المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عِنْدَمَا يَبِكِي الرِّجَال



ربيع بن المدني السملالي
20-07-2011, 03:46 PM
عِنْدَمَا يَبِكِي الرِّجَالُ


بقلم / ربيع بن المدني السملالي

هُناكَ في المكَانِ البعيدِ الموحشِ الغَريبِ ، اشتمل اللّيلُ بظلامه الدّامس الرّهيب على الكونِ ، وغطّى القريةَ بسوَاده ، ولم تسْتَطِع النّجوم المتناثرة في كبدِ السّماء أن تُبدّدَ إلا النّذر اليسير من تلك الظّلمة... يجلسُ شابٌّ قد نَيّفَ على الثّلاثين من عمره وسطَ غرفته التي تَرْزَحُ تحت صمت مُطبق وسُكُون مخيف وجوٍّ باردٍ لا يُطاق .. قد استبدّ به القلقُ والحيرةُ وتولاّه شعور بالضّيق ، وتملّكه إحساس بالبكاء، ونازعه البؤسُ والشّقاءُ في غير رفقٍ ولا هوادة ...
وقد بدا وجهُه الأبيضُ مُتجهّما ، وعيناه التي في طرفها حَوَرٌ تلوحُ فيهما نظرة متشاءمة يشوبُها كثيرٌ من الهمّ والغمِّ والحزن والأسى والأسف ...
ضَاقَ صدراً وتنفّسَ بصُعوبةٍ وَوَجِمَ وقال : السّماءُ كئِيبةٌ ، ووجهُ الأرض لايبشّر بخير ،،، بعدما سمعَ وعَلِمَ بمقتلِ شيْخه وحبيبه وقُدوته ... الذي كان له مثالاً عاليًا وأسوةً حسنة قلّ أن يجودَ الزّمانُ بمثله ، فأخلاقه سَامية ، وصفاتُه عالية ، وسيرتُهُ : ظُنَّ خيرًا ولا تسأل عن الخبر .. وسماءً ما طاولتها سماءُ ...
يبني الرّجالَ وغيرُه يبني القرى ...شتّانَ بين قرى وبين رجالِ
أطلقَ صاحبُنا العنانَ لعَبَراته ودموعه.. وحُقّ له ذلك !! ..وتصاعدت الزّفرات والتأوهات والتّنهدات .. وتقبّض قلبُهُ جُفُولاً من هذه الحياة التّافهة السّخيفة التي لا تساوي قُلامةَ ظُفرٍ في غياب مُحبِّه ...فبدأ يُردّد بعدما اعتَرَاه من الوجْدِ ما لم يَستَطع معه صبرا :
تجري دموع العين وفي الحشا
زفراتُ حزن تلتطمُ
ويَكْتُمُ الْمَرْءُ وجْداً فِي جَوانِحِهِ ،
وكيفَ يُكْتَمُ ما ليْسَ يَنْكَتِمُ ؟
فَهَلْ للْوَاجِدِ الْمَكْروبِ من زَفَراتِهِ
سُكُونُ عَزَاءٍ أوْ تَأوُّهُ ألَم
سرَت الهمومُ فبـِتْن غيْرَ نيـامِ
وأخو الهموم يرومُ كلّ مرامِ
ذُمَّ المنازلَ بعْدَ منزِلـةِ اللِّوى
والعيْشَ بعْـــدَ أُولَئـِكَ الأقْـوامِ
شيخي العزيز مهما يَطُل بي العمُرُ ويمتد
فلن تُمحى خصالُك وأخلاقك وسَجَاياك من مُخيّلتي
ووجهك الذي كلّل بالوقار والتّبجيل والاحترام
قد احتلّ مكانًا كبيرًا في فؤادي
لم يعد فيه متّسع لغيرِك
والله لقد كَبُرَ عليّ أن أرى الدّنيا خلوا من شخصك الشّهم الكريم
آه لو كنت من أرباب الشّعر ومن جهابذة القَريض
لنافستُ فيكَ المتنبي في رثاء جدّته
والخنساء في أخيها صخر
وجرير في ابنه سوادة
جَاورتُ أعدائي وجاورتَ ربّك
فشتّان بين جِوارك وجواري
يكفيك فخرا وفخرا وفخرا
أنّكَ صحِبتَ في الفلوات الوحشَ منفرداً
حتّى تعجّب منك العُربُ والعجمُ
والخيلُ والليل والبيداء تعرفكَ
والسّيف والرمح والقرطاسُ والقلمُ
إليك وإلاَّ لا تُشَدُّ الركائبُ
ومنك وإلا فالمؤمِّل خائبُ
وفيك وإلا فالغرامُ مضيَّعٌ
وعنك وإلا فالمحدِّثُ كاذبُ
إذا كان هذا الدّمعُ يجري صبابة
على غيرك فهو دمعٌ مُضيّعُ
فمازال صاحبنا يبكي وينتحب ويردّد ما شاء الله له أن يردّد حتى سُمع أذانُ الفجر في سماء الدنيا بصوت أجش كأنه يقول له : إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبةَ موتِ محمد صلى الله عليه وسلّم ، فإنّها أعظمُ المصائب ....
فَكَفْكَفَ دمعه ونهض متثاقلاً إلى وَضُوءه منشِدا قولَ الشّاعر في تحسر وحزن عميق :
شيخي هل لك عودةٌ
حتّى أقول مسَافرُ
كنتَ السّوادَ لناظريّ
فعمى عليك النّاظرُ
منً شاءَ بعدَك فليَمُت
فعليكَ كنتُ أحاذرُ
فإذا نَطَقْتُ فَمَنطقِي
بِجَميلِ وصفِك ذَاكرُ



وكتب ربيع بنُ المدني في 27 يونيو 2011

كاملة بدارنه
20-07-2011, 08:39 PM
بكاء إخلاصا... ولا ضير في هكذا بكاء

يبني الرّجالَ وغيرُه يبني القرى ...شتّانَ بين قرى وبين رجالِ ا
القرى تحتاج أيضا رجالا ... وسكّانها رجال ... ولا أرى هنا بعدا!
شكرا لك أستاذنا الكريم ربيع على هذه القصّة القصيدة
تقديري وتحيّتي

(عيناه اللتان في طرفهما حور - متشائمة - وضوئه )

أماني عواد
20-07-2011, 11:55 PM
الاستاذ ربيع السملالي

الاعظم من موت القدوة, فقدانها من الاصل
حسب هذا الرجل ان مر بمن يستحق ان يكون له قدوة

فالبعض قد يموت اثناء بحثه عنهم

سلم مدادك

ربيع بن المدني السملالي
21-07-2011, 02:20 AM
بكاء إخلاصا... ولا ضير في هكذا بكاء
ا
القرى تحتاج أيضا رجالا ... وسكّانها رجال ... ولا أرى هنا بعدا!
شكرا لك أستاذنا الكريم ربيع على هذه القصّة القصيدة
تقديري وتحيّتي

(عيناه اللتان في طرفهما حور - متشائمة - وضوئه )

حيا اللهُ هذه الإشراقة المتألقة التي أصبغت على هذه الصفحة المتواضعة الشّرفَ / الفاضلة كاملة سرّني تعليقك بارك المولى فيك / وأشكرك شكرا جزيلا على تنبيهك للكلمات التي تعثر فيها اليراع فسقط على أم رأسه ...

ربيع بن المدني السملالي
21-07-2011, 02:27 AM
الاستاذ ربيع السملالي

الاعظم من موت القدوة, فقدانها من الاصل
حسب هذا الرجل ان مر بمن يستحق ان يكون له قدوة

فالبعض قد يموت اثناء بحثه عنهم

سلم مدادك

الأخت الكريمة الأديبة أماني/ أطلتُ الوقوف عند كلماتك التي دُبّجت بصدق وعمق فسرّني أن أكون بين من يتكلّمون بمثل هذه اللغة / فدمت ودام هذا الهطول ..

ربيحة الرفاعي
26-07-2011, 09:39 PM
فكرة قوية بنص حمل تناصا نهل من عيون الشعر والأدب والتراث ما يشهد لك بمردود كبير وثقافة واسعة
ونص واضح الرسالة عميق المعنى مباشر الطرح

وحسبه كما قالت الرائعة اماني أن مرّ بمن يستحق أن يتخذ قدوة، فقد قيض له الخير الكثير

قصة جميلة وهادفة

أبدعت أديبنا

دمت بألق

ربيع بن المدني السملالي
27-07-2011, 03:29 AM
فكرة قوية بنص حمل تناصا نهل من عيون الشعر والأدب والتراث ما يشهد لك بمردود كبير وثقافة واسعة
ونص واضح الرسالة عميق المعنى مباشر الطرح

وحسبه كما قالت الرائعة اماني أن مرّ بمن يستحق أن يتخذ قدوة، فقد قيض له الخير الكثير

قصة جميلة وهادفة

أبدعت أديبنا

دمت بألق

أستاذتي الطيبة ربيحة / شكر الله لك سُررت وتشرفت بمرورك وكلماتك الرائعة / تقبلي من تلميذك أطيب تحية ....

د. سمير العمري
04-12-2011, 05:24 PM
هذا ليس نصا قصصيا بل خاطرة ورسالة أدبية مميزة كانت بحاجة لأسلوب طرح وتنميق عرض أفضل.

هو الهم بحال الأمة يسكنك وإبراء الذمة يحركك فلله أنت من همة وهامة!

النذر ... بل النزر.

دمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

ربيع بن المدني السملالي
04-12-2011, 10:02 PM
هذا ليس نصا قصصيا بل خاطرة ورسالة أدبية مميزة كانت بحاجة لأسلوب طرح وتنميق عرض أفضل.

هو الهم بحال الأمة يسكنك وإبراء الذمة يحركك فلله أنت من همة وهامة!

النذر ... بل النزر.

دمت بخير وعافية!

وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.


تحياتي

بارك الله في سعيك أستاذنا الكبير ( د .سمير) سعدتُ بحضورك الكريم ، وتشرّفت بتعليقكَ المفيد ، والله إنّي لأجدُ أبا العلاء صادقا عندما يقول :
من الناس من لفظه لؤلؤ... يبادره اللّقطُ إذ يلفظُ
وبعضهم قوله كالحصا ...يقال فيُلغى ولا يحفظُ
زادكَ الله من فضله أيها الموفق ...

نادية بوغرارة
05-12-2011, 12:18 AM
عندما يبكي الرجالُ الرجالَ ، تأخذ بنا الحيرة ، أنُعجب بالمفقود ، أم نُعجب بالفاقد ؟؟؟

عندما يبكي الرجالُ ، الرجالَ ،لا نُحسن غير الدعاء ، عسى الله أن يرحمنا ،

و لا يفجعنا بأساتذتنا و مشايخنا و من لهم الحق علينا .

دائما تذكرني خواطرك بالمنفلوطي - رغم ان لك أسلوبا خاصا بك - ، و هنا كانت عَـبـره .

دمت و أدبك الرشيد .

:hat:

ربيع بن المدني السملالي
06-12-2011, 10:48 AM
عندما يبكي الرجالُ الرجالَ ، تأخذ بنا الحيرة ، أنُعجب بالمفقود ، أم نُعجب بالفاقد ؟؟؟

عندما يبكي الرجالُ ، الرجالَ ،لا نُحسن غير الدعاء ، عسى الله أن يرحمنا ،

و لا يفجعنا بأساتذتنا و مشايخنا و من لهم الحق علينا .

دائما تذكرني خواطرك بالمنفلوطي - رغم ان لك أسلوبا خاصا بك - ، و هنا كانت عَـبـره .

دمت و أدبك الرشيد .

:hat:

الأخت الموفقة ( نادية ) دمتِ ودامت تعليقاتك الرائعة والمفيدة ، بارك الله في سعيك أيتها الموفقة
خالص التحايا