تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رحلةٌ واحدة .. الى شهداء عائلة قريقع



أحمد عيسى
20-08-2011, 04:52 PM
اختفت الشمس أو كادت ، خلف خط الأفق الأحمر ، بسرعة كأنها مهرولة ، تريد أن تغيب
لم أكن أعرف أن قلبي ضعيف هكذا ..
يقولها " معتز " وهو يكاد يبكي .. يحتضن ابنه بين يديه ، دموعه على خديه وهو الذي لم يبكِ يوماً ، مؤلمة تكون دموع الرجال ، موجعة كأنها نيرانٌ تحرق أمامها كل شيء ..
يربت أخوه " منذر " على كتفه ، يمسح دموعه بأطراف أصابعه ، يبتسم
انتهى الأمر يا أخي ,, أزمة وانقضت ، وقد شفي "إسلام" تماما كما ترى
يحتضن الصغير بين ذراعيه ، يقربه من وجهه ، يريد أن يشعر به بعد أن خشي من فقده ، ذلك الشعور أن تفقد من تحب ، أن تخسر كل شيء فجأة ، فلا يعود لحياتك معنى ,, هو المعنى والهدف ، فكيف أفقده يا أخي ..
الحركة تخفت في الشارع تدريجياً ، الوقت بدأ يتأخر في الليل ، وأجواء رمضان تفرض نفسها على إحداثيات المكان رغم الوقت المتأخر ، فهذا بائع حلويات تحلق حوله بعض الصغار والكبار ، وهذا دكان صغير يشتري منه الجيران ما يلزم للسحور ،وهؤلاء أطفال صغار ، اشتروا بمصروفهم بعض الألعاب النارية ، وحملوا فوانيساً عبارة عن علبة سمن فارغة تم ثقبها ووضع داخلها شمعة واحدة ، تلك طقوس لا تنتهي ولا تقترن إلا بشهر فضيل كهذا ..
- هل تذكر زفافنا معاً ؟
يقولها معتز ، فيبتسم منذر وينظر له في حنو ، ذلك يوم لا ينسى ..
كنت أود أن أسبقك ، أنت من أصررت أن تلحقني ..
معتز ضاحكاً : وأنت أصررت أن تصبح طبيباً ، فتأخرت ، مما سمح لي باللحاق بك
يضحكان ، ويبتسم الطفل كأنما شعر بهما ، في خارج السيارة ، كان الزمن يبدو كأنه توقف فجأة ..
الناس في الشارع تسمروا ، الصراخ في الحلوق كأنه صرخة مكتومة لا تجد أمامها الا أبواباً مغلقة ، لا تسمح لها بالخروج ، صرير السيارات بالخلف يبدو بطيئاً ، المشهد يسير بتصوير بطيء ، كأنما توقف الكادر تماماً
في جو كئيب وسماء حملتها ، كان أزيز الطائرة يبدو مسموعاً ، مزعجاً كأنه صراخ شيطان ، أزيزاً يؤرِّق الناس وينذر بكارثة كل مرة ..
كان آخر ما قال معتز :
هل تذكر زفافنا معاً ؟
ذاك كان حقيقة لأي مراقب خارجي ، ثم تلا ذلك ، أزيز طائرة ، وصوت صاروخ ، وحرارة تلفح الناس في الشارع ، مصدرها سيارة مسرعة ، كانت تحمل طبيباً ، وشقيقه ، وطفلا صغيراً يدعى اسلام
يقولها معتز ، فيبتسم منذر ، ويضحكان ، ويبتسم الطفل ، كأنه شعر بهما
يكملان معاً حواراً هادئاً ، حملته أرواحهما ، ولم تقو عليه أجسادٌ حكم عليها بالفناء ..




****



الى منذر قريقع ، وشقيقه معتز قريقع وابنه الصغير اسلام

الذين قضوا في قصف غادر للطائرات الاسرائيلية يوم الجمعة - التاسع عشر من رمضان

ربيحة الرفاعي
21-08-2011, 01:29 AM
يا الله
في قصة أجدت نسج خيوطها وحبكتها بمهارة وتمكن، فتحت ستارة مسرحك على مشهد أليم
فكان النص قويا مترابطا

وطرقت بابا حزينا نتهرب من فتحه

أبدعت أيها الكريم

دمت بألق

أحمد عيسى
21-08-2011, 07:00 PM
الزميلة العزيزة : ربيحة

لقد زف منذر ومعتز الى نساء الدنيا في يوم واحد ، وتزوجا معاً
وزفا الى حور الجنة (باذن الله) في يوم واحد ، واستشهدا معاً

رحمة الله على الشهداء
ستبقى الذاكرة فينا ، والذكرى لن تموت ، والجريمة لا تمحى

انا لله وانا اليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل

فايدة حسن
21-08-2011, 11:11 PM
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يُرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون) - سورة »آل عمران - 169 - 170«.

زفوهما في الدنيا بيوم واحد وكانا معا وبإذن الله ينالون الجنة ويبقيا معا في الفردوس الأعلى
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

خليل حلاوجي
22-08-2011, 02:50 AM
قلم المثقف اهم اسلحة الثورة
وقلم الاديب اهم اسلحة الثقافة



النص يؤرخ اللحظة التاريخية بشفافية وعمق ويرسم لوحة الغد المشرق لامة عانت حقب التضاؤل



اشكرك

زهراء المقدسية
22-08-2011, 05:25 PM
رحلة واحدة للآخرة ما أجملها يا أستاذ أحمد لمن رحلوا
وما أصعبها على ما تركوا خلفوهم

نسأل الله الرحمة للشهداء والصبر لعائلة قريقع الباسلة
واللعنة على الصهاينة

أجدت في رسم صورة الألم
تقديري الكبير

كاملة بدارنه
23-08-2011, 12:17 AM
هو القلم المبدع الذي يخلّد اللحظة التي تستحقّ التّخليد، رغم قسوة ما يخلّد أحيانا

قصّة رائعة مع ما تسبّبه من حزن وأسى، ولكنّ العزاء هو أنّ الشّهداء "أحياء عند ربّهم يرزقون"

شكرا لك أخ أحمد على السّرد الرّائع، واللغة المعبّرة

تقديري وتحيّتي

مصلح أبو حسنين
23-08-2011, 12:34 AM
سلام الله عليك يا صديقي أحمد

لقد أجدت نسج خيوطها في حلة من بهاء روحي

بوركت وبورك قلمك

كل عام وأنت بخير

أحمد عيسى
23-08-2011, 10:31 PM
الأخت : أم يمان ، أدرج لكما مشاركتها تعليقاً على ذات القصة ، لما تحمل من معلومات عن الشهيدين :
إنّ مجرد ذكر المعلومات* الخاصة بالأخوين (منذر ومعتز) والصغير إسلام , تكفي لأنْ تمزّق القلب توجعاً على حالهم وفراقهم !
فكيف إذا ما جئتنا يا أخي بتصويرٍ لمشهدهما الأخير في هذه الحياة على نحو ما أبدعت؟!
ومع ذلك, قد تبدو هذه الصورة أقل وجعاً (على شدة الحزن فيها) من تلك التي سنراها بمجرد أنْ نتخيلَ حال زوجتيْ منذر ومعتز, ووالدتهما الثكلى, وأبيهما المكلوم, حين استقبالهما لنبأ الرحيل العظيم !
.
.
*- (منذر ومعتز) تمّ زفاف كليها إلى اثنتين من نساء الدنيا في ذات المساء , ليكونا على موعدٍ لزفافٍ من نوع خاص إلى حور عين أيضاً في ذات المساء !
- الصغير إسلام فتح عينيه على وجه البسيطة في التاسع عشر من رمضان قبل عامين, ثم إنه أغمض عينيه مغادراً الحياة الدنيا أيضاً في التاسع عشر من رمضان !
- معتز ترك زوجته (حاملاً) في شهرها السابع !
- منذر ترك زوجته برفقة اثنتين من عرائس الدنيا, دون أن يكون لهما رجلاً من صلبه يذود عنهن في هذي الحياة !


لمنذر وأخيه وابن أخيه, الجنة بإذن الله
ولزوجتيهما وأمهما وأبيهما الصبر والسلوان !

كاملة بدارنه
23-08-2011, 11:06 PM
فاض الدّمع من عيني... لا أحتمل أن أقرأ! فكيف تحتمل هاتان الزّهرتان هذا الواقع الأليم؟ كان الله في عونهما.

يا للحكمة الإلهيّة التي نجهل سرّها في ولادة إسلام ورحيله في التّاسع عشر من رمضان!

نعم النّساء الصّابرات هنّ، وأعانهنّ الله على ما هما فيه ... ولا تكفي كلّ الكلمات لعزاء هاتين الشّابتين...

رحم الله من غادروا هذه الحياة إلى دار الخلود!

ربيحة الرفاعي
11-09-2013, 10:49 PM
قصة ظلمت بتراجعها وظلم القراء بغيابها عن الواجهة

للرفع لتحقيق النفع

تحاياي

أحمد عيسى
12-09-2013, 10:51 PM
أشكرك أيتها الأديبة القديرة ، انما أنا المحظوظ بتواجد قصصي بين الكبار

دمت ودام دفعك

خالص التقدير والود

نداء غريب صبري
14-01-2014, 01:30 AM
قصة مناضلة وتأريخ لحاضر غزة وأحزانها التي لا تنتهي

أنت قاص ماهر أخي

شكرا لك

بوركت

ناديه محمد الجابي
09-09-2020, 06:31 PM
قصة مؤلمة بثقل ما تحمل، وصدق ما تصف
دخول في النص ذكي ورسم متمكن للمشهد المؤثر
نجحت في شد القارئ إلى مسرح الحدث ومعايشته
لتترك أثرا عميقا وألما في النفس
رحم الله الشهداء وحسبنا الله ونعم الوكيل.
بوركت ـ وسلمت يداك.
:009::008::009: