المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين السحاب



أحمد عيسى
06-08-2011, 01:28 AM
حملتها رغم سني عمرها الستة ، إلى غصن شجرة عالٍ عليها ، فاختطفت حبة التين وابتلعت نصفها، أنزلتها فابتسمت ، لتظهر أسنانها والفراغ بينها ، مضحكٌ كما عودتنا عندما يمتزج مع لثغة حروفها ، قالت لي : تركت لك نصفها
مسحت على شعرها الأسود الجميل في حنان ، ترهقني أكثر حين تبتسم ، حين تحنو عليك وأنت الأكبر منها سناً ، أنت الأقدر منها على ذلك ، فتشعرني بالضياع ، أتيه فيها ولا أملك إلا أن أترك دمعتي اليتيمة تسقط في صمت ، أحاذر ألا تراها ..
- احملني على كتفيك
- إلى أين تريدين أن تصلي
أشارت بإصبعها الصغير إلى السماء : إلى تلك السحابة أو أبعد
أحتضنها بكل الحب ، حتى ظنت أني أعتصرها ، هربت منها إلى منزلي الحزين ، إلى مرآتي التي تشهد دموعي كل ليلة ، بكيت ، تركت لدموعي العنان ،"نسمة" زهرتي الحبيبة ، نسجت من شوقي أغنية حروفها صامتة ، دندنت لنفسي بلحن حزين ، أحاذر ألا يسمعه غيري ، حتى وجدتها – فجأة – صارت خلفي
تقول : هل سأموت يا أبي ؟
أنظر بعين ملتاعة ، كانت تعرف ، كنت متيقن من هذا ، لا شك شعرت بدموعي كل ليلة ، منذ خرجت بها من غرفة الطبيب ، منذ اكتشفت مرضها الخبيث ، منذ فقدت بعضاً من روحي ، ما أصعب تلك اللحظة على نفسي !
قلت لها : ستعيشين ، من أخبرك بغير هذا ؟
لم تكن تصدق ، لا شك تعرف كل شيء ، تبتسم في مرح :
- هل تعلم شيئاً ؟ أنا لست حزينة ، عزائي أنني سأمسك السحاب بيدي ..
نظرت لها حزيناً ، فاتسعت عيناها : ماذا .؟ ألن ألمس السحاب إذا مِتُّ ؟
أخذتها بين يدي ، كأني أخشى من فقدانها فجأة ، تركتها تنام الليلة في سريري ، وكل ليلة صرت أسهر حتى الفجر معها ، فوق سطح المنزل ، نتأمل السحاب سوياً ، كم هو مرير أن تقضي وقتاً تشعر أنه سينتهي فجأة ، أن تمضي في طريق تعرف أن نهايته مظلمة ، أن تنتهي حياتك فجأة ..
تخيلت المنزل دونها ، تخيلت حياتي دونها ، تركت عملي في إجازة مفتوحة ، أخبرتني صديقتها أن " نسمة " ستعانق السحاب ، وأنها سعيدة لهذه الفرصة .
اشتد مرضها واشتدت مأساتي ، دخلت عليها ذات يوم ، أمسكتها من يديها ، رجوتها أن تتحامل على نفسها ، أن تأتي معي ، ففعلتْ ..
على سطح المنزل وجَدتْ سحابة كبيرة ، من القطن تتدلى أمامها ، نظرتْ حولها إلى النجوم التي خبا بريقها أو كاد ، مدت يديها على اتساعها ، لتلمس السحابة ، فانتشت
شعرتُ برجفة خفيفة في أوصالها ، جلستُ على ركبتي أمامها ،
وعدتها أن تلمس سحابة كل ليلة ، وقلت وقد جفت دموعي
لكن لا تموتي ..

****

أحمد - ذات مساء

سهام ماجد
06-08-2011, 03:04 AM
أخى الفاضل / أحمد عيسى
ما هذه الروعه ما هذا الإبهار
قصه فى قمة الجمال
رغم الحزن الشديد الموجود بها
راق لى ما قرأت
سلمت يمينك
وفى إنتظار جديدك
لك منى كل الإحترام والتقدير

كاملة بدارنه
06-08-2011, 11:53 AM
ألم الأطفال وحزنهم يؤلمنا من الأعماق... إنّه وجع مغلّف بالمحبّة والشّفقة
قصّة حزينة... ويبقى الموت قدرا لا مفرّ منه، لكنّ العقل البشريّ يستصعب فهم كنهه.
حماك الله أخ أحمد
تقديري وتحيّتي

زهراء المقدسية
06-08-2011, 03:05 PM
مشاعر صعبة وأنت تنتظر الموت يأتيك مع السحاب
ليخطف من تحب وأنت عاجز مفلس عن فعل أي شئ

الموت قدر وقدر الله نافذ

قصة مبكية ومتعبة لقارئها فما بالك لمن يعيشها

دمت بخير أستاذ أحمد

أحمد عيسى
06-08-2011, 11:21 PM
أخى الفاضل / أحمد عيسى
ما هذه الروعه ما هذا الإبهار
قصه فى قمة الجمال
رغم الحزن الشديد الموجود بها
راق لى ما قرأت
سلمت يمينك
وفى إنتظار جديدك
لك منى كل الإحترام والتقدير

الفاضلة : سهام

الروعة كان مرورك على متصفحي المتواضع

أسعدتني بكلماتك وأسعدني أن أعجبتك

خالص ودي واحترامي

ياسر ميمو
07-08-2011, 02:09 AM
السلام عليكم


نص مؤثر ومحزن جداً


شكراً لك أستاذي الفاضل



رمضان كريم

عبد الرحيم صادقي
07-08-2011, 04:29 AM
قصة مؤلمة حقا، ولقد جعلتنا يا أخ أحمد نحس الألم فعلا.
لغة منسابة رفدها الأسوب الجميل، فلله درك.
همسة: كنت متيقن من هذا.

نداء غريب صبري
07-08-2011, 05:02 AM
قصة حزينة ومؤلمة أخي أحمد
وجاءت في وقت حزين يمر به أهلنا

أبكتتني هذه القصة

شكرا لك

بوركت

د. سمير العمري
04-12-2011, 06:20 PM
قصة مؤثرة بوجدانيتها وحزنها الجارف بشعور الفقد.

كان القص جميلا والسبك موفقا لكن إن أذنت لي بأن أشير إلى ما استوقفني في النص.

أتيه فيها ولا أملك إلا أن أترك دمعتي اليتيمة تسقط في صمت ،
إن قصدت الضياع فهي أتوه فيها ، وإن قصدت الأعجاب والتفاخر فهي أتيه بها.

أحاذر ألا تراها ..
بل أحاذر أن تراها.

أحاذر ألا يسمعه غيري
وهذه مثلها.

وكل ليلة صرت أسهر حتى الفجر معها
وكل ليلة صرت أسهر معها حتى الفجر.

تخيلت المنزل دونها ، تخيلت حياتي دونها
تخيلت المنزل بدونها ، تخيلت حياتي بدونها
هذا وإلا أصبح المعنى عكس المراد.

وقلت وقد جفت دموعي
لكن لا تموتي ..
المفروض أن هذه هي لحظة الاحتدام الشعوري والمفروض أن الوالد يتماسك ما استطاع طوال الوقت ، وعلهي فإني أرى أن هذه اللحظة هي لحظة انهمار الدموع وليس جفافها.

دمت بخير وعافية!


تحياتي

ربيحة الرفاعي
05-12-2011, 12:05 AM
قصة قوية بسردية قوية وبناء قصصي موفق
ومحمول حزين أدمع العيون

تحيتي

فاطمه عبد القادر
05-12-2011, 01:58 AM
أخذتها بين يدي ، كأني أخشى من فقدانها فجأة ، تركتها تنام الليلة في سريري ، وكل ليلة صرت أسهر حتى الفجر معها ، فوق سطح المنزل ، نتأمل السحاب سوياً ، كم هو مرير أن تقضي وقتاً تشعر أنه سينتهي فجأة ، أن تمضي في طريق تعرف أن نهايته مظلمة ، أن تنتهي حياتك فجأة ..



السلام عليكم
يا لهذة القصة /لقد أبكتني بجد,, وبحرقة
مسكين هذا الوالد ,مسكين ,أحسست أن مشاعره كالسكاكين تشرّح قلبه بلا هوادة
مسكين هو الإنسان في كل مكان
ليته لم يوجد من الأصل في هذة الحياة
القصة رائعة جدا ,,جدا,,جدا ومؤثرة للغاية
شكرا لك أخي أحمد
ماسة

ناديه محمد الجابي
04-02-2013, 10:12 PM
أستغفر الله العظيم عزيزتى فاطمة ..
إنما هى أمانة يعطيها وقت أن يشاء , ويأخذها وقت أن يشاء
وكل مصيبة تصيب الأنسان فى هذة الدنيا ويحتسبها فله أجر عظيم .
قال الله تعالى :-
( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد

أتعرفى عزيزتى أن هذة الصغير ستقف على باب الجنة , تتلقى أباها أو أبويها حتى تدخلهما الجنة .

بقى أن أشكرك أخى على قصة قوية فى بنائها , وفى لغتها , وفى أحداثها , وأن كانت آلمتنا فكلنا آباء
ونعرف قيمة فلذة الكبد . تحياتى لقلم ماكتب يوما إلا ليمتع .

خلود محمد جمعة
25-10-2014, 03:29 PM
كم من المؤلم معرفة وقت الرحيل الذي لا عودة منه
وكلما اقترب الموعد ازداد التعلق واسرع الوقت مما يجعلنا مغلفين بالفقد قبل حدوثه
قصة موجعة بحرف اتقن رسم ملامح المرارة ببراعة
كل التقدير
دمت بخير

رويدة القحطاني
28-01-2015, 02:05 AM
قصة مؤثرة موضوعها حزينة والسرد مشوق وناجح
قرأتها بتأثر وانجذاب

سحر أحمد سمير
15-06-2015, 10:25 AM
نص مؤثر .تقاطرت العبرات من عيني ..سلمت يمناك

دمت بخير و عافية أستاذي الفاضل ..رمضان مبارك..

تحاياي.

آمال المصري
21-01-2016, 11:26 AM
تعجزنا براءة الأطفال حتى مع حرقة الفراق وألم الرحيل
لعلها جعلته يتطلع فيما فوق السحاب
وربما لا يدرك غفلته إلا عندما اقتُلع عضو من جسده
نص يسكنه الحزن صيغ باقتدار أستاذ أحمد
تحيتي الخالصة