مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في قصيدة الجرس الخفيّّ
مُنتظر السوادي
29-10-2011, 10:12 AM
الجَرَسُ الخَفِيُّ للشاعر عبد اللطيف غسري
بِدَاخِلِي مِنْ كِنايَاتِ الأنَا جَرَسُ = مَعْنَى السُّكونِ بِهِ نَاءٍ وَمُلْتَبِسُ
يُدَقُّ حِينَ يَصُبُّ الغَيْمُ أحْرُفَهُ = رَذاذَ حَشْرَجَةٍ يَهْمِي بهِ الهَوَسُ
أيْنَ الوَمِيضُ وَهَذا الصَّدْرُ بَوْثَقَةٌ = حَمْرَاءُ مِنْ كُلِّ إحْسَاسٍ بهَا قَبَسُ
أيْنَ السَّبيلُ... مَسِيرُ الذاتِ هَرْوَلَةٌ = فِي مَهْمَهِ الليْلِ لَمْ يَفْطِنْ لَهَا العَسَسُ
إنَّ المَسَافاتِ فِي دَرْبِي مُجَنَّحَةٌ = يَكْبو على إِثْرِهَا البِرْذوْنُ والفَرَسُ
شَوْطًا قَطعْتُ وَشَوْطٌ كادَ يَقْطعُنِي = وَمُمْسِكٌ بِتلابِيبِ المَدَى النَّفَسُ
فَهَلْ أضَعْتُ بِجَيْبِ الوَقْتِ بَوْصَلَتِي = إنِّي لَأطلُبُ آثَارِي وألْتَمِسُ
وَما بَرِحْتُ مَكانِي قَيْدَ أُنْمُلَةٍ = وَما شَهِدْتُ زَمَانِي وَهْوَ يَنْتَكِسُ
أنا المَشُوقُ إلى ما فاتَ مِنْ زَمَنٍ = أطْلالُ قَلْعَتِهِ تَهْوِي فَتَنْدَرِسُ
هَذِي نسَائِمُهُ حَمَّلْتُهَا كُتُبِي = وكُلُّ حَرْفٍ بِها فِيهِنَّ مُنْطَمِسُ
لَكِنَّمَا الجَرَسُ المَخْبُوءُ فِي جِهَةٍ = مِنْ مَوْطِنِ الرُّوحِ يُغْرينِي بهِ الأنَسُ
يَهُزُّنِي كُلَّما أغْفَيْتُ عَنْ هَدَفِي = وَالكَوْنُ فَوْقَ مَرَايَا النَّفسِ يَنْعَكِسُ
وَلَسْتُ آنَفُ إنْ أسْرَجْتُ قافِيَتِي = إلى المُنَى، حَوْلَهَا مِنْ أدْمُعِي حَرَسُ
مِنْ أنْ أنامَ على أسْمالِ خاطِرَةٍ = أوْ أنْ يَكونَ طعَامِي التَّمْرُ والعَدَسُ
إذا يَضُخُّ المَدى فَوقِي غَمَائِمَهُ = مَاءُ التَّفَكُّرِ مِنْ عَيْنَيَّ يَنْبَجِسُ
أُجَالِسُ النَّهْرَ مَفْتونًا بِجِدَّتِهِ = لا يَسْتَحِلُّ خُدُودَ الضِّفَّةِ الدَّنَسُ
أُلْقِي بهِ زَوْرَقِي المَشْبُوبَ عَاطِفَةً = لعَلَّهُ عَنْ لِقائِي لَيْسَ يَرْتَكِسُ
لعَلَّ أشْرِعةَ الآتِي تَجُوبُ بهِ = أعْمَاقََ رُوحِي فَيَبْلوهَا وَيَنْغَمِسُ
تَمُرُّ بِي كَلِماتُ النَّهْرِ صَامِتَةً = صَوْتُ التأمُّلِ مَحْفُوفٌ بِهِ الخَرَسُ
مُنتظر السوادي
29-10-2011, 10:14 AM
قراءة في نص
الجرس الخفي
العنوان يحمل تناقضاً ظاهراً ، إِنَّ هذا التناقض يؤجج الفجوة لدى المتلقي ، فيعْمل فكره وخياله باحثاً عن كيفية التوافق بينهما ، لِأنَّ المتلقي يعلم أَنَّ الجرس يهزّ الجدران لا الآذان ، لكنّه في هذا النصّ خفيّ لا يسمعه الآخرون ، فهو جرس من غير صوت ، على الرغم من عمق رناته الاهتزازية لكنه يعمل بخفاء وصمت ، يبدو أنَّ العنوان موفق إلى حدٍّ بعيد حتى مع النغمة الموسيقية في القصيدة وسيطرة حرف السين الصفيري المهموس ، الذي يلاءم خفاء الجرس فكأن الجرس يهمس همساً ، أضف أنَّ العنوان يوافق المضمون بصورة تامة ، رغم هذا الا ان للقارئ وجهة نظر حول العنوان ، باعتبار العنوان هو العتبة الأولى التي منها نلجّ إلى عالم الشعر أو القصيدة فينبغي أن يحمل عنصرَ تشويقٍ يشدّ انتباه القارئ ويجعله مأسوراً حتَّى نهاية النص ، ومن ثمَّ لو كان العنوان " جرس خفي " لكان أكثر تشويقاً للقارئ لأنه نكرة فيبحث القارئ عن معنى هذا الجرس ومدلولاته في النص ، وعندها يكسب المؤلف أول جولة له من الحرب ، على اعتبار القراءة حرب ، ساحتها النص ، وطرفيها القارئ والمؤلف .
مدلول النص أو الفكرة التي يريدها النص هي الحديث مع الذات وحديث النفس معه ، واتسمت النفس بالإيمان أو كان الطابع صوفي في اغلبه ، يلاحظ القارئ ألفاظا صوفية ؛ ( الخفي ، وميض ، السبيل ، الذات ، النفس ، المشوق ، الروح ، أسرجت ، التفكير ، التأمل ) هذه الألفاظ كست النص حلية أو لنقل نغمة عرفانية صوفية ، ومن ثم فالنص عميق الدلالة صعب المراس .
بؤرة النص هي حديث الذات ، وظهر ذلك جلياً في قول الشاعر : ( كنايات الأنا ، الجرس المخبوء في موطن الروح ، يهزني كلما أغفيت ) فالجرس هو حديث من أعماق الروح يهزُّ الكيان هزّاً ، ويرن كلما غفل البطل عن هدفه ، يعلو منه عتاب وتأبين إن أغمض عينه ، أو وضع آماله في غير موضعها ، فقال :( أسرجت قافيتي إلى المنى ) ، ويبدو أنَّ هدفه العودة تائباً إلى الله ، بدلالة الدمع ، فالدمع يرافق التائب في توبته ، وكذا يُلاحظ أَنَّ البطل في البيت السابق قال : ( أنا المشوق إلى ما فات من زمن ) فالندم يصحب البطل ، والتوبة أولها ندم ثم تسرج القافلة في الرحلة إلى الله تعالى ، ويمسك التائب وهو على ناقة التوبة بزمام الدموع ؛ دموع الندم على التفريط .
أيْنَ الوَمِيضُ وَهَذا الصَّدْرُ بَوْتَقَةٌ = حَمْرَاءُ مِنْ كُلِّ إحْسَاسٍ بهَا قَبَسُ
أيْنَ السَّبيلُ... مَسِيرُ الذاتِ هَرْوَلَةٌ = فِي مَهْمَهِ الليْلِ لَمْ يَفْطِنْ لَهَا العَسَسُ
نجد البطل يناجي نفسه ، يقارن حاله المتعب المهرول نحو الفناء المستعر بأحاسيس غريبة كثيرة من كل نوع ، والتي أرهقت القلب وجعلت منه بوتقة مستعرة حمراء تصهر الروح مرات تلو المرات ، وبما يرغبه من طمأنينة بيضاء مستقرة وتوقف تلك الهرولة في عتمات المجهول ، فهو يريد الوميض الذي يشق القلب ويغرس فيه النور وينزل فيه الغيث ويطفئ النار الهائجة بالأحاسيس المختلفة ، بعد هذا الوميض يريد الدرب الصحيح ليسلكه بصمت وتأمل ويترك الهرولة في العتمة ، ومن ثمَّ فيلاحظ القارئ أنّ النص موفق في تلازم الوميض مع السبيل فالنور هو الذي ينير الطرقات بل النور هو يغرس الاطمئنان في الفؤاد ومن ثم يسلك الدرب الصحيح ، يقول الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام ( النوم على يقين خير من عبادة على شك ) فالنور يغمر النفس ثم تسلك طريق العبادة مع تأمل كما جاء في آخر النص :
( تمر بي كلمات النهر صامتة ***** صوت التأمل محفوف به الخرس )
فعودة البطل مفكراً في عجائب خلق الله ، وصامتاً بأفضل أنواع الصمت إنّه التأمل ، والتفكير في الخلق خير من عبادة عمياء ، لذا فيُلاحظ أنّ البطل لما رأى العالم غائراً في الضبابية وعدم الوضوح ، بعد أن تغيرت الأَشياء رنَّ الجرس في أعماق الروح ليعود إلى نفسه باكياً ومفكراً على هذه الحال التي تعيشها الأمة .
أُجَالِسُ النَّهْرَ مَفْتونًا بِجِدَّتِهِ = لا يَسْتَحِلُّ خُدُودَ الضِّفَّةِ الدَّنَسُ
أُلْقِي بهِ زَوْرَقِي المَشْبُوبَ عَاطِفَةً = لعَلَّهُ عَنْ لِقائِي لَيْسَ يَرْتَكِسُ
لعَلَّ أشْرِعةَ الآتِي تَجُوبُ بهِ = أعْمَاقَ رُوحِي فَيَبْلوهَا وَيَنْغَمِسُ
الأبيات هذه تروي حال البطل ،لا بل هو يروي حاله ، ربما يرمز النهر إلى الحياة المتجددة والعلاقة بين الماء والحياة جلية ، وربما النهر رمز يدل على الدنيا ، وتتجدد الحياة في الدنيا يوما بعد يوم ، ويبقى الإنسان مفتوناً فيها ، حتى حين . وقد رمز البطل إلى عيشه في هذه الحياة بـــ( زورقي ) انه سائر في الدنيا / الحياة ( النهر ) حتّى الموت ولقاء الله تعالى ، ويختم هذه الرحلة بترجٍ لتكون أعماق الروح مؤمنة ببلاء الله .
وهناك معنى آخر للنهر يبدو اقرب للتأويل لدى المتلقي المسلم وهو أَنَّ النهر يراد به ( القرآن الكريم ) فالقرآن الكريم نهر تغرف منه البشرية العلوم النافعة والشفاء والأمن والطمأنينة ، أضف أن القرآن لا ينضب أشبه بالأنهار – إن جاز لنا التشبيه بل ان النهر ينضب وكلام الله لا ينضب - والبطل متعجب من تجدد القرآن عند كل قراءة ، ثم يلقي بنفسه بين آياته بعاطفة الحب والتلذذ ، عسى أن يكون اللقاء غير خاسر ، ثم يردف بـــ عَلَّ آيات القران تدخل أعماق الروح وتُغرس هناك ، وتنفعه يوم تبلى السرائر ، ويختم القول بأنَّ كلمات القران تمرّ على قلبي فيصمت متأملاً خاشعاً خرساً لله تبارك وتعالى ، لأَنَّه يطبق قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .
في الختام أهمسُ لصاحب النص بأنَّ لديه عيوب في القافية
منتظر السوادي 25/10/ 11
مُنتظر السوادي
06-01-2012, 12:40 AM
أساتذتي الكرام
هلا تكرمتم على قراءتي بالنقد او التعليق
ولكم مني باقات من الياسمين
صفاء الزرقان
06-01-2012, 01:43 AM
استاذ منتظر قراءة جميلة و موفقة لقصيدة جميلة
تنقلت في النص و حللته و عرضت معانٍ جميلة تضمنها النص
رائعٌ ما تحدثت عنه حول الجانب الصوفي في النص و الكلمات التي دلت على ذلك التحليل
و تحليلك ايضاً لمشهد عودة التائب , بدا الجرس هنا و كأنه تنبيه ليذكره بما يوجد حوله و يدله على الله
و ذكرني ذلك بدعاء "اللهم دلنا بك عليك " فكل ما حولنا لو تفكرنا فيه جيدا يعيدنا الى الله .
تحليلك للزورق و النهر كان جميلا ايضاً .
قراءة رائعة استاذ منتظر
تحيتي وتقديري
ربيع بن المدني السملالي
08-01-2012, 12:26 PM
الأخ الأستاذ ( مُنتظر ) جميلة هذه القراءة التي أمتعت بها ذائقتنا جزاك الله خيرا وزادك من فضله ، وإلى الأمام ، سأنتظر جديدك بإذن الله
تحيتي
مُنتظر السوادي
08-01-2012, 11:25 PM
استاذ منتظر قراءة جميلة و موفقة لقصيدة جميلة
تنقلت في النص و حللته و عرضت معانٍ جميلة تضمنها النص
رائعٌ ما تحدثت عنه حول الجانب الصوفي في النص و الكلمات التي دلت على ذلك التحليل
و تحليلك ايضاً لمشهد عودة التائب , بدا الجرس هنا و كأنه تنبيه ليذكره بما يوجد حوله و يدله على الله
و ذكرني ذلك بدعاء "اللهم دلنا بك عليك " فكل ما حولنا لو تفكرنا فيه جيدا يعيدنا الى الله .
تحليلك للزورق و النهر كان جميلا ايضاً .
قراءة رائعة استاذ منتظر
تحيتي وتقديري
أستاذتي المبجلة
أيتها الناقد الرائعة
أقف بخجلٍ أمام حروفي وأرتجف ، لكن كلماتك تبث فيّ الشجاعة ، وابقى متمنياً ان اتوصل الى تلكم المرتبة الرفيعة
شكراً على القراءة والتعليق
وعظيم الشكر على التصحيح لأني حاولت جاهدا فلم أستطع
لك تحيني
تلميذك
ربيحة الرفاعي
09-01-2012, 01:00 AM
قراءة واعية وعميقة
وتحليل لدلالات النص موفق
ولغة نقدية مريحة لم تجنح للتغريب وتضييه القاريء في اصطلاحات مستوردة ونظريات متخصصه
لم أتحمس كثيرا لوصفك العلاقة بين الكاتب والقارء على ساحة النص بالحرب، برغم يقيني أن الكاتب يقصد إحداث تغيير ما لدى القاريء بنصه
أحسنت ناقدنا الكريم
تحيتي
مُنتظر السوادي
11-01-2012, 11:03 AM
الأخ الأستاذ ( مُنتظر ) جميلة هذه القراءة التي أمتعت بها ذائقتنا جزاك الله خيرا وزادك من فضله ، وإلى الأمام ، سأنتظر جديدك بإذن الله
تحيتي
استاذي ربيع
ان تخجلني بقراءتك المستمرة لحروفي
جزيل الشكر لقراءتك ولتعليقك
بارك الله فيك
لك تحيتي
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir