المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لعنة أبو أنف ...



سَـمــراء الوائلي
25-07-2011, 08:53 PM
يوم الأحد .. قبل ستة عشر عامًا .. كان رأسي يتدلى من النافذة المرتفعة باتجاه زقاق ضيق يلعب فيه الأولاد الكرة ويتبادلون السجائر الورقية، انهمكتُ في مراقبتهم قبل أن يصرخ محاولًا أن يكون رجلًا : ادخلي يا بنت .. لعنة الله على رأسك .
لم أفهم ما الذي دفعه آنذاك ليلعن رأسي، لمَ رأسي وليس أي شيء آخر ؟
لم يكن سوى شقيق لصديقتي وجارٌ لا أهتم لأمره ولا أنجذب إليه رغم أنه لم يكن دميم الشكل جدًا، في الحقيقة لم أعلم لماذا لم أهتم لأمره ولم أعلم ما الذي جعلني أتوارى سريعًا وأحبس البكاء، امتزجتْ فيَّ مشاعر متناقضة .. شعورٌ بالمهانة ثم شعور خفيّ لم أفهمه أبدًا، فقط .. جعلني أشعر بالزهو وأقف أمام المرآة طويلًا .

والدتي بدأتْ تتذمر من سلوكي وتطلب مني ألا أرتدي فستاني الجديد في المنزل، وأن أكف عن طلبِ أن تأخذني للاستحمام كل يوم، الساعة الرابعة عصرًا .

الساعة الرابعة عصرًا تعني أن أبدأ في ممارسة سلوكيات مدفوعة بشعورٍ لا أفهمه، كأن أغنّي وقت الاستحمام وأنزلق من يديْ والدتي وهي تحاول أن تُسكتني وأضحك بصوتٍ مرتفع دون أن أخاف نظراتها الصارمة، كأن أطلب منها أن تجعل شعري ضفيرتين هنديّتيْن، وتأذن لي باستخدام عطرها، كأن أطلب منها أن تضمّني بشدة ثم تسمح لي بالنظر من النافذة للأولاد، بعد اللعنةِ لم أجرؤ على إظهار رأسي، اكتفيتُ بالتلصص والمراقبة البعيدة .

لديّ شقيقة واحدة تكبرني بعاميْن، لا يمكنها أن تلعبَ أبدًا ولا يمكنها أن تكون طفلة، منذ خُلِقتُ وأنا أراها امرأة .. تتابع المسلسلات وتسهر حتى ساعات الفجر الأولى وتشرب الشاي بإفراط وترفع شعرها إلى أعلى رأسها وتسخر من ضفيرتيّ، تمنيتُ لو أستيقظ يومًا ليخبرني أي شخصٍ أنها اختفتْ، كان هذا سيجعلني أعيش مرحلتي بشكلها الطبيعيّ، لطالما دفعتِ الجميع – دون أن تتعمد – إلى مقارنتي بها، كان المطلوب أن أكون مثلها .. أكثر ما يهمّ الآخرين ألا نسبب لهم أي إرباك وإزعاج، لا بأس أن نعيش بإعاقاتٍ نفسية .. المهم أن نكون هادئين .

تخيلتُ حياتي ورقة بيضاء ممتدة، رغم أنني أعيش في بيتٍ متهالِك تحيط به البيوت الشعبية القديمة وإشاعاتُ أنه مسكونٌ بالجنّ، ورغم غياب والدي عن مسرح الحياةِ ورغم أنني كنتُ في أيامٍ أشعر بالجوعِ ثم لا أجد أي شيءٍ في الثلاجة القديمة سوى " حلاوة طحينية "، ورغم أن العمّة فاطمة كانت تقول بخبثٍ : إذا ما دفعت أمك الإيجار ح أزوجك ولدي .

كنتُ أرتعد لمجرد رؤية وجهه الذي احترق في حادثٍ وهو ذاهبٌ للعمرة، بعد اللعنة صرتُ أضحك وأقول : زوجيه نادية لأنه إذا ما تزوجها ولدك مش حتتزوج أبدا . ثم أهرب سريعًا قبل أن أسمع شتائمها الممتزجة بضحكةٍ مجلجلة .

كنتُ أعلم أنها تكره نادية لأن أسنانها الأماميّة بارزة جدًا، ولأن لسان والدتها سليط، وكم كنت أحب نادية .. شقيقة ذلك الأرعن الذي لعن رأسي وبقيتُ ممتلئة حقدًا عليه .. حتى رأيته يومًا يترنّح فوق سطحِ منزلٍ قديم وقد اجتمعت أعداد نحلٍ هائلة حوله ولم تبقِ مكانًا في وجهه دون أن تترك آثارها، ثم هوى من السطح المتهالك حتى وسط المنزل وبكى بصوتٍ مرتفع !

كم كنتُ مغتبطة لأجل أنه بكى .. انكسر أمامي، لم يعتريني أي شعور بالرأفة تجاهه، تلك المرة الأولى التي شعرتُ بالإنصاف والعدل، وربما كانت الأخيرة . وقفتُ أنتظر أن أرى وجهه بعد الخروج وكنتُ أضحك، التف الجميع حوله لكنه حين رآني خبأ وجهه بين يديه وهرب .

أخبرتني شقيقته ذات الأسنان البارزة أن أنفه تورّم فاقترحتُ أن نسميه : ( أبو أنف )، والتصقتْ به التسمية .

مع الوقتِ .. ولفرط ما كنتُ سعيدة ولا أكترث للحياة .. بدأتُ أحسّ بالدوار .. أن يكون الطريق أبيض يعني هذا أنني معرضة للتيهِ، لأن أضيّع المكان، لا بد أن يكون هناك نقاط سوداء تحدد معالم الطريق، حينذاك .. بدأتُ أبحث عن النقاط السوداء وبدأتُ ( أفكر ) .....

يتبع

كاملة بدارنه
25-07-2011, 10:03 PM
أن يكون الطريق أبيض يعني هذا أنني معرضة للتيهِ، لأن أضيّع المكان، لا بد أن تكون هناك نقاطا سوداء تحدد معالم الطريق، ..
جملة تعكس فلسفة حياتيّة صعبة
نصّ جاذب بلغة شيّقة وواقعيّة بسيطة أخت سمراء
أرحّب بك في ربوع الواحة ... وبانتظار الآتي
تقديري وتحيّتي

ربيحة الرفاعي
25-07-2011, 11:33 PM
أقترح أن تسرعي بالتالي
فقد أزعجنا اضطرارنا للانتظار

لغتك جميلة وتمكنك من أدوات نصك رائع
وهذا الغوص في حوارها الداخلي بسلاسة روائية ينبيء عن قاصة مقتدرة ذات حرف أصيل

وسنكون بانتظار التتمة
دمت بألق

سَـمــراء الوائلي
26-07-2011, 02:40 AM
أستاذة كاملة..
أستاذة ربيحة..
شكرا لمروركما , ولمتابعتكما.
مودتي.

سَـمــراء الوائلي
26-07-2011, 02:43 AM
كان عليّ ألا أفعل، أن تفكر يعني أن تدرك .. أن تشعر، ومن ثَمَّ تعاني، وقد تسمم الآخرين،
أن تجد نقاطك السوداء .. أن تتحول النقاط إلى كراتٍ تتناثر على مدى الطريقِ ثم تعرقلك، فلا تخطو للأمام ولا تعود للوراء .. بل تقف كعمود خشبيّ يمتليء رأسه بالمسامير، المسامير .. نعم، كانت كل فكرة تتحول إلى مسمار ينغرز في رأسي .. كان كلّ سؤال يستحيل نصلًا أدسه في قلوب من أحب، دون أن أدرك .. أن الأسئلة تستثير الأحزان، تجعلها تطفو على السطح وقد كانتْ في العمق ساكنةً تمامًا .

كانت المرة الأولى التي أقول لصديقتي إن فمها مشوّه وإنني لو كنتُ مكانها لاخترتُ أن أموت،
هل أنا بشعة حقًا ؟ طرحتْ سؤالها عليّ .. والأصدقاء مرايا لا تكذب ولا تجامل،
نعم أنتِ .. لا .. لستِ بشعة، فقط أسنانكِ .. أسنانك يا نادية تثير القرف،
سحبتها إلى المرآة : انظري .. إنها متباعدة، لا يمكن أن يكون هذا فم إنسان، إنك أرنبْ .

الحقيقة وحدها تجعلنا نبكي، وبالأصدقاء تتضخم عقدنا النفسية، بكتْ حين صارحتها ..
ثم أصبحتْ – حين تضحك – تضع يديها على فمها، ومازن .. ذو الأنف الكبير .. يضع يديه على أنفه .
يُفترض أن ندين لأيدينا بالكثير .. لأصابعنا .. تلك التي تخبيء تشوهاتنا، تكتبها أحيانًا، تكتبنا.. تمسحنا وتهشّ عنا ذباب الحزنِ !

لا يتوقف لؤمنا عند الإفصاح عن حقيقةٍ ما، حقيقة كانت الحياة دون معرفتها ستسمر بشكلها الجميل، بل نبالغ في اللؤم أحيانًا .. أو في الحرصِ، قد يبدو الحرص لؤمًا !

غير أني لم أكن أعلم مقدار لؤمي حين زرعتُ في قلب نادية خوفَ أن تفقد يديها، أتراها ستضحك بعد ذلك ؟
كنتُ .. أحبها، لماذا على الحبّ أن يكون مؤلمًا في كل حالاته ؟!
لم أكن أعلم .. كنتُ أخاف أن تفقد يديْها فعلًا، عندها لن يمكن أن تتزوج أحمد .. ليس لأنها بلا يديْن بل لأن فمها قبيح ولن تستطيع أن تخبئه .

وتنامتِ العقدة، تحولتْ إلى كائنٍ يسكن جسدها الصغير، هكذا سمعتُ والدتها تقول لأمي :
.. نادية ليست بخير، هناك جني يفزعها ليلًا، يهددها بخطف يديْها، كل ليلة تبكي بفزع، تنصحيني أذهب بها إلى شيخ ؟!
وسريعًا قالت والدتي الجامعيّة : نعم، بكل تأكيد .. قبل أن يقتلها !

نستوي جميعًا في الاستسلام للخرافات والتكهنات وتقبّلها، لا فرق بين أن نقرأ أو لا نقرأ، لا فرق بين أن نضيّع من أعمارنا ستة عشر عامًا في الدراسة أو نقضيها بصحبة الجهل، الجنّ دائمًا في قفص الاتهام .

توقفتُ أمامهما بذهول، قبل أن تنهرني والدتي : اخرجي .. كم مرة قلت لك عيب التنصت على كلام الكبار .

تساءلتُ بصمتٍ: أين هو كلام الكبار ؟ الأمر يعنيني أكثر من أيّ أحدٍ في الكون، الأمر يعنيني تمامًا، نادية صديقتي وأن تذهب إلى شيخ .. يعني أن أفقدها للأبد، أن تتحول إلى .. مجنونة قسرًا ..
وأنا أحظى بلقبٍ جديد : صديقة المجنونة ..

يتبع

د. مختار محرم
26-07-2011, 06:58 PM
متابع...
وأنتظر البقية مع المنتظرين

كاملة بدارنه
26-07-2011, 07:55 PM
سلم الإبداع وصاحبته ... تتطرّقين لقضايا متنوّعة
رائع أسلوبك في السّرد يا سمراء
أنتظر ما سيأتي ...

(همسة:يمتلئ - يخبّئ )

عبد الرحيم صادقي
26-07-2011, 09:30 PM
وانضافت الأرنب إلى أبي أنف. دور من يا ترى؟ اللهم استُر!
جميل هذا السرد
ويتبع..

ربيحة الرفاعي
26-07-2011, 11:38 PM
معك وهذه اللغة الرائعة والسرد المتألق
وحلقة بحلقة سنواصل

بانتظار جديدك
وكوني في نصوص الآخرين غاليتي
فالتبادل يثرينا

دمت بألق

سَـمــراء الوائلي
27-07-2011, 08:25 PM
د. مختار شكرا لتواجدك ومتابعتك
أ. كاملة أشكر تعقيبك الجميل وهمستك الرائعة
أ. عبد الرحيم شكرا لتعليقك الجميل وسعيدة بتواجدك
أ. ربيحة .. أشكر تواجدك وكلماتك وأعتذر عن عدم تواجدي بشكل أوسع بسبب ضيق الوقت
سأحاول ذلك..
تحية للجميع

سَـمــراء الوائلي
27-07-2011, 08:27 PM
كانت كرة سوداء تتحرك في داخلي بلا هوادة، تركلها أقدامٌ ما ثم ترتطم بأركاني، تزلزلني بعنف ولا ألوي على شيء، أبدًا .
لحظة تأمل خاطفة .. تفعل هذا كله، تهدم أشياء وتبني أشياء أخرى وترعد وتزبد وتختزل الحياة في شعورٍ يتيم .. الخوف، الخوف العميق الذي جعلني أعتزل جداري العتيق وقد كنتُ أتسلقه صباحًا ولا أغادره إلا لمامًا، أرى فيه الجانب الآخر من الحيّ، الشارع الإسفلتيّ والبيت المتطاول ببذخٍ أمام بيتنا الصغير، ثم سيارة جارنا الذي لا أعلم لمَ اختار أن يعيش في هذا الحيّ المُعدم وهو المترف المدلل الـ يرفع طرف ثوبه - كـعروس - حينما يسير في الأزقة المتسخة، ثم يطلق تأففاته حين يراني دون أن يهديني ابتسامة أو يشيح بنظره عنّي .

الخوف الذي جعلني أتخيل أن أحدًا يسير بداخلي .. يتحرك ويدير شؤوني بنفسه ويدخل معي تحت اللحاف ويهمس في أذنيّ باسمي مرارًا .


فقط لأنني نظرتُ لأسنانها، ثم يديها، ثم خفتُ عليها .. فتسلل الجنيّ إلى جسدها، ثم إلى حياتي ؟!
هل تحدث الفجائع بهذه البساطة ؟ بهذا التسلسل العجيب .. الفجائيّ والكارثيّ في آن ؟

وصارت طريحة الفراش، لا تشعر بيديها .. ترفعهما والدتها صوب عينيْها ثم تهمس : نادية، انظري، ما زال لديك يديْن .. فيتحول السكون إلى صُراخ .. ترتجف أطرافها، يخرج الزبد من فمها .. تصرخ وتصرخ .. ويختلط بكاؤها بكلامٍ لا يفهمه أحد، ثم تسكن تدريجيًا، تموت شيئًا فشيئًا وتغطّ في نومٍ طويل لا يشتت هدأته غيرَ أنـّات متقطعة .

أقترب منها وأتحدث معي، بصوتٍ لا أكاد أسمعه ..
تأنّين يا نادية ممّ ؟ أنا صديقتكِ .. شريكتكِ في الضجيج، في الفقر، في الحزنِ الساكنِ البعيد الذي لم نرَه يومًا لكنّا شعرنا به ونحن نضحك .. ونحن نقتسم فطائر الصباح، ونحن نقف في أول الطابور ونصمتُ عن ترديد النشيد الوطنيّ .. لأنه لم يكن هناك وطن .. أخبريني ما بك ؟ سأعطيك يديَّ .. إحدى اليدين فقط .

وأبكي، وتبكي معي والدتها، تحول لسانها السليط إلى قطعة لحمٍ جافة بالكاد تردد الأذكار وتحوقل، تحولتْ لأمّ .. وقد كانتْ شيئًا آخر لا يعرف الأمومة، للمصائبِ وجهٌ حسن .. لكن ما جدوى هذا كله ونادية الآن لا تستيقظ إلا لتبكي ثم تصرخ ثم تنتفض ثم .. تنام ؟!

ويدخل أبو أنف، يواري وجهه سريعًا ثم يتنحنح وألتفتُ .. ثم أقفز إليه .. بيأس .. بحزن .. برغبة الأنثى الدفينة في أن تبكي بين يديْ ذكر .. وإن كان طفلًا لا يجاوز الثالثة عشر، وإن كانت صغيرة لم تتخلص بعد من أسنانها اللبنيـّة :
أبو أنف .. نادية .. بتموت ؟!

يقول – ولا زالت يديْه تخفي معالم وجهه .. أنفه تحديدًا - : لا، ادعي لها .

هكذا .. بحزم، بجدية، برجولة مبكرة جدًا، يتصرف كالكبار، كما لو أنه " أب " .. يحفظ ما يقولونه .. ليردده في الوقتِ المناسب أو غير المناسب، أنظر إليه .. كأنني أتوسل منه شيئًا آخر غير أن .. هذه الكلمة : أدعو لها، ما هو الدعاء ؟
أتشبث بثوبه هذه المرة :
- مازن علمني كيف أدعو لها ..
لا أدري هل وقع في ورطة، تجمّد فقط .. ابتعدتْ يديه عن وجهه تلقائيًا .. نظر بدهشة :
- ما تعرفي كيف تدعي ؟
- لا !
- قولي : الله يشفيك يا نادية ..
- بسّ ؟
- أيوا بس .. لمّا تصلي .. ووجهك ع الأرض قولي كذا ..
- انت تسوي كذا ؟
- أيوا .. والوالدة والوالد يدعون لنادية .

يقول : الوالدة والوالد،.. تبدأ الرجولة في الشخصِ حينما يتنصل من قول : أمي / أبي، نوعٌ من الاستقلال .. أو الخجل من التبعيّة، من الألفاظ التي تذكره بالطفولة واحتياجاتها، مازن يعتقد أنه رجل رغم أنه بلا شارب، ورغم أن صوته يشبه صوت نادية إلى حدّ كبير، ورغم أنه .. ما زال يدخن السجائر الورقية !

سَـمــراء الوائلي
27-07-2011, 08:31 PM
دخلنا من ممرّ ضيق ثم وصلنا إلى غرفة مستطيلةٍ توزعتْ فيها كراسي بلاستيكية بيضاء اللون وهنا أشارتْ لنا والدتي أن نجلس قبل أن تعبر من ممرّ آخر .. هي أولًا ثم والدة نادية، ثم نادية التي ترتدي العباءة .. - تفعل هذا للمرة الأولى – تاركةً " غطاء الرأس " حول عنقها وظفيرتها منسدلة إلى منتصف ظهرها وقد تطاير شعرها بشكلٍ يوحي بالخوفِ، بالخوفِ فعلًا .. لم تكن مبتسمة، كان يرتسم على ملامحها شيء يشبه النعاس أو الجوع أو .. الموت، رغم ذلك كانت أسنانها بارزة .

جلستُ أنا وشقيقتي، كانت هادئة كحمامة، يتجه بصرها للأمام فقط .. لا تنظر إلى شيءٍ معيّن، ويدها تمسك يدي .. أما أنا فقد كنتُ أتحرك على مقعدي كثيرًا، أقف .. ثم ألتفت يمينًا ثم يسارًا ثم أطلب منها أن تربط حزامي فتفعل بآلية، ولا تقول لي : اجلسي . كأنها تعيش في عالمٍ آخر .. أبيض ربما، أو أسود .. لا أعلم ما الفرق بين اللونيْن، لكنها ساهمة .. ثابتة، لا تحرك رأسها إلا حين أطرح عليها سؤالًا ما، تجيب بهمسٍ وكأنه لا يجوز لأحد أن يسمعنا .. رغم أن ليس في الغرفة غيرنا، هل كانتْ تعلم أن هناك من يسمعنا ؟ ينظر إلينا ؟ يحدّق مثلًا ؟

- وين راحوا ؟
- عند الشيخ محمد
- وين الشيخ ؟
- في الغرفة .
- ايش عرّفك ؟
- أعرف .

وهكذا تسير محادثتنا، دون أن ينزّ وجهها بضجر أو خوفٍ أو قلق، أما أنا .. فقد كان إعصارٌ من الخوفِ بداخلي، اشتدّ حين علا صوت الشيخ الجهوريّ وبدأ في القراءة .. كنتُ أظنه يتحدث قبل أن تخبرني أختي أنه بدأ في قراءة القرآن، وأن عليّ التزام الصمت، وهنا ضغطتْ على يدي بشدّة .. تمامًا كما تفعل الأمهات، وتمامًا .. كما يحدث كل شيءٍ فجأة دون سابقِ إنذار .. بدأتِ الجلبة في الداخل، لم تكن تشبه جلبتنا حين نخرج من الصفّ ولا حين نحتفل باصطيادِ قطةٍ للتو وُلدتْ ولا حتى حين مات والدي، كان صراخًا مدويًا مفزعًا يستمر دون توقف، تزداد وتيرته حين يعلو صوت الشيخ محمد، ثم يخفت قليلًا .. ربما في هذا الوقت كان الشيخ يشربُ ماءً .. وبعودة القراءة تعلو الأصوات .

للمرة الأولى لم أبكِ، للمرة الأولى شعرتُ أن البكاء في هذا الوقت لن يأتي وربما لن يجدي، لكني وددتُ لو بكيتُ أو صرختُ أو هربتُ، لم أكن ألوي على فعل شيء، نظرتُ لعينيْ شقيقتي .. كانتا متسعتيْن دهشةً ربما أو خوفًا أو فضولًا، لا أعلم .. أردتُ أن أجد لديها إجابةً ما لكل الأسئلة الـ تحتشدُ فيَّ، لكنها بدتْ فارغة، ومثلي .. ربما، تكويها الأسئلة .

بقيتُ ملتصقة بها لمدة ساعة أو ساعتين .. لا أدري كم مرّ من الوقتِ حتى صمت الشيخ، ثم رأيتهن يخرجن، نساء يتوشحن السواد .. يتكئن على جُدر أو على أكتف بعضهنّ، يترنحن كما لو أنهن خرجن من حانة، تسقط إحداهنّ فتسرع والدتها أو أختها ربما لترفعها، كنتُ أبحث بعينيّ عن " ماما " أو " نادية " أو حتى والدتها السليطة، ولم يخرجن، بكيتُ .. هذه المرة بكيتُ بشدة، وشقيقتي صامتة .. هادئة، وديعة .. وكأن شيئًا لا يحدث، وكأن الأمر برمته لا يعنيها، سحبتُ يدي من يدها وتسللتُ سريعًا نحو الغرفة الأخرى، عبرتُ من جانب كائنات نصف بشرية، يتخذ الجنّ أجسادهنّ مساكن، هكذا يقولون .. كنتُ أضع يديّ على أنفي .. ثمة رائحة كريهة .. عرق، ورائحة أخرى تشبه النباتات النتنة، عبرتُ سريعًا دون أن أخاف .. ، ثمة خوف أكبر كان يسيّرني، تعلمتُ لاحقًا أننا لنتغلب على شعورٍ ما فعلينا الإتيان بشعورٍ أقوى منه، وصلتُ للغرفة .. ورأيتهم جميعًا، ظننتُ الشيخ طويلًا وضخمًا لكنه بدا أقصر من تخيلاتي، لحيته ليستْ كثة .. يرتدي " شماغ أبيض " وفي فمه سواك، كانوا يتحدثون بخصوص نادية التي تبلل شعرها وتغير لونها للأصفر .. أشرتُ إليها بيدي، ابتسمتْ ثمّ ضحكنا وسرعان ما وضعتْ يديها على فمها .

آمال المصري
28-07-2011, 12:40 AM
رائعة أنت ياسمراء
حرفك ممتع أجبرني على المتابعة وفي انتظار هطول باقي الحكاية
كل عام وأنت بخير
ولك خالص التحايا

ربيحة الرفاعي
28-07-2011, 01:30 AM
أأمر بين كل حلقة وتاليتها لأحدثك عن مدى انبهاري بهذا الحرف
أسلوبك رائع ومهارتك السردية مختلفة مشوقة آسرة

سأكون على عتبة هذه الصفحة دائما لكيلا يفوتني هطولك

دمت بألق

سَـمــراء الوائلي
28-07-2011, 05:41 PM
الأخت رنيم.. الروعة في تواجدك الكريم هنا
أستاذة ربيحة .. يخجلني إطراؤك دائما
كوني بخير

سَـمــراء الوائلي
28-07-2011, 05:43 PM
في الكتابة .. نعمد إلى حشر التفاصيل وذكرها كي لا نترك فجوة زمنية بين حدثٍ وآخر، وفي الواقع .. تحدث هذه الانتقالة العظيمة دون أيّ فجوة، تحدث بشكل متسارعٍ مُذهل وموجعٍ أيضًا، كنتُ أتخيل أن تحدث المعجزات .. إلا أن ننتقل من الحيّ الذي وُلدتُ فيه وحفظتْ أزقته خطواتي، إلى آخر لا يشبهني، لا يشبه ملابسي الرثة والعلامة الفارقة في جبيني برمية حجرٍ خاطئة، من اللازم أن ندرك الأشياء المتعبة مبكرًا جدًا كي نستطيع التعايش معها، الإدراك ضرورة و في ذات الوقت ألم، هكذا نختصر الكلام : لكي ندرك لا بد أن نتألم ولكي نعيش لا بد أن ندرك، إذًا لكي نعيش لا بد أن نتألم، لا بد أن تتحول الطرق المعبدة في وقتٍ ما .. إلى أخرى شائكة، لا يكون المسار واحدًا على الإطلاق، يبدأ هذا .. حين نبدأ في التفكير، ومذ بدأت أفكر وأنا أنتقل من طريقٍ لآخر .. أنتقل صعودًا ؟ هبوطًا ؟ لطالما قيل إن الهبوط أسهل من الصعود، لكنني كنتُ أهبط بصعوبة .. أتدحرج ؟! ربما .



دخل أمامنا ليرى والدتي، دون أن ترتدي عباءتها، كانتْ جميلة .. أجمل من أيّ وقتٍ آخر وفي عينيْها حكاية وسرّ .. وبريق وكحل، رآها .. ابتسم، سألها عن حالها، لم تُجِبْ .. وضع على الطاولة الخشبية علبة مستطيلة بلونٍ أحمر، وكرر التبسّم ثم خرج ولحقه خالي .



وأنا أتأمل .. لطالما لعنتُ فضولي وحسدتُ شقيقتي على أنها لا تعبأ ولا تتأمل ولا تفكر، لم تكن تفكر .. أجزم بهذا، لأنني حين سألتُ والدتي من هذا ولمَ أعطاكِ هدية ولمَ كان يبتسم ولم جاءت أم نادية وبكتْ كثيرًا .. وكنتُ ألِح بطرح الأسئلة .. كانت شقيقتي صامتة، كمن يفهم كل شيء، أو كمن لا يفهم .. تستوي الأمور في كثيرٍ من الأحيان وأقسم أن أمور شقيقتي كانت مستوية وأنها لو ماتتْ فلن يشعر بها أحد؛ بل .. لن تشعر هي بذلك .





لم يمضي من الوقتِ الكثير حتى انتقلنا إلى منزلٍ آخر .. بأبواب جميلة وفناء صغير، لكن المزعج .. أن ذلك الذي يتبسم .. ذلك الذي كان من اللازم أن أقول له : بابا أو عمو في أسوأ الحالات .. يأتي كلّ يوم، وينام برفقتنا .. والمؤلم .. أنه لم يعد من الممكن أن أنام بحضن والدتي فهي تغلق دونها الأبواب في وقتٍ مبكّر .. والحقّ أنها لم تكن تنسانا أبدًا، وذلك اللئيم لم يكن سيئًا .. لكن غيرتي المفرطة جعلتْ مشاعري جميعًا تتحول إلى نقمة، إلى سلوكيات مستفزة تنتهي بأن أُحبس في غرفة مظلمة حتى أقدم اعتذاراتي، هذه الإهانة المبطنة كانت تستفزني أكثر من أيّ شيء آخر، ولأن الأمور تسير هكذا فقد قررتُ أن أحب الظلام وأن أوطّد علاقتي به فهو الشيء الوحيد الذي يمنحني السلام والسكينة .. والكبرياء، وفي الظلام أستحضر الأشياء البيضاء .. قلب نادية ولعنة مازن والجدار العتيق، يمكننا الاستمرار في الحياة .. حتى حين تُنتزع منا أشياؤنا المحببة، هل هذا رحيم ؟ أم فيه قسوة وصلف ؟ أن يُقدر لنا العيش كالموتى .. أن نُركن في الزوايا وعلى الأرفف ثم يُطلب منا أن نكون صورًا عتيقة لا تنبس بوجع وإن كان لها ذاكرة حيّة ؟



كنتُ أريد أن أقول إن حاجاتي أكبر من المصروف اليوميّ والسرير الوثير والغرفة الورديّة، هذه كلها لم تكن لتمنحني ذلك الشعور اللذيذ .. الذي طالما دفعني للغناء بصوتٍ مرتفع والاستحمام .. الساعة الرابعة عصرًا ثم التلصص من النافذة، كنتُ أريد هذه التفاصيل الصغيرة .. لأنه لم يكن من المُستطاع أن أفهم المعنى الأعمق للاستقرار، حين كبرتُ .. عرفتُ كيف تكون الأنانية .. واتهمتُ والدتي – في سرّي – بأنانيّتها، بأنه كان من المفترض عليها أن تهتم بسعادتنا وألا تغيّر سير الواقعِ .. فهو كان جميلًا بالنسبة لي، ولا أدري كيف كان بالنسبة لشقيقتي .. لأنها لم تتغير، رغم أنها كبرتْ .. باتَ من اليسير عليها شرح ذاتها بشكلٍ مفهوم، لكنها لم تكن تشرح .. لم يكن لها ذات ؟ لا أعلم .. بدتْ ناضجة، استدار جسدها وأصبحتْ أكثر اهتمامًا بشكلها .. بل صار جلّ وقتها أمام المرآة، ترفع شعرها للأعلى .. ثم تعيده للأسفل، ثم تضعه خلف أذنيها .. تنزل خصلتيْن .. ترفعهما، هكذا بآليتها المعتادة .. ثم تستقرّ على شكلٍ معيّن، وتذهب إلى سريرها لتقرأ الجريدة ثم تقصّ ما يروق لها من مقالات وخواطر .. وتحتفظ بها في درجٍ علوي .. لم أكن أستطع الوصول إليه، وأنا أنظر إليها بحرص .. لا تشبه ماما، رغم أنها أصبحت امرأة مثلها .. عيناها ناعستان، فمها صغير .. تتشقق شفتيْها إن ضحكتْ لذلك كانتْ تكتفي بالتبسم .

عبد الله محمد الشميري
28-07-2011, 05:47 PM
تحية أولى لكِ
سعدتُ بوجودك بيننا
سأعود للقراءة المتأنية ..

كاملة بدارنه
28-07-2011, 07:13 PM
حين يلامس وجع الكلم القلب يطبّبهُ ...
أتابع سردك الرّائع بشوق...

د. مختار محرم
28-07-2011, 09:59 PM
أتابع وأنتظر معرفة مصير جني نادية ^ ^
مبدعة أديبتنا سمراء

عبد الله محمد الشميري
29-07-2011, 06:36 AM
متابع لسردك الممتع
سأعود لتكملة قراءة مافاتني
بوركتِ أيتها الرائعة

سَـمــراء الوائلي
29-07-2011, 03:49 PM
شــكرا.. لكل العـابرين

سَـمــراء الوائلي
29-07-2011, 04:03 PM
ينهكني أن تكون الذاكرة حيةً إلى الحدّ الذي تتذكر معه التفاصيل ورائحة العطر وشكل الستائرِ وأصوات الضحكات وشكل الدمعِ وهيئة العابرين على أرصفة الأيام، كان بودّي لو تتنكر الذاكرة لهذا كله .. أن تتخلص من الأشياء غير المجدية والمؤلمة دون أن تظل مرافقةً لي .. مخبأة في جيبيّ .. تصطدم بها يديّ كلما طلبتُ دفئًا ما .

زرتُ نادية بعد أعوام ممتدة، طويلة .. خالية من الحياة، كيف مرتْ ؟ لا أعلم .. تشبه منطقة مقطوعة بين مدينتيْن مزدهرتيْن .. تشبه زمنًا مستقطعًا من العمر .. هامشًا لا يمكن أن يُعتد بذكره، أتذكر كل شيء .. حين سقطت أسناني، حين عاودتِ الظهور بحلةٍ جديدة .. لم تكن كأسنان نادية طبعًا، حين درستُ التاريخ ثم القواعد .. ثمّ كيف كانت تلك المرحلة قاصمة .. سارتْ بي نحو العزلة تدريجيًا، أخذتني إلى الهدوء والاستسلام والضعف والتربص، كيف وجدتني أصطدم بانكسارٍ عميق، انكسار الإناث .. الخيبة الكبيرة والفضفاضة التي تجرجر أحلامهنّ إلى زمنٍ ماضٍ، كيف تحولتُ من الوقاحة للخجل .. للبكاء تحت الأسرّةِ، المراحل المُوجِعة لا يمكننا الحديث عنها بشكل مفصّل هربًا من استحضارها .. هربًا من أن تقف أمامنا التفاصيل كمعلمٍ فظّ يعدد مرات رسوبكَ .. شيء وحيدٌ فقط كان يجعلني أبتسم .. نادية، أسنانها، مازن وأنفه، يا إلهي .. ماذا يفعل بنا بعض البشر ؟ ثمة لعنة يقدموها لنا ثم نحبّهم .. لعنة رأسٍ أو لعنة قلبٍ أو لعنة ما .. ترافقنا على طول الطريق، جاؤوا في زيارةٍ قصيرة حين أنجبت أمي أخي الذي بدأ يستحوذ على اهتمامها، ما كان يعنيني أن تهتمّ بنا كالسابق .. من اللازم أن تعيش ما تبقى من عمرها، كيف وصلتُ إلى هذه القناعة ؟ لم أكن أعلم .. لطالما أشفقتُ على النساء الـ يتزوجن أكثر من مرة، يحتجن لوقتٍ طويل حتى يفهمن الأول وحين يغيب ينتقلن لآخر ويبدأن من جديد، وكم أمقت البدايات .. حين تكون بمفردها، فكيف إن كان يقاسمني فيها رجل ؟!
نادية لم تأتِ مع والدتها، من المعيب أن ترافق الفتاة والدتها في زيارات كهذه .. ما زالت متعبة ؟ تسأل والدتي فتطمئنها والدتها : حالتها اشتدت فتركت المدرسة لمدة عامين .. والآن عادت وهي أفضل .
أبتسم، شيء كان يرزح على صدري .. يكتم أنفاسي، يخنق طفل السعادة فيّ ويزمجر في وجهه، هي أفضل .. السنوات تجعل الآخرين أفضل، إلاي .. كلما تقدمتُ سنةً تأخرتُ عمرًا، لكن نادية بخير . تحررتُ من الشعور بالـ .. بالـ ماذا ؟ بالذنب ؟

ثم حين امتدتْ قامتي، ليس كثيرًا .. كنت ما أزال أحتفظ بملامح الطفولةِ، البريق الذي يشبه البراءة والغباء .. في ذلك الوقت .. زرنا نادية، مررتُ من تلك الطريق، لا شيء متغير .. المكان يحتفظ بملامحه بإصرار، يحافظ على هيئته الأولى .. كأنه ينبهنا بضرورة ألا نتغير، أن نعود كما كُنا .. ألا نفجأ الآخرين باختلافنا، في مرحلة انتقالية لا بد أن تتغير أشكالنا، لكن ليس إلى الحدّ المُفجِع .. الحد الذي يصيبنا بالفصام ويحولنا لكائنات أخرى، رأيتُ صديقتي .. أخيرًا، لم تكن تلك .. في فمها سلكٌ حديديّ يحيط بأسنانها، يجمعها ويرتبها ويمنحها جاذبية آسِرة، قامتها طويلة .. نحيلة، تضع في عينيها الكحل .. يداها ذابلتان قليلًا .. يبدو فيهما تعب السنين، تحركهما بتثاقل .. لكنها متحدثة جيدة، رحبتْ بنا كأنثى تحترف استقبال الضيوفِ والترحيب بهم، ابتسمتْ كثيرًا .. انتظرتُ أن أغيب في حضنها، أخبرها كم أنا حزينة وسادرة في يأس ووحيدة .. وحيدة كثيرًا بعدها والحياة بأكملها لا تعني شيئًا، لكنني لم أستطع .. ما زلتُ طفلة، وإن كانتْ والدتي قد نبهتني لضرورة أن أرتدي شيئًا يذكرني بأن عمري خمسة عشر .. شيء يخبر الآخرين أنني كبيرة، يقدمني لهم .. كفتاة، وليس كطفلةٍ منكسرة .
كنت أراقب شقيقتي وأفعل مثلما تفعل قبل أن تخبرني أنني مغفلة، وأنني لا أعرف كيف أستخدم الكحل .. ولا أحمر الشفاه، لم يكن أحمرَ .. كان بلون الورد، تغسل وجهي بيديها وتمسح عينيّ بحرص ثم تعيد ترتيبي .. ترسم أشياء في وجهي بإتقان، يداها قطنيتان .. باردتان في كل المواسم .

نادية مبتسمة على الدوام، تسألني عن دراستي .. يُطرق الباب، أكاد – بشعور الطفولة – أقفز لفتحه، هذا مازن .. ثم تستدرك وتنفجر ضحكة من فمها : أبو أنف .
لكن صوته تغير !
- نادية ممكن أشوفه من بعيد ؟
تسحبني من يدي دون أن تجيب وأقف خلف بابٍ ما لأراه، لم يكن هو ! هذا رجل يانادية ! لولا أنه يضع يديه على أنفه .. كأنه يهرشه .. ذات حركته القديمة .. لو أنه لم يفعل لأقسمتُ أنه " مش مازن " !

....


شعورٌ ما .. أسدلَ على أيامي ستائر سوداء، تحولتْ معه الليالي الصيفيّة إلى ساعاتٍ تستطيل وتمتدّ وتجرجر بعضها ببطء ثقيل دون أن أفهم ذلك الشعور، كأن تحتاج النوم ثم لا تريده أو لا يأتي ولا تعلم بالضبط ما الذي يحدث .. تشتاق أن تفعل شيئًا ما .. ولا تعلم ما هو، خـدَرٌ يسكن أصابعكَ وتعتقد أنها بحاجةٍ إلى أن تتحرك، تقبضها ثم تبسطها دون أن يختفي الخدر ودون أن تتحقق رغبتك غير المفهومة .
شيءٌ يشبه أن تكون سعيدًا .. أن تنطلق روحك صوبَ سماء بيضاء سامقة ثم شعور حزينٌ يتمازج معه، وتبقى ورقةً تحركها مشاعر متناقضة .


هل يمكن أن يصيبني مرض اليديْن ؟ ذلك الذي جعل نادية تتأخر في دراستها ثم تسلك طريقًا يودي بها إلى مهلكة المسؤوليات المبكرة والأمومة السابقة لأوانها ؟
تزوجتْ نادية .. كيف ؟ لا أعلم، لم يكن زوجها أحمد .. بل اين خالتها الثلاثينيّ .. الوحيد الذي أكمل دراسته في الخارج وعاد ليطلبَ زوجة لم تكمل تعليمها !
لطالما تعجبتُ من شروط الآخرين، تناقضاتهم .. وأُجهدتُ في البحث عن أسبابِ اختياراتهم، دونما جدوى .. نصيب، تقول والدتي : نصيب . ولا أعلم هل تصبح قراراتنا هباءً أمام مقصلة " النصيب " ؟ آمالنا ؟ تصوراتنا ؟ ترتطم بصخرة النصيب التي تحطم بجبروتها كل شيء، هل يمكن أن تنتهي خططي إلى العدم ؟ إلى درجٍ سفليّ أدسّ فيه ما ظننتها إنجازات .. ثم أخنع لواقعٍ ما ؟

- مستحيل أتزوج يا ماما ..

تنطلق الجملة المبتورة بيأس، ويضحك عمّي، زوجها الذي أجهد نفسه في تخطي حواجزنا والوصول إلينا .. أنا وشقيقتي، يتحدث نيابةً عن والدتي التي اكتفتْ بالتبسّم :

- اكبري شوية وأنا أزوّجك أنتِ وأختك أولاد أختي .

آه .. ما تفعل بنا بعض الصفعاتِ المفاجئة ؟ هذا الرجل يريد أن يستحوذ علينا ! هكذا باغتني شعورٌ بالمقت والرغبة في أن أبصق في وجهه وأخبره أنه سخيف وأنّ لحيته الكثة يمكن أن تكون مكنسة !

بينما تبسمتْ هذه المغفلة بجانبي، لماذا تخجل من سيرة الزواج ؟! ما المخجل في أن يخبركِ شخصٌ أنكِ على وشك التقييد ؟ أنكِ في غضونِ أيام ستتحولين من طائرٍ طليق إلى ببغاء في قفص يُلقن أبجديات الكلام ؟!

تنسحب خطواتي إلى غرفتي وتلحقني شقيقتي ثم أخينا ثقيل الدم .. قبل أن نسمع باب غرفتهما ينغلق، وكان كلما انغلق .. انغرز فيّ خنجر، كم خنجرًا زرعته فينا يا ماما منذ تزوجتِ هذا الكائن ؟

ولا شيء سوى أزيز المكيّف يقطع هذا الصمت .. وأحيانًا .. هدهدة رخيمة تنطلق من حنجرة أختي لينام الصغير، كانت تحبه ! لماذا هذه الأخت مختلفة ؟ لماذا لا يسكنها أي شعور بالانزعاج .. بالحزن ؟ بالرغبة في الانفجار ؟ لماذا لا تتحدث ولماذا تعيش دائمًا على الهامش ؟

تمددتُ على السرير واستدعيتُ النوم كثيرًا في تلك الليلة لكنه لم يأتِ، والأرقُ مؤشرٌ على أشياء عدة .. ليس من ضمنها أننا سعداء وننصتُ لسكون الليلِ، كنتُ – رغم كل شيء – أغمض عينيّ وأنام مباشرة، ومنذ يوم الأحد - ليس يوم اللعنة – وأنا أكتفي بقدرٍ قليل من ساعات النوم وأقضي بقية الوقتِ في التفكير .. التفكير في أشياء غير مترابطة ولا مفهومة بالنسبة لي، فقط أفكّر .. أتوه .. أنتقل من حالةٍ لأخرى وكأنني أخترق دهاليز مظلمة وأضيّع الطريق، ثم لا أستطيع أن أعود إلى نقطة البداية، أرفع عينيّ إلى السقفِ وأتخيل شيئًا صغيرًا ينتقل من مكانٍ لآخر ويحاول ألا يسقط، ثم تنزلق قدمه ويحطّ على مخدتي ولا أستطيع رؤيته، أتحرك من مكاني باحثة عنه، أرفع الغطاء لأرى أين هو، عمّاذا تبحثين ؟ تطرح السؤال وكأنها لا تنتظر الإجابة .. شقيقتي، ولا أجيبها، ثمّ أقرر أن أتحدث :
- بنت
- نعم
- ناسية، ذكريني .. مين أولاد أخته ؟

وتبدأ في وصفهم، الشيء الذي يضحكني في هذه الشقيقة أنها حين تصف فإنها ستذكر أدقّ الأشياء، لون الحذاء والمسافة الفاصلة بين الذقن والشفتيْن .. وطريقة تصفيف الشعر، وتفاصيل .. لا يمكن أن أهتم بها، ولن تتوقف عن الوصفِ .. كمعلم لا بد أن يستوعب جميع طلابه الدرس .. حتى الأغبياء منهم !

لم أكن أعرفهما جدًا، رأيتهما في مناسبات كبيرة ومن بعيد .. كعاداتنا الأنثوية نتلصص على الشبابِ من خلف الأبوابِ أو من النوافذ وكلّ تختار من يروق لها لتكتب عنه في دفتر خواطرها، هنا .. الشكل وحده الحكم، ولأن الذائقة تختلف .. فلن يعجبني وشقيقتي شخصٌ واحد، من المستحيل أن يحدث هذا، فحين راق لها ذو البشرة البيضاء والقوام الطويل .. أعجبني الأسمر المائل للقصر ورغم هذا كنت أرى ذا الأنف الكبير أجمل منهما وبمجرد تذكره كان شعورًا غامضًا يختبيء فيّ حتى أنسى .. وثمة خدرٌ في يديّ !

د. مختار محرم
01-08-2011, 01:47 AM
ما هذا السحر يا سمراء؟
رغم قراءتي لها أكثر من مرة إلا أنني كلما عدت أعيد القراءة
كم أنت رائعة..

سَـمــراء الوائلي
01-08-2011, 02:23 AM
في المدنِ الحارّة المزدحمة .. يصبحُ الصوت المرتفع ضرورةً، ليس من المفيد لك أن تتحدث بصوت منخفض .. لن ينصت إليك أحد، ستحتاج ربما لمكبرات صوت حتى تُسمع أنفاسك، وأنا .. صاحبة الصوت الخفيض، المتكسّر ببحةٍ تغيّر مخارج الحروفِ .. عانيتُ كثيرًا وصدمني السؤال المتكرر : ايش ؟ ارفعي صوتك ..
أصابتني خيبة أملٍ كبيرة ونوبة خجلٍ طويلة .. طويلة جدًا .. جعلتني أكفّ عن الحديثِ وأكتفي بالتبسّم أو العبوس كتعبيرات مقتضبة عن انفعالاتي، وكم كانت تزعجني الأسئلة التي لا يمكن أن أجيب عليها بـ نعم أو لا .. كأن يُقال : كيف الحال ؟
هذا السؤال المملّ والمقيت .. ليس لأنه يجعلني أنطق كلمتيْن وحسب، بل لأنه مجاملة مكررة تدفع الجميع لارتكاب الكذب، ما معنى أن نسأل الآخرين عن حالهم ونحن نعلم – يقينًا – أنهم سيقولون : بخير .. وقد لا يكونوا بخير أبدًا لكنه اعتيادُ الكذب ؟

في يومٍ ما – لا أذكره بالضبط – حدثتْ مواجهة حادّة بيني وبين والدتي، لم أكن أعلم أن على الإنسان التخلص من عُقدهِ بالشدّة وبالأوامر القاسية : لا تخجلي .. تحدثي .. استقبلي الضيوف .. لا تعقدي حاجبيْك أمامهم، أنتِ متكبرة .. شوفي أختكِ ..

هل ثمة " زرّ " ينفذ مطالب ماما ويحمي شعوري من نوبات غضبها ؟

أنتِ لستِ أمًا، قتلتني أنانيتك وتظنين أنه على الحياة وعلى الآخرين أن يكونوا كما تريدين، تعتقدين أن بإمكان الآخرين التحوّل والتبدل حسب هواكِ .. أنا ابنتك لكن هذا لا يعني أن أكون مثلكِ، أبدًا لن أكون مثلكِ .. اتركي لي حياتي، سأعيشها بالشكل الذي أريد .

هذا الغضبُ الثائر .. هذه الكلمات الآتية من جهنمٍ ما .. احتفظتُ بها في داخلي واكتفيتُ بدمعاتٍ مُكابرة، ثم لم أنسَ وانصرف قلبي عن حبّها .

قررتُ ألا أقدم للآخرين شيئًا أكثر من الواجبِ وليس الحبّ من ضمن الواجبات، لا أحبكِ ماما .. خذي مني هذا الاعتراف الصامت، اقرئيه في عينيَّ إن شئتِ، في خطوط يدي .. اسمعيه منّي حين أصمتُ في حضرتكِ، أو حين تستقبلين زوجكِ أو تودعينه .. ابنتكِ هذه التي تشبهكِ تمامًا .. لا تحبكِ .

وكأنني انتصرتُ، ابتسمتُ .. رسمتْ سبابتي في الهواء قلبًا ثم مسحته أصابعي .

في ذاتِ اليوم دخل عمي غرفتنا، كانت المرة الأولى التي يفعل وقد اعتاد – سابقًا – على إطلالةٍ خجولةٍ من الباب، جلس في المنتصفِ تمامًا وخلع ثوبه ثم بدأ في تركيب أبواب مكتبة رمادية .. وبجانبه وضعتْ والدتي ثلاثة كراتين ملأى بكتبٍ ذات أحجام مختلفة.. بعضها قديم والآخر جديد .. كانت هدية نجاحنا، احتلتْ – في النهاية - جدارًا بأكمله من جدران غرفتنا وألقتْ عليها نوعًا من الرهبة والظلام .. والضيقِ أيضًا، تساءلتُ في سرّي : من أين لوالدتي بهذه الكتب ؟
أذكر فقط كتابًا خبأته تحت سريرها وكنتُ أحلم بالوصول إليه، رُسِم عليه قلبٌ تتوسطه أنثى .. عرفتُ لاحقًا إنها إحدى روايات عبير .
توزعت الكتب في المكتبة بطريقةٍ أثارت ريبتي ثم فضولي، بعضها رفِع للأعلى والبعض كان في الأسفل .. لفت انتباهي أن والدتي كانت تقرأ اسم الكتاب ثم تقرر أين تضعه، في النهاية .. قالتْ بحزم : اقرؤوا اللي تحت .. اللي فوق هذي خاصة بالكبار .. طيب ؟!

حين يكون الحديث عن " الكبار " و " الخاص بهم " تتورد وجنتيّ ولا أعلم لمَ، أتبعثر وأشعر أنني ضائعة .. ليس بين ملابسي طبعًا؛ بل في صحراء مترامية .. حارّة .. لا نهاية لها .

طرحتُ سؤالًا آخر على نفسي – ليس ثمة من يجيب هنا - : ما دامتِ الكتب العلوية مخصصة للكبار فلمَ تُقحم في غرفةٍ ( للصغار ) ؟

رغم كل الأسئلة التي ترتدّ إليّ بطرفٍ كسير .. قررتُ أن أبدأ في قراءة الكتب التي بالأعلى، يخطيء الكبار حين يعتقدون أن أوامرهم وتنبيهاتهم تحظى بالاحترام والتنفيذ، كان على والدتي أن تكون أكثر ذكاءً وتصمت .. لم أكن لأفكر في قراءة الكتب ذات الحجم الكبير ولم يكن ليلفتني ما رُسِم عليها .

ومع أول ليلةٍ وحين تأكدتُ من أن شقيقتي نائمة .. رفعتُ يدي لأبحث عن كتابٍ قد أقرأ فيه شيئًا ممنوعًا، شيئًا لا يُراد لي معرفته .. كأن يكون العنوان : خاص بالكبار .. ممنوع الاقتراب .. لمن هم فوق الثامنة عشر .. أي عنوانٍ يمكنه أن يهدي لي معرفة ما .

شعرتُ باليأس وقررتُ أن أقرأ الكتاب الأحمر : همس الجنون .. خطر لي أنه يتحدث عن الجنّ، وأنه الكتاب الذي لا تريد لي والدتي قراءته .. اختبأتُ تحت اللحاف وبدأت في البحث .. اتجهتُ للصفحات الأخيرة بحثًا عن فهرس، لا شيء .. قرأتُ الصفحات الأولى .. لا أفهم شيئًا، ينفتح البابُ بهدوء .. أحاولُ أن أبدو نائمة .. أخبيء رأسي تحت اللحاف ثم .. ترفعه ماما وترى الكتاب بجانبي :

- أشوف ايش تقرأي
- ....

بصمتٍ .. تسحبه من بين يديّ ثم تذهب .

أحمد عيسى
01-08-2011, 06:36 AM
منذ الحرف الأول نعرف أننا أمام قاصة قديرة وقلم واعد يبشر بالكثير
أسلوب راق ، وحرف متميز ، وقدرة أنيقة على السرد

مستعدين لقراءة المزيد
فلا تبخلي علينا

أهلاً بك كاتبة مبدعة في ربوع الواحة

أحمد عيسى
01-08-2011, 06:42 AM
على فكرة
كان ذكاء منك ان بدأت في القصة مباشرة ، دون أي تنويه أننا أمام رواية ، هذا جعل المتلقي يدخل ليقرأ قصة قصيرة سريعة تناسب وقته وايقاع عصره
هنا ، وجد نفسه أمام سرد آسر ، وابداع يحاصرك من كل جانب ، وحروف تتبعثر أمامك فتقرؤك قبل أن تقرأها
لم يكن في مخططاتي الصباحية أن أقرأ فصولا من رواية قبل الذهاب الى عملي في أول يوم من أيام رمضان

أبدعتِ في كل شيء حتى في طريقة العرض
أحييك ، وأنتظر التتمة بكل شوق

سَـمــراء الوائلي
01-08-2011, 08:48 AM
د. مختار .. أشكر متابعتك وكلماتك وشهرك مبارك
أستاذ أحمد عبد اللطيف ..
لا أعرف هل ستكون رواية كاملة؟
هي قصة لم تكتمل بعد وأغلب الظن أنها لن تكتمل أسوة بسابقاتها
لكنني سأكون هنا حتى ينضب حبري
تقديري

سَـمــراء الوائلي
01-08-2011, 09:43 PM
كم هو شهيٌّ الموت في اللحظاتِ الحرجة،
يا إلهي اجعلها تنسى، اجعلها تستيقظ على فجيعةٍ ما – كأن تكتشف خيانة زوجها لها – تنسيها خطيئتي
ولوث ما اقترفه عقلي حين همّ بقراءة الممنوعات،
أعرفها عند الغضب .. ستقول إني سيئة وبحاجة للزواج، ستفضحني نظراتها و تلميحاتها ولن أقف بعد العثرة أبدًا .

في الوقتِ الذي كنتُ فيه أتضرّع إلى الله ..
انبعثتْ آهةٌ من أقصى الغرفة، اعتدتُ أن أسمعها تبكي .. أو تكرر : لا .. بهلع ، قبل أن تعود لنومها العميق،
لكنها هذه المرة تبكي من ألمٍ ما، أقتربُ منها :

- بنت ايش فيك ؟!
- ......
تهذي بصوت مختنق .. تتقطع أنفاسها وكلماتها وأفهم فقط أنها تريد ماما وأنها مختنقة،
كم مرّ من الوقتِ وأنا أجري إلى غرفتهما .. وأنا أطرق الباب بشدة .. وأنا أعود ؟! لا أعلم ..
كان الزمن متباطئًا متماديًا في التمدد والاستطالةِ ..
كانت الثواني ثقيلة، ثقيلة جدًا .. وكفيلة بأن تخنق شقيقتي في سريرها قبل أن نصل إليها، ثم تموت بأزمةٍ ربوٍ حادّة !

بدتِ الدنيا سوداء .. عويل، ضجيج .. والدتي متهاوية على الأرض، وشقيقتي ممددة بهدوء على سريرها .. على نفس هيئتها حين تنام،
لا شيء يوحي بأنها غادرتنا .. سوى أنها لا تستجيب لنداءاتنا، صامتة .. وديعة، بيضاء .. وحزينة .

لم أبكِ، هل البكاء تعبيرٌ بليغٌ عن الحزن ؟ لكنني لم أبكِ ..
وحين كان عمي مهتمًا بزوجته ويحاول أن يكذب عليها بأملِ أنها قد تكون على قيد الحياة،
وحين استيقظ أخي الذي كان نائمًا بجانبها على الجلبة والصراخ وشاركهم البكاء دون أن يفهم السببَ ..
وحين كانت الأرض تبكي .. والسماء والملائكة و الكائنات جميعًا .. وقفتُ أنا في المنتصفِ بشعورٍ صامت لكنه مزلزل، قبل أن أقرر الهرب ..
ليس إلى وجهةٍ معينة، لا شيء حولي .. لا شيء هنا، الحياة بأكملها جامدة ..
تمثال صخريّ يحدق فينا ولا ينزّ وجهه عن شعور، هل من مكانٍ يستقبلني بكلّ حزني ؟! بكل الخوف والفجيعة العميقة الممتلئة بهما ؟!

توقفتُ في الفناء الخارجي، اتجهتُ للخلف .. أكثر الأماكن المهجورة، لن يكون هناك أحد ..
مكاني المناسب حيث لا أحد، جلستُ بتهالكٍ ثم بكيتُ، ليس كما يبكي البشر .. ليس بهدوء .. وليس بضجيج،
بكاءٌ شعرتُ معه أن حنجرتي ممزقة وأن ذاكرتي ممزقة وأيامي .. ، وأن أحدًا ما يعيث فيَّ بخنجر .. يجرّح وجهي وقلبي وظهري وعينيَّ،
وأنني أريد أن أموت لكن هذا غير مُجدٍ .. وأن كل الأشياء بلا قيمة .. بلا قيمة أبدًا .

نمتُ ؟
لا أعلم، نظرت للسماء فقط فوجدتها مائلة للزرقة، فقدتُ وعيي ؟ لا أعلم أيضًا ..
تذكرتُ ما حدث قبل ساعات ثمّ عاودني البكاء، لمَ فعلتِها يا نجلاء ؟! لمَ لمْ تخبريني لنغادر معًا ؟
لمَ ولمْ نتبادل الأسرار بعد ؟! كنت أريد أن أخبرك بأشياء كثيرة .. برأسي الذي حلتْ عليه اللعنة منذ سنوات،
بقلبي حين استقبل اللعنة أيضًا وحوّلها إلى شعورٍ غريب .. بالأشياء التي أخبروني عنها صديقات المدرسة،
بالأحلام والأمنياتِ والمخاوف والأشياء الصغيرة أيضًا، كنت محمّلة بأسئلة جمّة يا نجلاء ..
هل أنتِ حزينة، هل تكرهين الحياة .. هل تشعرين بشيء ما في أصابعكِ .. يدفعكِ للخربشة على ورقة فارغة، والأسئلة الخجلى أيضًا ..
هل يؤلمك بطنكِ في أيامٍ ما من الشهر ؟! هل تتقيئين؟! هل تلعنين أنوثتكِ مثلي ؟! هل تشتاقين لـ (أبو أنف) ؟!
لمَ تركتِني بلا إجابات ورحلتِ ؟
هل كنتِ تعلمين مسبقًا أنكِ راحلةٌ مبكرًا لذلك كففتِ عن الكلام ؟!
هل كنتِ تعتقدين أن الحزن عليكِ سيكون أقل وطأة ؟!

ها أنا حزينة يا نجلاء بقدرٍ يكاد يلحقني بكِ، ها أنا أرتعش ..
تعاليْ ولو لمرةٍ فقط .

د. مختار محرم
01-08-2011, 10:29 PM
وحين كان عمي مهتمًا بزوجته ويحاول أن يكذب عليها بأملِ أنها قد تكون على قيد الحياة،
وحين استيقظ أخي الذي كان نائمًا بجانبها على الجلبة والصراخ وشاركهم البكاء دون أن يفهم السببَ ..
وحين كانت الأرض تبكي .. والسماء والملائكة و الكائنات جميعًا .. وقفتُ أنا في المنتصفِ بشعورٍ صامت لكنه مزلزل، قبل أن أقرر الهرب ..
ليس إلى وجهةٍ معينة، لا شيء حولي .. لا شيء هنا، الحياة بأكملها جامدة ..
تمثال صخريّ يحدق فينا ولا ينزّ وجهه عن شعور، هل من مكانٍ يستقبلني بكلّ حزني ؟! بكل الخوف والفجيعة العميقة الممتلئة بهما ؟!

توقفتُ في الفناء الخارجي، اتجهتُ للخلف .. أكثر الأماكن المهجورة، لن يكون هناك أحد ..
مكاني المناسب حيث لا أحد، جلستُ بتهالكٍ ثم بكيتُ، ليس كما يبكي البشر .. ليس بهدوء .. وليس بضجيج،
بكاءٌ شعرتُ معه أن حنجرتي ممزقة وأن ذاكرتي ممزقة وأيامي .. ، وأن أحدًا ما يعيث فيَّ بخنجر .. يجرّح وجهي وقلبي وظهري وعينيَّ،
وأنني أريد أن أموت لكن هذا غير مُجدٍ .. وأن كل الأشياء بلا قيمة .. بلا قيمة أبدًا .



يا الله يا سمراء
يا لهول الألم المتكدس في هذا المشهد
حروف يقطر منها الوجع .. أنت حقا ماهرة في تصوير الحياة بحروفك
دمت قلما راقيا مبدعا

رفعت زيتون
02-08-2011, 12:41 AM
.

نتمنى أن لا ينضب حرفك أختاه

كنت أقرأ وزاد اهتمامي هذه التعليقات من أدباء الواحة

وهذه الشهادات التي لا تعطى إلا لمستحق وعن جدارة

وهنا أتساءل هل هذه أولى محاولاتك الأدبية

وأظنّ أن الجواب "" لااااااا "

لأني أظنّ أننا أمام روائية كبيرة وربما أن لها إصدارات في السوق

فإن كان كذلك وأتمنى أن يكون وأن نضعه ذات يوم في أنشطة وإصدارات أعضاء الواحة

تابعي أختاه ونحن معك

.

سَـمــراء الوائلي
08-08-2011, 04:50 PM
د. مختار شكرا للمتابعة
أ. رفعت
هي ليست المحاولة الأولى لي
وحتى الآن لم أبدأ بالمحاولة الأولى
تعودت على أنصاف المحاولات
أشكر تشجيعكم

سَـمــراء الوائلي
08-08-2011, 04:53 PM
لم تمت، ..
ما زلتُ أحيا على هذا الأمل رغم أنه مضى على رحيلها ثلاثة أيام ..
شقيقتي الجميلة الوادعة تحت التراب الآن، وحيدة .. مختنقة خائفة، وأنا هنا مثلها .. وحيدة مختنقة خائفة وأريدها أن تعود،
ثلاثة أيام امتلأ البيت خلالها بالمعزّين، بالنحيب .. بالملابس السوداء والتصقتْ روائح عطرهنّ بالمنزل،
لو كنتُ مصابةً بالربو لمتّ .. ليتني أموت، ما قيمة أن تحيا وجزءٌ منكَ في بقعة بعيدة يقتات عليه الدود ؟
ما قيمة الحياة .. وهي بهذا الشكل ؟! على مدى الأيام الثلاثة لم أخرج من المجلس المنعزل عن بقية غرف البيت،
غرفتنا .. أعني .. غرفتي لم نعد نستطيع دخولها، كما هي منذ توقفتْ رئتيها عن التنفس،
والدتي لم تستوعب الصدمة بعد وأخي يطرق باب الغرفة ويناديها، والجميع يواسون والدتي ويلتفون حولها،
وأنا أراقب من بعيد .. وأنا .. أحتاج من يواسيني،
أحتاج من يفهم أن والدتي ستسلو مع زوجها وأخي سيكون له أخ آخر ..
ولن يقضم الحزن أطرافَ أحدٍ سواي، وإن كنتُ لا أبكي الآن .. وإن كان لا يعلو نحيبي، أنا حزينة ..
أيها العالم الأحمق، أنا وحيدة وأحتاج شيئًا غير الفراغ يضمّني .
أتتْ نادية أيضًا، بطفلٍ على كتفها وآخر لتوه يتعلم المشي، كيف استطاعتْ أن تكون أمًا بهذه السرعة ..
وكيف تحمّل جسدها النحيل امتلاءات الحمل وثقله لمرتيْن متتاليتيْن - على ما يبدو - ؟!
خففتِ الأسئلة الغبية وطأةَ الحزنِ وجعلتني أكثر لا مبالاة رغم تورّم عينيّ واختفاء صوتي تمامًا، وقفتُ كالبلهاء أمامها حين اقتحمتْ المجلسَ .. هل بدوتُ كالمجانين بشعري الذي التصق بعضه بجبهتي وتناثر بقيته بشكلٍ يوحي بعمق الفاجعة .. ونظراتي الشاردة التي لم تكن تنبيء عن شيءٍ ما، نظرتُ إليها فقط .. إلى الماضي فيها، إلى يديْها وأسنانها والحيّ ومازن .. بدتْ كائنًا أثريًا، التقطتني بيديها وضمتني وهي تنشج .. لم أبكِ، أنتهى الدمع ؟ لا أعلم .. لكنني عاجزة عن البُكاء تمامًا، كنتُ أقول لنفسي : نادية ما زالت تحمل ذات الرائحة، ربما لم يتغيّر عطرها .. أو عطر والدتها، انسحبتُ منها ببطء .. ومددتُ يديّ لطفلها فأتى نحوي مهرولًا ومبتسمًا قبل أن يسقط وتتحول ابتسامته لبكاءٍ طفوليّ مزعج، لم تعد لديّ رغبة في حمله، لكنه وقف والتفتْ يديه على ساقيّ وكأنه يريد مني رفعه، يشبه مازن .. صح ؟
هكذا خرج مني السؤال الغبيّ دون أن أعبأ بالزمان والمكانِ ومناسبة الزيارة، نسيتُ – ربما – أن شقيقتي ماتتْ وأنني حزينة ووحيدة حتى النخاع، ابتسمتْ ولمّا يجف دمعها بعد .. ثم قالت بهدوء :
- مازن حزين جدًا .. عارفة انه كان ناوي يخطب نجلاء بس سبحان الله ربّك ما ..
وظلتْ تتكلم وتتكلم وأنا كمن لا يمكنه أن يسمع، كلامها ضجيج .. ضجيج، وأنا لا أستطيع أن أقف .. هل قالت أشياء مهمة ؟
هل تنبّهتْ إلى أنني لم أعد معها ولا أعلم ماذا يحدث وأشعر بالدوار والغثيان ولا أريد أن أعيش لحظةً واحدةً أبدًا ؟ هل نفقد الأشياء بهذه القسوة .. وبشكل متتابع دون أن ننال فاصلًا من رحمةٍ ما ؟!
" بسّ "، أريد أن أقول : بس، اسكتي .. اخرجي، اذهبي أنتِ ومازن وأختي أيضًا للجحيم، تبًا .. تبًا لهذه الجراح التي تتراقص أمامي ..
ولم أقل شيئًا غير : رحمهما الله .
- مين ؟!!
- أقصد رحمها الله، مش مركزة ..
- شكلك ذبلانة وما أكلتِ أبدًا .. ! مفروض تكوني قوية عشان أمك، مسكينة منهارة ..
دفعتُ إليها طفلها :
- لأني ما نمت .. أحاول أنام الآن .. مع السلامة
طردتها ؟!
لا أعلم، لمَ تصرفتُ بهذا الشكل ؟! لمَ حزنتُ ؟ هل كنتُ أتوقع يومًا أنني ...
لا أعلم، مشاعر شيطانيٌّة تعتريني .. نقمة، سخرية، ألم، حيرة، خذلان .
أطلتْ والدتي بوجهها الشاحب .. كأنثى تحولتْ سريعًا للشيخوخة، انطفأتْ تمامًا، لم أحزن لأجل أن هذا حدث لها، لم أعد قادرة على الشعور بشيء على الإطلاق،
تعالي .. قالتها بنبرة حنونة منكسرة وسرتُ إليها ببطء .. ضمتني طويلًا وبكتْ، حين أغيب في حضنٍ ما .. أهتمّ بالرائحة، ورائحة والدتي كانتْ خليطًا من " دهن عود " وعرق، استمر بكاؤها طويلًا حتى كدتُ أمـَلّ ثم حدثتني عن الرضا بأقدار الله وبأنها ابتلاءات وينبغي الصبر وكلامٌ متقطّع يدور في نفس الفلك، وأخيرًا طلبتْ مني أن أستحم وأعود لغرفتنا.
خجلتُ، هل رائحتي سيئة أنا أيضًا ؟ متى كان استحمامي الأخير ؟ لا أعلم ..

أحمد عيسى
08-08-2011, 06:01 PM
د. مختار شكرا للمتابعة
أ. رفعت
هي ليست المحاولة الأولى لي
وحتى الآن لم أبدأ بالمحاولة الأولى
تعودت على أنصاف المحاولات
أشكر تشجيعكم

وحدي الله يا زميلتي ، كل هذا الابداع ولم تبدأي والمحاولة بعد
اذاً لا تبدأي والا قضيتي علينا كلنا هنا بضربة واحدة :)

استمري فان قلمك جملة من الابداع وقمة في الامتاع

عمار الزريقي
11-08-2011, 05:17 AM
قلم مذهل ومشروع روائية من الطراز الأول
مدهش حقا
أسجل إعجابي
وأأعود
تحياتي

سَـمــراء الوائلي
11-08-2011, 05:26 PM
كان عليّ مجابهة شعوريْن : الفقد، وشعور آخر لم أعرفه حينها، لكنه كان أشد نكاية بي من الأول ..
شعورٌ تتصاعد معه دقات قلبي، ترتجف أطرافي و .. كأن هوة عميقة تبتلع أشيائي وتبتلعني أنا أيضًا دون أن أرتطم بقاع وأستريح،
ارتبط هذا الشعور بمازن، لمَ أصبح يلحّ عليّ كثيرًا مؤخرًا ؟ أكثر من إلحاح شقيقتي التي لم تكن حاضرة في حياتي بشكلٍ كبير ؟
صرتُ حين أرى سريرها .. ملابسها، حقيبتها، أدواتها أمام المرآة ..عطرها الأزرق، أتخيل أنها تُزف إليه،
هل كنتُ سأشعر بغصّة أشد فتكًا بي من حزني على موتها ؟
هل كان الله رحيمًا بي حينما اقتلعها من الوجود وأراد لها أن تموت وأنا أحبّها وأحمل في قلبي شيئًا أثيرًا تجاهها ؟!
انتهى شهرٌ .. وكعادتنا ننسى، نعود للحياة ربما بحماسٍ أشدّ وبتشبثٍ بالغٍ .. وسارتِ الأمور وفق ما توقعتُ،
تزينتْ والدتي .. خضبتْ يديها بالحناء بعد إلحاح الجارات وكأن الحناء تعبيرٌ عن النسيان،
نتصرف وفق ما تملي علينا رغبات الآخرين .. حتى على مستوى قناعاتنا ومشاعرنا،
هكذا كانت والدتي تربّي فينا احترام ما يقوله المجتمع، نظراتهم .. أصواتهم الهامسة، الشماتة .. السخرية،
كان علينا أن نهتم بهذا كله، وكأننا نعيش وهم الشهرة .. ونعتقد أن الإضاءة موجهة صوبنا على الدوام، الآخرون أولًا ونحن في ذيل القائمة،
حين كنتُ أريد اختيار القسم الأدبيّ لأنني أمقت الحساب والكيمياء أوجعتني بكلامها ..
ماذا ستقول فلانة وكيف سأواجههم وقد توقعوا مسبقًا أنكِ ضمن المتفوقات، لم تُتح لي فرصة أن أخبرها كم أنا شغوفة بالأدبِ .. وكم سيقتلني القسم العلمي،
تحدثتْ مع الإدارة .. تمّ التحويل بهدوء، لأن صديقتها ستسخر من كوني طالبة أدبي ..
وأنا ؟ لستُ مهمة في هذه المعادلة .
وقفتُ أمام ملابس شقيقتي أتأملها، أسود .. أبيض، أسود .. أسود .. أبيض، ألوانها المفضّلة،
ليس ثمة لون آخر .. وكأنها تقول – بلغةٍ ما – الحياة لونين لا أكثر .. أسود وأبيض، و حين نلفّ في أكفاننا البيضاء لنعلن نهاية الرحلة الأولى .. يتوشح من يحبنا السوادَ، ثمة جاكيت بُني فقط وله جيوب سفلية، تبدو ممتلئة بشيءٍ ما .. هل أتطفل ؟
لطالما رغبتُ في اقتحام خصوصياتها أثناء حياتها وخشيتُ من ردة فعلها، لن تقول شيئًا .. كانت ستصمت، وترمقني بنظرةٍ فقط،
والآن .. لن تقول شيئًا أيضًا ولن ترمقني بنظرةٍ ما، فتحته .. أوراق صغيرة، مطوية بحرص .. ملونة، بعضها أصفر وقديم ..
رائحة عطرها تنبعث منها، وصورة قديمة .. مطوية كذلك وقد تآكلتْ أطرافها بفعل الزمنِ ربما،
بي شغف لقراءة هذا كله .. كما لو أني عثرتُ على كنز ..
سرتُ سريعًا نحو باب الغرفة : يا ماما أنا ألبس لا تخلي أحد يفتح الباب،
من قوانين المنزل أن تُرفع المفاتيح عن الأبواب لسببيْن أحدهما ألا يغلق أخي الباب على نفسه
والآخر ألا نحظى بقدر كبير من الخصوصية، الأبواب المغلقة تخفي خلفها الكثير ..
محقةٌ ماما هذه المرة، ها أنا أخفي الكثير خلف هذا الباب المغلق .

فتحتُ الصورة أولًا، عائلتي القديمة التي لم يتبق منها سواي وماما، والدي الذي شبع موتًا وشقيقتي التي لحقته،
في الحقيقة لم يبقَ من العائلة إلايَ .. لم تعد والدتي فردًا منها، هذه الفكرة تجعلني أكرهها، فتحتُ الأوراق سريعًا ..
رسائل صديقاتها، رسالة بخط يدها كُتبتْ لصديقة وأخرى تبدو رسالة لمجلةٍ ما، خاطرة بسيطة لا تتجاوز الصفحة، تبًا ليس ثمة شيء آخر ..
نظرتُ للدرج العلويّ .. هناك ربما أشياء أكثر أهمية، تسلقتُ – كقردٍ ربما – كي أصل للأعلى، حقيبة ممتلئة .. سحبتها وسقطتُ أرضًا .

- ايش فيييييك ؟؟؟

يبدو أن والدتي ستُصاب بمرضٍ ما .. الرهاب ربما من الفقد، تتخيل أن من تبقى لها سيموتون واحدًا تلو الآخر،
سقطتي البسيطة جعلتها تهرول وتفتح الباب وتتخيل أنني أحتضر، هل تلوّن وجهي ؟

- لا بس كنت أقرأ أوراق نجلاء
- أوراق ايش ؟

وقبل أن أجيب تأتي وتفتح الحقيبة وتخرج أكوام الدفاتر الصغيرة، هل ينزعج الموتى حين نطلع على أسرارهم وأشيائهم التي بالغوا في إخفائها عن أعيننا ؟
بمجرد الموت .. يتكشف كل شيء بدءًا بالجسدِ حين تُنتهك خصوصيته ويُنزع عنه لباسه، وانتهاء بالأوراق الصغيرة والمذكرات حين تفضّ الأعين طهرها .

تقرأ والدتي ببطء وأقرأ سريعًا، تبكي .. ولا أبكي، تقرأ لتستحضر صورها ومشاعرها وتفهمها – مؤخرًا - وأقرأ كمن يبحث عن شيء لا أكثر،
دفترٌ أسود .. خاص جدًا، بلونٍ أبيض كتبتْ عليه، فتحته بهدوء ..

بلونٍ أسود وعلى أول صفحة :

( هذه مذكراتي الشخصية .. لن أسامح من يقرأها دون إذني )

لكنكِ غير موجودة لأستأذنكِ، أأكمل ؟ لم يكنْ ضميري حيًا وقتها بقدر ما كان فضولي شديدًا، كأن عينيّ لم تعبرا على تلك الجملة ..
وواصلتُ القراءة .


:

( طريقي شوك وآلام .. عبرات لا تتوقف .. طريق كله حسرات .. يطوقه الصمت وتلفه الوحشة .. تحيط به أشباح من الوهم واليأس .. تعترضني في كل خطوة .. والسكون يخيفني .. يزيدني رهبة من المكان .. ترى كيف ستكون النهاية ؟ )

أقلب الصفحة :

( لا أذكر خطوتي الأولى .. أذكر فقط سقوطي المدوي
لا أذكر ابتسامتي الأولى .. أذكر فقط نحيبي المتعالي
لا أذكر اللقاء الأجمل .. أذكر يوم الرحيل
متى تسعفني الذاكرة بأشياء جميلة ؟! )



( لك سأحكي .. ووحدك ستقرأ مذكراتي ..
باغتنا الرحيل ولم نرتوي من نمير اللقاء ..
امدد يدك المضيئة .. وخذني سريعًا .. قبل أن أغيب للأبد .. )


وسارتْ مذكراتها على ذات الشاكلة، حديث غامض لا يكاد يُفهم منه شيء، ما الذي يجعلها حزينة ؟ مفرطة في التشاؤم ؟!
كانت تفصل بين الجملة والجملة بنقطتيْن، تشطبُ شيئًا وتكتب شيئًا آخر يشبهه، لا تكتب نقاط التاء المربوطة،
ويميل خطها للانبساط والحجم الكبير،
من تحدثين يا نجلاء ؟

سَـمــراء الوائلي
11-08-2011, 05:27 PM
أستاذ أحمد
أستاذ عمار
شكرا لكما .. وللجميع تقديري

كاملة بدارنه
11-08-2011, 06:10 PM
تغلّف الرّوعة أسلوبك في السّرد يا سمراء لغة وحبكة
دمت مبدعة
تقديري وتحيّتي

( همسة: أحببت أن ألفت نظرك للانتباه لقواعد المثّتى، فقد وردت أخطاء لغويّة في الكلمات التي وردت بصيغة المثنّى، في الصّفجات السّابقة أيضا ... أرجو المراجعة حتّى يكون العمل بروعته مكتملا ... الحياة لونان)

كاملة بدارنه
21-08-2011, 11:49 PM
ما بال السّمراء تطيل الغياب؟

نحن مشتاقون أن تكملي...

أرجو أن تكوني بخير عزيزتي

تحيّتي

صفاء الزرقان
28-09-2011, 02:15 AM
سمراء أتحفتنا بأُسلوبكِ الرائع الذي يستحوذ على القارئ
كنتُ مُتابعة بصمت لألق كلماتك
كلما وددت أن اقتبس شيئاً من كلماتك أبهرني شئٌ آخر فلم أعد قادرة على تحديد ما أُريد اقتباسه
وددت لو اقتبست جميع عباراتك .
غيابكِ زاد من شوقنا نحن بانتظار هطول حرفك عله يروي ظمأنا
أتمنى أن تكوني بخير وأن تكون عودتكِ قريبة ان شاء الله
أسأل الله أن يدوم حبر قلمك و أن لايجف أبداً
تحيتي و تقديري