تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة الطابورية



عبد الرحيم صادقي
26-07-2011, 02:00 AM
حدثنا حاتم ذو الهمة قال: أحلَّني أرضَ الحَيْرَةِ سَفرٌ قاصِد، فألفيْتُ أهلَها على ضلالةٍ ورأيٍ فاسِد. أينما حَلَلْتَ تَفجَعُكَ طوابيرُ آدمِية، ترشَحُ عَرَقا كأَنْ بلَّهَا قَطْرُ أرْمِيَة، زادَها الحَرُّ نَتْناً كنَتْنِ الجِيَف، ما رأى راءٍ ولا عَرَف! حتى تخال الناسَ أقنانا بِلا أسَل، يمشون الهُوَيْنا ويُساقون على مَهَل، إلى حيث السُّخرَةُ بلا كَلَل. وحيثما وَلَّيتَ وجهَك فثَمَّ تدافعٌ وزِحام، وحشدٌ من الناس بلا نظام. الناسُ مُصْطفُّون قبالة شبابيكَ من حديد، بمكتبٍ ليس فيه غيرُ مُوَظفٍ وحيد. صفوفٌ لفاتورة الكهرباء، وصفوف لفاتورة الماء. وأخرى لضَرائِبَ شَتَّى وكلامِ الهاتف، والناسُ بين مُستنِدٍ لِحائطٍ وواقف. ثم قال: وإذا أردتَ استلامَ الراتِب، فصبراً وَلا تُعاتِب! دونكَ بنكٌ أو بريد، على ثَرَى البلدِ السعيد، ثم اعْلَمْ أيها المواطنُ المحبوب، أنَّ الطابورَ عليكَ هو المَكتوب!
ويا رُبَّ صفوفٍ مُضجِرة، قُدَّامَ مَكاتبَ مُقفِرَة، نظَمَت مُسِنِّين إلى حوامل، وعواجزَ إلى أرامل، ورُبَّ انتظارٍ كأنه الطُّلاطِل، ماطِلٍ مُمِلٍّ بلا طائل. فقال ريتشارد: إن كانت طوابيرُ الانتظار، ما طال الليلُ والنهار، قدَرَكُم المقدور، فهلاَّ بَشٌّ وحُبور؟ قال ذو الهمة: أسمعتَ لو ناديْتَ حَيّا، وأشفيْتَ لو داوَيْتَ عِيّا. قال ريتشارد: ليس أكثرَ مِن كَراسِي للجَميع، لا وَثيرةٍ ولا من الطِّرازِ الرَّفيع. ليس المُنَى أرائِك وحُجُب مُطرَّزة، يكفي الناسَ عباراتٌ مُحَفِّزة. ظِل ظليلٌ وشربةُ ماء، لمَرْضى السُّكَّريِّ ومَن أصابَهُ العَيَاء.
قال ذو الهمة: ثم ماذا لو أرسَلوا الجُباةَ إلى البيوت، ماذا لو حصَّلوا غنائِمَهم في سُكوت؟ ماذا لو قلَّلوا من الوثائق، ماذا لو فعلوا المطلوب في دقائق؟ صَدِّقوني ليس الأمرُ معجزة، وجهٌ طليق ومواعيدُ منجَزَة. ماذا لو تَبسَّمَ عميدُ الشرطة، أكان التبسُّمُ سُبَّةً أم غلطة؟ ومتى اللينُ بذي اللينِ أزرى، وحَقُّه التعظيمُ وكان به أحْرَى؟ متى البشاشةُ كانت مَعرَّة، ومتى التوَدُّدُ صارَ مَضرَّة؟ متى أنقصَ الإحسانُ مِن جاه، والجاهُ كلُّه والمُلك لله؟ أم تُرى المتجهِّمَ لم يبلغه قول القائل:
أتُراكَ تَغنمُ بالتبرُّمِ دِرهَما ؞؞؞ أم أنت تَخسَرُ بالبشاشةِ مَغنَما؟
قال ذو الهمة: و أغربُ مِمَّا في الخيال، ومما حكَتْهُ الجدَّاتُ للعِيال، أنَّ الوقوفَ لساعاتٍ طِوَال، يزيدُ حماسَ الرِّجال. وحين يؤدي المواطنُ ما عليه، ويُسْلِم مالَه بيَدَيْه، ويَرجعُ خاوِيَ الوفاض، كئيبا يشكو الأمراض، تنهالُ عليه التهاني العِظام، أنْ أدَّى الواجبَ وبَلَغ المَرام.
ثم قال ذو الهمة: هذا والمُعَطَّلون في المنازِل، وهَمُّهُم من أعظمِ النوازِل. لا يخلو منهم بيتٌ ولا دار، وربما اجتمَعُوا عند جِدار. فماذا لو عَمَروا المَكاتِب، ولهم أجورٌ ورواتِب، فاشتغلوا بكَدٍّ ولا مَأرَبَة، فلا رِشًى ولا قَرابَة. قال أبو فراس: أوَيُدرِكُ القومُ عيْشَ المَرْحَمَة؟ أم تُرى الهوان لِلئيمِ مَرْأَمَة؟
فأنشأ ذو الهمة يقول:
قِفا نبكِ مِن طُولِ انتِظارٍ بمَكتَبِ ؞؞؞ بأرضِ الخَنَا بين البُكورِ ومَغْرِبِ
وقدْ أرْتجِي بُلوغَ أَرْبِي بسَاحِها ؞؞؞ فأَنْكُصُ والناسُ وَرائِي ومَأْرَبِي

:0014:

محمد البياسي
26-07-2011, 07:20 AM
تحية لهذا الأدب العريق يا صاحب المقامات الفخمة

كتاب " مقامات الصادقي " : سأكون أوّلَ واقفٍ في "طابور" الراغبين في اقتنائه


محبتي أيها الرائع دائماً.

كاملة بدارنه
26-07-2011, 10:21 AM
يطيب لي المقام أستاذ عبد الرّحيم في بساتين مقاماتك الهادفة
بوركت
تقديري وتجيّتي

عبد الرحيم صادقي
26-07-2011, 08:39 PM
أخي محمد البياسي مرحبا بك وحياك الله
إذا قدر لهذا الكتاب أن يظهر فلن أدعك تقف في الطابور لاقتنائه، وإنما سأهديكَهُ عربون محبة وعرفان.
أنت أروع بوجودك دائما
كل المحبة والتقدير

عبد الرحيم صادقي
26-07-2011, 08:44 PM
يطيب لي المقام أستاذ عبد الرّحيم في بساتين مقاماتك الهادفة
بوركت
تقديري وتجيّتي


الأخت كاملة، وأنا أقدر وجودك الدائم في تلكم البساتين
بارك الله فيك وأحسن إليك
تحياتي وسلامي

محمد البياسي
26-07-2011, 08:49 PM
أخي محمد البياسي مرحبا بك وحياك الله
إذا قدر لهذا الكتاب أن يظهر فلن أدعك تقف في الطابور لاقتنائه، وإنما سأهديكَهُ عربون محبة وعرفان.
أنت أروع بوجودك دائما
كل المحبة والتقدير



مثل هذا الكتاب , يستحق أن أقف من أجل الحصول عليه في طابور طولُه طول نهرِ النيل



محبتي واحترامي

بابيه أمال
27-07-2011, 12:24 AM
الغلو والتقصير.. سمتان لم يخلو منهما التعامل العادي ولا الرسمي في كل من الحقوق والواجبات التي دعت إليها الفطرة السليمة وقررتها الشريعة، بالتالي نتجت الفوضى عنوان ضمائر كثيرة تسهو عن الحق وتصحو فيما دون ذلك..

الأخ عبد الرحيم
لك الشكر جزيله والدعاء أحسنه عن مقاماتك الرفيعة في الأسلوب والبليغة في المعنى.. والهادفة في الأداء.

عبد الرحيم صادقي
27-07-2011, 08:31 PM
ولك الشكر الجزيل يا أخت أمال على اهتمامك.
رغم أن ما ذكر في المقامة مطالب فطرية بسيطة، كان من الممكن أن تكون دون ضجيج وجلبة، إلا أن حال البلاد والعباد جعلت منها قضية. اللهم بدل حالنا إلى خير!
تحياتي واحترامي

عبد الرحيم صادقي
27-07-2011, 08:44 PM
طابور طوله طول نهر النيل يا أخ محمد! أحسن الله إليك. لست أحسبُ حالَ الكتاب والقراءة عندنا يخفى عليك. فأنى لهذا الطابور أن يكون؟
كان الله في عون الكاتب. لكن طوابير الخبز موجودة يا أخ محمد!!
سلامي إليك والمودة

سَـمــراء الوائلي
27-07-2011, 09:17 PM
جميل أنني وجدت مكانا في بداية الطابور للاطلاع على هذه الرائعة
أبدعت أستاذنا
احترامي

ربيحة الرفاعي
28-07-2011, 01:37 AM
لن يزيد الإطراء من قدر مقاماتك الرائعة
ولست بمن يحتاج لشهادة في ألق حرفة وتمكنه من لغته وسعة ثقافته

وكما قالت الكاملة

في مقاماتك الرائعة يطيب لنا لامقام

أبدعت أيها الكريم

دمت بألق

فاطمه عبد القادر
29-07-2011, 12:26 AM
المقامة الطابورية
حالة مريعة تصف الأوضاع المتفاقمة عندنا
وعندما ينهار شيء ترى كل شيء ينهار
الوقوف بالطابور وانتظار الدور ظاهرة حضارية ,يتوقف فيها الصراع على الأولوية ,ولكن ألا نضطر للقوف ساعات طويلة تحت الشمس أو بالبرد ونضيع أوقاتنا هدرا
لكن يا أخي لا أحد يفكر بتطوير أي شيء ,,وعدم توزيع الأموال بالعدل وفي الأماكن اللازمة يضيّع كل مجهود
ارتضينا أن نكون العالم الثالث ,,,وكفى
أشكرك أخي كانت مقامة جميلة وهادفة
ماسة

عبد الرحيم صادقي
29-07-2011, 10:25 PM
جميل أنني وجدت مكانا في بداية الطابور للاطلاع على هذه الرائعة
أبدعت أستاذنا
احترامي


وجميل أن تروقك المقامة الأخت سمراء
تحياتي ودام لك الإبداع

عبد الرحيم صادقي
29-07-2011, 10:37 PM
لن يزيد الإطراء من قدر مقاماتك الرائعة
ولست بمن يحتاج لشهادة في ألق حرفة وتمكنه من لغته وسعة ثقافته

وكما قالت الكاملة

في مقاماتك الرائعة يطيب لنا لامقام

أبدعت أيها الكريم

دمت بألق


ودام لك الإبداع والألق أيتها الربيحة
شكرا على الحضور الدائم وحسن الاستقبال
أقدر رأيك ودماثة خلقك
تحياتي

عبد الرحيم صادقي
29-07-2011, 10:43 PM
لكن يا أخي لا أحد يفكر بتطوير أي شيء ,,وعدم توزيع الأموال بالعدل وفي الأماكن اللازمة يضيّع كل مجهود
ارتضينا أن نكون العالم الثالث ,,,وكفى
أشكرك أخي كانت مقامة جميلة وهادفة
ماسة

نعم أختي فاطمة، إنه التهرب من المسؤولية، وخيانة الأمانة
والنظر إلى البلد كما ينظر إلى بقرة حلوب
وحسبنا الله وكفى
لك الشكر كله

زهراء المقدسية
29-07-2011, 11:12 PM
هون عليك يا أستاذ عبد الرحمن
لن نكون عربا بدون طوابير
وكلما زاد طولها زادت عروبتنا

ولا حول ولا قوة إلا بالله

مقاماتك كما عودتنا رفيعة وبديعة
تقديري الكبير

نداء غريب صبري
31-07-2011, 12:19 AM
وأنا مع استاذي الكبير محمد البياسي
في انتظار صدور كتاب مقامات الصادقي

بوركت

عبد الرحيم صادقي
31-07-2011, 02:32 PM
هون عليك يا أستاذ عبد الرحمن
لن نكون عربا بدون طوابير
وكلما زاد طولها زادت عروبتنا

ولا حول ولا قوة إلا بالله

مقاماتك كما عودتنا رفيعة وبديعة
تقديري الكبير



وكلما زاد طولها زادت عروبتنا.
كأن الأمر كذلك يا أخت زهراء. نسأل الله العافية.
شكرا لحضورك الرفيع البديع أيضا.
تحياتي

عبد الرحيم صادقي
31-07-2011, 02:41 PM
وأنا مع استاذي الكبير محمد البياسي
في انتظار صدور كتاب مقامات الصادقي

بوركت


وفيك بارك الله يا نداء.
نسأل الله أن ييسر كل عسير.
تحياتي لك والشكر على الإطلالة.