نهاد صلاح معاطي
31-07-2004, 10:48 AM
حياة حجر.
أخذت استمع إلى المذياع حين كنت مسافرا .لم أكن أدري إلى أين سأذهب .و لم أشغل لبي بالتفكير في مكان إقامتي ..فما كان يهمني هو التحضير للرحلة .أجل التحضير للرحلة وحسب و ما سآخذه معي .فلم أكن أسافر إلا لهذا الغرض و حسب...
صعدت الحافلة و اتخذت لي مكانا بين عشرات الكراسي التي اندست في أرض العربة منذ زمن طال أو قصر بعده عني ..
أخذت استمع إلى أغنية تلو الأخرى ..و إلى برامج سخيفة أو لم أكن آنذاك أدرك أنها سخيفة ...رويدا.. رويدا بدأت الأصوات تتغير و يتضخم صوتها ...فأخرجتني تلك الأصوات البشعة من ذاك الانسجام الوهمي الذي نسجته تفاهتي ..أدركت أن حجر البطارية الذي وضعته قد نفد أو قارب على النفاد...
يا إلهي لا أملك واحدا آخر و لا زلنا في بداية الطريق ماذا أفعل حتى تنتهي الرحلة لا أشعر بأي رغبة في النوم ..ماذا أفعل ؟..يا إلهي أشعر بالوحدة ...أخرجت حجر البطارية من مكانه و نظرت إليه بتمعن..اقلبه بين أناملي اقلبه رأسا على عقب تارة ثم اضغط عليه بكل قوتي ..حتى صرخت فيه بقوة فقد سيطر علي الغضب الكامل:
- ها ..أنت أيها الحجر الأحمق لقد نفدت بالرغم من أني لم ابتاعك إلا منذ دقائق ..أجل منذ لحظات
فؤجئت به يرد على بصوت واهن هادئ طبع الضعف بصماته على كل رنة فيه و بالرغم من ذلك فقد برزت رنة اللوم بين طياته :
- ألا تستطيع أن ترحمني قليلا ؟؟ لقد سمعت جميع أغاني الدنيا ألا تستطيع أن تشعر بذلك ؟؟
- من يتحدث ؟؟من ؟ من؟
أجابني نفس الصوت ولكن أكثر وهنا :
- أنا ألا تستطيع أن تخمن.فكر.....
- من؟......
أخذت أنظر من حولي و أتلفت متجاهلا العيون الفضولية التي تنظر إلى بدهشة ظنا منهم أنني قد مسني الجنون بعد أن رأوني أحدث نفسي.
ثم عاد الصوت الوهن يتحدث من جديد :
- حسنا .أنا حجر البطارية الذي يكاد يختنق و يدهس بين أصابع يدك....
- ماذا ؟....هل تهزأ بي يا هذا ؟؟؟
أجابني بوهن أكثر و أكثر و ضعفا و خفوتا أعظم حتى كدت لا اسمعه و مع ذلك شعرت بالصدق الشديد يسري في كل نبرة من نبراته:
- ألا تصدقني ؟أنا حجر البطارية صدقني ...
- و تتكلم؟!
- أجل .و ما المانع؟!
أجبت ضاحكا ساخرا:
_حسنا .حسنا لا مانع
تم استطردت في جد و غضب سيطرا علي فجأة:
- إذن ما دمت تتحدث فأخبرني لما أنهيت البطارية ؟ فيما استخدمتها ؟...
زاد ضعفه و لكنه أجاب بثقة واضحة :
_ حياتي.عمري.
_ حياتك ؟! عمرك؟؟!!
_ أجل .لقد قاربت حياتي على الفناء .قوتي خارت و انتهت مدة صلاحيتي..
_ لكن لما؟
_ اعتقد أنك يا بني الإنسان تفهم ذلك جيدا..
أغمضت عيني و قد ارتمست على شفتي ابتسامة واثقة :
- أجل .. أجل ..صحيح..ربما.
- و الآن اسمح لي أن أسليك بدلا من تلك الأجهزة التي لن أستطيع تشغيلها ثانية بعدما وخطني الشيب.
سررت لهذا الطلب كثيرا فانا وحيد في هذه الدنيا و لست جذابا أو وسيما لذا فلم يكن لي الكثير من الأصدقاء ، لذا فقد رحبت بفكرته بكل سرور متناسيا الغضب الذي كان قد استحوزني ..
جلسنا نتجاذب أطراف الحديث .قال لي العديد من النكات الطريفة التي أضحكتني دون أن أعبأ بالركاب الذين حملقوا في وجهي في تعجب و دهشة شديدتين و لكني لم أكن لهم اهتماما كان كل همي أن احتضن صديقي الصغير الجديد بأصابعي العملاقة ..و لكن فجأة ..فجأة لم يعد يستطيع المتابعة و ارتمى على كفي.
صرخت بقوة :
- لا ..ما بك ؟ إن كنت لا تستطيع التحدث فكف عن الكلام حالا ريثما نصل إلى طبيب...
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مرة و قال:
- طبيب؟! أضحكتني ..أي طبيب هذا؟! اهو طبيب بطاريات؟!!يا لها من فكاهة رائعة.
شعرت آنذاك انه يضيع من بين يدي زدت من الضغط عليه خوفا من أن يضيع ..قلت له في توسل:
- أرجوك اصمت قليلا أنا احتاجك إلى جانبي. أنت صديقي الوحيد
أوه ..هاهي شحنته تنفد و بدأ جسده يميل إلى لون الموت الشاحب ..لون العجينة البيضاء بدأ يصعد إلى جسده و فجأة صرخ :
- أوه .لا .لا يمكن إنني لا أستطيع الاستمرار
- إذن تحتاج إلى شحن حاول أن تتماسك حتى نصل إلى أي مكان حيث أتمكن من شحنك و نعود من جديد لنتحدث و ..................
قاطعني قائلا:
- فات الأوان ........
- لا ...لا لم يفت .كل شيء يمكن معالجته ......
- لا إلا أنا .
- ما معنى ذلك ؟ إن المريض يكون على وشك الموت و لكنه بالأمل يتمكن من الحياة مرة أخرى من جديد .......ما معنى ذلك؟
- معناه انه وقت الفراق ...قد ..قد حان.ثم...
قاطعته بسرعة :
- أنت لا تزال بخير..
- لا تنسى أنني مجرد حجر
- و لكنك تعني لي الكثير.
قلتها برقة شديدة بينما ضممته إلى أصابعي:
- ستجد الملايين غيري في هذا العالم لا تبالي بي فانا حجر عجوز غطى شعره البياض و أصبح كلامه و قوته مشوشين .و صار لا يقوى على عمل شيء.
- و لكنك صديقي.
- أوه أنت إنسان.. فعلا إنسان بكل معنى الكلمة .إنسان رائع
- حسنا..دعك من كل هذا و استرح الآن
- اسمع.. كل منا له حياته و أنا عشت عمري كاملا دون زيادة أو نقصان.
.
أجهشت البكاء و الصراخ معا رافضا ما يحدث :
- لا ..لا يمكن.
- كنت صديقا رائعا إنني الآن أموت و لكن لا تبكي ..لا تكن كالأطفال
قلت و قد امتلأت عينتي بالدموع :
- و لكني لم استهلكك بشكل إنساني.
- لم تستهلكني غير الاستخدام الصحيح و الآن .......وداعا
- لا......
- لقد .....ل.ق.د.....نفد ........الشحن ..لقد انتهت حياتي.
- لا تتركني وحيدا.....
لم يرد الحجر
- إنني احتاجك.
لم يرد أيضا
اتسعت حدقتاي عن آخرهما فقد وجدت الحجر قد رقد على كتفي بعد أن بدا السائل الابيض يسيل مثل دموعي التي انهمرت من عيني فاختلطا معا و كونا خليطا كيميائيا واحدا اخذ يشق طريقه بين قسمات يدي....حينئذ كانت الحافلة قد أنهت رحلتها و لا يزال النهر الكيميائي يجري بين تلك الخطوط المرسومة على كفي ..ذلك النهر المتكون من دموع إنسان و دماء حجر بطارية ثم فجأة اندفعت مهرولا تجاه اقرب محل و سائلا صاحبه :
- الديك بطارية؟
هز الرجل رأسه نافيا في أسى قائلا:
- آسف يا سيدي فقد نفدت جميع البطاريات الم تسمع الأخبار لقد صنعوا جهازا آخر عوضا عنه أسهل كثيرا في الاستعمال ..
خرجت من المحل دون حتى أن انتظر حتى ينهي البائع كلامه..أخذت أفكر في الوراء ..في الماضي .حين كنت ظالما مستهترا ..إنني قاتل.. اجل أنا قاتل فباستغلالي السيئ أنهيت .. حياة ...أنهيت حياة حجر ..
قصة / نهاد صلاح معاطي
أخذت استمع إلى المذياع حين كنت مسافرا .لم أكن أدري إلى أين سأذهب .و لم أشغل لبي بالتفكير في مكان إقامتي ..فما كان يهمني هو التحضير للرحلة .أجل التحضير للرحلة وحسب و ما سآخذه معي .فلم أكن أسافر إلا لهذا الغرض و حسب...
صعدت الحافلة و اتخذت لي مكانا بين عشرات الكراسي التي اندست في أرض العربة منذ زمن طال أو قصر بعده عني ..
أخذت استمع إلى أغنية تلو الأخرى ..و إلى برامج سخيفة أو لم أكن آنذاك أدرك أنها سخيفة ...رويدا.. رويدا بدأت الأصوات تتغير و يتضخم صوتها ...فأخرجتني تلك الأصوات البشعة من ذاك الانسجام الوهمي الذي نسجته تفاهتي ..أدركت أن حجر البطارية الذي وضعته قد نفد أو قارب على النفاد...
يا إلهي لا أملك واحدا آخر و لا زلنا في بداية الطريق ماذا أفعل حتى تنتهي الرحلة لا أشعر بأي رغبة في النوم ..ماذا أفعل ؟..يا إلهي أشعر بالوحدة ...أخرجت حجر البطارية من مكانه و نظرت إليه بتمعن..اقلبه بين أناملي اقلبه رأسا على عقب تارة ثم اضغط عليه بكل قوتي ..حتى صرخت فيه بقوة فقد سيطر علي الغضب الكامل:
- ها ..أنت أيها الحجر الأحمق لقد نفدت بالرغم من أني لم ابتاعك إلا منذ دقائق ..أجل منذ لحظات
فؤجئت به يرد على بصوت واهن هادئ طبع الضعف بصماته على كل رنة فيه و بالرغم من ذلك فقد برزت رنة اللوم بين طياته :
- ألا تستطيع أن ترحمني قليلا ؟؟ لقد سمعت جميع أغاني الدنيا ألا تستطيع أن تشعر بذلك ؟؟
- من يتحدث ؟؟من ؟ من؟
أجابني نفس الصوت ولكن أكثر وهنا :
- أنا ألا تستطيع أن تخمن.فكر.....
- من؟......
أخذت أنظر من حولي و أتلفت متجاهلا العيون الفضولية التي تنظر إلى بدهشة ظنا منهم أنني قد مسني الجنون بعد أن رأوني أحدث نفسي.
ثم عاد الصوت الوهن يتحدث من جديد :
- حسنا .أنا حجر البطارية الذي يكاد يختنق و يدهس بين أصابع يدك....
- ماذا ؟....هل تهزأ بي يا هذا ؟؟؟
أجابني بوهن أكثر و أكثر و ضعفا و خفوتا أعظم حتى كدت لا اسمعه و مع ذلك شعرت بالصدق الشديد يسري في كل نبرة من نبراته:
- ألا تصدقني ؟أنا حجر البطارية صدقني ...
- و تتكلم؟!
- أجل .و ما المانع؟!
أجبت ضاحكا ساخرا:
_حسنا .حسنا لا مانع
تم استطردت في جد و غضب سيطرا علي فجأة:
- إذن ما دمت تتحدث فأخبرني لما أنهيت البطارية ؟ فيما استخدمتها ؟...
زاد ضعفه و لكنه أجاب بثقة واضحة :
_ حياتي.عمري.
_ حياتك ؟! عمرك؟؟!!
_ أجل .لقد قاربت حياتي على الفناء .قوتي خارت و انتهت مدة صلاحيتي..
_ لكن لما؟
_ اعتقد أنك يا بني الإنسان تفهم ذلك جيدا..
أغمضت عيني و قد ارتمست على شفتي ابتسامة واثقة :
- أجل .. أجل ..صحيح..ربما.
- و الآن اسمح لي أن أسليك بدلا من تلك الأجهزة التي لن أستطيع تشغيلها ثانية بعدما وخطني الشيب.
سررت لهذا الطلب كثيرا فانا وحيد في هذه الدنيا و لست جذابا أو وسيما لذا فلم يكن لي الكثير من الأصدقاء ، لذا فقد رحبت بفكرته بكل سرور متناسيا الغضب الذي كان قد استحوزني ..
جلسنا نتجاذب أطراف الحديث .قال لي العديد من النكات الطريفة التي أضحكتني دون أن أعبأ بالركاب الذين حملقوا في وجهي في تعجب و دهشة شديدتين و لكني لم أكن لهم اهتماما كان كل همي أن احتضن صديقي الصغير الجديد بأصابعي العملاقة ..و لكن فجأة ..فجأة لم يعد يستطيع المتابعة و ارتمى على كفي.
صرخت بقوة :
- لا ..ما بك ؟ إن كنت لا تستطيع التحدث فكف عن الكلام حالا ريثما نصل إلى طبيب...
ارتسمت على شفتيه ابتسامة مرة و قال:
- طبيب؟! أضحكتني ..أي طبيب هذا؟! اهو طبيب بطاريات؟!!يا لها من فكاهة رائعة.
شعرت آنذاك انه يضيع من بين يدي زدت من الضغط عليه خوفا من أن يضيع ..قلت له في توسل:
- أرجوك اصمت قليلا أنا احتاجك إلى جانبي. أنت صديقي الوحيد
أوه ..هاهي شحنته تنفد و بدأ جسده يميل إلى لون الموت الشاحب ..لون العجينة البيضاء بدأ يصعد إلى جسده و فجأة صرخ :
- أوه .لا .لا يمكن إنني لا أستطيع الاستمرار
- إذن تحتاج إلى شحن حاول أن تتماسك حتى نصل إلى أي مكان حيث أتمكن من شحنك و نعود من جديد لنتحدث و ..................
قاطعني قائلا:
- فات الأوان ........
- لا ...لا لم يفت .كل شيء يمكن معالجته ......
- لا إلا أنا .
- ما معنى ذلك ؟ إن المريض يكون على وشك الموت و لكنه بالأمل يتمكن من الحياة مرة أخرى من جديد .......ما معنى ذلك؟
- معناه انه وقت الفراق ...قد ..قد حان.ثم...
قاطعته بسرعة :
- أنت لا تزال بخير..
- لا تنسى أنني مجرد حجر
- و لكنك تعني لي الكثير.
قلتها برقة شديدة بينما ضممته إلى أصابعي:
- ستجد الملايين غيري في هذا العالم لا تبالي بي فانا حجر عجوز غطى شعره البياض و أصبح كلامه و قوته مشوشين .و صار لا يقوى على عمل شيء.
- و لكنك صديقي.
- أوه أنت إنسان.. فعلا إنسان بكل معنى الكلمة .إنسان رائع
- حسنا..دعك من كل هذا و استرح الآن
- اسمع.. كل منا له حياته و أنا عشت عمري كاملا دون زيادة أو نقصان.
.
أجهشت البكاء و الصراخ معا رافضا ما يحدث :
- لا ..لا يمكن.
- كنت صديقا رائعا إنني الآن أموت و لكن لا تبكي ..لا تكن كالأطفال
قلت و قد امتلأت عينتي بالدموع :
- و لكني لم استهلكك بشكل إنساني.
- لم تستهلكني غير الاستخدام الصحيح و الآن .......وداعا
- لا......
- لقد .....ل.ق.د.....نفد ........الشحن ..لقد انتهت حياتي.
- لا تتركني وحيدا.....
لم يرد الحجر
- إنني احتاجك.
لم يرد أيضا
اتسعت حدقتاي عن آخرهما فقد وجدت الحجر قد رقد على كتفي بعد أن بدا السائل الابيض يسيل مثل دموعي التي انهمرت من عيني فاختلطا معا و كونا خليطا كيميائيا واحدا اخذ يشق طريقه بين قسمات يدي....حينئذ كانت الحافلة قد أنهت رحلتها و لا يزال النهر الكيميائي يجري بين تلك الخطوط المرسومة على كفي ..ذلك النهر المتكون من دموع إنسان و دماء حجر بطارية ثم فجأة اندفعت مهرولا تجاه اقرب محل و سائلا صاحبه :
- الديك بطارية؟
هز الرجل رأسه نافيا في أسى قائلا:
- آسف يا سيدي فقد نفدت جميع البطاريات الم تسمع الأخبار لقد صنعوا جهازا آخر عوضا عنه أسهل كثيرا في الاستعمال ..
خرجت من المحل دون حتى أن انتظر حتى ينهي البائع كلامه..أخذت أفكر في الوراء ..في الماضي .حين كنت ظالما مستهترا ..إنني قاتل.. اجل أنا قاتل فباستغلالي السيئ أنهيت .. حياة ...أنهيت حياة حجر ..
قصة / نهاد صلاح معاطي