المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأرجوحة



دينا نبيل
30-10-2011, 02:08 PM
الأرجوحة




" أريد أن أتأرجح !"

هكذا لمحت عيناها الأرجوحة رغم ظلمة الحديقة .. وهكذا قالت في صرخة طفل وجد لعبة جديدة

أريد أن أتأرجح !"

أخذت تثب ممسكة يديه ثم جذبته بكلتا يديها وراءها ... تثاقلت خطواته، فأفلتت يداها وراحت تخطر على أطراف أصابعها تجر وراءها فستانها الأبيض الهفاف ، وكأن راقصة ( باليه ) حطت من السماء تحمل قفزاتها نسمات الليل الباردة فتبعثر خصلات شعرها وتلوح بأطراف أكمامها وفستانها كلما تحركت مستأذنة سويعات الليل المتبقية أن تمهلها لحظات حتى تتأرجح ..


بقفزة ... جلست على الأرجوحة ، ثم قبضت على سلاسلها الحديدية وتصاعدت تنهداتها .. وبصوت حالم كليلها، ناعم كملبسها ، طفولي كروحها ... نادته : " هلا أعطيتني دفعة ؟!"

تحولت عيناه إلى السماء كمن يتأمل النجوم وبروجها وينشغل بعدّها وصفّها ... ربما ينتظر نجما يخفت نوره وآخر يهوي أو ثالثا يهمس وسط هذا الليل الغارق في السكون ، فرفعت صوتها أكثر : " ... أعطني دفعة أرجوك ! "

لم تصبر حتى يلتفت إليها هذه المرة ، أخذت تحرك جذعها إلى الأمام وإلى الخلف وتخبط الأرض بطرف قدمها ثم تدفع نفسها إلى الوراء ....
وبدأت الأرجوحة تتحرك ........


إلى الأمام .. إلى الخلف .. إلى الأمام .. إلى الخلف

كسؤال وجواب صوت احتكاك السلاسل الحديدية الصدئة ... إلى الأمام " يسأل " ويعود إلى الخلف " فيجيب " ... وهكذا تتحرك الأرجوحة !
إلى الأمام .... إلى الخلف ، يزداد الإحتكاك ويزداد الصوت ويختنق بين عقد السلاسل الحديدية .. ويبدأ بالصراخ كصوت طفل يعلو صراخه ... بالسؤال والجواب ...
إلى الأمام .... إلى الخلف ... ( كبندول ) ساعة بدت الأرجوحة ؛ لكن بندول دقاته زفرات أنفاسها وصراخ السلاسل ... بالسؤال والجواب
من الخلف إلى الأمام ... نصف دائرة لن تكتمل لتفلت قبضتها وتكسر سلاسلها الحديدية وتطير .. لكن الصوت يصرخ ويختنق بين السؤال والجواب


وهكذا تحركت عيناه الزرقاوان معها ترمقان ابتسامة ثغرها وسط صراخ السلاسل وذقنها يرتفع إلى السماء بانتظار لثم الهواء ومداعبة وجنتيها ، وشعرها الأحمر يحلق حول رأسها ثم يعود إليها معانقا رأسها وجيدها ، وقدها الدقيق الحفر والخرط يتمايل مع الأرجوحة ... إلى الأمام وإلى الخلف ...


تسلل من ورائها ... وفي لحظة توقف ( البندول ) وكف الصراخ وعلق بين السؤال والجواب وشهقتها ثم لحظات أتبعتها مئات الشهقات والزفرات ارتجت لها الأرجوحة ، وبدفعة قوية ... قوية جدا ... وسط صراخ السلاسل وصراخها أفلتت قبضتها إلى غير طيران وانكسر البندول وعادت الأرجوحة للسؤال ولا جواب

..........................


حملها بين ذراعيه :

" هيا يا حبيبتي قد تأخرنا، السيارة ليست بعيدة ... هيا اركبي ... لا، انتظري ! ، أنا من سأحملك إليها وأجلسك على مقعدها كطفلتي المدللة ،أخشى على عروقك النفور ... أخشى على يديك مس الحديد !
هل تعبت من التأرجح؟ ، لنعد إذن إلى البيت .... تريدين جولة! ... لا وقت لها لنعد إلى البيت نسرق لحظات الليل الأخيرة
ما أجملك وشعرك الأحمر متدل إلى جانب عنقك ! ... أدفعه إلى الخلف ؟ ... نعم هكذا أفضل ! ، فجيدك يأتلق بياضا كاللجين تحت فستانك .. الأحمر!! ... وشفتاك الحمراوان ، هل لي ب ... حسنا في البيت في البيت !

لم لا تتحدثين معي ؟! ... عرفت ! ... تحبين صوتي ، تعشقينه قد تسكتين الدهركله كي تسمعيه أليس كذلك ؟! .. هيا ردي قولي نعم !
إذن أنت تخاصمينني ؟! لأنك تريدين جولة ؟ ... حسنا فلنقم بجولة صغيرة

ماهذا ؟ ! ... تراب على جبهتك ؟! .... انتظري ، سأمسحه لك بمنديلي ثم أشمه كي أتنفس ترابا لامس جلدك ... وهذا ؟! .. دم يسيل من فمك ؟ حسنا سأمسحه لك، لا تلوثي أناملك الرقيقة يا حلوتي !
أين تريدين الجولة ؟ عند البحر ؟ تعلمين أني لا أحبه! .... الحديقة حيث الأرجوحة ؟ ... فليكن !

أإلى هذا الحد أعجبتك الأرجوحة ؟ ... هيا قد وصلنا ... انتظري! ... لا تنزلي ! ... سأحملك أنا وأضمك أنا ، لا تعفري قدميك ولا تثيري أعصابك ستكونين بين ذراعي !
هاهي ذي الأرجوحة! .. سأجلسك عليها يا أميرتي ... لا تستطيعين الجلوس وحدك ؟ ... حسنا سأجلس أنا وأضعك على رجلي ! وأضم خصرك إلى ! .. انظري ، الأرجوحة بلا صوت .. السلاسل بلا صوت ، أرأيت عندما ركبت معك ؟ هكذا أفضل ! ... فلتهدئي إذن ولتريحي رأسك إلى كتفي .. وأنا سأدفع الأرجوحة..

ما أجملك وأنت ساكنة كطفل نائم وأنا أحتضنك ! ... فأنا حبيبك وأنت ملكة فؤادي وأنا مليكك ... لقد اكتفيت ،هل اكتفيتي ؟ ... ماذا ! ،تريدين البقاء ؟ لا هيا إلى البيت ... هيا إلى البيت ! ... لا؟!! ... حسنا ..."


حملها بين ذراعيه وأجلسها على مقعد خشبي بالحديقة ورأسها متدلٍ إلى الوراء وذقنها إلى أعلى ، لكن ما من هواء يداعب وجنتيها .. قد يطير شعرها ولكن كطائر منكسر الجناح لا يقوى على التحليق ولا يقدر على الهبوط .. فاستند إلى المقعد الخشبي متهدل الخصلات قد انطفأ بريقه الأحمر

وبعد دقائق عاد ومعه أدوات ( البستنة ) ، وانطلق نحو الأرجوحة وأخذ يحفر تحتها .. ويحفر .. ويخرج ما في باطنها من التراب الذي اختلط بقطرات مالحة شفافة لا زرقاء كعينيه

" هيا حبيبتي .. تودين البقاء هنا .. قد أعددت لك الفراش ، هيا استرخي فيه .. نعم لا سرير هنا .. أنا آسف ! ...ولكن هكذا يلائمك أكثر ...أنا آسف !!"

أنزلها إلى الحفرة وأهال عليها التراب " الوداع ...يا حلوتي !"

آمال المصري
30-10-2011, 08:08 PM
هل هو من دفعها نحو الأرجوحة لتلقي حتفها ؟ وإن كان كذلك فلم ؟
أم حفر قبرها تحت الأرجوحة التي تحبها وأخذتها منه فكان عامل الغيرة هنا الدافع ؟
أم .... .... ؟
ويقيد الحادث تحت الأرجوحة !
نص حالم - رومانسي .. قاسي ومؤلم
استحوذ على كل تفكيري بطريقة عرضه وكأنه شريط سينمائي تألقت فيه الكاتبة بكل أدوات القص
وكما قرأت لك من قبل تأتي الخاتمة دائما مفتوحة للقارئ يرسمها بنفسه
حقيقة استمتعت جدا بالقراءة هنا
دمت بتلك الروعة أديبتنا الجميلة
ولك محبتي

دينا نبيل
03-11-2011, 01:14 PM
هل هو من دفعها نحو الأرجوحة لتلقي حتفها ؟ وإن كان كذلك فلم ؟
أم حفر قبرها تحت الأرجوحة التي تحبها وأخذتها منه فكان عامل الغيرة هنا الدافع ؟
أم .... .... ؟
ويقيد الحادث تحت الأرجوحة !
نص حالم - رومانسي .. قاسي ومؤلم
استحوذ على كل تفكيري بطريقة عرضه وكأنه شريط سينمائي تألقت فيه الكاتبة بكل أدوات القص
وكما قرأت لك من قبل تأتي الخاتمة دائما مفتوحة للقارئ يرسمها بنفسه
حقيقة استمتعت جدا بالقراءة هنا
دمت بتلك الروعة أديبتنا الجميلة
ولك محبتي

لك كل الشكر والتقدير أ / رنيم على مرورك الكريم وتشجيعك الذي أجله دائما

شرفت بطلتك على متصفحي

دام الود والتواصل

د عثمان قدري مكانسي
07-11-2011, 11:01 PM
لا أدري لِمَ خطرت ببالي كلمة " الساديّة " وأنا أقرأ هذه الخاطرة ....!

دينا نبيل
08-11-2011, 06:06 AM
لا أدري لِمَ خطرت ببالي كلمة " الساديّة " وأنا أقرأ هذه الخاطرة ....!

د
/ عثمان

أولا اشكرك على المرور الكريم

ثانيا احترم رأيك .. ولكن

ربما اختلف معك .. فلو تتكرم سيدي الفاضل وتقل لي .. لماذا تعتقد أن بها فكرة السادية ؟

وساكون ممتمنة حقا إن فعلت

تقبل التحايا

سكينة الصميدعي
08-11-2011, 05:41 PM
مؤلم هو الحب
لكن هل يصل الى حد الموت؟
الموت للمحب او الحبيب
عندها يكون جنون .. جنون قاتل
نص يحوم في خيالاتٍ كثار
يحاول ان يجيب على تساؤلاتٍ عدة
وفي النهاية
لاجواب..
امتعتني حقا .. لكِ مني كل الحب

كاملة بدارنه
10-11-2011, 03:51 PM
الأرجوحة هي الحياة بصعودها ونزولها وحركتها... ترمز أيضا للحركة الحرّة وفي نفس الوقت للقيد... فتحرير اليديين من الإمساك بها قد يؤدّي إلى السّقوط.
دفن المحبوبة تحت الأرجوحة ربّما كان رفضا لسكون الموت، وعشقا للحركة التي أحبّتها، فأراد تخليد الحركة رغم الفناء!
قصّة بسرد متين وجميل...
بوركت أخت دينا
تقديريوتحيّتي

دينا نبيل
01-12-2011, 06:26 AM
مؤلم هو الحب
لكن هل يصل الى حد الموت؟
الموت للمحب او الحبيب
عندها يكون جنون .. جنون قاتل
نص يحوم في خيالاتٍ كثار
يحاول ان يجيب على تساؤلاتٍ عدة
وفي النهاية
لاجواب..
امتعتني حقا .. لكِ مني كل الحب


أ / سكينة الغالية

سعدت جدا بمرورك الجميل على موضوعي ..
أعتقد أن الحب الأعمى يعمل هذا وأكثر .. أو ربما الغيرة .. أو الخيانة ... أو ,,

أسئلة كثيرة ، لكن النص مفتوح .. وأسعد بكل تعليق أو تفسير له ..

لك مني أغلى التحايا

دينا نبيل
08-01-2012, 05:56 PM
مؤلم هو الحب
لكن هل يصل الى حد الموت؟
الموت للمحب او الحبيب
عندها يكون جنون .. جنون قاتل
نص يحوم في خيالاتٍ كثار
يحاول ان يجيب على تساؤلاتٍ عدة
وفي النهاية
لاجواب..
امتعتني حقا .. لكِ مني كل الحب


أ / سكينة الغالية ..

تقديري لتفاعلك سيدتي مع ما كتبت ..
وصدق من قال : " ومن الحب ما قتل !!"

شرفني مرورك العبق

تحياتي

دينا نبيل
08-01-2012, 05:58 PM
الأرجوحة هي الحياة بصعودها ونزولها وحركتها... ترمز أيضا للحركة الحرّة وفي نفس الوقت للقيد... فتحرير اليديين من الإمساك بها قد يؤدّي إلى السّقوط.
دفن المحبوبة تحت الأرجوحة ربّما كان رفضا لسكون الموت، وعشقا للحركة التي أحبّتها، فأراد تخليد الحركة رغم الفناء!
قصّة بسرد متين وجميل...
بوركت أخت دينا
تقديريوتحيّتي


أ / كاملة

يشرفني مرورك العبق ..

قراءتك موفقة للغاية سيدتي .. أشكر لكِ التفاعل الرائع

تحياتي

عايد راشد احمد
08-01-2012, 11:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذتنا واديبتنا الفاضلة

نص متعدد النتائج والتحليل

الحياة- الحرية- الغيرة- البقاء- الفناء - الحب - الانتقام

كلها عنوان لقصة تحكمنا لا نحكمها

تقبلي مروري وتحيتي

ربيحة الرفاعي
08-01-2012, 11:24 PM
أظن ان هذا مروري الرابع أو الخامس بالنص
وما زلت أقرأ فيه جديدا في كل مرة، لتنوع دلالاته وتأرجح النص كرمزه الرئيس بين ارتفاع وانخفاض وتيرة الإنفعال برغم قسوة معانيه وحدة الحدث فيه ...
نص يتملك القاريء ويستحوذ عليه حتى الوداع

أبدعت ايتها الكريمة

تحيتي

وليد عارف الرشيد
12-01-2012, 04:28 AM
أيًّا كانت القراءة التي سأصل إليها وهي كثيرة وهذه ميزة ... فإنني قضيت دقائق ممتعة بصحبة هذه القصة الثرية
كنت هنا ولن أعلن ندمي ... فنصك موغلٌ في الاستلاب وهذه ميزةٌ أخرى
مودتي كما يليق

دينا نبيل
24-01-2012, 08:36 AM
السلام عليكم ورحمة الله

استاذتنا واديبتنا الفاضلة

نص متعدد النتائج والتحليل

الحياة- الحرية- الغيرة- البقاء- الفناء - الحب - الانتقام

كلها عنوان لقصة تحكمنا لا نحكمها

تقبلي مروري وتحيتي


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أ / عايد ..

أشكرك على مرورك وتفاعلك وقراءتك لما كتبت هنا ..
تقديري واحترامي الكبيران لحضرتك

تحياتي

دينا نبيل
02-02-2012, 08:22 PM
أظن ان هذا مروري الرابع أو الخامس بالنص
وما زلت أقرأ فيه جديدا في كل مرة، لتنوع دلالاته وتأرجح النص كرمزه الرئيس بين ارتفاع وانخفاض وتيرة الإنفعال برغم قسوة معانيه وحدة الحدث فيه ...
نص يتملك القاريء ويستحوذ عليه حتى الوداع

أبدعت ايتها الكريمة

تحيتي


الأستاذة الجميلة .. ربيحة الرفاعي ..

تقديري لمرورك سيدتي في كل مرة .. وهذا يزيدني شرفا
وأتمنى أن يستحق نصي كل هذا ..

تحياتي

محمد محمود محمد شعبان
05-02-2012, 06:08 PM
" هيا حبيبتي .. تودين البقاء هنا .. قد أعددت لك الفراش ، هيا استرخي فيه .. نعم لا سرير هنا .. أنا آسف ! ...ولكن هكذا يلائمك أكثر ...أنا آسف !!"

أنزلها إلى الحفرة وأهال عليها التراب " الوداع ...يا حلوتي !"


غاية في التأثير .. أن يدفن الإنسان حياته ومستقبله ونعيمه .. ترى ستتطيب له الحياة بعد .. تري سيسمع ذات يوم لحنا يدغدغ ألمه فيطرب له .. كلي أمل في ذلك .. وإلا فما أشقها دنيا . شكرا لك أختي دينا فقد أمتعتني كثيرا .. دمت

دينا نبيل
12-02-2012, 06:23 AM
أيًّا كانت القراءة التي سأصل إليها وهي كثيرة وهذه ميزة ... فإنني قضيت دقائق ممتعة بصحبة هذه القصة الثرية
كنت هنا ولن أعلن ندمي ... فنصك موغلٌ في الاستلاب وهذه ميزةٌ أخرى
مودتي كما يليق


أ / وليد الرشيد ..

تقديري لمرورك وتعليقك الجميل الذي أثمنه بالكثير..

أثق في ذائقتكم .. وسعيدة بتفاعلكم

تقبلوا التحايا

ناديه محمد الجابي
03-02-2013, 12:47 AM
قصة كتبت بلغة شاعرية .. ساحرة .. مليئة بالغموض
وكأننا نشاهد أحد أفلام الأثارة ـ وقد أخذ صوت السلاسل
فى تأرجحها فى الظلام تجعلنا نسمع صوت السلاسل وكأنها
زفرات أو صراخ .. وإذ به يتسلل من ورائها ليعطيها
دفعة قوية .. تطير من أرجوحتها .

يتحدث إليها فى الجزء الثانى وقد انتهت فى لحظة جنون ..
وقد تحول فستانها الأبيض إلى أحمر واكتسى بدمائها
وقد تمرغت بالتراب .. وفى لحظات هى أقرب إلى الجنون
نجده يدفنها ويودعها ..
أعجبتنى هذة القصة وصدق من قال : من الحب ما قتل
أمتعتنا وأكثر .

نداء غريب صبري
16-02-2013, 03:26 PM
أماتها بجنونه
وأسكنها قبرا تتحرك الدنيا بالأحياء فوقه

قصة رائعة
امتعتني قراءتها

شكرا لك أختي