سَـمــراء الوائلي
15-07-2011, 01:40 PM
فجر العيد ضجرتْ رئتايَ من التنفس أو من الهواء الذي لم يعد صالحًا بحال .. أو منّي لأني لا أهتم بهما، ظننتها مزحة، عاودتُ عملية الشهيق والزفير دون جدوى، تحوّل المجرى التنفسي إلى زقاقٍ ضيّق في حيّ شعبي يمتليء بالنفايات، لم يعد هناك وقت لتدارك الأمر .. إما أن أعيد الكرة مرةً أخرى أو أستلقي شاخصة ببصري إلى السماء مُنتظرة ملَك الموت ليأتي ويريح أحدنا من الآخر .. أنا أو الحياة .
فتحتُ النافذة بأكملها وكررتُ العملية، ثمة جرح تتحول معه العملية التنفسية إلى أمر عسير ومؤلم جدًا، ما العمل ؟
هناك من ينتظرني كي أقبل رأسه وأقول له باعتيادية : كل عام وأنت بخير ..
وهناك من يفرك يديْه منتظرًا عيدية وحلوى ..
وهناك كرنفال نسائيّ يعجّ بروائح العطور والميك آب .. ولا بد لي من الحضور كي أكتشف إلى أي حدّ نبدو نحن النساء قبيحات .
وهناك من لا ينتظر ولا يكترث و لا يكون، مع ذلك ما زلتُ أهتمّ بالمتبقي من عمري كي نتقاسمه معًا .
إذا متّ صباح العيد فهذا يعني أن أشياء كثيرة ستفوتني، لكن لن أبذل جهدًا في استجلاب الأوكسجين واستدعائه، إما أن تتكفل رئتيّ بهذا أوْ " مش مهمّ "، هذا عملُها على كل حال ومحاولاتي لن تجدي .
كانتْ لحظة اختبار حقيقية لصبري .. لجاهزيتي للموت .. لقدرتي على التحكم بجسدي، وكان كل شيء يخرج عن طوره، ويكتسحني الجزع الذي أتحول معه إلى صغيرةٍ تبكي هلعًا من شيء يقبل عليها دون أن تتبيّن ملامحه ودون أن تمسك بها يدُ والدتها .
دون شعور قلتُ : يا ماما، أين أنتِ ..
لكنها ليست بالقرب، لا أحد قريبٌ سواه، يا الله .. ساعدني لأتنفس .
وما زال الهواء يندسّ في أركانٍ بعيدة عنّي، في زوايا قصيّة تمامًا، والكون يضيق .. ويضيق ويشد خناقه عليّ .
أين أنا الآن ؟
لا جحيم، لا شيء يُزمجر، لستُ في جهنم إذًا، تذكرتُ شيئًا له علاقة بجهنم، ابتسمتُ لكنّ شيئًا ما يشبه اللجام التفّ على فمي .. وقتل ابتسامتي في مهدها، وأنثى صغيرة العينين تتطلع إليّ مبتسمة وتقول : ماما .. انتا كويّس ؟
تبًا، أنا في المشفى إذًا .
لا يوجد طبيب يباشرُ الحالة الآن، لكنكِ بخير .. التهاب، جراثيم، أفكار سوداء، قطط ربما، بشر .. أشياء مختلفة تؤدي نفس المهمة : إزعاجي .
أريد أن أكذب عليها وأقول : الحمد لله أنا بخير .
لا أستطيع، أحتاج لفاصلٍ تنفسيّ بين المفردة وأختها .. أحتاج لهواءِ الكون كي أكمل جملةً قصيرة .
وما زلتُ أنا .. أفكر كثيرًا فيما لا يمكنني فعله، ماذا لو استطعتُ أن أفعله .. بأي عينٍ ستنظر إليّ الحياة والآخرون ؟!
ما الذي يجعلني أكترث للآخرين ولا أهتمّ بذاتي إلا في حدود ما يرضيهم ويلفتُ إعجابهم ؟!
وما الذي يجعلني لا أحزن كثيرًا إذا ما تهاويتُ طريحة مرضٍ أو خيبة أو شعرتُ – ليس فجأة – أن في الخلف .. باتجاه القلب تمامًا شيءٌ يشبه النصل منغرزُ فيّ عن بكرة أبيه، وأنني رأيتُ هذا بعينيّ يحدث وكنتُ أبتسم لأنه لا وقت للبكاء .. أبدًا .
تقول صديقتي : ما جدوى أن نعيش ونحن نعلم أن الحياة تافهة ؟
لم أقل لها لأننا تافهون، رغم أن هذه هي الحقيقة، فقط أردتُ ألا أعمّق فيها حرجًا ما، الكذب رحيمٌ لأنه سطحيّ ويمنحنا قليلًا من الرضا .. والقليل من الرضا هو ما نحتاجه لنكمل الحياة بالحدّ الأدنى من الخسائر.
تقول صديقةٌ أخرى .. لماذا نفكر ؟
لم أقل لها لأننا أشقياء، وأن " ذو العقل يشقى في النعيم بعقله "، رجوتها فقط أن تتوقف عن التفكير في الأشياء المهمة، وأن تفكر فقط في : متى تستيقظ وما لون الحذاء الذي سترتديه على الفستان الأسود، وكيف يمكنها أن تكذب وتقول – حين تبكي - : لم أكن أبكي، كنتُ أقطع البصل فقط .
- أول مرّة تاخدي إبرة ؟
اعتدتُ على الكذب، هززتُ رأسي بلا مبالاة ( أنْ نعم ) وتبسمتْ وهي تغرزها في ذراعي، أغمضتُ عينيّ كيلا أشعر بألم الوخز لكنني شعرتُ به، لماذا إذا حاولنا نسيان الألم .. يحضر بشكلٍ أقوى ؟
قلتُ : كان من الأجدر أن أنظر إليها، ربما .. لم أكن لأتألم بنفس القدر .
منذ العيد الذي أرجو ألا يتكرر .. مُنعتُ من القهوة ولم يعد بإمكاني الكتابة .. مجرد محاولات يائسة - ربما – للكتابة دون فنجان قهوة .
.
فتحتُ النافذة بأكملها وكررتُ العملية، ثمة جرح تتحول معه العملية التنفسية إلى أمر عسير ومؤلم جدًا، ما العمل ؟
هناك من ينتظرني كي أقبل رأسه وأقول له باعتيادية : كل عام وأنت بخير ..
وهناك من يفرك يديْه منتظرًا عيدية وحلوى ..
وهناك كرنفال نسائيّ يعجّ بروائح العطور والميك آب .. ولا بد لي من الحضور كي أكتشف إلى أي حدّ نبدو نحن النساء قبيحات .
وهناك من لا ينتظر ولا يكترث و لا يكون، مع ذلك ما زلتُ أهتمّ بالمتبقي من عمري كي نتقاسمه معًا .
إذا متّ صباح العيد فهذا يعني أن أشياء كثيرة ستفوتني، لكن لن أبذل جهدًا في استجلاب الأوكسجين واستدعائه، إما أن تتكفل رئتيّ بهذا أوْ " مش مهمّ "، هذا عملُها على كل حال ومحاولاتي لن تجدي .
كانتْ لحظة اختبار حقيقية لصبري .. لجاهزيتي للموت .. لقدرتي على التحكم بجسدي، وكان كل شيء يخرج عن طوره، ويكتسحني الجزع الذي أتحول معه إلى صغيرةٍ تبكي هلعًا من شيء يقبل عليها دون أن تتبيّن ملامحه ودون أن تمسك بها يدُ والدتها .
دون شعور قلتُ : يا ماما، أين أنتِ ..
لكنها ليست بالقرب، لا أحد قريبٌ سواه، يا الله .. ساعدني لأتنفس .
وما زال الهواء يندسّ في أركانٍ بعيدة عنّي، في زوايا قصيّة تمامًا، والكون يضيق .. ويضيق ويشد خناقه عليّ .
أين أنا الآن ؟
لا جحيم، لا شيء يُزمجر، لستُ في جهنم إذًا، تذكرتُ شيئًا له علاقة بجهنم، ابتسمتُ لكنّ شيئًا ما يشبه اللجام التفّ على فمي .. وقتل ابتسامتي في مهدها، وأنثى صغيرة العينين تتطلع إليّ مبتسمة وتقول : ماما .. انتا كويّس ؟
تبًا، أنا في المشفى إذًا .
لا يوجد طبيب يباشرُ الحالة الآن، لكنكِ بخير .. التهاب، جراثيم، أفكار سوداء، قطط ربما، بشر .. أشياء مختلفة تؤدي نفس المهمة : إزعاجي .
أريد أن أكذب عليها وأقول : الحمد لله أنا بخير .
لا أستطيع، أحتاج لفاصلٍ تنفسيّ بين المفردة وأختها .. أحتاج لهواءِ الكون كي أكمل جملةً قصيرة .
وما زلتُ أنا .. أفكر كثيرًا فيما لا يمكنني فعله، ماذا لو استطعتُ أن أفعله .. بأي عينٍ ستنظر إليّ الحياة والآخرون ؟!
ما الذي يجعلني أكترث للآخرين ولا أهتمّ بذاتي إلا في حدود ما يرضيهم ويلفتُ إعجابهم ؟!
وما الذي يجعلني لا أحزن كثيرًا إذا ما تهاويتُ طريحة مرضٍ أو خيبة أو شعرتُ – ليس فجأة – أن في الخلف .. باتجاه القلب تمامًا شيءٌ يشبه النصل منغرزُ فيّ عن بكرة أبيه، وأنني رأيتُ هذا بعينيّ يحدث وكنتُ أبتسم لأنه لا وقت للبكاء .. أبدًا .
تقول صديقتي : ما جدوى أن نعيش ونحن نعلم أن الحياة تافهة ؟
لم أقل لها لأننا تافهون، رغم أن هذه هي الحقيقة، فقط أردتُ ألا أعمّق فيها حرجًا ما، الكذب رحيمٌ لأنه سطحيّ ويمنحنا قليلًا من الرضا .. والقليل من الرضا هو ما نحتاجه لنكمل الحياة بالحدّ الأدنى من الخسائر.
تقول صديقةٌ أخرى .. لماذا نفكر ؟
لم أقل لها لأننا أشقياء، وأن " ذو العقل يشقى في النعيم بعقله "، رجوتها فقط أن تتوقف عن التفكير في الأشياء المهمة، وأن تفكر فقط في : متى تستيقظ وما لون الحذاء الذي سترتديه على الفستان الأسود، وكيف يمكنها أن تكذب وتقول – حين تبكي - : لم أكن أبكي، كنتُ أقطع البصل فقط .
- أول مرّة تاخدي إبرة ؟
اعتدتُ على الكذب، هززتُ رأسي بلا مبالاة ( أنْ نعم ) وتبسمتْ وهي تغرزها في ذراعي، أغمضتُ عينيّ كيلا أشعر بألم الوخز لكنني شعرتُ به، لماذا إذا حاولنا نسيان الألم .. يحضر بشكلٍ أقوى ؟
قلتُ : كان من الأجدر أن أنظر إليها، ربما .. لم أكن لأتألم بنفس القدر .
منذ العيد الذي أرجو ألا يتكرر .. مُنعتُ من القهوة ولم يعد بإمكاني الكتابة .. مجرد محاولات يائسة - ربما – للكتابة دون فنجان قهوة .
.