا قدسنا .. طوبي لمن قد نام فوق ثراك أو صلى"

* في مقطوعة "عبدالغني خلف الله" غاب السرد/الهرم الدرامي المكثف/القصُّ ، و جاء النص مقولةً شعرية على لسان مؤلفه ، فكان ضمن قصيدة التفعيلة ، و لا يمكن الاستغناء عن أهمية السطر الشعري في هذا النص رغم الاشتراك في الموضوع و عدد من الألفاظ و تفعيلة البحر الوافر (مفاعلتن) و التزام الدوران الشعري ، بينما في النص الأول توفّرتْ معايير القصة القصيرة بالإضافة إلى معايير قصيدة التفعيلة و التدوير الشعري ، و تبطن النص التدوير القصصي ودارفي جميع أركانه ، و مِنْ ثَم َّ أمكن كتابة الجمل مُتجاورة ، و الاستغناء عن ماهية السطر الشعري بتوظيف عدد من النقط ّو التشكيل الإعرابي و علامات الترقيم توظيفاً مختلفاً ضمن إعادة صياغة الفضاءات اللونية و البصرية للنص ، و بذلك كان النص الأول "على ثراها" قصة شاعرة و ليس قصيدة .


ثالثاً : تعدّد الدفقات ، و بينها ساكن يجعلُ النصّ في إطار القصة القصيدة (الشعر القصصي) ، و ليس القصة الشاعرة

يقول "رفعت زيتون" في قصيدته "لا عيد لطفل في الصحراء" :-
لا عيدَ لطفلٍ
يسكنُ قلبَ الخوفِ
ويسكنـُـهُ الخوفُ
نفتــْـهُ الجنـّـةُ
للصّحراءْ.
وحيداً كانَ
بدونِ نبيّ يدعو
أفئدةَ النـّـاسِ
لتمنعَ عنهُ اللـّفحَ الخارجَ ملتهباً
منْ ثغرِ الرّيحِ ....
عجيبٌ هذا الموقفُ
أنّ غريباً ينتظرُ الرّحمةَ
منْ غرباءْ.
ويطولُ الوقتُ
ولا غرباءَ وقافلةً تخرجهُ منْ جبِّ الخوفِ ...
ولا قبساً يؤنسُ وحشةَ منْ فقدَ النـّورَ وعينيهِ ...
لا موجاً يأتي يحملهُ
منْ بطنِ العتم ِ
ليقذفهُ للشاطئ عندَ بزوغِ الفجرِ...
وينتبهُ الطـّـفلُ
يرى في الأفقِ الغصنَ الأخضرَ مصلوباً
والورقُ تناثرَ في الأجواءْ...
يمتدُّ العتمُ
(و هكذا إلى آخر النصّ)

إنها واحدةٌ من روائع الشعر القصصي ، يلزمها التدوير في كل مقطوعةٍ تنتهي بساكن ، فتحرّكَ الوجدان و تلامس الفكر ، و تدعو لتأمل اختيار الألف الممدودة في نهاية كل مقطوعة ، و كأن المشاركة الوجدانية أولى درجات العلاقات الإنسانية التي يقابلها حرف الألف الذي هو بطبيعة الحال أول الحروف الأبجدية ، و في هذه القصيدة القصة تتأثرُ الدراما بالشاعرية المُرهفة لمبدع النص ، كما يتداخل فن الشعر مع فن القصّ ، و لكن مع الاحتفاظ بِكون النصّ قصيدة من الطراز الأول ، و ليستْ قصة ، أو قصة شاعرة ، إذْ أنّ النص يبدأُ بجملة حُكْم شعريّ "لا عيد لطفلٍ .. " ، و يتخلّله التسكين في ختام المقطوعات ، و تتعدّد بدايات الدفقات الشعورية ، و التي لا يُمكن معها قراءة النص كدفقة شعورية واحدة .. إنما يتحرك الشعور من منطقة/ دفقة إلى أخرى بعد الوقف بالتسكين ، و الذي يُعبر في القصيدة عن فترة للتنفّس -رغم الوحدة- و استعادة النشاط لنجدة هذا التائه في الصحراء أو الغريق في خضم موجات الظلام و الغربة


رابعاً : اختلاف الشكل و المضمون في ضوء تدويرات القصة الشاعرة

1- البند : عبارة عن نثر ملتزم بالتدوير التفعيلي ، و كلماته لا تحمل إلاّ ظاهر المعنى القاموسي ، ولا علاقة لها بلغة الترميز و شخصية النصّ و خيال صاحبه ، مِماَّ يُفقده الشاعرية .. ، و قد ظهر هذا النوع من الكتابة في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) ، و بالتالي فإنّ البند ليس شعراً رغم وجود التدوير التغعيلي ، و كم من نصوص تلتزم بالتفعيلة (موزونة) و لكنها نثرية و مباشرة ذات تقريرية ، و حتى إذا أخذتْ الشكل العمودي تُسمَّى نظماً
و هذا لا ينطبق على القصة الشاعرة حيثُ أنّ جُملها تتسم بالشاعرية ، و فضلاً عن تلك التفعيلة التدويرية ، فهناك التدوير القصصي/ الموضوعي و التدوير البصري
و البند تعدّدت موضوعاته ، فمنها الرسائل و الحكايات ، و القول المأثور ، و هذا مثال للبند .. أقول فيه :-
"جلس الأطبّةُ حول مائدةِ النقاشِ ، فقال معظمهم هنا تأتي الحقيقة إنْ سألنا بعضنا ، و إذا أجبْنا دون مكْرٍ ما نرى ، و الآن نحن نتابع الجرْحى بغير مقابلٍ "
في هذا النص تتوالى تفعيلة بحر الكامل ، و لكنّ النصّ كَكُلّ ليس شعراً

2- التدوير الشعري فقط يجعل النص قصيدة ، ولا يغنيها عن ماهية السطر الشعري ، ولا يكون النص عندئذٍ قصة شاعرة

معنا قصيدة تلتزم بالتدوير للشاعرمحمود درويش ، و قد كتبها بعضهم جملاً متجاورة للمقارنة بينها و بين القصة الشاعرة من ناحية التدوير الشعري ، مِماّ أثر سلباً على قصيدة "درويش" لأنهم بهذا الشكل أسقطوا نسبة كبيرة مماَّ كان يقصده الشاعر في نهايات السطر الشعري ، و كذلك لم يستطع النص –بهذا الشكل- أن يعلن عن وجود معايير القصة القصيرة به ، ولم يكن القصّ ركناً مُتبطناً في النص رغم استفادته بالدراما ، و هذا شيءٌ طبيعيّ لأنه كُتبَ في الأصل كقصيدة ، وأيّ تغيير فيه يعدُّ مَسخاً لا يليق بالنص و بحجم محمود درويش
و يتبين الاختلاف بحكم الذائقة بين نص قصيدة درويش –رغم التدوير ، و إسقاط علامات الترقيم و كتابة الجمل مُتجاورة- و بين القصة الشاعرة ، و هذا مقطع من نصّ محمود درويش "مقعد في قطار" :-

"مناديلُ ليست لنا، عاشقاتُ الثواني الأخيرة. ضوء المحطة. وردٌ يضلل قلباً يفتش في معطفٍ للحنان. دموع تخون الرصيف. أساطير ليست لنا. من هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرح عند الوصول؟ زنابق ليست لنا كي نُقبّل خط الحديد. نسافر بحثاً عن الصفر لكننا لانحب القطارات حين تكون المحطات منفى جديداً. مصابيح ليست لنا كي نرى حبنا واقفاً في انتظار الدخان....."

3- لا ينبغي في القصة الشاعرة أن نتجاهل دور تفاعل التدويرات الشعرية و البصرية مع التدوير القصصي ، و بوجود عوامل مساعدة مثل توظيف الموقع الإعرابي و علامات الترقيم يجعل من مضامين القصة الشاعرة اختلافاً عن مضامين القصيدة أو القصة القصيرة كلٌّ على حدة

................


تحية إلى الأستاذين "منتظر السوادي" و "أحمد عيسى"

عذراً لتأخري في الرد لمشكلة عندي في "النت"

و لي عودة معكما بمشيئة الله
:001: