المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عــــالَمُهَا



أحمد عيسى
18-05-2011, 10:05 AM
ارتاحت على كرسيها الخشبي ، جربت أن تميل برأسها لتترك شعرها يتراقص حرا ساقطا على إحدى جانبيه والهواء القادم من المروحة يفعل به ما يشاء
ابتسمت وقالت :
- ها قد رأيتني فهل أعجبتك ؟
لم يرد ، لم ترَ ما يدل أنه يستمع لصوتها ، أو أنه قد سرته صورتها ، الشاشة أماها فارغة من كل شيء سواها
أغلقت المتصفح بينها وبينه ، أسبلت جفنيها لحظات :
- هل أنا حقاً جميلة ؟
تساءلت ، أدارت رأسها في فضاء غرفتها ، لا يجيبك الا الصمت المطبق يا (أميرة)
من جانب الشاشة برز صديق قديم ، اقتحمت عليه متصفحه ، قالت بحروف أرادتها صارخة :
- لم يعجبه شكلي ، ألم أخبرك يا أيمن !
ردت حروف أخرى على الجانب الآخر :
- يبدو أنك لا تعرفين قيمة نفسك ، أنت جميلة وأنا أعرف يقيناً أنه يحبك .
- اذن ، لماذا لم يرد ؟، كأن صورتي سببت له صدمة !
الحروف الرتيبة تتساقط :
- انه الدلال لا أكثر ، لا يريد أن يبدي انبهاراً، يريد أن يبدو هادئاً أمام مفاجأة الجمال الذي قد يكون توقع أقل منه بكثير .
تقول :
لكنه كعادته يا صديقي ، يعرف ما أقول قبل أن أفعل ، يشعر بي دون أن أدري ، ألا تعلم أنه حاول مازحاً أن يستنتج شكلي ، فعرف أنني سمراء ، وخمن أن شعري أسود طويل ، بل وعرف لون عيوني العسلية ، فكيف لا يتوقع شكلي وهو الذي حفظني دون أن يراني ؟
الحروف المتساقطة تواصل :
- عندما يدخل في المرة القادمة ستعلمين أنني على حق يا عزيزتي
- أشكرك صديقي ، أشكرك بصدق ، والله لو أن لي أخاً لما أحبني ببراءة مثلك .
الحروف تنسحب ، تتوارى مع خروج المتصل عن وجوده الأثيري ، تقف ( أميرة ) أمام مرآتها ، تتأمل جسدها الممشوق ، تعدل من تسريحة شعرها ، وهندامها ، أنتِ على ما يرام ، لقد أعجبتِ أمير الحب ، حتماً فعلتِ .
هو أميرك الذي لا تعرفين اسمه بعد ، تفضلين ويفضل أن تبقى الأسماء هكذا ، فقط أمير وأميرة ، فقط عالم واحد ، ووجود واحد ، انه يحب ما تحبين ، ويكره ما تكرهين ، يهتم بالأدب مثلك ، يعشق الفن مثلك ، يحب من أغاني أم كلثوم الأغنية الوحيدة التي لا تملين من سماعها ليل نهار ، أغداً ألقاك ، يا خوف فؤادي من غدٍ ..
انه نديمك وصديقك وحبيبك ، أي حياة يمكن أن تعيشيها لو تزوجك ، لو عاش معك تحت سقف واحد ، يشاركك اهتماماتك وطموحاتك ورغباتك ..
تنبيه بجانب الشاشة الأيمن يوقظها من غفوتها في لجة أحلامها ، إنها (هيام) صديقتها عبر الأثير ، تكتب (أميرة) :
- لقد رآني يا صديقتي ، كنت معه وكان معي
تكتب هيام :
- افتحي الكاميرا لي صديقتي ، أريد أن أرى ما شاهده حبيب القلب .
تفتح أميرة كاميرتها ، تتراقص أمامها وتكتب :
- كنت هكذا ، لكنه ذهب فجأة ، ربما لم يعجبه شكلي ، وربما حدث لديه طارئ ، لا أعلم .
تكتب هيام :
- هل كنت هكذا ، بهذا الثوب ، هل تظنين نفسك في المدرسة ؟
جانب الشاشة يحمل اسماً آخر ، اسماً وهمياً غريباً اقتحم عالمها منذ فترة ، ظنته صديقاً طيباً، قبل أن يبدأ في معاكستها بطريقة فجة ، كشفت عن قبحه وسوئه ، تكتب أميرة لصديقتها :
- لقد دخل هذا السخيف الذي حكيت لك عنه ، اسمه (ماتريكس ) وها هو يعاكس بطريقة مقرفة .
تكتب هيام :
- احظريه فوراً يا صديقتي ، لا يستحق هذا السخيف عقاباً آخر .. ليت كل الرجال وسيمين ورومانسيين مثل أميرك يا أميرة .
تترك أميرة هذا الغريب بحاله ، تبتسم للكاميرا أمامها ، وتكتب :
- دعينا منه الآن ، وأخبريني لماذا لم يعجبك شكلي ؟
تقول هيام :
- صديقتي ، أي قميص هذا الذي ترتدينه بلونه الأزرق المدرسي ، يجب على أمير أن يراك أنثى مغرية ، يشعر أنها هي من سيقضي معها بقية حياته ، أظهري له جمالك ، أنوثتك ، فكي أزرار قميصك قليلاً ، أظهري بعضاً من كبريائك أمامه ، كوني له أميرة رغباته ، لكي ينحني على ثغرك مقبلا مستسلما .
نظرت أميرة للكاميرا ، ابتسمت ، فكت زر قميصها ، الأول ، الثاني ، ظهر بعضٌ من صدرها ، منكمشاً خجولاً يكاد يتساقط منها ، شعرت برجفة في أوصالها ، قشعريرة باردة تمر عبر أطرافها ، تراجعت الى الوراء ،
أعادت أزرارها بأصابع مرتعشة ، قالت بصوت عال :
- من أخبرك أنني أميرة ، ان هذا الاسم كان له وحده ، أمامكم جميعاً أنا أخرى ، كنت له أميرة لأنني أحببته ، كنت له أميرة لأنني عشقت كلماته ودفء مشاعره ، من أخبرك ؟
أنت تعرفينه ، أنت على علاقة به ، هل تخونين صديقتك ، تحدثي ان صمتك يقتلني ..
صرخت ، بكل صوت تملكه ، أمسكت مكبر الصوت في يديها ، ضربت بأزرارها على لوحة مفاتيحها حتى كادت تقتلعها ، مع انتفاضتها ، صرخت بكل وجدانها :
- لن أموت بعدك
نظرت الى الأسفل ، حيث أصابعها المرتجفة ، ابتلعت لعابها ، رددت :
- نعم ، لن أموت بعدك
بدأت تلغي أميرها من عوالمها ، تضغط زر الحذف وهي تنتفض ، تنكمش ، وتتضاءل لوحة الأزرار أمامها ، وخلف أمير الحب رحلت هيام وصديقها أيمن ، وخلفهم ذاب ماتريكس واختفت معاكساته السخيفة ، كانت الرسائل تصلها من كلٍ منهم :
- أنا كل عالمك .
- لا حياة لك دوني .
لم تبال أصابعها بما ترى أعينها ، كانت تواصل ثورتها ، تكمل رحلة التخلص من كل شيء في عالم كاد يغرقها ..
وحين جلست على الأريكة أمام تلفازها والجسد يرتجف هلعا ،
كان التلفاز يبث أخبار ثورة أخرى .

مازن لبابيدي
18-05-2011, 03:24 PM
ما أروعك أخي أحمد
فاجأتني جدا بالخاتمة الرائعة
بدت القصة في بدايتها وسيرها قصة علاقة شبكية يغلب عليها التلاعب والخداع والوهم ، ثم تداعت الأحداث فجأة وانحدرت سريعا إلى كشف وصدمة وانعتاق انفعالي
لكن الخاتمة وضعت بطلتنا أمام حقيقة من نوع آخر ، زمن آخر ، هم مختلف ، وقيمة جديدة للإنسان والأمة ... إنها الثورة ، التي أخرجتها من عالمها إلى عالم جديد بدأ بالبشرى التي ختمت بها القصة .

تحيتي ومودتي

أماني عواد
18-05-2011, 09:19 PM
الاستاذ الكبير أحمد عيسى

مفارقة رائعة لثورتي الجسد والفكر
وتصوير مدهش ينقلنا من سلبيات الشابكة الى ايجابياتها على متن حكاية شيقة


سلمت يداك

صفاء الزرقان
18-05-2011, 11:21 PM
جميل نصكَ بكل ما يحمل من تفاصيل صغيرة تصف بدقة حال "اميرة" وترصد انفعالاتها

فكان النص بغزارة تفاصيله وكأنه واقع وليس مجرد خيال

شعرت بالنص يستدرجني وشعرت بكل انفعالات اميرة وثورتها

اجمل النصوص هي التي نجد صعوبة في التفريق بينها وبين الواقع

النهاية تترك للقراء خيالا مفتوحا على مصراعيه ليتخيل ما سوف يحدث بعد هذه

الثورة والانقلاب الذي حدث فتستفز عقل القارئ لادراك واستيعاب وتوقع المستقبل

دام ابداعك

ربيحة الرفاعي
19-05-2011, 03:38 PM
نص قوي بسردية كثيفة الحدث سخية التفصيل
وإيحاءات حملت القاريء إلى استنتاجات تجعل من مباغتة الخاتمة انفعالا نابضا بالحياة والرضى
وأفق مفتوح على تأويلات متعددة في إطار الثورة

أحسنت أيها الكريم

دمت بألق

كاملة بدارنه
20-05-2011, 10:59 AM
لم تبال أصابعها بما ترى أعينها ، كانت تواصل ثورتها ، تكمل رحلة التخلص من كل شيء في عالم كاد يغرقها ..
وحين جلست على الأريكة أمام تلفازها والجسد يرتجف هلعا ،
كان التلفاز يبث أخبار ثورة أخرى .
هناك الكثير من الأمور في الحياة التي تتطلّب منّا التّغاضي عنها؛ لأنّها عثرة في طريق التّطوّر واستمراريّة الحياة بطريقة سليمة ومجدية
وأحيانا العام يلزمنا بالتّخلي عن الخاص لزيادة في أهمّيته ...
للثّورة في القصّة دلالات كثيرة
قصّة رائعة بحبكة قويّة ونهاية مدهشة
بورك القلم أخ أحمد
تقديري وتحيّتي

(همسة: وسوئه - ظهر بعضٌ)

أحمد عيسى
01-06-2011, 02:46 PM
ما أروعك أخي أحمد
فاجأتني جدا بالخاتمة الرائعة
بدت القصة في بدايتها وسيرها قصة علاقة شبكية يغلب عليها التلاعب والخداع والوهم ، ثم تداعت الأحداث فجأة وانحدرت سريعا إلى كشف وصدمة وانعتاق انفعالي
لكن الخاتمة وضعت بطلتنا أمام حقيقة من نوع آخر ، زمن آخر ، هم مختلف ، وقيمة جديدة للإنسان والأمة ... إنها الثورة ، التي أخرجتها من عالمها إلى عالم جديد بدأ بالبشرى التي ختمت بها القصة .

تحيتي ومودتي

الأخ الزميل المبدع : مازن لبابيدي

الروعة أنت يا صديقي ، نعم انها الثورة ، التي بدأنا بها بتصالح مع أنفسنا وثورتنا على الهياكل الوهمية التي يزرعونها في حياتنا ، يريدون أن يخوفونا ، وقد فعلوا ، حتى كانت الثورة التي أسقطتهم واحداً واحداً
كأنهم كلهم واحد
كأنهم كلهم ذات الشخص ، ذات الوجوه ، ذات الأساليب
هي الثورة اذن ، وهي بدأت ولن يوقفها أحد

أسعدني مرورك بكل تأكيد
كل الود

أحمد عيسى
25-06-2011, 06:29 PM
الاستاذ الكبير أحمد عيسى

مفارقة رائعة لثورتي الجسد والفكر
وتصوير مدهش ينقلنا من سلبيات الشابكة الى ايجابياتها على متن حكاية شيقة


سلمت يداك

الزميلة المبدعة : أماني عواد

أسعدني اطراؤك وان كان الوصف بالكبير كبيراً علي

سعدت بقراءتك الراقية ووجودك الرقيق

ودي لك

أحمد عيسى
18-07-2011, 10:01 PM
جميل نصكَ بكل ما يحمل من تفاصيل صغيرة تصف بدقة حال "اميرة" وترصد انفعالاتها

فكان النص بغزارة تفاصيله وكأنه واقع وليس مجرد خيال

شعرت بالنص يستدرجني وشعرت بكل انفعالات اميرة وثورتها

اجمل النصوص هي التي نجد صعوبة في التفريق بينها وبين الواقع

النهاية تترك للقراء خيالا مفتوحا على مصراعيه ليتخيل ما سوف يحدث بعد هذه

الثورة والانقلاب الذي حدث فتستفز عقل القارئ لادراك واستيعاب وتوقع المستقبل

دام ابداعك

الزميلة الرائعة : صفاء

الأجمل كان مرورك الرقيق ، سعدت به وبرأيك
ان العالم العنكبوتي المتشابك عبر الفضاء الرقمي اصبح نسخة من عالمنا الحقيقي بكل تناقضاته
قديماً قال شكسبير : العالم مسرح كبير
اصبح العالم الان كله في لاب توب صغير بحجم دفتر أو كتاب

مودتي لك

خالد الجريوي
18-07-2011, 11:07 PM
سرديه شيقه
وأقسم أنني النهايه فاجأتني
حتى أن سرت بجسدي قشعريره غريبه
قد تكون قشعريرة التلميذ الذي أسعدته معلومة جديده من أستاذه

رائع أستاذي
حفظ الله قلبك
تقديري الكبير

نداء غريب صبري
06-11-2013, 06:00 PM
كل شئ في الحياة أصبح سيفا له حدان
والشبكة العنكبوتية واحدة من هذه
تكون طريق دمار وطريق ثورة شعوب
ونحن من يختار

قصة رائعة وحبكة جميلة وسرد مشوق وقفلة فاجأتني بقوة

شكرا لك أخي

بوركت

ناديه محمد الجابي
28-01-2014, 04:56 PM
قصة فريدة في أسلوب كتاباتها لموضوع كتب فيه الكثيرين
ولكني أقف مبهورة بأسلوبك المميز في وصف أدق التفاصيل
والبحث داخل النفس لننتقل من ثورةتها لنفسها ولكرامتها التي
تلاعبوا بها لننتقل إلى ثورة أخرى تقلب كل المعايير.
فكر عميق وأداء قصي ماتع وخاتمة رائعة بقوتها
سلم يراعك .

آمال المصري
01-02-2014, 09:08 AM
تناول مائز لمشكلة تعددت حولها الكتابة بأساليب مختلفة ونهايات متعددة وهنا كانت النهاية فريدة أن تنتقل بنا عبر شاشة الحاسوب إلى أرض الواقع .. ومن سلبيات التواصل الاجتماعي لإيجابياته
أصفق بحرارة لنص ماتع هادف مائز فكرا وحرفا وسردا وخاتمة
بوركت ألفا أيها الرائع
تحاياي

خلود محمد جمعة
03-02-2014, 01:36 AM
سرد مائز بتفاصيله الذكية ولغته الماتعة
الجسد والفكر وأرض الواقع وإدراك الذات
قفلة مباغته برمزية عميقة
روعة تتجدد في كل مرة
مودتي وتقديري

أحمد عيسى
04-02-2014, 04:28 PM
نص قوي بسردية كثيفة الحدث سخية التفصيل
وإيحاءات حملت القاريء إلى استنتاجات تجعل من مباغتة الخاتمة انفعالا نابضا بالحياة والرضى
وأفق مفتوح على تأويلات متعددة في إطار الثورة

أحسنت أيها الكريم

دمت بألق


الأديبة القديرة ربيحة الرفاعي

أفق الثورة مفتوح على الأمام وعكسه ، وعلى التقدم وعكسه ، وعلى الثورة ومضاداتها


مؤلم يكون النص حين يرتد الواقع الى الخلف


تقديري ، وشكري لمرورك الراق

ناديه محمد الجابي
19-08-2020, 10:46 PM
قصة رائعة ـ وثورة استطاعت أن تخرجها من عالم افتراضي ملئ بالغش والخداع
إلى عالم آخر يبشر بالخير
حبكة تقوم على فكرة جميلة وقفلة قوية مدهشة
دمت وروعة فكرك وقلمك.
:v1::nj::0014: