تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الديمقراطيات العربية بين الواقع والمتوقَّع



باسم عبدالله الجرفالي
22-05-2011, 07:21 PM
الديمقراطيات العربية بين الواقع والمتوقَّع


منذ زمن والعرب يتشدقون بمسمى الديمقراطية ، وينادون به ، فيجعلونه حينا مبدأ حضاريا ، يثري النظرة المنغمسة في الحضارة الغربية ، المطالبة بإبعاد الدين عن الحياة السياسية ، وحينا الاجتماعية ، رافعين لنا ديمقراطية أوروبا وأمريكا في أعلى عليين ، وحينا آخر يكون مبدأ إسلاميا ، يتعالى فيه صوت المعارضين لسابقيهم في زمن مضى ، المحاربين لهم في مطالبتهم بالديمقراطية منهج حياة ، ورافعين حينها راية تحكيم شرع الله ، وجعله هو دستور الحياة ، لأن الحكم بالديمقراطية هو تحكيم لغير الشرع الرباني ، وبذلك يعدّ من يدعو له ، مؤمنا به ، بعد إقامة الحجة عليه كافرا ، مستدلين بقوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) – علما بأنهم لم يقيموا الحجة على مَنْ كفروهم فيما مضى - ؛ وتجدهم اليوم يسقطون عند نفس المبدأ – الديمقراطية – ، جاعلينه المبدأ الحق ، والنهج القويم ؛ لتسيير الدعوة الإسلامية نحو أهدافها المرسومة ، الآمرة بالمعروف ، والناهية عن المنكر ، وتجد المفتين في بقاع شتى ، يطالبون الشعوب في غير بلدانهم بالخروج على الحكم الظالم المتعسف ، وعرضهم لأقوال غريبة ، كمقولة جدوى قتل ثلث المدفاعين عن حرياتهم ، ليهنأ الثلثان المتبقيان بها ، وتجده في نفس الوقت يحرّم الخروج على حكام بلده ، وأن ذلك من الفساد ومحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم – أنا لا أدعو لأي خروج في أي بلد كان ، ولكني أعجب لمن يكيل بمكيالين ، فيحلّ للآخرين الفساد ، ويحرمه على نفسه وأهله ، ولا أجد أبلغ من قول شوقي :
أحرام على بلابله الدوح * * * * حلال للطير من كل جنس -
وهكذا كان وصار شغف العرب بالديمقراطية ، ولكن الواقع والمتوقَّع أمر آخر .
في العالم العربي ؛ تتعالى أصوات الشعبين اللبناني والكويتي ، بأنهما راعيا الديمقراطية الأولى في العالم العربي ، وأنهما المثال الفذ الذي يجب الاحتذاء بحذوه في مسلك الديمقراطية ، وأن تجربتهما هي تجربة إنسانية متناسبة مع الطابع العربي ، ترتقي بارتقاء النوّاب ، وتشرُف بشرف الانتخاب ، وتعزُّ بعزِّ القانون .
قبل مدة ليست بالبعيدة ، تابعت حلقة من حلقات برنامج المواهب العربي (Arabs’ Got Talent ) على قناة ( mbc4 ) ، فإذا بالمغنية اللبنانية نجوى كرم تفخر على من هم حولها بأن بلدها ينعم بالديمقراطية ، ثم تلاها صاحب ( فلة ، شمعة ، منوَّرة ) غناء – عمرو أديب المصري الجنسية - ؛ بأن بلده الآن سيكون بلدا ديمقراطيا .
في بداية الموضوع يجب أن نلقي نظرة على البلدين الديمقراطيين .
لبنان وما أدراك ما لبنان : بلد المهازل السياسية ، بلد الضياع وليس (سنوات الضياع ) ، في لبنان نرى المخالفات الصريحة لمبادئ الديمقراطية جلية ، والانتهاكات لشرعية الدستور أوضح من الشمس في رابعة النهار ، فنرى الحياة السياسية المتردية تُبَرْوَز ببرواز أنيق اسمه الديمقراطية ، لكي يقال أنها بلد الديمقراطية والحرية ، وفي المقابل نرى الثورية والتسلط من قِبَل حزب الله على الدولة بأكملها ، فسلاحه يكفي لإنهاء أي حكومة تنتخب بل واجتثاثها ورميها خارج لبنان الديمقراطية ، وإن طلبت الحكومات المتتابعة من السيد حسن نصرالله تسليم السلاح ؛ رفض وهو مشيح بوجهه عنهم غير مبالٍ بهم وبديمقراطيتهم ، وإن غضب سماحة السيد – كما يقولون - من أسلوب حكومة ما ، جيّش أنصاره للاعتصام ، وله الخيار في عدد المعتصمين ومدته ومكانه ، لأنه المقدس عند حزبه ، وعند المغترين بجهاده ضد إسرائيل في بقية العالم الإسلامي ، وبعد هذا كله نصف لبنان بأنه بلد ديمقراطي .
بلد يحكمه حزب ، ويحركه حزب ، ويرد هذا الحزب على قرارات الحكومة بالرفض ، غير مبال بها وبشرعيتها ، بل ويتوعد دولاً أخرى بالرد على ما يسميه انتهاكات لحقوق أبناء طائفته فيها ؛ بصفته راع ومسؤول عن رعيته ، هو بلد ديمقراطي ؟ ! !
لنترك لبنانَ حزبِ الله ونتجه نحو الكويت .
الكويت وما أدراك ما الكويت ، البلد الخليجي الوحيد الذي يتشدق هو أيضا بالديمقراطية ، ويفخر على بقية دول الخليج ، بل ودول المنطقة بذلك .
من ملامح الديمقراطية بصبغتها الكويتية شبهها الكبير بلَعِبِ الأطفال ، ينتفض مجلس الأمة على الشيخ ناصر وحكومته ، ويشهر الاستجوابات تلو الأخرى ، فلا تلقي لها الحكومة بالا ، وحينما يتحمس النواب أكثر ، يضع الشيخ ناصر رجله على الأخرى كي يقدم استقالة الحكومة لأمير البلاد ، ثم يكلّف الأمير الشيخ ناصر نفسه لتكوين حكومة جديدة ، ويكوّنها بنفس الأسماء تقريبا ، ويعيد النواب حماسهم لنفس الحركات ، فيحلّ الأمير مجلس الأمة ويجري انتخابات نيابية ، ويكوَّن المجلس من جديد ، بنفس الأسماء السابقة تقريبا ، وملفات الاستجواب تملأ حقائبهم ، ليقدموها بعدما يؤدون اليمين مباشرة لرئيس الحكومة ، وحينما تكثر الاستجوابات ؛ يعيد الشيخ ناصر وضعيّة رجليه على بعضهما كي يقدم استقالة حكومته ، ويعيد أمير البلاد تكليفه لرئاسة حكومة جديدة ، وهكذا دواليك ، وأظن اطفال الكويت قد ملّوا هذه المهزلة وأخذوا يغنُّون :
هيلا يا رمانة
( الأمة ) زعلانه
مِنْهُ يراضيها
( ناصر ) يراضيها
بالاستقالة يلهيها
وآخر مظاهر الديمقراطية الكويتية ؛ ما حصل من مداعبات بالأيدي والعُقُل ( العُقُل جمع عقال وهو ما يوضع على العمامة ) ، ولن نقول مشاجرة لأنهم ديمقراطيون ، بل نواب ، وذلك يعني أنهم نخبة المجتمع ، ما أدى لإصابات طفيفة ، إثْر هذا المزاح الثقيل الديمقراطي ، حينما اختلفوا على الأسيرين الكويتيين في سجن غوانتانامو ، بعدما وصفهما النائب " القلّاف " بالإرهابيين ، وادّعى أن نوابا يدعمون الإرهاب ، دون أن يحدد أسماء ، فتطوّر بذلك النقاش الديمقراطي تحت قبة مجلس الأمة إلى عراك ديمقراطي مخزٍ .
هاتان هما تجربتا العرب الديمقراطية النموذجة ، أما الأخرى – أي غير النموذجية - فمعلومة صورها وأساليبها ، كالتي كانت في مصر واليمن وتونس وبقية الدول التي تدّعيها .
أما المتوقَّع ؛ فلن يكون أبهى من الواقع ، وإن قدّر الله وخالف الواقع فلن يكون سوى عنصريات دينية أو قبلية أو عرقية .
وما نراه اليوم من تحوّل نحو ديمقراطية العرب في تونس ومصر ، يرسخ لنا الفكرة السالفة الذكر ، ومدى السقوط المجتمعي في مظاهر الديمقراطية ، دون الوصول لِلُبِّها ومضمونها ، فالديمقراطية التونسية لم تزل تحارب نفسها ، لتخلق لها كيانا من غوغائية الشارع ، الذي انمحت أخباره مع غليان جارتها ، وعدوانها على أراضيها ، ولم تزل تصارع نفسها – أي الديمقراطية ، لأنهم يريدون أن يحكم الشعب نفسه عن طريق الانتخاب والمعارضة – لتترنح أمام العالم ، وتُفَاجأ بخروج تنظيم القاعدة معتديا على أجهزتها الأمنية ، ليزيد السقوط سقوطا .
أما مصر فليست بأقل سوءاَ من قريبتها الأفريقية والمثالين السابقين ، يسقط النظام ، وتبدأ المحاكمات ، ويتم الإيداع في السجن تارة ، وفي المستشفى تارة أخرى ، وفي نفس اللحظة ؛ تثور ( قِنَا ) على محافظها وتطالب بخلعه ، ثم يثور السلفيون في ( إمبابة ) قتلا في إخوانهم المصريين الأقباط بدعوى ساقطة ، ألا وهي تخليص المرأة المسيحية المولد ، المعلنة إسلامها ، من سجن الكنيسة لها ، وضربهم – حينها - للحكومة ، والقانون ، وما حاربوا لأجله الأيام الطوال ، وصبرهم يوم الجمل على الدماء واللأواء ، عرض الحائط اتباعا للغوغائية العربية الأصيلة ، بدعوى دينية ، سُبِقوا لمثلها من قِبَل شيخ الإسلام ابن تيمية مع شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم .
خلاصة الموضوع هي أن العرب لا يعرفون كيف يكونون ديمقراطيين ، وليس لهم رغبة في التعلّم ، ولكنهم يجيدون التمثيل أمام الملأ والمحافل الدولية ، بالشوق والهيام وانقطاع الأنفاس بحثا عنها ، رغبة في وصالها ، والاستظلال تحت أهدابها .


باسم الجرفالي

16 / 6 / 1432هـ