المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشعرية والنص..



عمار زعبل الزريقي
19-05-2011, 11:38 AM
الشعرية والنص..
عمار زعبل الزريقي
الإبداع في تغير مستمر, ولكل شاعر مفهومه الخاص الذي يختلف كثيراً أو قليلاً عن غيره.. فليست هناك مقاييس ثابتة تحدد الشعر تحديداً نهائياً، فلكل فترة شعرها الخاص، ولكل بيئة شعرها المتميز, بل كل قصيدة تختلف عن غيرها لدى الشاعر الواحد.. ومن ثم يبقى مفهوم الشعر نسبياً باختلاف المنطلقات, والتصورات، فبعضهم يعرفه انطلاقاً من مصدره, وآخر انطلاقاً من وظيفته, وثالث من طبيعته وهلم جرا, وقد يختلف اثنان في تحديد الشعر مع اتفاق المنطلق, ويذكر شكلوفسكي: "ان عملاً أدبياً يمكن أن يعتبر نثراً بالنسبة لكاتب بينما هو نص شعري بالنسبة لكاتب آخر", وهذا يعني أن البحث في هذا الباب لا ينتهي، وأن ما وصل إليه باحث لا يعني تكراراً لما توصل إليه سابقوه.. ذلك أن المناهج تختلف من باحث إلى آخر، وكذلك زاوية النظر وفهم المادة.. فما الوسائل الفنية والأدوات والطرق التي تجعل من العمل شعراً أو أدباً؟ وهو العمل الكتابي بالطبع الذي يخضع لمكنونات الإبداع, بعيداً عن الفروق بين النثر والشعر.. فهنا نريد استكناه النص الشعري الذي تتوافر فيه الوسائل والطرق الفنية.

والشعرية منهج حديث في دراسة النص, جاء ليوفق بين المناهج النقدية خصوصاً البنيوية.. التي هدفت إلى تبني العلمية في النقد الأدبي أو ما يسمى بعلمنة الادب, فبعد أن فرق سوسير العالم اللغوي المعروف بين المحور الآني والمحور التعاقبي, باعتبار أن الأول يدرس اللغة بوصفها نظاماً في عصر ما, في حين يدرسها الآخر كتحولات تاريخية.
ونتيجة ذلك انقسم البنيويون إلى فريقين الأول: يفسر العمل الأدبي تفسيراً آنياً مع استبعاد التعاقبية؛ هروباً من الارتباط بالتاريخ أي يدرس الظاهرة كما لو أنها جمدت في لحظة واحدة من الزمن.. والثاني يفسر العمل الأدبي تفسيراً تعاقبياً مع استبعاد الآني والاهتمام بالتاريخ, أي الاهتمام بالتغيير بمرور الوقت, لأنه قوة مؤثرة في تحديد الدلالة.. فالشعرية توفق بين الفريقين, وترى عدم التعارض بينهما, وقد عارضت النقد الذي يتناول الأعمال الأدبية دون الاتكاء على منهج أدبي. فالتناص لدن الشعريين قائم على المحور التزامني, النص ليس نبتة شيطانية, ولم يأت من فراغ, والأدب لا بد أن يكون أثراً للسياق, وهو الذي يدخل فيه العمل الأدبي.. فالمبدع هو من يعمل شفرات جديدة للنص, ويضيفها إلى السياق الأدبي الموجود.
فكانت الشعرية منهجاً تطورت مع البنيوية وقد ولدت في أحضان الشكلانيين الروس, تزامناً مع عبارة رومان جاكبسون الشهيرة, بأن الشعرية هي التي تجعل من العمل الأدبي عملاً أدبياً.
وقد استفادت الشعرية كمنهج من البنيوية, إذ عارضت النقد المؤسس على الصفات الإنسانية, وهي المناهج التي تأتي من خارج النص, معتمدة على نظريات إنسانية مختلفة مثل: الرمزية, والنفسية, والاجتماعية, والتي ابتعد عنها من قبلُ البنيويون, فوجدت الشعرية ضالتها في الفكر البنيوي من خال نموذجه اللغوي, الذي يساعدها في الكشف عن القوانين "المحايثة", وهو مصطلح يدل على الاهتمام بالشيء من حيث هو ذاته, وفي ذاته, أي امتلاكه لمعانيه بشكل سابق على تدخل القارئ.. فالنظرة المحايثة هي التي تفسر الأشياء في ذاتها, ومن حيث هي موضوعات تحكمها قوانين تنبع من داخلها وليس من خارجها.. أي تحليل العلاقات الداخلية بين العناصر اللغوية المكونة له, فهي رؤية تأخذ المنشئ أولاً ثم المتلقي وتشمل كل أشكال الممارسة اللغوية, وهي ذات موضوعية تحكم حركة النقد الأدبي معبرة عن الافتراضات والآراء الذاتية والتاريخية القائمة على أسس غير علمية أو موضوعية.
وقد كان الإنجاز الأهم للشعرية هو تقديم آليات جديدة للفهم النقدي, يتم على أساسها تفعيل القواعد النحوية والصرفية والبلاغية وتحويلها إلى عناصر تدخل في لب الكفاءة الحدسية لفهم الأدب.. فهي لا تعنى بالأعمال الأدبية لذاتها, وإنما تملي الإجراءات التي تجعلها كذلك.. فالكليات النظرية نابعة من الأدب نفسه, فهي قيمة انطباعية مجردة تستشف الانفعال الوجداني والإبداعي.
والهدف الرئيس للشعرية تأسيس مسار للأدب في تناول تجريبي له, كما أنها تحليل داخلي لها.. ومن ثم هي تحتوي الأسلوبية وتتعداها, وهناك من يرى بأن الأسلوبية فرع أو مجال من مجالات الشعرية, لأن الأسلوبية وجود فقط, تقوم على توصيف الخصائص القولية في النص, وتتناول ما هو في لغة النص فقط, ولا يعنيها شيء, أو ما ينشئ في نفسية المتلقي من أثر, وهذا لا يكون ذا أساس وافٍ لإدراك أبعاد التجربة الذاتية, ومن ثم تفسيرها.. فالنص الأدبي يحمل أكثر مما هو ظاهر فالموجود من عناصره ليس سوى مثال للمفقود منها وهذا المفقود إمكانات يقترحها النص على القارئ الذي يتولى إلمامها.. بمعنى أن شعرية النص تتكون من تحولات النص مع تضافر اللغة والموسيقى والأخيلة والعواطف التي تنصهر فيها ذات الشاعر, فينتج عن ذلك التلاحم الجدة والخروج عن الراكد المبتذل, فالصورة الشعرية المبتكرة تعمل على مضاعفة الأثر لدى المتلقي فهي أداة شعرية في يد المبدع يوصلها إلى المتلقي بعد أن عايشها ليكون الانتصار لوظيفة النص الإفهامية التي تتمحور حول المتلقي.. وهنا تتحقق الشعرية كونها تجمع بين الحركة نحو الخارج والحركة نحو الداخل, أي الانطلاق إلى داخل النص لتمييز الوسائل الفنية ثم إلى خارج النص لإقامة العلاقة اللازمة بين هذه العناصر والقوى الموجودة خارج النص في عالم كل من المبدع والمتلقي.

محمد الشحات محمد
16-07-2011, 02:59 PM
تسلسل تأريخي مكثف للشعرية مروراً بالمناهج و النظريات المتنوعة لشرح عناصر تكوين هذه الشعرية من خلال تحولات النص مع تضافر اللغة و الموسيقى و الأخيلة و العواطف التي تنصهر في الذات الشاعرة حتى تشكيل أدوات لها أثر بالغ على المتلقي ، و مِنْ ثمَّ عدم استجهال ما هو ظاهر في النص ، و ما تُمليه قراءة المتلقي ، و بهذا التسلسل الرائع و التركيز نصل إلى مفهوم الشعرية و الغرض منها ، و كيف أصبح منهجها أساسيا في النقد الأدبي كوْنها " تجمع بين الحركة نحو الخارج والحركة نحو الداخل, أي الانطلاق إلى داخل النص لتمييز الوسائل الفنية ثم إلى خارج النص لإقامة العلاقة اللازمة بين هذه العناصر والقوى الموجودة خارج النص في عالم كل من المبدع والمتلقي"

شكراً لما أفدتنا به أخي عمار

و تحية لهذا الطرح الراقي

سلمت يداك

عمار الزريقي
28-07-2011, 03:34 AM
بوركت يا سميي
ورغم جهلي بكثير ممن سميتهم في المقالة إلا أنني تفيأت ظلال هذه الكرمة المعروشة التي تكرمت بها وقطفت من عناقيدها ما أشبع جوعي .
فلك خالص التحية.

سهام ماجد
28-07-2011, 03:48 AM
أخى الفاضل
أشكرك على المعلومات القيمه
لك منى كل الإحترام والتقدير

ربيحة الرفاعي
11-04-2013, 01:37 AM
وقد كان الإنجاز الأهم للشعرية هو تقديم آليات جديدة للفهم النقدي, يتم على أساسها تفعيل القواعد النحوية والصرفية والبلاغية وتحويلها إلى عناصر تدخل في لب الكفاءة الحدسية لفهم الأدب.. فهي لا تعنى بالأعمال الأدبية لذاتها, وإنما تملي الإجراءات التي تجعلها كذلك.. فالكليات النظرية نابعة من الأدب نفسه, فهي قيمة انطباعية مجردة تستشف الانفعال الوجداني والإبداعي.

بمعنى أن شعرية النص تتكون من تحولات النص مع تضافر اللغة والموسيقى والأخيلة والعواطف التي تنصهر فيها ذات الشاعر, فينتج عن ذلك التلاحم الجدة والخروج عن الراكد المبتذل, فالصورة الشعرية المبتكرة تعمل على مضاعفة الأثر لدى المتلقي فهي أداة شعرية في يد المبدع يوصلها إلى المتلقي بعد أن عايشها ليكون الانتصار لوظيفة النص الإفهامية التي تتمحور حول المتلقي.. وهنا تتحقق الشعرية كونها تجمع بين الحركة نحو الخارج والحركة نحو الداخل, أي الانطلاق إلى داخل النص لتمييز الوسائل الفنية ثم إلى خارج النص لإقامة العلاقة اللازمة بين هذه العناصر والقوى الموجودة خارج النص في عالم كل من المبدع والمتلقي.

مقومات الشعر العربي لا تحتاج لتحليلات النقاد الغربيين الذين لا يعرفون ماهيته ولا يدركون كنهه، فهو معروف عندنا ومعرّف بــــ " كلام موزون مقفى" تحرر قليلا ليكتفي بمعايير الوزن الخليلي " التفعيلات" فكان أقصى ما يقبل له من تنازل
أما الشعرية أو الشاعرية التي يحملها النص الأدبي بما وصفه الكاتب من تضافر اللغة والأخيلة والعواطف والموسيقى أو ما يسمونه بالإيقاع الداخلي فتزيد بهاء النثر ولا تحقق شعرا

مقالة جميلة وبحث قيّم
بوركت جهودك أيها الكريم

تحاياي