مشاهدة النسخة كاملة : بانتظار الأمل(_قصَّة في حلقات) لزاهية( بنت البحر )
زاهية
04-09-2004, 01:10 PM
الحلقة الأولى
عشر من السَّنوات مرَّت مملة 00كئيبة 00خانقة ,زارت خلالها سراب عيادات الأطباء,ودور العرَّافين,سخت لأجل النُّذور,وأكثرت من الصَّدقات,ولكن لم يأت المنتظر0
هي كغيرها من النِّساء اللواتي يتزوجن كرهاًأوطوعاًتحلم بطفل صغير يزيِّن حياتها بالفرح,ويملاء أجواءها بالتَّغريد على أفنان حبِّهاللحياة0
كانت تحلم به جميلاً كالبدر, وديعاً مثلها ,تضمه إليها وترضعه من صدرها حليباً طاهراً,وتعلمه أحلى الأشياء,تربيه على الإيمان وحب الخيروتلبسه أحلى الثِّياب وترقص ليلة عرسه حتَّى الفجر,ولكنَّهاحتى اليوم لم تعرف وجع الحليب ولم تذق ألم الولادة0
أحياناً عندما كانت تلتقي صدفةبإحدى رفيقات الطُّفولة وهي ترضع أو تحمل طفلاً,كانت تحسُّ بالغيرة تهاجم أنوثتهاوبالحرمان يفترسهافتواري حسرتهابابتسامة رقيقة تفضح سريرتها المعذَّبة فتردُّ عليها الرَّ فيقة بابتسامة مجاملةوتهرب بطفلها خشية الحسد فتلوك سراب نارها بصمت مرير0
زُوِّجتْ سراب لعادل في سنٍّ مُبَكِّرة ,فتقاليد الجزيرة تقضي بتزويج الفتاة بعد البلوغ ,أمَّا الشَّاب فحسب قدراته المادية0
أحبت سراب (عادل)بإخلاص كما أحبَّه سكان الجزيرة لدماثة أخلاقه,ولطيف معشره وطيب نسبه0
ضيق ذات اليد لم يغيِّر من حبِّها له,بل زادهاتعلُّقاً به رغم حلمها بأن تكون غنيِّة,وراحت تبث فيه روح التَّفاؤل والأمل فدخلت قلبه أميرةً وسكن قلبها مليكاً0
رغم صغر سنِّهمافقدكانا يؤمنان بانَّ العقل بواسطةالدين هو السَّبيل الوحيد لمتابعة الحياة بينهما بشكلِّ هادئ وبسيط فعاشا متفاهمين0
حفظته في ماله وشرفه,فحفظها في قلبه ووجدانه ,وعندما كان يسافر على متن إحدى السُّفن التِّجارية طلباً للرِّزق,لم تكن سراب تذهب أثناء غيابه إلى بيت أهلها في زيارة طويلة قدتستغرق مدَّة غيابه كاملة كما تفعل الأخريات, وخاصة خلية الولد منهنَّ,بل كانت تنتظره في بيتهاو تهتمّ بوالدته العجوز وتعتني بشؤونها0
وحينما كان عادل يجوب البحار,وموانئ البحر المتوسِّط ويُعرَض له الجمال بأعلى مقاساته وفتنته في حوريَّات الشَّواطئ ,والمدن السَّاحلية,تلك الجميلات اللواتي يلعب حسنهنَّ برؤوس أشدِّ الرِّجال عقلاً ,لم يكن يرى في ناظريه أجمل ولاأروع من حوريته سراب0
تناغمٌ بديع ظلَّ يربطهما بمحبَّة صادقة لم يسمعا له نشازاً في عمر زواجها هذا0
يتبع
لاتستغل في أعمال فنية دون الرجوع إلى كاتبتها ومؤلفتها بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
05-09-2004, 10:05 AM
الحلقة الثانية
أمًّ عادل ,الأرملة العجوز, لم تكن حالة استثنائية بين النِّساء, بل هي مثلهن إن لم تكن أكثرهنَّ استعجالاً للكنَّة بالولد ,فقد درجت عادة ليست بالجديدة بين الأمهات إن تأخرت الزَّوجة بالإنجاب أن يسارعن بتزويج الابن بالتَّرغيب أو بالتَّرهيب ,عادة قديمة ربَّما كانت سيئة أو ربما هي جيدة ولكنَّها ستبقى موجودة إلى ماشاء الله0
شمَّتْ سراب أكثر من مرَّة رائحة زيجة تـُعَدَُّ لزوجها لتقدَّمَ له على طبق من إغراء عاطفة الأمومة ,أزعجتها الرَّائحة , جعلتها تحس بالغثيان, ولكنَّها لم تتقيَّأخشية الشَّماتة, فاعتصمت بحبل الله وسألته بحرقة المحروم أن يجبر خاطرها, وأن يحميها وزوجها من مغبات الأمور, فقد يدفع الجهل ببعض الأهل إن تأخرت الزوجة بالإنجاب إلى ارتكاب المحرَّمات التي توصل للشرك بالله في أحيان ٍكثيرة , وما زيارة العرافين والتَّمسح بالقبور إلا منها في جميع الأحوال0
سراب المحبوبة المحبة تعلم جيداً أن لعادل مزاجاً خاصاً وذوقاً لاترضيه سواها من بنات جنسها فعاشت مع زوجها مطمئنة القلب ,راضية بما قسمه الله لها,وعندما كانت أمه وأخته تفشلان في إقناعه بزيجة ما,كانتا تعودان دون خسائر لأنَّهما كانتا تحبَّان( سراب) وتشفقان عليها0
ذات مساء قالت أمُّ عادل لابنها في غياب زوجته بزيارة أهلها:
أريد أن أحمل لك طفلاً قبل أن أموت0
أجابها وهو ينظر في ساعة يده:أمدَّ الله في عمرك ياأمَّ عادل,أكثري من الدُّعاء لنا عسى الله أن يمنحنا مايسرك ويسرُّنا0
ضمت يده بين راحتيها وشدَت عليها بحنان بينما برقت عيناها بدموع حسرة ,وهمست بحزن:ذريَّة أبيك قليلة , أنا والمرحوم لم ننجب سواك ووجيهة , كان يحب الأطفال ولكنه قضى نحبه في شرخ الشباب0
فقال مداعباً:وقد أنجبتْ وجيهة والحمد لله جيشاً من الذُّكور والإناث0
فهمستْ:أولاد البنت يُنْسَبون لأبيهم ولايخلِّدون اسم أبيها ولايدخلون في شجرة العائلة0
نهض من مجلسه متذمِّراً واتَّجه َنحو باب البيت ونظر إليها برجاء قائلاً:*
يجب ألا ننسى كرم الله وقدرته ياأمي,أتريدين شيئاً من الخارج ,إنَّني ذاهب لإعادة زوجتي إلى البيت؟
أجابته بضيق:*سلِّم على حماتك0
وعندما أغلق وراءه الباب تمتمت بصوتٍ منخفض:*
عنيد كوالده ,لم يتزوَّج من أخرى رغم قلَّة ذريَّتي,صدق من قال :من شابه أباه ما ظلَم0
ولمَّا عاد بسراب إلى البيت نظرت إليهما بعين الرِّضا فرأتهما سعيدين ,يرفرفان بجناحي الحبِّ ,ومسحة حزنٍ ترتسم فوق وجهيهما ,رقَّ قلبها وأشفقت عليهما ونظرت إلى السَّماء برجاء صامت0
وقبل أن يدخلا غرفتهما ,ناولتْ (سراب) صحناً فيه بعض الحلوى,كانت قد أعدَّ ته بنفسها قبل قليل 0
شكرتها سراب بلطفها المعهود, وطبعت قبلة فوق خدَّها,ودخلت إلى زوجها لمشاركته أكل الحلوى قبل أن يستعدّ َللسَّفر عند الفجر0
أسندت سراب رأسها بيديها وأجهشت باكية,فراح يمسح دموعها بحنانه المعهود ودفء كلماته وحين قال لها:*
يتبع
لاتستغل في أعمال فنية دون الرجوع إلى كاتبتها ومؤلفتها بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
06-09-2004, 10:07 AM
الحلقة الثالثة
*كفي عن البكاء 00دموعك تحرقني*
قالت:*سيطول غيابك هذه المرّة ,سنة!! إنَّها أيَّامٌ كثيرة*كيف سأحتمل غيابك هذا؟
قال:*من يعلم ربَّما عدتُ قبل إتمامها ,عليك بالصَّبر*
*:صبري يحتاج لجهد كبير لاأستطيعه*
فقال مشجِّعاً*:بل تستطيعين إذا شغلت أفكارك بالبيت الجديد عندما أعود بالمال الوفير*حاولي أن تشغلي نفسك بدراسة القرآن والحديث,وتذكري دائماً بأنني ماسافرت إلا لإحضار المال من أجلك0
قالت بصوت تخنقه العبرات
*لاأريد مالاً ولا بيتاً,أريدك أنت ,هل تفهم؟*
أجابها برقَّة:*نعم أفهم,ولكن من أين سنأكل إذا تركتُ السَّفينة؟*
فقالت بحماس*:تعمل صيَّاداً ,كما يعمل الكثيرون من أهالي الجزيرة0 *
فقال:وهذا يعني أن نأكل يوماً ونجوع عشرة0
فقالت بدلال:*يظلَّ الأمر أفضل من غيابك لسنة أو حتَّى لشهر,بل ليومٍ *
فقال لها:مهنة الصَّيد ياسراب لاتبني بيوتاً ,أفقر النَّاس وأكثرهم تعاسةً هم الصَّيادون0
:*ولكنَّ قلوبهم غنيَّة بالحب,عامرة بالإلفة *
*الفقر عدو الحب,أينما وجده افترسه0*
سألته:لماذا؟
أجابها:*لأنَّّ للفقر أنياباً ومخالباًَ وحشية لايعرفها إلا من نشبت في جسده ,وفقأت عينيه,وامتصَّت دماءه0*
*ولكنَّ أهل الصَّيَّادين يسعدون بقربهم طوال العام*
فقال بضيق:فقط في أيَّام الخير وهدوء البحر,وبعد ذلك تنتهي السَّعادة ,وتبدأ المشاكل,أتعرفين لماذا؟ *
قالت :لا
قال:لأنَّ البطون تصرخ من الجوع فتخاف القلوب ,ترتجف ,وأحياناً تموت قهراً وحرمانا,وأنا لاأريد لقلبينا أن يموتا*
فالقت برأسها فوق كتفه وهمست :
* إن ارتجف قلبي فقربك يدفئه0*
فقال باسماً*:ربما مادمنا وحيدين ,وما لم نحلم بأولاد هم بحاجة لحياة كريمة يجب أن نوفِّرها لهم0*
فقالت محتدَّة:ولكنَّك لست رباناً فتأتي بالمال الكثيرمثلهم0*
فقال بنظرة عتب:* صدقتي ولكنَّني بحارٌ نشيط أجني بعرق جبيني مالاً حلالاً يحفظ ماء وجهي ويكفيني ذُلَّ السُّؤال0*
وكأنَّها أحست بأنَّها جرحته فقالتْ بدلع:*إنَّني خائفة عليك من غدر البحر, فهو لايؤتمن على شيء فكيف أسلِّمُه زوجي وهوفي لحظة هياج يغرق السفن ويبتلع الشَّباب ,ويثكل الأمهات وتكثر الأرامل*
فقال باسماً:*الأعمار بيد الله ,ولن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا,هيَّا ابتسمي ,لاتودِّعيني بالتَّشاؤم, دعيني أحمل معي زوادة التَّفاؤل بغدٍ مشرق*
فالتقت عيناهما وتمتمت*:فليحمك الله ياحبيبي0*
يتبع
مع تحيات
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
08-09-2004, 07:42 PM
الحلقة الرابعة
لم تغمض لأمِّ عادل عين في هذه الليلة,ظلَّت ساهرة وهي تصلِّي,وتبتهل إلى الله سبحانه وتعالى أن يحمي وحيدها ويرزقه بالمال والولد0
وهو يودِّعها عند الفجر ,حاولت أمُّ عادل أن تخفي دموعها عنه بعد أن أطلقت الباخرة زموراً تستدعي به جميع البحارة المنتشرين في الجزيرة بينما لم تستطع سراب حجب دموعها0
ومع طلوع الشَّمس أطلقت السَّفينة زمُّور الوداع,فأسرعت سراب بالصُّعود إلى سطح البيت لرؤيتهاوهي تمخر في العباب مبتعدة عن الجزيرة,فاخترقت عيناها مسافة البعد علَّها تلمح مليكها,وطار قلبهايرفرف فوق السَّفينة نورسَ حبِّ حتى غابت في الأفق البعيد0
أحسَّت بالإنكسار,فنزلت إلىالبيت ونيَّة الخطوات00كريمة العبرات00شاردة الفكر0
استقبلتها حماتها بوجه بشوش ودعتها لمشاركتها قهوة الصَّباح تحت الياسمينة التي ظلَّلت فسحة الدَّار0
لم تكن لديها رغبة في شرب القهوة ,ولكنَّها مسايرةً لحماتها قبلت الدَّعوة0
قالت العجوز وهي تناولها الفنجان :*لاأحبَّ أن أراك حزينة , ابتسمي ياابنتي 00لاتكتئبي سرعان ماتمرُّ الأيَّام ,ويعود إليك*
قالت سراب وهي تمسح دموعها بأنامل يدها :*ولكنَّه عام ياامرأة عمي0
ظلت العجوزصامتة بينما نظرت سراب إلى السَّماء وتابعت:*السَّماء ملبَّدة بالغيوم0*
فقالت العجوز وهي مطرقة * فقط في الصَّباح ,ألا ترين إنَّها مقلعة إلى أجواء أخرى؟اطمئنِّي ياابنتي مازلنا في أواخر تموز والرِّيح مازالت في الغربة0*
فقالت سراب وقد عاودها البكاء * وتموز القادم مازال بعيداً *
ابتسمت العجوز وهمست:*انظري إلى وجهي 00تأمليه جيداً 0*
سألتها *لماذا؟*
أجابت :*أتعرفين كم تمُّوز مرَّعلى وجهي هذا؟*
سألتها سراب *كم تقدِّرين؟*
قالت *كثير00كثير ولكنَّها جميعاً كتموز واحد0*
كلام العجوز جعل الإبتسامة تعود إلى ثغر سراب فقالت بدهشة:*تموز واحد ياامرأة عمي؟*
أجابت العجوز:*نعم 00نعم فالعام ينطح العام ويلقي به في هوَّة الزَّمن00غداً يأتي تموزالثَّاني ,ويعود عادل فلا تعكِّري صفو أيّاَمك بالحزن والألم 00تمتَّعي بشبابك قبل أن يهرب منك ياابنتي*
سألتها سراب *:كيف مادام زوجي غائباً؟*
أجابت العجوز:*وهل المتعة محصورة بوجود الزَّوج ؟*
فسألتها سراب باستغراب*:مارأيك أنت ؟*
أجابت:*طبعاً لا*
سألتها سراب بحرج*:لم أفهم ماترمين إليه 00أريد توضيحاً؟*
قالت العجوز:*لاأعتقد أنَّك لاتفهمين ماقلت وقد نلتِ قسطاً من التَّعليم*
ردَّت سراب:*ربَّما لأنَّ عقلي مازال متأثِّراً بسفر عادل0*
فقالت العجوز:*حسناً سأوضح لك الأمر*
*تفضَّلي *
قالت العجوز وكأنَّها تلقي محاضرة وقد سرحت بنظرها بعيداً:
لفد خلق الله سبحانه وتعالى الكون ووخلق الإنسان ,وخلق كلَّ الموجودات وسخَّرها له كي يتمتَّع بها ويجعلها في خدمة عبادته لله عزَّ وجلّ0
سألتها سراب بدهشة:وهل الزَّواج إحدى هذه الموجودات؟
أجابت العجوز:بل هو من أهمها,لأنَّ الإنسان يتكاثر من خلاله0
قالت سراب بعفوية:وقديأتي بعض النَّاس عن طريق غير شرعي 0
فقالت العجوز:وهذا مانهى الله عنه وأنكرته جميع الدِّيانات السَّماوية0
هزَّت سراب رأسها موافقة حماتها التي تابعت قائلة:
وبما أنَّ الزَّواج من أهمِّ هذه المتع الجسدية والمعنوية والإجتماعية فإنَّ عدم تحققه لايعني انتفاء المتع الأخرى0
سألتها سراب * كيف؟*
أجابت:*الإستمتاع بالعبادة شيء عظيم ورؤية الجمال الذي خلقه الله في الأرض والسَّماء,بمساعدة النَّاس, بالقراءة ,وحتَّى بالطَّعام0*
فسألتها سراب*:وهل استمتعت بحياتك بعد وفاة عمّي أبي عادل؟*
ابتسمت العجوز بحزن وأجابت*نعم ولكن أتعرفين كيف كانت متعتي ؟*
سألتها:*أخبريني0*
أجابت *بتربية أولادي تربية صالحة ,وبمساعدتي للمحتاجين رغم محدودية حالتي المادية 0استمتعت برؤية البحر,والتَّفكير بملكوت الله وعظمته ,وبعباد تي له ,كلُّ هذا استمتاع مشبـِع للعاطفة ,ومن قال غير ذلك فهو كاذب 0*
قالت سراب *ربَّما كان كلامك صحيحاً ولكنَّني أشعر بالألم بسبب غياب عادل*
قالت العجوز*وهذا إحساس عاطفي أيضاً ,وهو أمر طبيعي ,ولكن لاتجعلي الألم يلبسك 00حاولي الخروج منه00عودي لسعادتك وتمتَّعي بعاطفة الشَّوق لعادل دون أن تحترقي بها0*
سألتها سراب*أأنت تقولين لي هذا وعادل هو ابنك؟*
أجابتها ضاحكة*عادل هوولدي وقرَّة عيني ,ولكنَّ سفره هو جزء من قدره ,فهل أحارب القدر بعاطفة الأمومة التي قد تقتلني حزناً على فراقه فأسبّب له الألم؟*
قالت سراب :*ولكنَّني ضعيفة أمام عاطفتي 0
قالت العجوز:*القوَّة خير من الضَّعف حتَّى في أدقِّ المشاعر00تعلَّمي هذا ياابنتي*
قالت سراب :*ساحاول*
توالت الأيام كحلم لاتخلو أحياناً من بعض الشرود وشيء من الدُّموع0
في تلك الليلة كانت السَّماء ملبَّدة بالغيوم,تلاقى فيها خريف امرأة بخريف عام فكيف كان اللقاء؟
لم تكن أمُّ عادل نشيطة هذا المساء,فقد أحسَّت بوعكة مفاجئة فآوت إلى فراشها بعد صلاة العشاء,تدثَّرتْ ببطانية,وألصقت ركبتيها ببطنِّهاطلباً للدِّفءوغطَّت في نومٍ عميق ,بينما كانت سراب تسهر في غرفتها وهي تتابع إحدى التَّمثيليات على شاشة التِّلفاز0
مع تحيات
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
09-09-2004, 09:03 AM
الحلقة الخامسة
ربما كانت السَّاعة الواحدة ليلاً عندما استيقظت العجوز فزعة,تتقاذفهاالأوهام ,هبَّت من فراشها,وأشعلت نور المصباح الكهربائي ,ثمَّ خرجت من غرفتها إلى فسحة الدَّار0
أحست برهبة واقشعر بدنها وهي تسمع صوت الرِّيح كعواء الذِّئاب يزداد حدَّة باشتداد اهتزاز أغصان الأشجارالتي تغطي فناء الدَّار0
تفقَّدت عيناها أرجاء المكان,فرأت نوراً ينبعث من حمَّام البيت في الخارج,وسمعت صوت حركة هناك ,فاقتربت من مصدر النُّور والصَّوت فسمعت أنين سراب فأسرعت بدخول الحمام,وعندما وقفت ببابه فوجئت بسراب تتقيَّأ في المغسلة ,أصابها الخوف ,فسألتها:
هل أنت بخير ياسراب؟
نظرت سراب إليها بتعب وقالت:
أشعر بالغثيان ودوارمزعجS ياامرأة عمِّي0
قالت العجوز :عودي إلى غرفتك ,سأستدعي طبيب الجزيرة لمعاينتك00
قالت سراب:لا أريد طبيباً ,إنَّني (وأشارت إلى بطنها)
شهقت أم عادل شهقة كادت تودي بحياتها وسألتها: هل أنت حامل؟
هزَّت سراب رأسها بالإيجاب:منذ مدة قريبة0
فقالت العجوز بعتاب يمتزج بدمع الفرح:لِمَ لمْ تخبريني ألا أستحق منك هذه الفرحة؟
أجابتها :بلى والله تستحقِّنها وزيادة, ولكنني كنت أخشى ألا يكون الحمل حقيقيا0
رفعت أم عادل يديها نحو السماء تقدم قربان الشكر دمعاً : الحمد لك يارب00كم أنت كريم0 سأزغرد
استوقفتها سراب ممسكة بيدها وهي تقول:لاتفعلي 00لقد جعلتك الفرحة تنسين أننافي وقت متأخر من الليل.
قالت أم عادل : وليكن00لم يعد للوقت عندي حساب0
قالت سراب : حسنا فلننتظر حتى تشرق الشمس00أليس الغد لناظره قريبا؟أجابت العجوز هذه المرة بحكمة وهدوء: بلا فالعمر لحظة0
العمر لحظة ولكن كم تضم هذه اللحظة من حوادث فرح وحزن ومفاجآتٍ يرسمهاالقدر بعيداً عن إرادة البشر0
قضية أم عادل كانت حلماً حاربت من أجله بسلاح المنطق والأخذ بالأسباب فهي تريد حفيداًيحمل اسم زوجهاهاشم فما انتصرت بمنطقها وما تحقَّقت قضيَّتها إلا بإرادة الله فحدثت المعجزة وتهاوى المنطق البشري أمام القدرة الإلهيَّة0
رائع هذا الصباح00أحست أم عادل بفتوة تنمو في جسدهاالمثقل بسنوات التعب00المحني بهموم العيش00المفرغ من بريق الوعد0
العمر لحظة00قطع قطار زمنها خلالها محطات كثيرة 00حاولت أن تنسجم معها بمنطق الحكمة تحَوِّلُ الحزن فيها فرحاً,واليأس أملاً ولكن بقناعة المعدم0
العمرلحظة00خلعت القناع 00ضمها الأمل إلى كتائبه الباسمة الزاهية بالألوان0
ألبسها الربيع ثوباً والشمس إشراقاً والتفاؤل وشاحاً 0
مساحة الأمل لاتحصرها حدود00فسيحة كالأحلام 00شاهقة كالمستحيل00بديعة كالولادة
حملتها فرحتها الوليدة إلى عوالم براقة ساحرة00حنونة 00فوضويَّة الرُّؤى00سمعت فيها صوت هاشم يناديها00رأته يلعب معها00تحضنه 00تطعمه00تقبِّله00ويهرب منها00أحبت البداية وكرهت النهاية00وهنت ركبتاها00شهقت 00أسرعت تمسك به00لاتريده أن يهرب منها أبداً 00أبداَ00خافت عليه في الحلم00نعم ولكنَّها ستخاف عليه في الحقيقة أكثر0
يتبع
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
نعيمه الهاشمي
10-09-2004, 02:20 AM
السلام عليكم ورحمة الله
الشاعرة المبدعة زاهية
شكرا على هذا المداد الفكري--وسخاء عطائك
واصلى أيتها الاديبة فنحن نتابعك بشغف
وفقك الله وسدد خطاك
زاهية
10-09-2004, 11:58 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحبيبة الغالية العنود الهاشمي
أهلاً بك في صفحة قصتي هذه
أشرقت الأنوار بعودتك
وأطربتني حروفك
جزيت الجنة أخية
أختك
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
10-09-2004, 12:16 PM
الحلقة السادسة
لا لن تخبر أحداً بحمل سراب خشية الحسد00فالعيون فارغة لايملؤها إلا حفنة من تراب0
الحرص هنا واجب,وسيكون مسلكها 00لن تخبرأحداً حتى عادل لن تبعث إليه بالبشرى كي لايترك السفينةويعود فيخسر المال الذي سيشتري به البيت الجديد0
تغير المنطق أم هي التي تغيرت ؟ فوضى الفرح00فوضى الأحاسيس المتمرِّدة 00فوضى اللحظة00ترى من تغير؟ هي تعرف فقط أنَّها يجب أن تكون حريصة في المحافظة على هاشم 0
وافقت سراب أمَّ عادل الرأي بشأن إخفاء خبر الحمل0
عجوز قدَّرت وشابة تفهَّمت فكان الإتِّفاق0
إتِّفاق سرِّيٌّ أبرم بين الخريف والربيع فأنجز خيراً 0
إنجازمهم لن يعلم به سوى عائلة سراب وأخت عادل وجيهة وبذلك يبقى الخبر طيَّ الكتمان0
أسرة سراب لاتحب الثرثرة وهي أقرب للتَّدين منها إلى المصالحة الدنيوية0
أب صارم حازم00لايجامل أحداً ولكنَّه يحسن التَّدبير, هاديء الأعصاب غالباً, وهو يشكو من ارتفاعٍ في ضغط الدم,لم يرزق ذكوراً0
عليةأم سراب00سيدة في الخمسين من العمر00عاطفية 00من أصل تركي00أنهت دراستها الإبتدائية في الجزيرة,تزوَّجت في الرابعة عشرة من عمرها وأنجبت خمس بنات أصغرهنَّ سراب0
حدَّثت ْعلية زوجها بشأن إخفاء خبر حمل سراب00اتَّهم الجميع بالهزيان ,وعقم التفكير,وأعلن براءته مما يعملن0
وبعد كثير من المناقشة والمجادلة وافقهنَّ على مضض من أجل عادل وهدفه المادي الذي سافر في البحر من أجله وليس من أجل الحسد0
قال لزوجته: عجيب أمر النساء والله 00كنتنَّ تلهثن وراء الحمل والآن تلهثن من أجل ستره0
سألته علية: أشِرْ علينا بطريقة ستره؟
فقال : حسبي الله ونعم الوكيل من كيد النساء وأفكارهنَّ الغريبة00
فقالت : هذا الأمر لن نختلف فيه أبداً ولكن دلنا على طريقة نجعل الأمر فيها مستتراً0
قال بعد تردُّد: في الأشهر الأولى لاتوجد مشكلة00وماتبقى من أشهر الحمل تبقى سراب في البيت لاتقابل أحداً حتَّى يقضي الله أمراً كان مفعولا0
سألته:ولكن قد تطول مدة احتجابها عن الناس,فماذا سنقول لهم إن هم سألوا عنها؟
أجاب:لن تعدمن حجَّة, إن كيدكن عظيم0
أتمت سراب شهرهاالسابع في عالمها السحري00 مغلقة الأبواب 00مسدلة الستائر المعطَرة برائحة الفرح فوق نوافذها,تغريها حيناً وتزعجها حيناآخر,ولكنَ اقتراب وصول المنتظر كان يهديها صبراً جميلا ,وأمناً وتركيزاً0
وعندما كان يأتيها صوته من إحدى موانيء البحر عبر أسلاك الهاتف تقول: ألو, وغصَّة الشوق تخنق كلماتها, وفي لحظة ضعف مباغتة تكاد تصبح عجلى فتخبره بأنَّها حامل,ولكنَّ أمل الغد كان يكبح جماح عجالتها فتحجم عن البوح 0
بعض الجارات الفضوليات ارتابت نفوسهن بأمر احتجاب سراب المفاجيء,وراحت الشائعات تطلق أهازيجها في ليالي السهر0
إحدى هذه الشائعات تقول إنَّ سراب مصابة بمرض عضال لذا فإنَّ أهلها حجبوها عن عيون الناس لأنَّها في وضع سيء,وأم عادل تبحث عن عروس لابنها ريثما يعود من السفر,وسراب تسمع بالشائعات وتضحك من أصحاب المزامير0
يتبع
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
12-09-2004, 12:24 PM
الحلقة السابعة
طُرِقَ الباب صباحاًوسراب لم تزل في سريرها إثر شعوربإرهاق ألمَّ بها,أصغت قليلاً وانتظرت ريثما ينتهي هذا الصوت المزعج بفتح الباب ,ولكن لم يحصل ماتريد0
نهضت من فراشها ,وخرجت إلى فسحة الدار00بحثت عن حماتها فلم تجدها في البيت,يزداد الطرق على الباب قوة وإصراراً, تأففت ضيقاً,وبلحظة طيش عصبي خانت عهد اختفائها عن الناس بالرد على القادم الطارق 00اقتربت من الباب وسألت من بالباب,فسمعت صوت جارتهاهناء تستعجلها في أمر هام0
حوصرت سراب بالنداء ,لن يفك حصارها أحد,فأدركت أنها في ورطة حقيقية وأنها لامحالة ستضحي بالبيت الجديد0
قبل أذان الظهر كان خبر حمل سراب يملأ أسماع أهل الجزيرة , كثر العاتبون ,وتكلَّم الحاسدون ,وفاعل خيريحبُّ (عادل) بثَّ إليه الخبرعبر الهاتف ليفوز بهدية قيمة0
وعندما عادت أم عادل إلى البيت قالت بخيبة: لن يشتري عادل البيت الجديد هذا العام0
كما ودَّعته بالدموع استقبلته بهاسخيَّة عند عودته عل متن طائرة ركاب فرنسية نقلته من ميناء مرسين إلى العاصمة ومنها بالسيارة فالمركب إلى الجزيرة0روت له بتفوق ملحوظ حتَّى أدقَّ التفاصيل منذ بداية حملها إلى كشف سرِّ ه.
لفَّها بالإمتنان وضمَّها بالشوق ,ولكنَّه لم ينس أن يفخِّخ لهفته الحرَّى واشتياقه المجنون إليها بشيء من اللوم وكثير من العتب, ولم تخفي عليه هي حسرتها المرة بخسارة البيت الجديد0
قال لها:أيسعدك أن أعمل صيَّاداً ريثما يأتي هاشم؟
أجابت بسرور:طبعاً,ولكن مايدريك بأنَّه( هاشم)؟
أجابها:هاشم , صفيَّة لا فرق, كلاهما نعمة من الله تستوجب الشكر0
فُك حصار سراب برجوع زوجها ,فعادت إلى الظهور في المجتمع ولكن بحذر بعد أن تعلمت من الأحداث التي مرَّت بها فلسفة جديدة0
بهدوء جهَّزت ووالدتها مايلزم للمولود عند قدومه , وأعدَّت البيت كما يليق بهذه المناسبة الرائعة , وبيَّضت الجدران.
لم يكن عادل كريماً بإنفاق الوقت دون عمل , فسعى منذ وصوله لإيجاد قارب صيد استأجره مع بعض رفاقه لتأمين قوت يومه بعد أن ترك العمل على ظهر السفينة0
مهنة الصيد تحتاج لخبرة جيدة , والريس منصور معلم ٌ بها, وقد سبق لعادل أن عمل معه أحياناً كثيرة فيما مضى فاستدعاه لرياسة المركب0
هناك في البحر وعلى بعد عدَّة أميال من الجزيرة غرباً كان قارب الصيد يحمل(عادل) ورفاقه كي يلقوا شباكهم بعد عصر كلِّ يوم ويعودوا إلى الجزيرة قبل الغروب,وقبل الفجر يخرج الصَّيَّادون لجمع شباكهم بما علق فيها من أسماك,ثمّ َيعودون بها إلى المدينة الساحلية القريبة من الجزيرة لبيع صيد يومهم لمسمكاتها بالسعر الذي يستحقُّه كلُّ نوع منها0
قالت أم عادل له ذات يوم عندما عاد بثمن الصيد :سمعت والدك يتحدَّث عن الأسماك وعن علاقتها الحميمة بالصَّيادين0
فسألهاباهتمام: وماذا قال عنها؟
أجابت:قال رحمه الله :إنَّ الأسماك تحس بتعاسة الصَّيَّادين, لذلك فهي تحبُّهم وتشفق عليهم وتدخل في شباكهم لتخفِّف عنهم شيئاً من المعاناة0
فقال عادل باسماً: ولكنَّها تقع فريسة في الشباك لصغر عقلها,وضعفها فتهزم0
فقالت:مايدريك فلربَّما كانت منتصرة بالهزيمة,قويَّة بالضعف0
فسألها ساخراً : وهل هناك انتصار بالهزيمة وقوَّة بالضعف ياأمَّ عادل؟!!
أجابته بثقة: عند المحبين فقط, بمعنى أن تقدم نفسك فداء لمن تحبُّ0
فقال:أليس هذا غاية الجنون ياأمي؟إنَّه انتحارولو كان من سمكة, منطق غير صحيح ولا أحبُّه ياسيِّدتي0
يتبع
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
13-09-2004, 06:23 PM
الحلقة الثامنة
آذار00 الرّبيع موسم التفتح والجمال ,ولكنه مختلف بالنسبة للصيَّادين,دائماً ياتي بوجهين,يوم مشرقٌ بحرُه هاديءٌ يغري بالركوب,وآخرغائمٌ بحره هائجٌ يوحي باليأس من فرج قريب0
في أحد هذه الأيام المتشحة بالقنوط خرج عادل من البيت وإحساس بالضيق يزعجه0
مشى في الحارات الضيقة على غير هدىلايقصد هدفاً معيناً, فقط يريد أن يمشي عبر الأزقة, ولاعجب في ذلك, فهو رغم زيارته لعدد كبير من مدن العالم, وموانىء شهيرة ومشاهدته لمظاهر الحضارة فيها ,والتي تفتقد جزيرته الصغيرة الوادعة إلىأقلِّها تطوراً, فإنَّه كان يحب أزقتها الخانقة حباً جماً,ولكنَّ حبه الكبير هذا كاد اليوم أن يتحول كرهاًًًًًًًًً عندما رأى جمهوراً غفيراً من القطط, وقد تجمَّعت حول أكوامِ القمامة الملقاة خارج البيوت دون أكياس, والذباب والبعوض يحوم حولها بشكل مقزِّز,ورائحة كريهة تنبعث منها جعلته يحسُّ بالغثيان والاشمئزازفأغلق أنفه بإصبعيه,والذباب يحيط به كأنَّه وليمة شهيَّة له ,فأسرع باجتياز الحارة التي اشتهرت بعدم نظافتها بخلاف بيوت سكانها,والتي تسبب حرجاً لأهالي الجزيرةأمام السُّيَّاح 0
وبعد تراجع الذباب عنه لابتعاده عن رائحة الأوساخ ,رفع إصبعيه عن أنفه,واستنشق الهواء بملء رئتيه هرباً من الإختناق وسرعان ما تجدد شعوره بحب الجزيرة فحدَّث نفسه : آه لوكنت رئيساً للبلدية 0
فسأله داخله: وماذا كنت ستفعل ياشاطر ؟
أجاب نفسَهُ: الكثير الكثير0
فقال: كلُّهم يقولون مثلك في البداية ,ثم ينسون ويطنّشون عندما يصبحون رؤساء0
فقال: ولكنَّني لن
فقاطعه ساخراً: لن تصبح رئيساً 0
خرج من دائرة الأسئلة والأجوبة ليجد نفسه مواجهاً البحر غرب الجزيرة0
امتطى صهوة صخرة عالية قديمة التاريخ مجهولته وجلس فوقها مبهوراً بعظمة الأمواج الصاخبة التي راحت تضرب شواطىء الجزيرة بثأر لا يعرفه0
حاول اكتشاف المجهول بنظرة إلى الصخور المجاورة,والبعيدة يستطلع منها ملابسات الثأر,ولكنَّه فشل في استدراجها للإعتراف0
جثا صامتاً ,وحائراً تتقاذف الأمواج أفكاره ثمَّ تلقي بها فوق كتل الصُّخور القاسية ,والصامدة فتكسرها بالعناد0
أحس بالبرد يأكل عظامه,فوقف يحرك رجليه كجندي أثناء التَّدريب ليطرد البرد من شرايينه قبل أن تتجمَّد فيها الدماء ,عندما ترجل عن صخرته قدَّمت له الأمواج بغتة هدية بشريَّة جعلت جسده يرتعش لدقائق كادت خلالها أطراف لسانه تقرض تحت أسنانه المضطربة عندما فقد السيطرة علىمشاعره وهو يرى كرم البحر يستقرُّ فوق الصخور خارج الماء0
يتبع
مع تحيات
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
14-09-2004, 11:14 AM
الحلقة التاسعة
استجمع قواه لاهثاً فهو رجل, والخوف ليس من شيم الرجال,ونظر إلى بيوت الجزيرة المجاورة للبحر وأزقَّتها النحيلةالمودية إليه علَّه يجد من يساعده في انتشال مالفظته الأمواج خارج فيها المخيف 0
ثمة رجلين كانا فوق أحد السطوح في عمل ما سمعا صوته يستنجد بهما فأسرعا بالنزول إليه0
تعاون الرجال الثَّلاثة في إخراج الجثَّة المنتفخة التي حوصرت بين الصخور0
كانت جثَّة رجل مجهول الهويَّة ,مشوَّه الملامح ,مقيَّد بالحبال وشبه عار0
لم يتعرَّف أحد على الجثة شأن كلِّ جثَّة تحملها الأمواج عادة إلى شواطىء الجزيرة0
أخطر المخفر بامر الجثة فأُمر بدفنها في المقبرة قرب مدافن الغرباء بعد الصَّلاة عليها0
في المساء جلس عادل أمام التلفاز يشاهد نشرة الأخبارمن إحدى المحطَّات الكثيرة والتي يلتقطها الهوائى بسهولة في الجزيرة0
وعندما دعته زوجته للعشاء اعتذر بلباقة بحجَّة عدم شعوره بالجوع ولفقدان الشَّهيَّة 0
وبإلحاح من والدته تناول بضع لقيمات عاد بعدها لمتابعة النشرة الجويَّة في التلفزيون المحلي0
سألته والدته وقد جلست بالقرب منه:هل توصَّلوا لمعرفة صاحب الجثة ؟
أجابها دون اكتراث:من هم؟
هي: رجال المخفر0
قال ببرود:إنَّهم بضعة رجال وهم ليسوا بمحقِّقين0
فسألته:ومن سيتولَّى التَّحقيق إذن؟
فأجابها مشفقاً: لاتشغلي بالك ياأمّ عادل 0هم يعرفون عملهم أكثر منا0
فسألته بحزن:وأهل الغريق ألن يسألوا عنه؟
أجابها: حتماً هم يسألون ولكن لاأحد يعرف عنهم شيئاً0
قالت :أهو من بلدنا؟
أجابها: ربَّما أو من بلد عربي أو أجنبي00البحر واسع ياأمي والأمواج تقرب البعيد وتبعد القريب0
اقتربت منه قليلاً وهمست في أذنه: هل في الأمر جريمة؟
أجابها بفتور:ربَّما فالجثَّة وجدت مقيَّدة بالحبال:
سألته: ولِمَ قيَّدوه بالحبال؟
أجاب بضيق: لم أكن معهم عندما قيَّدوه0
فسألته: هل ألقي من إحدى السفن إلى البحر؟
أجابها وهو ينظر إلى زوجته:ربَّما أو قد يكون مات في السفينة فألقوه في البحرلأن البحر مقبرة أموات السفن,أو قد يكون قُتِلَ فيها مقيَّداً ثمَّ القوه للتَّخلص من آثار الجريمة أو ربَّما قتل فوق اليابسةوالقي في البحر فحملته الأمواج الينا أو قد يكون انتحرو
فقالت وهي تنظرإلى سراب التي كانت تصغي إليهما: من الأفضل أن تبقى صيَّاداً إن شبعنا يوماً أو جعنا سنة0
جثَّة الغريب حرَّكت الألام المُسَكَّنة بمشاغل الزَّمن 00هيَّجت الشجون الدَّفينة في الصدور فتمرَّدت على سجَّانيها وتفجَّرت براكين دمع غسلت بها النسوة قبور الأحبَّة أباً00أخاً00زوجاً وولداً
وأمَّا الذين لم يؤتى بجثثهم إلى الجزيرة فقد زار ذووهم قبور الغرباء ووضعوا فوقها الرياحين0
استطاعت هذه الجثَّة المنتفخة أن تفجِّر طاقات ٍ إبداعية في رواية القصص المحزنة عن أبطال حقيقيين من أهل الجزيرة غادروها وهم يبتسمون وعادوا إليها في توابيت مغلقة أو لم يعودوا كالغرباء0
ومنهم من ذهب للعلم فقتل قبل أن يعود لرفضه العمل في دول الأعداء 0
فقالت سراب وهي تسمع مثل هذه القصص : عندما يصبح لي طفل لن ارسله للدراسة هناك 0
وتمر الأيام يطويها الزمن في سجله يوماً بعد يوم ويلقي بها في ملَّفات العمر
المهملة ,يثور خلالها البحر ويهدأ00يثور ويهدأ ويعلو بطن سراب ثم يبدأ بالهبوط,تحدد القابلة القانونية التي تقيم في الجزيرة موعد الولادة التي ستتم في البيت لعدم وجود مستشفى لأجل هذا الغرض0
لاشيء يستوجب القلق هكذا قالت القابلة
مع تحيات
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
15-09-2004, 12:29 PM
مساء الخميس,ليلة الجمعة الأخيرة من نيسان,أحسَّت سراب بآلام المخاض تشتدُّ بها ,فأسرع عادل باستدعاء القابلة لمساعدتها بالولادة,حضرت على عجل وكشفت عليهاسريرياً فوجدت أن الوقت مازال مبكِّراً لمجيء المولود وقرَّرت ملازمة سراب خشية المفاجآت0
في هذه الليلة كان الجو بارداً والريح تعصف بجنون وزخَّات من المطر تتساقط فوق الجزيرة بين الحين والآخربفواصل زمنية متقاربة ,بينما كان ارتفاع الأمواج يزداد علواً كلَّما اشتدت الريح عصفاً0
جاءت وجيهة ووالدة سراب وبعض النسوةوالجارات المقرَّبات لحضور هذا الحدث الجميل 0
تحلَّقت النسوة حول سراب كأنَّهنَّ أشباح سود وهي ممدَّدة فوق فراش أزرق وسط الغرفة التي فرشت بالسجاد الأبيض ورحن يتجاذبن أطراف الحديث لمؤانستها والتَّخفيف عنها مما تلاقيه من آلام المخاض0
وقف عادل خارج الغرفة خلف الباب قلقاًوالمطر يتساقط فوق رأسه وكلَّما كان يأتيه صوت سراب بالصراخ يقرع الباب ويسأل عن حالها0
اتَّسع الليل لسماع روايات النسوة عن ولادات كل واحدة منهن بالتَّفصيل الممل وسراب تلوب من الألم ,تتخبَّط فوق الفراش وتصرخ من الوجع,والمنتظر مازال في دور الظَّلام ,عاصفة تزأر في الخارج ولبوة تتلوَّى تلك التي هي في الغرفة0
طلق بارد ,طفل يكاد يختنق وسراب في وضع سيِّء0
رحل الليل وما رحل الألم والعاصفة تنهش بشواطىء الجزيرة بوحشيَّة مفرطة0
تعسَّرت الولادة,وأعلنت القابلة عجزها في فك اسر الجنين وعن خطورة الوضع العام بالنِّسبة للأم,فطلبت استدعاء طبيب الجزيرة علَّه يفعل شيئاً0
طبيب الجزيرة ليس جرَّاحاً وهو طبيب صحة عامة وسراب بحاجة لعملية قيصرية ,هكذا قال الطبيب ولكنَّ كان بإمكانه المخاطرة لو أراد ذلك وربَّما الوضع السَّيء لسراب جعله يحجم عن العمل كي لايساء إلى سمعته كطبيب وهذا للأسف من الأمور التي تحدث كثيراً ولها من المآسي الكثير 0
ضجَّت الصدور بالخوف ,وتعلَّقت العيون في السَّماء ,ماالعمل؟ من أين لهم بطبيب أو مستشفى والبحر يزداد هيجاناً0
الحالة خطيرة تستوجب الإسعاف الفوري ولا أحد يجازف بحياته بركوب البحر0
يتبع
مع تحيات
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
16-09-2004, 08:46 PM
الحلقة الأخيرة
سترك يارب,ضاقت الحيلة,أحسَّ الجميع بأنَّهم حقيقة يعيشون في المنفى خلف الأمواج الغاضبة , فهاهو البحر يحاصرهم بقسوته المعتادة وجبروته, بينما رحم سراب يحاصر الأمل بظلام اليأس0
آه منك أيتها الحبيبة إنَّك جزيرة القسوة والرَّحمة معاً,الحب والكراهية ,الفقر والغنى, أبداً تظلِّين بوجهين ,طاهرة كالبحر,طاغية مثله0
السماء تمطر ,البحر يموج بالزَّبد, وسراب تنزف بالوجع, وجنين يُحتضربحنان الرَّحم0
صرخت أم سراب والحسرة تلتهم قلبها خوفاً على ابنتها :أ نقذوا ابنتي
افعلوا أي شيء
أحضروا طائرة مروحيَّة تسعفها
أرجوكم
لاتدعوها تموت 0
بالأمس أطلقت علية نكتة ساذجة في سهرة مع نساء الجزيرة عندما قالت بأنهم بحاجة لطائرة تحضر المعلمات والمعلمين وتمون البلد بالطعام في الأحوال الجوية السيِّئة واليوم أصبحت النكتة واقعاً ملموساً, فهم بحق بحاجة لطائرة حوامة تساعدهم وقت الشِّدة , قد تنقذ طفلاً
غريقاً
تسدُّ جوعاً
وقد تكون عوناً في حالة ولادة عسيرة كتلك التي تواجه سراب اليوم0
صباح الجمعة,الناس نيام , والشمس مازالت في حضن أمِّها في الشرق البعيد تستعد لمغادرته إلى عالمنا الجميل,ولكن عادل سبقها بمغادرة بيته وهاهويديرمحرِّك مركب الصَّيد الذي استأجره,يحمل فيه زوجته إلى المدينة الساحلية حيث المستشفيات والأطباء متحدِّياً جنون البحر, ودويَّ العاصفة ,وهطول الأمطار0
صعدت علية المركب لتبقى بجانب ابنتها علَّها تخفف عنها بعض الألم,وأصرَّت أمُّ عادل على الذهاب معهم فهي مازالت تنتظر( هاشم) ولا تريد أن يهرب منها مرَّة ثانية وستكون في مقدِّمة مستقبليه ,أما (الداية) فقد رفضت مرافقة سراب خشية الغرق ,فالبحر لايرحم أحداً عندما يكون في حالة ثورة وهياج0
خرج الزَّورق من الميناء الصَّغير وصراخ سراب يعلو فوق صوت محرِّكه0 بينما كانت المرأتان المرافقتان لها تتلوان بعض آيات القرآن الكريم برجاء إلى الله أن ينقذ (سراب) مما تعانيه 0
اصطفَّ المودِّعون على رصيف الميناء يشاهدون تصارع الأمواج الصَّاخبة مع الزورق المسالم الذي خرج في مهمة إنسانية ولكن الأمواج المحتدَّة كانت تجهد بعنف ووحشية لابتلاعه ومن على متنه ,لايهمها (هاشم) الذي كان هو الآخر يجاهد في رحم أمه في سبيل الحياة, ولا جدة هاشم المتشوقة لقدومه الحبيب ولا سراب التي أنهكها آلام المخاض0
توقَّف المركب للحظات غاب بعدها عن أعين المراقبين سقطت القلوب إلىالركب,واتسعت العيون ووقف الجميع على رؤوس أصابع أقدامهم لاستجلاء الأمر,ظهر الزورق من جديد متوجِّهاً نحو الجزيرة, وهو يقطع الأمواج ببطء شديد0
ارتفعت القلوب إلى الحناجر,ولكن مالبثت أن سقطت ثانية إلى الأقدام عندما توقَّف المركب قرب الرَّصيف0
هرع الجميع لاستطلاع النَّبأ,ماذا هناك ؟
ماالأمر؟!!!
لماذا عاد الزورق إلى الجزيرة ؟
هل أصابه عطلٌ ما؟
لالا ربما تكون سراب قد ولدت هاشم بتحريض الخوف من مجابهة البحرأو ربما000وعندما اقتربوا من الزورق جاء الجواب مؤلماً ,مبكياً حدَّ الألم,
إنّها سراب ,هدأت , نامت بسلام ,لم تعد تصرخ ,رأوها مسجاة بلا حراك في بركة من الدِّماء وأمَّا (هاشم) فقد آثر الموت في دور الظَّلام0
وعند الظُّهر هدأت العاصفة وكأنَّ شيئاً لم يكن ,هكذا هو البحر يثور بعنف ويهدأ بروعة وجمال ,ولكن هل يهدأ حزن القلوب في الجزيرة المنفية خلف الأمواج في أيام العواصف والأنواء ؟؟؟؟؟
ربَّما ولكن
عندما يأتي الأمل!!!!!!!
تمت بعونه تعالى
لاتستغل في أعمال فنية دون الرجوع إلى مؤلِّفتها بنت البحر
ولا تنقل إلى منتديات أخرى دون ذكر المؤلِّفة
قصة من تأليف
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
زاهية
05-03-2006, 05:02 PM
أرفعها لمن لم يقرأها
الصباح الخالدي
05-03-2006, 07:25 PM
كما أني اشيد بالإبداع المتألق ... بوركت
ناديه محمد الجابي
28-01-2023, 07:30 PM
الحلقة الخامسة
ربما كانت السَّاعة الواحدة ليلاً عندما استيقظت العجوز فزعة,تتقاذفهاالأوهام ,هبَّت من فراشها,وأشعلت نور المصباح الكهربائي ,ثمَّ خرجت من غرفتها إلى فسحة الدَّار0
أحست برهبة واقشعر بدنها وهي تسمع صوت الرِّيح كعواء الذِّئاب يزداد حدَّة باشتداد اهتزاز أغصان الأشجارالتي تغطي فناء الدَّار0
تفقَّدت عيناها أرجاء المكان,فرأت نوراً ينبعث من حمَّام البيت في الخارج,وسمعت صوت حركة هناك ,فاقتربت من مصدر النُّور والصَّوت فسمعت أنين سراب فأسرعت بدخول الحمام,وعندما وقفت ببابه فوجئت بسراب تتقيَّأ في المغسلة ,أصابها الخوف ,فسألتها:
هل أنت بخير ياسراب؟
نظرت سراب إليها بتعب وقالت:
أشعر بالغثيان ودوارمزعجS ياامرأة عمِّي0
قالت العجوز :عودي إلى غرفتك ,سأستدعي طبيب الجزيرة لمعاينتك00
قالت سراب:لا أريد طبيباً ,إنَّني (وأشارت إلى بطنها)
شهقت أم عادل شهقة كادت تودي بحياتها وسألتها: هل أنت حامل؟
هزَّت سراب رأسها بالإيجاب:منذ مدة قريبة0
فقالت العجوز بعتاب يمتزج بدمع الفرح:لِمَ لمْ تخبريني ألا أستحق منك هذه الفرحة؟
أجابتها :بلى والله تستحقِّنها وزيادة, ولكنني كنت أخشى ألا يكون الحمل حقيقيا0
رفعت أم عادل يديها نحو السماء تقدم قربان الشكر دمعاً : الحمد لك يارب00كم أنت كريم0 سأزغرد
استوقفتها سراب ممسكة بيدها وهي تقول:لاتفعلي 00لقد جعلتك الفرحة تنسين أننافي وقت متأخر من الليل.
قالت أم عادل : وليكن00لم يعد للوقت عندي حساب0
قالت سراب : حسنا فلننتظر حتى تشرق الشمس00أليس الغد لناظره قريبا؟أجابت العجوز هذه المرة بحكمة وهدوء: بلا فالعمر لحظة0
العمر لحظة ولكن كم تضم هذه اللحظة من حوادث فرح وحزن ومفاجآتٍ يرسمهاالقدر بعيداً عن إرادة البشر0
قضية أم عادل كانت حلماً حاربت من أجله بسلاح المنطق والأخذ بالأسباب فهي تريد حفيداًيحمل اسم زوجهاهاشم فما انتصرت بمنطقها وما تحقَّقت قضيَّتها إلا بإرادة الله فحدثت المعجزة وتهاوى المنطق البشري أمام القدرة الإلهيَّة0
رائع هذا الصباح00أحست أم عادل بفتوة تنمو في جسدهاالمثقل بسنوات التعب00المحني بهموم العيش00المفرغ من بريق الوعد0
العمر لحظة00قطع قطار زمنها خلالها محطات كثيرة 00حاولت أن تنسجم معها بمنطق الحكمة تحَوِّلُ الحزن فيها فرحاً,واليأس أملاً ولكن بقناعة المعدم0
العمرلحظة00خلعت القناع 00ضمها الأمل إلى كتائبه الباسمة الزاهية بالألوان0
ألبسها الربيع ثوباً والشمس إشراقاً والتفاؤل وشاحاً 0
مساحة الأمل لاتحصرها حدود00فسيحة كالأحلام 00شاهقة كالمستحيل00بديعة كالولادة
حملتها فرحتها الوليدة إلى عوالم براقة ساحرة00حنونة 00فوضويَّة الرُّؤى00سمعت فيها صوت هاشم يناديها00رأته يلعب معها00تحضنه 00تطعمه00تقبِّله00ويهرب منها00أحبت البداية وكرهت النهاية00وهنت ركبتاها00شهقت 00أسرعت تمسك به00لاتريده أن يهرب منها أبداً 00أبداَ00خافت عليه في الحلم00نعم ولكنَّها ستخاف عليه في الحقيقة أكثر0
يتبع
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
فكرة جميلة وقصة ماتعة وحبكة متينة وسرد شائق
الأداء قوي والنفس القصي والأسلوب رائعين
سأتابع قراءة هذه القصة باستمتاع
فشكرا لك.
:011::nj::001:
ناديه محمد الجابي
28-01-2023, 07:56 PM
الحلقة التاسعة
استجمع قواه لاهثاً فهو رجل, والخوف ليس من شيم الرجال,ونظر إلى بيوت الجزيرة المجاورة للبحر وأزقَّتها النحيلةالمودية إليه علَّه يجد من يساعده في انتشال مالفظته الأمواج خارج فيها المخيف 0
ثمة رجلين كانا فوق أحد السطوح في عمل ما سمعا صوته يستنجد بهما فأسرعا بالنزول إليه0
تعاون الرجال الثَّلاثة في إخراج الجثَّة المنتفخة التي حوصرت بين الصخور0
كانت جثَّة رجل مجهول الهويَّة ,مشوَّه الملامح ,مقيَّد بالحبال وشبه عار0
لم يتعرَّف أحد على الجثة شأن كلِّ جثَّة تحملها الأمواج عادة إلى شواطىء الجزيرة0
أخطر المخفر بامر الجثة فأُمر بدفنها في المقبرة قرب مدافن الغرباء بعد الصَّلاة عليها0
في المساء جلس عادل أمام التلفاز يشاهد نشرة الأخبارمن إحدى المحطَّات الكثيرة والتي يلتقطها الهوائى بسهولة في الجزيرة0
وعندما دعته زوجته للعشاء اعتذر بلباقة بحجَّة عدم شعوره بالجوع ولفقدان الشَّهيَّة 0
وبإلحاح من والدته تناول بضع لقيمات عاد بعدها لمتابعة النشرة الجويَّة في التلفزيون المحلي0
سألته والدته وقد جلست بالقرب منه:هل توصَّلوا لمعرفة صاحب الجثة ؟
أجابها دون اكتراث:من هم؟
هي: رجال المخفر0
قال ببرود:إنَّهم بضعة رجال وهم ليسوا بمحقِّقين0
فسألته:ومن سيتولَّى التَّحقيق إذن؟
فأجابها مشفقاً: لاتشغلي بالك ياأمّ عادل 0هم يعرفون عملهم أكثر منا0
فسألته بحزن:وأهل الغريق ألن يسألوا عنه؟
أجابها: حتماً هم يسألون ولكن لاأحد يعرف عنهم شيئاً0
قالت :أهو من بلدنا؟
أجابها: ربَّما أو من بلد عربي أو أجنبي00البحر واسع ياأمي والأمواج تقرب البعيد وتبعد القريب0
اقتربت منه قليلاً وهمست في أذنه: هل في الأمر جريمة؟
أجابها بفتور:ربَّما فالجثَّة وجدت مقيَّدة بالحبال:
سألته: ولِمَ قيَّدوه بالحبال؟
أجاب بضيق: لم أكن معهم عندما قيَّدوه0
فسألته: هل ألقي من إحدى السفن إلى البحر؟
أجابها وهو ينظر إلى زوجته:ربَّما أو قد يكون مات في السفينة فألقوه في البحرلأن البحر مقبرة أموات السفن,أو قد يكون قُتِلَ فيها مقيَّداً ثمَّ القوه للتَّخلص من آثار الجريمة أو ربَّما قتل فوق اليابسةوالقي في البحر فحملته الأمواج الينا أو قد يكون انتحرو
فقالت وهي تنظرإلى سراب التي كانت تصغي إليهما: من الأفضل أن تبقى صيَّاداً إن شبعنا يوماً أو جعنا سنة0
جثَّة الغريب حرَّكت الألام المُسَكَّنة بمشاغل الزَّمن 00هيَّجت الشجون الدَّفينة في الصدور فتمرَّدت على سجَّانيها وتفجَّرت براكين دمع غسلت بها النسوة قبور الأحبَّة أباً00أخاً00زوجاً وولداً
وأمَّا الذين لم يؤتى بجثثهم إلى الجزيرة فقد زار ذووهم قبور الغرباء ووضعوا فوقها الرياحين0
استطاعت هذه الجثَّة المنتفخة أن تفجِّر طاقات ٍ إبداعية في رواية القصص المحزنة عن أبطال حقيقيين من أهل الجزيرة غادروها وهم يبتسمون وعادوا إليها في توابيت مغلقة أو لم يعودوا كالغرباء0
ومنهم من ذهب للعلم فقتل قبل أن يعود لرفضه العمل في دول الأعداء 0
فقالت سراب وهي تسمع مثل هذه القصص : عندما يصبح لي طفل لن ارسله للدراسة هناك 0
وتمر الأيام يطويها الزمن في سجله يوماً بعد يوم ويلقي بها في ملَّفات العمر
المهملة ,يثور خلالها البحر ويهدأ00يثور ويهدأ ويعلو بطن سراب ثم يبدأ بالهبوط,تحدد القابلة القانونية التي تقيم في الجزيرة موعد الولادة التي ستتم في البيت لعدم وجود مستشفى لأجل هذا الغرض0
لاشيء يستوجب القلق هكذا قالت القابلة
مع تحيات
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
لك نفس قصي بارع وأسلوب فني راقي
مهارة عالية في التعبير وبراعة في التصوير..
أتابع قصتك بكثير من المتعة...
ولك تحياتي وودي.
:v1::0014:
ناديه محمد الجابي
28-01-2023, 08:08 PM
الحلقة الأخيرة
سترك يارب,ضاقت الحيلة,أحسَّ الجميع بأنَّهم حقيقة يعيشون في المنفى خلف الأمواج الغاضبة , فهاهو البحر يحاصرهم بقسوته المعتادة وجبروته, بينما رحم سراب يحاصر الأمل بظلام اليأس0
آه منك أيتها الحبيبة إنَّك جزيرة القسوة والرَّحمة معاً,الحب والكراهية ,الفقر والغنى, أبداً تظلِّين بوجهين ,طاهرة كالبحر,طاغية مثله0
السماء تمطر ,البحر يموج بالزَّبد, وسراب تنزف بالوجع, وجنين يُحتضربحنان الرَّحم0
صرخت أم سراب والحسرة تلتهم قلبها خوفاً على ابنتها :أ نقذوا ابنتي
افعلوا أي شيء
أحضروا طائرة مروحيَّة تسعفها
أرجوكم
لاتدعوها تموت 0
بالأمس أطلقت علية نكتة ساذجة في سهرة مع نساء الجزيرة عندما قالت بأنهم بحاجة لطائرة تحضر المعلمات والمعلمين وتمون البلد بالطعام في الأحوال الجوية السيِّئة واليوم أصبحت النكتة واقعاً ملموساً, فهم بحق بحاجة لطائرة حوامة تساعدهم وقت الشِّدة , قد تنقذ طفلاً
غريقاً
تسدُّ جوعاً
وقد تكون عوناً في حالة ولادة عسيرة كتلك التي تواجه سراب اليوم0
صباح الجمعة,الناس نيام , والشمس مازالت في حضن أمِّها في الشرق البعيد تستعد لمغادرته إلى عالمنا الجميل,ولكن عادل سبقها بمغادرة بيته وهاهويديرمحرِّك مركب الصَّيد الذي استأجره,يحمل فيه زوجته إلى المدينة الساحلية حيث المستشفيات والأطباء متحدِّياً جنون البحر, ودويَّ العاصفة ,وهطول الأمطار0
صعدت علية المركب لتبقى بجانب ابنتها علَّها تخفف عنها بعض الألم,وأصرَّت أمُّ عادل على الذهاب معهم فهي مازالت تنتظر( هاشم) ولا تريد أن يهرب منها مرَّة ثانية وستكون في مقدِّمة مستقبليه ,أما (الداية) فقد رفضت مرافقة سراب خشية الغرق ,فالبحر لايرحم أحداً عندما يكون في حالة ثورة وهياج0
خرج الزَّورق من الميناء الصَّغير وصراخ سراب يعلو فوق صوت محرِّكه0 بينما كانت المرأتان المرافقتان لها تتلوان بعض آيات القرآن الكريم برجاء إلى الله أن ينقذ (سراب) مما تعانيه 0
اصطفَّ المودِّعون على رصيف الميناء يشاهدون تصارع الأمواج الصَّاخبة مع الزورق المسالم الذي خرج في مهمة إنسانية ولكن الأمواج المحتدَّة كانت تجهد بعنف ووحشية لابتلاعه ومن على متنه ,لايهمها (هاشم) الذي كان هو الآخر يجاهد في رحم أمه في سبيل الحياة, ولا جدة هاشم المتشوقة لقدومه الحبيب ولا سراب التي أنهكها آلام المخاض0
توقَّف المركب للحظات غاب بعدها عن أعين المراقبين سقطت القلوب إلىالركب,واتسعت العيون ووقف الجميع على رؤوس أصابع أقدامهم لاستجلاء الأمر,ظهر الزورق من جديد متوجِّهاً نحو الجزيرة, وهو يقطع الأمواج ببطء شديد0
ارتفعت القلوب إلى الحناجر,ولكن مالبثت أن سقطت ثانية إلى الأقدام عندما توقَّف المركب قرب الرَّصيف0
هرع الجميع لاستطلاع النَّبأ,ماذا هناك ؟
ماالأمر؟!!!
لماذا عاد الزورق إلى الجزيرة ؟
هل أصابه عطلٌ ما؟
لالا ربما تكون سراب قد ولدت هاشم بتحريض الخوف من مجابهة البحرأو ربما000وعندما اقتربوا من الزورق جاء الجواب مؤلماً ,مبكياً حدَّ الألم,
إنّها سراب ,هدأت , نامت بسلام ,لم تعد تصرخ ,رأوها مسجاة بلا حراك في بركة من الدِّماء وأمَّا (هاشم) فقد آثر الموت في دور الظَّلام0
وعند الظُّهر هدأت العاصفة وكأنَّ شيئاً لم يكن ,هكذا هو البحر يثور بعنف ويهدأ بروعة وجمال ,ولكن هل يهدأ حزن القلوب في الجزيرة المنفية خلف الأمواج في أيام العواصف والأنواء ؟؟؟؟؟
ربَّما ولكن
عندما يأتي الأمل!!!!!!!
تمت بعونه تعالى
لاتستغل في أعمال فنية دون الرجوع إلى مؤلِّفتها بنت البحر
ولا تنقل إلى منتديات أخرى دون ذكر المؤلِّفة
قصة من تأليف
بنت البحر
يكفيكم فخراً فأحمد منكم***وكفى به نسباً لعزِّ المؤمن
نهاية مؤلمة مبكية وقفلة صادمة حزينة
لقصة عالية الحبكة ، مميزة السرد، عميقة الطرح لأديبة متمكنة..
دمت بكل خير زاهية
ولك تحياتي وودي.
:v1::008::002:
زاهية
28-01-2023, 10:32 PM
أسعدني حضورك في رفع الرواية
لا أخفيك سرا شعرت بالحزن وأنا أقرأ
هاتين الصفحتين خاصة موت سراب
فأنا أعرفها جيدا رحمها الله
" فاطمة بنت الجيران".
بارك الله فيك ياغالية
:0014::0014:
أختك
زاهية بنت البحر
مريم محمد يمق
:tree::os::tree:
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir