تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الرصاصة المفقودة



ياسر خالد
10-12-2011, 11:41 PM
لم ينم تلك الليلة أصوات انفجارات القذائف تارة تكون قريبة تجعل الفانوس المعلق يهتز ويهتز معه خياله المرسوم على الجدار.... سأل نفسه بيوت طينية وقذائف تنفجر لابد من وقوع خسائر شهداء وجرحى" الله الستار" قالها بصوته الأجش
في زاوية الغرفة صندوق خشبي مرسوم عليه هلال ونجمة, لقد ورثه وما فيه عن أبيه الذي أوصاه بأن لا يستعملها إلا عند الحاجة القصوى, لم يلتزم بالوصية كما يجب, نعم استعملها في عرس ابن المختار وعند نجاح ابنه في الإعدادية, قبل يومين أخرجها من جرابها, أزال عنها الغبار ومسحها بزيت زيتون وتأكد من عملها بشكل جيد ثم أعادها إلى جرابها
شاهده ابنه محمود وقال مازحا لماذا لا تبيعها وتشتري كلاشنكوف او عوزي, فهذه كالعصا لا تصلح إلا للاتكاء عليها أو للهش على الغنم, غضب من ابنه واعتبرها إهانة قاسية زجره وصاح بوجهه مذكرا من قتل الكلب المسعور الذي افزع سكان المخيم ومن أصاب الأفعى على أم رأسها فسقطت دون حراك في حاكورة أبو درويش, الم تشبع من لحم الغزال السنة الماضية
رد ولده قائلا إن الرصاصة التي تخرج منها لا نستطيع تعويضها, لا يوجد لها طلقات حتى في تركيا التي صنعتها.. الله كريم وبيدبرها.... قال وبصوت خافت....... مشكلة عويصة إذا فقد الرصاصات
لقد عد الرصاصات مرارا وتكرارا عسى أن يكون مخطئا فتزيد واحدة أو أكثر لكن دون جدوى عشر رصاصات لا غير نعم يجب أن تستقر كل رصاصة في مكانها المناسب.
هدأت أصوات الإنفجارات. حاول النوم جالسا ومتكئ على الجدار. لكن صوت المؤذن أيقظه "الصلاة خير من النوم" قام ببطء متخذا الجدار عكاز له, توضأ وشرع بإقامة الصلاة, لقد أطال الركوع والسجود على غير عادته ثم أيقظ زوجته وسألها أن تعد له زوادة... ربطت الزوادة بمنديل رغيف.... خبز طابون وحبات من الزيتون .
علق البندقية على كتفه ..وضع علبة التبغ في جيبه وحمل زوادته , سألته العجوز عن وجهته ... قاصدا وجه الكريم.... قال دون أن ينظر إليها
تجاوز بيوت المخيم من جهة الشرق ... كانت خمسينية الشتاء في أواخرها هذه أيام سعد الخبايا .. تخرج الثعابين من جحورها في هذه الأيام ... تمنى أن يرى إحداها فيقنصه لكي يقنع ولده انه لا زال قادرا على التصويب وبدقة عالية هذه البندقية التي لم ولن تخذله .
شاهده راعي غنم المخيم أخفى ضحكته.... من يرى البندقية على كتفه يظنه حاملا بيرقا, إنها ترتفع عن رأسه ذراعا أو أكثر.
نزل الوادي فلم يجد أي طريدة ,لا بد من اصطياد شيء ,لا بد أن يعود بصيد... أشعل سيجارة وبدء يصعد التلة, قال لنفسه أتظن انك لا تزال شابا نعم.... بندقية ثقيلة وحذاء سميك وقديم وصعود هذا الجبل والله الشباب لا يستطيعون فعلها ... بعد جهد ارتقى قمة التلة ...مع هواء البحر الرطب وبرودة الجو شعر بحيوية ونشاط بحث عن مكان يرصد منه طرائده نعم هذا مكان مناسب بحيث يرى ما حوله ولا يراه احد, اخرج الزوادة من المنديل واكل شطرها ... كان يصغي إلى كل صوت حتى أثناء مضغ الطعام .. بعدها أشعل سيجارة ثم الثانية.. والثالثة لم ير أية طريدة ..فقد الأمل.. حتى سمع ضوضاء من جهة الشرق, لابد أن تكون طريدة كبيرة, نظر مليا ..دقق النظر.. وضع رصاصة في البندقية أطلقها ثم الثانية والثالثة ظل يطلق إلا أن هدأت الضوضاء ...... سمعت زوجته أصوات الرصاص قالت: لابد انه فقد عقله لم يطلق طول حياته هذا الكم من الرصاص.
بعد ساعة رجع خالي الوفاض ولا حتى منديل الزوادة, أين صيدك سألته العجوز ... تركته هناك ... لم استطع حمله... ماذا كان صيدك .. سأله ابنه ... ستعرف ماهية الصيد من الراديو عند المساء.
كان أول خبر سقوط ثمان قتلى من جنود اليهود, ولم تعثر لجنة الأدلة الجنائية إلا على ثمان أغلفة لرصاص بندقية قديمة وبذور زيتون و أعقاب سجاير من النوع الرخيص ومنديل كتب عليه صنع في غزة
فرح الجميع إلا هو تجشم وجهه قال أطلقت ثمان رصاصات ولم أجد في جيبي إلا رصاصة واحدة هناك رصاصة مفقودة هناك رصاصة مفقودة
بعدها وضعها في الصندوق وقال لولده هذه بندقية جدك لا تبدلها بكلاشنكوف او برشاش عوزي ولا حتى بمدفع هاون.
انتهت

محمد النعمة بيروك
11-12-2011, 04:25 PM
مدهشة هذه القصة.. معبّرة و مؤثرة.. لقد أسرتني بسلاسة حتى تلك النهاية التي هزتني من الداخل.. ورغم تبنيها لفكرة المقاومة، إلا أنها قصة قابلة للتأويل، وتحمل أكثر بكثير من الكلمات التي تكونها..
فقط أود الإشارة إلى أن بعض الأمور التنظيمية المظهرية كانت لتزيد جمال هذا النص جمالا، حيث لم تُعزل الجمل الحوارية، وغابت علامات الترقيم في بعض المواضع.. أيضا هناك القليل من الهنات النحوية و الإملائية مثل :قام ببطء متخذا الجدار عكازا له" و "أشعل سيجارة و بدأ يصعد التلة"..
لكن كل هذا لا ينقص هذه القصة القصيرة الرائعة..

تقبل إعجابي بما كتبتَ أخي القاص ياسر خالد..

تحياتي.

فايدة حسن
11-12-2011, 08:18 PM
لله دره ما اعظم هذا الصيد ثمانية ببندقية قديمة لكن تمسكها يد قوية عفية باذن الله في الدفاع عن الوطن

أحمد عيسى
11-12-2011, 09:18 PM
كنت سأود انتقادك لأن البطل هنا يذهب للجهاد وهو يدخن
ثم تراجعت
ليس لأني غيرت رأيي
ولكن لأني تذكرت أن هذه القصة بحذافيرها حقيقية
وتحكي قصة البطل ثائر حماد ، الذي قام بعملية وادي الحرامية
ولكن التفاصيل اختلفت قليلاً
فثائر قام باطلاق 26 رصاصة ، أصابت 19 جندياً ، وقتل منهم 11
ولو لم تنفجر البندقية في يديه لأصاب وقتل أكثر
العملية كانت بتاريخ لا أنساه
3-3-2002

وهو يقول في رسالة لوالدة أحد الجنود الذي قتلوا في العملية هرِّبت من سجنه

(ان مدرسة التاريخ أثبتت ان الشعب الذي لا يقاوم الاحتلال بكل الوسائل وخاصة المسلحة منها ، لا يمكن ان ينتزع حقوقاً ولكم عبرة في حلفائكم الأميركيين الذين لم يجروا ذيول هزيمتهم من فيتنام وان جيشكم لم ينسحب من لبنان إلا بالمقاومة والبطولات فتعلموا من تجارب التاريخ وارفعوا أيديكم عن أرضنا وشعبنا وهوائنا وإلا فان قتل القتلة واجب علينا التمسك به) .

الآن وبعد 30 جلسة من المحاكمات ، حكم على هذا البطل بقضاء 11 مؤبد في سجون الاحتلال

لعلك قصدته ، أو استوحيت قصتك منه ، وهذا ليس عيباً بل أنني أحب من يوثق بطولات الشعب الفلسطيني في أدبه
فتلك هي الرسالة التي يجب أن نؤديها ، بل وهي رسالتي فيما أكتب أنا

شكري لك أخي القدير

أحمد عيسى
11-12-2011, 09:19 PM
لا أنسى أن أذكرك بعلامات الترقيم وضرورة الاعتناء بها كما نبه الأخ محمد النعمة بيروك

آمال المصري
15-12-2011, 02:59 AM
لن أزيد على ماقاله الأفاضل هنا إلا الثناء على النص الذي أخذني للمتابعة بنهم لجمال الحكي
مرحبا بك في ربوع الواحة
وننتظر جديدك
تحيتي الخالصة

ياسر خالد
18-12-2011, 09:30 PM
مدهشة هذه القصة.. معبّرة و مؤثرة.. لقد أسرتني بسلاسة حتى تلك النهاية التي هزتني من الداخل.. ورغم تبنيها لفكرة المقاومة، إلا أنها قصة قابلة للتأويل، وتحمل أكثر بكثير من الكلمات التي تكونها..
فقط أود الإشارة إلى أن بعض الأمور التنظيمية المظهرية كانت لتزيد جمال هذا النص جمالا، حيث لم تُعزل الجمل الحوارية، وغابت علامات الترقيم في بعض المواضع.. أيضا هناك القليل من الهنات النحوية و الإملائية مثل :قام ببطء متخذا الجدار عكازا له" و "أشعل سيجارة و بدأ يصعد التلة"..
لكن كل هذا لا ينقص هذه القصة القصيرة الرائعة..

تقبل إعجابي بما كتبتَ أخي القاص ياسر خالد..

تحياتي.
اشكرك استاذ محمد على المرور الكريم
الحق كل الحق بما اشرت اليه ولكن ارجو ان تلتمس لي عذرا ..... انها لوحة المفاتيح التي لم استطع اتقانها
مع تحياتي

ربيحة الرفاعي
02-01-2013, 07:14 AM
سرد باهر وتشويق بلغ مداه في قصة موضوعها في حد ذاته شائق ومهارة القاص أيضا
شكرا لبديع حرفك ووضوح هدفك

دمت بالق

تحاياي

سامية الحربي
02-01-2013, 09:44 PM
الرسالة التي وصلتني من هذه القصة الرائعة الحرص الشديد على الموروث حتى لو كان حملاً ثقيلاً فالبطل ورث عن والده البندقية ولم يفرط فيها وبالتالي لم يفرط في أرضه لذا بحث عن الطرائد حالما حامت حول الحمى .سرد رائع . شكراً جزيلاً لك. تحياتي وتقديري.

محمد الشرادي
02-01-2013, 10:13 PM
لم ينم تلك الليلة أصوات انفجارات القذائف تارة تكون قريبة تجعل الفانوس المعلق يهتز ويهتز معه خياله المرسوم على الجدار.... سأل نفسه بيوت طينية وقذائف تنفجر لابد من وقوع خسائر شهداء وجرحى" الله الستار" قالها بصوته الأجش
في زاوية الغرفة صندوق خشبي مرسوم عليه هلال ونجمة, لقد ورثه وما فيه عن أبيه الذي أوصاه بأن لا يستعملها إلا عند الحاجة القصوى, لم يلتزم بالوصية كما يجب, نعم استعملها في عرس ابن المختار وعند نجاح ابنه في الإعدادية, قبل يومين أخرجها من جرابها, أزال عنها الغبار ومسحها بزيت زيتون وتأكد من عملها بشكل جيد ثم أعادها إلى جرابها
شاهده ابنه محمود وقال مازحا لماذا لا تبيعها وتشتري كلاشنكوف او عوزي, فهذه كالعصا لا تصلح إلا للاتكاء عليها أو للهش على الغنم, غضب من ابنه واعتبرها إهانة قاسية زجره وصاح بوجهه مذكرا من قتل الكلب المسعور الذي افزع سكان المخيم ومن أصاب الأفعى على أم رأسها فسقطت دون حراك في حاكورة أبو درويش, الم تشبع من لحم الغزال السنة الماضية
رد ولده قائلا إن الرصاصة التي تخرج منها لا نستطيع تعويضها, لا يوجد لها طلقات حتى في تركيا التي صنعتها.. الله كريم وبيدبرها.... قال وبصوت خافت....... مشكلة عويصة إذا فقد الرصاصات
لقد عد الرصاصات مرارا وتكرارا عسى أن يكون مخطئا فتزيد واحدة أو أكثر لكن دون جدوى عشر رصاصات لا غير نعم يجب أن تستقر كل رصاصة في مكانها المناسب.
هدأت أصوات الإنفجارات. حاول النوم جالسا ومتكئ على الجدار. لكن صوت المؤذن أيقظه "الصلاة خير من النوم" قام ببطء متخذا الجدار عكاز له, توضأ وشرع بإقامة الصلاة, لقد أطال الركوع والسجود على غير عادته ثم أيقظ زوجته وسألها أن تعد له زوادة... ربطت الزوادة بمنديل رغيف.... خبز طابون وحبات من الزيتون .
علق البندقية على كتفه ..وضع علبة التبغ في جيبه وحمل زوادته , سألته العجوز عن وجهته ... قاصدا وجه الكريم.... قال دون أن ينظر إليها
تجاوز بيوت المخيم من جهة الشرق ... كانت خمسينية الشتاء في أواخرها هذه أيام سعد الخبايا .. تخرج الثعابين من جحورها في هذه الأيام ... تمنى أن يرى إحداها فيقنصه لكي يقنع ولده انه لا زال قادرا على التصويب وبدقة عالية هذه البندقية التي لم ولن تخذله .
شاهده راعي غنم المخيم أخفى ضحكته.... من يرى البندقية على كتفه يظنه حاملا بيرقا, إنها ترتفع عن رأسه ذراعا أو أكثر.
نزل الوادي فلم يجد أي طريدة ,لا بد من اصطياد شيء ,لا بد أن يعود بصيد... أشعل سيجارة وبدء يصعد التلة, قال لنفسه أتظن انك لا تزال شابا نعم.... بندقية ثقيلة وحذاء سميك وقديم وصعود هذا الجبل والله الشباب لا يستطيعون فعلها ... بعد جهد ارتقى قمة التلة ...مع هواء البحر الرطب وبرودة الجو شعر بحيوية ونشاط بحث عن مكان يرصد منه طرائده نعم هذا مكان مناسب بحيث يرى ما حوله ولا يراه احد, اخرج الزوادة من المنديل واكل شطرها ... كان يصغي إلى كل صوت حتى أثناء مضغ الطعام .. بعدها أشعل سيجارة ثم الثانية.. والثالثة لم ير أية طريدة ..فقد الأمل.. حتى سمع ضوضاء من جهة الشرق, لابد أن تكون طريدة كبيرة, نظر مليا ..دقق النظر.. وضع رصاصة في البندقية أطلقها ثم الثانية والثالثة ظل يطلق إلا أن هدأت الضوضاء ...... سمعت زوجته أصوات الرصاص قالت: لابد انه فقد عقله لم يطلق طول حياته هذا الكم من الرصاص.
بعد ساعة رجع خالي الوفاض ولا حتى منديل الزوادة, أين صيدك سألته العجوز ... تركته هناك ... لم استطع حمله... ماذا كان صيدك .. سأله ابنه ... ستعرف ماهية الصيد من الراديو عند المساء.
كان أول خبر سقوط ثمان قتلى من جنود اليهود, ولم تعثر لجنة الأدلة الجنائية إلا على ثمان أغلفة لرصاص بندقية قديمة وبذور زيتون و أعقاب سجاير من النوع الرخيص ومنديل كتب عليه صنع في غزة
فرح الجميع إلا هو تجشم وجهه قال أطلقت ثمان رصاصات ولم أجد في جيبي إلا رصاصة واحدة هناك رصاصة مفقودة هناك رصاصة مفقودة
بعدها وضعها في الصندوق وقال لولده هذه بندقية جدك لا تبدلها بكلاشنكوف او برشاش عوزي ولا حتى بمدفع هاون.
انتهت


أستاذ ياسر

نص مائز يا أخي. كلما أوغلت فيه إلا و ازداد تشويقا.
نعم الوصية بندقية تقتل 8 صهاينة جديرة بالحفاظ عليها.
مودتي

ناديه محمد الجابي
03-01-2013, 06:16 AM
قصة رائعة .. مبهرة
بين سرد سلس مشوق ممتع
وتصوير وصفى معبر
طاب لى المكوث هنا بين حروفك
فقصص المقاومة والبطولة تستهوينى
دام القلم وصاحبه .

لانا عبد الستار
16-01-2013, 07:31 AM
لحكايا المقاومة أثر تشويقي يغلب النص
وقد اجتمعت عندك مع سرد مشوق
أشكرك

نداء غريب صبري
09-02-2013, 03:15 PM
قصة مشوقة وسرد جميل
وموضوع المقاومة دائما مشوق

شكرا لك اخي

ناصر أبو الحارث
10-03-2013, 07:50 PM
ثمانية قتلى ببندقية صيد قديمة
هذه هي الروح المقاومة
لا يضعفها نقص العتاد