تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المقامة الرمضانية



عبد الرحيم صادقي
17-08-2011, 03:29 PM
حدثنا عمرو بن زياد قال: جَمَعتنِي ليلةٌ مِن رمضان، بصحبة الصَّبَاء ورِفقة السُّلوان، زيد وقيس ونعمان، وكلهم من الأقران. فحدَّث كلٌّ منا عن حاله، وكيف يقضي رمضان بأطوالِه. ونهارُ الصيف طويل، على قيظٍ والجسمُ عليل. وأين اليعاليل؟ ورَشُّ الأهاليل؟ والحِرزُ الظليل؟ وليلُ الصيفِ حثيثُ الزوال، حُلْوُ السَّمَر بِنِدَامِ الرجال.
فأما زيد فقال: نهاري نوم، فيه سُوَيعةُ صوم، أهجرُ فيه القوم، ومَن زارني فعَلَيه اللَّوْم، وقد أساء الجَوْم، فتعساً له سائر اليوم. فتَراني أزجرهُ على الخِيم: استوجبتَ الذَّيْم، واجترحْتَ الضَّيْم، فَبِنْ يا بُوم! يا طائر الشوم، يا رائحةَ الثُّوم، يا دِبْسَ الدَّوْم، يا لِبْسَ النوم، يا أرخى من الرَّوْم، يا رَشْحَ الحَوْم، يا سلعةً بِلا سَوْم، يا سَقَطَ الفُوم، يا ضالَّةَ الكُوم، يا سُمَّ العُوَم، يا أعْدَى مِن مُوم، رجوتُ لكَ الزَّوْم. يا تُرابَ الرَّيْم، يا قتيلَ الغَيْم، رُزِئْتَ في الجِيم. يا قبيحَ الشِّيَم، يا حَبَّ النِّيم، يا قَحْلَ الهِيم، يا ساعِيَ الوِيم، ثَكِلَتْكَ أمُّكَ في اليَوْمِ اليَوِم.
وأما قيس فقال: ليلي سمَر، مع الأتراب تحت الشجر، نغازلُ ذواتِ الحَوَر، ونزدَرِدُ أطايبَ الثَّمَر، وإذا طلع القمر، طاب السهر. فإذا انقضى الليل جُلُّه، وتمَّ الكلام كُلُّه، سَلَوْنا بالنَّرْد، بِهمَّة وحَرْد، وأجَدْنا السَّرْد، فإذا ما تم الوِرْد، دبَّ الهَرْد، فكان منا الثعلب والقِرد، وإذا الفَرْدُ منا فَرَد. وكلُّ شيء إذا تمَّ نقَص، والغشُّ جرَبٌ وبرَص. ثم استَعَضْنا وقد كان الذي كان، عن النرد بما تيسر من الأفلام، وليس بعدها غير الأحلام.
وَذَا دَأْبُنا إلى السحور، وبينا الناسُ في طَهور، في بيت الله المعمور. فنسأل الله أن يجبُرَ الكُسور، ويتولَّى قيساً العَثور. إنه غافر الذنب وقابل التوب.
وأما نعمان فقال: أنا في رمضان، نَعِسٌ وَسْنان، فإذا ما الفطور آن، ورُفِع الأذان، ظهر الحق وبان، فتَراني أتخيَّرُ شِواءَ الحُمْلان. وأُتبِعُه بالقلايا والكَباب، وأُطفِئُ نارَه بالعَباب، ولَبنٍ عَلَاهُ الحَبَاب، وما لَذَّ مِنَ الرِّطاب. وأُسَكِّنُ سَغَبي بسَمَكٍ مُخَلَّل، مُفَلْفَلٍ مُتَبَّل. ثم أغمسُ في ضَرَب، كأنه شربةُ نَخْب، يُكَمِّدُ السِّرْب، ويُذهبُ الشَّرَب، ويُنسي النَّسَب، ويُسَرِّعُ النَّحْب. ثم أُطبِقُ على نَهيدة، شهيةٍ لذيذة، إطباقَ البوم على الفار، وهو يُسرع إلى الغار، وأنَّى له الفِرار، وقد ذَهَل الكَرَّار، والفُوَيسِقةُ ترجو الخَلاص، وَلَاتَ حين مَناص. ثم أختِمُ بحلوى، لِيَ فيها سَلوى. وكأسِ عُصار، كأنه العُقَار.
ثم أتكِئُ كما الأبرار، على سرير فوقه خُصار. وأتجشَّأُ كالرعد، وأقولُ يا ليالِيَ السَّعْد. وأنظرُ فإذا الخَوَانُ النَّضيد، وما كان عليه من قَديد، وسِدرٍ مخضود، وطَلحٍ منضود، قد قَرَعتْهُ القارعة، وفجعتهُ الفاجعة، فإذا هو فلاة جرداء، لا نبتَ فيها ولا ماء.
قال عمرو بن زياد ثم نظر الثلاثة إلي، يستَجْلون الأمرَ الخفِي، فقلتُ متوكلا على الله: أصوم نهاري، والصبرُ دِثاري، والخُلُق إزاري، والاحتسابُ شعاري. أبتغي الأجر من الله، لا أرجو أحداً سواه. أعجِّلُ فطوري، وأؤخِّرُ سحوري. أصلي التراويح، وأُرَدِّدُ التسبيح. وأذكرُ الملأ الأعلى، مَنِ استغفرَ لنا ومَن صلى. أستمع إلى القرآن، وأعجَبُ من قسوة الجَنان. يُتلى على الجبل فيخشع، وفوق الخشية يتصدَّع، ولا يرِقُّ قلبي ولا يلين، وقد كان للجذع أنين، وصوتٌ كصوت العِشار، أسْمَعَ ضيفَ الرحمن ومَن زار، وبكاءٌ كبكاءِ الأطفال، ووَجَلِ مُؤمِني الأنفال. فأقولُ ما أبعدَني عن الهُدى، ليس للفُرقان في قلبي صدى. ثم أذكرُ أني أدركتُ رمضان، وهو شهر الغفران، والرحمةِ والعتق من النار، فمَن يحول بيني وبين الغَفَّار. وفي رمضان ليلةٌ خيرٌ مِن ألف شَهْر، فما أنْفَاقُها وما المَهْر؟ وكيف أنال بِرَّها، وخيرَها وفضلَها؟ أيَّ فضْلٍ أرى وأيَّ مِنَّة، هَا قد فُتِّحَت أبوابُ الجنة! وها قد صُفِّدت الشياطين، فَدُونَكَ العُلَى يا قبضة الطِّين!
وإني كُلَّما أهَلَّ رمضان، يا صِحابُ ويا خُلاَّن، ذكرتُ الأحباب، والأخِلاَّءَ والأصحاب، مَن عاش منهم ومَن غاب. وذكرتُ الوَالِد، وكأنه بيننا قاعد، وساعةَ وُسِّدَ الثرى، فيفارِقُ جَفْنِيَ الكرى. وذكرتُ الموت، وحَسْرَة الفَوْت، وأقولُ أُخِّرتُ لأتوب، أفتُراني أؤوب؟ وذكرتُ ما عَلَيَّ من دَيْن، وأقولُ يا مُسَوِّدَ الخَدَّين، لو رُحْتَ الآن يا عبدُ إلى الله، فبماذا سَتَلْقاه؟ فكأني هِيلَ علَيَّ التراب، وسُدَّ عليَّ الباب..
قال عمرو: فنظرتُ إلى الأصحاب، فإذا الدَّمْعُ على المآقي مُنْسَاب، فأحجَمْتُ عن الكلام، وانصرفتُ وما أدري ما صنع الدهرُ بهم.

كاملة بدارنه
17-08-2011, 06:26 PM
لا فضّ فوك أخي عبد الرّحيم
انتظرت هذه الرّائعة منذ بداية الشّهر الفضيل
شكرا لك على ما تتحفنا به من بديع الفكر والكلام... فما جاء في مقامتك هو واقع الحال، المحبط والمخيّب للآمال...
لقد أصبح رمضان عند كثيرين شهر المشتهيات، والتّرفيه، والسّهر، والكسل وغيره... لا شهر العبادة، والتّقرّب للرحمن في هذا الشّهر الذي أنزل فيه الفرقان
تقديري وتحيّتي
كلّ عام وأنت للرّحمن أقرب

فاطمه عبد القادر
18-08-2011, 02:17 AM
السلام عليكم أخي العزيز عبد الرحيم
رائعة هذة المقامة ,,لولا بعض الكلمات التي تحتاج المعاجم
نرجو أن تكون المقامة للأجيال الحالية
مثل ,,في رمضان ألتزم التلفاز ,,على من خسر ومن فاز ,أمتع النظر بالسروال والقنباز ,,لا يفوتني مسلسل ,ولا أترك برنامج مهلهل ,بالكاد اجد وقتا لأصلي ,,,,
وهكذا,,, لنعرف الفرق بين الأمس واليوم
جميلة رائعة ,,فكاهية
اشكرك
ماسة

ربيحة الرفاعي
18-08-2011, 04:48 AM
توضأت بيقيني من روعة ما سأجد هنا، وفرشت دربي نحوها بأحلاس إعجابي، وولجتها بما ظننته إعجابا مسبقا، فإذا هي تبهرني بالق اللغة وروعة الحرف وبهاء الطرح وصدق المعاني

لله مقاماتك كيف تملأنا بالثقة أن لغتنا لن تعدم فرسانا يجيدون العدو في ميادينها

دمت بألق

زهراء المقدسية
18-08-2011, 04:52 PM
سأسرّ لكم بسر
عندما أقرأ للأستاذ عبد الرحيم أشعر بأني غريبة عن لغتي العربية
سامحه الله كم يحرجنا !!!

و كلنا مقصرون في شهر رمضان - وإن تفاوتنا -
و ما يخيفني حقيقة ويقلقني هو
طقوس الجيل الناشئ لهذا الشهر الكريم

نسأل الله المغفرة والرحمة والعتق من النيران

تقديري الكبير

نادية بوغرارة
18-08-2011, 06:39 PM
ملك المقامات في واحتنا ، الأديب عبد الرحيم صادقي ،

أتحفتنا مثل ما عودتنا بما يجعل القراءة ممتعة ، و الفائدة متنوعة .

تمنيت لو قرّبتنا من شرح بعض الكلمات في النص ،

حتى لا يأخذ البحث في القواميس من متعة الاسترسال في القراءة .

تحية لإبداعك المتفرّد .

نداء غريب صبري
19-08-2011, 12:57 AM
مقامة بديعة يا بديع الواحة الصادقي
وكل مقاماتك بديعة
لكن هذا وافقت تقصيرا نحس به فأكدته

بوركت

عبد الرحيم صادقي
20-08-2011, 01:26 AM
لا فضّ فوك أخي عبد الرّحيم
انتظرت هذه الرّائعة منذ بداية الشّهر الفضيل
شكرا لك على ما تتحفنا به من بديع الفكر والكلام... فما جاء في مقامتك هو واقع الحال، المحبط والمخيّب للآمال...
لقد أصبح رمضان عند كثيرين شهر المشتهيات، والتّرفيه، والسّهر، والكسل وغيره... لا شهر العبادة، والتّقرّب للرحمن في هذا الشّهر الذي أنزل فيه الفرقان
تقديري وتحيّتي
كلّ عام وأنت للرّحمن أقرب

أهلا أختي كاملة ومرحبا
لك تحية أحسن منها
وبارك الله فيك
ومتعك بالصحة والعافية

عبد الرحيم صادقي
20-08-2011, 01:37 AM
السلام عليكم أخي العزيز عبد الرحيم
رائعة هذة المقامة ,,لولا بعض الكلمات التي تحتاج المعاجم
نرجو أن تكون المقامة للأجيال الحالية
مثل ,,في رمضان ألتزم التلفاز ,,على من خسر ومن فاز ,أمتع النظر بالسروال والقنباز ,,لا يفوتني مسلسل ,ولا أترك برنامج مهلهل ,بالكاد اجد وقتا لأصلي ,,,,
وهكذا,,, لنعرف الفرق بين الأمس واليوم
جميلة رائعة ,,فكاهية
اشكرك
ماسة
,,في رمضان ألتزم التلفاز ,,على من خسر ومن فاز ,أمتع النظر بالسروال والقنباز ,,لا يفوتني مسلسل ,ولا أترك برنامج مهلهل ,بالكاد اجد وقتا لأصلي ,,,,


رائع أختي فاطمة
فلماذا لا تجربين كتابة المقامة؟ أنا أشجعك.
تحياتي لك مع الشكر

عبد الرحيم صادقي
20-08-2011, 02:07 AM
توضأت بيقيني من روعة ما سأجد هنا، وفرشت دربي نحوها بأحلاس إعجابي، وولجتها بما ظننته إعجابا مسبقا، فإذا هي تبهرني بالق اللغة وروعة الحرف وبهاء الطرح وصدق المعاني
لله مقاماتك كيف تملأنا بالثقة أن لغتنا لن تعدم فرسانا يجيدون العدو في ميادينها
دمت بألق

أهلا يا أختي ربيحة
حضورك البهي يحرجني
لا أستحق هذا الإطراء كله
متعك الله بالصحة والعافية والخير
تحياتي ودام لك الألق

عبد الرحيم صادقي
20-08-2011, 07:56 PM
سأسرّ لكم بسر
عندما أقرأ للأستاذ عبد الرحيم أشعر بأني غريبة عن لغتي العربية
سامحه الله كم يحرجنا !!!
و كلنا مقصرون في شهر رمضان - وإن تفاوتنا -
و ما يخيفني حقيقة ويقلقني هو
طقوس الجيل الناشئ لهذا الشهر الكريم
نسأل الله المغفرة والرحمة والعتق من النيران
تقديري الكبير


لغتنا عظيمة أختي زهراء
وما نعرفه منها قطرة من بحر
نسأل الله التوفيق
تقديري لك يا زهراء
ورمضان خيرٍ وبركة

عبد الرحيم صادقي
21-08-2011, 06:57 AM
ملك المقامات في واحتنا ، الأديب عبد الرحيم صادقي ،
أتحفتنا مثل ما عودتنا بما يجعل القراءة ممتعة ، و الفائدة متنوعة .
تمنيت لو قرّبتنا من شرح بعض الكلمات في النص ،
حتى لا يأخذ البحث في القواميس من متعة الاسترسال في القراءة .
تحية لإبداعك المتفرّد .

مرحبا أيتها الشاعرة نادية
لا بأس أن يتوقف القارئ عن القراءة بين الفينة والأخرى
ليفتح القواميس، فربما يكون في ذلك فائدة له.
كل التحية والاحترام
طابت أيامك

عبد الرحيم صادقي
21-08-2011, 07:08 AM
مقامة بديعة يا بديع الواحة الصادقي
وكل مقاماتك بديعة
لكن هذا وافقت تقصيرا نحس به فأكدته
بوركت

وفيك بارك الله يا شاعرتنا
وشكر الله لك حضورك البهي
نسأله تعالى أن يتجاوز عن تقصيرنا ويقيل العثرات
دامت لك السعادة