المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البيت المسكون



كاملة بدارنه
20-11-2011, 02:26 PM
تمتدّ حبال الزّينة متجاوزة ساحة البيت لتصل الشّارع، وتلفت أنظار المارّة الذين يعتريهم الفضول والدّهشة لمعرفة المناسبة...
الكبش يذبح على عتبة البيت الكبير، والزّغاريد يهزّ صداها جدران البيت، وأطفال الحارة يُرشّون بالحلوى والنّقود؛ فرحا بقدوم المولود الذي انتظرته العائلة، وخاصّة الجدّ الذي غلب بياض شعر شاربه سواده لطول الانتظار .
هو الحفيد الذي سيحمل اسمه، الذي خشي عليه من الدّفن، دون أسماء رجال عائلته، فابنه الوحيد بين السّبع البنات، رزق بذكر بعد الثلاث الإناث وبعد الإجهاض المتكرّر للأجنّة الذّكور.
استُقبل المهنئون طيلة الأسبوع، ومُدّت الولائم، وسمع ديوان من الأدعية رغبة في طلب التّوفيق والعمر المديد الرّغيد.
غيّبت لهفة الجدّ وفرحته حضوره عن زائريه. فكان ينسى الرّد بمجاملاته المعهودة، حتّى يلمزه ابنه الذي لا يفضّل أن يطغى حديثه على حديث أبيه.
لقد طُويت كلّ صفحات الانتظار والتمرّغ على أضرحة الأولياء الصّالحين، وستحبس الدموع التي ذرفت سرّا في مآقيها؛ لأنّ عيب الرجال دموعها. ولا ينقص سوى التّخضيب بالحنّاء، وزيارة الحفيد لمقام سيّدنا الخضر، المكان الأخير الذي نذر فيه الجدّ.
أنشدت السّعادة مواويلها، وطوّقت البيت بحروفها ومزاميرها، حتّى مرور الستّة الشهور الأولى بعد الولادة، دون الإحساس بشطبها من سجلّ أيّام حياة العائلة عامّة والجدّ خاصّة. وإذا بأمّ الصّبيّ تستنجد بأبيه وبالجدّ وبالجميع؛ كي يرَوا وليدها المنتفض بين يديها، وحرارة جسمه الذي تتحسّسه تكاد تدفئ الغرفة.
كان الجدّ أوّل الوافدين هلِعا محوقلا ومبسملا وصائحا بزوجته أن تذهب لإحضار الجارة العجوز (أم صالح) كي ترقي الرّضيع.
إنّ قلبه يحدّثه ويقطع عليه تفكيره ويستحضر كلام "الدّاية" التي كانت تزورهم بعد أن تجهض كنّته قائلة له: إنّ "التّابعة" من الجن تسبّب إجهاض الذّكور دون الإناث. إذن، ربّما ستحاول خنق الرّضيع حفيده !
لا. لا يستطيع أن يتحمّل هذه النتيجة...أسرعوا لإحضار أمّ صالح.
وصلت الرّاقية تكاد لا تستطيع التقاط أنفاسها، فهي تحترم الجدّ كثيرا؛ لأنه يبسط لها يده كلّ البسط ، ويسهر أحيانا لحمايتها، عندما تخبره أنّها تحسّ بحركات للّصوص حول بيتها.
طلبت كسرة من خبز القمح، وبدأت تقرأ فوق الرّضيع الذي وضعته في حضنها، واهتزاز يدها يكاد يوقعه، ويدها الثابتة تُمرَّر فوقه ثم تُنفض لنفض الأذى عنه.
" أوّلها بسم الله، ثانيها بسم الله... عاشِرها بسم الله... لقاها سيدنا سليمان في البريّة ، قال لها ايش تكوني يا لاعنه يا ملعونه قالت له: أنا العين العينيّه ، انا التّابعه الرّديّه، باخذ الولد من سريره...."
تدفقت كلمات الجملة الأخيرة عبر قنوات أذنيه سيولا تحمل كتلا صخرية مسنّنة، تمزّق حواشي هذه القنوات، فأحكم إغلاق مداخلها ريثما تنهي الجارة رقيتها الشّعبيّة، ويطمئنّ على حفيده.
يقف الجميع واجمين، ورياح القلق تعصف بهم دون تحريكهم، عدا الأم التي قذفتها أمواج الخوف والحيرة صوب رجليّ ابنها، تمسك بهما خوف أن يهرب منها، وهو الرّضيع الذي يلازم السّرير.
تنفّس الجمع الصعداء عندما طمأنتهم أم صالح، بعد أن حوّطته ببركاتها وبرقيتها المعهودة التي تبعد بها "أم الصّبيان" عن الأطفال.
لكنّ قلب الجدّ غادرته السّكينة التي سكنته منذ ولادة الطفل واستكان إليها، غادرته ليحلّ محلّها الارتباك والانقباض!
نبشت ذاكرتَه الحكاياتُ التي تناقلها سكّان الحارة عن البيت القديم، الذي يسكنه الآن هو وعائلته ، حيث رمّمه بعد أن اشتراه من أحد الوجهاء الذي غادره إلى وجهة أخرى. ودارت يومها الشّائعات على الألسن بأنّ البيت مسكون بالجانّ الذين أجبروه على مغادرته بعد أن فقد ثلاثة من المواليد أحفاده، وكاد يفقد عقله.
تذكّر يوم اشتراه متحدّيا كلّ الخرافات والشّائعات، ورمّمة تاركا غرفة المؤونة التي خزنت فيها أطنان القمح وخوابي الزّيت، على حالها.
"ترى هل يعقل أن تكون هذه الغرفة المهجورة بيتا لأولئك العفاريت الذين يغادرونها متى شاء لهم، ليطوفوا في بيتي أرواحا شرّيرة تؤذي صغاري من الأحفاد، مثلما طال أذاهم أحفاد صاحب البيت ؟!...
تساءل الخوف الذي يعتصر قلبه وعقله؛ علّه يخفّف من وطاة ما يغوص فيه من سوداويّة أفكاره ومشاعره، بعد أن اشرأبّت الأماني تزاحم الغيوم في عليائها، لحظة صرخ حفيده معلنا للملأ قدومه وتخليد اسمه...
لا شكّ أنّ البحث عن إجابة لتساؤلاته وعن حلّ اللغز الذي تناثرت رموزه أمامه، سيخفّف عنه ويجعله يمسك بعكّاز الأمل الذي يسنده!
" لا يستطبع جنيّ أو إنسيّ حرماني من شجرة أحلامي التي أخضبت حديثا، سأهدم هذه الغرفة فوق رؤوس تلك الأشباح التي تغافلني وتحاول اقتلاع ما رويته من عصارات عمري وجسمي".
أرسلَ في استدعاء أحد العاملين على آليات الهدم ، لينفّذ ما عقد العزم عليه في الصّباح الباكر.
بات يتأمّل تلك الغرفة الصّغيرة، ولا يعرف لماذا لم يدمجها وبيته؟
حتّى إنّه لم يحاول الدّخول إليها لمعرفة ما فيها.
جذبته أفكاره ثانية صوب من يسمّون "عُمّار" المكان بل "هدّامه". ربما حجبوا عنه الرّؤية الصّحيحة كي يعيثوا في البيت فسادا، لذلك لم يقم بإصلاحها واستعمالها. واستحوذت على فكره صورة العجائز اللواتي ردّدن على مسامعه أنّ زوجة ابنه تفقد الأجنّة من الذّكور؛ لأنّ تابعتها من الجنّ تقتلهم! .
يومها ثارت ثائرته عليهنّ واتّهمهنّ بالخرف .
لا. لن يتهمهنّ بعد... سيصدّق ما يقلنه؛ لأنّ أولئك الملعونين، أعوان ابليس، ربّما يحاولون خنق حفيده، الذي لم يتوقّف عن البكاء حتّى بعد رُقية أم صالح واستدعاء الطّبيب .
سيهدم مكان سكناهم؛ ليتخلّص منهم ولن يترك البيت مثلما فعل صاحبه.
فيما كانت أفكاره تطوف به، سمع أنينا يعلو صوته، وتنتشر موجاته عبر ساحة البيت. تحقّق من المصدر فكان الغرفة التي ينوي هدمها.
"أيعقل أن يكون هذا صوت عزيف الجن الذي خبّرتني عنه العجائز وسكان الحي؟ والذي بسببه هُجر البيت؟... كيف لم أعر هذا الأمر اهتماما منذ تزوج ابني؟...
متى سيلج النّهار في الليل وتتبدّد هذه الظلمات جمعاء؟!... ما أطوله من ليل!
أضاءت خيوط نور الشّمس أفق البلدة، فلبّى صاحب آلة الهدم طلب الجدّ مسرعا. وما إن بدأ صوت الآلة يعلو، حتى أرعدت أصوات النّساء مبتلعة الأصوات الأخرى بولولتها وصراخها، وهي متحلّقة حول الأمّ التي تحاول إرضاع ابنها قسرا ، فلا يفلح في التهام ما يفيض من ثديها، ولا يحرّك ساكنا! وترفض إبعاده عن صدرها .
تنبعث الأصوات من داخل البيت، لكنّ الجدّ لا يريد أن يصغي لها .
خفَتَ صوت الآلة، فسمع الجدّ عويلا يخرج من داخل الغرفة التي ينوي التخلّص منها. أنصت وتتبّع المخرج حتى وجد الحنجرة التي ينطلق منها هذا العويل . وإذ بقطّة تحاول حماية صغارها تنوح وتئنّ فزعا من الحجارة التي تكوّمت حولها . هجم عليها محاولا قتلها، فزادت من شراستها وضاعفت من صراخها هي وصغارها .أمر العامل أن يرمي بالحجارة صوبها لقتلها؛ لأنّ الجنّ يتجسّد في القطط ، وقد حان الوقت للتخلّص منه. فها هو أمامه، ويجب قتله قبل أن ينال من حفيده!.
تدفّقت داخله أنهار من الزّهو والفرح، وهو يحمل الجنّ المقتول متّجها صوب حفيده ليُريَه غريمه. لكن، لحظة وصوله انفجرت تلك الأنهار وجرت دما ودموعا، وتدحرجت وحجارة الغرفة الملعونة، جارفة معها كلّ بلّورات سور الأحلام والأمنيّات والنّذور، حين استقبله حمَلةُ حفيده معزّين بكلمات قطّعت الغصّة حروفها:
"عوضك على الله. "هو الحيّ الباقي".

ياسر ميمو
20-11-2011, 09:30 PM
السلام عليكم أستاذة كاملة


البيت المسكون رواية ما زالت مثار شك وجدل


حقيقة بداية النص كانت جد دافئة و فيها رائحة البلد والشرق



نص يستحق كل التقدير والاهتمام



أديبتنا الراقية شكراً جزيلاً لك

فاطمه عبد القادر
21-11-2011, 12:26 PM
حيث رمّمه بعد أن اشتراه من أحد الوجهاء الذي غادره إلى وجهة أخرى. ودارت يومها الشّائعات على الألسن بأنّ البيت مسكون بالجانّ الذين أجبروه على مغادرته بعد أن فقد ثلاثة من المواليد أحفاده، وكاد يفقد عقله.
تذكّر يوم اشتراه متحدّيا كلّ الخرافات والشّائعات، ورمّمة تاركا غرفة المؤونة التي خزنت فيها أطنان القمح وخوابي الزّيت، على حالها.



السلام عليكم
ما أجمل هذة القصة
لذيذة ,مشوقة ,تحمل القارىء معها حيث المكان والزمان
لقد شدتني منذ البداية حتى النهاية
قصص الجن مثيرة للجدل
وقد وضعتنا الكاتبة أمام علامة استفهام كبرى
حتى الجد نفسه لم يصدقها في البداية ,وعندما رأى الخطر قرر هدم الغرفة
هل يوجد لحد اليوم من يستدعي الراقية بدل الطبيب ؟؟؟
أم أن القصة قد حصلت في زمن غير هذا ؟

شكرا لك ا صديقتي العزيزة كاملة
كانت القصة في غاية الروعة, سلسة ,مشوقة ,ودافئة
وأيضا مثيرة للجدل
ماسة

الحسين المسعودي
22-11-2011, 08:56 PM
أديبتنا المكرمة:
لا أنكر أني استمتعت بهذه القصة ،فرغم أن الموضوع قد طرق بكثرة إلا أن كلا له زاوية نظره الخاصة و أسلوبه الخاص ، خاصة أن قاصتنا المبدعة قد امتاحت تعابيرها و مفرداتها من الموروث الديني تارة و من الشعبي تارة ثانية و من مخزونها الأدبي و اللغوي أحايين أخرى.
مسألة الجن أو الدار المسكونة في نظري أمر كائن، و لكن ما يزيد من حدته نظرتنا إلى المسألة وعلاقتها بالجانب النفسي.
شكرا لك سيدتي على الإبداع الجميل.

آمال المصري
23-11-2011, 08:33 PM
أبدعت أستاذتي الغالية في اصطحابك لنا لقصة مشوقة بلغة بديعة ومفردة قوية وسردية أجبرتنا على المتابعة
وخاتمة تركتنا مع سيل من الأسئلة عن السر الحقيقي وراء كل الأحداث من تكرار الإجهاض والذي يحدث لإسباب عديدة أغلبها مرضية
ومرض الوليد الذي ربما كان سببه ميكروب أو عدم الإلمام بالوعي الصحي واللجوء للوصفات البدائية
لغز الحجرة المهجورة وماينبعث منها من أنين وهل كانت بالفعل لقطةٍ أم روح شريرة كما توقعنا قبل الخاتمة
وهل كانت روح الوليد المقابل .. رغم إيماني الشديد بقول الله تعالى : وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاً بِإِذْنِ اللَّهِ - صدق الله العظيم
وبوجود الجن بدلائل صريحة من القرآن الكريم والحديث الشريف
قصة أدهشتني لروعتها كعهدي بك دائما
دمت متألقة
ولك جل تقديري

ربيحة الرفاعي
23-11-2011, 10:28 PM
دخول موفق وقف كواسط الخيمة راسما محورها ومبينا معالم معطاها المكاني وملامح بيئتها، ليجد القاريء لمردوده الفكري والثقافي موقعا له منه يقرأ النص ويسقبل محموله
وانتقال متمكن تصاعدت فيه وتيرة الحدث متوافقة مع التوقع، ومباغتة بتفاصيل أجادت الكاتبة فيها تجنيد ملكتها القصيّة وإمكاناتها اللغوية، واستثمرت في تصزيرها موروثا شعبيا ظاهر البصمة في تشكيل الوعي العام بغض النظر عن الشرائح الفكرية والثقافية..

نص ماتع ونافع أديبتنا الرائعة لا حرمناك

تحيتي

أحمد عيسى
24-11-2011, 05:42 PM
الأديبة المتألقة : كاملة بدارنة

استطعت بحرفية أن تنقلينا الى هذا الجو الريفي الآسر ، وما فيه من طيبة القرية وتكاتف أبنائها وبساطتهم ، حيث تنتشر الشائعات كأنها حقيقة واقعة ، ويصبح تصديق كل شيء ممكن
توقعت أن يتتبع هذا الجد خرافته ، حتى يقتل حفيده ، أو يتسبب بانهيار المنزل ، أو سقوط حجر على حفيده فيموت
غير أن ارادة الله ، جاءت ، ليموت كما قدر له أن يكون وما من شيء راد لقضاء الله
أحييك أديبتنا على هذه القدرة الرائعة على التصوير والامتاع في السرد
\
للتثبيت
احتفاء بهذا النص الماتع

زهراء المقدسية
28-11-2011, 05:22 AM
لن أقول خزعبلات فكما هناك البيت المسكون هناك الإنسان المسكون
لكن كل ما يقع فهو بأمره سبحانه وليس بأحد بنافع أو ضار إلا بمشيئته سبحانه
وإلا وقعنا فريسة الشرك والعياذ بالله

وقد روي عنه صلوات ربي عليه قوله:
ما منكم من أحد، إلا و قد وكل به قرينه من الجن، و قرينه من الملائكة . قالوا : و إياك ؟
قال : و إياي، إلا إن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير

شكري وامتناني على ما تتحفينا به دوما رائعتي كاملة
وألف تحية تليق

كاملة بدارنه
08-12-2011, 04:41 PM
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركانه أخ ياسر

البيت المسكون رواية ما زالت مثار شك وجدل
صدقت في هذا... هناك من يؤمن بإمكانيّة سكنى الجنّ في بيوت الإنس مع الإتيان بإثباتات، وهناك من ينكر...
لكن يرسخ في الفكر الشّعبيّ الإيمان المطلق (باحتلال) الجنّ لبعض بيوت الإنس، وأذيّة أصحابها
شكرا لك على مرورك
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
12-12-2011, 06:30 PM
هل يوجد لحد اليوم من يستدعي الراقية بدل الطبيب ؟؟؟
أم أن القصة قد حصلت في زمن غير هذا ؟
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته عزيزتي الأخت فاطمة
نعم، يوجد من يستدعي الرّاقية إضافة للطّبيب. ولكن هنا تغلّب التّفكير العاطفي على العقلاني، بسبب الخوف من تكرار الحالات القديمة من الفقد، ولأنّ الوليد بعد نذور، وزيارات لقبور الأولياء الصّالحين. فالحبكة تتطلّب استدعاء الرّاقية بدلا من الطّبيب.
شكرا لك على مرورك المثري
تقديري وتحيّتي

سكينة الصميدعي
13-12-2011, 10:44 PM
الجهل ثم الجهل ثم الجهل
هو السبب في كل الذي حدث
والذي يحدث الان في مجتمعاتنا ..
اشكر الحبر والفكر ..

كاملة بدارنه
19-12-2011, 09:44 PM
الشّكر لك أخي الحسين على نظرتك العميقة للأمور

مسألة الجن أو الدار المسكونة في نظري أمر كائن، و لكن ما يزيد من حدته نظرتنا إلى المسألة وعلاقتها بالجانب النفسي.
للفكر الشّعبيّ المتوارث تأثير كبير على النّاس وحياتهم، خاصّة في الظّروف الصّعبة، والتي لا يستطيع فيها العقل أن يفكّر بالطّرق السّويّة، فيخلط بين الدّين والخرافة, والوهم!
تقديري وتحيّتي

محمد ذيب سليمان
19-12-2011, 11:02 PM
قرأتها وكانني اعيش اللحظة تلك

بمنا ترسب في ذاكرتي منت احاديث

وافعال كنت اراها واتابعها في قريتنا

قصة اخذت كل انتباهي

شكرا لك

كاملة بدارنه
25-12-2011, 10:40 AM
:
وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاً بِإِذْنِ اللَّهِ - صدق الله العظيم

ما يضرّنا هو أفكارنا ووسوساتنا وما توارثناه من معتقدات شعبيّة بعيدة أحيانا عن التّعاليم الدّينيّة
الجن موجود، وموت الأطفال المفاجئ موجود ، وما يسمّى بالموت السّريري لم يحدّد سببه حتّى الآن طبيّا
والتّراث الشّعبي زاخر بالحكايات التي تظهر وجود التّابعة (نوع من الجن) تؤذي الأطفال وربّما تخنقهم
ويعيش الإنسان صراعات عندما يعجز عن كشف مسبّبات ما يعاني منه، فمنهم من يضعف إيمانه، ومنهم من يقوى ولا يجد ملجأ سوى الله
شكرا لك عزيزتي رنيم على مرورك، وكلماتك ونظرتك الثّاقبة
بوركت
تقديري و تحيّتي

كاملة بدارنه
25-12-2011, 10:44 AM
دخول موفق وقف كواسط الخيمة راسما محورها ومبينا معالم معطاها المكاني وملامح بيئتها، ليجد القاريء لمردوده الفكري والثقافي موقعا له منه يقرأ النص ويسقبل محموله
وانتقال متمكن تصاعدت فيه وتيرة الحدث متوافقة مع التوقع، ومباغتة بتفاصيل أجادت الكاتبة فيها تجنيد ملكتها القصيّة وإمكاناتها اللغوية، واستثمرت في تصزيرها موروثا شعبيا ظاهر البصمة في تشكيل الوعي العام بغض النظر عن الشرائح الفكرية والثقافية..

نص ماتع ونافع أديبتنا الرائعة لا حرمناك

تحيتي


أشكر هذا المرور وهذه القراءة السّريعة الموضّحة لما تحويه السّطور
لا حرمنا طلّتك البهيّة عزيزتي ربيحة
بوركت
تقديري وتحيّتي

أحمد الأستاذ
25-12-2011, 11:04 AM
الأديبة الرائعة .. كاملة بدران

سلمت يداك

قصة رائعة بقلم رائع
مشوقة إلى أبعد الحدود
قد لا اتقن فن الردود سيدتي
ولكني عشت القصة بكل تفاصيلها
بداية من العنوان الجذاب والبداية المشوقة والنهاية القاسية

تقديري واحترامي لك

:001:

آمال المصري
31-12-2011, 07:28 PM
تعددت الأسباب والموت واحد
ولكن تختلف النظرة باختلاف البيئة والحالة النفسية والزمان والمكان
أستاذة كاملة ...
تمتلكين قدرة سامقة على السرد والحكي تأخذنا معها متابعين مستمتعين ... ومستسلمين للحرف
تحيتي الخالصة

عايد راشد احمد
31-12-2011, 11:20 PM
السلام عليكم رحمة الله

الاستاذة الاديبة كاملة بدرانة

تحية عبيرها المسك والطيب لقصة طرحت قضية مهمة موجودة باغلب المجتمعات

فعندما نعجز عن فهم شئ او نضعف امامه فالسهل ان نرمي بالسبب علي الجن والعفاريت

وللأسف اليوم اهل القري او المناطق الشعبية وكثير من المتعلمين عندهم قناعة بان اي امر لا يستطيع فهمه او ايجاد حل له يؤله بانه من اسباب الجن

والدجالين هذه الايام في عصرهم الذهبي

قصة سلسة ذات مغزي مكسوة باسلوب بليغ سلس مع تسارع في الاحداث تدريجيا

تقبلي مروري وتحياتي

حميد العمراوي
01-01-2012, 05:24 PM
قصة فاخرة استمتعت بها حرفا حرفا

أحييك لما تعلمت منك من اساليب راقية و لغة متينة و حبك قصصي يشد الأنفاس

تحياتي سيدتي

كاملة بدارنه
07-01-2012, 07:30 PM
الأديبة المتألقة : كاملة بدارنة

استطعت بحرفية أن تنقلينا الى هذا الجو الريفي الآسر ، وما فيه من طيبة القرية وتكاتف أبنائها وبساطتهم ، حيث تنتشر الشائعات كأنها حقيقة واقعة ، ويصبح تصديق كل شيء ممكن
توقعت أن يتتبع هذا الجد خرافته ، حتى يقتل حفيده ، أو يتسبب بانهيار المنزل ، أو سقوط حجر على حفيده فيموت
غير أن ارادة الله ، جاءت ، ليموت كما قدر له أن يكون وما من شيء راد لقضاء الله
أحييك أديبتنا على هذه القدرة الرائعة على التصوير والامتاع في السرد
\
للتثبيت
احتفاء بهذا النص الماتع


مرورك أخ أحمد أسعدني، وشهادة أعتزّ بها من قاصّ متميّز
شكرا لك على مرورك، وحسن كلامك
وشكري الجزيل على التّثبيت
بارك الله بك
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
07-01-2012, 07:34 PM
وقد روي عنه صلوات ربي عليه قوله:
ما منكم من أحد، إلا و قد وكل به قرينه من الجن، و قرينه من الملائكة . قالوا : و إياك ؟
قال : و إياي، إلا إن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير

أشكرك عزيزتي زهراء على كتابة الحديث النّبويّ

ليتنا نحظى بخير قريننا، ولا نقع فريسة للوسوسة

أحيّي مرورك المثري

تقديري وتحيّتي

وليد عارف الرشيد
08-01-2012, 01:39 AM
ليس المهم أن يكون الموضوع مطروقاً أولا ... فكل مواضيع الحياة مطروقةٌ أو جلُّها فيما أحسب .. لكن المهم إدارة الموضوع وزاوية الرؤيا والقالب والأسلوب وغيرها من المؤثرات
المهم انني قرأت موروثاً قديماً قد يكون شائعاَ حتى الآن في كثير من مجتمعاتنا ... برعت الأخت الأديبة الكبيرة بنقلنا معها في بلوتوهات المشاهد وعذراً لاستخدام المصطلح ... ببراعة ونقلتنا بتشويق مستخدمةً مخزونها اللغوي والثقافي مع تطعيمها بالجانب الجمالي المدهش والنقل الواقعي باستخدام جمل محكية معبرة عن الحدث فأقنعتنا أكثر وورطتنا بالمشهدية وكان كل شيء يسير باتجاه رؤيا واحدة أو زاوية رؤيا ضيقة حتى بدأت تتسع رويداً بالمونولوج الحاصل مع الجد وانتقاله المفاجئ من الجانب المكذب إلى الآخر وما رافق ذلك من تخريفات الجارة وغيرها وله في النص ما يبرره من الخوف على مولودٍ طال انتظاره ... ما أتوقف عنده سيدتي هو النهاية التي ربما كانت بجانب منها مدهش ومؤثر في إقحام القطة الضحية وأبنائها اما الجانب الآخر من مأساة الوفاة ربما ذكرني بتراجيديا عربية ليس لها مقدمات هيأتني لها فلم أجد في النص ما يمهد لها وبهذا التوقيت بالذات مع إيماني بانها خدمت الفكرة ... نصٌ ثريٌ لكاتبةٍ ثرية
أعذريني على الإطالة فإعجابي بإبداعاتك جعلني أطيل المكوث بين رحبها وها أنا القارئ التلميذ سمح لنفسه بالتحليل وتوجيه ملاحظة لأستاذة قديرة فاغفري له وقوِّميه إن أخطأ الرؤيا
مودتي وتقديري وإعجابي بما تخط يداك من إبداع أيتها الأخت الفاضلة

كاملة بدارنه
12-01-2012, 09:37 PM
الجهل ثم الجهل ثم الجهل
هو السبب في كل الذي حدث
والذي يحدث الان في مجتمعاتنا ..
اشكر الحبر والفكر ..
الجهل له نصيب فيما حصل، ولكن هناك غيبيّات لا نعرف كنهها.
شكرا لك أخت سكينة
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
12-01-2012, 09:40 PM
قرأتها وكانني اعيش اللحظة تلك

بمنا ترسب في ذاكرتي منت احاديث

وافعال كنت اراها واتابعها في قريتنا

هي قصّة معظم أحداثها من ملفّات ذاكرة الطّفولة
شكرا لك أستاذ محمّد على مرورك العبق
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
12-01-2012, 09:42 PM
قد لا اتقن فن الردود سيدتي
ولكني عشت القصة بكل تفاصيلها
بداية من العنوان الجذاب والبداية المشوقة والنهاية القاسية
شكرا على الرّدّ المتقن جدّا
بارك الله بك أخ أحمد
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
03-02-2013, 06:01 PM
عالم الجن عالم يكتنفه الغموض والغرابة والإثارة والتشويق ..
وهناك روايات كثيرة متداولة بين الناس تقول أن الكثيرين شاهدوهم
في أشكال مختلفة خاصة في اشكال القطط والكلاب .

لغة سردية قوية البيان والبنيان
وقفلة صادمة مؤلمة ..
لقد رسمت بالكلمات بابا ولجه المتلقى فعاش الحدث
خالص المودة والتقدير .

الفرحان بوعزة
04-02-2013, 07:00 AM
المبدعة المتألقة .. كاملة .. تحية طيبة ..
نص شديد ومنيع على مستوى الحكي الجيد واللغة الشيقة المشيدة له ، فقد يتبين لنا أن النص قد قال كل شيء لأنه حافظ على مكتسب الحكاية التي توزعت على دعامات من بينها : الحلم / الذكرى / الاستيهام / التخيل / الاعتقاد / الرواية الشفهية / الغموض/ الباطل / الغرابة / التعجب / .... لكنه بقى مؤهولا ببذور الصمت ، مما يدفعنا للسعي وراء تفسير ممكن لدلالات مقنعة تتماشى مع المنطق والعقل والوازع الأخلاقي والديني ..أو غير مقنعة تتماشى مع الباطل والاعتقاد المنحرف المبني على الأسطورة والخرافة ..
جميل ما كتبت وأبدعت أختي كاملة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..

محمد الشرادي
04-02-2013, 10:57 PM
تمتدّ حبال الزّينة متجاوزة ساحة البيت لتصل الشّارع، وتلفت أنظار المارّة الذين يعتريهم الفضول والدّهشة لمعرفة المناسبة...
الكبش يذبح على عتبة البيت الكبير، والزّغاريد يهزّ صداها جدران البيت، وأطفال الحارة يُرشّون بالحلوى والنّقود؛ فرحا بقدوم المولود الذي انتظرته العائلة، وخاصّة الجدّ الذي غلب بياض شعر شاربه سواده لطول الانتظار .
هو الحفيد الذي سيحمل اسمه، الذي خشي عليه من الدّفن، دون أسماء رجال عائلته، فابنه الوحيد بين السّبع البنات، رزق بذكر بعد الثلاث الإناث وبعد الإجهاض المتكرّر للأجنّة الذّكور.
استُقبل المهنئون طيلة الأسبوع، ومُدّت الولائم، وسمع ديوان من الأدعية رغبة في طلب التّوفيق والعمر المديد الرّغيد.
غيّبت لهفة الجدّ وفرحته حضوره عن زائريه. فكان ينسى الرّد بمجاملاته المعهودة، حتّى يلمزه ابنه الذي لا يفضّل أن يطغى حديثه على حديث أبيه.
لقد طُويت كلّ صفحات الانتظار والتمرّغ على أضرحة الأولياء الصّالحين، وستحبس الدموع التي ذرفت سرّا في مآقيها؛ لأنّ عيب الرجال دموعها. ولا ينقص سوى التّخضيب بالحنّاء، وزيارة الحفيد لمقام سيّدنا الخضر، المكان الأخير الذي نذر فيه الجدّ.
أنشدت السّعادة مواويلها، وطوّقت البيت بحروفها ومزاميرها، حتّى مرور الستّة الشهور الأولى بعد الولادة، دون الإحساس بشطبها من سجلّ أيّام حياة العائلة عامّة والجدّ خاصّة. وإذا بأمّ الصّبيّ تستنجد بأبيه وبالجدّ وبالجميع؛ كي يرَوا وليدها المنتفض بين يديها، وحرارة جسمه الذي تتحسّسه تكاد تدفئ الغرفة.
كان الجدّ أوّل الوافدين هلِعا محوقلا ومبسملا وصائحا بزوجته أن تذهب لإحضار الجارة العجوز (أم صالح) كي ترقي الرّضيع.
إنّ قلبه يحدّثه ويقطع عليه تفكيره ويستحضر كلام "الدّاية" التي كانت تزورهم بعد أن تجهض كنّته قائلة له: إنّ "التّابعة" من الجن تسبّب إجهاض الذّكور دون الإناث. إذن، ربّما ستحاول خنق الرّضيع حفيده !
لا. لا يستطيع أن يتحمّل هذه النتيجة...أسرعوا لإحضار أمّ صالح.
وصلت الرّاقية تكاد لا تستطيع التقاط أنفاسها، فهي تحترم الجدّ كثيرا؛ لأنه يبسط لها يده كلّ البسط ، ويسهر أحيانا لحمايتها، عندما تخبره أنّها تحسّ بحركات للّصوص حول بيتها.
طلبت كسرة من خبز القمح، وبدأت تقرأ فوق الرّضيع الذي وضعته في حضنها، واهتزاز يدها يكاد يوقعه، ويدها الثابتة تُمرَّر فوقه ثم تُنفض لنفض الأذى عنه.
" أوّلها بسم الله، ثانيها بسم الله... عاشِرها بسم الله... لقاها سيدنا سليمان في البريّة ، قال لها ايش تكوني يا لاعنه يا ملعونه قالت له: أنا العين العينيّه ، انا التّابعه الرّديّه، باخذ الولد من سريره...."
تدفقت كلمات الجملة الأخيرة عبر قنوات أذنيه سيولا تحمل كتلا صخرية مسنّنة، تمزّق حواشي هذه القنوات، فأحكم إغلاق مداخلها ريثما تنهي الجارة رقيتها الشّعبيّة، ويطمئنّ على حفيده.
يقف الجميع واجمين، ورياح القلق تعصف بهم دون تحريكهم، عدا الأم التي قذفتها أمواج الخوف والحيرة صوب رجليّ ابنها، تمسك بهما خوف أن يهرب منها، وهو الرّضيع الذي يلازم السّرير.
تنفّس الجمع الصعداء عندما طمأنتهم أم صالح، بعد أن حوّطته ببركاتها وبرقيتها المعهودة التي تبعد بها "أم الصّبيان" عن الأطفال.
لكنّ قلب الجدّ غادرته السّكينة التي سكنته منذ ولادة الطفل واستكان إليها، غادرته ليحلّ محلّها الارتباك والانقباض!
نبشت ذاكرتَه الحكاياتُ التي تناقلها سكّان الحارة عن البيت القديم، الذي يسكنه الآن هو وعائلته ، حيث رمّمه بعد أن اشتراه من أحد الوجهاء الذي غادره إلى وجهة أخرى. ودارت يومها الشّائعات على الألسن بأنّ البيت مسكون بالجانّ الذين أجبروه على مغادرته بعد أن فقد ثلاثة من المواليد أحفاده، وكاد يفقد عقله.
تذكّر يوم اشتراه متحدّيا كلّ الخرافات والشّائعات، ورمّمة تاركا غرفة المؤونة التي خزنت فيها أطنان القمح وخوابي الزّيت، على حالها.
"ترى هل يعقل أن تكون هذه الغرفة المهجورة بيتا لأولئك العفاريت الذين يغادرونها متى شاء لهم، ليطوفوا في بيتي أرواحا شرّيرة تؤذي صغاري من الأحفاد، مثلما طال أذاهم أحفاد صاحب البيت ؟!...
تساءل الخوف الذي يعتصر قلبه وعقله؛ علّه يخفّف من وطاة ما يغوص فيه من سوداويّة أفكاره ومشاعره، بعد أن اشرأبّت الأماني تزاحم الغيوم في عليائها، لحظة صرخ حفيده معلنا للملأ قدومه وتخليد اسمه...
لا شكّ أنّ البحث عن إجابة لتساؤلاته وعن حلّ اللغز الذي تناثرت رموزه أمامه، سيخفّف عنه ويجعله يمسك بعكّاز الأمل الذي يسنده!
" لا يستطبع جنيّ أو إنسيّ حرماني من شجرة أحلامي التي أخضبت حديثا، سأهدم هذه الغرفة فوق رؤوس تلك الأشباح التي تغافلني وتحاول اقتلاع ما رويته من عصارات عمري وجسمي".
أرسلَ في استدعاء أحد العاملين على آليات الهدم ، لينفّذ ما عقد العزم عليه في الصّباح الباكر.
بات يتأمّل تلك الغرفة الصّغيرة، ولا يعرف لماذا لم يدمجها وبيته؟
حتّى إنّه لم يحاول الدّخول إليها لمعرفة ما فيها.
جذبته أفكاره ثانية صوب من يسمّون "عُمّار" المكان بل "هدّامه". ربما حجبوا عنه الرّؤية الصّحيحة كي يعيثوا في البيت فسادا، لذلك لم يقم بإصلاحها واستعمالها. واستحوذت على فكره صورة العجائز اللواتي ردّدن على مسامعه أنّ زوجة ابنه تفقد الأجنّة من الذّكور؛ لأنّ تابعتها من الجنّ تقتلهم! .
يومها ثارت ثائرته عليهنّ واتّهمهنّ بالخرف .
لا. لن يتهمهنّ بعد... سيصدّق ما يقلنه؛ لأنّ أولئك الملعونين، أعوان ابليس، ربّما يحاولون خنق حفيده، الذي لم يتوقّف عن البكاء حتّى بعد رُقية أم صالح واستدعاء الطّبيب .
سيهدم مكان سكناهم؛ ليتخلّص منهم ولن يترك البيت مثلما فعل صاحبه.
فيما كانت أفكاره تطوف به، سمع أنينا يعلو صوته، وتنتشر موجاته عبر ساحة البيت. تحقّق من المصدر فكان الغرفة التي ينوي هدمها.
"أيعقل أن يكون هذا صوت عزيف الجن الذي خبّرتني عنه العجائز وسكان الحي؟ والذي بسببه هُجر البيت؟... كيف لم أعر هذا الأمر اهتماما منذ تزوج ابني؟...
متى سيلج النّهار في الليل وتتبدّد هذه الظلمات جمعاء؟!... ما أطوله من ليل!
أضاءت خيوط نور الشّمس أفق البلدة، فلبّى صاحب آلة الهدم طلب الجدّ مسرعا. وما إن بدأ صوت الآلة يعلو، حتى أرعدت أصوات النّساء مبتلعة الأصوات الأخرى بولولتها وصراخها، وهي متحلّقة حول الأمّ التي تحاول إرضاع ابنها قسرا ، فلا يفلح في التهام ما يفيض من ثديها، ولا يحرّك ساكنا! وترفض إبعاده عن صدرها .
تنبعث الأصوات من داخل البيت، لكنّ الجدّ لا يريد أن يصغي لها .
خفَتَ صوت الآلة، فسمع الجدّ عويلا يخرج من داخل الغرفة التي ينوي التخلّص منها. أنصت وتتبّع المخرج حتى وجد الحنجرة التي ينطلق منها هذا العويل . وإذ بقطّة تحاول حماية صغارها تنوح وتئنّ فزعا من الحجارة التي تكوّمت حولها . هجم عليها محاولا قتلها، فزادت من شراستها وضاعفت من صراخها هي وصغارها .أمر العامل أن يرمي بالحجارة صوبها لقتلها؛ لأنّ الجنّ يتجسّد في القطط ، وقد حان الوقت للتخلّص منه. فها هو أمامه، ويجب قتله قبل أن ينال من حفيده!.
تدفّقت داخله أنهار من الزّهو والفرح، وهو يحمل الجنّ المقتول متّجها صوب حفيده ليُريَه غريمه. لكن، لحظة وصوله انفجرت تلك الأنهار وجرت دما ودموعا، وتدحرجت وحجارة الغرفة الملعونة، جارفة معها كلّ بلّورات سور الأحلام والأمنيّات والنّذور، حين استقبله حمَلةُ حفيده معزّين بكلمات قطّعت الغصّة حروفها:
"عوضك على الله. "هو الحيّ الباقي".

أخت كاملة
ذكرني هذا النص يرواية - مراعي الفردوس - لجون شتاين باك. حيث يوجد منزل بواد رائع. كل من سكنه و حلم بأن يعيش فيه في راحة و وفرة في النسل. إلا و خرج منه يحمل جراحا كبيرة حيث الموت أو سوء الطالع...يطارده. و النص هنا يتحدث عن الخرافة و كيف يتوارثها الناس عبر الأجيال...خرافة الجن و أم الصبيان...و سكنها لبعض البيوت مما يخلق صراعا بينها و بين البشر على من هو قمين بالسكن فيه. فالبيت لا يحتمل أن يقطنه الإنس و البشر على واحد إلغاء الآخر. لا مجال للتعايش، لأن كل واحد يحمل فكرة مسبقة عن الآخر. الجن: يعتبر البشر محتكرين و لايفكرون إلا في الشر. و البشر يخافون الجن لأنهم كائنات تؤذي الناس صغارا و كبارا.
وهذه الثقافة المفعمة بالخرافة منتشرة في كل مكان لكن في الأماكن التي يسود فيها الجهل و يضعف فيها إيمان الناس تكون أكثر انتشارا بل تكون المهيمنة على عقول الناس...و على هامشها تزدهر الكثير من المهن المناسبة .كالعطارين...المنجمين...الشو فات...السحرة...
و يصبح اللجوء إلى العلم و الله أمر لا طائل منه بل في هذه الحالة يجب اللجوء إلى العرافات و الساحرات و كثيرا ما تضيع الأرواح بهذا الاعتقاد الخاطئ.
نص يعالج ظاهرة تحضر بقوة في حياتنا...
مودتي

نداء غريب صبري
16-02-2013, 03:32 PM
الخرافة والجهل تتحكم بالناس في بعض البيئات
وكلما حكمتهم تاكد\وا بنتائج ذلك من صحتها أكثر

قصة جميلة جدا أستاذتي كاملة بدرانة

أنت قاصة رائعة

أشكرك

كاملة بدارنه
22-02-2013, 03:12 AM
ليس المهم أن يكون الموضوع مطروقاً أولا ... فكل مواضيع الحياة مطروقةٌ أو جلُّها فيما أحسب .. لكن المهم إدارة الموضوع وزاوية الرؤيا والقالب والأسلوب وغيرها من المؤثرات
المهم انني قرأت موروثاً قديماً قد يكون شائعاَ حتى الآن في كثير من مجتمعاتنا ... برعت الأخت الأديبة الكبيرة بنقلنا معها في بلوتوهات المشاهد وعذراً لاستخدام المصطلح ... ببراعة ونقلتنا بتشويق مستخدمةً مخزونها اللغوي والثقافي مع تطعيمها بالجانب الجمالي المدهش والنقل الواقعي باستخدام جمل محكية معبرة عن الحدث فأقنعتنا أكثر وورطتنا بالمشهدية وكان كل شيء يسير باتجاه رؤيا واحدة أو زاوية رؤيا ضيقة حتى بدأت تتسع رويداً بالمونولوج الحاصل مع الجد وانتقاله المفاجئ من الجانب المكذب إلى الآخر وما رافق ذلك من تخريفات الجارة وغيرها وله في النص ما يبرره من الخوف على مولودٍ طال انتظاره ... ما أتوقف عنده سيدتي هو النهاية التي ربما كانت بجانب منها مدهش ومؤثر في إقحام القطة الضحية وأبنائها اما الجانب الآخر من مأساة الوفاة ربما ذكرني بتراجيديا عربية ليس لها مقدمات هيأتني لها فلم أجد في النص ما يمهد لها وبهذا التوقيت بالذات مع إيماني بانها خدمت الفكرة ... نصٌ ثريٌ لكاتبةٍ ثرية
أعذريني على الإطالة فإعجابي بإبداعاتك جعلني أطيل المكوث بين رحبها وها أنا القارئ التلميذ سمح لنفسه بالتحليل وتوجيه ملاحظة لأستاذة قديرة فاغفري له وقوِّميه إن أخطأ الرؤيا
مودتي وتقديري وإعجابي بما تخط يداك من إبداع أيتها الأخت الفاضلة
أهلا بك أخا وقارئا مميّزا لنصوصي دكتور وليد
سعدت بالمكوث الطّّويل لقارئ أستاذ وليس تلميذا
شكرا لك وبارك الله فيك
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
22-02-2013, 03:14 AM
عالم الجن عالم يكتنفه الغموض والغرابة والإثارة والتشويق ..
وهناك روايات كثيرة متداولة بين الناس تقول أن الكثيرين شاهدوهم
في أشكال مختلفة خاصة في اشكال القطط والكلاب .

لغة سردية قوية البيان والبنيان
وقفلة صادمة مؤلمة ..
لقد رسمت بالكلمات بابا ولجه المتلقى فعاش الحدث
خالص المودة والتقدير .
أهلا بك أخت نادية ...
شكرا لك على كلماتك ومداخلتك
بارك الله فيك
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
22-02-2013, 03:17 AM
المبدعة المتألقة .. كاملة .. تحية طيبة ..
نص شديد ومنيع على مستوى الحكي الجيد واللغة الشيقة المشيدة له ، فقد يتبين لنا أن النص قد قال كل شيء لأنه حافظ على مكتسب الحكاية التي توزعت على دعامات من بينها : الحلم / الذكرى / الاستيهام / التخيل / الاعتقاد / الرواية الشفهية / الغموض/ الباطل / الغرابة / التعجب / .... لكنه بقى مؤهولا ببذور الصمت ، مما يدفعنا للسعي وراء تفسير ممكن لدلالات مقنعة تتماشى مع المنطق والعقل والوازع الأخلاقي والديني ..أو غير مقنعة تتماشى مع الباطل والاعتقاد المنحرف المبني على الأسطورة والخرافة ..
جميل ما كتبت وأبدعت أختي كاملة ..
تقديري واحترامي ..
الفرحان بوعزة ..
وجميل حضورك أيضا أستاذي الأخ الفرحان بو عزّة الذي أعتزّ بمروره دائما
شكرا لك على الحضور والقراءة النّقديّة الموجزة المثرية
بوركت
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
22-02-2013, 03:22 AM
أخت كاملة
ذكرني هذا النص يرواية - مراعي الفردوس - لجون شتاين باك. حيث يوجد منزل بواد رائع. كل من سكنه و حلم بأن يعيش فيه في راحة و وفرة في النسل. إلا و خرج منه يحمل جراحا كبيرة حيث الموت أو سوء الطالع...يطارده. و النص هنا يتحدث عن الخرافة و كيف يتوارثها الناس عبر الأجيال...خرافة الجن و أم الصبيان...و سكنها لبعض البيوت مما يخلق صراعا بينها و بين البشر على من هو قمين بالسكن فيه. فالبيت لا يحتمل أن يقطنه الإنس و البشر على واحد إلغاء الآخر. لا مجال للتعايش، لأن كل واحد يحمل فكرة مسبقة عن الآخر. الجن: يعتبر البشر محتكرين و لايفكرون إلا في الشر. و البشر يخافون الجن لأنهم كائنات تؤذي الناس صغارا و كبارا.
وهذه الثقافة المفعمة بالخرافة منتشرة في كل مكان لكن في الأماكن التي يسود فيها الجهل و يضعف فيها إيمان الناس تكون أكثر انتشارا بل تكون المهيمنة على عقول الناس...و على هامشها تزدهر الكثير من المهن المناسبة .كالعطارين...المنجمين...الشو فات...السحرة...
و يصبح اللجوء إلى العلم و الله أمر لا طائل منه بل في هذه الحالة يجب اللجوء إلى العرافات و الساحرات و كثيرا ما تضيع الأرواح بهذا الاعتقاد الخاطئ.
نص يعالج ظاهرة تحضر بقوة في حياتنا...
مودتي
الكثير من الكتّاب طرحوا قضيّة الجن والشّعوذة في قصصهم أو رواياتهم... ويظل الموضوع يطرق طالما سيطرت الفكرة على العقول، وكان لها تأثير في حياة النّاس
ويبقى الإيمان بالله وبقدرته خير علاج
شكرا لك أخي الأستاذ محمّد على مرورك الكريم المثري
بارك الله فيك
تقديري وتحيّتي

كاملة بدارنه
22-02-2013, 03:24 AM
الخرافة والجهل تتحكم بالناس في بعض البيئات
وكلما حكمتهم تاكد\وا بنتائج ذلك من صحتها أكثر

قصة جميلة جدا أستاذتي كاملة بدرانة

أنت قاصة رائعة

أشكرك
وأنت أروع أختي نداء
شكرا لك على جميل كلامك وشهادتك التي أعتزّ بها
بوركت
تقديري وتحيّتي

د. سمير العمري
26-05-2013, 07:30 PM
قصة ارصد حالة المتوارث من خرافات وخزعبلات ترتكز في ظاهرها على أمر أقره الدين لتروغ بعد ذلك إلى أودية الضلالة والخرافة والخطل!

الأسلوب كان ماتعا والفكرة رغم أنها مطروحة إلا أنها جاءت بشكل جذب القارئ للمتابعة ، والنتيجة جاءت بخاتمة ذكية تقول أن لا مرد لقضاء الله متى كان!

لا فض فوك مبدعة!

تقديري

حارس كامل
26-05-2013, 10:47 PM
يالروعة النص
سرد ماتع ..لايدعك تتركه لحظة..تلهث وراءه حتي تصل إلي نهايتها
تحيتي وتقديري
المبدعة الكبيرة

خلود محمد جمعة
23-10-2014, 09:21 AM
هاجس شجرة العائلة وتعميرها للأبد سكن في العقول حتى أصابها بالمس
العين مذكورة بالقرآن والجن موجود والمس موجود ولكن يبدو ان المنطق والعقل قد غابا عن البعض
ربط الحالة المرضية بالجن ما هو الا سوء تقدير وجهل
الانتظار للوريث الذكر الذي سيخلد اسم العائلة وموت الأجنة على اعتبارهم ذكور وبقاء الاناث عزز فكرة التابعة
وعند ايفاء النذر وزيارة القديسين ظن الجد انه انتصر على القدر ليمرض الطفل ويُعيد الهاجس المرضي لجده حين اجتر ذكرياته وتأكد له ان الجن هو المسؤول
هدم الغرفة وقتل القطة ظاناً انه انقذ حفيده ليجده ميتا ويتلقى تعازيه
قصة من أرض الواقع صيغت باتقان و صورت بدقة ذلك الركن الصغير المعتم في تفكيرنا والذي يأخذ مساحات كبيرة من عمرنا وربما عمرنا كله قبل أن نستطيع مسح معالم الجهل والبدعة والخرافة منه
البيت المسكون عنوان جاذب والقصة رائعة والاسلوب مشوق يا صاحبة الحرف الذهبي
دمت كاملة
كل التقدير ومودتي
:014::014::014:

كاملة بدارنه
06-12-2014, 09:49 PM
قصة ارصد حالة المتوارث من خرافات وخزعبلات ترتكز في ظاهرها على أمر أقره الدين لتروغ بعد ذلك إلى أودية الضلالة والخرافة والخطل!

الأسلوب كان ماتعا والفكرة رغم أنها مطروحة إلا أنها جاءت بشكل جذب القارئ للمتابعة ، والنتيجة جاءت بخاتمة ذكية تقول أن لا مرد لقضاء الله متى كان!

لا فض فوك مبدعة!

تقديري
لا مردّ لقضاء الله ! "بيده الملك وهو على كلّ شيء قدير"
شكرا لك أخي الدّكتور سمير على مداخلتك ومرورك الكريمين
بوركت
تقديري وتحيّتي

ناديه محمد الجابي
20-11-2024, 05:29 PM
قصة مشوقة ومثيرة للجدل حول عالم الجن بلغة مميزة وسرد رائع
جعلنا نعيش جو من الإثارة ونتعايش مع أحداث القصة في ذلك البيت المسكون
وقد تغلبت هنا عاطفة الجد على عقله فكان الخلط بين الدين والخرافة والوهم
وقد تحكمت فيه الموروثات الشعبية ، وخوفه على الحفيد الذي طال انتظاره.
لك سيدتي أسلوب مميز وقدرة على الحبك القصصي بإمتاع في السرد.
دمت بكل خير.
:v1::nj::0014: